إعداد: شيماء فاروق سلامه – إشراف: د. نيبال عزالدين جميل – أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة السويس
- المركز الديمقراطي العربي
المقدمة
شهدت اليمن على مدار تاريخها العديد من الصراعات والانقسامات السياسية بالداخل وقد استطاعت تسويتها مهما اختلفت حدتها, حيثُ لم تخل هذه الصراعات من عنف دموي، كما نجد أن المعالجات التي اتبعت في كثير من مراحل الصراع اتسمت بقدر من المرونة أثناء تسويتها السياسية, بالإضافة لعدم إقحام القوى الإقليمية بالشأن الداخلي, مما ساهم في معالجة الخلافات وآثارها السلبية، حيث تمكنت اليمن بالتعاون مع القوى المختلفة حل الصراع والوصول إلى تسوية سلمية, فاليمنيون لديهم خبرة في مواجهة الصراعات مهما اختلفت أسباب ونتائج كل حالة من حالات الصراع والنزاع الداخلي, إلا أن الأمر اختلف بشأن الثورة الشبابية اليمنية في فبراير 2011, وتصاعدت حدة الأزمة اليمنية حيث وصلت للحرب الأهلية وتدخلت أطراف إقليمية لحسم الصراع الداخلي, مما زاد الوضع حدة وتأزمت الأوضاع السياسية, العسكرية, الاقتصادية, الاجتماعية والإنسانية باليمن.
الاشكالية البحثية.
شهدت اليمن كغيرها من البلدان العربية أحداث سياسية عرفت “بالثورة الشعبية الشبابية” في فبراير 2011, ولكن سرعان ما تصارعت التيارات السياسية في اليمن حول تقاسم السلطة أدى إلى اضطراب المشهد السياسي داخل اليمن وأدى إلى أزمة سياسية, وقد ازداد الوضع تدهورًا عقب تدخل الأطراف الاقليمية في مجريات الصراع خاصة إيران والمملكة العربية السعودية مما زاد الوضع سوءًا, تعثرت معه فرص التسوية السياسية في اليمن, لذلك يدور التساؤل الرئيسي حول:
“ماهي الأسباب الرئيسية لتعثر التسوية السياسية في اليمن ومدى إمكانية حل الأزمة؟”
ويندرج تحت هذا التساؤل عدد من الاسئلة الفرعية:
- ما هي أسباب تعثر الأزمة السياسية في اليمن(التحديات السياسية)؟
- ما هي الفرص السياسية التي يمكن أن تساهم في حل الأزمة اليمنية؟
- ما هو مستقبل التسوية السياسية في اليمن؟
تقسيم الدراسة.
- الأسباب الرئيسية لتعثر التسوية السياسية في اليمن.
- الفرص التي يمكن تحققها للتسوية السياسية في اليمن.
- السيناريوهات المستقبلية لتسوية الأزمة السياسية في اليمن.
أولاً: الأسباب الرئيسية لتعثر التسوية السياسية في اليمن(التحديات السياسية).
تتسم الأزمة السياسية في اليمن بالتعقد الشديد نتيجة احتوائها على أطراف داخلية وأطراف إقليمية, لذلك يُعزى تحليل أسباب تعثر الأزمة إلى عدد من العوامل التي ساهمت في الحيلولة دون وصل إلى تسويه سياسية بالرغم من إجراء العديد من المفاوضات منذ اندلاع الأزمة في 2011 وتصاعدت حدتها في 2015, وتداعي الوضع السياسي في اليمن في 2021.
كما ترتبط الأزمة ارتباطا وثيقًا بهيكلية النظام السياسي في اليمن ومكوناته والموقع الجغرافي لليمن ومدى أهمية اليمن الاستراتيجية للعديد من الأطراف, لكن لحصر أسباب محددة لتعثر الأزمة في اليمن يعود بالأساس إلى إشكالية بناء الدولة الحديثة في اليمن والتي أدت إلى تركيبه معقدة همشت فيها فصائل بعينها, مما أدى إلى حالة من الغضب المتراكم عبر عقود عدة, بالإضافة إلى كثرة الانقسامات الداخلية للمجتمع اليمني وتشاطر البعد المذهبي مع البعد القبلي والجهوي, مما تزايد معها الانقسامات والمشكلات الداخلية, كما ان هيكلية المجتمع اليمني همشت فصائل عدة وخاصة جماعة الحوثي مما أدي إلي انفجارها واستغلالها من قبل إيران, رفض الحوثين تسليم السلاح الحرب, وتصاعد حدة الحرب بالوكالة بين ايران والسعودية في اليمن.
1) وجود إشكاليات بناء الدولة اليمنية الحديثة.
إن تعثر مسار المفاوضات لتسوية الأزمة اليمنية يرجع بالأساس إلى إشكالية بناء الدولة الحديثة, وعدم تأصل مفاهيم الديمقراطية والدولة القومية فلازالت اليمن تقوم على الولاءات الضيقة والمتمثلة بدرجة أساسية حيثُ يعاني الشعب اليمني من مورثات عهدي الإمامة والاستعمار من نوازع الولاءات الضيقة بحكم العزلة لعهود طويلة ، وانعكاس ذلك على بناء الدولة الحديثة بظهور إشكاليات ضعف الإدارة الحديثة وإشكالية التعثر في ممارسة الديمقراطية كون اليمن تعتبر إحدى بلدان الديمقراطيات الحديثة العهد, وإشكالية سير بناء دولة الوحدة على أسس المساواة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وغيرها من الإشكاليات التي واكبت سير العملية السياسية.([1])
بالتالي عدم ترسخ قيم الولاء العليا بضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي اليمنية ساهم في وجود فصائل تؤثر المصلحة المذهبية والقبلية على وحدة الدولة اليمنية, تسبب ذلك في عدم تنفيذ التسويات السياسية التي تصب في الصالح اليمني ككل.
2) تزايد الانقسامات والمشاكل الداخلية.
قد صاحب إشكالية بناء الدولة تزايد الانقسامات الداخلية والمشاكل الداخلية, بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر والقيود المفروضة على الموارد، إلى جانب العداوات بين الفصائل المختلفة، بالتالي نشوب مزيد من الصراعات المحلية، ومن غير المرجح أن تكون الحكومة الحالية قادرة على التعامل مع هذه القضايا، خاصةً أن الرئيس السابق “علي عبدالله صالح” عمل على هيكلة قوات الأمن من الجيش والشرطة، بحيث يكون غالبية أفرادها من الشماليين على حساب الجنوبين، وبالتالي أدى انسحاب قواته إلى فراغ أمني في عدن وغيرها من محافظات الجنوب.([2])
3) عدم تمثيل الفصائل اليمنية في عملية التفاوض والتركيز على وقف اطلاق النار فقط دون باقي موضوعات التسوية.
يرجع فشل وتعثر عملية التسوية السياسية في اليمن إلى عدم التوسيع نطاق تمثيل مختلف الفصائل اليمنية في مفاوضات السلام الجارية بين الحكومة الشرعية والحوثيين، مما يؤدي إلى استمرار القتال الذي سيدفع باليمن نحو مزيد من الفوضى.
كما إن كافة المفاوضات ركزت على عملية وقف إطلاق النار وليست مفاوضات سلام, ربما لان التسوية السياسية لم تتحرك خطوة بسبب الانتهاكات المتكررة من الحوثيين, مما يؤدي إلى صعوبة التفاوض بشأن موضوعات أخرى, لذلك تركزت جهود الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة بشأن الأزمة اليمنية على العمل لوقف إطلاق النار بين الحكومة بقيادة “عبدربه منصور هادي”، وتحالف ميليشيا الحوثيين والرئيس السابق “علي عبدالله صالح”.
4) إشكالية نزع السلاح و رفض الحوثيين تسليمه.
قدم المبعوث الأممي السابق لليمن إسماعيل ولد الشيخ إحاطة إلى مجلس الأمن, قال إنه «تبيَّن في نهاية المشاورات [مشاورات الكويت أبريل-أغسطس 2016] أن الحوثيين ليسوا مستعدين في هذه المرحلة لتقديم التنازلات في الشق الأمني أو الدخول لخطة أمنية جامعة».
بالتالي أتضح من هذه الإحاطة أن ملف أسلحة الحوثيين هو ما أحد الأسباب الرئيسية التي أفشل مشاورات الكويت، وقضت على الأمل في التوصل إلى حل سياسي يُنهي الحرب ويقود إلى سلام ممكن في اليمن, فقد رفض الحوثيون آنذاك التوقيع على الترتيبات الأمنية التي تشمل تسليم الأسلحة والانسحابات من المدن, وبالتالي لا يمكن الانتقال إلى أي خطوة في ظل تصاعد الحرب بين أطراف الصراع.
كما اقترح الحوثيين تشكيل لجنة الأمنية والعسكرية العليا بالتوافق مهمتها الأساسية نزع سلاح الحوثيين والجيش الرسمي التابع للحكومة وبالتالي رفضت الحكومة الشرعية هذا المقترح بسبب وضع الحوثيون ميليشياتهم المسلحة على قدم المساواة مع الجيش الرسمي التابع للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.
كما طالب الحوثيون بتبعية جميع الوحدات الأمنية والعسكرية للجنة الأمنية والعسكرية العليا وليس للحكومة الانتقالية، ما يجعل مهمة الحكومة في تسلّم الأسلحة صعبة للغاية, ويأتي هذا المطلب تحسباً من الحوثيين لعدم حصولهم على تمثيل واسع في الحكومة الانتقالية، وخاصة الوزارات السيادية كالدفاع والداخلية.
بالإضافة إلى عدم إدراج الحوثيون الصواريخ البالستية ضمن بند تسليم الأسلحة الثقيلة، فهذا السلاح “السيادي” باعتقادهم هو للردع والتوازُن الإقليمي، والتنازل عنه لا يخضع لتدابير تسليم الأسلحة بين الأطراف اليمنية، وإنما يرتبط بإنهاء الوجود العسكري لقوات التحالف العربي في اليمن، وإخراج اليمن من أحكام الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة، وإنهاء الحصار.
5) الحرب بالوكالة بين إيران والسعودية:
إن الصراع في اليمن لا يمكن تحليل أسبابه وأسباب تعثر التفاوض بشأنه بمعزال عن الحرب والصراع الإقليمي بين كل من إيران والمملكة العربية السعودية, دخل الصراع السعودي الايراني في اليمن مسارًا شديد الخطورة منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21سبتمبر 2014م، حيث اتخذ الصراع طابعا عسكريا مباشرا بعد ان كان الصراع يدار من خلال الوكلاء، ويعتبر الصراع السعودي الايراني أحد الاسباب الرئيسية في تأزم عملية المفاوضات السياسية بالرغم من وساطة العديد من الأطراف الاقليمية والدولية والأممية, فالسعودية لن تقبل باتفاق سلام تكون نتيجته ترك ميليشيا الحوثي مسلحين ويتمتعون بسلطة سياسية، أو بالسيطرة على صنعاء, ونظراً لأن الحوثيين ردوا على كل موجة من المكاسب التي حققتها قوات التحالف العربي في اليمن، بإطلاق هجمات عنف مضادة، فإنه يصعب التنبؤ بنتائج حملة التحالف العربي لاستعادة صنعاء، ولكن من المرجح حدوث مزيد من الدمار وإراقة الدماء من قِبل في ظل الدعم الإيراني للحوثيين ودعم السعودية للحكومة الشرعية.([3])
ثانيًا: الفرص التي يمكن تحققها للتسوية السياسية في اليمن.
إن عملية التسوية السياسية لن تتم إلا في إطار:
1) إنهاء القتال.
2) سحب القوات وتسليم الأسلحة الثقيلة والمواقع الرئيسية.
3) تشكيل حكومة تتسم بالشمولية وتضم جميع الأطراف.
4) متابعة “عملية بناء السلام”، واستئناف مسار الانتقال الديمقراطي وهي المرحلة الأشد تعقيدًا, لكن لازالت هناك فرصة في ظل وجود الحوار الوطني.([4])
كما صرح مارتن غريفيث المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن «طرفي النزاع أمام خيارين، إما تصمت البنادق ويتم استئناف العملية السياسية، وإما ينزلق اليمن مرة أخرى لنزاع ومعاناة واسعي النطاق كما نشهد اليوم في مأرب», وبالنسبة للخيار العسكري وأضاف المبعوث الأممي: «إن روح المغامرة العسكرية والسعي نحو تحقيق مكاسب في السيطرة على الأراضي هي غير ذات جدوى لأن تلك الحرب لا يمكن كسبها عسكرياً في ساحة الحرب. لا يوجد بديل عن تسوية سياسية يتم التوصل إليها عن طريق التفاوض من خلال استئناف مبكر لعملية السلام».([5])
إن فرص التسوية السياسية مرهونة بالمتغيرات الإقليمية التي تفتح مجال للحوار بين الحوثيين والسعودية من جانب, وإيران من جانب أخر حتى تتم عملية تسوية حقيقية.
ثالثًا: السيناريوهات المستقبلية لتسوية الأزمة السياسية في اليمن.
إن تعثر التسوية السياسية بالأساس يرجع إلي عدم انتصار أي جانب عسكري ورفض أطراف الصراع تقديم أي تنازلات جوهرية, وإن الحالة التي قد يضطرون فيها للقبول بمثل هذه التسوية، فلا يمكن تصورها إلا في سياق واقعٍ عسكري ميداني, أو حدوث انقسامات سياسية داخل جماعة الحوثي, ودور إقليمي بنَّاء, ولكن في ظل عدم توفر هذه العوامل هناك عدد من السيناريوهات:
الأول: هو تقويض عملية التسوية السياسية واستمرار عملية الصراع داخل اليمن, ويدعم هذا السيناريو تواصل الإمدادات الايرانية لجماعة الحوثيين واستمرار هجومهم على المملكة العربية السعودية.
الثاني: استئناف عملية التسوية السياسية في ظل حلول عادلة تشمل جميع الفصائل السياسية داخل اليمن, وتتضمن السيطرة على الأطراف الخارجية.
الثالث: تجميد عملية التسوية السياسية لآجل غير مسمى, مع تدهور الوضع السياسي والإنساني باليمن.
واخيرا إن السيناريو الأرجح في ظل المتغيرات والمعطيات الحالية يشير إلى عدم وجود نيه حقيقية لتسوية الصراح لصالح الدولة القومية اليمنية على حساب الولاءات الضيقة سواء كانت مذهبية أو قبلية أو جهوية.
([1]) أحمد محمد الأصبحي . مسار التسوية السياسية في اليمن (أنموذج لحل النزاعات الداخلية).
([2]) إسراء أحمد إسماعيل. مسارات التسوية السياسية والتحديات المستقبلية. مركز المستقبل. 15يونيو 2016.
([3]) أحمد عردوم, الصراع السعودي – الايراني وأثره على اليمن, المركز الديمقراطي العربي, 14مارس 2017.
([4])مستقبل جهود المبعوث الأممي الجديد لإحياء التسوية السياسية في اليمن. مركز الإمارات للسياسات, 15 مايو 2018.
([5]) غريفيث: اليمن يمر بمنعطف خطير ولا بديل عن التسوية السياسية. الشرق الأوسط. 07 مارس 2020.