رئيس حزب المستقبل المعارض بتركيا داعماً لسياسة بلاده الخارجية
بقلم : د. تيراب أبكر تيراب – خبير إدارة الإستراتيجيات الأمنية– أنقرة
- المركز الديمقراطي العربي
في خطوة تعتبر وليدة عهد في نمط سياسة المعارضة التركية أعلن السيد البروفسيور أحمد داؤد أوغلو رئيس حزب المستقبل المعارض دعمه وإشادته بسياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم تجاه ليبيا؛ وذلك في بيان صحفي لحزبه عقد يوم الجمعة الماضي الموافق 12 يلوليو 2020م. حيث قال داؤد أوغلو “انه في الفترات الأخيرة بدأت تأتي أخبارسارة من ليبيا تتمثل في إستطاعت حكومة السراج المشروعة والمُعترف بها من قبل الأمم المتحدة على إستعادة المنطاق التي يسيطر عليها الجنرال الإنقلابي خليفة حفتر، منطقة تلو الأخرى. مما أجبره على الإنسحاب مؤخراً من منطقتي سيرت وطارحونة. الأمر الذي يبرهن أن تركيا أتخذت القرار الصائب والخطوة الصحيحة في ليبيا مما جعلها في موقع مغير لمجريات اللعبة في أرض الواقع. وفي تقديرنا خطوة الحكومة والدولة التركية هذه، صحيحة سياسياً وإستراتيجياً، ويجب على تركيا بعد هذه المرحلة إتباع دبلوماسية متعددة الأطراف لتحويل مكاسبها العسكرية في الميدان إلى مكاسب سياسية، وينبغي أيضاً أن لاتترك التطورات في ليبيا أن تأثر سلباً في مجريات الأحداث في سوريا“.
وفيما يخص التطورات الإقليمية وتأثيرها على السياسية الخارجية التركية في ليبيا يرى السيد داؤد أوغلو أن على تركيا الإسراع لإدخال دول الجوار الليبي في عملية البحث عن الإستقرار في ليبيا، وفي هذا الشأن قال داؤد أوغلو:”على تركيا بذل المزيد من الجهد لإدخال الجزائر وتونس بفعالية في هذه العملية، أيضاً وبصورة مشابهة عليها أن تنتهج دبلوماسية قوية لرفع مستوى القبول الدولي لحكومة السراج المشروعة”. لم يكتفي السيد داؤد أوغلو بهذا فقط، بل ذهب إلى توصية الحكومة بإتباع خطوات عملية لمنع داعمي حفتر من تحقيق انتصارات عسكرية في الميدان دعما لحفتر؛ حيث قال في هذا السياق: “أن على تركيا إعاقة مساندي حفتر من إستخدام مساحة علاقاتهم والنجاح في إجراء عملية سياسية صحيحة داخل حكومة الوفاق الوطني، وفي المقابل اتخاذ خطوات سياسية عملية تقوي البنية السياسية لحكومة الوفاق الوطني والتواصل مع حكومات الدول الشقيقة لدعم حكومة الوفاق الوطني في توفير الإحتياجات الأساسية للمواطنين“. وفي حديثه أيضاً تتطرق أوغلو إلى المصالح التركية في ليبيا وحث الحكومة على العمل للحفاظ عليها قائلاً: ” ينبغي على تركيا فرض هيبتها سياسياً في الطاولة وعسكرياً في الميدان للمساهمة في توفير الإستقرار السياسي والأمني في ليبيا والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية“.
وإستمراراً في حديثه عرج السيد داؤد أوغلو ليتناول داعماً سياسة بلاده في منطقة شرق البحرالأبيض المتوسط، حيث قال: “أن السياسة الخارجية التركية المتبعة حالياً للحفاظ على المصالح التركية في منطقة شرق البحر المتوسط مشروعة وصحيحة، وأفاد أنه لا يمكن لأي نظام أو إتفاق أمني وحول الطاقة معادي أو لا يشمل تركيا أن يستمر في المنطقة، وينبغي على جمهورية تركيا الإستمرار بقوة وإصرار في إتباع سياسة خارجية تحافظ على مصالحها الأمنية والطاقية في المنطقة “. وفيما يخص مواقف الدول الأروبية المعادية للسياسة التركية في منطقة شرق البحر المتوسط أعلن السيد اؤد اوغلو استياءهم كحزب من تلك الواقف وقال مخاطباً دول الاتحاد الأروبي: “على ممثلين الاتحاد الأروبي أن لا ينسوا ان العقوبات التي يفرضونها وأسلوب التحيز التي يتبعونه لا يمكن ان يرجع تركيا عن المحافظة على مصالحها الوطنية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، ومن الأرجح على الأروبين اختيار طريق حوار يضع مصالح جمهوريتي تركيا وشمال قبرص التركية في عين الإعتبار، وذلك لأنه الطريق الوحيد الذي يمكَن من تأسيس نظام أمني وطاقي مستقر ومستديم في المنطقة“.
وأعلن السيد داؤد اوغلو عن إستمرارهم كحزب على دعم السياسية الخارجية للحكومة تجاه قضيتي ليبيا ومنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط طلما بقيت على هذا المنوال، وذكر بأن أحد أهم مبادئهم الأساسية في الحزب، إتباع اسلوب معارضة داعمة للحق ومنتقدة للخطأ مهما كانت النتائج، وقال ان تركيا عانت كثيراً من أسلوب ” العارضة من أجل المعارضة ” على حد تعبيره، وفي هذا المنوال أسرد قائلاً: “ نحن مبادئنا واضحة: من الضروري أن يقال للصحيح صحيح وللخطأ خطأ، فمثلما نعلن دعمنا في حالة رؤيتنا لخطوة صحيحة، سوف لن نتردد في توجيه الإنتقاد بوضوح عندما نرى الخطأ، تركيا عانت كثيرا من المعارضة بلا تحقيق أو تأكد، ونحن سنظهر مدى خطأ هذا”.
من هو بروفيسور أحمد داؤد اوغلو؟
ولد في 26 فبراير 1959 في مدنية قونية. بعد إكمال تعليمه الابتدائي في قونية، انتقل مع أسرته إلى اسطنبول. أكمل داوود أوغلو تعليمه الثانوي في مدرسة اسطنبول إركيك الثانوية. في عام 1984، تخرج من كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة البسفور، قسم العلوم السياسية والاقتصاد. أكمل درجة الماجستير في قسم الإدارة العامة والدكتوراه في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة البسفور أيضاً. بدأالعمل كأستاذ مساعد في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا عام 1990م. حيث أسس قسم العلوم السياسية في هذه الجامعة وشغل منصب رئيس القسم حتى عام 1993م، وأصبح أستاذًا مشاركًا في نفس العام. أصدر كتاب في عام 1993 بعنوان (Alternative Paradigms: The Impact of Islamic and Western Weltanschauungs on Political Theory )، قام فيه بتحليل مقارن للفكر السياسي الإسلامي والغربي. وفي كتابه “التحول الحضاري والعالم الإسلامي” ، الذي كتبه عام 1994م، حلل الأزمة التي دخلت الحضارة الغربية، ودرس إمكانيات وظروف الحضارة الإسلامية لتقديم بديل لهذه الأزمة.
عمل داوود أوغلو كمحاضر في قسم العلاقات الدولية بجامعة مرمرة بين عامي 1995-1999 ، وكمحاضر زائر في أكاديمية القوات المسلحة من 1998 إلى 2002. بين عامي 1999 و 2004 ، حصل على لقب أستاذ في جامعة Beykent ، كعضو في مجلس إدارة الجامعة ورئيس قسم العلاقات الدولية. عمل أيضًا كمحاضر زائر في جامعة مرمرة قسم العلاقات الدولية. نشر أوغلو العديد من المؤلفات والكتب باللغة التركية والإنجليزية، من بينها “الفلسفة والسياسة”، و”العالم الإسلامي في مهب التحولات الحضارية”، وكتاب “العمق الإستراتيجي” الذي وضع الإطار النظري للتوجه الجديد لسياسة تركيا الخارجية.
انضم داود أوغلو إلى صفوف حزب العدالة والتنمية الذي تأسس عام 2001 في أوائل عام 2002. وبين عامي 2002 و 2009 ، شغل منصب “مستشار رئيس الوزراء”. وتبين لاحقاً أن له علاقة سابقة مع كل من رجب طيب أردوغان وعبد الله جول بعد أن تم استدعاءه إلى أنقرة من قبل عبد الله جول. ليبرز بعدها دور أحمد داود أوغلو السياسي في ظل حكم حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان، وأصبح منظرا للسياسة الخارجية التركية في عهدها الجديد الذي طبعه الانفتاح على العالمين العربي والإسلامي. قاد الدبلوماسية التركية انطلاقا من توجهات حزب العدالة والتنمية، ولكن وفقا لرؤى وخلاصات أبحاثه ودراساته الأكاديمية، التي تؤكد ضرورة خروج تركيا من الدور المحدود إلى أفق التأثير في السياسة الدولية.
فاجأ أحمد داود أوغلو الجميع يوم 5 مايو/أيار 2016 بإعلانه أنه لن يترشح لرئاسة الحزب، ودعا أعضاء حزبه لعقد اجتماع استثنائي يوم 22 من الشهر نفسه لاختيار رئيس جديد. ووقتها دافع أوغلو عن علاقته برئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، قائلا إنه لن يسمح لأحد بالتطاول عليها، موضحا أنه سيستمر جنديا في صفوف الحزب، وأنه قرر تغيير منصبه وليس رفقائه في التنظيم. لكنه سرعان من بدل مواقفه معلناً عن تقديم إستقالته من حزب العدالة والتنمية بصورة كلية قائلا ان الحزب لم يعد قادرا على حل مشاكل تركيا ولم يعد مسموحا بالحوار الداخلي فيه. حيث شغل داود أوغلو (61 عاما) منصب رئيس الوزراء بين عامي 2014 و2016 قبل أن يختلف مع أردوغان ويوجه انتقادات حادة لأردوغان والإدارة الاقتصادية لحزب العدالة والتنمية واتهمهما بتقويض الحريات الأساسية وحرية الرأي.
التعليـــق:
جاء هذا الدعم الذي تقدم به حزب المستقبل في ظل تكالب كل أحزاب المعارضة التركية على توجيه الإنتقاد لحزب العدالة والتنمية في كل سياساته المتبعة داخلياً وخارجياً، وفي ظل اتحداد توجيه الإتهامات المتبادلة بين منسوبي حزب المستقبل وحزب العدالة والتنمية بما فيهم البروفيسور أحمد دواؤد أوغلو رئيس حزب المستقبل والرئيس طيب رجب أوردغان رئيس حزب العدالة والتنمية. الأمر الذي أفسح حيز واسع جداً للتصريح لتتم مداولته في وسائل التواصل الإجتماعي وفي كواليس السياسة التركية، بإعتباره خطوة شجاعة وغير مألوفة في نمط المعارضة التركية. مما يقودنا بقوة إلى إحتمالية تشكيل هذا التصريح لنموذج يهتدى به في السياسة التركية في الفترة القادمة، التغيير النمطي الذي قد يصب في مصالحة حزب العدالة والتنمية مستقبلاً، خصوصاً وأن الحزب الأن يواجه حملة من الإنتقادات بارزة التأثير من قبل رئيس حزب الديمقراطية والتقدم على باباجان ورئيس حزب المستقبل أحمد داؤد اوغلو وأحزاب المعارضة الأخرى التي في مقدمتها حزب الشعب الجمهوري الخصم التقليدي لأحزاب اليمن السياسي في جمهورية تركيا.