الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

ورشة المنامة والتحوّلات الاستراتيجية في الموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية في ظل إدارة ترامب

اعداد : منصور أبو كريم – باحث في الشؤون السياسة والعلاقات الدولية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

جاءت ورشة المنامة كتعبير عن التحوّلات الاستراتيجية في الموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية وقضايا الحل النهائي، عبر الانتقال الفج من الحل السياسي للحل الاقتصادي على أساس رؤية السلام الاقتصادي الذي يتبناها اليمين المتطرف في إسرائيل منذ سنوات للهروب من استحقاقات عملية السلام، بقيام دولة فلسطينية على حدود 1967، كأساس للتسوية العادلة وفق قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام، عبر الحديث عن الازدهار مقابل السلام!

ويمكن لنا تناول رؤية السلام الاقتصادي عبر ورشة البحرين، والتحول الاستراتيجي في الموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية وقضايا الحل النهائي في سياق العرض التالي:

أولاً: ورشة المنامة (الازدهار من أجل السلام)

جاءت ورشة البحرين التي استضافتها العاصمة البحرينية “المنامة” كتعبير عن السلام الاقتصادي كأساس لحل القضية الفلسطينية من جانب، والبحث عن نظام شرق أوسطي جديد من جانب آخر، تكون فيه إسرائيل لاعب أساسي على المستوى السياسي والاقتصادي والامني، عقب استبدال الصراع العربي الإسرائيلي بالصراع مع إيران، وتصوير إيران والجماعات الإرهابية كخطر يجب على جميع الدول التكاتف لمواجهته على كافة المستويات في إطار “ناتو عربي” يضمن إسرائيل ودول الاعتدال العربي.

وقامت الخطة الأمريكية من ” السلام من أجل الازدهار على مجموعة من المبادئ والتصورات التي تسعي لتطوير الاقتصاد الفلسطيني لتكون الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية بديلة عن الحقوق السياسية، فقد نصت الوثيقة على مجموعة من المبادرات والأهداف، هي كتالي:

المبادرات:

  • إطلاق العنان للاقتصاد الفلسطيني
  • تحسين التعليم الفلسطيني
  • تعزيز الحوكمة والخدمات الحكومية

بالنظر لهذه المبادرات نجد أنها تسعى لطوير الاقتصاد الفلسطيني وفق ضح استثمارات عديدة تقدر بحوالي 27 مليار دولار على عشرة سنوات، لكي تزيد مستوى الدخل الفردي، بحيث يكون الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية بديلة عن الحقوق السياسية.

الأهداف:

  • زيادة الصادرات الفلسطينية لكي تساهم بحوالي 40 % من الناتج المحلي بدل 17 % في الوقت الحالي.
  • ضمان التوفر المستمر للكهرباء بأسعار ميسورة.
  • مضاعفة إمدادات المياه الصالحة للشرب.
  • تحسين الخدمات المعلوماتية (الانترنت، ونظم المعلومات).
  • زيادة حصة الاستثمار الأجنبي في الناتج المحلي الفلسطيني لكي يصل 8 في %بدل 1 %.

الخطة الأمريكية التي نوقشت في المنامة ” الازدهار من أجل السلام”، والتي تضمنت ثلاث فصول وأربعين صفحة، تسعى لتحسين الاقتصاد الفلسطيني بدون أفق سياسي، واستبدال الحل السياسي بالرفاهية الاقتصادية لشعب يعيش تحت احتلال، مع دمج إسرائيل في سوق شرق أوسطية جديدة، تكون فيه إسرائيل رأس حربة، على المستوى السياسي الاقتصادي والأمني.

ثانيًا: التحوّلات الاستراتيجية في الموقف الأمريكي

على الرغم من كون الإدارات الأمريكية السابقة كانت تميل دائماً لتبني الموقف الإسرائيلي في نظرتها لعملية السلام والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، الأمر الذي كان يعبر عنه دائما “بالانحياز” الأمريكي  الدائم والثابت “لإسرائيل”، سواء في أوقات السلم أو الحرب، باعتبار أن أحد أهم مرتكزات السياسية الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط تقوم على أساس ضمان أمن واستقرار إسرائيل، كثابت من ثوابتها على مختلف مراحل تطور السياسية الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة خلال 70 عام الماضية، إلا أن إدارة الرئيس دونالد ترامب كسرت هذه المعادلة وجنحت جنوحًا كبيرًا تجاه تبني مواقف اليمين المتطرف في إسرائيل بصورة كلية في مقاربتها الجديدة للتعامل مع المسألة الفلسطينية، ونظرتها ورؤيتها للحل الذي تحاول تمريره ضمن ما يعرف “بصفقة القرن”.

التحول الاستراتيجي في الموقف الأمريكي الجديد الذي جاءت به إدارة ترامب يفرض العديد من التحديات على القيادة والشعب الفلسطيني بكل اطيافه، كون الموقف الأمريكي في ظل إدارة ترامب شهد تحولاً استراتيجيًا في المواقف الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، هذا التحوّل الاستراتيجي في الموقف الأمريكي يمكن الاستدلال عليه من خلال ثلاثة مؤشرات رئيسية:

المؤشر الأول: الانتقال من الحل السياسي للحل الاقتصادي القائم على أساس الازدهار الاقتصادي كبديل عن الحل السياسي. فإدارة ترامب تبنت المقاربة الاقتصادية كمدخل لحل المسألة الفلسطينية، كبديل عن الحل السياسي القائم على أساس الحرية والاستقلال من الاحتلال الإسرائيلي.

وفي هذا الأمر تبني كامل لمشروع اليمين الإسرائيلي الذي نظر له رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية بنيمين نتنياهو عند عودته للسلطة مرة ثانية في العام 2009، كون أن هذا المشروع الذي يرتكز على استبدال الحل السياسي بالتعاون والتبادل التجاري بين الفلسطينيين والعرب من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، ضمن إطار شرق أوسط جديد، وما جاءت به خطة السلام من أجل الازدهار وورشة البحرين خير تطبيق لهذه الرؤية.

المؤشر الثاني: الانتقال من مبدأ حل الدولتين إلى مبدأ حل الدول الواحدة، أي نفي لإمكانية قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس الشريف، والانتقال من منطق الاستقلال والحرية للشعب الفلسطيني لمنطق الحكم الذاتي تحت السيادة الإسرائيلية في إطار دولة إسرائيلية واحدة ما بين البحر النهر، مع العودة لمنطق الوصاية العربية، وفق المقاربة الأمريكية الجديدة التي تعمل على أساس مأسسة الوضع الراهن الذي استطاعت إسرائيل تثبيته خلال فترة الاحتلال منذ عام 1967 وحتى الوقت الراهن.

أيضا هذا التحوّل في الموقف الأمريكي تجاه أسس عملية السلام ومبدأ حل الدولتين جاء متوافق مع رؤية اليمين الإسرائيلي التي لا ترى أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية على الأرض الفلسطينية، لذلك قال كوشنير قبل أسابيع “الفلسطينيون غير جدرين بحكم أنفسهم” وفي هذا تعبير على انتقال الموقف الأمريكي تجاه المسألة الفلسطينية من منطق الحقوق السياسية لشعب تحت الاحتلال وحقه في الاستقلال والحرية وفق مبدأ حق تقرير المصير الذي أكدت عليه الجمعية لعامة للأمم المتحدة في أكثر من قرار لصالح الشعب الفلسطيني، لمبدأ الحكم الذاتي، أي العودة إلى ما قبل نشأة منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1964، التي جسدت الكينونة الوطنية في إطار حق تقرير المصير.

المؤشر الثالث: للتحوّل الاستراتيجي في المواقف الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية في ظل إدارة ترامب؛ الانتقال من الحل المتفق عليه وفق قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام إلى منطق الحلول المفروضة على الجانب الفلسطيني، مستغلة حالة الضعف الفلسطيني الذي تسبب بها الانقسام الفلسطيني، وحالة الضعف والهوان والعربي، والتحوّلات في البيئة الاستراتيجية العربية وبروز الصراع مع إيران على حساب الصراع العربي الإسرائيلي.

هذا التحوّل في الموقف الأمريكي عبر الانتقال من الحل المتفق عليه إلى الحل “المفروض” عبرت عنه إدارة ترامب عبر العديد من القرارات التي اتخذتها خلال العامين الماضيين، والتي تهدف من خلالها لشطب قضايا الحل النهائي من على طاولة المفاوضات، لتسهيل الحل “المفروض” أمريكياً، على العرب والفلسطينيين مستغلة بذلك حالة الضعف العربي والفلسطيني، بدأ من قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل مرورًا بقرار وقف تمويل الأونروا لشطب قضية اللاجئين، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ووقف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية والمجتمع المدني الفلسطيني، فكل هذه القرارات كانت ومازالت تهدف لفرض الحل الأمريكي على الشعب الفلسطيني في الوقت الراهن.

لا شك أن التحوّلات الاستراتيجية في الموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية وأسس عملية السلام، وفق المقاربة الأمريكية الجديدة التي تقوم على أساس مأسسة الوضع القائم الذي استطاعت إسرائيل تثبيته خلال فترة احتلالها للأرض الفلسطينية منذ عام 1967م وحتى الآن، تجعل من الولايات المتحدة الأمريكية شريك لإسرائيل في احتلالها للأرض الفلسطينية وليس وسيطًا لعملية السلام، -إن كان هناك مازالت عملية سلام-، الأمر الذي يفرض على الشعب الفلسطيني بكل قواه وقيادته العديد من التحديات المصيرية في مواجهة هذا التحوّل والتغول في الموقف الأمريكي تجاه حقوقنا ومكتسبتنا الوطنية.

وعليه يمكن القول إن التحوّلات الاستراتيجية في الموقف الأمريكية تجاه الحقوق الفلسطينية ومحاولتها ضرب أسس القضية الفلسطينية، عبر مجموعة من القرارات تسعى من خلالها لتثبيت الوضع القائم، الأمر الذي  يفرض على الجميع الخروج من نفق الانقسام الفلسطيني البغيض، والاتجاه نحو ترميم الوحدة الوطنية الفلسطينية، والاتفاق على برنامج وطني واستراتيجية شاملة لمواجهة الموقف الأمريكي، على أن تنطلق من تحصين الجبهة الداخلية الفلسطينية وتوحيد الصف الوطني الفلسطيني كضرورة وطنية تفرضها خطورة اللحظة التاريخية التي يمر بها الشعب الفلسطيني في ظل إصرار إدارة ترامب شطب هويته السياسية حقوقه الوطنية، والعودة به لمنطق الحكم الذاتي كأقلية وليس كشعب صاحب حقوق سياسية كباقي شعوب المعمورة، كما جاء في وعد بلفور قبل أكثر من 100 عام.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى