تداعيات مقتل الظواهري على تصاعد العمليات الإرهابية
إعداد : جهاد خالد فوزي – باحثة في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
- المركز الديمقراطي العربي
اعلن مسؤولون أمريكيون عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة “أيمن الظواهري” في ضربة جوية شنتها المخابرات الأمريكية في أفغانستان، وكانت العملية قد نفذتها طائرة مُسيرة تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في أفغانستان، في أكبر ضربة للتنظيم المتشدد منذ مقتل مؤسس التنظيم أسامة بن لادن في 2011، وهو ما أسعد الشعب الأمريكي، بالضربة العسكرية التي نفذتها وكالة الاستخبارات المركزية بدا مضاعفا لعدم سقوط ضحايا مدنيين، وهو ما أكده مسؤولون في واشنطن.
توقيت مقتل الظواهري
تأتي هذه الضربة العسكرية قبل أسبوع من الذكرى السنوية الأولى لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وتركها البلاد تحت سيطرة حركة طالبان، وعلى مدار عشر سنوات، ومنذ مقتل الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن في ضربة أمريكية عام 2011 استهدفته في باكستان، لم يبارح الظواهري، خطى أستاذه “بن لادن” في طريق الإرهاب طوال حياته وحتى في طريقة مقتله.
حيث صعد “الظواهري” من الظل كساعد أيمن لأسامة بن لادن حتى خلفه في قيادة التنظيم، مستندا إلى “مشروعه الإرهابي” الذي بدأه من مصر فساعد في تأسيس “جماعة الجهاد”، ثم احتفظ بموقع المنظر الرئيسي لتنظيم القاعدة، ولكن تلك العملية التي احتفى بها الأمريكيون ومن خلفهم العالم، لم تجد قبولا لدى حركة طالبان الأفغانية، حيث أدان المتحدث باسم حكومة الحركة، القصف الأمريكي لمنزل سكني في منطقة “شيربور” بالعاصمة كابول، دون الاعتراف بمقتل زعيم تنظيم القاعدة، ولم تتوقف طالبان عند حد الإدانة، بل أكدت أن “الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في حكومتها قامت بالتحقيق في الحادث ووجدت في تحقيقاتها الأولية أن الهجوم نفذ بطائرات أمريكية بدون طيار.[1]
تداعيات مقتل “الظواهري” على تصاعد أعمال العنف
وعقب اعلان مقتل حذرت وزارة الخارجية الأمريكية من أن هناك “احتمالا أكبر لوقوع أعمال عنف ضد الأمريكيين” بعد مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابول في نهاية الأسبوع، وفي تحذير عالمي أشارت فيه الوزارة إلى أن الظواهري (مهندس الهجمات الإرهابية بما في ذلك 11 سبتمبر وتفجير يو إس إس كول 2000) كان قد حث أتباعه في وقت سابق على مهاجمة الولايات المتحدة، وأن أنصار القاعدة أو المنظمات التابعة قد تسعى إلى القيام بذلك في أعقاب وفاته، وأضافت الخارجية الأمريكية أن المعلومات الحالية تشير إلى أن المنظمات الإرهابية تواصل التخطيط لهجمات إرهابية ضد المصالح الأمريكية في مناطق متعددة في جميع أنحاء العالم، وقد تستخدم هذه الهجمات مجموعة متنوعة من التكتيكات بما في ذلك العمليات الانتحارية والاغتيالات والخطف والاختطاف والتفجيرات.[2]
ومن الجدير بالذكر أيضًا أن الظواهري كان يحتمي في كابول، ليس فقط في بلد خاضع لسيطرة طالبان ولكن تحديدًا في حي راقي حيث يعيش العديد من قادة طالبان، وتقول لندن إن حقيقة أنه كان يعيش هناك تكشف عما تفكر فيه طالبان أكثر مما تفكر فيه بشأن القاعدة. ويشير إلى أن الظواهري دعا منذ فترة طويلة إلى العزلة وشجع القادة على الاختباء في المخابئ تحت الأرض، ويتكهن بأن ضغوط طالبان أجبرته على الذهاب إلى كابول حيث يمكنهم “مراقبته، للحصول على بعض النفوذ على المجموعة”.[3]
وكانت فترة خلافة “الظواهري” للتنظيم قد اتسمت بصعود التوترات الداخلية التي نتج عنها انشقاق فرعيها في العراق وسوريا، وهو الأمر الذي نَتَج عنه خسارة القاعدة لوجودها القوى الذي أنشأته في قلب العالم العربي، بالإضافة إلى الخلافات التي نشأت بين “أيمن الظواهري” و”أبو بكر البغدادي” في عام 2013؛ وذلك حينما سعى الأخير إلى توسيع فرع القاعدة في العراق ليشمل سوريا، مشيرًا إلى أنّ قرار “أيمن الظواهري” بأن يُقصر البغدادي نطاق أنشطته في العراق، هو الذي أدى إلى إثارة غضب البغدادي وإعلانه خروج الظواهري والقاعدة عن المسار الصحيح للجهاد، ليدشن بعدها منظمة “داعش” التي استولت على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا، وأصبحت المنظمة التي تشكل التهديد الأكبر على الأمن العالمي.
وعلى صعيدٍ آخر، كانت فترة حكم “الظواهري” لتنظيم القاعدة لم تتسم بضعفٍ كبير؛ حيث نجح في السيطرة على فروع القاعدة في شمال إفريقيا والصومال واليمن، ومَنَع انجرافهم نحو تنظيم داعش، فضلاً عن تشكيله فروع جديدة للتنظيم في جنوب آسيا ومالي، وبالرغم من هذا، أشار المقال إلى أنّ “الظواهري” لم يحقق هدفه الرئيس المُتمثل في مهاجمة الولايات المتحدة؛ حيث أنّ القاعدة لم توجه أي هجوم ناجح على الولايات المتحدة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001.
وفي سياق متصل، نجد أنّ القاعدة أشادت بعودة تنظيم طالبان إلى السلطة في عام 2021، واعتبرتها انتصارًا لقضية الجهاد العالمي، مُبدياً تخوفه من أنّ تساعد طالبان تنظيم القاعدة على إعادة بناء نفسه، لافتًا الانتباه إلى أنه بالرغم من القيود التي تفرضها حركة طالبان الآن على القاعدة، وذلك من أجل تأكيد شرعيتها الدولية، فإنها لنّ تستمر لفترة طويلة، فضلًا عن تداخل المصالح بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة؛ فبينما تسعى القاعدة إلى تدمير النظام العالمي، تُحاول طالبان الانضمام إليه من جهةٍ أخرى، لافتًا النظر إلى أنّ وجود “الظواهري” في كابول وقت مقتله يُثير تساؤلات حول صحة تعهد طالبان بمنعِ استخدام أراضيها لإيواء العناصر الإرهابية، مضيفًا في الوقت نفسه أنّ نجاح القوات الأمريكية في قتل “الظواهري” على أراضي أفغانستان يُزعزع فِكرة أن تكون أفغانستان منصة لإحياء القاعدة، لا سيّما مع ما أثبتته العملية من استمرار امتلاك أمريكا لنفوذ وأدوات هناك.
النفوذ الأجنبي في أفغانستان
تجدر الإشارة إلى أن المقاتلين الأجانب في أفغانستان متواجدين منذ الثمانينيات واستمروا في الدخول والعمل هناك بين عامي 2001 و 2021. ومن بينهم عرب وباكستانيون وشيشان وأوزبك وطاجيك وأويغور، ومنذ أغسطس 2021 ، جاء مقاتلون أجانب جدد من الشرق الأوسط وباكستان وآسيا الوسطى بأعداد كبيرة ، وفقًا لمسؤولين غربيين تحدثت معهم في ربيع وصيف عام 2022، كمل كانت طالبان مترددة في إعاقة تدفقها – لأن التسامح مع وجودها في أفغانستان كان أمرًا حاسمًا بالنسبة لطالبان للاحتفاظ بإمكانية الوصول إلى التمويل من باكستان والخليج. إن أي إجراءات واضحة لطالبان ضد المقاتلين الأجانب ستجعل طالبان تبدو وكأنها تخون الأخوة الجهادية الأوسع وبالتالي تعرض التمويل الأجنبي لطالبان للخطر.
ويعد هذا أحد مصادر دخل طالبان وسط الاقتصاد الأفغاني المنهار الذي أصابته الشلل الشديد بسبب العقوبات الغربية واحتمال حدوث مجاعة شتوية قادمة عام 2022، كما يوفر التمويل الأجنبي عائدات مهمة لدفع أجور المقاتلين الشخصيين للقادة، وبالتالي فهو مصدر رئيسي للحماية الشخصية للقادة والنفوذ داخل طالبان. قادة طالبان الذين ليس لديهم أعداد كبيرة من مقاتليهم لديهم تأثير أقل بكثير، إذا قامت طالبان بالفعل بفرض حظر على الخشخاش في موسم الزراعة المقبل، فسيصبح هذا الدخل الأجنبي أكثر أهمية.[4]
كما أن مثل الإجراءات الحازمة ضد الجماعات الإرهابية في أفغانستان، فإن طرد المقاتلين الأجانب من أفغانستان ، ناهيك عن اعتقالهم وتسليمهم إلى دول أخرى، من شأنه أيضًا أن يقوض التماسك الداخلي لطالبان ويزيد من خطر الانشقاقات، وبالتالي هناك فرصة ضئيلة لأن تتبنى طالبان مثل هذه السياسات.
وختامًا تجدر الإشارة إلى أنّ التحدي القادم الذي سيواجه التنظيم هو اختيار خليفة للظواهري، عارضًا أسماء المرشحين لتولي هذا المنصب، مؤكدًا على أنّ عملية إدارة التنظيم أصبحت أكثر صعوبة، لا سيَّما مع المشاكل المتفاقمة التي يواجهها التنظيم مثل العلاقة التنافسية مع إيران، وعدم الثقة في حركة طالبان، وغياب استراتيجية مشتركة بين التنظيم وفروعه.
ولعل أبرز السيناريوهات المتوقعة، هي:
- تصاعد ونمو أعمال العنف التي تقودها حرجة طالبان، ردًا على مقتل “الظواهري”.
- اشتعال فتيل الصراع الداخلي في أفغانستان.
- تدخل الدول الكبرى لوضع قدم لها في أفغانستان لكسب ود الشعب.
- وربما نجد عودة الادارة الأمريكية للتفكير مجددًا لبسط نفوذها وتواجدها مرة أخرى في أفغانستان، بعد الانسحاب الأخير.
[1] Al Qaeda Leader Killed In U.S. Drone Strike In Afghanistan, https://www.npr.org/2022/08/02/1115226592/al-qaeda-leader-killed-in-u-s-drone-strike-in-afghanistan
[2] Does the killing of al-Zawahiri make Americans safer? It’s complicated, https://www.npr.org/2022/08/03/1115389197/al-qaida-drone-strike-us-safety-al-zawahiri
[3] Ibid
[4] https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2022/08/02/what-ayman-al-zawahris-death-says-about-terrorism-in-taliban-run-afghanistan/