الأفريقية وحوض النيلالدراسات البحثيةالمتخصصة

جنوب السودان مأساة مُستمرة وخطر آت

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

 

هناك صراع إنفجاره آت إن لم تمتد إليه أيادي وسيطة أو علي الأقل لها مصلحة تامة في إستقرار الأوضاع السياسية والإقتصادية والإنسانية في جنوب السودان , ويبدو أن الحرب المستعرة في أوكرانيا منذ42 فبراير 2022 وما تمخض عنها حتي الآن من نتلئج من أهمها رغبة الرئيس الروسي بوتين في بناء نظام سياسي دولي جديد متعدد الأقطاب وما يؤدي إليه ذلك من نتائج ومواجهة الولايات المتحدة لذلك مع حلفاءها , كل ذلك عمل علي تركيز لإهتمام بهذا الصراع المفتوح والذي ضُم إليه قسراً الإتحاد الأوروبي الذي كان من أبرز اللاعبين في صراع جنوب السودان وهو صراع مرشح للإنفجار والإمتداد في شرقي أفريقيا ويؤثر سلباً علي مصالح دوله مع حنوب السودانوربما يمتد هذا التأثير السلبي حتي يضر بمصالح مصر خاصة المائية , فالعوامل التي يعتمل بسببها الصراع في جنوب السودان وأهمها القبلية والفساد الإقتصادي والسياسي في جنوب السودان لم تعالج بصفة مبدأية وأساسية في إتفاقيات أديس أبابا 2015 ولا في إتفاقية 2018 فهي لم تخرج عن كونها تسويات لا أكثر ولهذا ظل الصراع كامناً ولكنه بسبب الإنصراف الدولي عنه مرشح للإنفجار ثانية وفي هذه المرة سيكون أثره السلبي ممتداً .

وفقًا لاتفاق السلام في جنوب السودان الموقع عام 2018المفروض أن تُجري إنتخابات عامة ولكن هذه الإنتخابات أُجلت حتى أواخر عام 2024, وليست الإنتخابات هي المعضلة الوحيدة التي تعترض نمو وتطور الحياة السياسية في جنوب السودان فمن الأهمية بمكان مُراقبة المجتمع الدولي لتنفيذ اتفاق السلام ككل في البلاد بالإضافة إلي الإصلاحات الأخرى بما فيها إصلاح وتقويم القوات المسلحة والدستورنفسه كما أن من الضروري توفرهيئات العدالة الانتقالية الثلاث المقترحة والمتفق عليها وهي لجنة الحقيقة والمصالحة و المحكمة المختلطة هيئة التعافي و هيئة التعويضات والإصلاح ومن المشاكل الأخري ذات الصلة بإستقرار الوضع السياسي  المشاكل و النزاعات الطائفية باعتبارها السبب الرئيسي وهي ناجمة عن نزاعات طويلة الأمد على الأراضي وغارات على الماشية , كما أدى انتشار الأسلحة إلى تفاقم النزاعات وتشير التقديرات إلى أن كل شاب في القرى لديه سلاح , كذلك يجب مراجعة ترتيب السلطة في جنوب السودان على النحو المنصوص عليه في الدستور الانتقالي , وهذا الترتيب هو المسؤول جزئياً عن تجاوز مجلس الولايات للسلطة بمعنى أنه يعطي المجلس دورًا رقابيًا على الولايات وهذا ما يبرر ما شجع المجلس على التدخل في شؤون حكومة ولاية الوحدة مثلاً وهي إحدي الولايات العشر بجنوب السودان  حيث إشتدت بها حالة انعدام الأمن التي طال أمدها مؤخرًا مما أدى إلى فقد العديد من الأرواح البريئة , وتؤجج الأزمة الأمنية عدة عوامل منها القتال بين قطاعات من السكان المدنيين بسبب غارات على الماشية ، والمواجهة المسلحة بين القوات الحكومية والمتمردين مثل الحركة الشعبية / الجيش في جنوب السودان وهم مجموعة من الجنود الساخطين الذين تم تسريحهم مؤخرًا من الجيش ويحثون على أدوار حكومية جديدة , وبشكل عام تُعبر الأزمة عن الكثير من هشاشة جنوب السودان كدولة نتيجة ضعف المؤسسات السياسية في البلاد ، وليس فقط ولايةالوحدة , فالحكومة الوطنية لجنوب السودان وحكومة ولاية الوحدة يجب أن يعملا معًا لمعالجة الأزمة بطريقة فعالة , وقد تتضمن هذه الطريقة نزع سلاح الشباب الذين عملوا في أماكن أخرى من البلاد علي سبيل المثال في ولاية البحيرات فاستخدام الأسلحة من قبل المدنيين للقتال فيما بينهم هو الذي جعل الوضع أسوأ بكثير , ويجب إصلاح هذه المشكلة في دستور جديد تتم صياغته للبلاد , كما يجب أن يؤسس هذا الدستور على توازن القوى بين الحكومات الوطنية وحكومات الولايات مع التركيز على السماح لحكومات الولايات بالعمل بشكل مستقل وسياسيًا .

فمنذ عام 2018 قدمت الاتفاقية التي تم تنشيطها بين اللاعبين الرئيسيين في الحرب الأهلية المستمرة منذ فترة طويلة في جنوب السودان إطارًا للسلام ، كما قال رئيس بعثة الأمم المتحدة هناك UNMISS في 16 سبتمبر 2022 لمجلس الأمن يوم الجمعة – “على الرغم من استمرار اندلاع العنف بين المجتمعات المحلية” , وفي هذا الصدد قال الممثل الخاص للأمم المتحدة نيكولاس هايسوم إنه على الرغم من أن البنود الرئيسية للاتفاقية ستنتهي بحلول فبراير2023 ، فقد اتفق الطرفان في أغسطس على خريطة طريق تمدد الفترة الانتقالية الحالية لمدة 24 شهرًا , وفي حين أنه تطور مرحب به ، ذكّر بأنه “لا بديل عن تنفيذ اتفاقية السلام” , وقال هايسوم “اسمحوا لي أن أؤكد أن خارطة الطريق هي نقطة طريق وليست نقطة نهاية , كما أشار رئيس بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان إلى أهمية وجود عملية سياسية شاملة وفتح فضاءات مدنية باعتبارها “شروطًا أساسية” لعملية انتخابية قوية وتنافسية , ثم أوضح بعض الخطوات الجارية – من اتفاق الرئيس سلفا كير والنائب الأول للرئيس رياك مشار لحل المأزق البرلماني ، إلى تخريج الدفعة الأولى من المجندين في القوات المسلحة المشتركة – والتي تعتبر موارد الميزانية والتكامل والانتشار أمرًا حيويًا لتحقيقها. السماح بتحويل أوسع لقطاع الأمن , وحذر السيد هايسوم من أن “الفشل في معالجة هذه القضايا الحاسمة … لديه القدرة على عكس المكاسب التي تم تحقيقها” , ومضى في وصف العنف على المستوى الإقليمي ، الذي اتسم بدورات من الغارات على الماشية والاختطاف والقتل الانتقامي إلى جانب القتال في ولاية أعالي النيل الذي أدى إلى نزوح آلاف الأشخاص , وأفاد الممثل الخاص أنه بينما يتزايد العنف المرتبط بالنزاع ، تواصل البعثة دعم المنع من خلال أطر السياسات ومجالات أخرى , وقال للسفراء: “البعثة تعزز دعمها لسلسلة العدالة في كل ولاية … للتصدي للجرائم التي تهدد بزعزعة السلام ، بما في ذلك تلك التي تنطوي على العنف القائم على النوع الاجتماعي”, وأضاف السيد هايسوم إن بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان تمكنت من تحقيق “محور مزدوج” في تركيزها وعملياتها ، من خلال توجيه الموارد نحو العملية السياسية  ونشر استباقي في النقاط الساخنة العنيفة وتوسيع وجودها في الحماية للمدنيين , وأكد أن الموارد الطبيعية لجنوب السودان لديها “إمكانات هائلة” سواء للصراع أو التعاون , وتطرق إلى الوضع الإنساني ، فأقر بأن الأمن الغذائي مستمر في التدهور ، مما يترك حوالي 8.3 مليون شخص محتاجًا ويفوق التمويل المتاح , وأشار إلى أن خطة الاستجابة الإنسانية ممولة بنسبة 44.6% فقط وحث المانحين على الوفاء بتعهداتهم , وفي الختام ، أكد الممثل الخاص من جديد أهمية دعم المجتمع الدولي وأوضح قائلاً: “مهمتنا الجماعية الآن هي دعم الأطراف في الوفاء بالتزاماتها تجاه شعب جنوب السودان وفقًا لتوقيت خارطة الطريق”.

فبعد عملية استمرت عامين اتفقت أطراف النزاع التابعة للرئيس سلفا كير ميارديت والنائب الأول السابق للرئيس رياك مشارعلى تنفيذ اتفاق 2018 المُعاد تنشيطه بشأن حل النزاع في جنوب السودان وأدى مشار اليمين مرة أخرى كنائب أول للرئيس في حكومة وحدة وطنية جديدة منهيا بذلك ورسميا سبع سنوات من عنف الحرب الأهلية التي بدأت في عام 2013 وأنتهت عام 2020 وخلفت حوالي1.62 مليون نازح داخليًا ودفعت 2.19 مليون لاجئ إلى البلدان المجاورة وجعلت 7.5 مليون في حاجة إلى مساعدات إنسانية وقُتل ما يقدر بنحو 383000 شخص في الصراع في عامي 2019 و 2020 وتعرضت جنوب السودان لفيضانات شديدة أثرت على أكثر من مليون شخص إضافة للجمود السياسي على المستوى الوطني والذي يُعد مستقراً نسبيًا حتي الآن إلي حد ما ، وقد دعا برنامج الغذاء العالمي  في سبتمبر 2022 إلى مرور آمن ومضمون للمساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة من النزاع في ولايتي أعالي النيل وجونجلي في جنوب السودان وسط تجدد الصراع الذي أدى إلى نزوح آلاف الأسر وخلف عدد غير معروف من القتلى والجرحى من المدنيين , وقال برنامج الأغذية العالمي إنه اضطر إلى تعليق عمليات الإغاثة نتيجة تدهور الوضع الأمني في أجزاء من ولايتي أعالي النيل وجونجلي “بسبب تدهور الوضع الأمني على طول النيل الأبيض ، واضطر برنامج الأغذية العالمي إلى تعليق حركة المراكب بين أدوك وملكال حيث أصبح الوصول إلى الممرات المائية غير ممكن مما أضر بالمجتمعات المحلية الواقعة على خط إطلاق النار و جرت عدة محاولات للتفاوض بشأن الوصول إلى المجتمعات المحلية وقالت في بيان صدر في جوبا عاصمة جنوب السودان “مواجهة مستويات طارئة وكارثية لانعدام الأمن الغذائي فشلت” , وأوضح برنامج الأغذية العالمي إن قافلته التي تحمل 1151 طنًا متريًا من المواد الغذائية المخصصة للمجتمعات في مقاطعات فانجاك وقناة / بيجي وبانيكانج ، أُجبرت على العودة الأسبوع الماضي بعد استئناف الاشتباكات بين الأطراف المتصارعة , وفي هذا قال أدينكا باديجو القائم بأعمال المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان : إن المقاطعات الثلاث لديها بالفعل بعض من أعلى حالات انعدام الأمن الغذائي في البلاد ، حيث يتوقع أن يكون 55% إلى 60% من سكان مقاطعتي فانجاك وقناة / بيجي في حالة طوارئ أو ظروف شبيهة بالمجاعة الآن ، وغير قادرة على تلبية احتياجاتهم الغذائية , وأوضح : “من غير المقبول تمامًا أن يكون لدينا قوافل تابعة لبرنامج الأغذية العالمي تحمل مساعدات غذائية يمكن أن تنقذ الأرواح ولكنها ببساطة غير قادرة على العبور ويتعين على جميع أطراف النزاع احترام القانون الإنساني الدولي والسماح بالمرور الآمن لبرنامج الأغذية العالمي والشحنات الإنسانية الأخرى فنحن نركض خارج الوقت لمنع الناس من الموت جوعا ” , وأوضح برنامج الأغذية العالمي أنه قبل اندلاع النزاع الأخير كانت هناك جهود متواصلة لبناء الأمن الغذائي والقدرة على الصمود للناس في مقاطعات فانجاك وقناة / بيجي وبانيكانج حيث دعم بناء 16 كيلومترًا من السدود حول كل من فنجاك القديم والجديد حماية للمجتمعات من مياه الفيضانات التي كانت تجتاح المجتمعات في جميع أنحاء شمال البلاد على مدى السنوات الأربع الماضية .

لكن مع ذلك فالعنف علي نطاق جنوب السودان ككل يمكن أن يندلع في أي وقت كما أن تقارير الأمم المتحدة تُشير إلى أن العنف المحلي بين الجماعات المسلحة المختلفة في تصاعد , ففي 10 سبتمبر 2022قال متحدث باسم الأمم المتحدة إن القتال الدامي بين الجماعات المسلحة في ولاية أعالي النيل بجنوب السودان دفع الآلاف إلى الفرار من منازلهم وأثار أعمال عنف في مخيمات النازحين وقال متحدث باسم الأمم المتحدة إن القتال الدامي بين الجماعات المسلحة في ولاية أعالي النيل بجنوب السودان دفع الآلاف إلى الفرار من منازلهم وأثار أعمال عنف في مخيمات النازحين , كما نقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس قوله إن “القتال الأخير أدى إلى مقتل مدنيين وإصابات ونزوح مزيد من الناس” , وقد فر ما يصل إلى 5000 مدني إلى (أديديانج) في أغسطس 2022 في أعقاب القتال بين الجماعات المسلحة المتناحرة” , وقال دوجاريك إن العديد من المدنيين الفارين من العنف على متن قوارب وقوارب قد غرقوا وتسابقت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لإنقاذ المدنيين الغرقى وحماية السكان المتضررين.

وقالت البعثة المعروفة باسم UNMISS أن الهجوم الأخير أدى أيضًا إلى اندلاع قتال طائفي بين بعض النازحين داخليًا من مجموعات مختلفة داخل موقع الأمم المتحدة الذي تم إنشاؤه لحماية المدنيين , وقال المتحدث باسم البعثة إن منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في جنوب السودان سارة بيسولو نيانتي ذكرت : أن “الأمم المتحدة وشركائنا سيواصلون دعم المحتاجين بأفضل ما لديهم لكننا بحاجة إلى إنهاء فوري للقتال وحل النزاع”.

وعموماً لم يتم التوصل إلى معايير متعددة لاتفاقية السلام لعام 2018 نظرًا لانعدام الاستقرار ووضع كوفيد -19 ومن غير المرجح إجراء الانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في عام 2021 كما أشرت , فالوضع العام غير مُشجع إذ أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي صنف جنوب السودان في المرتبة 185 من بين 189 دولة علي مؤشر التنمية البشرية , كما أنه لازالت سيادة القانون غيرمضمونة  , صحيح أن COVID-19 قد أبطأ بشكل واضح تنفيذ اتفاقية السلام , إلا أنه من المؤكد عدم وجود الإرادة الناجزة بين أطراف النزاع للالتزام بالسلام وهذا هو التحدي الأعظم أمام جنوب السودان , فقد انقسمت قوات الدفاع الشعبية لجنوب السودان نتيجة للحرب الأهلية  بعد أن كانت تمثل الجهة المسلحة المهيمنة في البلاد وشهدت السنوات التي أعقبت النهاية الرسمية للحرب الأهلية اقتتالًا داخليًا مستمرًا بين وحدات جيش الجيش الشعبي لتحرير السودان السابقة في بعض الحالات وشاركت جماعات مسلحة أخرى أيضًا في جنوب السودان في هذا الإقتتال , ومع ذلك ترتبط القوة السياسية والعسكرية ببعضها البعض وتحتفظ العديد من الأحزاب السياسية بصلات مع جماعة مسلحة أو تمتلك بالفعل جناحًا مسلحًا رسميًا , ولذلك كان هناك تقدم ضئيل في الإصلاح المطلوب بشدة لقطاع الأمن وإعادة دمج المقاتلين , فما زال للقوة المسلحة سطوتها علي الكيانات السياسية فبالرغم من وقف إطلاق النار على المستوى الوطني فإن احتكار الدولة لاستخدام القوة يتنازع عليه العديد من الجماعات المسلحة الأصغر مثل الميليشيات ومجموعات الدفاع عن النفس المرتبطة بالعشائر أو القرى, وليست الجماعات المُسلحة التي تنازع الحكومة فقط فالوجود المستمر لبعثة الأمم المتحدة القوية في جنوب السودان (UNMISS) التي يبلغ قوامها 12500 فرد والتي تبدو وكأنها لدعم الدولة والمساعدة في استعادة السلام والأمن في جنوب السودان تُعد شهادة على حقيقة أن دولة جنوب السودان لا تحتكر بشكل واضح استخدام القوة , بالإضافة إلي أن انقسام العديد من قوى المعارضة في أعقاب اتفاق سبتمبر 2018 المُعاد تنشيطه بشأن حل النزاع في جنوب السودان (R-ARCSS) أدي إلى تقويض احتكار الدولة لاستخدام القوة فقد أفادت الأمم المتحدة أن وقف إطلاق النار الدائم الذي بدأ في فبراير 2020 لا يزال ساريًا في معظم البلاد ، لكن الدولة لا تزال غير قادرة على حماية السكان المدنيين وقد ارتكبت الشرطة الوطنية والقوات الحكومية وغيرها من الجهات المسلحة المرتبطة بالحكومة انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان .

مازالت دولة جنوب السودان بعيدة عن تحقيق مفهوم الدولة القومية , فمجتمع جنوب السودان يواجه التحدي المتمثل في تطوير شعور الجديد بالهوية الوطنية , لكن مازال هناك خصمان سياسيان رئيسيان في جنوب السودان يتنازعان علي قاعدة من أصول عرقية مختلفة هما رئيس الجمهورية : كير (من الدينكا) ونائبه الأول ريك مشار (من النوير) ولهذا يمكن القول بأن تسييس الإثنية من قبل السياسيين مدفوع بالتنافس الشخصي لكنه يؤدي في النهاية إلى التفكك الاجتماعي في الدولة الوليدة .

المشكة التي تعرض الوضع السياسي للإنقلاب في جنوب السودان هو في الجماعات والتنظيمات التي تتحرك خارج نطاق إتفاق السلام لعام 2018 , وهذه الجماعات الرافضة (يقودها رئيس أركان جيش جنوب السودان السابق ، الجنرال بول مالونج أوان ومعه الأمين العام للحزب الحاكم السابق باقان أموم أوكيش وكلاهما يقودان الفصائل في         SSOMAويتكون هذا التحالف من الحركة الشعبية لتحرير السودان  R-SPLMوجبهة جيش جنوب السودان المتحدة   SSUF / Aوالتي لم تكن جزءًا من اتفاق السلام لعام 2018, وتضم المجموعة أيضًا جبهة الإنقاذ الوطني لجنوب السودان برئاسة الجنرال توماس سيريلو) في جنوب السودان هي تحالف من عدة جماعات معارضة مسلحة وغير مسلحة قررت رفض التوقيع على اتفاقية السلام التي أعيد تنشيطها لعام 2018 متذرعة بالفشل في معالجة الأسباب الجذرية , وقد بدأت محادثات بين الحكومة وهذه الجماعات المعارضة الرافضة في عام 2019 وفي يناير 2020 وقع الجانبان إعلان سلام أعادا فيه الالتزام بوقف الأعمال العدائية ودعيا إلى وصول المساعدات الإنسانية دون انقطاع إلى المنظمات المحلية والدولية , وفي هذا الصدد في سبتمبر 2022قال مسؤول إرتري إن إريتريا ستنضم إلى جهود السودان لإقناع الجماعات الرافضة بالمشاركة في عملية السلام في جنوب السودان , وقال نائب وزير خارجية جنوب السودان دينق داو مالك إنه أجرى محادثات مع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان لمناقشة دور السودان في إقناع الجماعات المتمردة الرافضة للانضمام إلى عملية السلام وقال:”لقد التقينا وعقدنا اجتماعات مثمرة مع مختلف رؤساء الدول والحكومات لمناقشة خططنا لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة وأفريقيا والقرن الأفريقي ، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا” وقال : ” لقد ناقشنا التقدم المحرز في خارطة الطريق المعاد تنشيطها لاتفاق السلام المنشط لحل النزاع في جمهورية جنوب السودان كما ناقشنا دور السودان في التحدث مع المجموعات الرافضة للانضمام إلى عملية السلام ” .

إن الوضع الشائك في جنوب السودان حالياً ينتظر  حدثاً إستثنائياً حتي ينفجر علي نطاق واسع يشمل معظم جنوب السودان خاصة وأن المجتمع الدولي والأطراف المحيطة بجنوب السودان تستقبل بلا إرادة منها تقريباً التداعيات السلبية المعقدة للحرب الروسية / الأوكرانية , وعادة ما أدي تدخل هذه الأطراف مع الولايات المتحدة علي درء خطر تفجر الأوضاع السياسية والإنسانية في جنوب السودان ويعبر الصحفي الجنوب سوداني /  Tor Madira Machier عن الوضع الراهن في جنوب السودان بكثير من الواقعية في مقال بعنوان :

” نزاع جنوب السودان: الحركة الشعبية لتحرير السودان هي المشكلة والحل “

“منذ نشأتها قبل أكثر من 30 عامًا كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان المنقسمة هي السبب في المعاناة التي يعاني منها جنوب السودان قبل وبعد الاستقلال في يوليو 2011كما أنها أيضاً التي أتاحت لإقليم جنوب السودان  لي صبح دولة مستقلة في يوليو 2011 واعتبارًا من 2017 تنقسم الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى أكثر من ثلاثة فصائل تهتم باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان وكل مجموعة تتحدث عن التغيير الحركة الشعبية لتحرير السودان – داخل الحكومة – الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة والحركة الشعبية لتحرير السودان – معتقلون سابقون ، والحركة الشعبية لتحرير السودان – DC (الآن حزب التغيير الديمقراطي) وكلها نشأت من الحركة الشعبية لتحرير السودان التي شكلها الدكتور جون قرنق في عام 1983 , والآن يغذي الصراعات الحزبية التنافس والاقليمية والصراع على السلطة فجميع الفصائل المذكورة يقودها مسؤولون من الحركة الشعبية لتحرير السودان اختلفوا مع رئيس الحزب حول الإصلاحات أو بسبب خلاف حول إدارة شؤون الحزب , وفي واقع الأمر فإن جميع السياسيين الأقوياء في جنوب السودان هم أعضاء في حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان المتصدع وبالتالي فإن السلطة مقسمة بين فصائل الحركة الشعبية لتحرير السودان نظرًا لأن الحركة الشعبية لتحرير السودان هي الكيان السياسي الأكثر شعبية والأقوى في جنوب السودان وبما أن الصراع الحالي في جنوب السودان هو نتيجة الاقتتال الداخلي والتنافس بين حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان فلا يمكنك حل صراع جنوب السودان دون الجمع بين الحركة الشعبية لتحرير السودان التي اختلفت في عام 2013 , ولم يكن قادة الحزب مسالمين مع بعضهم البعض منذ تأسيس الحزب في عام 1983 كحركة سياسية وعسكرية  فالقادة الذين شعروا بالإهانة إما ينشقون عن تشكيل حزبهم أو يخوضون مقاومة داخلية كما يقول المثل “عندما تتقاتل الأفيال ، فإن العشب هو الذي يعاني” ، وعندما يختلف قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان  يكون الضحية مواطن جنوب السودان , وسيظل المواطن الجنوب سوداني مضطرًا إلى انتظار حل من قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان على الرغم من كونه سبب المعاناة , وعلى الرغم من وجود أصوات لا تتفق مع حقيقة أن الحركة الشعبية لتحرير السودان ستكون الحل إلا أن هناك الكثير ممن يتردد صداها مع هذه المشاعر وإن حقيقة أن الشخصيات القوية للأمة من الحركة الشعبية لتحرير السودان تجبر شعب جنوب السودان على الركض خلف حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان سواء ضد الحزب في أوقات الحرب أو لأدى انقسام الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1991 إلى مقتل الآلاف من سكان جنوب السودان وتشريد الملايين من جنوب السودان ولإلغاء معاناة جنوب السودان وكان على فصائل الحركة الشعبية لتحرير السودان التي اختلفت في عام 1991 أن تتفق في عام 2002 على الاجتماع معًا لتبني السلام وكان عليها أن توحد رؤيتها للجنوب لكي تتفق معها.

وقد تم إلغاء تمرد ضد الدكتور جون قرنق من قبل سلفا كير بعد أن عرض الدكتور مشار التفاوض تقريبًا بعد أن يصبح التمرد ساريًا في عام 2004 لتجنب أزمة إنسانية والحفاظ على اتفاقية السلام الشامل التي أعطت الجنوب الحق في تقرير المصير أن يقرر بحلول يناير 2011 إما الانفصال أو البقاء تحت حكم واحد ولكن مع إصلاح السودان , وقد اتفق الدكتور جون قرنق وسلفا كير على الاجتماع معًا لتبني السلام ، لذا لا ينبغي أن يعاني شعب جنوب السودان من أزمة إنسانية غير مرغوب فيها حيث أن الأمة قريبة لتشهد توقيع اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا كينيا كما قال الدكتور جون قرنق في مقابلة مع الصحفي المصري أحمد سيد : “أن “الحركة الشعبية لتحرير السودان كما يوضح الاسم ، تعتمد على الشعب السوداني” ، لذا فإن شعب جنوب السودان هو سلة الغذاء للحركة الشعبية لتحرير السودان طوال 21 عامًا من النضال حيث حصلت الحركة الشعبية لتحرير السودان على الغذاء لجيشها من الطعام الذي تم جمعه إما بإرادة المواطن أو بقوة الذراع من شعب جنوب السودان .

وكان على الدكتور لام أكول أجاوين  الرئيس السابق للحركة الشعبية لتحرير السودان من أجل التغيير الديمقراطي الذي فر من جنوب السودان لتشكيل فصيل الحركة الشعبية لتحرير السودان – DC في الحركة الشعبية لتحرير السودان في عام 2009 ، أن يعود إلى جنوب السودان لتقاسم الحكومة مع فصيل الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة سلفا كير بعد الاستقلال , ولن ينتهي هذا الصراع الدائر في جنوب السودان أبدًا باستبعاد فصيل واحد من فصائل الحركة الشعبية لتحرير السودان فبالنسبة لحكومة الفصيل SPLM-IG التابع لحكومة سلفاكير لإنهاء هذه الحرب يجب أن تقبل احتضان الفصائل الأخرى من حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان دون استثناءات بما أن الحركة الشعبية لتحرير السودان كانت المشكلة فإن الحركة الشعبية لتحرير السودان ستكون الحل لسلام حقيقي حتى يسري مفعوله.

إذن دع قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان يوحدون رؤاهم كما فعلوا في عام 2002 حتى يتم إحباط معاناة شعب جنوب السودان.دعم الحزب في أوقات السلم  . ”

في 17  سبتمبر 2021 قالت ليليان رزق رئيسة شبكة تمكين المرأة في جنوب السودان (SSWEN) أثناء إحاطة اجتماع لمجلس الأمن الدولي : ” أنه على الرغم من إجماع الموقعين الرئيسيين على خارطة طريق لإكمال الانتقال الديمقراطي في جنوب السودان إلى الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة فإن البلاد تخاطر بحرب أهلية شاملة بسبب التأخير في تنفيذ اتفاق السلام قال ناشط لمجلس الأمن الدولي وأن فشل عملية السلام في جنوب السودان إلى جانب التمديد اللاحق للمواعيد النهائية للمرحلة الانتقالية سيؤدي إلى اندلاع حتمي الحرب الأهلية التي تسببت في مزيد من المعاناة للمدنيين , وأن اتفاق السلام لعام 2018 الذي تم توقيعه بين اللاعبين الرئيسيين في الحرب الأهلية المستمرة منذ فترة طويلة في جنوب السودان ، والذي يهدف إلى توفير خارطة طريق لتحقيق سلام دائم لم يحقق سوى بعض التقدم نحو تنفيذ الاتفاقية , ومع ذلك فإن معظم الأهداف المحددة في اتفاق السلام لعام 2018 نحو التحول الديمقراطي لا تزال غير محققة إلى حد كبير بسبب الخلافات السياسية والفساد والصراعات بين المجتمعات المحلية والمصاعب الاقتصادية والوضع الإنساني المتدهور , وقالت ليليان رزق إن اتفاق تقاسم السلطة لم يضع حدا للعنف ولم يقدم الإصلاحات التي طال انتظارها فإن “الوضع في جنوب السودان غير مستدام وحذرت من أن البلد بأكمله ينهار “، مضيفة أن هناك” تفشي انعدام الأمن “والتهجير القسري للمدنيين ” .

يصف عدد من الخبراء دور الولايات المتحدة الحالي في جنوب السودان وأزمته بإنه الولايات المتحدة متناقض وغير متسق في جنوب السودان , فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية من أشد المؤيدين لقضية جنوب السودان من أجل الحرية والاستقلال طوال حرب النضال من أجل التحرير, وضمنت أمريكا تحقيق الهدف النهائي لاستقلال جنوب السودان بحلول عام 2005 ، ثم توسطت  في اتفاقية سلام بين الحكومة السودانية وحركة التمرد الجنوبية الحركة الشعبية / الجيش الشعبي لتحرير السودان في عام 2011 ،إلي أن أصبح جنوب السودان رسميًا وسلميًا دولة مستقلة.

ويدعي بعض المراقبين أن الولايات المتحدة تنجذب فقط إلى جنوب السودان من أجل المصلحة الاستراتيجية لاستغلال الموارد (على وجه التحديد النفط) واكتساب السوق غير المستغلة وتوسيع نفوذها في المنطقة , ومع ذلك يؤكد مسؤولو الحكومة الأمريكية دائمًا أن مشاركتهم في جنوب السودان هي لأسباب إنسانية بحتة مستشهدين بمليارات الدولارات التي قدموها حتى الآن للمساعدة الإنسانية والأنشطة التنموية لدولة جنوب السودان المشكلة حديثًا , ومع ذلك لا يمكن للمرء أن يتجاهل التنافس بين الولايات المتحدة والصين ففي حين أن الصين راسخة بعمق في جنوب السودان وخاصة في صناعة النفط فهي تدير بعض أكبر شركات النفط العاملة في جنوب السودان كما أنها تستورد أكثر من 40  %من النفط الخام لجنوب السودان بالإضافة إلى ذلك تشرع في بعض من أكبر مشاريع البنية التحتية في البلاد هذا إلى جانب الخوف من أن المنافسين الآخرين للولايات المتحدة مثل روسيا ، وقد يكتسبون أيضًا زخمًا في جنوب السودان مما وضع الولايات المتحدة تلقائيًا على حافة الهاوية لذلك كله تم التصريح في أروقة القوى في واشنطن العاصمة ضد جنوب السودان مثل “وقفنا معكم في وقت عصيب ، أين نصيبنا من الكعكة” ، من المفترض أن جنوب السودان الآن تخون حليفًا , والأسوأ من ذلك  فبحلول عام 2013 عندما اندلعت حرب أهلية في جنوب السودان – وهو نزاع دأب على استمراره النخب الحاكمة أصبحت الولايات المتحدة غاضبة حتى النخاع نتيجة للحرب وظهرت العديد من الجماعات المتمردة المسلحة وشنت حربًا مسلحة واسعة النطاق للإطاحة بالحكومة وأصرت الحكومة على موقفها ، وتخلي الأمريكيون من جانبها عن الحكومة فيما تسميه “الولايات المتحدة تقف إلى جانب شعب جنوب السودان”. بالنسبة لبعض المتفرجين ، فإن “شعب جنوب السودان” الذي تتحدث عنه الولايات المتحدة هو مجرد تعبير ملطف عن الجماعات المتمردة المسلحة والحجة الآن هي أن الأمر كذلك لأن “تغيير النظام” ، الذي تسعى إليه الجماعات المتمردة المسلحة هو البديل الذي تفكر فيه الولايات المتحدة بجدية لكنها فقط لا تعرف كيف تنفذه , فبعد أن وقعت الفصائل المتحاربة في جنوب السودان اتفاقية في عام 2015 ، أدت إلى حرب أخرى ثم تم توقيع جولة أخرى من اتفاقية السلام ، بعد ثلاث سنوات وفي عام 2018 أظهر اتفاق 2018 على الفور نتائج مهمة في الحد من الصراع بين الأطراف التقليدية حيث انضمت جهات فاعلة دولية أخرى لدعم تنفيذ اتفاقية السلام ، لكن الولايات المتحدة رفضت قائلة إنها تريد أن ترى بعض الالتزام من القادة المتحاربين لتنفيذ السلام , وكانت هناك بعض التحديات الواضحة لتنفيذ السلام ، مثل نقص التمويل , وبعد الوقوف على الهامش لبعض الوقت ، جاءت الولايات المتحدة أخيرًا لتمويل لجنة آلية مراقبة السلام. سريعًا إلى الأمام ، في 8 يوليو 2022 ، وطمأنت وفود الكونجرس الأمريكي والتي تضمنت سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة للإدارة والإصلاح ، رئيس جنوب السودان سلفا كير بأن أمريكا تؤكد التزامها ودعمها للسلام في جنوب السودان من خلال “التركيز على ما يريده جنوب السودان من الولايات المتحدة بدلاً من ما تريده أمريكا  السودان , وبالكاد وبعد أسبوع من تقديم مثل هذه التطمينات في جوبا أعلنت واشنطن أنها تنسحب من دعم السلام في جنوب السودان عن طريق قطع تمويلها لتنفيذ السلام بينما يقومون بتقييم خطواتهم التالية , بالإضافة إلى ذلك سحبت واشنطن التمويل من مشاريع برنامج الغذاء العالمي في جنوب السودان ، و قطع التمويل عن مختلف المنظمات بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) كما قطعت المملكة المتحدة حليف الولايات المتحدة مساعداتها لجنوب السودان وكذلك حذت دول الترويكا الأخرى حذوها  وأدى ذلك إلى استنتاج أحد المعلقين حيث قال :”يتم الكشف عن العنصرية البيضاء من خلال إعطاء الأولوية للمساعدات الإنسانية” حيث يقومون بإعادة تنظيم تمويلهم الإنساني لإنقاذ “البيض في أوكرانيا أولاً” ، في أزمة خلقوها وهاهم يتركوننا .

والحقيقة أن الموضوع ليس كذلك كما يتصور بعض المسولون في جنوب السودان فالسر وراء إحجام الولايات المتحدة عن أداء دورها المعتاد والنشط في أزمة أو أزمات جنوب السودان هو الدور الصيني المتصاعد في جنوب السودان وتوفر قناة إضافية لروسيا , وهذا وفقاً لآلياتن الصراع بين الولايات المتحدة من جانب والصين ووراءها روسيا من جانب آخر سبب كاف جداًلإحجام الولايات المتحدة بل عملها في مرحلة قادمة وفي وقت يناسبها للإطاحة بنظام الرئيس سيلفا كير الذي لم يحقق إلا الدمار لبلاده , وتأكيداً لذلك فقد حذر خبراء الأمم المتحدة في سبتمبر 2022من أن عملية السلام في جنوب السودان تحتاج إلى اهتمام عاجل لمنع تصاعد العنف

هناك حاجة ماسة إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لتصاعد العنف المنتشر على المستوى المحلي في جميع أنحاء جنوب السودان , وفي هذا الصدد قالت ياسمين سوكا رئيسة لجنة مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنوب السودان : “بدون هذه الخطوات , من المحتمل أن نرى ملايين آخرين من جنوب السودان نازحين أو يعبرون الحدود مما يتسبب في فوضى للبلدان المجاورة ووكالات الإغاثة” , وفي 4 أغسطس 2022 وقعت الأطراف في اتفاقية السلام المنعشة لعام 2018 لجنوب السودان على تمديد آخر لمدة عامين لترتيبات الحكم الانتقالي وتأجيل الانتخابات حتى أواخر عام 2024 وحتى الآن لا يزال شكل النظام الانتخابي غير محدد بالإضافة إلى ذلك تتطلب الانتخابات بيئة مواتية ، لكن في جنوب السودان فإن الذين استجوبوا الحكومة أو كشفوا عن فظائع تلقوا تهديدات بالقتل أو تعرضوا للاحتجاز أو التعذيب ، مع تقلص المساحة السياسية , وقد تضمنت اتفاقية السلام عملية تشاور وطنية حول إنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة وتضميد الجراح , وقدعُقدت المشاورات في منتصف عام 2022 ، لكنها استبعدت ملايين اللاجئين الذين فروا خوفًا على حياتهم إلى جانب أجزاء كبيرة من البلاد بما في ذلك المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة , وفي الواقع فبعد أربع سنوات لم يتم إنشاء أي من هيئات العدالة الانتقالية الثلاث المقترحة – لجنة الحقيقة والمصالحة والشفاء ، أو المحكمة المختلطة ، أو هيئة التعويضات والتعويضات , ولا يمكن استبعاد أعداد كبيرة من الأشخاص الذين عانوا من أن يكون لهم رأي في نظام العدالة المستقبلي , وقال المفوض بارني آفاكو: “لا يمكنك الاختيار بين هيئات العدالة الانتقالية المختلفة – عليهم جميعًا العمل معًا لتحقيق تغطية لمظالم شعب جنوب السودان” وأضاف: “في غضون ذلك يجب على الحكومة توفير تعويضات مؤقتة للناجين الذين تحطمت حياتهم”.

تداعيات دورة جديدة للحرب الأهلية بجنوب السودان

إقليمياً :

جيبوتي :

– أكد مسؤولون في جنوب السودان في سبتمبر 2022أنهم اشتروا أرضًا على ساحل جيبوتي لبناء ميناء ومسئولين في جنوب السودان إن الميناء سيكون مفتاحًا لتصدير النفط الخام للبلاد الذي يمر حاليًا عبر السودان (لدى جنوب السودان رواسب نفطية تقدر بنحو 3.5 مليار برميل) وكذلك لاستيراد البضائع التي يأتي معظمها عبر ميناء مومباسا الكيني , فقد أشاروزير البترول بجنوب السودان Puot Kang Chol  في سبتمبر 2022 قوله : “أود أن أعلن لكم جميعًا ،بما أننا كنا نضغط للتأكد من أننا نفتح جميع طرقنا لأننا كما نعلم جميعًا أن جنوب السودان بلد غير ساحلي وبالتالي هناك حاجة لنا لنبذل قصارى جهدنا من أجل الوصول إلى السوق ” , وعن الأثر الإقليمي لتلك الخطوة قال Duncan Otieno الاقتصادي المقيم في نيروبي : “هناك كل الأسباب للاعتقاد بأن خروج جنوب السودان سيؤثر على ميناء مومباسا وميناء دار السلام الذي يخدم دولة حبيسة أخري هي أوغندا فمن المحتمل أن يؤثر ذلك على العمليات في ميناء مومباسا , إن محاولة جوبا خفض الاعتماد على مومباسا قد يكون لها تداعيات داخل كتلة مجتمع شرق إفريقيا مثل تقويض مشروع  LAPSET  وهو شبكة نقل شحن إقليمية تبدأ في ميناء لامو الكيني , إن كل دولة تسترشد بمصلحتها الوطنية التي تتغير من حين لآخر , لكن هذا يحتاج أيضًا إلى النظر فيه داخل الجغرافيا السياسية للهيئة الإقليمية EAC وهناك حاجة للنظر في ذلك لأنه ينطوي على خطر التأثير على اقتصاد هذه المنطقة .

لكن أستمرار المواجهات المحلية في جنوب السودان وتشرذم القوي السياسية وتكتل الجماعات العارضة المسلحة يجعل من الوصول لتجدد المواجهات المسلحة علي نطاق واسع أمر محتمل من شانه أن يطيح بمشروعات الربط اللوجيستي مع جيبوتي ويرتد بجنوب السودان للعزلة الجغرافية من جديد .

إثيوبيا:

اتفقت إثيوبيا وجنوب السودان على تنفيذ سلسلة من مشاريع البنية التحتية المشتركة التي ستمكن الأخير في النهاية من الارتباط بميناء جيبوتي , فقد تم التوصل إلى الاتفاق في 20 سبتمبر2022بعد أن التقى وفد رفيع المستوى من جنوب السودان بقيادة نائب الرئيسTaban Geng Gai  مع مجموعة من الوزراء الإثيوبيين بقيادة وزير المالية أحمد شيدي , وفي وقت سابق ناقش الجانبان سبل كيفية تعزيز مشاريع ربط البنية التحتية المشتركة ,وفي هذا الصدد اتفق الجانبان على سبل تعزيز خططهما المصممة مسبقًا في مجالات البنية التحتية للطرق والطاقة والاتصالات والنقل المائي ،وغيرها من القطاعات الاقتصادية الحيوية بهدف تحقيق التكامل لتحقيق المنفعة المتبادلة , ووفقًا للاتفاق الذي تم التوصل إليه مؤخرًا كان أحد المشاريع الرئيسية التي تم تحديد أولوياتها هو تنفيذ مشاريع الطرق بهدف تعزيز الاتصال بين البلدين غير الساحليين وبعد المباحثات أكد وزير المالية الإثيوبي أحمد شيدي أن الجانبين قد توصلا إلى اتفاقية مهمة للغاية فيما يتعلق بالدفع قدما بمشروعين للطرق وتأتي الاتفاقية الجديدة مع إثيوبيا بعد أيام قليلة فقط من إعلان جنوب السودان عن شراء ثلاثة أفدنة من الأراضي في ميناء جيبوتي لبناء منشأة للتعامل مع استيراد وتصدير البضائع حيث تتطلع الدولة غير الساحلية إلى طريق بديل لخفض التبعية العاليةعلي ميناء مومباسا الكيني , هذا ونقلت وسائل الإعلام المحلية بجنوب السودان عن وزير البترول بجنوب السودان بوت كانغ تشول قوله: “لقد استخدمنا بورتسودان ومومباسا فقط  لكن مؤخرًا قررنا الذهاب إلى جيبوتي , إن الأرض اشترت من قبل وزارة البترول لغرض تصدير النفط الخام للبلاد واستخدامه في البضائع المستوردة وإذا تم تنفيذ هذه الخطوة ،فستضرب ميناء مومباسا بالنظر إلى أن جوبا هي واحدة من أكبر عملاء كينيا الذين يستوردون جميع حمولتها تقريبًا عبر الميناء الكيني , كما أن ارتفاع التكاليف تدفع الخرطوم التي تفرض رسومًا على خطوط الأنابيب إلى دفع جنوب السودان إلى البحث عن طرق بديلة لتصدير نفطها الخام إلى السوق الدولية , وبالنظر إلي أن لإثيوبيا خبرة واسعة في بناء المطارات فتبعاً لذلك اتفقنا أيضًا على مشاركة خبرتنا والعمل على إنشاء آلية مشتركة بشأن ربط الطيران وتطويره مع جمهورية جنوب السودان ”

وقال شيدي وزير المالية الإثيوبي إن إثيوبيا ستواصل العمل ودعم عملية السلام في جنوب السودان , وأشار إلى أن ضمان السلام والاستقرار الإقليميين أمران حاسمان لتطوير البنية التحتية المشتركة للبلدين وأكد قوله :”لدينا التزام سياسي شامل للغاية وإرادة لدفع التعاون بين البلدين”.

إن الداعيات المتوقعة علي العلاقات الإثيوبية / الجنوب سودانية مختلفة من أهمها :

– التأثير علي المشروعات اللوجستية المُخططة والتي تربط ما بين البلدين وجيبوتي والتي تتعلق ببعض دول منطقة البحيرات الكبري كتنزانيا وكذلك مع دول نيلية كمصر مثل مشروع ربط بحيرة فيكتوريا بميناء الإسكندرية علي البحر المتوسط وهو حتي الآن مشروع إفتراضي , فقد ورد في التقرير السنوي لمبادرة الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا  NEPADلعام 2015 والذي أُدرج فيه هذا المشروع تحت مُسمي Construction of Navigational Line between Lake Victoria and the Mediterranean Sea , وأشار هذا التقرير إلي الدول والمنظمات المسئولة عن المشروع وهي : مصر وكينيا وأوغندا والسودان وجنوب السودان وبوروندي وإثيوبيا والكونجو الديموقراطية وتنزانيا (لم يُشر إلي رواندا) وتجمعات COMESA وIGAD وEACوSADC , مع ملاحظةأنه ورد بخانة “وضعية المشروع”  ما نصه ” أن مصر نجحت في إكمال دراسة ما قبل الجدوي وفقاً للجدول الموضوع , وهذا إنجاز مثير جداً وضعاً في الإعتبار تعقيدات المشروع ونقص التمويل الخارجي ( قدم بنك التنمية الأفريقي تمويلاً بمبلغ 650,000 دولار لدراسة ما قبل الجدوي والتي حُدد لتقديمها الربع الثالث من عام 2015) , وقد تضمن الجدول المُشار إليه إيجازاً للمشروعات المُدرجة المُتعلقة بالبنية الأساسية علي المستوي الإقليمي بالقارة وعددها 13 مشروع منها مشروع Lamu Port Southern Sudan- Ethiopia Transport – Corridor Projectوتشترك فيه جنوب السودان وإثيوبيا وأوغندا وكينيا ومنظمات تجمع الساحل والصحراء و COMESA وIGAD و EAC .

– تجدد مشكلة اللجوء خاصة في ضوء سبق تفجر هذه المشكلة فقد سبق  ودخلت أعداد من قبيلة Murle لجأت إلي إثيوبيا خلال الحرب الأهلية 2013 – 2018حين أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي Desalegn في 18 أبريل 2016عبر بيان مُتلفز أن القوات الإثيوبية ستتعقب مسلحين من قبيلة Murle للمناطق التي أتوا منها في جنوب السودان لإنقاذ 100 طفل إثيوبي في قبضة هؤلاء , وأشارت الأنباء الواردة من أديس أبابا أن أبناء قبيلة  Murle عبروا حدود جنوب السودان مع إثيوبيا وأغاروا علي 13 قرية إثيوبية بولاية Gambella الإثيوبية سكانها إمتداد ديموجرافي لقبيلتي Anyuak و Nuer *(التي ينتمي إليها Riek Machar خصم رئيس جنوب السودان Salva kiir) .

– التأثير علي التواصل الجهود الإثيوبية مع جنوب السودان لجذبه للتوقيع علي إتفاقية عنتيبي التي ترفض مصر والسودان التوقيع عليها لأغنكارها مبدأي الحق التاريخي في مياه النيل ومبدأ الإخطار المبكر عن أي مشروعات مائية علي مجري النيل , فجنوب السودان يتعرض منذ إستقلاله عن السودان في 9 يوليو 2011 لضغوط إثيوبية قوية لحمله علي توقيع إتفاق التعاون الإطاري  CFA المعروف بإتفاق عنتيبي بين دول حوض النيل والذي تعارضه مصر والسودان ,( من المتوقع أن تنضم جنوب السودان – مالم تبذل مصر جهودها لمنع ذلك – أن وتوقع الإتفاق الإطاري التعاوني , ولقد نشرت جريدة الأهرام في 18 يونيو 2013 تصريحا لوزير ري وموارد المياه بجنوب السودان Paul Mayom Akec وصف فيه توقيع إتفاق الإطار التعاوني بحوض النيل (إتفاق عنتيبي ) بأنه ” أمر لا مفر منه وأن عملية الإنضمام لهذا الإتفاق بدأت علي كل مستوي أجهزة الدولة بجنوب السودان وأن بلاده ستشرع في تطبيق الإتفاق حالما يصدق عليه البرلمان)

السودان

في عام 2012 وقع السودان وجنوب السودان تسعة إتفاقيات في أديس أبابا ، بما في ذلك صفقة نفط تنص على ترتيبات مالية انتقالية تشمل رسوم عبور واتفاقيات تصدير نفط جنوب السودان عبر أراضي السودان , لكن تظل قضية الحدود تمثل واحدة من أكبر العقبات التي تعيق تسوية الخلافات بين البلدين  وتشمل هذه القضية خمس مناطق حدودية بما في ذلك Abyei . وفي كلمتهما أمام الدورة 77للأمم المتحدة التقليدية في سبتمبر2022 تعهد السودان وجنوب السودان بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في Abyei (UNISFA) وأكد البلدان على أهمية السلام والاستقرار في المنطقة المنتجة للنفط المتنازع عليها  .

السودان ضامن لاتفاق السلام في جنوب السودان في سبتمبر 2018 بين الفرقاء في جنوب السودان , وبالتالي فهو بهذا المعني خارج دائرة الدول أو الأطراف الداخلة في النزاع بجنوب السودان .

في الوقت الراهن تُعد العلاقات بين السودان وجنوب السودان آخذة في التحسن حيث يسافر المسؤولون في كل من الخرطوم وجوبا بانتظام بين البلدين لتبادل الزيارات والمشاركة الرسمية , وكان رئيس مجلس السيادة السوداني قد وصل مؤخرا إلى جوبا للمشاركة في التخرج الأول للقوة الموحدة اللازمة في البلاد , ومن المتوقع أن يقوم السودان بتدريب المجموعة عند انتشارها , وكمظهر لهذا التحسن قال حسين عبد الباقي أكول نائب رئيس جنوب السودان  ورئيس مجموعة الخدمات أمام اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة  في 22 سبتمبر2022 أن جنوب السودان محاط بالدول المتأثرة بالصراع , وأن جنوب السودان تسعي لتحقيق السلام كاستراتيجية لإنهاء تناقضاته السياسية الداخلية والتوسط في دول إقليمية أخرى , ,اشار إلي أنه “وكجزء من التزام جنوب السودان بتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة وخارجها فقد نجح جنوب السودان في التوسط في النزاع المسلح في السودان الذي أدى إلى توقيع اتفاق جوبا للسلام في عام 2020 في جوبا , وقال أكول إن جنوب السودان على استعداد للتوسط في الصراع الحالي بين الجيش وقوى الحرية والتغيير في السودان حتى يتمكن السودان أخيرًا من التمتع بسلام دائم  .

إن عدم إستقرار الوضع السياسي في شمال السودان والإقتراب التدريجي لجنوب السودان من حد المواجهات المسلحة علي نطاق محلي آخذ في التمدد ليصل لحد مواجهات مسلحة علي نطاق جنوب السودان أو معظمه مع تردي الوضعين الإنساني والغذائي لاشك سيؤثر علي مدي التحسن في علاقات شمال السودان مع جنوبه وربما يؤثر علي الإستقرار السياسي نفسه في شمال السودان وشرق السودان الذي لم يهدأ .

مــصــر

أشار حسين عبد الباقي أكول نائب رئيس جنوب السودان  ورئيس مجموعة الخدمات أمام اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة  في 22 سبتمبر2022إلى الجهود الدبلوماسية للتوسط وإنهاء التوترات بين مصر وإثيوبيا بعد الخلاف حول بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير, ففي الآونة الأخيرة عرض جنوب السودان أيضًا التوسط في التوترات بين مصر وإثيوبيا بسبب خلافهما حول بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير .

إن لم تمتد الأيادي الدولية لتسكين أو تسوية الأوضاع السياسية / العسكرية المهتزة والمتحيزة للمزيد من التردجي في جنوب السودان فسوف يؤثر ذلك إن عاجلاً أو آجلاً علي إمكانيات إنتفاع مصر بجنوب السودان في مواصلة مشروع إستكمال حفر قناة جونجلي وكذلك سيؤثر ذلك علاي إمكانية إستفادة الرئيس سلفا كير من بعض القدرات المصرية في تنمية مركزه السياسي والعسكري .

التأثير المحتمل لدورة حرب أهلية محتملة في جنوب السودان/ أقتراح فرض وصاية دولية :

في الدورة السابقة من الحرب الأهلية بجنوب السودان 2013 – 2018 وصلت الأمور لحد الترويج لإقتراح أمريكي لفرض وصاية من الأمم المتحدة علي جنوب السودان وسبق هذا عمل الوفد الأمريكي في الأمم المتحدة علي إستصدار قرار أممي بحظر السلاح علي جنوب السودان تصدت له روسيا والصين ودول أخري كمصر وأنجولا .

كان نص المقترح الأمريكي الذي إقترحه السفيرPrinceton Lyman وهو إقتراح غير رسمي (أعلنه علي موقع لمركز عصف ذهني) لوضع جنوب السودان تحت وصاية الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي نصه :

” إن إتفاق المشاركة في السلطة لإنهاء الصراع الذي بدأ في ديسمبر 2013 كان مُركزاً علي شخصين هما الرئيس  Salva Kiir(ينتمي لقبيلة الدنكا) و زعيم المعارضة نائب الرئيس Riek Machar (ينتمي لقبيلة النوير) وكلاهما يتحصن بكتلة من السكان وكل منهما يري أن المجتمع(القبيلة) يتهدده وجوده خطر , وقد وجدت لجنة تحقيق تابعة للإتحاد الأفريقي أن قوات  Kiir و Machar كلاهما مسئول عن القتل الذي شكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية . إن إتفاق المشاركة في السلطة بينهما فشل بصفة كارثية الآن في مناسبتين منفصلتين , أي محاولات أكثر يمكن أن يُتوقع منها فقط أن تؤدي إلي مزيد من نفس المعاناة الإنسانية الضخمة وعدم الإستقرار الإقليمي ” .

” علي كل حال هناك سبيل آخر وهو أن يُوضع جنوب السودان في غرفة الإنعاش من خلال إقامة ولاية تنفيذية للأمم المتحدة والإتحاد الأأفريقي لإدارة البلد حتي إيجاد مؤسسات تدير السياسات بغير العنف وكسر الشبكات التي تقف وراء هذا الصراع , وسيستغرق هذا الوضع من 10 إلي 15 عام , وعلي أي حال فالتخطيط في البداية يعتبر أكثر حساسية من تراكم تفويضات ( مهام حفظ السلام) لعام واحد عبر عقود , كما هي الحال في باقي مهام حفظ السلام , ووضعاً في الإعتبار الدرجة القصوي من فشل الدولة (في جنوب السودان) فإن إدارة خارجية مؤقتة تعد المسار الباقي الوحيد لحماية وإستعادة السيادة . إن ذلك من شأنه تمكين شعب جنوب السودان لأخذ زمام مستقبله بيده ويطور رؤية جديدة للبلاد . وبينما تصنف النخبة المفلسة المفترسة معنوياً بشكل سلبي مثل هذه المبادرة بإعتبارها – في نظرها – إنتهاك للسيادة , فمثل هذه النخبة ذاتها هي التي وضعت بقاء البلاد علي المحك .

وعلي غرار الإقتراح الأمريكي فقد سبق أن طرح  Pagan Amum Okiech الأمين العام لحركة الجيش الشعبي لتحرير السودان SPLM وهو الحزب الحاكم حالياً بجنوب السودان , في يوليو 2016 إقتراحاً مُشابهاً لإقتراح السفير  Princeton Lyman وأسس ذلك علي إعتقاده بأن القادة الحاليين بجنوب السودان لا إرادة سياسية لديهم لتوحيد البلاد وإنهاء الدائرة الشريرة للعنف , وأعلن من نيروبي في تصريح لإذاعة Tamazuj نُشر في 4 أغسطس 2016 أنه سيقود حملة دولية وإقليمية لفرض وصاية دولية علي جنوب السودان بإعتبار ذلك هو السبيل الوحيد لإستعادة السلام والإستقرار في أحدث دول العالم , مُوضحاً أن التدخل الأجنبي في جنوب السودان سيجبر الرئيس Salva Kiir وحلفاءه بلا شك علي التقاعد , ومن شأن ذلك أن يمنح فرصة لتشكيل حكومة إنتقالية من التكنوقراط تُشرف عليها الأمم المتحدة لتُعد البلاد للإنتخابات , وأضاف قوله ” إننا نقود حملة لشرح الموقف في جنوب السودان فلقد إنهار إتفاق السلام  وقُتل بمعرفة الرئيس Salva Kiir , والتدخل يمكن بواسطته إستعادة السلام وعند ذلك نجبر الرئيس Salva Kiir وحكومته غير الشرعية الآن للإنزواء بعيداً حتي تتاح فرصة لحكومة وطنية من التكنوقراط ” .

ولا شك في أن إستمرار الوضع علي هذا المنوال الخطر يرشح جنوب السودان مجدداً لدخول دورة جديدة من الحرب الأهلية ستأتي هذه المرة علي كل شيء ومن ثم يجعل من الكلام عن فرض الوصاية الدولية علي جنوب السودان ينتقل من مجرد الكلام النظري إلي تنفذ ىالمقترح من خلال الأمم المتحدة التي إستنفذت معظم وسائلها بجنوب السودان , لكن تظل الموانع لتنفيذ هذا المقترح في وسائل الصين وروسيا ومصر التي من شأنها إحباط هذه الإمكانية التي من شأنها لو تحققت كسر الدائرة المفرغة التي دخل فيها جنوب السودان والتي رغم أنها إمكانية مضادة لفكرة السياتدة الوطنية ولكن عن أي سيادة نتحدث وجنوب السودان قد تحطم ويتمزق بين جماعات مسلحة وأخري سياسية دائمة الخلاف علي كل شيء , إن جنوب السودان يبحث عن نهاية تعيده إلي بداية جديدة برجال جدد لا متمردين سابقين يأخذون بيده نحو دولة يديريها مدنيون بعقول جديدة , وقد يكون مقترح وضع جنوب السودان تحت وصاية دولية من قبل الأمم المتحدة مع الإتحاد الأفريقي بديلاً جديراً بالتفكير ملياً فيه بدلاً من قوات حفظ السلام الرابضة هناك وبدلاً من صفقات السلاح المشبوهة التي هي وقود حرب بلا أخلاق ولا نهاية .

الــــسفــــيـــر بــــــلال الـــمـــصــــــري

حصريا المركز الديمقراطي العربي – الـــقــاهـــرة تحريراً في 9 أكتوبر 2022

4/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى