الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

المناورات العسكرية الأمريكية في البحر الأسود: الأهداف والتداعيات

US military exercises in the Black Sea: goals and repercussions

اعداد : شيماء فاروق – باحثة دكتوراه في العلوم السياسية – كلية السياسة والاقتصاد – جامعة السويس

  • المركز الديمقراطي العربي

 

ملخص :

تركز الدراسة على المناورات العسكرية الأمريكية في البحر الأسود من خلال توضيح الأهمية الاستراتيجية للبحر الأسود, والأهداف الرئيسية من المناورات العسكرية للولايات المتحدة وحلف الناتو في هذه المنطقة الحساسة, والتي اكتسبت طابع دولي خاصة عقب استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم التي تدخل ضمن نطاق البحر الاسود في 2014 وعودة الهيمنة العسكرية الروسية, من هنا تعد المناورات العسكرية الأمريكية هي رسالة إنذار مباشرة  للتمدد الروسي داخل البحر الأسود, وسط قلق أمريكي أوروبي من الهيمنة الإقليمية الروسية, كما ألقت الدراسة الضوء على تداعيات المناورات العسكرية خاصة فيما يتعلق بالموقف الروسي الرافض للمناورات الأمريكية داخل نفوذها الإقليمي.

Abstract

The study focuses on the American military exercises in the Black Sea by clarifying the strategic importance of the Black Sea, and the main objectives of the military exercises of the United States and NATO in this sensitive region, which acquired an international character, especially after Russia’s seizure of the Crimea, which falls within the scope of the Black Sea in 2014 and the return of Russian military hegemony, hence the US military maneuvers are a direct warning message to the Russian expansion into the Black Sea, amid US and European concern about Russian regional hegemony. .

المقدمة .

تعد المناورات العسكرية بصفة عامة أحدى الأساليب الهامة التي تدعم العمل العسكري المشترك بين الدول من أجل تبادل الخبرات العسكرية لكن في حقيقة الأمر المناورات العسكرية قد تهدف إلى إثبات قوة التحالف بين دولتين أو أكثر, كما تهدف بالأساس إلى إرسال رسائل إنذار لعدو قريب من ساحة المناورة, بينما تعد المناورات العسكرية الأمريكية أحد أهم الوسائل التي تستهدف دراسة ساحات الحرب المحتملة عن قرب وبث رسائل الى خصومها بمدى قدرة الجيش الأمريكي على حسم الصراعات.

تقوم الولايات المتحدة بالعديد من المناورات العسكرية مع العديد من الدول ولكن المناورات العسكرية في البحر الأسود تعد من أخطر المناورات التي قد تشعل فتيل الحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا, وخاصة عقب اعلان روسيا ضم شبه جزيرة القرم_ تطل على البحر الأسود_ في 2014 وأعلنت إنها أرض روسية، لكن القرم معترف بها دوليا باعتبارها جزءا من أوكرانيا, من هنا احتكاك الولايات المتحدة بالنفوذ الروسي يعد أحد أسباب لتوتر الحاد بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالعديد من العمليات والمناورات في البحر الأسود وقد كانت “تدريبات نسيم البحر” هي اضخم المناورات العسكرية والتي عقدت في يونيو 2021 والتي استمرت لمدة أسبوعين بمشاركة قوات قوامها نحو 5 آلاف جندي من دول حلف شمال الأطلسي ودول أخرى حليفة ونحو 30 سفينة حربية و40 طائرة والمدمرة الأميركية روس، كما شاركت فيها مشاة البحرية الأميركية.

أما المناورة العسكرية التي أجرتها الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأسبوع الماضي بالتعاون مع حلف الناتو كانت كرد فعل للتواجد الروسي في منطقة البحر الأسود ودعم للقضية القرم وأوكرانيا, اعتبرت وزارة الدفاع الروسية “إن المناورات العسكرية الأمريكية في البحر الأسود تدل على أن الولايات المتحدة تدرس مسرح الحرب المزعوم حال تصعيد حدة التوتر في دونباس شرق أوكرانيا, كما رصدت وزارة الدفاع الروسية طائرة استطلاع أمريكية من طراز “Е-8С” بالقرب من الحدود الروسية في البحر الأسود, من هنا تحاول روسيا احتواء الاستفزازات الامريكية ولكن تصاعد الاحتكاك الأمريكي لروسيا في البحر الأسود قد يؤدي إلى تداعيات وخيمة على شرق أوروبا والاتحاد الاوروبي, باعتباره ساحة المعركة, بالإضافة إلى مزيد من التوترات في العلاقات الامريكية الروسية.

الإشكالية البحثية:

قامت الولايات المتحدة الامريكية بمناورات عسكرية في منطقة البحر الأسود في وسط توترات بين روسيا وأوكرانيا بالإضافة إلي التوترات في شرق أوروبا, وسط تخوفات دولية من صعود النفوذ الروسي في هذه المنطقة وبالتالي استدعى الوضع عرض عسكري لدراسة ساحة الحرب المستقبلية بالإضافة إلي انذار روسيا من الاقتراب من أوكرانيا, لكن قُبل هذا الإنذار باستنكار الجانب الروسي للاستفزازات الأمريكية في منطقة البحر الأسود, فتزايدت حدة التوترات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية, من هنا يدور التساؤل الرئيسي للدراسة :

” ما هي الأهداف والتداعيات السياسية للمناورات العسكرية الأمريكية في البحر الأسود؟”

يندرج  تحت هذا التساؤل عدة تساؤلات فرعية :

  • 1) ما هي الأهمية الاستراتيجية لمنطقة البحر الأسود؟
  • 2) ما هي أهداف المناورات العسكرية الأمريكية في البحر الاسود؟
  • 3) ما هي تداعيات المناورات العسكرية الأمريكية في البحر الأسود؟

تقسيم الدراسة:

  • أولًا: الأهمية الاستراتيجية لمنطقة البحر الأسود.
  • ثانيًا: أهداف المناورات العسكرية الأمريكية في البحر الاسود.
  • ثالثًا: تداعيات المناورات العسكرية الأمريكية في البحر الأسود.

أولًا: الأهمية الاستراتيجية لمنطقة البحر الأسود.

لا يمكن فهم الاهمية الاستراتيجية للبحر الأسود بمعزل عن موقعه الجغرافي والدول المطلة عليه, فإن أهميته الاستراتيجية تكمن في موقعه الاستراتيجي الذي جعله أحد ساحات الصراع التي تتقابل فيها قوي كبرى مما قد ينشب عن الاحتكاك بين المصالح والنفوذ صراع دولي في هذه المنطقة ذات الوضعية الخاصة والتي اكتسبتها من الدول المطلة على  حوض البحر الأسود, فيطل على البحر الأسود ست دول: روسيا، أوكرانيا، جورجيا (اللتان تسيطر روسيا على مناطق أساسية بهم مطلة على البحر) رومانيا، وبلغاريا (العضوتان بالاتحاد الأوروبي منذ عام 2007 وحلف الناتو) وأخيرًا تركيا العضو بالحلف الناتو أيضًا.[1]

من أهم الدول التي تطل على حوض البحر الأسود روسيا ويوجد بداخل حوض البحر الأسود شبه جزيرة القرم “الشكل رقم (1)” التي أعلنت روسيا في 2014 بأنها أراضي روسية, بينما لازالت القرم معترف بها دوليا بأنها تابعة لأوكرانيا, وهذا ما دفع روسيا بتعزيز قدرتها البحرية في البحر الأسود, مما أدى إلى استنكار من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “الناتو”.

خريطة توضح الموقع الجغرافي للبحر الأسود الشكل رقم (1)

اكتسبت منطقة البحر الأسود مزيد من الأهمية الاستراتيجية مع استعادة روسيا مكانتها في النظام العالمي, وخاصة في عهد الرئيس بوتين وإعادة هيكلة القوة العسكرية الروسية, حيث استطاع الاستيلاء على جزيرة القرم وإعادتها لروسيا الاتحادية, مما أدى إلى ضرورة تدعيم التواجد الروسي في البحر الأسود, مما أزعج الولايات المتحدة وحلف الناتو وأصبحت منطقة البحر الأسود ساحة للمناورات العسكرية لكل من الطرفين الروسي والأمريكي على حدًا سواء.

بالإضافة أن البحر الاسود معبر أساسي وحلقة الوصل بين أوروبا والشرق الأوسط فهو يقع عند مفترق طرق اقتصادي وحضاري مهم على اليابسة الأوروبية الآسيوية تحتوي المنطقة على موارد النفط والغاز وخطوط أنابيب الطاقة الرئيسية وممرات الشحن وكابلات الألياف الضوئي, بالتالي السيطرة عليه تعني التحكم في التفاعلات الأمنية والسياسية في هذه المنطقة الهامة بالنسبة لأوروبا, كما أن البحر الأسود تطل عليه ثلاث دول تابعة لحلف الناتو” بلغاريا ورومانيا وتركيا” وبالتالي يكسب البحر أهمية أمنية وعسكرية لحلف الناتو والحفاظ على استقرار البحر الأسود من مهام حلف الناتو الرئيسية.[2]

بالتالي تتشابك العلاقات والدوافع الأمنية بين روسيا من جانب وحلف الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية من جانب أخر بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي, مما أدى إلى تعاظم أهمية منطقة البحر الأسود في السياسة الاقليمية والدولية, من هنا اقتصر العرض على أهمية البحر الأسود على المستوى العسكري والأمني؛ نتيجة ارتباطها الوثيق بأهداف المناورات العسكرية خاصة الأمريكية في البحر الأسود.

ثانيًا: أهداف المناورات العسكرية الأمريكية في البحر الاسود.

انطلاقًا من الأهمية الاستراتيجية للبحر الأسود وضعت الولايات المتحدة عدد من الأهداف لفرض السيطرة والنفوذ الأمريكي على البحر الأسود ولتنفيذ هذه الأهداف كثفت الولايات المتحدة من المناورات العسكرية في البحر الأسود, حيثُ تهدف الولايات المتحدة الأمريكية من المناورات العسكرية في البحر الأسود للعديد من الأهداف, وأهم هذه الأهداف يتمثل في التالي:

1) حيثُ تعد المناورات العسكرية في البحر الأسود نوع من التنافس الأمريكي الروسي, والرغبة في فرض النفوذ والهيمنة.

2) تهدف واشنطن تعزيز القوات الدفاعية والعسكرية لصالحها ولصالح حلف الناتو.

3) تطويق موسكو في محيطها الجغرافي وعمقها الاستراتيجي.

4) الحفاظ على استقرار البحر الأسود وأمنه من مهام حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية, من منطلق انتماء ثلاث دول من حوض البحر الأسود لحلف الناتو, بالإضافة إلى أمكانية انضمام أوكرانيا وجورجيا لحلف الناتو, بالتالي يمكن حصار النفوذ الروسي مما يؤدي إلى تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة الامريكية وروسيا.[3]

هذه الأهداف دفعت روسيا بتعزيز قدرتها العسكرية خاصة عقب استيلاء على جزيرة القرم, حيث عملت وزارة الدفاع الروسية على زيادة التواجد العسكري البحري فقد زادت عدد السفن الحربية الروسية التي بلغت 23 سفينة وزورقًا قتاليًا، و10 سفن مساندة، و6 غواصات مزودة بصواريخ “كاليبر” المجنحة بعيدة المدى.[4]

كما استخدمت روسيا قدرتها ومقدراتها من الطاقة للضغط على الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وقد استخدمت روسيا “استراتيجية الردع السلمي” فلا زالت تستخدمها روسيا بالرغم من المناورات العسكرية الأمريكية في البحر الأسود الاسبوع الماضي, والسبب في ذلك يرجع إلى عدم رغبة روسيا في مزيد من التوتر في البحر الأسود ولكنها تأخذ في اعتبارها الإجراءات الاحترازية واحتمالية نشوب صراع في هذه المنطقة وقد صرح بوتين جاهزية الجيش الروسي للحفاظ على عمقه الاستراتيجي.

ثالثًا: تداعيات المناورات العسكرية الأمريكية في البحر الأسود.

أغضبت المناورات العسكرية الأمريكية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكنه استكفى بالتصريحات حول خطورة المناورات في البحر الأسود وأنها لم تكن مقرره, كما أضاف بوتين إلى أن وزارة الدفاع الروسية قدمت اقتراحا لإجراء موسكو مناورات غير مقررة في المنطقة نفسها لكنه رفض هذا الاسلوب لأنه قد يجر المنطقة إلى عواقب وخيمة, وأكد بوتين أن وزارة الدفاع الروسية تكتفي بمتابعة طائرات وسفن دول الناتو في المنطقة. [5]

بالرغم من احتواء الرئيس الروسي الموقف على الصعيد الاعلامي إلى أن التحركات العسكرية الروسية بدأت في الاحتكاك بالاتحاد الأوروبي حليف الولايات المتحدة الامريكية,  فقد أعلنت كل من روسيا وبيلاروسيا الجمعة الماضية (12نوفمبر2021) أن البلدين يجريان تدريبات عسكرية مشتركة قرب حدود بيلاروسيا الغربية مع بولندا، وهي منطقة تشهد توترا بسبب تدفق آلاف المهاجرين إليها عبر بيلاروسيا في محاولة للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي, وتتهم بولندا ودول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي بيلاروسيا، حليفة روسيا، بتشجيع المهاجرين من الشرق الأوسط وأفغانستان وأفريقيا على اجتياز الحدود إلى الاتحاد الأوروبي.[6]

في حين صرحت وزارة الدفاع البيلاروسية على “تلغرام” أن قوات مظلية من البلدين تجري تدريبات نظرا لتفاقم النشاط العسكري قرب الحدود، فيما أكدت موسكو أن المناورات جزء من “تحقق من الجهوزية للقتال المفاجئ”, كما أن طائرات روسية من طراز “إل-76” ومروحيات عسكرية بيلاروسية تشارك في التدريبات حيث يجري جنود “عددا من المهام المرتبطة بالتدريب على القتال”, في حين جاءت هذه التدريبات عقب المناورات العسكرية الأمريكية والناتو في البحر الأسود, من هنا تحاول روسيا الرد على التهديد الأمريكي من خلال استخدام موسكو أوراق الضغط على الاتحاد الأوروبي .أنتؤتت

كما حذرت بريطانيا من خطر اندلاع حرب عرضية بين روسيا والغرب، مشيرًا إلى أن احتمال حدوث ذلك حاليًا هو الأعلى منذ عقود, فقد تصاعدت حدة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية ورسيا, خاصة الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل مع الجانب الروسي بصورة حادة, مما ينم عن تغيير في السياسية الأمريكية حيال روسيا، وأن هذه السياسية ستكون لها تداعيات خطيرة، إذ من المرجح أن يؤدي الضغط الذي ستمارسه هذه السياسة على روسيا إلى رد شرس وقوي من موسكو, وإن هذه السياسة تدفع روسيا بالاتجاه نحو الصين, مما يؤدي إلى عودة الحرب البادرة بصوره شرسة ليست في صالح الولايات المتحدة الأمريكية والغرب, خاصة وإن الولايات المتحدة الأمريكية تحتك بالصين في بحر الصين الجنوبي, وإن هذه السياسة الخاصة بالقوات البحرية الأمريكية سوف تؤدي إلى مزيد من الخسائر الدبلوماسية والاقتصادية نتيجة توتر العلاقات مع الجانب الروسي والصيني, ومما قد يكلفها خسارة عسكرية إذا تمادت في هذه السياسات.[7]

[1] الشيماء عرفات. البحر الأسود.. عودة الأهمية  التاريخية. المرصد المصري للفكر و الدراسات الاستراتيجية. أكتوبر 13, 2020.

[2] المرجع السابق ذكره.

[3] جيمس ستافريديس. مسار تصادمي أميركي ـ روسي في البحر الأسود. الشرق الأوسط. 10 مايو 2021 مـ . رقم العدد [15504].

[4] آية عبد العزيز. “البحر الأسود”… ميدان للردع البحري بين الولايات المتحدة وروسيا. المركز العربي للبحوث والدراسات. 01/يوليه/2019.

[5] بوتن: تدريبات الناتو بالبحر الأسود “تحد خطير” لموسكو. سكاي نيوز بالعربية. 13 نوفمبر 2021.

[6] تدريبات للناتو في البحر الأسود عقب مناورات روسية بيلاروسية وبوتين يحذر,DW. 13نوفمبر2021. متاح على الرابط التالي: https://www.dw.com/

[7] خبير: استفزازات الناتو في البحر الأسود محاولة لجر روسيا إلى أزمة جديدة. سبوتينك. متاح على الرابط التالي: https://arabic.sputniknews.com/

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى