الشرق الأوسطعاجل

دور منظمة الصحة العالمية في مواجهة إنتشار جائحة كورونا

اعداد الباحث : محمد شعبان عبدالعزيز – متخصص في العلاقات الدوليه

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة:

يهتم المجتمع الدولي وخاصة المنظمات الدولية بالانشطة البشرية المختلفة بما في ذلك تلك التي تعبر في العادة ضمن الولاية القانونية المحلية الحصرية للدول مثل الصحة العاة وعملية علاج الاوبئة والجوائح والعمل على تقليلها او الحد منها.

إن عملية الوقاية من الاوبئة تشكل مصدر قلق مشترك وهناك تفاوت في قدرات الدول في مواجهة تلك الاوبئة نتيجة للكثير من العوامل منها الفقر وضعف الانظمة الصحية ولكن الواقع العملي بعد تجربة كورونا اثبتت هشاشة الكثير من الانظمة الصحية حول العالم وهو ما يستدعي البحث عن سبل جديدة للتعامل مع المشكلة ووضع مجموعة من الاجراءات القانونية التي تؤدي الى تنظيم المجتمع واتباع التعليمات التي من شأنها تقليل معدلات فيروس كورونا.

في بداية يناير من العام الحالي ابلغت الصين منظمة الصحة العالمية عن تفشي مرض كوفيد (19)، لتعلن بعدها المنظمة عن الآلاف والملايين من الإصابات المؤكدة بالاصابة بالفيروس خارج الصين وفي مناطق كثيرة من العالم وعليه تم توصيف الفيروس من قبل المنظمة على انه جائحة واعتبرته حالة طوارىء عالمية.

وتم اتخاذ سلسلة من التدابير والاجراءات الصارمة المماثلة بشكل او بآخر بين العديد من دول العالم وذلك من أجل وضع حد لانتشار الفيروس مع إمكانية توقيع عقوبات جنائية صارمة في حالة مقاومة تلك التدابير والاجراءات الوقائية.

وتهتم الدراسة بمنظمة الصحة العالمية  والتي تعتبر من اهم المؤسسات الدولية المعنية بصحة البشر وخاصة وان انتشار فيروس كورونا يعتبر مسؤلية المجتمع الدولي ككل والتي تعد منظمة الصحة العالمية احد اهم ركائزها في المجال الصحي[1].

تكتسب الدراسة اهميتها من خلال تناول وتحليل الاجراءات والتدابير القانونية التي اتخذتها منظمة الصحة العالمية في مواجهة تفشي فيروس كورونا.

تم اختيار دراسة منظمة الصحة العالمية بإعتبارها المرحعية الدولية الاساسية المعنية بمواجهة الاوبئة والامراض واهمها فيروس كورونا.

الإطار القانوني الدولي لمكافحة الاوبئة

يتحدد الاطار القانوني الدولي من اجل التصدي للفيروسات والجوائح عبر انظمة متعددة إلا ان قانون الصحة العالمي هو المجال الاكثر اهتماما بتنظيم قواعد مكافحتها حيث يتدخل القانون الدولي لحقوق الانسان لضمان حرية الافراد ومواجهة الانتهاكات التي يمكن ان تحدث جراء انتشار الاوبئة .

مكافحة الاوبئة في إطار النظام الصحي العالمي

هناك العديد من المعاهدات الدولية التي ساهمت في تشكيل الإطار القانون الدولي لمكافحة الاوبئة ومنها المعاهدات الصحية الدولية التي ابرمت في سنوات (1892،1893،1897) حيث شكلت تلك المعاهدات الاساس في انشاء النظام الصحي العالمي ذلك النظام الذي تطور بشكل كبير وخاصة في النصف الاخير من القرن العشرين وحقق بعض النجاح في تقليل الاصابة بالفيروسات وخفض معدلات الوفيات وهو ما ادى الى ارتفاع متوسط اعمار البشر في كثير من دول العالم.

والمشكلة ان الناس لم تهتم بشكل كبير بالأوبئة العالمية وهو ما يفسر ضعف السيطرة على خطر العدوى وانتشار المرض وخاصة وان معظم الدول لم تحقق تقدم كبير في مواجهة مخاطر الفيروسات والامراض وقد اكدت ازمة كورونا ان الامراض الفيروسية لا تزال تشكل تهديدات كبيرة للدول ككل.

ويشكل قانون الصحة العامة العالمي النظام الاساسي لتنظيم المرض وذلك عن طريق اللوائح الصحية الدولية لسنة 2005 والتي تمثل الصكوك الاساسية من اجل مواجهة تفشي المرض والهدف الاساسي لتلك الصكوك هو الوقاية والحماية والتحكم في انتشار الامراض وتوفير استجابة للصحة العامة اثناء انتشار الامراض على المستوى الدولي.

وتعد اللوائح الصحية الدولية الصادرة في عام (2005) في الوقت الحاضر الاطار القانوني الذي يمثل احد اوجه التعاون الدولي من اجل الاستجابة للطوارىء فهي اتفاقية ملزمة على المستوى القانوني بين (196) دولة بهدف الحد من انتشار المشكلات الصحية التي يتمثل اهمها في نقل العدوى وتقليل المشكلات الصحية الناتجة عن السفر وهو ما يمكن منظمةالصحية العالمية من الاستعداد والاستجابة للكثير من التهديدات الصحية العالمية وتسهيل الاجراءات الجماعية للوقوف في وجه التهدديات الصحية العالمية ولا يقتصر التعاون بين منظمة الصحة العالمية والدول اصحاب العضوية فيها وإنما يشمل التعاون بين الإدارات الحكومية المختلفة.

القانون الدولي لحقوق الانسان كمدخل لمواجهة الاوبئة

يعتبر القانون الدولي لحقوق الانسان من أهم مجالات القانون التي تضمن حماية الافراد من الاوبئة وبموجب ذلك القانون تتحمل الدول ثلاثة  اصناف من الواجبات تتمحور في احترام حقوق الانسان بما في ذلك الحق في الصحة، حماية هذه الحقوق من خلال منع اطراف اخرى من انتهاكها وكذلك الوفاء بتلك الالتزامات من خلال مطالبة الدول بتقديم المساعدة من اجل تجسيد الحقوق الايجابية.

يستند القانون الدولي في مكافحة الامراض والاوبئة على حقوق الانسان الاساسية بما في ذلك الحماية من الحرمان التعسفي من الحياة وحق كل فرد في التمتع بأعلي مستوى يمكن الوصول اليه من الصحة البدانية والعقلية وتتحمل الدول المتضررة المسؤلية الاساسية عن الوقاية من الامراض الوبائية ومكافحتها وهو الامر الذي يطرح اشكالية احترام الالتزامات الدولية ومدى الوفاء بها.

بالاضافة الى ذلك من المبادىء الاساسية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية انه على الدولة ان تتعهد باتخاذ خطوات الى اقصى حد من مواردها المتاحة بهدف تحقيق الحق في الصحة فضلا عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الاخرى .

ان مسؤلية تجسيد الحق في الصحة لا تقتصر على الدول فقط وانما تشترك فيها عدد من الاطراف الاخرى والتي اشارت اليها اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مثل الموظفين الصحيين والمجتمعات المحلية والمنظمات الحكومية ومنظمات المجتمع ىالمدني بجانب قطاع الاعمال التجارية[2].

دور منظمة الصحة العالمية في مكافحة الاوبئة:

تسعى منظمة الصحة العالمية الى وضع نصوص قانونية ملزمة يتحقق من خلالها الامن الصحي العالمني كما حاولت هذه المنظمة منذ نشأتها مواجهة كل الاوبئة والجوائح التي تنتشر في العالم عبر اقرارها عدد من الآليات والتدابير وقد كان للمنظمة عدة تدخلات لوقف تفشي فيروس كورونا المستجد.

آليات منظمة الصحة العالمية لمواجهة الاوبئة والجوائح:

تعتبر منظمة الصحة العالمية السلطة التوجيهية والتنسيقية في مجال الصحة العالمية فهي الطرف المخول بوضع القواعد والمعايير الدولية وتدير تدريب الموظفين ومراقبة الاوبئة ، واعتمدت الدول الاعضاء في منظمة الصحة العالمية عام 1951 وتم تطويره في عام 2005 في اعقاب وباء سارس مما جعلها تلعب دور هام في مكافحة الاوبئة على المستوى الدولي وتضمن المنظمة بالفعل التنسيق الدولي والمراقبة الوبائية والمساعدة التقنية للبلدان المتضررة حيث نجد للمنظمة وحدة متخصصة في جنيف تعرف بالشبكة العالمية لتفشي المرض والاستجابة تتبعها مكاتب اقليمية في اغلب دول العالم.

وفيما يتعلق بالرصد الوبائي والانذار تقوم منظمة الصحة العالمية باستمرار تحليل البيانات الفيروسية التي ترسلها للمراكز الوطنية والعالمية .

تتصدر منظمة الصحة العالمية المشهد في مكافحة الاوبئة العالمية خاصة فيما يتعلق بحالات الطوارىء الصحية العامة في الكثير من الدول الاعضاء بالمنظمة حيث اطلقت المنظمة (برنامج العمل العام الثالث عشر 2019/2023) الذي تم فيه اقتراح هدف تحقيق التغطية الصحية الشاملة بالاضافة الى ان كل بلد عرضة للاوبئة وحالات الطوارىء اي حالة التهددي العالمي ولكن ليس لدى كل دولة نفس الامكانيات والقدرات في مواجهة المخاطر والاستراتيجية الاساسية لمنظمة الصحة بناء القدرات الوطنية والعالمية المرنة لابقاء العالن في مأمن من الاوبئة[3].

تدابير وتوصيات منظمة الصحة العالمية لمواجهة فيروس كوفيد 19:

دأبت منظمة الصحة العالمية منذ بداية انتشار الفيروس على اتخاذ الكثير من الاجراءات والتدابير للتصدي لتلك الازمة العالمية وواعلنت منظمة الصحة العالمية في ابريل 2020 عن خمسة  تدابير منظمة لمواجهة الجائحة:

1-مساعدة الدول على الاستعداد والاستجابة:

اعلنت منظمة الصحة العالمية عن خطة التأهب والاستجابة والاستراتيجية التي  تعمل عبرها على وضع الاجراءات الاساسية التي يلزم على الدول العمل بها .

وتقوم الخطة بالاساس على العمل من خلال بيانات يتم تحديثها بشكل مستمر وذلك من اجل فهم طبيعة الفيروس واهم المستجدات الخاصة به حيث تعتبر البيانات دليل للخطط المتعلقة بالبلدان المختلفة وخاصة الفقيرة منها.

كما تعمل المكاتب الاقليمية المختلفة التابعة للمنظمة بجانب المكاتب القطرية بالتعاون مع الدول متمثلة في الحكومات من اجل تجهيز القطاع الصحي للتصدي للفيروس ومحاولة السيطرة على الفيروس وخاصة في المراحل الاولى لانتشاره.

ويعتبر صندوق الاستجابة للتضامن من اهم الخطوات التي اتخذتها منظمة الصحة العالمية بهدف توفير الرعاية للمرضى بفيروس كوفيد والتعجيل بعملية تطوير اللقاح وحتى ابريل 2020 بلغ حجم التبرع للصندوق نحو 800 مليون دولار.

2-تقديم المعلومات الصحيحة والتصدي الى الاكاذيب:

من المعروف ان الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي يوجد بها الكثير من المصادر الغير دقيقة في تناول الاخبار والمعلومات وهو ما يؤثر بالسلب في كثير من الاحيان وتقوم المنظمة بوضع اشرادات دقيقة وهادفة تساعد في تقليل معدلات الاصابة بالمرض.

مع قامت المنظمة بنشر اكثر من 50 نصيحة للجمهور والعاملين في القطاع الصحي كما قامت وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الاجتماعية على شبكة الانترنت بنشر كافة البيانات والمعلومات الخاصة والتي من شأنها ان تؤدي الى التوعية المجتمعية وتفعيل الضوابط القانونية الخاصة بالحماية من الفيروس.

3-ضمان وصول الامدادات الحيوية الى العاملين الصحيين في الخطوط الامامية:

قامت المنظمة بارسال اكثر من مليوني قطعة من معدات الحماية الشخصية الى اكثر من 133 دولة حيث تم ارسال اكثر من مليون اختبار تشخيصي الى 126 دولة.

4-تدريب وتعبئة العاملين الصحيين:

سعت منظمة الصحة العالمية الى تدريب ملايين العاملين في القطاعات الصحية حول العالم، يشارك المستخدمون في شبكة التعلم الاجتماعي العالمي من خلال دورات تفاعلية على شبكة الانترنت وتم التحاق اكثر من 1.2 مليون شخص بلغات متعددة.

5-البحث عن لقاح بدأت الكثير من المختبرات حول العالم بإجراء اختبارات في محاولة للسعي للبحث عن لقاح وتوحيد الجهود العالمية حيث جمعت منظمة الصحة العالمية اكثر من 400 من الخبراء والمتخصصين حول العالم في المجال الطبي لتحديد اولويات المنظمة في مكافحة الفيروس[4].

خاتمة:

-منظمة الصحة العالمية لعبت دور كبير في التوعية وتوفير المساعدات وعمل الكثير من الدراسات والاختبارات اللازمة لمنع تفشي فيروس كورونا حول العالم وخاصة وانها تضم اكثر من 196 دولة عضو فيها.

-هناك مجموعة من الاجراءات والتدابير القانونية تدور في إطار القانون الدولي لحقوق الانسان والتي حرصت منظمة الصحة العالمية على تفعليها والتأكيد عليها.

بالرغم من ان منظمة الصحة العالمية بذلت دور كبير في مواجهة إنتشار فيروس كورونا إلا انها عجزت عن وضع حد نهائي لهذا الفيروس وكانت اغلب الجهود مقتصرة على الدعم وتبادل المعلومات والتأكيد على الاجراءات الوقائية الهادفة لمنع إنتشار فيروس كورونا.

توصيات:

  • زيادة الاعتماد على الخدمات الالكترونية مثل التعلم عن بعد، التسوق الالكتروني وغيرها وذلك من شأنه ان يقلل معدلات الاختلاط والاصابة بالعدوى.
  • الاهتمام بالمجال البحثي في مجال مكافحة الاوبئة وخاصة كورونا في الجامعات وخاصة وان تجربة كورونا اثبتت دور العلم ومكانته في حماية البشر.

المراجع:

1- محمد اوبالاك،مسؤلية منظمة الصحة العالمية في ظل كوفيد 19، المركز الديمقراطي العربي،يونيو، 2020 على الرابط الآتي

https://democraticac.de/?p=66951

2–محمد قاسمي، فيروس كورونا بين ضرورتي اتخاذ تدابير الاحتواء والالتزام بالمعايير الدولية، مجلة الباحث للدراسات القانونية .

3- خديجة بن قطاط، المجتمع الدولي في مواجهة الاوبئة والجوائح، مجلة دراسات وابحاث  ، يوليو، 2020، ص556.

4–الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية:

https://news.un.org/ar/story/2020/04/1053012

[1] -محمد اوبالاك،مسؤلية منظمة الصحة العالمية في ظل كوفيد 19، المركز الديمقراطي العربي،يونيو، 2020 على الرابط الآتي

مسؤولية منظمة الصحة العالمية في ظل فيروس كوفيد-19

[2] -محمد قاسمي، فيروس كورونا بين ضرورتي اتخاذ تدابير الاحتواء والالتزام بالمعايير الدولية، مجلة الباحث للدراسات القانونية ص110.

[3] -خديجة بن قطاط، المجتمع الدولي في مواجهة الاوبئة والجوائح، مجلة دراسات وابحاث ، يوليو، 2020، ص556.

[4] -الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية:

https://news.un.org/ar/story/2020/04/1053012

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى