تأليف : أ.د. عبدالكريم كامل ابو هات
نسخة “pdf”-
اتجاهات حديثة في الاقتصاد النيوكلاسيكي
الطبعة الأولى “2022″ –من كتاب: – اتجاهات حديثة في الاقتصاد النيوكلاسيكي
جميع حقوق الطبع محفوظة #المركز_الديمقراطي_العربي ولا يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو اي جزء منه أو تخزينه في نطاق إستعادة المعلومات أو نقله بأي شكل من الأشكال، دون إذن مسبق خطي من الناشر .
تقديم :
خلال الاربعين عاماً من التدريس الجامعي لم أتعاطف مع الاقتصاد النيوكلاسيكي Microeconomic لربما لعدم الرغبة الذاتية في الاقتراب منه ، أو لأني كنت أرى قصوراً في منهج التحليل النيوكلاسيكي للظاهرات الاجتماعية – الاقتصادية فتركزت عنايتي بالتحليل الماكروي Macroanalysis لما يتمتع به من فضاء رحب ، فكان العتبة التي انطلقت منها في الدراسة والبحث ، ولكن ثمة هاجس آخر قادني نحو قناعة بدأت تترسخ لدي شيئاً فشيئاً ، بأن ما من ظاهرة اقتصادية – اجتماعية ، الا وقد تراصفت مع ظاهرة اخرى وأن جزء الاقتصاد يؤثر في كله وان الكل يمارس تأثيره على الجزء ، وباعتقادنا أن هذا التراصف هو الذي جعل علم الاقتصاد ، علماً صعباً بل ومعقداً بدرجة ما ، مما يقود إلى الانعطاف عنه ، أو أنه لا يخلق أسباباً ملائمة للقبول به على الدوام .
على امتداد تاريخ تطور التنظير الاقتصادي ، كان المفكرون والمنظرون العاملون في الاقتصاد وكل من زاوية الرؤية التي يرى من خلالها الأشياء يتفحص الوجهة التي يرى أنها مناسبة للنظر إلى الأشياء فتراهم يهتمون بهذه أو تلك من المسائل قدر أهميتها ومستوى ظهورها وتأثيرها في المجتمع الاقتصادي هكذا تحول التركيز في التحليل على الظواهرالتي تسم المرحلة التاريخية بميسمها وهو ما يفسر لنا طبيعة التحولات والانتقالات في التحليل الاقتصادي ، وعند هذه اللحظة لم يكن الجدل ليثار بين الاقتصاديين قبل ظهور ما عرف بالنظرية النيوكلاسيكية ، فقبل هذا كان كل ما يحصل انما كان يتم في إطار التقليد الكلاسيكي في الاقتصاد السياسي .
في عشرينات القرن العشرين بل وقبل ذلك بقليل مع ظهور التحليل الحدي (نيوكلاسيكي) Marginal analysis تفجر الموقف في التفكير والتنظير وفي الاهتمام البحثي وتعمق أكثر مع الاقتصادي الفرد مارشال A. Marshal الذي اتخذ معه التحليل الجزئي اتجاهاً ادق تفصيلاً فانعطف بالتحليل الكلاسيكي إلى تحليل نيوكلاسيكي فصارت التحليلات النظرية تتوارى خلف المنطق السائد في البحث الاقتصادي وخلف مزيد من التخصص Specialization ومزيد من ادماج علم الاقتصاد بعلم الرياضيات ، وهو ما بات يعرف (الترييض Mathimatization ) أي استخدام الاساليب الرياضية في تحليل الظواهر الاقتصادية ، وبغض النظر عما اذا كان ذلك مفيداً على المستويين الجزئي والكلي من عدمه ، فانا نرى فيما حصل من توجه انما هو اقرب الى اعادة تفسير وفهم جديدين ، باتا بمثابة توسيع لحدود النظر والفهم والاستيعاب لمسائل البحث والدراسة مما أعطى التنظير الاقتصادي دفقاً قوياً باتجاه التخلص مما كان يشوب مناهجه البحثية من قصور ، وبالتالي توجيه التحليل ليشمل مسارات اخرى تنضاف الى ما أنجزه الاقتصاد السياسي من انجازات في ميادين التحليل لمختلف الظاهرات الاقتصادية.
لقد صار لزاماً على المتخصصين في الاقتصاد ان يستوعبوا فكرة توغل العلوم الاخرى مثل : السياسة ، الانثروبولوجيا ، السايكولوجيا ، والقانون والتاريخ والديموغرافي بل وحتى الدين والعواطف في التنظير الاقتصادي ، وان يدركوا أن ثمة اقتصاد نيوكلاسيكي جديد بدأ تشكله المتدرج ليحتوي على مقاربات تحليلية أحدث سواء أكان ذلك عل مستوى المنهجية ، أم كان على مستوى التنظير ، وهكذا بدأنا نشهد نظريات من مثل : الاختيار الاجتماعي ، والسلوكية ، والسياسة الاقتصادية ، والتغيرات المؤسسية ، بالتوافق مع طبيعة المرحلة التاريخية التي صار يعيشها العالم المعاصر ، وما كان هذا التطور إلا نتيجة للإحساس المتنامي بأهمية انفتاح الباحثين والدارسين على قضايا بدأت تشكل حيزاً جديداً بالاهتمام البحثي . من هذا المنطلق وجدنا أن المساهمة في تقديم عمل يسد بعض الفجوة القائمة في الدراسات الاقتصادية التي حجبت الرؤية السليمة للبحث في ما كان ينطوي على قليل الاهتمام من ظواهر ، إنما يمثل خطوة على طريق الإدراك السليم للنظريات الاقتصادية ولعلم الاقتصاد السياسي بشقيه . آملين أن نكون قد قدمنا خدمة متواضعة للباحثين والدارسين نجد أنها قد تقودهم إلى مزيد من التعمق بالبحث والدراسة وتسهل عليهم البحث في ظاهرات اجتماعية واقتصادية كانت إلى وقت قريب لا تجد لها مكانة مؤثرة في التفكير للاقتصاد .
وينبغي أن نشير إلى إنا فضلنا تقديم موجز تعريفي لكل مفكر اقتصادي ورد اسمه في متن البحث ، ونعتقد أنه أمر مهم لجهة أنه يعطي القارئ انطباعاً عن الجهود البحثية لعلماء الاقتصاد وتجنب (التبعيض) في الاستعارة من المصادر وهو ما درج عليه بعض الباحثينونعتقد أنه اسلوب لا يليق بالمفكرين والعلماء وبالبحث العلمي .
كما تجب الاشارة إلى أن هذا المؤلف تضمن سبعة فصول نرى أنها متساوقة مع مسارات البحث.
وفي الختام نتقدم بالتقدير والامتنان لمن أسهم في اخراجه إلى العلن ممن عملوا معي في الطباعة او التصحيح اللغوي والطباعي أو في اعادة ترتيب بعض الفقرات بشكل يظهره كلاً موحداً معبراً عن التساوق المنطقي .
- الناشر: المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية