الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

علاقة وثيقة: كيف أثرت أسواق النفط على الدولار الكندي؟

اعداد : بسنت جمال مجاهد – باحثة اقتصادية – المركز الديمقراطي العربي

 

يرتبط سعر الدولار الكندي بشكل وثيق بأسعار النفط الخام، حيث تعتبر كندا – التي تمتلك ثالث أكبر احتياطي من النفط في العالم الذي يبلغ حوالي 173 مليون برميل- أكبر دولة مصدرة للنفط الخام لأكبر دولة مستهلكة في العالم وهي الولايات المتحدة، ولهذا فإن ارتفاع اسعار النفط يؤثر إيجابيًا على الدولار الكندي وسلبيًا على الدولار الأمريكي.

وترجع تلك العلاقة القوية إلى أنه مع ارتفاع الطلب على النفط المُسعر بالدولار الأمريكي، يرتفع سعره في الأسواق العالمية مما يؤدي إلى ارتفاع عائدات الدولار الأمريكي لكندا على صادراتها أي ارتفاع عرض الدولار الأمريكي، مما سيدفع الشركات الكندية لبيع الدولارات الأمريكية التي تملكها وتحويلها إلى دولارات كندية، وهو ما يعني ارتفاع الطلب على الدولار الكندي مما سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع سعره أمام الدولار الأمريكي.

وفي عام 2017، كان حوالي 99% من صادرات النفط الكندي موجهة للولايات المتحدة وهو ما مثل 43% من إجمالي واردات الأخيرة من النفط الخام و21% من استهلاك النفط الخام في المصفاة الأمريكية.

وسنستعرض في هذا المقال، أبرز الأحداث التي أثرت إيجابيًا أو سلبيًا على أسواق النفط وكيفية تأثيرها على قيمة الدولار الكندي في أسواق الفوركس.

* العوامل المؤثرة على أسواق النفط:

تتأثر أسواق النفط كأي سلعة أخرى بالعرض والطلب على هذه السلعة، وفي الآونة الأخيرة لعبت العديد من الأحداث العالمية دورًا بالغ التأثير على أسعار النفط، وهو ما يُمكن إيضاحه على النحو الآتي:

  1. الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة:

تؤثر الحرب التجارية سلبًا على أسواق النفط، حيث إن من شأن حدوث أي توتر تجاري كما هو قائم حاليًا، إثارة مخاوف المصانع ومراكز الإنتاج في كلا البلدين، بسبب احتمالية ضعف تنافسية السلع مع نظيرتها الأجنبية، هذا التخوف، يقود إلى اتّباع خيار تقليص الإنتاج وبالتالي ضعف الطلب على النفط الخام من جانب مصانع أول وثاني أكبر مستهلكين ومستوردين للنفط الخام.

كذلك، يشكل الناتج المحلي الإجمالي لكل من الولايات المتحدة (21 تريليون دولار)، والصين (14 تريليون دولار)، قرابة 33 بالمئة من الاقتصاد العالمي، ويعني ذلك، أن ظهور مخاوف اقتصادية في كلا البلدين، من شأنه أن يؤثر على الاقتصاد العالمي ككل، ويبطيء من مؤشرات النمو العالمي، كما يزيد من احتمالية تراجع الطلب على النفط الخام.

ووفقًا لبيانات منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، فإن حجم الطلب العالمي على النفط الخام يوميًا، يبلغ 99.7 مليون برميل، تستحوذ الولايات المتحدة والصين معًا، على متوسط 30 مليون برميل يوميًا.

وتعد الولايات المتحدة حاليًا، أكبر مستهلك للنفط الخام في العالم بمتوسط يومي 17.5 مليون برميل، تتبعها الصين بمتوسط يومي 12.5 مليون برميل؛ فيما تعد الصين أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، بمتوسط يومي يبلغ بين 9.5 – 10 ملايين برميل يوميا، بينما الولايات المتحدة ثاني أكبر مستورد بمتوسط 9 ملايين برميل يوميا.

وفي حال استمرار التوترات التجارية القائمة، فإن أسواقًا عالمية رئيسة كمنطقة اليورو، واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة والهند، ستتضرر، كونها دول مصدرة للمواد الخام لأسواق أبرزها الصين.

  1. العقوبات الأمريكية على إيران وفنزويلا:

أ. إيران:

في نوفمبر 2018، فرضت الولايات المتحدة الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران والتي ركزت على قطاعي النفط والبنوك، ووافقت واشنطن على السماح لثماني دول بمواصلة شراء النفط الإيراني لمدة ست أشهر، وهم؛ تركيا وإيطاليا واليونان والصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.

وفي يوم 22 أبريل 2019، أعلنت الإدارة الأمريكية عن إلغاء تلك الإعفاءات بهدف تصفير صادرات النفط الإيراني، كما هددت أن هذه الدول ستواجه عقوبات إذا استمرت في شراء النفط الإيراني، اعتبارًا من يوم 2 مايو.

وقد كانت لهذه القرارت نتيجة واحدة وهي ارتفاع أسعار النفط، وهو ما حدث بالفعل بعد القرار الأمريكي بإلغاء الإعفاءات، حيث ارتفع سعر خام برنت إلى 74.34 دولارًا للبرميل، وذلك على الرغم من سعي الولايات المتحدة إلى طمأنة السوق والعملاء بأن العالم لن يواجه قريبًا نقصًا في المعروض من النفط.

ب. فنزويلا:

فرضت واشنطن عقوبات على النفط الفنزويلي دخلت حيز التنفيذ يوم 28 أبريل 2019، حيث تم منع كل شركة أمريكية من شراء النفط من شركة النفط الوطنية في فنزويلا أو من إحدى الشركات التابعة لها، وقد أثر ذلك على أسعار النفط أيضًا بالارتفاع.

  1. مطالبات أوبك بخفض الإنتاج:

حذرت منظمة النفط العالمية أوبك في العديد من المناسبات الدول المنتجة للنفط من ضخ كميات كبيرة من النفط الخام بالتزامن مع تراجع النمو العالمي، حيث توقعت المنظمة أن نمو الطلب العالمي على النفط لعام 2020 سيتراجع إلى 1.08 مليون برميل يوميًا مقارنة بـ 1.14 مليون برميل يوميًا.

ولمواجهة انخفاض اسعار النفط بسبب زيادة المعروض، وافقت اللجنة الوزارية المشتركة بين أوبك وحلفائها يوم 12 سبتمبر 2019، على خفض إنتاج النفط من خلال مطالبة العراق ونيجيريا بالالتزام باتفاق خفض الإنتاج، ولهذا قد تعهدت العراق بخفض الإنتاج بواقع 175.000 برميل يوميًا بحلول أكتوبر المقبل، بينما وافقت نيجريا على خفض الإنتاج بنحو 57.000 برميل يوميًا.

ومن المتوقع إذا التزمت الدول الاعضاء باتفاق خفض الإنتاج، سترتفع أسعار النفط لتدعم اقتصادات الدول المُصدرة للنفط.

* تأثير اتجاهات أسعار النفط على الدولار الكندي:

يسهم تذبذب أسعار النفط في تذبذب قيمة الدولار الكندي، ولكن يجب أخذ العوامل الأخرى التي يُمكن أن تؤثر على الدولار الكندي في الاعتبار، كقرار الفائدة الذي يصدر عن بنك كندا، وكذلك بيانات الاقتصاد المحلي الكندي التي من الممكن أن تدعمه أو تؤثر عليه سلبًا، ولكن كما ذكرنا كما قبل ، يُعد النفط أحد أبرز العوامل المؤثرة على قيمته.

ففي أبريل 2019، ارتفعت أسعار النفط لأعلى مستوياتها في 5 أشهر، بسبب اتجاه منظمة أوبك إلى خفض إنتاج النفط وكذلك العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران وفنزويلا، وأخيرًا تصاعد مخاوف توقف إمدادات النفط من ليبيا مع اشتعال الصراع المسلح على الحكم، حيث تضخ ليبيا حوالي 1.1 مليون برميل يوميًا ما يزيد قليلا عن 1% من الإنتاج العالمي، وبفعل هذه العوامل ارتفع سعر الخام الأمريكي إلى 64.60 دولارًا للبرميل وكذلك خام برنت ليصل إلى 71.30 دولارًا للبرميل، مما ترتب عليه ارتفاع الدولار الكندي مقابل الدولار الأمريكي عند مستوى 0.7522.

ومع التصعيد المستمر لوتيرة الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، انخفض سعر الخام الأمريكي بنسبة 0.3% عند 53.7 دولارًا للبرميل كما سجلت أسعار خام برنت تراجعًا بنسبة 1.9% لتصل عند 58.7 دولارًا للبرميل وذلك يوم 23 أغسطس 2019، حيث أعلنت بكين عن فرض رسوم جمركية على منتجات أمريكية بقيمة 75 مليار دولار، وردت واشنطن على الفور بدعوة الشركات الأمريكية على إيجاد بدائل لإنتاجها في الصين، مما أثقل على الدولار الكندي مقابل الدولار الأمريكي لينخفض بنسبة 0.1% عند مستوى 0.7508.

وعقب الهجمات التي تعرضت لها معامل نفطية تابعة لشركة “أرامكو” السعودية، انخفض المعروض النفطي بشكل كبير مما ساهم في ارتفاع اسعار النفط بشكل قوي، فقد ارتفع الخام الأمريكي بنسبة 14.7% ليصل سعر البرميل عند 61.90 دولارًا، أما خام برنت، فقد ارتفع بنسبة 14.6% عند 71.9 دولارًا للبرميل ليسجل أكبر زيادة يومية بالنسبة المئوية منذ عام 1988.

وقد صبت هذه الهجمات في صالح الدول المنتجة للنفط مثل كندا حيث ارتفع الدولار الكندي مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 0.3% عند مستوى 0.7549.

ومن العرض السابق، يتضح كيفية تأثير أسعار النفط على قيمة الدولار الكندي، حتى وإن كانت أسعار النفط تتأثر بعوامل عديدة بعيدة تمامًا عن كندا، فعلى سبيل المثال يتأثر الدولار الكندي بمؤشرات النفط الأمريكية كحجم المخزونات، وأعداد منصات الحفر الأمريكية، والتي على الرغم من أنها مؤشرات أمريكية إلا إنها تؤثر على الدولار الكندي بسبب ارتباطه الوثيق بالنفط.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى