إدارة الأزمات في مجال الطيران مقارنة بين الإدارة المصرية لأزمة سقوط الطائرة الروسية 2015 والإدارة السودانية لأزمة الهبوط الاضطراري لطائرة الخطوط الجوية السودانية 2011
إعداد: د. كامل فتحي كامل , د. سمر وصفي المداح
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة :
يقوم هذا التقرير على مقارنة أزمتين في عالم الطيران وهما حادث الهبوط الاضطراري لطائرة الخطوط السودانية عام2011م وأزمة سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء عام 2015، وتأتي أهمية هذا التقرير لعدة أسباب أهمها أنه في العقود الأخيرة ازدادت أزمات الطيران بشكل كبير خصوصاً منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو الوقت الذي نمت فيه بشكل كبير أهمية الطيران كوسيلة للنقل الجوي حيث أنها أكثر أماناً وسرعة وأرخص وأسهل من الوسائل الأخرى، وارتبط ذلك بحركة التجارة العالمية والتحول نحو العولمة وفتح الحدود بين الدول وزيادة أنشطة المؤسسات والمنظمات عبر الحدود.
ومع كل ذلك فقد تنوعت المخاطر التي يتعرض لها الطيران كأهم وسائل النقل العالمية فإلى جانب مخاطر الأعطال والظروف الجوية والأخطاء البشرية جاء خطر الإرهاب كأحد المخاطر الأشد فتكاً حيث أصبحت الطائرات مطمع لتلك المنظمات الإرهابية وهدفاً مستمراً لأعمالها ما بين أعمال الخطف إلى أعمال التفجير المباشر أو ترتيب الحوادث والازمات.
وفي هذا التقرير يحاول الباحثان تناول حادثتين مختلفتين إحداهما نتاج عطل فني والثانية استهداف إرهابي وقد نجحت إدارة الازمة الاولى رغم محدودية الامكانات مثل التعاون بين قائد الطائرة وبرج المراقبة والدفاع المدني بالخروج إلى بر الأمان ومعالجة الأزمة بشكل جيد وذلك في أزمة الطائرة السودانية، بينما فشلت إدارة الأزمة الثانية وهي ازمة الطائرة الروسية التي تم سقوطها على أرض سيناء في مصر، كما تسبب الإعلام في تأجيج الأزمة وخسارة مصر الكبيرة في مجال السياحة جراء ذلك.
أما من حيث المعلومات التي اعتمد عليها الباحثان فتمثلت في التقارير والأبحاث المنشورة في ذلك الإطار والتي تناول موضوع الازمتين من العديد من الجهات وقد راجع الباحثان البيانات الرسمية واعتمد عليها في أعداد الضحايا والمصابين وغيرها.
2- أسباب الأزمة:
بالنسبة لازمة سقوط الطائرة الروسية ففي الحادي والثلاثون من أكتوبر عام 2015 حصل حادث سقوط الطائرة الروسية المتجهة من مطار شرم الشيخ الدولي إلى مطار مدينة سان بطرس الروسية فوق سيناء فور إقلاعها وقد اودى الحادث بحياة 226 راكب من السياح الروس بالإضافة إلى طاقم الطائرة وقد أثار الحادث ضجة عالمية وجدلاً واسعاً في الأوساط الدولية والسياسية وتلقت السياحة المصرية بهذه الحادثة ضربة قاسية خاصة مع ترجيح بريطانيا والولايات المتحدة فرضية انفجار قنبلة أدى إلى سقوط الطائرة بعد إقلاعها من منتجع شرم الشيخ وقد قادت العديد من الدول مثل بريطانيا وروسيا وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة بإجلاء رعاياها من مصر بالإضافة إلى تحذير الرحلات السياحية من التوجه إلى مصر.
أدت الأزمة إلى فشل مساعي وجهود إنعاش الاقتصاد المصري وصناعة السياحة المصرية والتي كانت قد عانت بشدة إثر اضطرابات السياسية والامنية التي مرت بها البلاد خلال السنوات السابقة على تلك الحادثة منذ اندلاع ثورة يناير 2011 ومع تصاعد هجمات الجهاديين في سيناء ولا سيما وأن قطاع السياحة كان يساهم بنحو 12% من إجمالي الناتج القومي المصري ويشكل نحو 15% من موارد مصر من العملات الأجنبية.
أما بالنسبة لأزمة الطائرة السودانية ففي 2 أكتوبر 2011 عندما كانت طائرة الفوكرز 50 التابعة للخطوط الجوية السودانية المقلعة من مطار الخرطوم الدولي بجمهورية السودان في تمام الساعة الثامنة صباحاً والمتجهة إلى مدينة ملكال جنوب السودان تتأهب للهبوط وعلى بعد 7-8 أميال من مطار جهة الوصول واجه الطيار مشكلة عدم استجابة نزول إطار الطائرة الأيسر لأوامر التشغيل بينما استجاب الإطاران الأمامي والأيمن ومن ثم بدأت بوادر أزمة إنزال الطائرة إلى أرض المطار خاصت وأنها بجانب حمولتها من الطاقم والركاب (التي تشمل 45 راكباً و6 من أفراد الطاقم) والبضائع فإنها كانت مليئة بالوقود مما زاد من مخاطر هبوطها اضطرارياً.
وعندما حاول الطيار الاستعداد للهبوط التدريجي أشار المؤشر لوجود عطل فني كامل في إطار الطائرة الأيسر فأعاد أمر الإنزال عدة مرات ولكن دون جدوى، وافترض الطيار عدم صحة الإشارة بالكابينة وكلف أحد أفراد طاقمه لينظر إلى الإطار خلال النافذة المواجهة له، فأكد المضيف عدم نزول الإطار وحاول الطيار إنزال الإطار عدة مرات واستخدم كل ما يؤدي إلى ذلك كالتحليق بالطائرة في وضع مائل يكون فيه شقها الأيمن إلى أعلى والأيسر إلى أسفل ولكن دون جدوى حيث لم يستجيب الإطار لكل تلك المحاولات.
3- طريقة معالجة الازمة:
بالنسبة للطائرة الروسية فقد تضاعفت أهمية سقوط الطائرة وذلك لعدة أسباب أهمها توقيت الأزمة الذي ارتبط بمحاربة الحكومة المصرية للتنظيمات الإرهابية داخل سيناء، بالإضافة إلى علاقة الحادث بموقف روسيا من تنظيم الدولة والدور والهجمات الروسية في الصراع المسلح داخل سوريا.
ونشوء الحادث نفسه مثل حرجاً للنظام المصري من حيث حجم الانتقادات الذي وجه لإجراءات السلامة والامان داخل المطار خصوصاً أن الحادث جاء في فترة ترفع فيه الحكومة المصرية شعار محاربة الإرهاب، كما أن هناك اتهامات من بعض وسائل الإعلام بأن أحد أفراد الأمن هو من زرع القنبلة التي تسببت في انفجار الطائرة.
وبالتالي فقد خسر النظام المصري الرأي العام العالمي، وسهل من ذلك سابقة حادث القتل الخطأ للسياح المكسيكيين ورفقائهم المصريين في الصحراء الغربية قبل ذلك بشهرين وفوجئ النظام بحجم وكثافة التغطية الاعلامية الواسعة للحادث، حيث سيطر خبر الطائرة على نشرات الشبكات الإعلامية العالمية الكبرى.
لم تقم الحكومة المصرية بتسمية متحدث رسمي ليطلع العالم والمصريين بانتظام على آخر تطورات الحدث يوميا أو عدة مرات في اليوم الواحد، كما أن التصريحات الإعلامية المحلية لم تكن منضبطة وتسببت في حالة من الفوضى، كما لم تأتي التحقيقيات في الحادث بشيء جديد حيث أقرت التحقيقات بأن العمل جنائي وليس عطل في الطائرة.
بالنسبة للطائرة السودانية فقد قرر الطيار أن يتفادى الهبوط اضطرارياً في مطار ملكال لقصر مدرجه وضيقه وانحصاره بين النيل الأبيض غرباً ومبان ومنشآت شرقاً وكان الطيار يعلم بأنه في حالة الهبوط الاضطراري سوف يحدث انحراف نحو الجانب الأيسر، وبالتالي قرر العودة إلى مطار الخرطوم، لأن إجراءات السلامة أكبر من تلك بمطار ملكال والمتمثلة في طول مدرجه وكبر عرضه ومناطق الامن عند نهايات مدرجه.
تم إخطار الركاب بأن هناك عطلاً في الطائرة وأنها ستعود لمطار الخرطوم دون إعطاء تفاصيل، وكان الهدف من ذلك تقليل التوتر لدى الركاب وتم إبلاغهم أن هناك عطل عادي والتعامل مع الركاب بشكل طبيعي من خلال تقديم المشروبات وذلك لاستقرار الحالة النفسية للركاب.
بعد أن اقتربت الطائرة من مطار الخرطوم تم تكثيف الاتصال ببرج المراقبة، وتم استنفار وحدة الدفاع المدني بالمطار للتحكم في أي حريق قد ينشب جراء ارتطام الطائرة بالأرض لتسرب وقود او بسبب المعادن المستخدمة في هيكل السيارة، وقام الطيار بعمل ثلاث مناورات لإنزال الإطار قبل الهبوط ولكنها لم تفلح، وتم اتخاذ قرار الهبوط اضطرارياً بدون إطار أيسر ومن ثم تم إخطار الركاب بالعطل الفني وإعلان حالة الطوارئ واتباع ارشادات السلامة وظلت الطائرة محلقة فوق المطار لمدة لاستنفاذ كمية الوقود الموجودة، وتم إبلاغ الدفاع المدني بوضع كمية كبيرة من رغوة الإطفاء على المردج وحدد الطيار إنزال الجناح الأيسر للطائرة على الرغوة حتى لا يحدث حريق بسبب الاحتكاك والارتطام بالأرض كما قرر الطيار إنزال الطائرة بميل يكون فيه الجانب الأيمن إلى أسفل والجانب الأيسر إلى أعلى وثقل الطائرة ناحية الإطار الأيمن.
4- حلول ونتائج الأزمة:
في حالة الطائرة الروسية حدث مجموعة من الآثار السلبية أولها حدوث انفجار الطائرة حيث خلف الحادث 226 قتيل من راكب من السياح الروس بالإضافة إلى طاقم الطائرة، وحدث جدل حول كون الانفجار حدث نتيجة عطل فني أم عمل إرهابي وهو ما أثار ضجة إعلامية عالمية وجدلاً واسعاً في الأوساط الدولية، وقد أضر ذلك كثيراً بالسياحة المصرية التي كانت في طريقها إلى التعافي، حيث بادرت بريطانيا بوقف الرحلات من وإلى مطار شرم الشيخ على خلفية معلومات استخباراتية تقول إنها حصلت عليها، ومن واشنطن خرج عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي ليؤكدوا بنسبة 99% احتمال وجود عمل إرهابي وانفجار قنبلة أدت لسقوط الطائرة تلتها روسيا التي أوقفت رحلاتها الجوية إلى مصر هي الأخرى ويمكن القول أن الإدارة المصرية للأزمة لم تكن بالشكل الجيد حيث أن إجراءات السلامة في المطار لم تكن كافية كما أن طريقة التعامل مع الأزمة بعد ذلك لم تكن على القدر المطلوب.
أما بالنسبة للطائرة السودانية فقد حدثت عملية الهبوط بسلام واستطاعت وحدة الدفاع المدني الوصول إلى الطائرة بعد 7 ثوان من هبوطها ومن ثم أخلاء جميع الركاب ثم الطاقم بدون أي إصابات سوى حالتي إغماء، وهو ما يمثل إدارة متميزة للأزمة والخروج بدن خسائر بشرية كما عكست الأزمة التعاون الجيد بين قائد الطائرة وبرج المراقبة وكذلك الدفاع المدني.
5- الدروس المستفادة
- أصبح الطيران في العالم المعاصر من أهم وسائل النقل إن لم يكن أهمها على الإطلاق وقد أصبح من الوسائل التي لا يمكن الاستغناء عنها وبالتالي فإن الاستثمار فيه وتطويره والاهتمام بأعلى درجات السلامة والجودة أصبح من الضروريات بالنسبة للدول.
- التدريب الجيد والكفاءة والإبداع والاستعداد بالمحاكاة العلمية قد يعوض احياناً ضعف الإمكانيات وقت الازمات وهو ما اتضح في قائد الطائرة السودانية.
- هناك عوامل جانبية لا تكون ركن أساسي في الأزمة ولكنها قد يكون لها تأثير كبير على مصير الازمة ومن هذه العوامل الإعلام الذي يستطيع أن يساهم بشكل فعال في نجاح او فشل إدارة الأزمة.
- التعاون الجيد بين جميع الجهات والاتصال المستمر أثناء الأزمة يتيح الكثير من البدائل والأفكار الجيدة ويمكن من الاستفادة من جميع القدرات، كما يكون له دور كبير في المؤازرة النفسية ورفع المعنويات لدى من هم في الخطوط الامامية اثناء الأزمة.
6- الملخص والتوصيات:
6-1- الملخص
تناول التقرير مقارنة بين أزمتين في مجال الطيران الازمة الأولى هي أزمة سقوط الطائرة الروسية على الأراضي المصرية وترجع الحادثة إلى قيام جهة إرهابية بزرع قنبلة يدوية الصنع في الجزء الخلفي من الطائرة وبعد انفجار الطائرة قتل جميع ركابها وطاقم الطائرة، ولم تستطع الإدارة المصرية التعامل مع الازمة بشكل جيد حيث قامت كل من بريطانيا وروسيا بوقف طيرانها إلى مطار شرم الشيخ، وتأثرت السياحة المصرية بشكل كبير في فترة بالغة الحساسية بالنسبة للاقتصاد المصري.
أما الأزمة الثانية فهي أزمة تعرض طائرة الخطوط الجوية السودانية المتجهة نحو جنوب السودان إلى عطل فني تمثل في عدم استجابة الإطار الأيسر للإنزال وهو ما جعل قائد الطائرة يستخدم كل الإمكانات المتاحة للخروج من الأزمة حيث عاد إلى مطار الخرطوم على اعتبار أنه أكثر أماناً وكثف الاتصالات مع برج المراقبة للتخطيط للهبوط الاضطراري للطائرة وتم التنسيق مع الدفاع المدني للتعامل مع الطائرة وقت الهبوط وضمان عدم حدوث حريق والتحليق لمدة تضمن التخلص من وقود الطائرة وفي النهاية هبطت الطائرة بنجاح وبدون خسائر.
6-2- التوصيات
- ضرورة التصدي لمخاطر ضعف الجهات الإعلامية، وعدم المهنية من بعض المؤسسات الإعلامية التي تقوم بتغطية الاحداث حيث تؤدي عدم المهنية إلى تشويه صورة البلد، وقد تكون عاملاً في فشل إدارة الأزمة وتزيد من خطورة الأزمة، وتعمل على تضليل الرأي العام.
- أهمية التخطيط لإدارة أزمات الطيران بحيث تكون هناك إدارة للمخاطر والاستشعار وذلك فيما يتعلق بأمن المطارات وإجراءات السلامة.
- ضرورة وضع خطط تفصيلية لمراجعة الأزمة بعد انتهائها واستخلاص الدروس المستفادة منها، واتخاذ القرارات المناسبة التي تستهدف عدم تكرار ما حدث.
- ضرورة الشفافية بعد حدوث الأزمة ومخاطبة الرأي العام من خلال متحدث رسمي يقوم بموافاة الرأي العام بالمعلومات الكافية والإجابة على التساؤلات المهمة وعدم ترك المجال لاجتهادات الصحف العالمية والمحلية.
7- المراجع
– غازي دحمان، التداعيات المحتملة لإسقاط الطائرة الروسية، شئون عربية، العدد 176، جامعة الدول العربية، شتاء 2018.
– صالح السيد عراقي، رؤية النخبة الاعلامية والعاملين بقطاع السياحة لدور المواقع الالكترونية للقنوات التليفزيونية العربية والاجنبية في دعم السياحة المصرية إبان أزمة سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء، المجلة المصرية لبحوث الرأي العام، جامعة القاهرة، مركز بحوث الرأي العام، العدد 2، المجلد 15، يونيه 2016.
– رجاء الغمراوي، أطر إنتاج الخطاب السياسي عبر المواقع الإلكترونية للقنوات الفضائية وأثرها في تشكيل اتجاهات الجمهور نحو القضايا السياسية المصرية المتعلقة بالأمن القومي: دراسة حالة لقضية سقوط الطيارة الروسية، مجلة الطفولة والتربية، جامعة الإسكندرية، كلية الطفولة، العدد 24، المجلد 7، أكتوبر 2015.
– محمد المنشاوي، أخطاء إدارة أزمة الطائرة الروسية، جريدة الشروق المصرية، 13 نوفمبر 2013.
– هبة محمود طارق، نجاة (45) راكباً في هبوط اضطراري لطائرة بمطار الخرطوم، جريدة الأهرام المصري، 3/10/2011