الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

في ظل تزايد تعقيد الأزمة الأوكرانية – هل بات الاجتياح الروسي لأوكرانيا وشيكًا ؟

اعداد : عمر جمال شاور – ماجستير في الدراسات الدولية

  • المركزالديمقراطي العربي

 

نعيشُ الآن في أَوجِ تَعقيد وتداخل الصراعات بين القوى العظمى، ذلك نِتاج تأرجح توازن القوى الدولي على حساب تراجع نسبي في قوة الولايات المتحدة، التي تصارع من أجل الحفاظ على أحاديتها الدولية. وهذا يضاعف شكوك وقلق واشنطن من أي تحرك للقوى الصاعدة، مما يدخلنا في صراعاتٍ أكثر حدة. وما يزيد الأمر تعقيدًا أصرار كلٍ من القوى العظمى لتحقيق استراتيجياتها المتضاربة مع الآخر. فالاستراتيجية الخارجية الروسية التي تسعى لخلق قوةٍ نسبية لها في منطقتها يعتبر مأزقًا أمنيًا للغرب، والعكس إذ إنِ بتعزيز تواجد الناتو في أوكرانيا يعتبر مأزقًا أمنيًا لروسيا. أوكرانيا واقعةٌ ضحية صراع القوى العظمى، وخلال الشهرين السابقين ظهرت ملامح تجعل الصراع فيها مقلقًا جدًا، ذلك عندما أظهرت واشنطن بوست _بالصور_ حشودًا كبيرة من الجيش الروسي تتمركز على الحدود الشرقية لأوكرانيا[1]. وعلى ضوء ذلك تعيش المنطقة حربًا باردة بين روسيا والغرب. فلماذا تصِّرُ موسكو للحصول على الضمانة الأمنية المكتوبة؟ وهل من الممكن أن تمنح واشنطن الضمانات المكتوبة لروسيا؟ وإلى أي مدى يمكن لروسيا أن تقوم بغزوٍ جديد لأوكرانيا؟

الأهمية الجيوستراتيجية لأوكرانيا

تعتبر أوكرانيا منطقة ذات أهمية بالغة لروسيا. وبعيدًا عن الأهمية الاقتصادية والتاريخية والديمغرافية، فإن الأهمية الجيوسياسية تتصدر سقف تطلعاتها للحفاظ على الأمن القومي الروسي، وهذا يظهر بوضوح في خطابات الساسة في الكرملين على رأسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فجغرافيا أوكرانيا تقع بين روسيا وعدد من دول حلف النيتو، ولهذا تجد موسكو أن أوكرانيا منطقة ذات أهمية جيوسياسية بالغة لها؛ إذ تعتبر أحد أهم الدروع الجغرافية تجاه خطر النيتو. وعلاوة على ذلك؛ فإن توغل النيتو وأمريكا في أوكرانيا، هو معضلة أمنية لروسيا، وقد تأخذ موسكو لدخول في لعبة صفرية تُجّبَرُ فيها لغزو أوكرانيا عسكريا.

ومقابل ذلك، تحظى أوكرانيا بأهمية بالغة للغرب، فيجدوها منطقةً ذو أهمية أمنية بالغة؛ إذ تعتبر نقطة ارتكاز رئيس لاحتواء روسيا. لهذا تسعى أمريكا للحيلولة دون وقوع أوكرانيا في مخالب الدب الروسي، فواشنطن تدرك جيدًا أنَّ احتلال موسكو لأوكرانيا، يمنح روسيا تفوقًا نسبيًا في المنطقة، وهذا ما يذيب ثقة حلفاء واشنطن بها، وقد يكون طريق لقلب توازن القوى على المستوى الدولي.

تفاقم الأزمة الأوكرانية

بعد الثورة الأوكرانية عام 2013 التي أسقطت الرئيس الأوكراني _المنحاز لروسيا_ فيكتور يانوكوفيتش؛ تزايدت حدة احتقان العلاقة بين روسيا وأكرانيا، ونتج عن ذلك احتلال موسكو لجزيرة القرم عام 2014، وتبعهُ تعزيزٌ لدعّمِ الروسي الانفصاليين في دونباس شرق أوكرانيا. ومنذ ذلك وحتى الآن تعيش أوكرانيا في ظلِّ صراعٍ داخلي ومخاوف خارجية من محاولة غزوٍ روسيٍ جديد لها. وفي شهر ديسمبر من العام الماضي ظهر أتون الصراع البارد بين روسيا من جهة وأوكرانيا والغرب من جهة أخرى؛ أذ أظهرت تقارير أوكرانية وأمريكية، بأن روسيا تحشد عشرات الآلاف من الجنود على حدود أوكرانيا، حيث قدرت المخابرات الأمريكية في بداية شهر ديسمبر لعام 2021 أن القوات الروسية المتواجدة في الحدود الأوكرانية، من الممكن أن تصل إلى 175 ألف جندي، ذلك استعدادًا لشن حملة عسكرية على أوكرانيا[2].

نفت الكرملين تمامًا تلك الاتهامات، وأكدت عدم سعيها لشن حملة عسكرية على أوكرانيا. ومقابل ذلك، اتهمت موسكو كييف أنها تقوم بحشد جيوش كبيرة على حدود دونباس، استعدادا لشن حملة عسكرية على الانفصاليين المواليين لروسيا، وهذا ما نفته أوكرانيا.

رغم تأكيد الكرملين أنها لا تسعى لشن حملةٍ عسكرية تجاه أوكرانيا، إلا أن الحشود العسكرية التي أظهرتها روسيا، هي رسالة واضحة تأكد فيها عدم السماح بتاتًا لزحف حلف النيتو في أوكرانيا، وأنها تعتبر مسألة أمن قومي روسي. تحاول روسيا عدم الانجرار لحرب، فتصريحات الرئيس الروسي بوتين واضحة أنها تريد الحل الدبلوماسي، لصالح تحقيق ضمانات مكتوبة بعدم ضم أوكرانيا ودول أخرى لحلف النيتو. لكن إصرار الكرملين على الضمانات المكتوبة وعدم تقبل الغرب ذلك، زاد الأمر تعقيدًا، خاصة مع ضخ أمريكا دفعات من الدعم الأمني للجيش الأوكراني البالغة 200 مليون دولار[3]. وبدأ يظهر بوضوح صراعٌ بارد بين روسيا والغرب، فتزايدت حدة الاتهامات بينهما، وتعالت التهديدات. واضحٌ أن الغرب يعيش في حلقة من الشك وعدم الثقة، فرغم تأكيد الكرملين عدم السعي لخوض حملة عسكرية، إلى أن الشكوك الأمنية لأوكرانيا وأمريكا قائمة. وهذا ما يمنع الغرب من منح الضمانات لروسيا؛ إذ تعتقد أنها بذلك تمنح روسيا حرية التوسع في المنطقة. أما موسكو تجد أن ضمان أمنها حقٌ دولي لها يجب على الغرب تقبله، متهمةً الغرب بتجاهل حقِها الأمني، فقال الرئيس الروسي بوتين في اليوم الأول من الشهر الحالي “أن موسكو لا تزال تبحث ردّ واشنطن وحلف النيتو على مقترحاتها للضمانات الأمنية، وأنه أصبح واضحًا لروسيا أن الغرب يتجاهل هواجسها على هذا الصعيد”[4] وقال إنه “لا يمكن لأي شخص أن يعزز أمنه على حساب أمن الآخرين”[5]. وكما أتهم أمريكا بأنها تستدرج موسكو للحرب في أكرانيا[6].

خلال الأيام القليلة الماضية_ بداية شهر فبراير / شباط_ بدأت الأمور تأخذ منحنى أكثر خطورة؛ إذ تزايدت تعزيز قوات حلف النيتو في شرق أوروبا، حيث بدأت تظهر بوضوح وحدات قتالية متعددة الجنسيات من دول حلف النيتو في بولندا إستونيا ولاتفيا وليتوانيا[7]. كما أعلنت أمريكا أنها سترسل ثلاث ألاف جندي إلى بولندا[8]. هذا بالتزامن مع أجلاء عدد كبير من الدول رعاياها من أوكرانيا.

سيناريوهات مفتوحة

تنتشر بعض التقارير والدراسات الاستراتيجية أن روسيا ستقوم بحملة عسكرية الأيام القادمة. برغم أمكانية ذلك، إلا أني أعتقد أن مسألة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا معقدة جدًا. فقد يُدخل ذلك موسكو في خطر أمني أكثر صُعُوبَة مما هو عليه في الوضع الراهن (زحف النيتو شرقًا). فروسيا تعلم تمامًا أنها ستدخل في مأزق دبلوماسي واقتصادي، كما أن تمدد النيتو لن يتوقف، بل ستزيد واشنطن قواتها في المنطقة، بالإضافة إلى أمكانية دخل روسيا في مواجهة عسكرية واسعة مع الغرب. مقابل ذلك، أمريكا تدرك حجم المأزق الذي ستدخل فيه في حال سيطرة موسكو على كييف، فلا يقتصر ذلك على الخطر الأمني فقط، بل قد يؤثر على علاقاتها مع حلفائها، إذ من الممكن أن يفقدوا ثقتهم بواشنطن، كما قد يشجِّعُ ذلك الصين لاحتلال تايوان، وهذا قد يفتح على أمريكا جبهة كبيرة قد يخل بعرشها كقوةٍ أولى عالميًا.

لهذا أمريكا في مأزق حقيقي تجاه قضية أوكرانيا، حيث تعلم أن روسا مصرةٌ على الحصول على ضمانات أمنية مكتوبة، وفي نفس الوقت واشنطن غير قادرة على منحها ذلك.

رغم أن دخول روسيا عسكريا في أوكرانيا، لها عواقب وخيمة لها، إلا أن موسكو قد تجبر على الدخول العسكري لضمان أمنها _ مسألة أمن قومي لروسيا_ خاصة في حال لم تحصل على الضمانات الأمنية من الغرب، واستمرار النيتو في الزحف شرق أوروبا. لهذا لا أجد أن روسيا ستتنازل عن الضمانات الأمنية بل ستصعِّد من موقفها في حال شعرت بمزيد من التهديد. لهذا أجد أن مستقبل الأزمة مرهونٌ بالموقف الأمريكي والغرب، ما بين التصعيد أو الخضوع لمطالب روسيا التي ترتكز على الضمانات الأمنية.

ثلاث سيناريوهات للازمة الأوكرانية:

السيناريو الأول: خضوع واشنطن والغرب. إن إعطاء حلف النيتو ضمانات أمنية لموسكو، سينهي الأزمة سريعًا لصالح السلام. لكن انعدام الثقة والشكوك الكبيرة (المبالغة فيها) من قبل الغرب وأمريكا تحديدًا يحول دون ذلك. فأمريكا تؤمن بأن روسيا تخطط لتوسع في شرق أوروبا ذلك لخلق قوة نسبية لها في المنطقة على حساب أمريكا وحلف النيتو، لهذا تجد واشنطن أن منح ضمانات أمنية مكتوبة لموسكو، سيعزز سطوة وتوسع روسيا في المنطقة. لكن الغرب في النهاية سيخضع لمنح ضمانات أمنية مكتوبة لروسيا. ذلك لأن واشنطن تعلم تمامًا أن موسكو لن تتخلى عن الضمانات الأمنية، كما أن أمريكا تدرك حجم المأزق الكبير الذي ينتظرها إذ ما قامت روسيا باحتلال أوكرانيا.

السيناريو الثاني: التوصل لاتفاق مشترك. (دون التوقيع على معاهدة ضمان أمني مكتوب) وهذا في حالة أن الجهود الدبلوماسية والمفاوضات الثنائية ستنجح، وبتالي سيتوصل الطرفان لحل وسيط، على أساس ضمان أمني بين الطرفيّن، وهنا تتنازل روسيا عن الضمانات (المكتوبة).

السيناريو الثالث: غزوٌ جديد لأوكرانيا. رغم أن ذلك معقدًا _ليس لصالح الطرفين_ إلا أنه لا يستبعد ذلك، إذ أن هذهِ الأجواء المشحونة والمطرزة بانعدام الثقة وجنون العظمة بين الطرفين، ستجعل أي حدثٍ حساس _مقصود أو غير مقصود_ بمثابة سببٍ مباشرٍ في إِقتِحَام موسكو لكييف. وهذا ما يُدخل العالم في سناريوهات مفتوحة ما بين شَنِّ حملة عسكرية محدود، أو غزوٍ شاملٍ لأوكرانيا. وعلاوة على ذلك قد نشهد صراع مباشر بين عمالقة النظام الدولي _روسا وأمريكا_ بل قد نذهب إلى أبعد من ذلك، إذ ما قامت الصين بغزو جزيرة تايوان، مستغلة تلك الأحداث في أوكرانيا.

[1]  The Washington Post. “Russian military movements near Ukraine: What satellite images show” December 8, 2021. https://www.washingtonpost.com/world/2021/12/08/russia-ukraine-satellite-images/

[2]CNN.” US intelligence estimates Russian troop levels on Ukraine border could reach 175,000″ December 4, 2021.  https://edition.cnn.com/2021/12/04/politics/russia-ukraine-troops-border-us-intelligence-reports/index.html

[3] Reuters. “First part of $200 million U.S. defence aid arrives in Ukraine” January 23, 2022. https://www.reuters.com/world/europe/first-part-200-mln-us-defence-aid-arrives-ukraine-2022-01-22/

[4] روسيا اليوم. “بوتين: واشنطن تجاهلت الهواجس الروسية الرئيسية للضمانات الأمنية” 1.02.2022. في: https://ar.rt.com/sau9

[5] العربي. “أزمة أوكرانيا.. لافروف: الغرب تجاهل مخاوفنا الأمنية” 2022/2/1. في: https://cutt.us/XmgDI

[6]Reuters. “Putin accuses U.S. of trying to lure Russia into war”. February 1, 2022. https://www.reuters.com/world/europe/ukraine-announces-plan-boost-army-foreign-leaders-rally-2022-02-01/

[7] الأناضول. “بسبب التوترات مع روسيا.. الناتو يعزز وجوده شرقي أوروبا (تقرير)” 12.02.2022. تجده في: https://cutt.us/7MeS3

[8]  CNN. “الولايات المتحدة سترسل 3 آلاف جندي إضافي إلى بولندا ” 12 فبراير / شباط 2022″  تجده في: https://arabic.cnn.com/world/article/2022/02/12/us-send-3000-more-troops-poland

3.7/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى