الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

الرقابة العسكرية الإسرائيلية وصياغة الرأي العام

Israeli Military Censorship and Drafting of Public Opinion

إعداد الباحث : أحمد أبو زهري – المركز الديمقراطي العربي

 

المحافظة على الرأي العام فى سياق صحي مستقر يخدم مصالحنا، وقيمنا الوطنية والتربوية والأخلاقية والأمنية ويشكل تحصينا للمجتمع أمام كل المحاولات الخبيثة والتحركات المشبوهة منها المنظم ومنها العشوائي التي تسعى دوما لتكدير صفو الطمأنينة العامة، وتعكير صفاء الحقائق وتحرف سكة القطار لينزلق الرأي العام فى واد شديد الوعورة حالك السواد، لتتسلل الضباع والذئاب المفترسة تداعب أنيابها وقد ارتفعت شهيتها لتمزيق الأجساد المنهكة التي هزها الخوف وتمالكها الإرباك وتثاقلت إلى الأرض بفعل الدعاية المسمومة والأخبار الكاذبة والأراجيف الملفقة، فى ظل معنويات مهشمة بفعل الاستهداف المتكرر، وقد أصبح المجتمع أسيرا لتعبئة فاسدة وموجهة نجحت فى شل أركان الصمود وقتلت أي قدرة على المواجهة والتحدي.

وأمام هذا العنوان الكبير فى ظل أهميته وحساسيته المفرطة ودقته وتأثيره فى تكوين القناعات وصياغة الرأي وتوجيه الجمهور وبسط أرضية الحقائق فى مواجهة ستار الرقيب العسكري الإسرائيلي، وسطوته وهو يصارع فى حلبة الحقائق وهو يحاول توجيه لكمات قاسية لنا فى جولات متعددة، ويشاغلنا فى بحور من وهم الأخبار والتسريبات والفبركات المصطنعة لاستدراجنا إلى ملعبه واستهدافنا ونحن نتساقط كالفراخ فى المزرعة الموبوءة بالعدوى.

وقد أعيتنا شهوة السبق والشهرة نلقف الطعم المسموم ثم ننقله إلى ساحتنا الفلسطينية دون فهم ودراية، لنساهم بغفلة وجهل فى تحقيق أهداف استخباراتية صهيونية تحاول استغلال النشطاء والفاعلين كدمى غير عاقلة تنقل المواد وتكرارها كببغاوات مبتهجة في فترة التدريب تتحدث دون أن تعي المعنى حتى لو كان ما تنطق به قد يسيء إلى أصحابها.

ومن هنا فإن عمل الرقيب العسكري الإسرائيلي ليس نشاطاً عابراً ولا جهداً عشوائياً ولا أداءً موسمياً، بل هي وحدة خاصة كلفت بهذا العمل الخطير لغايات مختلفة تخدم المصالح الأمنية الصهيونية وتهدف لحماية الرأي العام الإسرائيلي وصياغة الأفكار والمفاهيم والأخبار بطريقة تنسجم مع الرغبات والسياسات العامة الإسرائيلية مع الحرص على تفادى الإضرار بمصالح البلاد وتجنب ما من شأنه أن يثير المزاج العام وحالة الاستقرار لدى المواطن الإسرائيلي.

ونتناول هذا الموضوع أكثر تفصيلا من خلال أربعة محاور رئيسة وهي على النحو الآتي:

المحور الأول: مكونات وأقسام الرأي العام.

  • أولاً: الأقسام:

1-  الرأي العام العفوي: وهو ما يحصل مع جماعة فى وقت ومكان محدد ويتقلب وفق العوامل المؤثرة فيه، ومثاله حين يجتمع الناس حول حدث معين عفويًّا دون توجيه أو ترتيب مسبق.

2-  الرأي العام التحصيلي: وهو ما يريده الإنسان لتغيير بنية المجتمع من سيئ إلى حسن، أو من حالة فساد إلى حالة إصلاح، وحتى نتمكن من الوصول لهذه الغاية يجب العمل على تهيئة الرأي العام، والذي يمثل أداة فاعلة وحقيقية للوصول إلى الهدف.

3-  الرأي العام الخامل: وهؤلاء هم أشخاص فاقدو التأثير أو التأثر بالمجتمع المحيط، كأن يقف فريق من الناس فى موقف اللامبالاة أمام الحكومة بسبب حالة الضعف أو الخوف.

4-  الرأي العام الظاهري: وتتشكل صورته حين يتفاعل المجتمع أو الناس من خلال وسائل الإعلام المختلفة حين يعبرون عن آرائهم فى قضية معينة، وهذا يحدث فى المجتمعات الديمقراطية.

5-  الرأي العام الباطني: ويظهر من خلال رضى المجتمع عن شيء دون أن يظهر ذلك أو عدم القدرة على الإفصاح عن هذا الرضى وعدم القدرة على التعبير عن الرأي فيحتفظ فى باطنه بهذه المشاعر والقناعات والمفاهيم، ويكون سبب عدم الإفصاح عنها هو حالة الخوف من الضرر أو فوات بعض المصالح والمنافع.

6-  الرأي العام الكلي: وهو كل ما يتصل بقيم ومبادئ ومصالح متصلة بالدين والأخلاق العامة والعادات والتقاليد، والقوانين، والسياسات والمصالح والأهداف الوطنية العامة.

7-  الرأي العام المؤقت: ويتشكل الرأي العام المؤقت فى ظل ظروف ومدد محدودة تزول مع زوال قضية أو ظرف معين ومنها حدوث زلزال أو كارثة أو فيضان أو قتل أو استهداف.

8-  الرأي العام الفعال: ويكون فى هذه الحالة أكثر تحفيزا وإثارة وقادرا على إحداث فعل مباشر، مثل القيام بانتفاضة ضد الاحتلال، أو الثورة فى الشوارع وإسقاط حكومة أو إحداث خراب فى البلاد، أو إحداث تغيير حقيقي بفعل إرادة شعبية.

 

ثانياً: مكونات الرأي العام

  • الناس.
  • المعرفة.
  • القيم المشتركة.
  • الأحداث والوقائع.
  • الإعلام.
  • السلوك.
  • المعتقدات.
  • الأرض.
  • العادات والتقاليد.
  • الاتجاهات.
  • الأسرة.
  • المدارس.
  • الخرافات والأساطير.
  • القادة.

المحور الثاني: الرقابة العسكرية الإسرائيلية على الإعلام

الرقابة العسكرية الإسرائيلية وحدة عسكرية تابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية أمان، ويقودها ضابط رفيع يطلق عليه (الرقيب العسكري)، حيث تفرض الرقابة العسكرية طوقا محكما على الإعلام الإسرائيلي بجميع أنواعه وأشكاله ويمتد ذلك لتصل الرقابة على كل وسائل الإعلام الأجنبية، وتعدّ توجيهات الرقيب ملزمة فى هذا الشأن للوسائل الإعلامية كافة، بحيث يمنع نشر أي مواد يمكن أن تمس بالوضع الأمني أو العسكري أو حتى المصالح العليا للبلاد أو ما من شأنه أن يؤثر على معنويات الجبهة الداخلية، والرقابة العسكرية هي وسيلة لضبط العلاقة بين الإعلام والقضايا الأمنية، فإن المصلحة الأمنية هي معيار الرقابة العسكرية على الإعلام الإسرائيلي، فكثير مما تعدّه إسرائيل أسرارًا يتعاون الإعلام في عدم نشره حتى لو أثيرت ضجة إعلامية دولية عليه، مثل قضايا الخطف والقتل.

المحور الثالث: الإعلام الإسرائيلي وأثره على الجمهور الفلسطيني.

يسعى الاحتلال الإسرائيلي ومن خلال وسائله الإعلامية المختلفة سواء الإذاعي أو المطبوع أو المنشور وغيرها من الوسائل الأخرى سواء التصريحات أو التسريبات، كوحدة واحدة ومنظومة واحدة فى التأثير المباشر فى الساحة الفلسطينية وإغراقها بروايات متناقضة أو فبركات أو أكاذيب وشائعات لإرباك الشارع وتضليل المتابعين فى الأراضي الفلسطينية ويبقى عن قرب لقياس ردات الفعل ومراقبة الوسائل والمنصات الإعلامية الفلسطينية المختلفة وإبقائها تحت الرصد والمتابعة والاستفادة من ذلك فى أعمال أمنية واستخباراتية مختلفة تفيده في الصراع القائم مع الفلسطينيين، ومنها الإعلان عن تفاصيل غير دقيقة عن عمليات الجيش الإسرائيلي، وعن الأهداف التي يتم قصفها، أو أعداد الشهداء أو أسمائهم، أو ظروف استشهادهم، أو طبيعة الأسلحة التي تضبط، أو ظروف وتفاصيل تحيط بقادة المقاومة وتحركاتهم، ويشكل الإعلام الإسرائيلي خطرا مباشرا على الرأي العام الفلسطيني وعلى الجمهور إذا ما تم التعاطي معه دون مسؤولية أو تفاعل معه سلبيًّا وخصوصا في حال النقل وإعادة النشر طرفنا وتبني جزء من روايته.

المحور الرابع: الإعلام الإسرائيلي وسبل مواجهته:

  • ضبط حالة الترجمة والنقل من الإعلام العبري بحيث يتم ترجمة ونقل المواد المهمة والضرورية والتي تتناسب مع الواقع الفلسطيني بحيث يتم تجنب نشر المواد التي من شأنها نشر الإرباك والخوف والقلق فى صفوف شعبنا وأن يترك هذا الميدان لأصحاب الاختصاص.
  • تسخير كل وسائل الإعلام الجديد للتصدي للمواد والروايات الدعائية والإخبارية الصهيونية من خلال إشغال الصفحات والمنصات بالحقائق والتوجيهات والتحذير المستمر من خطورة التعاطي معها.
  • رفع مستوى الوعي لدى الجيل بدءًا من الأسرة والمدرسة والجامعة وصولا إلى جميع شرائح ومكونات المجتمع، من خلال الندوات والمحاضرات، وورش العمل، والنشرات، والحملات المختلفة.
  • تشكيل فرق خاصة تستهدف التعامل مع القضايا والأحداث الساخنة ومنها (وقوع عمليات، أخبار عن اغتيالات، استهداف لاماكن مهمة، وخصوصا وقت التوتر والتصعيد)؛ للمعالجة المستمرة ومتابعة ما ينشر فى الإعلام ومعالجته بطريقة مهنية عاجلة ومنظمة لإفشال تمدد الرواية الصهيونية.
  • الانتقال من مربع الدفاع إلى الهجوم من خلال قيادة حرب دعائية تستهدف التأثير المباشر على الجبهة الإسرائيلية سواء (التأثير على معنويات الجنود، أو الجبهة الداخلية، أو الصحفيين الإسرائيليين).
  • فضح الرواية الصهيونية من خلال الكتاب والمحللين والدراسات البحثية والمقابلات التلفزيونية وتفنيد الأكاذيب الإسرائيلية والرد عليها.
  • مراعاة الانضباط الكامل وعدم إبداء ردات فعل عاطفية على صفحاتنا على أي خبر ينقله الإعلام العبري والكف عن الإفصاح عن أي معلومات فى مواجهة مقص الرقيب الإسرائيلي، وإعلامهم الموجه وترك الجهات المختصة تقوم بالمعالجة المهنية الدقيقة.
Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى