الاجتياح الروسي لأوكرانيا و تداعياته من منظور القانون الدولي
بقلم : محمد يوسف – دكتوراة في القانون الدولي – جامعة أنقرة يلدرم بيازيد
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة :
أثار الاجتیاح الروسي لأوکرانیا فی ال 24 من شباط المنصرم العديد من ردود الفعل على الصعيد الدولي و الأوروبي و لا سيما فيما يتعلق بمشروعية الغزو الروسي و موقف القانون الدولي من ذلك . جذور الخلاف الروسي الأوكراني تعود للعام 2014 و ذلك بعد سقوط الحكومة الأوكرانية القديمة و التي كانت تعرف بولائها لروسيا و تعتبرها روسيا حليفاً و شريكاً لها، خلفت تلك الحكومة التي تم اسقاطها بعد موجة مظاهرات عمت معظم شوارع المدن الأوكرانية، حكومة أعتبرتها روسيا موالية للغرب و حلف الناتو وتهدد أمن روسيا في المنطقة، الأمر الذي دفع روسيا على الفور لاجتياح جزيرة القرم وضمها للأراضي الروسية في إجراء أحادي الجانب لا يعترف المجتمع الدولي إلى اليوم بمشروعيته. اتسمت الفترة الممتدة مابين عام 2014 و إلى ماقبل الغزو الروسي لأوكرانيا بالتوتر وعدم الاستقرار في العلاقات بين روسيا و اوكرانيا و بلغت ذروتها في الأشهر القليلة الماضية بعدما كثر الحديث عن مفاوضات بين حلف الناتو و أوكرانيا حول انضمام الأخيرة إلى الحلف، أعقب ذلك موجة من التهديد و الوعيد الروسي بأن روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما أقدمت أوكرانيا على هذه الخطوة وأنها ستتخذ ما يلزم من اجراءات للحفاظ على أمنها القومي و الاستراتيجي . في غضون ذلك وردت العديد من التقارير الأمريكية تشير إلى أن القوات الروسية تجهز لعلمية عسكرية كبيرة تهدف من خلالها إلى السيطرة على أوكرانيا و اسقاط نظام الحكم الحالي و استبداله بحكومة موالية لها، الأوساط الحكومية الروسية سارعت إلى نفي ذلك و قالت أنه لانية لها بغزو الأراضي الأوكرانية. بعد مضي أيام على تلك التصريحات قامت القوات الروسية بالاعتراف بجمهورية دونيتستك ولوغانسك الشعبيتين على أنهما دولتان مستقلتان و تلى تلك الخطوة علملية اجتياح واسعة النطاق للأراضي الأوكرانية لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا. بررت روسيا اجتياحها لأوكرانيا بأنه جاء في إطار حقها المشروع في الدفاع عن نفسها و عن الروس المقيمين في اقليمي دونيستك و لوغانسك ضد ماوصفته بالإبادة الجماعية التي ترتكبها القوات الأوكرانية النازية على حد وصفها ضد السكان الروس هناك. نفت أوكرانيا الإدعاءات الروسية و اعتبرت الغزو الروسي انتهاك لوحدة و سلامة الأراضي الأوكرانية و اسقلالها السياسي و بأنه مخالف للأعراف و القوانين الدولية وفي مقدمتها منشور الأمم المتحدة . سنقوم في هذا المقال بتحليل المسائل والقضايا التي ظهرت بالتزامن مع الغزو الروسي لأوكرانيا من وجهة نظر القانون الدولي من جهة و نناقش مشروعية الاجتياح الروسي لاوكرانيا و المسؤولية الدولية الروسية المترتبة على ذلك من جهة أخرى، بالإضافة إلى تسليط الضوء على قرار محكمة العدل الدولية الأخير الصادر بخصوص الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية.
الغزو الروسي و استخدام القوة ضد اوكرانيا في ميزان القانون الدولي
إن استخدام القوة والتهديد باستخدام القوة ضد سلامة و وحدة أراضي الدول الأخرى و استقلالها السياسي محظور حسب الفقرة الرابعة – المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، تنص الفقرة 4 من المادة 2 على مايلي :” يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد «الأمم المتحدة»” الاستثناء الوحيد الذي يسمح للدول باستخدام القوة العسكرية هو المادة 51 من ميثاق الامم المتحدة التي تسمح للدول باستخدام القوة ضمن اطار الدفاع المشروع إلى أن يتخذ مجلس الأمن و الأمم المتحدة الاجراءات اللازمة لإعادة الأمن و الاستقرار.
قيام روسيا بالهجوم على اوكرانيا هو عملية غزو منظم و معلنة و لا تأتي ضمن نطاق الدفاع المشروع عن النفس، كون روسيا الطرف الذي بدأ الهجوم و تصرفها مخالف و ناقض لقرارات القانون الدولي. إن مبدأ سيادة الدول و استقلال أراضيها و حظر استخدام القوة هي قواعد ذات طابع عرفي لا يجوز تخطيها أو انتهاكها في أي حال من الأحوال. صلاحيات مجلس الأمن والأمم المتحدة في الرد على الغزو الروسي لاوكرانيا تنحصر ضمن فرض عقوبات اقتصادية أو استخدام القوة العسكرية إذا ما صدر عن مجلس الأمن قرار تحت البند السابع يفيد بأن التصرف الروسي يهدد الأمن و السلم الدوليين و هذا لايمكن ان يحدث لأن روسيا عضو دائم في مجلس الأمن و ستستخدم حق الفيتو ضد أي قرار يصدر بهذا الشأن. لذلك باب العقوبات الاقتصادية و التحركات خارج إطار الامم المتحدة و مجلس الأمن هي الأدوات الوحيدة المتبقية بيد الغرب و المجتمع الدولي للرد على الغزو الروسي لاوكرانيا.
قرار محكمة العدل الدولية الأخير بخصوص الغزو الروسي
أصدرت محكمة العدل الدولية في 16 مارس من العام الحالي قراراً تطالب فيه القوات الروسية بتعليق عملياتها العسكرية فوراً في أوكرانيا. بداية يجب أن نعلم أن أساس طرح الدعاوى أمام محكمة العدل الدولية ووفقاً للمادة 36 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولي هو رضا الأطراف أو القبول باختصاص المحكمة ضمن اتفاقية و معاهدة مسبقة. محكمة العدل الدولية بتت في موضوع صلاحيتها و تم قبول الاختصاص القضائي للنظر في شكوى اوكرانيا ضد روسيا، الأساس الذي استندت عليه المحكمة هو اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية و المعاقبة عليها لعام ١٩٤٨ و بالتحديد المادة التاسعة التي تعطي الحق للمحكمة النظر بشكوى أحد أطراف المعاهدة (روسيا و اوكرانيا كلاهما طرف في المعاهدة) فيما يتعلق بتفسير او تطبيق نصوص المعاهدة. الطرح الأوكراني كان ابداعيا في هذه الناحية، حيث اعتمدت اوكرانيا في شكواها على الرواية الروسية التي قالت إن غزوها لاوكرانيا جاء في إطار وقف جرائم الإبادة الجماعية بحق سكان إقليم لوغانسك و دونيتسك، و هو مانفته اوكرانيا و رفقت بموجبه دعوى تطالب فيها محكمة العدل الدولية مناقشة المزاعم الروسية حول ارتكاب القوات الاوركرانية لجرائم إبادة جماعية.أصدرت محكمة العدل الدولية قراراً باتخاذ تدابير مؤقتة تطالب روسيا من خلالها وقف اجتياحها للأراضي الأوكرانية، القرار صدر بموافقة 13 قاضي و رفض قاضيين (روسي و صيني).
تجدر الإشارة إلى عدة نقاط بهذا الصدد:
– قرارت محكمة العدل الدولية التي تصدر بصيغة حكم تحمل طابع الزامي و يعتبر عدم تنفيذها مخالفاُ للقانون الدولي وينشأ عن ذلك مسؤولية دولية
– قرار محكمة العدل الدولية صدر بناءً على الفقرة الأولى من المادة 41 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية (اتخاذ تدابير مؤقتة) قرار المحكمة باتخاذ تدابير مؤقتة لا يعني أنها حكمت لصالح أوكرانيا ضد روسيا و إنما يعني أن النظر في القضية مستمر و لم يبت فيها بعد، و التدابير المؤقتة تأتي في إطار الحفاظ على الحقوق الخاصة لأي من الطرفين.
– قرار المحكمة وإن كان ملزم ولكنه غير قابل للتنفيذ لافتقار محكمة العدل الدولية لمفهوم القوة التنفيذية أو الشرطة الدولية مما يعني أنه لا يوجد ما يلزم روسيا بالانصياع لقرار المحكمة و الامتثال للتدابير المؤقتة.
في مثل هذه الحالات ماهي الأدوات القانونية المتاحة ؟
بناء على الفقرة الثانية من المادة 94 من ميثاق الامم المتحدة يمكن للطرف الذي حكمت المحكمة لصالحة بأن يتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن يطالبه بالتحرك ضد الدولة التي لم تنفذ قرار المحكمة. تنص المادة 94 على مايلي :
“إذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فللطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، ولهذا المجلس، إذا رأى ضرورة لذلك أن يقدم توصياته أو يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم.”
مجلس الأمن هنا له حرية تقدير الموقف يمكنه أن يستجيب للطلب أو يرفضه، في حالة قيام اوكرانيا بالتقدم بشكوى لدى مجلس الامن ضد روسيا على خلفية عدم تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية ، فإن أي قرار سيتخذه مجلس الأمن ضد روسيا سيواجه بالتأكيد بفيتو روسي.
اتفاقية مونتر و والوضع القانوني المضائق التركية في ضوء الاجتياح الروسي لاوكرانيا
يتم تنظيم حركة عبور السفن سواء الحربية أو التجارية في مضائق البوسفور و الدردنيل وفق اتفاقية مونترو والتي وقعت و دخلت حيز التنفيذ عام 1936. بموجب الاتفاقية تم منح تركيا سطلة تنيظم حركة السفن بين البحر الأبيض المتوسط و البحر الأسود.
وفقاً للاتفاقية فإنه :
– يتم ضمان حرية عبور السفن المدنية في زمن السلم و الحرب؛
– – كما يُسمح للسفن العسكرية التابعة لدول البحر الأسود العبور بلا قيود ( روسيا و أوكرانيا من دول البحر الأسود)؛
– – يحق لتركيا منع السفن من العبور إذا كانت تركيا في حالة حرب و كانت هذه السفن تشكل خطراً و تهديداً لأمن تركيا؛ ‘
– أو في حالة كانت هذه السفن تشكل خطراً على البيئة؛
– لا يمكن للسفن التي تزيد حمولتها عن 10 الاف طن العبور ، كما لا يسمح للسفن بالبقاء في مياه البحر لمدة تزيد عن 21 يوماً؛ كما أن عدد السفن الحربية المسموح لها بالمرور لا يجب أن يتجاوز ال 9 ؛
– يحق لغواصات دول البحر الأسود العبور من المضائق أيضاً بشرط إعطاء إشعار مسبق لتركيا بالعبور
لذلك مبدئياً في ضوء هذه الاتفاقية و كون روسيا إحدى دول البحر الأسود،يمكن لسفنها الحربية العبور من المضائق التركية بشرط أن لا تتجاوز الحمولة المنصوص عليها و أن لا يزيد عددها عن ال9. و لكن يمكن لتركيا أن تغلق المضيق بوجه السفن العسكرية الروسية في حال قامت باعتبارها أنها تهديد لأمن تركيا أو يمكنها أن تشكل تهديداً للمصالح التركية، وهذا ماقامت به تركيا بالفعل حيث قامت السلطات التركية في 29 مارس من هذا العام باغلاق مضائقها البحرية بوجها السفن الحربية سواء للدول المطلة على البحر الأسود أو غير المطلة وصرح الرئيس التركي رجب أردوغان تطبيق اتفاقية مونترو البحرية لمنع التصعيد بين روسيا وأوكرانيا، و أكد لن نتخلى عن روسيا أو أوكرانيا ولن نقبل بازدواجية المعايير. تأتي الخطوة التركية المتمثلة بإغلاق مضائقها البحرية في وجه السفن الحربية في إطار استخدام تركيا للصلاحيات الممنوحة لها وفق اتفاقية مونترو و بالتالي فهي مشروعة و تتماشى مع مقررات وقواعد القانون الدولي.
المسؤولية الدولية لروسيا الناشئة عن اجتياحها أوكرانيا
لكي يترتب على دولة مسؤولية دولية يجب أن تقوم بانتهاك تعهد وفق القانون الدولي ، يأتي الانتهاك في إطار ارتكاب فعل مخالف للقانون أو امتناع عن أداء واجب و تعهد قانوني ( إهمال) ، كما يجب أن تتحقق أمكانية نسب الفعل غير المشروع للدولة حتى تنشأ المسؤولية الدولية.
القوات العسكرية الروسية قامت باجتياح أوكرانيا بأوامر مباشرة من الحكومة الروسية ، والاجتياح يعتبر مخالفاً لتعهد روسيا بموجب الفقرة الرابعة من المادة الثانية لميثاق الأمم المتحدة بعدم استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة ضد سلامة أراضي واستقلال الدول الأخرى. انتهاك روسيا لهذا الالتزام يرتب عليها مسؤولية دولية . تتمثل المسؤولية الروسية بإعادة الوضع إلى ماكان عليه قبل حدوث الاجتياح و إذا تعذر ذلك يجب عليها أن تقوم بجبر الضرر الذي لحق بأوكرانيا حكومة وشعباً مادياً ومعنوياً. يطرح قانون المسؤولية الدولية 2001 أيضاً التزاماً على الدولة الثالثة يتمثل بما جاء في المادة 41 من مسودة قانون المسؤولية الدولية للدول عن الافعال غير المشروعة دوليا الصادرة عن لجنة القانون الدولي في عام 2001، فإن للدول الحق بأن تتعاون فيما بينها لوضع حد، بالوسائل المشروعة، لأي اخلال خطير ، و لا تعترف أي دولة بشرعية هذا الوضع الناجم عن الاخلال الخطير و لا تقدم أي عون للمساعدة في الحفاظ على ذلك الوضع. لذلك يجب على المجتمع الدولي أن يتعاون فيما بينه لوضع حد للاجتياح الروسي لاوكرانيا و أن لا ييعترف بالوضع الحالي من احتلال روسيا للمدن الأوكرانية و أن لايقدم أي مساعدة أو دعم للقوات و الحكومة الروسية تساعدها بالاستمرار بعملياتها العسكرية في أوكرانيا.
أخيراً، إن القانون الدولي و إن كان يجّرم الغزو الروسي لأوكرانيا ويعتبره غير مشروعاُ إلا أنه يقف اليوم عاجزاً عن اتخاذ أي قرار يدين روسيا في مجلس الأمن أو يسمح للمجتمع الدولي باستخدام القوة لإعادة الاستقرار والسلم إلى اوكرانيا. القانون الدولي لا يزال يعتبر نظاماً قانونياً بدائياً وفي طور التطور إذا ماقارناه بالقوانين الوضعية الداخلية ، فهو يفتقر لسلطة تنفيذية و تشريعية و سلطة احتكام الزامية للقضاء ( الاحتكام لمحكمة العدل الدولية اختيارياً). أضف إلى ذلك التركيبة الحالية لمجلس الأمن و حق الفيتو الذي تمتلكه الدول الخمسة دائمة العضوية يجعل من مجلس الأمن عاجزاً عن أداء مهامه الرئيسية المتمثلة بحفظ الأمن والسلم الدوليين والاستقرار في المنطقة. لذلك فإن إنهاء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا مرهون بالتحولات السياسية وتطورات المشهد على الأرض، ربما المسار التفاوضي و أوراق القوة على الأرض هي التي ستحدد مآل و مدة هذا الصراع، و ربما تكون هذه الأزمة رسالة للمجتمع الدولي و أعضاءه كافة إلى ضرورة إعادة هيكلة الأمم المتحدة والنظام السائد بها بما يُمكّن القانون الدولي و يزيد من فاعليته ومنحه الأدوات اللازمة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل.