السيناريو المتوقع لهيكلة الفصائل المسلحة في العراق
بقلم الباحث : رعد هاشم – المركز الديمقراطي العربي
التصعيد الأخير لعدد من الفصائل المسلحة وعلى وجه الخصوص “كتائب حزب الله العراقي”، المنضوّي للحشد الشعبي من خلال إنتقاده وتهديداته لرئيس جهاز المخابرات العراقي مصطفى الكاظمي ، سيما بعد تداول اسم الكاظمي من قبل وسائل إعلام محلية، كمرشح بديل عن محمد علاوي، رئيس الوزراء المكلف وإعتذاره عن تشكيل الحكومة، كل ذلك كشفت بجلاء عن وجود حالات سوء تقدير طفت على الساحة العراقية نتج عنها خروقات معطلة لأداء الدولة العراقية وعسر كبير في إيجاد الحلول للأزمات التي تعترضها.
وقد وصلت حدّة التصعيد هذه الى درجة تهديد حزب الله بإشعال العراق وإعلان الحرب إذا تم ترشيح الكاظمي، لمنصب رئيس الوزراء ، كونها تزعم انه قام بمساعدة الأميركيين في اغتيال قاسم سليماني، وأبومهدي المهندس .
الأمر الذي عدّ “جهاز المخابرات العراقي” هذه التصريحات التي تداولتها وسائل الإعلام ضد رئيسها الكاظمي، “تؤذي البلاد وتهدد السلم الأهلي” ، كما جاء في رده على كتائب حزب الله العراقية دون أن يسميها.
ويجد الجهاز المذكور في ردّه ان (المهمات الوطنية التي يقوم بها ليست خاضعة للمزاجات السياسية، ولا تتأثر باتهامات باطلة يسوّقها بعض من تسول له نفسه إيذاء العراق وسمعة أجهزته الأمنية ، بل تستند إلى مصالح شعب العراق الأبيّ وحجم وقيمة الدولة العراقية في المنطقة والعالم) ، مشدّدآ على حقه في الملاحقة القانونية لكل من يستخدم حرية الرأي لترويج اتهامات باطلة تضر بالعراق وبسمعة الجهاز وواجباته بحفظ أمن العراق وسلامة شعبه، ومؤكداً أنه يرفض الانجرار إلى المماحكات السياسية، لأنه “ممثل للدولة لا لجماعات ، وراعٍ لمصالح الشعب العراقي لا لمصالح أطراف متوترة” وفق تعبير البيان الصادر عن الجاز المذكور .
وفي قراءة متمعنة لواقع العراق الميداني والظروف المحيطة وفقا لطبيعة التدخلات في شؤونه الداخلية من قوى متعددة في المقدمة منها ايران وأميركا ، والمستجدات ، تكشف عن تغيير ملحوظ في المواقف بخصوص قضية إنفلات السلاح في الساحة العراقية ، ومايشكّله ذلك من إنعكاسات سلبية على الأداء السياسي والأمني والخدمي والإجتماعي في عموم البلاد ، من ناحية السطوة والهيمنة والنفوذ الخطيرة للجماعات المسلحة على واقع البلد وطبيعة التعاطي مع أساسات ومرتكزات العملية السياسية وتعويق سياقاتها الديمقراطية المطلوبة من جهة الإنسيابية والشفافية ، وتعكير صفوها الذي يسببه وقع قرقعة السلاح ، وسياسات ليّ الأذرع ، وفرض سياسة الأمر الواقع المتبعة في مجالات عدة.
ومتابعة لقراءات الموقف الدولي وتقييمها للوضع العراقي، على ضوء تأكيدات الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش، خلال جلسة مجلس الامن الخاصة الإحاطة المجلس لاوضاع العراق، وقوله: (العدد الكبير من الجماعات المسلحة التي تعمل خارج نطاق سيطرة الدولة يمنع البلاد للعمل مدولة طبيعية).
رافق ذلك تأكيد المندوبة الأممية في العراق بلاسخارت: (يجب تعزيز سيادة القانون وفرص الحل بالعراق تضيق اكثر فاكثر، وهناك مجموعات مسلحة خارج نطاق الدولة العراقية تمنعها من العمل بصورة طبيعية).
مواقف تقترب من ملامسة المعاناة الحقيقية للواقع العراقي المشحون والمضطرب ، نتلمسه بتوجه أممي يتبلور ، حيث تتطّرق له المبعوثة الأممية في العراق أمام مجلس الأمن لأول مرة بشكل جدي ومباشر هذه المرة أكثر من المرات السابقة بما ينبئ بتطورات قادمة في مجال تفكيك الميليشيات.
وسط حاجة ملّحة لأن يمارس المجتمع الدولي دوره المسؤول ، في نزع سلاح الفصائل المسلحة وكبح جماحها وتفكيكها بعد عجز الحكومات المتعاقبة بتنفيذ هذه المهمة بل ان بعضها له اليد بتغذيتها وتنمّرها وحتى في تدخل بعض أطراف هذه الفصائل في إنتهاك حقوق الإنسان عبر تورطها بعمليات قمع وإغتيال للمتظاهرين في ساحات الإحتجاج.
ولعل الإخفاق الذريع لحكومة عبد المهدي في تطبيق الأمر الديواني بهيكلة الحشد، يشكّل أكبر دليل على فشل الحلول الداخلية لهذه المعضلة المتنامية.
ويبقى السؤال المهم عن السيناريو المتوقع لهيكلة الميليشيات او حلّها قبل حصول إنهيار داخلي او حرب داخلية، هل سيتم عبر إقتتال قد يحصل بين الفصائل بعضها ببعض ، على وقع النزاع على تقاسم الأدوار والغنائم .
- وسؤال آخر يعقبه .. من هي الجهة التي ستعمل على عملية تنفيذ الهيكلة وبأية طريقة؟
سيما إن أميركا سهّلت أحد أوجّه الحلول بتغييب سليماني والمهندس من الواجهة.
يقابل ذلك تراجع حضور ايران في العراق ، كون العراق الآن يختلف عن مابعد حقبة سليماني ، وايران صارت منشغلة ومتفرغة بترتيب أوضاعها الداخلية، فضلا عن تصارع معلن يصيب الفصائل المسلحة سواء تلك التي تتبع المرجعية أو الولائية التابعة لإيران ، الذي وصل لحد رفض المجموعة الأولى لمرشح المجموعة الثانية وهو “ابو فدك” لشغل موقع “ابو مهدي المهندس” في رئاسة أركان الحشد.
السيناريو الأكثر مقبولية يكمن أولا بتوجيه إنذار للفصائل المسلحة كافة بضرورة الإندماج والذوبان بشكل جدّي بالمؤسسة العسكرية والأمنية ، وترك النزعة المتفردة التي تمارسها بشكل أحادي خارج إطار الدولة، وأخذ تعهد بقيامها بالإبتعاد عن ايران وتجريمها في حالة الإخلال بذلك وتطبيق المادة القانونية التي تعتبر أي تواصل مع ايران تخابرا مع دولة أجنبية ويستحق الأعدام ، في محاولة لفرض عملية تحييدها عن النفوذ والتوجه الإيراني، ومن لايلتزم بذلك يصار الى مزيد من التشديد باللجوء الى خيار المحاسبة تبدأ بموجة عقوبات دولية مُلزمة هذه المرة ، وعدم الإكتفاء بالعقوبات الأميركية المعتادة.
وإذا لم ينفع هذا الإجراء بتقييد او تجميد نزعات الفصائل وسطوتها وكبحها ، يتم الإنتقال الى المرحلة التالية وهي أشد قسوة وصرامة وحزم، منها اللجوء الى القوة عبر توجيه ضربات الى مقرات تلك الفصائل التي لاتلتزم بأوامر الحكومة ، او إعتقال القيادات المنفلته وتجريد افرادها من مكامن قوتهم المسلحة ، وحلّها وإجبارها بالإنضواء الى المؤسسة الأمنية العراقية.
- ويبقى السؤال الأهم من هي القوة الضاربة التي ستنفذ هذه الاجراءات ، وهل ستقوى على ذلك؟
يعتقد ان مثال صولة الفرسان التي قادها رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي هو المقاربة الأكثر إمكانية للتطبيق المماثل مع فارق التشبيه بين كلتا العمليتين ، فإذا ما توافرت الإرادة الحقيقية وتمازج الرؤى بين رغبة المجتمع الدولي وإلتقائها مع فرص تجاوب الحكومة متى ما تمخضت ورأت النور قريبآ.
اي بمعنى أدق اللجوء الى إختيار قوة طوارئ ضاربة منتخبة من مجموعة تشكيلات أمنية تحضى بإسناد جوي محلي أو دولي لتنفيذ حملة وطنية كبرى جادة لفرض القانون ، تنفذ واجباتها بمهنية عالية ، تراعي فيها إعتبارات تحييد الفصائل المنفلته ، لاتشمل بالضرورة الفصائل الأخرى الملتزمة التي تبدي ولاءا للدولة وحدها ، وخاصة تلك التي جربت مهنيتها وحسن أداءها في مرحلة داعش ولم ترتكب إنتهاكات.