المحكمة الجنائية الدولية بين العدالة والتسييس وضعف الآليات والإجراءات
إعداد الباحث : قتيبة قاسم العرب – المركز الديمقراطي العربي
تم اعتماد نظام روما الأساسي المعني بإنشاء محكمة جنايات دولية في 17 يوليو 1998 خلال مؤتمر الأمم المتحدة في مدينة روما ودخل حيز التنفيذ عام 2002 وتأسست بذلك أول محكمة جنائية دولية بعد جهود عدة عقود وحددت الجرائم التي تدخل في اختصاصها جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان ودورها مكملا للقضاء الوطني للدول المعنية وفق الاختصاص الموضوعي للمحكمة واعترضت الولايات المتحدة على السلطة العالمية للمحكمة وبقي اختصاصها الإقليمي محصور ضمن مواطني الدول الأعضاء بقبولها أو وقوع الجرم على أراضيها بعد موافقتها أو إذا أحيلت القضية من قبل مجلس الأمن :
أولا . وإذا نظرنا لنظام روما الأساسي من ناحية تحريك الدعوى وأطوار المحاكمة ومن حيث إجراءات تحقيق العدالة لرأينا أنها منطقية وجيدة ومن اجل تحقيق العدالة داخل المحكمة الجنائية الدولية ولكن المشكلة لا تكمن بإجراءات التقاضي بل بطرق الإحالة والاختصاص الإقليمي ولا سيما بند الإحالة من مجلس الأمن وكذلك ضعف التمويل لتمكين إجراءات التحقيق والتقاضي وكذلك وقوع عمليات التعويض المجني عليهم بعد صدور الأحكام على الصندوق الاستئماني الذي مصدره تبرعات الدول الموقعين على الاتفاقية والتبرعات الدولية حسب المصالح.
ثانيا . وإذا نظرنا لمجلس الأمن والذي يشكل الخصم والحكم نرى غالبية أعضاءه غير ملتزمين بنظام روما أمريكا غير مصادقة وروسيا انسحب عام 2016 والصين لم تعترف به من الأساس وكلهم لهم حق الفيتو على قرار إحالة أي ملف دولة آو قضية خطيرة على المحكمة الجنائية الدولية وبالتالي هنا نجد ان القضاء الدولي لم يعد مستقلا من الناحية العملية وليست الشكلية او في إجراءات التقاضي وبالتالي أصبح يخضع للتسييس وفق مصالح الدول الكبرى وبالتالي تعطيل العدالة الدولية
ثالثا . وكذلك الأمر من خلال التمويل كمثال عندما يريد المدعي العام بالقيام بالتحقيقات والتنقل الدولي وتشكيل فرق للتحقيق وجمع الأدلة وغيرها أيضا نلاحظ عدم وجود تمويل كافي حتى لو كانت القضية محالة من مجلس الأمن وبالتالي يمكن للدول الكبرى أن تضعف التمويل وتعطل العدالة كما حصل بليبيا.
رابعا. والأمر الأخر عندما تلتزم دول كثيرة من المصادقين على الاتفاقية بالمساعدة ودفع المال للتعويض بمبالغ كبيرة نتيجة جرائم جماعية ونزاعات وحروب وحيث أن غالبية الدول الفقيرة والمتضررة من النزاعات والحروب هي موقعة على نظام روما الأساسي بينما الدول العظمى خارج المعادلة وتدفع حسب المصالح وبالتالي اين العدالة التي ستتحقق لهذه الدول الفقيرة.
ومن خلال الشرح أعلاه لأبرز النقاط ندخل على التجربة السورية بالبداية نعرض الخارطة السورية من حيث أطراف الصراع والجرائم المرتكبة من كل الأطراف وتعطيل العدالة وتسييسها سواء وطنيا أم دوليا في ظل نزيف الدم المستمر للشعب السوري.
وضع سورية حاليا حسب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة هو بلد محتل و خاضع لنظام الوصاية والانتداب من عدة دول بجنسيات مختلفة حيث يوجد عدوان وتدخل عسكري كلا من أمريكا وتركيا وبريطانية وفرنسا وعدوان إسرائيلي متكرر عليها:
- 1-من الجهة المقابلة يوجد انتداب ووصايا بموافقة النظام السوري من قبل روسيا وإيران وللتوضيح حسب القانون الدولي في حال تجاوز الدولة التي تدخلت عسكريا بدولة أخرى بموافقتها يصبح عدوانا وطبعا في الحالة السورية ما يسمى حلفاء النظام تجاوزوا كل الاتفاقيات وحصلوا على توسيع قواعد عسكرية وعقود اقتصادية لمائة عام إلى أخره
- 2-المجموعات المصنفة إرهابيا حسب قرار مجلس الأمن النصرة وداعش ووجود مقاتلين إرهابيين أجانب من كل دول العالم
- 3-وجود مجموعات مسلحة معارضة من كل الأصناف والأسماء غالبية أعضاءها سوريين وتابعين لدول إقليمية كجيش الإسلام وأحرار الشام والمسميات كثيرة
- 4-وجود ميليشيات مسلحة تابعة لحلفاء النظام ولا سيما إيران بسميات كثيرة ومنها الفاطميون و الزينبيون وأهل الحق إلى آخره الشعب السوري نصفه مهجر والثلث نازح داخليا ومحاصر اقتصاديا
في ضوء ذلك تم ارتكاب كافة أنواع الجرائم المنصوص عليها بنظام روما الأساسي من كل الإطراف أعلاه:
1-بالنسبة للنظام السوري قام بانتهاكات خطيرة بالقانون الدولي الإنساني والتي تشكل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية جرائم حرب مثبتة من خلال البراميل المتفجرة والتي تلقى من مروحيات بشكل عشوائي وقتلت ألاف المدنيين وبالنسبة للجرائم ضد الإنسانية والتي تمثلت بالتعذيب بالسجون والإيذاء الخطير والقتل العمد والاختفاء القسري والأدلة واضحة من خلال كل مصادر عائلات سورية من ذوي الضحايا والمعتقلين والمعلومات التي تشير إلى الآن بمقتل نصف المعتقلين بسبب التعذيب والباقي مصيرهم مجهول ولا حل إلى الآن لذلك الملف رغم كل المطالبات الدولية علما ان غالبية المعتقلين عم ناشطين مدنيين بينما يتم إصدار العفو على المسلحين وفق أجندات لأنهم لا يشكون خطرا فكريا وثقافيا على النظام.
2-بالنسبة لحلفاء النظام قاموا بانتهاكات جسيمة بالقانون الدولي الإنساني من حيث الغارات الروسية الموثقة والتي ضرت مدارس ومشافي وأماكن مدنية ورغم ادعائهم بالخطأ لا يعفي من المسؤولية بارتكاب جرائم حرب في نظام روما الأساسي وضمن سياق القانون الدولي الإنساني وفي اعتقادنا هي محاولات للهروب من المسائلة الجنائية بالجرائم بسورية.
3-وكذلك الميليشيات الإيرانية والتابعة لها بجنسيات مختلفة ارتكبت حسب توثيقات داخلية بسوريا جرائم إبادة لأسباب طائفية وانتقامية من أجل خلق صراع إيديولوجي بالمنطقة يخدم المصالح الإيرانية بملفاتها واعتبار سورية ورقة تفاوض تحت نظام الانتداب.
4-بالنسبة لقوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا كذلك تم انتهاك للقانون الدولي الإنساني وارتكاب جرائم حرب واضحة بالغارات وقتل المدنيين ولا سيما بمدينة الرقة والبوكمال بدير الزور إلى جانب قوات الكردية ما يسمى قسد المدعومة من أمريكا ارتكبت بشكل موثق بحجة محاربة الإرهاب جرائم تطهير عرقي بمدينة الرقة ضد العرب وتهجيرهم وهي جرائم ضد الإنسانية.
5-كذلك على الطرف الأخرى ارتكبت ميليشيات مدعومة من تركيا جرائم حرب ضد المدنيين الأكراد بشمال حلب
5-أما المجموعات المسلحة والمحسوبة على الدول الإقليمية فلقد ارتكبت جرائم حرب وكذلك بقصف قذائف هاون عشوائية على مدينة دمشق وكذلك متهمة بملف المخطوفين ومصيرهم لديها مجهول
6-آما المجموعات الإرهابية والتي تشكل غالبيتها من المقاتلين الأجانب فلقد ارتكبت أبشع الجرائم بسورية والتي تقع ضمن اختصاص نظام روما والمحكمة الجنائية الدولية وكل الجرائم التي لم يشملها القانون أو يتصورها العقل
وانعكاس ذلك حول الملف السوري في ظل تورط كل الأطراف المذكورة أعلاه لم يتم تحقيق العدالة أو حتى إجراءاتها أو حتى بصيص آمل بذلك والأسباب حسب مقدمة ما كتبناه أعلاه سورية ليست لا طرف ولا منضم ولا موقع على نظام روما الأساسي وبالتالي خارج إطار تحقيق العدالة الجنائية الدولية:
1-من حيث الاختصاص الإقليمي وإحالة مجلس الأمن للملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية حيث قامت روسيا بتعطيل 12قرار لمجلس الأمن سواء بإحالة الملف أو وقف القتال أو الإدانة إلى أخرى وهذا موقف سياسي واضح وعطل تحقيق العدالة للشعب السوري بالإضافة لانسحابها من اتفاقية روما وكذلك الصين استخدمت الفيتو مع روسيا وبالتالي دون الالتزام بالية تحقيق العدالة لا يمكن ذلك وهيمنة الدول الكبرى واضح وصريح على تسييس العدالة بالملف السوري
2-وبالنسبة للنظام بسورية لا يرغب بمحاكمة مرتكبي الجرائم من قواته وميليشياته الحليفة فقط محاكم للإرهاب للأسف يحاكم بها ناشطين مدنيين وبالتالي جرائم النظام وحلفاءه خارج العدالة وإفلات من العقاب بالوضع الحالي
3-وبالنسبة للارهابين ولا سيما الأجانب حيث يمكن محاكمتهم حسب جنسياتهم في حال كانت دولهم موقعة على نظام روما الأساسي وطبعا هناك جنسيات مقاتلين أجانب ارهابين بسورية من دول مصادقة على نظام روما ولكن هناك رفض من كل الدول بإثارة هذا الموضوع وحتى حاولت بعض الدول الأوربية حتى لا يتم إعادة الارهابيين من جنسياتهم باقتراح إقامة محاكم بشمال سورية عند القوات الكردية وتنفيذ المحاكمات هناك ضمن قطاع محتل بسورية وهذه المحاولات تدل على عدم الرغبة بتحقيق العدالة ومحاسبة حتى مواطنيهم الارهابين فكيف سيساعدون الشعب السوري لا بل وأكثر من ذلك حاولت الدول التواصل مع النظام السوري من أجل المساومة حول معتقليهم الإرهابيين لدى النظام مقابل علاقات أمنية ولكن النظام أراد علاقات سياسية يعني ممكن التخلي عن العدالة لقاء المصالح ودعم الديكتاتوريات
وبالنهاية حسب العرض أعلاه نلاحظ فشل في تحقيق العدالة الدولية والوطنية بالملف السوري ولذلك لجأ الحقوقيين السوريين لرفع دعاوى في الدول الأوربية من قبل ذوي الضحايا كعدالة رمزية قدر الإمكان حتى يصحو ضمير المجتمع الدولي ولا نتوقع ذلك حاليا بمجلس الأمن ولا من قبل القضاء الوطني لتورط النظام الحالي بسورية
وكذلك في ظل وجود القصور القانوني بطرق الإحالة للمحاكمة الدولية وتسييس الدول الكبرى وعدم مصادقتها على نظام روما الأساسي والضغط على الدول الفقيرة بالمصادقة وهذا تناقض دولي يفقد الهدف الأساسي لنظام روما من أجل تحقيق العدالة ويبقى الأمل بالملف السوري في حال كان هناك حل سياسي عادل يحقق طموحات الشعب السوري وأن يتم العمل العمل على تحقيق العدالة وفق القضاء الوطني وبالتعاون مع المحكمة الدولية كون هناك شخصيات دولية متورطة أيضا من أجل تعويض ضحايا الدم السوري إلى جانب تجربة عدالة انتقالية خاصة بسورية
وبالنسبة للدول الضعيفة والفقيرة لا حول لها سيبقى نظام روما سيفا مسلط عليها من قبل الدول الكبرى وبالنسبة للدول وبعضها عربية والتي تعمل على تحصين جبهتها الحقوقية والقانونية من خلال ملائمة تشريعاتها مع نظام روما الأساسي واعتماد تعديلات القانون الجنائي ودستورها في ظل عدم وجود مثل أنواع هذه الجرائم الخطيرة فيها أن لا تتسرع بالمصادقة على نظام روما الأساسي في حال كانت موقعة فقط الى ان يتم تعديل الإحالات الدولية وضمان استقلال المحكمة الجنائية الدولية وكذلك مصادقة دول وأعضاء مجلس الأمن بالكامل على نظام روما الأساسي وبالمقابل ان تطور قضائها الوطني وتحصنه لحماية مواطنيها وتدعم نشر ثقافة حقوق الإنسان حتى تصل لإمكانية أن يقبل قضاءها الدعاوى من قبل المتضررين والهاربين من جنسيات دول أخرى وفق هذه الجرائم البشعة واللإنسانية