الدراسات البحثيةالمتخصصة

منطقة الخليج العربي أداة في الصراع الصهيوني – الإيراني

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

يعمل الكيان الصهيوني حالياً وبرضي معلن ومُستتر من دول الخليج العربي علي تمهيد وتهيئة مسارين نحو منطقة الخليج هما المسار التجاري الإقتصادي اللوجيستي والمسار العسكري , وذلك بالعمل علي تشكيل جيش عربي صهيوني مُتحد أو مُشترك مع نظم الخليج إضافة للأردن ومصر , ليصل الكيان الصهوني في نهايتهما لإحكام قبضته علي منطقة الخليج العربي المُواجهة للشاطئ المُواجه لإيران بالخليج العربي وجعلها في داخل خطته لمواجهة إيران بتهديدها إقتصادياً وعسكرياً .

مواجهة إيران إقتصادياً وتجارياً في الخليج :

قام رئيس وزراءالكيان الصهيوني Naftali Bennett بزيارة لأبوظبي في 9 يونيو2022وذلك في خطوة عملية وإضافية واضحة لتنفيذ الاستراتيجية الإسرائيلية / الأمريكية لإنشاء تحالف إقليمي واسع لمواجهة ما يُسمي بالتهديد الإيراني , ورغم تفكك التحالف الحاكم بالكيان الصهيوني إلا ان الإستراتيجية المُضادة لإيران ظلت تعمل بغض النظر عن من يحكم الكيان الصهيوني , فخطر إيران خطر وجودي بالنسبة للكيان الصهيوني , فماذا عن عرب الخليج وغيرهم ممن ذاقوا عداء هؤلاء الصهاينة ؟ ومما يؤكد تأصل العداء الصهيوني لمن يناصب هذا الكيان العداء ويمُثل له بالتالي خطر أن رئيس الوزراء Naftali Bennett ذهب للإمارات وفي معيته وزير الخارجية ورئيس الوزراء المناوب Yair Lapid من أجل تسريع التحالف والتفاهمات الإقليمية في مواجهة التهديد الإيراني وإلتقي وهو بهذه الروح العدائية المُستترة رئيس الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان (للمرة الثالثة على الأقل في الأشهر الأخيرة) في 8 يونيو2022وتضمن البيان الرسمي المشترك إشارات إلى التعاون الاقتصادي وغيره وكان علي رأس القضايا ذات الإهتمام المُشترك قضية “النهوض بالهيكل الإقليمي” والقضايا الإقليمية وإصطلاح :”الهيكل الإقليمي” يُشير إلي التحالف المناهض لإيران الذي تبلور في الأشهر الأخيرة بين إسرائيل و”الدول السنية” في الشرق الأوسط ، والذي حاول الرئيس الأمريكي Trumpبناءه بكل همة وساعده العرب المُستعربة , ورغم أن الرئيس Trump ومساعديه من حكام المنطقة أخفقوا إلا أن المحاولة تتكرر فهاهو الرئيسBiden  مع نفس هؤلاء الحكام يعملون معا يداً بيد مع الصهاينة علي تنفيذ هذا التحالف الإقليمي وإلى حد كبير بعيدًا عن أعين الجمهور, وحتى عندما أشار  Naftali Bennettومضيفه الإماراتي بشكل غير مباشر إلى هذه”الهندسة المعمارية”في أبو ظبي وعلي التوازي وفي واشنطن قدمت مجموعات من أعضاء الكونجرس من الحزبين الأمريكيين في مجلسي النواب والشيوخ تشريعاً في 9 يونيو 2022يُرخص للإدارة الأمريكية بالتعاون مع إسرائيل ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين (غرد وزير خارجيتها وكتب أنه : “ليس من المفيد اختيار معركة مع الولايات المتحدة بشأن القضايا الجانبية كقرار الرئيس Trump نقل السفارة الأمريكية للقدس الشرقية , بينما نحارب معًا الخطر الحالي للجمهورية الإسلامية الفاشية) وقطر(التي لعبت دورًا علنيًا متزايدًا في التوسط بين إسرائيل وحماس المُسيطرة على غزة ،ويقوم مبعوث قطر – بموافقة صهيونية – بتسليم حقائب مليئة بملايين الدولارات نقدًا لدفع الرواتب الرسمية وتخفيف الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة الناتجة عن حصارها من قبل الصهاينة) وعُمان (التي تتعامل بشكل سيء مع السعوديين والإماراتيين لإرتبطاتها الودية مع إيران)  والكويت المُتبعدة بحساب عن باقي النظم الجليجية , وكذلك العراق(وكان مفاجأة) لتطوير ونشر شبكة أو مظلة دفاع جوي وصاروخي متكامل ضد إيران إنبثاقاً من الروح المفعمة صهيونية لاتفاقيات أبراهام 2020 والتي تسعي الإدارات الأمريكية المُتعاقبة علي إختلافها بالولايات المُتحدة (البنتاجون) لتمكين هؤلاءالحلفاء إلى أقصى حد ممكن لمُواجهة إيران بكفاءة .

هؤلاء الحلفاء من حكام العرب المُستعربين يمضون قدما وهم لا يلوون علي شيئ لتنفيذ التحالف الإقليمي مع الصهاينة ضد إيران وهناك حليف آخر هو عُمان ينفذ للكيان الصهيوني خطوة لا تقل أهمية من الوجهة الإستراتيجية عن الهيكل أو التحالف الإقليمي في شقه العسكري , فعُمان يبدو أنها ستكون نقطة البداية والنطاق الرئيسي لتنفيذ مشروع خط سكك حديد الخليج / حيفا الذي سيربط دول الخليج بالبحر المتوسط ويعمل علي تناقص ملموس لقناة السويس , فهو لن يكون مجرد خط سكك حديدية لكنه مواز لقناة السويس ولميناء بيروت الذي أضاع السياسيون التقليدون أهميته وحيويته المعهودة  .

ظل إعلان وزارة النقل الصهيونية في اول مارس 2021 عن أن خط السكة الحديد من “خليج حيفا إلى الخليج العربي” يمضي قدماً فهو الآن رسمياً في يد هيئة التخطيط الصهيونية , وقد تم طرح فكرة مثل هذا المشروع لأول مرة في عُمان من قبل وزير النقل آنذاك Israel Katz عندما قام بزيارة لعُمان للمشاركة في المؤتمر العالمي لطرق النقل الذي عُقد بمسقط في الفترة من 6 إلي 8 نوفمبر 2018 , وسبقه إلي مسقط رئيس وزراء الكيان الصهيوني Benjamin Netanyahu برفقة زوجته ووفد ضم رئيس الموساد ورئيس هيئة الأمن القومي مدير عام الخارجية ورئيس ديوان رئيس الوزراء والسكرتير العسكري لرئيس الوزراء بدعوة من سلطان عُمان قابوس بن سعيد في 25 /26  أكتوبر 2018 , (الغريب والمُثير للتناقض أن مجلس الجامعة إجتمع لمناقشة زيارة Netanyahu لتشاد ولم يجتمع لمناقشة زيارته لعُمان) عموماً فقد أشار بيان صادر عن مكتب رئيس وزراء الكيان بشأنها “أن الزعيمين ( السلطان قابوس و Netanyahu) بحثا سبل دفع عملية السلام في الشرق الأوسط وناقشا عددا من القضايا ذات الاهتمام المشترك والتي تهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط ” , وأشار البيان كذلك إلي “أن زيارة Netanyahu لسلطنة عمان تشكل خطوة ملموسة في إطار تنفيذ سياسة رئيس الوزراء التي تسعى إلى تعزيز العلاقات الإسرائيلية مع دول المنطقة من خلال إبراز الخبرات الإسرائيلية في مجالات الأمن والتكنولوجيا والاقتصاد ” ولم يغفل البيان الإشارة إلي أن هذه الزيارة “سبقتها إتصالات طويلة بين البلدين “.

واصل  Israel Katzالترويج للخطة أمام المنظمات الدولية في فترة ولايته القصيرة كوزير للشؤون الخارجية تحت اسم “سكة حديد السلام” , لكن الآن يتم اتخاذ إجراءات عملية بما في ذلك وضع تقدير لتمويل خطة لتوسيع خط سكة حديد حيفا / بيت شان الحالي إلى الحدود الأردنية القريبة بتكلفة 3.5 مليار شيكل , ويُعد هذا المشروع أعلي مراحل التطبيع بين الكيان الصهيوني ودول ما يُسمي بمجلس “التعاون” الخليجي , فهو مشروع جيوسياسي بإمتياز فهو سيأتي بهذه الدول لتكون في متناول الكيان الصهيوني ويُحقق لهذا الكيان مكانة حاكمة بالشرق الأوسط , ومن المعروف أن هذا المشروع في تماس مع مشروع صيني لوجيستي إستراتيجي هو مشوع الحزام والطريق , فقد أعادت الحكومة الصينية إحياء فكرة مثل هذه المشاريع الضخمة للسكك الحديدية والتي تسعى جاهدة من أجل “خط سكة حديد طريق الحرير” الذي سيربط بين آسيا وأوروبا ، وخلال العقد الماضي ضخت مئات المليارات من الدولارات في بناء خط سكة حديد عابر للقارات , ومعروف أن السكك الحديدية لعبت وتلعب دورًا حيويًا في التجارة خلال أزمة Covid-19 حيث تعطلت طرق الطيران والشحن الدولية , واكتشفت دول الشرق الأوسط الآن أن إعادة تأهيل خطوطها الحديدية ودمجها في الخطة الشاملة للحكومة الصينية سيفتح فرصًا تجارية جديدة تربط بين أوروبا وآسيا والخليج العربي  , فالأردن على سبيل المثال يُعد الممر البري الأكثر أهمية في أي خط سكة حديد مستقبلي من الخليج العربي إلى ميناء حيفا عبر المملكة العربية السعودية وربما في المستقبل شرقاً إلى العراق , ووزارة الخارجية ووزارة النقل بالكيان الصهيوني يرون أن ربط البنية التحتية للأردن أمر واقع لكن الواقع أكثر تعقيدًا  , فالسكك الحديدية الأردنية وعربات السكك الحديدية عفا عليها الزمن ولابد من إعادة تأهيلها وهذا سيكلف مليارات الدولارات وهو ما لا تملكه الدولة الأردنية في السنوات الثلاث الماضية ، وقد حاولت الحكومة الأردنية صياغة مناقصة لتنفيذ المشروع وبحسب الخطة الأردنية فإن مشروع السكك الحديدية الوطنية سيشمل بناء مسارات واسعة لقطارات البضائع الكبيرة بطول يصل إلى 1.5 كيلومتر ويمكن أن تسير بسرعة 120 كيلومترًا في الساعة  والتفضيل الأول للأردنيين هو زيادة استخدام ميناء العقبة وتحسين قدرته على نقل الفوسفات ولذلك فالمرحلة الأولى من الخطة تتضمن بناء خط سكة حديد بطول 400 كيلومتر من العقبة إلى “ميناء الشحن البري” بالقرب من عمان , وتشمل المرحلة الثانية ربط عمان نفسها والمرحلة الثالثة ستكون خط سكة حديد باتجاه الشرق باتجاه العراق وتشمل الخطط الأخرى توسعا جنوبا إلى المملكة العربية السعودية وشمالًا إلى سوريا التي تخطط لإعادة تأهيل شبكة السكك الحديدية بها , وكان من المقرر طرح العطاءات الدولية الخاصة بتنفيذ المرحلة الأولى في المستقبل القريب جداً ، لكن يبدو أن الأردنيين يواجهون مشاكل في تمويل المشروع , ويُلاحظ أن حكومة الأردن لم تُشر صراحة وبشكل رسمي إلى الارتباط بحيفا , فلا يزال التعاون الاقتصادي الاستراتيجي مع إسرائيل موضوعًا حساسًا في السياسة الأردنية الداخلية وهو أيضًا “خط أحمر” بقدر ما يتعلق الأمر بمصرالشريك تجاري المهم للأردن ، لأن أي اتصال بري سيكون طريقًا جانبيًا لقناة السويس وهو بالتالي تهديد استراتيجي لعائدات مصر من القناة  .

يُدرك الكيان الصهيوني أن النظم العربية قادرة علي هضم مشروع الربط بالسكك الحديدية من عُمان فدول الخليج العربي وصولاً إلي ميناء حيفا علي البحر المتوسط وربما عابراً إلي جزيرة تيران في خليج العقبة (لو دخلت مصر طرفاً بالمشروع) , ويدرك أيضاً أن مسار التطبيع مع هذه النظم الخائفة مسار عريض وخال من العقبات , لذلك وإلي أن يُوضع هذا المشروع في وثيقة مُلزمة توقع عليها عُمان ودول الخليج العربي والأردن وربما في مرحلة ما مصر , فإن الكيان الصهيوني وإستلهاماً للروح العدائية التي أبداها الروس صراحة بإستخدامهم لواردات الغاز الروسي لأوروبا لتطويع مواقف أوروبا السياسية المناوئة لهم جراء الحرب الروسية / الأوكرانية , فإن مشروع خط السكك الحديدية الخليج / حيفا(بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا في عام 2011 فتحت إسرائيل هذا الميناء ليكون قناة لنقل البضائع القادمة من تركيا وأوروبا بالشاحنات إلى الدول العربية وإلى الشرق لكن حركة المرور كانت محدودة بسبب السعة المحدودة والمعارضة السياسية) وخط أنابيب البترول / الغاز الموازي له من الخليج سيكون بديلاً مناسباً ويعمل علي تدنية قوة روسيا في إستخدامها واردات الغاز لأوروبا إستخداماً سياسياً محضا , ولذلك  ناقش الكيان الصهيوني والاتحاد الأوروبي إمكانية ربط السكك الحديدية بين البحر الأبيض المتوسط والخليج وقامت كل من وزارة المالية الصهيونية والبنك المركزي في نوفمبر 2018 بالبحث – خلال المناقشات السنوية التي ركزت أيضًا على تأثير أزمة فيروس كورونا – في تعميق التعاون الاقتصادي وبحثا إمكانية إنشاء ممر تجاري جديد بين شرق البحر المتوسط ودول الخليج , وطرحت في هذا الإطار فكرة إنشاء “خط سكك حديدية سلام إقليمي” من شأنه تعزيز اقتصادات إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى , وقالت مصادر في البنك المركزي الصهيوني أن خط السكة الحديد الجديد سيكون وسيلة أقصر وأسرع وأرخص وأكثر أمانًا للربط بين الشرق والغرب من طرق التجارة الحالية , وجاءت المناقشات مع الإتحاد الأوروبي أيضاً بعد أن وقع الكيان الصهيوني مؤخرًا اتفاقيات تاريخية لتطبيع العلاقات مع دول الخليج البحرين والإمارات العربية المتحدة , وفي مارس 2018 اقترح وزير النقل الصهيوني ربط شبكة سكة حديد الشحن مع الأردن والسعودية وقال إنه عرض الفكرة على مبعوث الرئيس الأمريكي Trump للشرق الأوسط وبناء علي هذا أعربت الولايات المتحدة في 6 نوفمبر 2018عن دعمها لخطة إسرائيلية لإحياء شبكة السكك الحديدية التاريخية التي تربط الكيان الصهيوني بدول الخليج , وقد كتب Jason Greenblatt الذي كلف بمهمة صياغة مسودة للسلام الإسرائيلي الفلسطيني على تويتر: “دعونا نستمر في الحوار فهذه الجهود تدعم جهودنا” , كما أشاد Jason Greenblatt مبعوث الرئيس الأمريكي Donald Trump للسلام بالاقتراح في 6 نوقمبر2018 , وبينما يزور وزير إسرائيلي عُمان لعرض مشروع “مسارات من أجل السلام الإقليمي” , وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن هذه التصريحات هي المرة الأولى التي يدعم فيها مسؤول أمريكي علنا اقتراح السكك الحديدية الطموح الذي سيربط إسرائيل بالأردن والسعودية والإمارات والبحرين , وفي اجتماع عقد في الأسبوع الثاني من فبراير 2019 توصل رئيس الوزراء الصهيوني Benjamin Netanyahu ووزير النقل Yisrael Katz إلى اتفاق بشأن تفاصيل هذه المبادرة ، حيث وجه Netanyahu مكتبه بالبدء في تطوير خطة المشروع بالتشاور مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من البلدان في الشرق الأوسط وآسيا , وبالفعل فقد عُرض مُخططه علي المستشارة الألمانية Angela Merkel , وتتوقع المصادر الإعلامية الصهيونية أن تلعب الولايات المتحدة دوراً مهماً في تقديم الدعم السياسي للمشروع , ورداً على سؤال من صحيفة THE TIMES OF ISRAEL في 7 أبريل2019 قال مسؤول في البيت الأبيض إن الاقتراح “مثير للاهتمام” ، لكنه قال إن الولايات المتحدة لم تكون مُوقفاً من المشروع بعد , وكان وزير النقل الإسرائيلي Yisrael Katz وصل مسقط لحضور مؤتمر النقل ، بعد أسبوعين من زيارة رئيس الوزراء Binyamin Netanyahu للدولة الخليجية في زيارة مفاجئة , ونقل عن Katz قوله “هذه زيارة تاريخية لتعزيز العلاقات وعرض أمام المؤتمرمبادرة مشتركة” مسارات من أجل السلام الإقليمي “لربط دول الخليج بإسرائيل” بخط الحديدي “سيتجاوز إيران” ويمهد الطريق لـ “تطبيع العلاقات” بين تل أبيب ودول الخليج , وكان وزير النقل  الصهيوني  Katz تحدث عام 2017 لموقع “إيلاف الإخباري” المملوك للسعودية حول شبكة سكة حديد الشحن قائلاً إنه يريد إحياء خط سكة حديد الحجاز التاريخي (سكة حديد الحجاز العثمانية كانت تسير من دمشق إلى المدينة المنورة) كجزء من اقتراح السلام المثير للجدل الذي طرحه الرئيس Donald Trump , وتأتي هذه التطورات وسط دفء في العلاقات بين الكيان الصهيوني ودول الخليج جزئياً بسبب العداء المتبادل بين الصهاينة وإيران ,  أما دول الخليج فلا عداء ظاهر بينها وبين إيران , فهو عداء سياسي فقط بين الإمارات العربية وإيران , فمثلاً التعامل التجاري بين إيران وكل من الإمارات وعُمان فماض في سبيله وينمو ففي حالة عُمان مثلاً قال وزير الطاقة العماني في 4 يونيو 2022 أن عمان وإيران وقعتا في 6 يونيو 2022اتفاقات لتطوير خطي أنابيب غاز وحقل نفط على طول حدودهما البحرية ، وذلك بعد أقل من أسبوعين من زيارة الرئيس الإيراني للسلطنة , وإتصالاً بذلك فقد أفادت وكالة الأنباء العمانية الرسمية علي وزير الطاقة العُماني محمد الرمحي قوله :” أن الدولتين وقعتا مذكرات تفاهم بشأن النفط والغاز” , لكن الوكالة لم تذكر تفاصيل وأحالت علي الوزير قوله : “إن الاتفاقيات “تتعلق بتطوير مشروعي خط أنابيب الغاز اللذان يربطان البلدين وحقل هنجام النفطي”  , وقد تم التوصل إلى اتفاق قبل نحو عقدين من الزمن للسماح لإيران بتزويد عمان بالغاز لكن المشروع لم يتحقق قط , فقد أدت العقوبات المفروضة على إيران إلى تعقيد الجهود المبذولة لتنفيذ هذا المشروع ويمكن أيضًا أن تجعل من الصعب تنفيذ الصفقة الجديدة (يقع حقل هنجام النفطي في مضيق هرمز الاستراتيجي بالقرب من دولة الإمارات) , وقد عانت السلطنة أيضاً التي تواجه إيران عبر خليج عمان من آلام اقتصادية خلال الوباء حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.4 % في عام 2020وارتفع الدين الحكومي وشهدت احتجاجات نادرة عام 2021على ارتفاع معدلات البطالة وتسريح العمال , بالإضافة إلي هذا وفي المجال التجاري فقد أدلى محسن زرابي رئيس غرفة التجارة الثنائية بين إيران وسلطنة عمان بتصريحات في 20 يونيو 2022أشار فيها إلى زيادة التبادل بين البلدين بنسبة 145% في أول شهرين من السنة التقويمية الإيرانية الحالية (21 مارس – 21 مايو) ، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي , وذكر زرابي أيضًا أنه من المتوقع أن يصل التبادل بين إيران وسلطنة عمان إلى ملياري دولار بحلول نهاية السنة التقويمية الإيرانية الحالية (20 مارس 2023) , وأوضح قوله : “بالنظر إلى الاتجاه التصاعدي للتجارة مع هذا البلد (عمان) فمن المتوقع أنه بحلول نهاية العام سنقوم بتسجيل 1.2 مليار صادرات و 2 مليار دولار أمريكي من التجارة .

من المعلوم أن عمان لديها بعلاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع إيران لموقعها الجغرافي القريب جداً من إيران فافاصل بينهما مضيق هرمز وكذلك فقد لعبت دور الوسيط بين طهران وواشنطن في التحضير للاتفاق النووي الأصلي في عام 2015 , والذي أنسحب منه الرئيس Trump عام 2018وأعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات شديدة على إيران مما دفع طهران إلى التراجع عن التزاماتها لكن في عهد الرئيس Biden بدأت محادثات استعادة الاتفاق مع إيران في أبريل 2021 لكنها مازالت مُتعثرة

وقد جاءت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في 23 مايو 2022وسط تعثر المحادثات الدولية لإحياء اتفاق بشأن برنامج طهران النووي ، مما يترك الجمهورية الإسلامية تحت وطأة العقوبات , وقد إشتدت ضغوط الكيان الصهيوني مع تعثر مفاوضات العودة للإتفاق الننوي مع إيران , فالكيان الصهيوني لا يضع اي قيمة أو أهمية لكل الدول العربية وإنما يضع نصب عينيه خطر إيران النووي علي أمن الكيان الصهيوني , ولذلك وسع الكيان الصهيوني من المفهوم الأمني لمواجهة برنامج إيران النووي فهاهي عملية مقتل الكولونيل الإيراني حسن خدائي خارج منزله في طهران وهي العملية التي أكدت التحول الكبير في استراتيجية الكيان الصهيوني تجاه إيران, فقد كانت الجهود الكبيرة التي يبذلها جهاز أمن الكيان الصهيوني مُوجهة على ما يبدو للأراضي الإيرانية ككل , وكانت قاصرة في السابق فقط علي البرنامج النووي الإيراني  أما الآن فقد أصبح مفهوم مواجهة إيران شاملاً , فلا يعرف خُضائي الذي قُتل في 22 مايو أي صلة بالبرنامج النووي بل كان من أكثر رجال العمليات الخاصة خبرة في فيلق القدس ، أحد فروع فيلق الحرس الثوري الإسلامي وكان خدائي ناشطاً في عمليات خارجية قيل إنها تشمل عمليات خطف واغتيال , وقد لعب دورًا مهمًا في نقل تكنولوجيا الطائرات بدون طيار والصواريخ إلى حزب الله اللبناني ، وبحسب تقارير إعلامية عبرية فقد كان في خضم التخطيط لخطة خطف إسرائيليين في الخارج وقت وفاته .

وقد ندد مسؤولون فلسطينيون بشدة باستضافة عمان لــ  Netanyahu قائلين إنها خيانة للشعب الفلسطيني الذي لا يزال يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي الوحشي في غزة والضفة الغربية , كما انتقد النشطاء المؤيدون لفلسطين ووسائل الإعلام الزيارة في آخر أكتوبر2018 اصطحب مسؤولون في الإمارات العربية المتحدة وزيرة الرياضة الإسرائيلية في جولة إرشادية في المسجد الكبير في أبو ظبي حيث قامت بأول زيارة رسمية للدولة الخليجية  , ولقد تفاخر Netanyahu مرارا بعلاقات دافئة من وراء الكواليس مع الدول العربية  , كما قام وزير النقل الصهيوني في 24 أكتوبر 2017 بزيارة إستغرقت ثلاثة أيام لليابان لعرض مقترحات بعيدة المدى يمكن أن تغير المشهد الجيوسياسي جذريًا , وفي الغالب أن هذه المُقترحات تتصل بمشروع سكك حديد الخليج العربي / حيفا , ومن هذا يتضح أن لدي الكيان الصهيوني خطة للإتيان بثروة الخليج العربية النفطية والغازية وأسواقه إلي داخل الإقتصاد الصهيوني الذي سيكون والحالة هذه رائداً لعموم الشرق الأوسط , وقتل ميناء بيروت وإضعاف مردودية قناة السويس .

أما بالنسبة لموقف مصر فعلى الرغم من أن الحكومة المصرية لا تزال بعيدة عن الموضوع من بين أمور أخرى لأنها تربطها تعاون اقتصادي وثيق مع الصين فإن وسائل الإعلام الرئيسية بمصر أطلقت على مشروع السكك الحديدية اسم “الاستعمار الاقتصادي للدولة الصهيونية”, كما أن المملكة العربية السعودية في وضع مشابه وفي الوقت الحالي فهي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل التي لا تزال تُعتبر رسميًا “دولة معادية” , لذا فإن النقل الرسمي للواردات والصادرات برا عبر البنية التحتية للسكك الحديدية يجب أن يتغلب على العقبات السياسية , إضافة إلى ذلك هناك دول أخرى مهتمة بطرح طرق بديلة بين آسيا وأوروبا منها تركيا التي تتفاوض مع الصينيين في هذا الشأن والعراق وحتى إيران التي تتوق إلى إعادة تأهيل خطوطها الحديدية .

أعلنت وسائل الإعلام الصينية في عدة مناسبات أن إسرائيل تعد مركزًا مهمًا في خططها مع محطة حاويات حيفا Bayport التي ستديرها مجموعة  Shanghai  الدولية للموانئ (SIPG) الصينية على مدى السنوات الخمس والعشرين القادمة حتى أن وسائل الإعلام الصينية وصفت ميناء حيفا الجديد بأنه “محطة سكة حديد مهمة” وتظهر روابط مع الأردن على خرائط المشروع ومن المحتمل تمامًا أن يكون الارتباط المستقبلي مع الأردن أحد الشروط غير الرسمية للاتفاقية بين إسرائيل وحاملي الامتياز الصينيين وربما تم تضمينه في الخطط التشغيلية للميناء الجديد والتي تتوقع مضاعفة مبلغ تحميل وتفريغ الحاويات في غضون بضع سنوات , هذا وأُخفي الاهتمام الصيني بالبنية التحتية للسكك الحديدية في إسرائيل في السنوات الأخيرة لكن في عام 2011 كان مفتوحًا عندما كان التركيز على خط سكة حديد بين ميناء إيلات وأشدود (لم يكن الخليج خيارًا في ذلك الوقت) وفي ديسمبر 2011 ، تحدث وزير النقل Israel Katz عن توقيع “اتفاقية شقيقة” مع وزارة النقل الصينية لبناء خط سكة حديد إلى إيلات لكن المشروع لم يبدأ بعد  , وعموماً يُمكن القول بإن ربط السكة الحديد من بيت شان بالكيان الصهيوني بالحدود الأردنية مشروع هندسي معقد بسبب تغير الارتفاعات في التضاريس وضرورة نقل الطريق السريع القريب والاعتبارات البيئية. ويقدر خبراء البنية التحتية أن العمل سيكلف أكثر من 3.5 مليار شيكل ، ومع تزايد العجز المالي ، ليس من الواضح ما إذا كانت الميزانية ستكون متاحة , وقد اقترح بنك الكيان الصهيوني مؤخرًا إمكانية مساهمة الإتحاد الأوروبي في ميزانية المشروع ولكن من غير الواضح ما إذا كان ذلك سيحدث وقد يرغب الأمريكيون من جانبهم في إعاقة أي تدخل صيني في المنطقة  .

 يجري إعداد شبكة السكك الحديدية في داخل الكيان الصهيوني وتحديثها لتكون جاهزة للإرتباط وإستقبال خط السكك الحدية المحتمل مع الخليج ففي 14 ديسمبر 2021 أُعلن عن أنه من المقرر أن يتم تشغيل المرحلة الأولى التي تبلغ قيمتها 15 مليار شيكل لشبكة سكة حديد 250 كم / ساعة بحلول عام 2030 – لكن لا توجد ميزانية لعربات السكك الحديدية  , وقد تم إيداع خطة تعرف باسم خطة البنية التحتية الوطنية 65 مؤخرًا للاعتراضات العامة ويتعلق الأمر بمشروع البنية التحتية الأكثر شمولاً لقطار إسرائيل للسنوات المقبلة حيث ستبدأ المرحلة A من إدخال قطارات عالية السرعة قادرة على سرعات 250 كيلومترًا في الساعة إلى الخدمة في إسرائيل وتغطي هذه المرحلة الامتداد الشمالي للسكك الحديدية التي ستعمل عليها هذه القطارات بين حيفا و Herzliya , ويعتقد الصهاينة أن هذه خطة طموحة لمضاعفة الخط الساحلي بين المدينتين إذ يوجد حاليًا مساران فقط أحدهما متجه شمالًا والآخر متجهًا جنوبيًا , والخطة الجديدة تتطلب مسارين في كل اتجاه واحد سوف يستوعب القطارات بسرعة تصل إلى 250 كم / ساعة (السرعة القصوى الحالية 160 كم / ساعة) التي ستتوقف فقط في الخضيرة , وسيعمل الثاني بالشكل الحالي لقطارات الضواحي التي تتوقف عند عشر محطات , وتتعلق خطة البنية التحتية الوطنية 65 أ بامتداد 68 كيلومترًا بين محطة Hof Hacarmel في حيفا والمحطة المقترحة فيShefayim حيث لا توجد محطة سكة حديد في الوقت الحالي , وأحد أسباب اقتراح إنشاء محطة في Shefayim هو ارتباط بمشروع ضخم يتم الترويج له من قبل Netivei Ayalon يتضمن بناء موقف للسيارات وركوب مع 7000 مكان لوقوف السيارات حيث تعمل حافلات النقل المكوكية بسرعة. ممرات للمراكز التجارية في تل أبيب ورمات جان وهذا المشروع مدرج في الميزانية وهو قيد التنفيذ , من جانب آخر ففي ميزانية الكيان الصهيوني التي تم تمريرها مؤخرًا ، تم وضع خطة خمسية بقيمة 46 مليار شيكل لقطار الكيان الصهيوني , والعنصر الرئيسي في الخطة هو هذا المشروع , وتم تخصيص مبلغ 15 مليار شيكل للتخطيط والبناء ، لكن لا توجد مخصصات في الميزانية لتكلفة المعدات الدارجة الجديدة المناسبة للقطارات عالية السرعة ، والتي تقدر بعدة مليارات من الشواقل على الرغم من أنها خطة مدتها خمس سنوات ، إلا أن الميزانية مخصصة للمشروع بأكمله ، ومن المقرر أن يتم تشغيله في عام 2030 حيث تنص مقدمة الخطة على أنها “ستسهل نمو حركة الركاب إلى 30000 مسافر في الساعة في ساعات الذروة في قطاع حيفا – تل أبيب في كل اتجاه وعلى جميع الخطوط ” , والمسؤول عن المشروع في قطار الكيان الصهيوني هو نائب رئيس التطويرIlya Volkov والذي في حديثه لـموقع “Globes ” ، أوضح أن هناك بعض التعقيدات في المشروع الضخم حين قال : “يتطلب المشروع إنشاء بنية تحتية للطاقة وأنظمة مختلفة من بينها أنظمة تحكم حديثة مناسبة لقطارات 250 كم / ساعة وهي أكثر تطوراً وهدوءاً ، الجيل الجديد من المعدات التي لم يتم العثور عليها بعد في قطار الكيان الصهيوني ” , وأضاف قوله : “إن المشروع يتضمن تحويل الخط الموجود في العديد من النقاط “التغيير الرئيسي في الخط هو إزالة المحطة في بنيامينا وبناء محطة جديدة في شرق أور عكيفا” ,كما تقترح الخطة بناء عدة محطات جديدة أخرى في زخرون يعقوب وفي منطقة نتانيا ، وفي شفئيم بالإضافة إلى ذلك ، ستتم ترقية عشر محطات قائمة من بين أمور أخرى عن طريق إطالة المنصات إلى 400 متر ، لتكييفها مع القطارات المستقبلية , ويوضح Zvi Shoob الخبير في التخطيط والبناء وقانون العقارات أن المرحلة الحالية من الخطة مرحلة الاعتراضات مهمة لأي شخص يمتلك عقارًا على طول الطريق فهذه خطة رئيسية سيكون لها تأثير كبير على العديد من مالكي الأراضي على طول الطريق , وستتم مصادرة مساحات كبيرة من الأراضي بسبب تشويه في القانون ولا يوجد في هذه المرحلة ولا في مرحلة الموافقة على الخطة أي التزام بإبلاغ مالكي الأراضي شخصيًا بمصادرة الأراضي فقد يكون لدى مالك العقار علامة لنزع الملكية دون أن يكون على علم بذلك , و”الالتزام بإبلاغ مالك العقار شخصيًا لا يأتي إلا في مرحلة المصادرة الفعلية أي عندما يتم الاستيلاء على الأرض فعليًا ، ولكن هذا قد فات أوانه بالفعل ، فعندما تكون قيمة الأرض منخفضة لأنها ستكون مخصصة لطريق سريع ، في هذه الأحوال سيكون التعويض ضئيلًا , لذلك ، يجب أن يقوم الأشخاص الذين لديهم ممتلكات على طول الطريق بالفعل بفحص ما يخبأ لأراضيهم وتقديم اعتراضات مبكرة من أجل حماية أنفسهم وممتلكاتهم ” .

إن خطة مضاعفة خط السكة الحديد الساحلي ، هي فقط المرحلة الأولى من مشروع واسع النطاق سيتم فيه إدخال قطارات بسرعة 250 كم / ساعة بموجب الخطط المستقبلية (الطموحة من وجهة نظر الهندسة والميزانية) وسيتم تمديد المشروع جنوبًا مع تشغيل المسارين 5 و 6 عبر مطار بن جوريون إلى القدس ومن المفترض أن يكتمل هذا المشروع بحلول عام 2040 لكنه غير مدرج في الميزانية في الوقت الحالي , وهناك تمديد آخر مخطط هو شمالا من حيفا (خطة البنية التحتية الوطنية 6 ب) تتطلب تغييرات جوهرية على الواجهة البحرية في حيفا وبسبب معارضة المشروع الذي عبرت عنه بلدية حيفا لذا فقد تم فصلها عن مشروع مضاعفة الخط الساحلي , وبخصوص مخطط 65 أ ، قالت بلدية حيفا إن “بلدية حيفا ترحب بالترويج لخطة مضاعفة الخط الساحلي ووضعه في أنفاق في منطقة حيفا وستصر البلدية على أن تخطيط المسطحات الخضراء ومواقف السيارات ليأخذا الحد الأقصى مع  حساب وخدمة مستخدمي الشواطئ ومحطة حوف الكرمل أثناء تنفيذ العمل وبعد الانتهاء منه ” , ومن المزمع أيضًا في المستقبل ربط بئر السبع بخط سكة حديد عالي السرعة بحيث يتم ربط جميع المناطق الحضرية الأربع في إسرائيل بقطارات تبلغ 250 كم / ساعة  .

التمهيد لمواجهة عسكرية مع إيران :

في سبيل العمل العسكري الكفء ضد الإتحاد السوفيتي (قبل تفككه عام 1991) وإيران خاصة بعد إنسحاب الولايات المتحدة في 8 مايو 2018 من الإتفاق الخاص ببرنامجها النووي الذي وقعته ايران مع الولايات المتحدة في2015 , وكانت هناك محاولتان رئيسيتان فاشلتان لتشكيل تحالف عسكري لدول الشرق الأوسط :

المحاولة الأولي :

كانت في مطلع الخمسينات من القرن الماضي عندما أرادت الدبلوماسيتين البريطانية والأمريكية تأمين إقامة حائط صد قوي في منطقة الشرق الأوسط المُتاخمة للإتحاد السوفيتي لمنع وردع ومواجهة المد الشيوعي المُتجه إلي هذه المنطقة وفي سبيل ذلك وفي مناخ سياسي مُضطرب بالشرق الأوسط أجري البريطانيين إتصالاتهم مع عواصم المنطقة لإقامة نظام دفاعي أخذ مُسميات قريبة من بعضها البعض لكنها في النهاية عسكرية , وفي الواقع فإن الدعوة البريطانية لإقامة هذا النظام كان في خلفيتها حدثان مؤثران علي الموقف العربي والمصري بصفة خاصة , إذ أن بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا أصدروا إعلاناً ثلاثياً في مايو 1950 بشأن ما وصفوه بجهود السلام بين إسرائيل والعرب وعارض ثلاثتهم في هذا الإعلان أي محاولة لمراجعة أو تغيير خطوط الهدنة بالقوة وترشيد شحنات الأسلحة للمنطقة ( وهو ما مثل لاحقاً نقطة إختناق في العلاقات المصرية مع بريطانيا والولايات المتحدة ولولاها لقبلت مصر مشروع قيادة الشرق الأوسط في سياق مُعين) , أما التطور الآخر فكان النقطة الحرجة التي وصلت إليها العلاقات البريطانية المصرية بسبب إصرار مصر علي السيادة علي السودان ورفع مصر للقضية برمتها لمجلس الأمن الدولي , إبا النظام الملكي في مصر الذي أدرك وبوعي عميق أن طرح موضوع قيادة الشرق الأوسط محاولة إلتفاف بريطانية علي قضية الجلاء البريطاني عن قاعدة القناة البريطانية وكذلك محاولة أمريكية لتنفيذ سياسة الإحتواء Containment في الشرق الأوسط , ومن ثم قامت مصر الملكية من جانب واحد بإلغاء معاهدة 1936 وأصبح الوجود البريطاني في قاعدة القناة (شرقي السويس) إحتلالاً واضحاً لابد من مقاومته وبالوسائل العسكرية , مما أعطي الدوافع الأمريكية البريطانية مبرراً أكبر لإقامة قيادة الشرق الأوسط , وواصلت مصر الملكية معارضتها لإقامة قيادة الشرق الأوسط علناً عندما أذاع في رئيس الوزراء المصري مصطفي النحاس باشا أول يناير 1952رده علي بيان الجنرال روبرتسون القائد العام البريطاني للشرق الأوسط الذي أشار فيه إلي تمسك بريطانيا بحلف الشرق الأوسط , كما أكد فيه أنه من الخطأ الإعتقاد بأن الإرهاب المصري (هجمات الفدائيين المصريين ضد القاعدة البريطانية في قناة السويس) يؤثر في تصميم القيادة الابريطانية , وتضمن رد رئيس الوزراء المصري أن مصر لن تبحث في أي إقتراح مع الغرب حتي يتم الجلاء , وفي هذا الوقت إحتج السفير البريطاني في القاهرة لدي الخارجية المصرية علي الإعلان عن مكافأة ألف جنية مصري منحتها جريدة “الجمهور المصري” الأسبوعية لمن يأتي برأس الجنرال أرسكين قائد القوات البريطانية في منطقة القناة , وفي 8 يناير 1952 أعلن عزام باشا أمين عام الجامعة العربية عن إقتراح يدعو إلي عقد تحالف بين مصر والولايات المتحدة , وفي 10 يناير 1952 ردت الحكومة المصرية علي بيان الرئيس الأمريكي هاري ترومان ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل بأنها لا تقبل ربط قضيتها بمشكلة الدفاع عن الشرق الأوسط ضد الشيوعية , وفي 10 فبراير 1952 صرحت مصادر أمريكية أن الولايات المتحدة تشدد الضغط علي بريطانيا للموافقة علي المبادرة بإقامة قيادة مُتحالفة في شرق البحر الأبيض المتوسط , وفي 19 فبراير عُقد إجتماع بين وزير خارجية بريطانيا والسفير المصري في لندن لإيجاد قاعدة مُشتركة لحل النزاع المصري البريطاني في الوقت الذي أضعف هذا النزاع أمل الدول الأربع الكبري في إنشاء قيادة للشرق الأوسط , ومن ناحية أخري أعلن مُتحدث أمريكي “إنه لو سمحنا للشرق الأوسط بالوقوع في قبضة روسيا فلن نستطيع المحافظة علي أوروبا الغربية حتي ولو إعتمدنا علي كل رجل قادر في أوروبا والولايات المتحدة ” , وفي هذا الوقت اُعلن عن نقل عتاد عسكري بريطاني من منطقة القناة إلي جزيرة قبرص , ومن ناحية أخري أعلن مصدر صحفي أمريكي أن سلاح الطيران الأمريكي يعمل علي إنشاء قاعدة جوية بالقرب من العاصمة نيقوسيا .

كانت مسألة إقامة منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط من الأهمية بحيث أنها كانت من بين ثلاث نقاط خضعت للنقاش بين علي باشا ماهر والسفير البريطاني بالقاهرة في 27 فبراير 1952 وهذه النقاط هي بحث الجلاء عن مصر من الوجهة الفنية البحتة وموعد الإستفتاء في السودان وقصر الدفاع الإقليمي علي الدول العربية وجيرانها ( تركيا وإيران وأفغانستان والباكستان ) , وإتصالاً بذلك مباشرة , أعلن في 11 مارس 1952 عن إجتماع وزير الخارجية البريطاني في لندن بموسي شاريت وزير خارجية إسرائيل لبحث مسألة الدفاع عن الشرق الأوسط وأبلغه شاريت بأن مساهمة إسرائيل في قيادة الشرق الأوسط رهن بعقد صلح مع العرب , وفي 17 مارس أُعلن أن الخارجية البريطانية تقوم بدراسة ميثاق قانون الضمان الجماعي العربي ولا تري مانعاً في وقت ما من ضم نصوصه إلي مقترحات مشروع قيادة الشرق الأوسط ( لتوأد إستقلالية النظام الأمني العربي) , وبعد ذلك بيومين وصل إلي القاهرة وزير خارجية العراق فاضل الجمالي لشرح مشروع العراق لتنسيق الدفاع عن الشرق الأوسط لرئيس الوزراء المصري , وبعد ذلك بيوم أعلن عبد الخالق حسونة باشا أمين عام الجامعة العربية ” إننا بدأنا مرحلة إستطلاعية مع بريطانيا , وتشترط مصر المساواة وتسليح جيشها للإشتراك في الدفاع عن الشرق الأوسط وتقصره علي صد العدوان بعد الجلاء , أما الإستفتاء في السودان فمرهون بجلاء الإنجليز وبالتعاون مع الامم المتحدة لا تحت إشرافها ” , وفي 27 مارس ألمح رئيس وزراء العراق نوري السعيد في مباحثاته ببغداد مع الجنرال روبرتسون القائد الأعلي البريطاني في الشرق الأوسط إلي إيجاد تسوية للنزاع المصري البريطاني لما له من علاقة بمشروع الدفاع الإقليمي , وفي 6 مايو 1952 نشرت صحف القاهرة عن تردد أنباء عن إقتراح أمريكي بريطاني بشأن إنشاء إتحاد عربي يرتبط بحلف الأطلنطي ( وهو نفس الفكر الذي يُري حالياً  في خلفية مقترح إقامة تحالف شرق أوسطي ضد إيران والإرهاب الإسلامي) .

تطور التناول البريطاني الأمريكي لمسألة النظام الدفاعي عن الشرق الأوسط إذ أُعلن في 11 يونيو 1952 عن أنه يجري إعداد مُقترحات رباعية جديدة بشأن إقامة نظام للدفاع عن الشرق الأوسط تقدم إلي مصر والدول العربية , وتعتبر المقترحات السابقة أساساً للمشروع الجديد ومنها إعداد قبرص لتكون مقراً للقيادة العامة , وفي 25 يونيو صرحت الدوائر البريطانية أن وزير الخارجية البريطاني سيسلم السفير المصري في لندن رد بريطانيا علي مذكرة مصر الشفهية خلال الأيام القادمة وتتضمن نقطة الإلتقاء موافقة مصر علي الإنضمام إلي مشروع الدفاع المُشترك وقبول بريطانيا مبدأ سيادة مصر علي السودان , لكن لم يكن لذلك التصريح علاقة بالواقع , إذ أعلن المتحدث الرسمي المصري في 28 يونيو 1952 أن مصر مُتمسكة برفض كل محاولة من بريطانيا أو غيرها لإشراكها في أي نظام دفاعي قبل تحقيق الجلاء ووحدة وادي النيل , وفي 8 يوليو 1952 نشرت صحف القاهرة أنه من المتوقع أن يتم عقد معاهدة الصداقة المصرية الأمريكية قبل نهاية الشهر الجاري , وعلقت علي هذا الخبر بالقول بأن الولايات تقدمت لمصر بمشروع هذه المعاهدة منذعام 1948 .

ظلت مصر مُتمسكة بموقفها الرافض وبقوة لفصل مشاركتها في منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط أو الدفاع الإقليمي عن قضيتي الجلاء والسيادة المصرية علي السودان , ولذلك أُعلن في 12 يوليو 1952 عن أن مؤتمر الدبلوماسيين البريطانيين العاملين بالشرق الأوسط ناقش مشروع إنشاء القيادة الخاصة بالدفاع عن الشرق الأوسط بدون إشتراك مصر فيها وإتخاذ قبرص مقراً لها علي أن يكون ذلك خطوة أولي نحو تنفيذ المشروع الكامل , لكن وعلي نحو مواز أعلنت الولايات المتحدة في 6 أغسطس 1952 عن رفضها للمشروع البريطاني المُؤقت الخاص بالدفاع عن الشرق الأوسط لعدم إشتراك أكثر من دولة فيه (في الواقع إعتقد الأمريكيين أن عدم مشاركة مصر إفراغ للمضمون الجدي للقيادة)

وبالرغم من أن مقترحات إقامة القيادة المُتحالفة للشرق الأوسط ظلت علي الورق , إلا أن الكرملين لم يقف مكتوف الأيدي ذلك أن قرب منطقتي الشرقين الأدني والأوسط من حدود الإتحاد السوفيتي أثار موجة من التصريحات العدائية من السوفييت لأن المنطقتين فيما لو مُررت مقترحات هذه القيادة وأنضمت إليها دول الإقليمين فإنهما ستكونان في حوزة بل قبضة القوي الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة , ولهذا تبودلت المذكرات بين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في شأن خطة إقامة هذه القيادة منها المذكرة السوفيتية المُؤرخة في 24 نوفمبر 1951والتي وردت فيها هذه العبارة ” إن مقترحات والإعلان من جانب الحكومات الأربع يعطي دليلاً علي أن خطط منظمة ما يُسمي “بقيادة الشرق الأوسط ” لا تعدو وأن تكون إلا محاولة لجعل بلاد الشرقين الأدني والأوسط متعهدين عسكريين (المعني الأكثر وضوحاً مقاولين عسكريين) لكتلة حلف شمال الأطلنطي NATO , وإتصالاً بذلك فإن الحكومات الأربع صاحبة مبادرة إقامة قيادة الشرق الأوسط ممن لديهم قوات وقواعد ببلاد الشرق الأدني يعززون بالفعل قواتهم هناك ” , وفي الواقع فإن ما ورد بمضمون هذه المذكرة السوفيتية يمكن للمرء أن يعتقد بدون شك في أنها يمكن أن تصلح للتكرار والإرسال مُجدداً في أيامنا هذه من الجانب الروسي للجانب الأمريكي في شأن ما تردد عن إقامة تحالف علي غرار التحالف الأطلنطي يضم دول شرق أوسطية (بدون إيران هذه المرة) حتي وإن أشار مؤسسي تحالف الشرق الأوسط الجديد أن حلفهم لمواجهة إيران والإرهاب فالخطوط المتداخلة للإستراتيجيتين الروسية والإيرانية في الشرق الأوسط تحديداً لا تجعل الروس في غني عن الإعتقاد بأن هذا التحالف في النهاية آت داخل خطوطهم هم أيضاً , وقد ورد في نص مذكرة الرد الأمريكية بعد الإشارة إلي أن السوفييت ضخموا مسألة قيادة الشرق الأوسط وأن إتهامهم بأن قيادة الشرق الأوسط ذات “نوايا عدوانية” أكد الأمريكيون للسوفييت ما نصه “إن إعلان المبادئ المنشور بمعرفة المملكة المتحدة وفرنسا وتركيا والولايات المتحدة في 10 نوفمبر 1951 جعل الأمر واضحاً بجلاء بأن قيادة الشرق الأوسط معنية بتحقيق : (1) إنشاء تنظيم تعاوني دفاعي طوعي لمد عموم منطقة الشرق الأوسط بالأمن في حالة ما إذا أضحت هدفاً لإعتداء خارجي و (2) لمساعدة بلدان المنطقة في الحفاظ علي وتقوية إستقلالها وحريتها حتي لا يكدر مناخ ملبد بسحب الخوف تطور وإزدهار إقتصادها ومؤسساتها الإجتماعية وذلك من أجل أمنهم , إن مقترحات قيادة الشرق الأوسط تأسست علي الحق الأصيل في الدفاع عن النفس والمُبين في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة ” , ثم أشارت المذكرة في موضع آخر منها إلي “أن الولايات المتحدة تذكر الحكومة السوفيتية بأنه وبتاريخ 25 نوفمبر 1940 قدم مفوض الشعب للشئون الخارجية لإتحاد الجمهوريات السوفيتية Molotov بمقترح سلمه إلي Schulenberg سفير الحكومة النازية الألمانية تضمن تحديداً لمناطق النفوذ بين قوي المحور وإتحاد الجمهوريات السوفيتية , وتضمن هذا المُقترح فيما تضمنه أن يُتاح لإتحاد الجمهوريات السوفيتية إقامة ” قاعددة للقوات البرية والبحرية ” في شريط من أراضي منطقة المضايق التركية وفي المنطقة الواقعة إلي الجنوب من Batum و Baku في الإتجاه العام نحو الخليج الفارسي والمُتعارف عنه أنه مناط التطلعات السوفيتية . في ضوء الموقف السوفيتي إزاء منطقة الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية , فإن حكومة الولايات المتحدة يمكنها فقط أن تفترض أن الأهداف الموضوعة بواسطة السيد Molotov عام 1940تظل هي سياسة الحكومة السوفيتية “, ومثلما هي الطبيعة التطابقية لمضمون المذكرة السوفيتية مع السياق العام لمجريات الأوضاع السياسية والإقتصادية بالشرق الأوسط كانت المذكرة الأمريكيبة المُؤرخة في 18 ديسمبر 1951 كذلك .

تثبت الوثائق الرسمية الأمريكية أن الإهتمام الأمريكي بمنطقتي الشرقين الأوسط والأدني إضطرد وتسارع بعد الحرب العالمية الثانية , فبعد زهاء 4 أشهر من توليه منصبه كوزير لخارجية الولايات المتحدة قضي John Foster Dulles الفترة من 11 إلي 28 مايو 1953 في أسفار جاب خلالها دولاً عدة بهاتين المنطقتين ووضع تقريراً عن وقائع زياراته لها , ومن أهم الفقرات الواردة بهذا التقرير ما نصه “واليوم فإن الشعوب العربية تخشي من أن الولايات المتحدة سوف تساند دولة إسرائيل الجديدة في توسعها العدواني , وهم أكثر خشية من الصهيونية من خشيتهم من الشيوعية ويخشون من ان تصبح الولايات المتحدة مساندة للتوسعية الصهيونية ” , وفي الفقرة الرابعة الخاصة بالسلام بين العرب وإسرائيل أشار وزير الخارجية Dulles إلي “أن إسرائيل يجب أن تكون جزءاً من مجتمع الشرق الأدني وهذا ممكن , وأنه ولتحقيق ذلك فإن علي الجانبين أن يُقدما تنازلات وأن مسئولية جلب السلام للمنطقة تقع علي عاتقهما وسوف لا تتردد الولايات المتحدة في إنتهاز أي وسيلة لإستخدام نفوذها للترويج لخفض التوتر بالمنطقة خطوة خطوة ” .

أشار الصحفي الأمريكي جيفري أرونسن في معرض بيان تعثر الخطة البريطانية / الأمريكية لإقامة نظام دفاعي بالشرق الأوسط مُتصل بجهود حلف شمال الأطلنطي لمواجهة الخطر والمد الشيوعي إلي ما نصه : ” ولكن من سوء حظ وزارة الخارجية الأمريكية , فإن العسكريين كانوا لم يتولوا السلطة في مصر بعد (يقصد قادة الإنقلاب العسكري في 23 يوليو 1952) أما أولئك الذين كانوا مايزالون يتولون الحكم في مصر (أي السياسيين المدنيين) فقد نظروا إلي الإصلاحات الواردة في إقتراح القوي الأربع (الإعلان الرباعي المُشار إليه آنفاً) بإعتبارها مجرد واجهة لإستمرار إخضاع مصر سياسياً وعسكرياً ” , وبناء علي هذا الموقف فقد أعلن السفير المصري في واشنطن في 15 أكتوبر 1951رفض مصر لإقتراح قيادة الشرق الأوسط علي أساس أن مصر لم تُستشر مسبقاً بشأن المقترحات المُشتركة المُقدمة إليها , ولم تُدع للمشاركة في وضعها (إحساس عال من هؤلاء بالمكانة لا بالضعة) ولم تقف علي مضمون هذه الإقتراحات إلا يوم تقديمها , وأنه ومع ذلك فقد كانت هذه المُقترحات موضع دراسة مُتأنية من الحكومة المصرية التي وجدت فيها إستمراراً لإحتلال مصر ليس من قبل بريطانيا فحسب وإنما من قبل قوي أخري أيضاً وهو الإحتلال الذي ثارت عليه مصر علي مدي70 عاماً , وعليه فإن هذه المُقترحات لا تعترف بالأماني الوطنية المصرية ولا تضع حداً لإحتلالها من قبل بريطانيا , وكان رفض مصر لإقامة قيادة الشرق الأوسط MEDO عبارة عن قتل للمشروع حتي ولو كانت هناك ثمة إمكانية لإقامة تحالف بدون مصر تم الحديث بشأنها لوقت قليل .

كان هناك تناول آخر لبريطانيا والولايات المتحدة لمشروع الدفاع عن الشرق الأوسط بعد الإنقلاب العسكري في مصر في 23 يوليو 1952 إذ أكد رئيس الوزراء المصري في 10 أغسطس 1952 أن بريطانيا لم تفاتح مصر حتي الآن بشأن المشروع ودور مصر فيه , فيما أشارت الصحف البريطانية بأنه في حالة قبول مصر المساهمة فيه فإن اللواء محمد نجيب (قائد الإنقلاب) سيتولي منصباً هاماً من مناصب القيادة العليا للهيئة علاوة علي منصب القائد العام لقاعدة قناة السويس, كما أن الولايات المتحدة بعد إنقلاب 23 يوليو 1952 – كما أشار إليه الصحفي الأمريكي جيفري أورونسن – تلقت من النظام المصري ” الحالي ” تأكيدات سرية بأن مصر مُستعدة للتعاون مع الغرب في مقابل مساعدات إقتصادية وعسكرية , وأنه في هذه الحالة فقد يوفر إمدادها بالمعونات العسكرية مفتاحاً لحل مشكلة قناة السويس , وقد يدخل مصر في منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط ( وهو الأسم البديل لقيادة الشرق الأوسط وهو أقل طموحاً من سابقه فهو إطار تنظيمي لكن بلا قوات) , ومن المُؤكد تقريباً أن موافقة مصر علي المشاركة فيها ستُفضي إلي إلتزام الدول العربية الأخري بذلك .

أشار الصحفي جيفري أرونسن أن اللواء محمد نجيب أفاده في 10 ديسمبر1952: “أن مصر لا تستطيع أن تبقي مُحايدة ولا تنوي ذلك , وأنه بالنسبة للحرب الباردة فإنها تنتمي للغرب” , وبالإضافة إلي ذلك أعرب اللواء نجيب عن رغبته ليس فقط في الحصول علي معونة عسكرية أمريكية بل وفي وجود بعثة عسكرية مثلما هي في تركيا , وظل البريطانيين بالرغم من تأثير قوي وضاغط لمفاوضاتهم مع مصر يعملون مع الأمريكيين لتحقق نظام دفاعي عن الشرق الأوسط والذي رآه كلاهما مفيداً علي صعيدين الأول بريطاني وهو إيقاف تقلص التواجد العسكري البريطاني في الشرق الأوسط والثاني عام وهو القدر من الإمكانية المتاحة للدمج بين منظمة (أو قيادة)الدفاع عن الشرق الأوسط وبين حلف شمال الأطلنطي مع منح دور للدول العربية المتحمسة لممارسة دور المتعهد أو المقاول العسكري , ولهذا وافقت إدارة الرئيس ايزنهاور في 9 مارس 1953 علي الصفقة الكاملة التي تقدم بها رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن لتسوية المسألة المصرية والتي تضمنت : (1) الإحتفاظ بقاعدة قناة السويس في وقت السلم بحيث يُعاد تشغيلها فوراً في وقت الحرب و(2) ترتيب الدفاع الجوي عن مصر و(3) إنسحاب مرحلي للقوات البريطانية المسلحة من الأراضي المصرية و(4) إشتراك مصر في منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط و(5) برنامج للمساعدات العسكرية والإقتصادية لمصر , ولم يوافق مجلس قيادة (الثورة المصري) علي هذه المقترحات ورفض تدخل الولايات المتحدة بأكثر من بذل المساعي الحميدة وكانت المقترحات البريطانية المُشار إليها تحظي بقبول أمريكي .

علي كل الأحوال فقد كان مُقترح إنشاء قيادة أو منظمة للدفاع عن الشرق الأوسط هو الأساس الذي يُبني عليه المُقترح الحالي أو المُرتقب في تكوين تحالف أو قيادة لموجهة إيران وكان قبل ذلك لمواجهة الإرهاب أي مواجهة شيئ إفتراضي أو Dummy , وهو التحالف الذي يجمع دول مُختارة بعناية من قبل القيادة العسكرية المركزية للولايات المتحدة USCENTCOM والمؤسسات المعنية بواشنطن , فعندما قام وزير الخارجية الأمريكي Dulles بزيارته للشرق الأوسط في لفترة من 11 إلي 28 مايو 1953 كان ذلك في إطار توجه أمريكي بوضع الشرق الأوسط داخل سياسة الإحتواء من أجل تطبيق ترتيبات الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة والتي من بينها وقف ومواجهة وردع الزحف الشيوعي والحفاظ علي أمن إسرائيل ولهذا فقد أشار معهد بروكينجز في بحث وُضع عام 1950 إلي أن وسائل الدفاع الأمريكية مرحلية .

المحاولة الثانية :

نشر موقع صحيفة الأهرام القاهرية في 6 مارس 2017 أن رئيس هيئة أركان الجيش المصري إلتقي الجنرال Petr Pavel رئيس اللجنة العسكرية بمنظمة حلف شمال الأطلنطي NATO بحضور عدد من قادة الجيش المصري , وأشار الموقع أنه وفقاً لبيان صادر عن الجانب المصري فإن الجانبين ناقشا مسائل إقليمية من بينها الموقف في ليبيا كما ناقشا التطورات الأخيرة ذات الصلة بالحرب علي الإرهاب والتنسيق والتعاون بينهما في هذا المجال , ومن جانبه أثني الجنرال الأمريكي علي الجهود المصرية في مواجهة الراديكالية والإرهاب وشدد علي دعم حلف الأطلنطي الكامل لهذه الجهود لتحقيق الأمن والإستقرار في الشرق الأوسط , من جهة أخري نشر موقع Middle East Eye في 2 مارس 2017 كما نشرت وكالة Anadolu التركية في13 مارس 2017 أن هناك حديث عن أن الرئيس الأمريكيDonald Trump يبحث عن تكوين تحالف بين دول عربية وإسرائيل لمواجهة جماعة داعش الإرهابية وإيران وأن هذا التحالف سيشمل دول مثل مصر والأردن والتي بينها وبين إسرائيل معاهدتي سلام , والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المُتحدة واللتان لا تربطهما علاقات دبلوماسية بإسرائيل , وأحالت الوكالة علي الإعلام الأجنبي إشارته إلي أن هذا التحالف الذي علي نمط منظمة حلف شمال الأطلنطي NATO سيُركز علي تقاسم مُنتظم للمعلومات الإستخباراتية والسماح للشركات العسكرية الإسرائيلية بالعمل في العالم العربي , كما أشارت إلي أن محللين يعتقدون أن التحالف المُقترح ما هو إلا مناورة إسرائيلية لتحويل التركيز من علي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإغراء الشركاء الخليجيون , كما أن هذا التحالف يمكن أيضاً أن يكون إيذاناً لتدخل أمريكي أكبر في الشرق الأوسط يخدم بالتالي مصالح إسرائيل , وأحالت علي صحيفة الأهرام القاهرية قولها أن ورقة بحثية أعدها مركز أبحاث أمريكي عن تشكيل تحالف عسكري بالشرق الأوسط قُدمت إلي عواصم عربية , وأن هذا المُقترح سيشمل مصر والسعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين وعُمان والأردن فيما ستكون وضعية ” المراقب ” لإسرائيل , وسيكون هدف التحالف الرئيسي هو مواجهة داعش وإيران والتطرف الإسلامي , وأخيراً أحالت وكالة Anadolu أيضاً علي الخبير العسكري المصري صفوت الزيات إستبعاده تكوين مثل هذا التحالف وقوله ” إن المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي متحالفين مع تركيا وهي الدولة العضو بحلف NATO وهي دولة شرق أوسطية ذات وزن ثقيل , ومن ثم فلا مبرر للسعودية للإقتراب من إسرائيل طالما لم تُحل المشكلة الفلسطينية ” , فيما قال محلل آخر هو أنس القصاص ” إن دول الخليج علي إتصال (بإسرائيل) بعد علاقات ضبابية معها وذلك كجزء من جهودها في البحث عن شريك قوي ضد إيران” وفيما يتعلق بالتحالف المُشار إليه قال ” إننا نتجه إلي ذلك ” مُضيفاً قوله ” إن المعادلة مازالت بعد غير جاهزة علي أية حال ” .

كان القادة العرب وافقوا في القمة العربية السنوية بشرم الشيخ في نهاية مارس 2015من حيث المبدأ علي إنشاء قوة عسكرية عربية مُشتركة , وذلك علي خلفية الصراعات في اليمن وسوريا وليبيا وتشكيل السعودية لتحالف من 10 دول تنفذ ضربات جوية في اليمن ضد الحوثيين وفلول الرئيس المُطاح به علي عبد الله صالح , وما يعتقده القادة العرب من خطر من التنظيمات الإسلامية علي نظمهم , وعلي أية حال فمن بين المعلومات المُتوفرة عن هذه القوة التي لم يُعلن بعد عن تشكيلها أنه قد أُنيط أمر تنظيمها ووضع تفاصيلها للممثلين العسكريين للدول أعضاء الجامعة العربية وأن كل الدول أعضاء الجامعة وهم 22 دولة سيشاركون في هذه القوة , كما أفاد مسئوليين مصريين وكالة Associated Press في 29 مارس 2015 أن هذه القوة قوامها 40,000 فرد مدعمة بما يناسبها من سلاح الجو والبحرية والمدرعات الخفيفة , وبالفعل عُقد إجتماع عسكري علي مستوي رؤساء الأركان بمقر الجامعة في 21 أبريل 2015 تبعه إجتماع آخر في مايو 2015 لمناقشة إمكانية تشكيل قوة عربية عسكرية مُشتركة لمواجهة ” خطر التطرف المتنامي بالمنطقة ” علي ضوء توصيات قمة شرم الشيخ , ومما رددته وسائل إعلام عن هذا الإجتماع أن المشاركة في هذه القوة”إختياري ” , وأن العراق قد أبدي تحفظاً علي المشاركة فيها , وفي تصريح له أعرب رئيس هيئة اركان القوات المُسلحة المصرية عقب الإجتماع الثاني لرؤساء الأركان العرب أن هناك ضرورة لإستكمال تشكيل القوة العسكرية العربية المُشتركة قبل نهاية يونيو 2015 بحيث تُعرض علي القادة العرب لمناقشتها في القمة اللاحقة , ومازال الحديث دائراً .

كانت آخر محاولات إدارة الرئيس Trump لتفعيل هذا التحالف المُفترض عندما دعت بولندا برعاية مُشتركة مع الولايات المتحدة لمؤتمر يُعقد في Warsaw في 13 و14 فبراير 2019 قال وزير الخارجية البولندي Jacek Czaputowicz أن نحو 70 دولة إضافة لدول الإتحاد الأوروبي وُجهت إليها الدعوة للحضور والمُشاركة في هذه القمة التي ستُركز علي شئون الشرق الأوسط وتحديداً علي إيران , وكان هذا المؤتمر أو القمة أحد المحاولات الأمريكية المُستميتة لتوريط الدول التي تحاول الحفاظ علي علاقات متوازنة مع إيران كحالة قطر لإتخاذ موقف ظاهر وعلني ومحدد ضد إيران والموافقة علي المشاركة (Strategic Alliance (MESA , وقد طار رئيس الوزراء الصهيوني  Benjamin Netanyahuإلى Warsaw لحضور المؤتمر والذي أُعتبر حدثاً غير عادي للغاية  وكان تحت رعاية نائب الرئيس الأمريكي Mike Pence , وهناك التقى بوزراء خارجية المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولتين خليجيتين أخريين لا تربطهما علاقات دبلوماسية مع إسرائيل , وكان البند الرئيسي على جدول الأعمال في هذا الوقت هو احتواء إيران ولم يكن هناك فلسطينيون وظلت معظم الروابط الحالية بين إسرائيل والخليج سرية – لكن هذه المحادثات لم تكن كذلك فالواقع ان مكتب  Netanyahuسرب فيديو للجلسة المُغلقة مع  هؤلاء مما احرجهم لوقت ما , ومنذ ذلك الحين تتزايد الأدلة على العلاقات الوثيقة بشكل متزايد بين الكيان الصهيوني وخمسة من أعضاء مجلس التعاون الخليجي الستة – وليس لأي منهم علاقات رسمية مع الدولة اليهودية – وقد سلط الرئيس السابق Trump الضوء على هذا التغيير المتسارع في أول رحلة خارجية له كرئيس العاصمة السعودية الرياض من خلال السفر مباشرة بعد ذلك إلى تل أبيب , ولكن بالرغم من أن المال تلاشت في الحصول على مساعدة السعودية في “صفقة القرن” التي روج لها Trump كثيرا لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني , إلا أن  Netanyahuظل لآخر يوم له في رئاسة وزراء الكيان يسعي إلى تطبيع العلاقات مع السعودية التي تعطي الأولوية لمواجهة إيران التي عززت في السنوات القليلة الماضية موقعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن ، حيث تدعم المتمردين الحوثيين ومن المعروف أن محمد بن سلمان وصف آية الله علي خامنئي المرشد الأعلى لإيران بأنه “هتلر جديد” , قارن Netanyahu اتفاق أوباما النووي باتفاق ميونيخ لعام 1938 , وبعد أن تخلى ترامب عنه وإنسحب من هذا الإتفاق عام 2018 أشار Netanyahu  إلى استعداد إسرائيل للانضمام إلى “تحالف دولي” ضد طهران , يقول محلل إماراتي ليبرر موقف بلاده البائس : “لقد نشأنا على اعتبار إسرائيل عدوًا يحتل الدول العربية”. الحقيقة الآن هي أن الإسرائيليين موجودون هناك سواء أحببتم ذلك أم لا  لدينا مصالح مشتركة معهم , والأمر يتعلق بإيران حول المصالح ، وليس العواطف “.

, و كان الدافع الأصلي للعلاقات النامية بين الكيان الصهيوني ودول الخليج هو النفور المتبادل لـ Barack Obama في السنوات الأولى من الربيع العربي لأنه أغضب السعوديين والإماراتيين ، وأثار قلق الكيان الصهيوني معهما بتخليه عن الرئيس المصري حسني مبارك ثم لأنه أعرب عن دعمه للانتفاضة الشعبية في سوريا ودعا بشار الأسد إلى الاستقالة , وفي عام 2015 عندما تم توقيع الاتفاقية النووية بقيادة الولايات المتحدة مع إيران ، عارضتها بشدة إسرائيل ومعظم دول الخليج في سبتمبر 2015 كان التدخل العسكري الروسي في سوريا بمثابة بداية نهاية الأزمة بالنسبة للأسد ودعمت طهران بقوة حليفها في دمشق ودعمت حزب الله في لبنان – “محور المقاومة” الإيراني مما مدعاة لمزيد من القلق والخشية كان موضع اشمئز في تل أبيب والرياض وأبو ظبي .

بالطبع وللإن منطقة الخليج العربي التي ترى إسرائيل في العلاقات معها وسيلة مهمة لإظهار نفوذها في واشنطن , ففي هذا الصدد يقول Eran Lerman النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي :”من المشكوك فيه أن نطاق المساعدة (الأمريكية) للدول العربية كان يمكن أن يستمر بدون دعم أيباك (مجموعة الضغط الرئيسية المؤيدة لإسرائيل) والمنظمات اليهودية ” ،

أقرب بل هي مسرح القتال المُلاصق لإيران فهي ستظل هدفاً دائما للعسكريتين الأمريكية والصهيونية معاً , ووفقاً لمنهجية التفكير العسكري الامريكي والصهيوني فسيصبح الخليج العربي الذي مساحته الكلية233,100 كم مربع وأقصي طول له 989 كم وأقصي عرض 370 كم و طول ساحله العربي أو الشرقي  3,490 كم , هو الجبهة العسكرية المُحتملة والجاهزة ضد إيران والمكونة من 5 دول خليجية تحالفها النهائي والأول مع الولايات المتحدة (من الصعب وفقاً لمن يحكم العراق من الشيعة تصور مشاركة العراق في هذا التحالف الجاري تكوينه تحت مُسمي التحالف الإستراتيجي للشرق الأوسط أو MESA)) , وبإنضمام عُمان للمعسكر الأمريكي/ الصهيوني بعد زيارة Netanyahu لمسقط ومصافحته لسلطانها تكون الجبهة العسكرية المواجهة لإيران علي الساحل الشرقي أو قل العربي من الخليج العربي قد أصبحت شبه مُكتملة وأنسب ما تكون من أي وقت مضي لشن ضربات عسكرية إنتقائية أو شاملة ضد إيران  سواء علي مدنها الساحلية المُستهدفةعلي الخليج العربي أو الواقعة فيما وراء ساحلها علي الخليج العربي الذي يبلغ طوله 2,440 كم , ومن المُرجح أن تكون الضربة العسكرية الأمريكية / الصهيونية فيما وراء هذا الساحل مُصوبة تحديداً نحو منطقة منشآت إيران النووية , ولقد كان من المنطقي وينسجم مع الطبيعة أن يكون الخليج العربي رابطة مؤسسية علي غرار بحر قزوين أو البحيرات العظمي في أفريقيا أو غيرهما , لكن هذا ما لم تستطع الدول الثماني وهي (العراق المُستبعد) والكويت والسعودية وقطر والإمارات وعُمان وإيران المُطله علي الخليج العربي أو الفارسي الإتفاق عليه أبداً , بل إستطاعت فقط أن تحول هذا الخليج إلي ساحة تفريغ عقد نفسية ناشئة عن مزيج سام من الأخطاء التاريخية والمنافسات السياسية غير الشريفة ومزاعم التفوق العرقي بالإضافة لجذور الخلاف السني/الشيعي ذوالمُنطلقات السياسية مع أن كل هذه الدول لو وُضع من يحكمونها علي مقياس الإسلام والعروبة لتم تحويلهم لمستشفيات المجانين في بلادهم .

تآكلت قوة الدفع في عهد الرئيس Trump لتشكبل تحالف عسكري عربي مع الكيان الصهيوني لأسباب مختلفة ليس من بينها أفتقاد القادة العرب لمبرر إقامة هذا التحالف بل لإفتقادهم وحدة الرؤية للفائدة التي ستعود علي نظمهم , فالتطبيع مع الكيان الصهيوني بالنسبة لهم جميعاً لم يكن له سقف أو حد أقي فهو مقتوح بلا تحفظات , ولكن ظلت المشكلة فيمن يقود التحالف من الفريق العربي علي الفريق العربي وليس الصهيوني ومشكلة منبثقة من هذه المشكلة وهي عدم إتفاق القيادات العسكرية التابعة لكل نظام مع بعضها ومع الفريق العربي المُناظر  إضافة لمقر قيادة التحالف والنقاط التنظيمية ذات الصلة الأخري .

المُثير للتساؤل أنه بالرغم من زيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني لعُمان في 25 /26  أكتوبر 2018 وقبلها دعوة وزير النقل الصهيوني للمشاركة في مؤتمر دولي بعُمان قبل ذلك بأقل من شهر , نجد وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي في مقابلة مع صحيفة Le Figaro الفرنسية في 28 مايو 2022يقول بثقة : أن عُمان كانت أول دولة خليجية تدعم السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979, لكن الوزير شدد على أن مسقط لن تنضم إلى اتفاق إبراهيم (تطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني) ، لأن الدولة تفضل المبادرات الداعمة للشعب الفلسطيني , وبشأن المباحثات حول الاتفاق النووي الإيراني المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة ، لم يؤكد الوزير وجود مفاوضات سرية بين مسقط وطهران وواشنطن , لكنه شدد على أن التوصل إلى اتفاق جديد سيكون في مصلحة منطقة غرب آسيا والعالم , لكن بلا أدني قدر من الشك أن عُمان أصبحت داخل نطاق الإتصالات الصهيونية وبالتالي هناك قناة ثابتة تتيح تصور دخول عُمان المحتمل لنطاق التهديد المُحتمل لإيران خاصة وان عُمان جغرافياً تُعد أقرب مكان للإضرار بإيران عسكرياً وكذا لتحرك عناصر الأمن الصهيوني بها , وقدأكدت الحكومة الإسرائيلية في يونيو2022 أنها جزء من شراكة عسكرية إقليمية لمكافحة التهديدات من إيران وذلك في أحدث مثال على تنامي مشاركة إسرائيل مع بعض الحكومات العربية وإعادة تقويم التحالفات في الشرق الأوسط , وفي ذات السياق قال وزير الدفاع الصهيوني Benny Gantz في إفادة للمشرعين الصهاينة  :”إن أعضاء المبادرة الجديدة المسماة تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط يعملون مع الولايات المتحدة ضد الصواريخ الإيرانية والطائرات بدون طيار , وأن هذا البرنامج فعال بالفعل وقد مكّن بالفعل من الاعتراض الناجح للمحاولات الإيرانية لمهاجمة الكيان الصهيوني ودول أخرى”  , وهذا وقد ذكرت صحيفة The New York Times لأول مرة في شهر مارس 2022 أن الشراكة العسكرية هي واحدة من أهم النتائج المترتبة على الانفراج الدبلوماسي الذي تم حسمه منذ ما يقرب من عامين بين الكيان الصهيوني وأجزاء من العالم العربي منهيا عقودًا من عزلة هذا الكيان الصهيوني , وقد بدأ الكيان الصهيوني ابعد أن ظل منبوذاً لسنوات من قبل جميع الدول العربية باستثناء دولتين في إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات في أغسطس 2020 مع أربع دول أخرى بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة بعد وساطة من قبل إدارة Trump , ويسلط تحالف الدفاع الجوي الضوء على السرعة التي انتقلت بها بعض تلك العلاقات من الرمزية إلى الجوهر , كما يُظهر كيف أصبحت المخاوف من ما يزعمون أنه “عدوان إيراني”  مصدرلقلقهم وأكثر إلحاحًا لبعض القادة العرب من إنهاء فوري للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية  , فحتى عام 2020 رفضت جميع الدول العربية باستثناء مصر والأردن تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني حتى يتم حل النزاع الصهيوني / الفلسطيني , لكن بمرور الوقت أدت الفرص الاقتصادية والفوائد العسكرية المرتبطة بالعلاقات الكاملة مع الكيان الصهيوني إلى تآكل هذا الموقف  .

الـــتـــقـــديـــر :

– منذ غزو الولايات المتحدة للعراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين عنوة قويت شوكة إيران في العراق وفي  منطقة الخليج وزادت القوة بالبرنامج النووي الإيراني وساعد علي ذلك إمتداد نفوذ إيران لليمن بدعم الحوثيين في مواجهة السعوديين ودعم حزب الله في لبنان في مواجهة الكيان الصهيوني والنفوذ السعودي التقليدي علي القوي السياسية التقليدية داخل لبنان , وحماس في غزة في مواجهة كل من الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية , كل هذا أدي لتقريب المسافة بين مخاوف وخشية نظم الخليج كلها  – وإن بدرجات مختلفة – والكيان الصهيوني من بأس آلة العسكرية الإيرانية , وبالتالي أصبحت إيران الهاجس المُشترك لنظم الخليج والصهاينة , وأنتقل التنسيق مع الصهاينة من كونه تطبيعاً إلي كونه قضية أمن قومي لهذه النظم الكرتونية البائسة , فإيران الضعيفة مصدر إطمئنان لنظم الخليج والصهاينة , وإن لم تُعتبر تلك نظرة عدائية فماذا عساها أن تكون ؟ فالخلط العشوائي غير الواقعي بين المذهب الشيعي وأمن إيران القومي خلط واضح أنه مفتوح علي مصريه ليرضي أشباه الساسة العرب الذين لايحترمون ولا يقدرون سنة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ولا موجبات الأمن القومي الذي حده الأدني العداء الصريح والشرس للكيان الصهيون والمثل المصري الشائع يقول : ” أنا واخي علي إبن عمي وأنا وإبن عمي علي الغريب ” , وكل نظم الخليج والعرب عموماً يصرفون بعض أو كل إيراداتهم في شراء أدوار وقتية مُستهلكة ولا تستثمر في برنامج نووي ولو حتي ليكون مقابلاً لبرنامج إيران النووي , أو بناء بنية تحتية لصناعة السلاح ولهذا لا أحد يحسب حسابهم , بينما الصهاينة والأمريكيين والوروبيين يفاوضون إيران علي برنامجها النووي .

– منذ أن أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في 15 يناير 2021 أنها ستضم “الكيان الصهيوني” حليفها الوثيق في المنطقة إلي نطاق عمل قيادتها المركزية U.S. Central Command , والإعداد لمواجهة إيران بالتعاون والتنسيق العسكري مع العسكرية الأمريكية إرتقي للذروة وأصبح تبادلياً وكان لزاماً علي العسكرية الصهيونية أن تتدثر بالنظم العربي في الخليج ولا تمنع ضرورات مواجهة صهيونية كفئة لإيران إستخدام نظام كالإمارات لتكلفه ببعض المهام في مواجهة لإيران , فقد شارك الصهاينة بهدوء في تدريبات عسكرية مشتركة مع القوات الإماراتية ، في كل من الولايات المتحدة واليونان عام 2016 , في عام 2018 تدوات  وسائل إعلام معلومات بأن أفراد عسكريين إماراتيين زاروا قاعدة جوية إسرائيلية لمراجعة عمليات طائرات مقاتلة أمريكية من طراز F-35 ، على الرغم من أن هذا كان أنكرته إسرائيل ويُعتقد أن التعاون السري يشمل مراقبة المخابرات الإسرائيلية لإيران  وبيع الطائرات الإسرائيلية بدون طيار المستخدمة في الحرب في اليمن  .

– أن محاولة الرئيس الأمريكي Biden لتشكيل تحالف عسكري بين الصهاينة وبعض النظم العربية في الخليج ومصر والأردن وربما العراق ما هي إلا إستنساخ لمحاولة سابقة جريئة لكنها فاشلة للرئيس الأمريكي السابق Trump , إن الكيان الصهيوني لا يطمح ومعه الأمريكيين في أكثر من الحصول علي “ساتر” أو مبرر صوري شكلي للتحرك ضد إيران التي سيزيدها البرنامج الننوي قوة عسكرياً , وهما مُدركتان أن توين تحالف عربي / صهيوني مُضاد لإيران صراحة يضع النظم الحاكمة في الخليج في الركن وربما تتعرض مصالحها في داخل كل منها للضرربل للتدمير , لذا فهي وجلة في قبول مثل هكذا تحالف مع الصهاينة الذين يعرفون ويدركون أن تحالفاً مع النظم العربية غير الشعبية لا في الخليج ولا في الشرق أو المغرب ليس بأكثر من تحالف مع مجموعة من الأصفار لكن الصهاينة لن يُعولون علي مثل هذه الأنظمة , وكما إستنخ الرئيس Biden المحاولة فستنسخ فشلها أيضاً فالخلافات العربية / العربية زادت بل تعقدت عن ذي قبل وبعض هذه الأنظمة يتولي أمرها حكام سذج قليلي الحيلة ويفتقدون إلي الجسارة والحكمة المطلوبة في شخص الحاكم لرشيد  .

– عدم قطع عُمان / مسقط لعلاقاتها الدبلوماسية مع مصر بعد توقيعها علي معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني في 26 مارس 1979يُعد في حد ذاته إتجاهاً أصيلاً ومواتياً من عُمان / مسقط نحو موقف مبدئي ومواتي من التطبيع مع الكيان الصهيوني وتوجيه الدعوة لوزير النقل والمخابرات الصهيوني للمشاركة في للمؤتمر الدولي لوزراء النقل في مسقط / عُمان في نوفمبرعام 2018 في أخريات عهد السلطان قابوس إستنزال وتطبيق لهذا الموقف العُماني المواتي والإيجابي من قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني وفي هذا المؤتمرأعلن وزير النقل الصهيوني لأول مرة عن مشروع / خطة الربط بالسكك الحديدية بين دول الخليج العربي وميناء حيفا الصهيوني علي البحر المتوسط  , فهذا المشروع بالهجوم العسكري المُباشر ضد إيران أو بدونه فيه إضعاف علي المدي البعيد لقوة الإقتصاد الإيراني وهو ما سيؤدي إلي إضعاف إيران عسكرياً علي المدي البعيد أيضاً لأنه سيؤدي إلي تناقص النفوذ الإقتصادي / التجاري لإيران في منطقة الخليج العربي بأسرها , ويفتح الباب لهيمنة إقتصادية وـجارية صهيونية علي الخليج .

– موقف عُمان وخاصة قيادتها ممثلة في سلطان عُمان وحوارييه من قضية التطبيع مع الصهاينة مضمون وإيجابي من الوجهة السياسية بل هو موقف أصيل لنظام حكم له تاريخ خاص اوجب علي نظام له طبيعة معينة علي التعايش مع تناقضات السياسة الدولية وصراع القوي الكبري التي ألزمت عُمان بتأخير إعلان التطبيع مع الكيان الصهيوني للعب دور مُتحرر من الإلتزامت- قدر إمكانها – مع إيران والقيام بدور الوساطة المحدودة بشأن أزمة البرنامج النووي لإيران الذي يعتبره الكيان الصهيوني خطراً وجودياً عليه , وبالتالي فالإعلان عن التطبيع مع الكيان الصهيوني ربما سيتقاطع مع ما يتبفي من مصداقية للنظام الحاكم في عُمان لدي إيران وربما يلغيه من الوجهة المبدئية , فالتطبيع إذن مسألة وقت لا أكثر ولا أقل والدليل علي هذا أن الكيان الصهيوني مض قدماً وبغض النظر عن بعض المعوقات في مشروعه الطموح الرابط لدول الخليج العربي بميناء حيفا علي البحر المتوسط دونما إصدر إعلان رسمي عُماني يرفض المشروع أو يقبله , وكان وزير النقل والمخابرات الصهيوني Yisrael Katz قد أشار إلي أن فكرة هذا المشروع ستجعل من الكيان الصهيوني جسر بري وتستفيد من موقعها بين قارات ثلاث , وأن هناك ثمة جوانب تاريخية وأمنية وإقتصادية ونقلية في خطة هذا المشروع , أما بالنسبة للجانب الأمني فالمشروع يتضمن إجابة علي التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز (ومن هنا يُفهم الدور الحيوي لعُمان في هذا المشروع) فمن بين مهام المشروع تحويل نقل السلع عبر البحر الأحمر لشحنها إلي الجهات النهائية بالخليج من الكيان الصهيوني , وأشار كذلك إلي أن تركيا تستخدم بالفعل الكيان الصهيوني كجسر لنقل بضائع تركية محمولة علي 5,000 شاحنة سنوياً يتم تفريغ حمولاتها بميناء حيفا لتُنقل من حيفا إلي الأردن والسعودية ودول الخليج العربي .

– هناك ثمة إرتباط بين مشروع الكيان الصهيوني لإقامة شبة سكك حديد تربط دول الخليج العربي بميناء حيفا علي البحر المتوسط وهو مشروع جيو/سياسي وبين تكوين تحالف عسكري عربي / صهيوني , ووجه الإرتباط في كون غايته النهائية إضعاف لنفوذ إيران ودورها وتقوية النفوذ الصهيوني علي مجمل منطقة الشرق الأوسط حتي أفغانستان وتركيا , وتظل النظم العربية حتي إشعار آخر مفعول بها لإنهماكها في الإحتفاظ بكراسي السلطة والنفوذ علي شعوبها لا علي النظم المُعادية كالكيان الصهيوني الذي يُمارس كل افعال الهيمنة والنفوذ علي هذه النظم التي تستسيغ عداء الصهاينة الذين يدركون كل دوافع النظم العربية في هذا السلوك  .

الــســـــفــــيـــر / بــــــلال الــــمــــصــــري –

حصريا – المركز الديمقراطي العربي الـــقـــاهـــرة / تــحــريــراً في 25 يونــيـــو2022

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى