الأفريقية وحوض النيلالدراسات البحثيةالمتخصصة

الدور الإسرائيلي الخفيّ في دعم سد النهضة

إعداد :  هناء سيد جبر – باحثة في العلاقات السياسية الدولية – ماجستير في العلوم السياسية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

المقدمّة:

إن التصارع على مياه النيل يُعَد منطقيّاً بين دول المنبع والمصَب المُتشاركة جغرافياً في مياه النيل لكن ما يدفع للغرابة هو وجود الكيان الصهيوني بين المتصارعين على مياه النيل رغم إستيلاءه على منابع مياه عربية لكن قد يُفسّر الأمر المُعاناه التي عاناها الكيان في ملف المياه وإحتياجه لإستيطان الأراضي التي يحتلّها وبالتالي هذا يُفسّر لنا أكثر ما الذي دفعه للتدخّل في سد النهضة وإمداده بما يستطيع ليكُن له عليه سُلطان. في هذه الدراسة سوف نعرف عن التدخُّلات في القرن الأفريقي وبالتالي التدخُّلات في إثيوبيا وخصوصاً تدخّلات إسرائيل وما الذي دفعها لهذا التدخُّل وكيف حدث.

سد النهضة  – بداية السد وتطوراته

مابين عامى 1956م و1964م تم تحديد موقع سد النهضه من خلال عملية مسح للنيل الازرق قام بها (مكتب الولايات المتحده للمسح والاستصلاح)؛وما بين عامى 2009 و2010م قامت الحكومه الاثيوبيه بعمل تحديد نهائي للموقع؛وفى ابريل 2011م قام رئيس وزراء اثيوبيا انذاك بوضع حجر الاساس وقال ان السد سيقلل من تحكم مصر والسودان في المياه(1)..

أعلنت إثيوبيا في فبراير 2011 عن مشروع بناء سد علي النيل الأزرق، يحمل إسم مشروع سد النهضة أو الألفية، لتوليد الطاقة الكهرومائية (بقدرة 5.250 ميجاوات) علي النيل الأزرق بمنطقة بني شنقول جوموز علي بعد نحو 20-40 كيلومترا من حدود إثيوبيا مع السودان، بتكلفة تبلغ نحو 4.8 مليار دولار(2).

يبلغ طول السد حوالى 170م وعرض 1800 متر مربع وعلى الجانب محطات توليد الطاقه الكهرومائيه؛ويتكون السد من جزئين ؛الاول:هو السد نفسه ويحتوى على حوالى 16 توربيد فرنساوى يولدون حوالى 6000 ميجا يوميا من بحيره تسع ل14.5 مليار متر كعب؛والثانى:عباره عن بوابه ناحية البحيره وظيفتها هى الاغلاق عند زيادة سعة البحيره عن 14.5 مليار متر كعب.

كان من المتوقع ان يتم الانتهاء من  تنفيذ هذا السد مع نهاية يوليو 2017م ؛ولكن لم يكتمل بسب عرقلة مصر والسودان له بلاضافه الى ضعف التمويل والتى قالت اثيوبيا ان مصر تمنع الدول المانحه من التمويل.

من اجل اتمام هذا السد بسرعه هائله وفرت اثيوبيا حوالى 12000 وظيفه بالاضافه لتسكين حوالى 20000 فى المنطقه المحيطه بالمشروع؛وقامت بعمل مهبط لطائرات صغيره لسرعة النقل(3).

أسباب بناء السد وأهميته

تُواجه أثيوبيا مشاكل كثيرة مرتبطة بالكهرباء والزراعة وغيرها ممّا دفعها لإنشاء مشاريع السدود والتي ترى أنّها ستُساهم في حل هذه المشكلات. والواقع أن مقدار الطاقة الكهربائية في إثيوبيا محدود ، حيث عاش حوالي % ۸۳ من الشعب الإثيوبي بدون كهرباء حتى نهاية ۲۰۱۰ ، وفي ذلك العام حدثت طفرة كبيرة في كمية الطاقة الكهربائية المولدة ، حتى بلغت خمسة أضعاف ما كان موجودا منها في بداية الألفية الجديدة ، ومع ذلك تحتل إثيوبيا في الوقت الحاضر المرتبة ۱۲۷ من ۲۱۳ دولة على مستوى العالم في مقدار استهلاك الكهرباء(4).

أما بالنسبة للزراعة فإن الزراعة هي المصدر الأول للاقتصاد الإثيوبي ، ولدى إثيوبيا مسلحة شاسعة قابلة للزراعة مقدارها يزيد عن 60 مليون هكتار ( حوالي 150 مليون فدان ) ، وتبلغ المساحة المنزرعة منها 15 مليون هكتار فقط ، ۹۹ % منها تقوم على الأمطار ، وهي منخفضة الإنتاجية ، وبسبب الجفاف الذي ضرب إثيوبيا في آخر سبعينيات وخلال ثمانينيات القرن الماضي وضعت إثيوبيا خططا لزراعة مساحات أوسع من الأراضي(5).

لذلك ترى أثيوبيا أنّ بناء السدود سوف يساعدها في تطوير مشاريع الكهرباء في المقام الأول والزراعة كُلّما أمكن الأمر لكن مع ذلك يرى البعض أن أثيوبيا تريد السيطرة على منابع النيل كي تكون هي الفاعلة الأولى في حوض النيل وتزيد من قوّتها إقليمياً.

التدخلّات في القرن الأفريقي – أشكال التدخلّات في القرن الأفريقي

القرن الأفريقي هي المنطقة الواقعة على رأس مضيق باب المندب من الساحل الأفريقي، وهي التي يحدها المحيط الهندي جنوبًا، والبحر الأحمر شمالًا، وتقوم عليه حاليا: (إرتريا، جيبوتي، الصومال، أثيوبيا) ويضيف فيها بعض الجغرافيين (السودان وكينيا) بسبب التداخل الحدودي والقبلي.

والولايات المتحدة الأمريكية منذ عهد الرئيس “بيل كلنتون” وسَّعت حدود القرن الإفريقي – تحت مسمى القرن الإفريقي الكبير- ليشمل عشر دول، تمتد من إرتريا شمالًا وحتى تنزانيا جنوبًا، ليضم أثيوبيا وإرتريا وكينيا وأوغندا وتنزانيا والصومال والسودان وجيبوتي ورواندا وبورندي, ولحقت بهم دولة جنوب السودان عقب انفصالها في 2011م.

وهناك من وسع من نطاق المفهوم ليدخل دولا من خارج الإقليم، بحيث يتعدى الحدود الإقليمية للمنطقة، ليضم دولا مثل: اليمن والسعودية بحكم القرب الجغرافي والتواصل السكاني والتأثير والتأثر، وقد قام وزير الدولة الفرنسي للشئون الخارجية حينها “أوليفيه سيترن” في عام 1981 بتوجيه الدعوة إلى كل من السعودية واليمن إضافةً إلى دول القرن الإفريقي لعقد مؤتمر إقليمي يهدف إلى حل مشكلات المنطقة.

تمتد مساحة القرن الأفريقي ما يقرب (2.000.000) كم2 وعدد سكانها يفوق (200) مليون نسمة ، بتركيبة تتميز بتعدد اثني ولغوي وديني (المنطقة تعدّ موطنا لنحو (340) لهجة ولغة ) , ويفوق عدد المسلمين فيها نسبة 60 % ( 6 )

ظلّ القرن الأفريقي تاريخيًا ساحة صراع دولي سواء في فترات الاحتلال الغربي أو فترة الحرب الباردة وما بعدها فقد عملت القوى الكبرى على التواجد بها ويمكن الوقوف على ذلك من خلال الفقرات التالية

(الولايات المتحدة) يعتبر تواجد أمريكا في المنطقة قديمًا وقد عملت على تأكيد تواجدها بالمنطقة حديثًا إذ وقّعت اتفاقا مع جيبوتي عام 2003 لاستخدام المنشآت العسكرية وإنشاء قاعدة «ليمونييه العسكرية» في حملتها ضد ما تسميه (الإرهاب)، وجددت الاتفاقية الخاصة بالقاعدة في مايو 2014، وذلك بخلاف دعمها لإثيوبيا وبعض الدول المجاورة لمنطقة القرن الأفريقي مثل كينيا، ومن أجل بسط واشنطن سيطرتها وإعادة ترتيب التوازنات والتحالفات الإقليمية أطلقت مشروع القرن الأفريقي الكبير.

(فرنسا) أبرمت اتفاقًا مع جيبوتي في 2011، تدافع بموجبه باريس عن وحدة وسلامة أراضي جيبوتي، إضافة لوجود قاعدة عسكرية أساسية لفرنسا في جيبوتي منذ مائة عام.

(الصين) بادرت من جهتها إلى اعتبار باب المندب والبحر الأحمر من أهم الروابط البحرية في تجارتها، وأحد أهم أضلاع تقوية طريق الحرير الجديد لحماية سفنها والتواصل المباشر مع إفريقيا الجنوبية، وذلك ببناء قاعدة تضم عشرة آلاف جندي بدأ الترتيب لها منذ العام 2017م.

(اليابان) بعد تبني عقيدة «السلام الاستباقي» بادرت إلى تأكيد مكانتها على الساحة الدولية، والاستعداد لمواجهة التهديدات التي تحيط بسفنها في البحر الأحمر، حيث فتحت قاعدة عسكرية في جيبوتي منذ عام 2010 م، وتنقل السفن اليابانية جُلَّ بضائعها عبر البحر الأحمر، ويعود إليها الإشراف على 10 % من النقل البحري في المنطقة، حيث تسعى طوكيو إلى مزاحمة النفوذ الصيني المتصاعد في أفريقيا.

(روسيا) عمدت إلى اتباع سياسة نشطة للعودة إلى إفريقيا وخاصة منطقة القرن بعد تنامي التنافس مع المحور الأمريكي الأوروبي، جيبوتي رفضت عرضًا روسيًّا لتأسيس قاعدة لها في البلاد نتيجة للضغوطات الأمريكية والأوروبية.

(الكيان الصهيوني) تعتبر منطقة القرن الأفريقي جزءًا من نطاق أمنها الحيوي، فعملت على إقامة علاقات أمنية وعسكرية مع إفريقيا عامة وخاصة إثيوبيا منذ ستينات القرن الماضي، وشهدت مؤخرًا زيارة رئيس وزراء الكيان «بنيامين نتنياهو» في يونيو 2016 م تعد الأولى منذ (50) عامًا، وذلك لبحث تعزيز التجارة والاستثمار ومناقشة القضايا الإقليمية، زيارة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة شملت أيضًا توقيع اتفاق مع كينيا لمساعدتها في التصدي لحركة الشباب الصومالية، وتتواجد دولة الاحتلال في جزيرتي «دهلك» و«فاطمة» الإرتريتين، وتقيم مراكز رصد على البحر الأحمر تستهدف السعودية والسودان واليمن، وتقيم في «دهلك» أكبر قاعدة بحرية لها خارج حدودها، وقد وقعت إرتريا اتفاقية أمنية مع الكيان في 1996 تسمح لـ«الموساد» بحرية الحركة داخل إريتريا مقابل التزام الاحتلال بتوفير احتياجات أسمرا في المجال الدفاعي والأمني.

(تركيا) سعت أيضًا للتواجد في العمق الإفريقي لتعزيز نشاطها الاقتصادي والسياسي ونفوذها العسكري، وقد أعلنت الحكومة التركية 2005م عامًا للانفتاح على إفريقيا ليكون 2008م عامًا للتحالف الاستراتيجي مع أفريقيا، وترنو تركيا لأن يصل حجم التبادل التجاري مع إفريقيا ل (50) مليار دولار عام 2023م، والجدير بالذكر أن الاستثمارات التركية في إثيوبيا هي الأكبر في دول جنوب الصحراء في القارة الإفريقية، كما تمدد التمثيل الدبلوماسي لعدد (47) دولة، وقد زادت حجم المساعدات الرسمية لإفريقيا خلال الفترة الماضية بنسبة كبيرة وفي مجالات متعددة، وقامت ببناء قاعدة عسكرية تركية في الصومال بجانب كلية عسكرية لتدريب الضباط الصوماليين، كما افتتحت أكبر سفارة لها في العالم على مساحة 80 ألف متر مربع في مقديشو وتساهم تركيا بشكل كبير في بناء وإعادة مؤسسات الدولة الصومالية، وعقدت اتفاقيات وتفاهمات مع السودان لتطوير ميناء سواكن اقتصاديا وعسكريا.

(إيران) اتبعت سياسة نشطة في إفريقيا عامة والقرن الإفريقي خاصة، من خلال إبرام الشراكات الاقتصادية وتحقيق اختراقات ثقافية (نشر التشيع) بجانب تعزيز وجودها العسكري، حيث تمكنت من بناء قاعدة بحرية عسكرية في إريتريا، ومركز لتموين سفنها، إضافة لتدريبها عناصر من الحرس الثوري والميليشيات التابعة لها في إريتريا، وكان النظام الإرتري حلقة وصل ودعم عسكري للحوثيين في اليمن في انقلابهم على حكم عبد ربه منصور هادي، ولكن تطورت الأمور بشكل مختلف بعد إعلان التحالف العربي وعاصفة الحزم، ووقفت إرتريا مع المحور الخليجي على حساب الجانب الإيراني، وعمومًا لا زال التواجد الإيراني في المنطقة بالرغم من التراجع النسبي ووجود المزاحمة.

(الدول العربية) تميز الدور العربي بالضعف!! ليس فقط في القرن الإفريقي ولكن في عموم القارة، وخاصة الدور المصري، إذ فشل في الحفاظ على النفوذ المصري الإفريقي التاريخي، بل أصبح مهددًا في أمنها المائي من قبل إثيوبيا، بالمقابل تنامي الدور الخليجي في القرن الأفريقي بعد أن أدركت مؤخرًا أهمية المنطقة ودورها في كبح جماح التمدد الإيراني، فالسعودية سعت للاتفاق مع جيبوتي على بناء قاعدة عسكرية لها، ودعم إثيوبيا في مشاريعها الكبرى، وعلى رأسها بناء السدود كما صرح وزير الإعلام الإثيوبي مؤخرًا، والإمارات هي الأخرى بجانب تواجدها الاقتصادي تقدم دعمًا أمنيًّا وعسكريًّا لدول القرن الإفريقي في مواجهة التوجهات الإسلامية في المنطقة، وقد وقّعت عقد إيجار لمدة ثلاثين عامًا على ميناء عصب الإرتري، واستفادت من ذلك في التواجد العسكري واللوجستي في حرب اليمن الجارية مع أنها خسرت علاقاتها وتواجدها في الصومال وجيبوتي، ولكنها عوضت ذلك بتطوير علاقاتها مع إثيوبيا في الآونة الأخيرة.

كما وافقت دول مجلس التعاون الخليجي على تقديم دعم مالي ومساعدات، والتعهد بتطوير مطار أسمرا الدولي، وزيادة إمداداتها من البترول والغاز الطبيعي.

وكان لهذا التموضع العربي في كل من ميناء عصب، وقاعدة عصب الجوية في إريتريا أثر كبير في نجاح القوات اليمنية وطرد الحوثيين من عدن في إطار «عملية السهم الذهبي»، وهو ما أمّن طريقًا بحريًّا بين مينائي عدن وعصب

أسباب التدخلّات في القرن الأفريقي :

إن أسباب التدخّل في القرن الأفريقي تكمُن في أهميّته جغرافياً واستراتيجياً وسياسياً.

– تبرز الأهمية الجغرافية للقرن الأفريقي من ميزتين بارزتين؛ الأولى بحرية، وتتمثل في إشرافه على بحر العرب، والبحر الأحمر، والمحيط الهندي، واشتراكه مع اليمن في الإطلالة المباشرة على خليج عدن، ومضيق باب المندب. والثانية تتحدد بالمساحة البرية، التي تمثل هي الأخرى نقطة الانطلاق من المياه الدافئة إلى البر، وصولا إلى قلب أفريقيا، فيتحقق بفضله الترابط بين البر والبحر معا. لذا، نجد أن الصراعات الاستعمارية كانت محتدمة حوله لقرون عديدة بغية السيطرة عليه، أو الفوز بموطئ قدم لها فيه، الأمر الذي جعله منذ القدم، ، أي منطقة القرن الأفريقي، دائما تحت رحمة المتنافسين، وقد استمر الأمر إلى يومنا هذا.

الثابت في صراع القرن الإفريقي أنَ الاستعمار الأوروبي أو الغربي، كمحرك دولي لتاريخ الأحداث، قد ساهم بتكالبه وتعاقبه على احتلال دول المنطقة في خلق أوضاع هشة ومتفجرة فيها، حتى لا يستقر لها شأن، ولا يتعزز لها سلطان على أقدارها، فتظل محمية لعبور مصالحه بضعفها وبحمايته، فعمد عند مغادرته لأفريقيا إلى خلق بؤر تتناسل منها هذه الصراعات، وأشعل نيران فتن لا تنطفئ إلا ليتأجج أوار لهيبها من جديد، وساعد على إمكانية نشوب حروب، كلما واتته الرغبة وكانت له المصلحة في ذلك..

فمنذ القرن الخامس عشر والدول الغربية ترابط قريبة من منطقة القرن الأفريقي وتأبى مغادرتها، وذلك لأهميتها الإستراتيجية وإطلالها على طرق التجارة الدولية البرية والبحرية، بل أنَ الصراع بين هذه الدول الأوروبية الاستعمارية على النفوذ في هذه المنطقة قد عكس نفسه على زيادة حدة الصراع وتجدده في كل القارة الإفريقية، فلا الدول الغربية غادرت عقلية الطامع، ولا الأفارقة تهيأ لهم الاستقلال بقرارهم عن عواصم القرار الغربية، فزادت أزماتهم وضعفهم، وتفشى فسادهم وفقرهم، الأمر الذي أوجد مبررا وحججا سياسية وأخلاقية للتدخلات الأجنبية..

أما الآن، فقد تصاعد الاهتمام الدولي والإقليمي بمنطقة القرن الأفريقي بصورة ملحوظة وفق منظورات جديدة، تتجاوز أهمية هذه المنطقة الجغرافية باعتبارها منطقة ربط للتجارة الدولية وتشرف على مناطق إنتاج ونقل البترول، لتعكس حقيقة سياسات الهيمنة والنفوذ النظام الدولي الجديد التي وضعت بعد نهاية الحرب الباردة. لهذا، أعادت الولايات المتحدة الأمريكية صياغة تصوراتها حول منطقة القرن الإفريقي من الناحية الجيواسترإتيجية، بمفهوم لا يلغي الميزات القديمة وإنما يضيف إليها أبعادا وموضوعات متعدية لحدود التعريفات التقليدية، فتم في هذا السياق إعادة تشكيل مصطلح القرن الإفريقي الكبير ليعبر عن المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية والإستراتيجية للدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، في شمال شرق إفريقيا‏,‏ بالإضافة إلى منطقة البحيرات العظمى. ودفعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، ببعض مدارس التفكير الغربي إلى التوسع في استخدام مفهوم القرن الإفريقي ليشمل اليمن، وربما يتمدد ليطال بلدان الخليج العربية‏، خاصة إذا ظلت الحرب على الإرهاب من الموجهات الأيديولوجية لهذه الإستراتيجية الجديدة.

وهكذا، لعبت الأهمية الإستراتيجية للقرن الإفريقي، وكذلك الأسباب الثقافية والسياسية الأخرى، دورا كبيراً في زيادة التدخلات الدولية من أجل السيطرة والنفوذ، وهو ما شكل إلى حد كبير تطور الأحداث التاريخية ومآلاتها في المنطقة‏.‏ بيد أن درجة ومستوى هذه التدخلات تباينت عن الفترات الحديثة‏,‏ ولا أدل علي ذلك من أن القرن الإفريقي ارتبط ارتباطا وثيقا بالصراع العربي الإسرائيلي، مما أدرجه، في تقديرات بعض المحللين والمراقبين، في منظومة الشرق الأوسط..

وقد اجتذبت صراعات المصالح قوى دولية أخرى على رأسها الصين، وروسيا، وإيران، والهند، واليابان، إضافة إلى القوى الغربية ذات المصالح التقليدية، وإسرائيل. كما أسهمت حدة التنافس الدولي على الثروة والنفوذ وكثرة اللاعبين الدوليين وانهيار الدولة الصومالية ومستجدات الإرهاب والقرصنة، في إضفاء مزيد من الإشكاليات على مجمل التعقيدات التي تعتور منطقة القرن الأفريقي..

لا يختلف اللاعبون الجدد في منطقة القرن كثيرا، في نزعتهم وأهدافهم، عن القدامى، لأن غالبهم هم ذات الدول التي كانت في منطقة القرن الأفريقي باسم التنوير أو الاستعمار أو صراع النفوذ، ولكنهم يمارسون تدخلاتهم بمسميات وتحت شعارات جديدة (8)..

-منطقة القرن الإفريقي خضعت في التاريخ المعاصر للاستعمار الأوروبي طمعًا في السيطرة على ثرواتها الهائلة من النفظ والغاز والذهب والفضة واليورانيوم، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي للممرات المائية وربطها بين البحر الأحمر والمحيط الهندي.

ومن هنا تأتي الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي والتي تعد واحدة من أهم المناطق الإستراتيجية في العالم، وتستند هذه الأهمية إلى عدة اعتبارات أهمها:

أنها تشرف على خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، وهي ممرات مائية لها أهميتها التجارية والعسكرية خاصة بعد افتتاح قناة السويس عام 1869.

باكتشاف النفط والغاز في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج وإيران والاعتماد على البحر الأحمر لنقله إلى الغرب، أصبحت منطقة القرن الإفريقي منطقة مصالح حيوية باتت (تتحكم في طريق التجارة العالمي، خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج والمتوجهة إلى أوربا والولايات المتحدة).

تُعد ممرًّا مهما لأي تحركات عسكرية قادمة من أوربا أو الولايات المتحدة في اتجاه منطقة الخليج العربي وشبه القارة الهندية.

القرن الإفريقي سواء بحدوده الضيقة أو الواسعة، يعتبر منبعًا لنهر النيل؛ حيث تحصل مصر على 85% من حصتها السنوية من هضبة الحبشة، و15% من البحيرات العظمى.

لا تقتصر أهمية القرن الإفريقي على اعتبارات الموقع ( الموانئ والجزر فحسب)، وإنما تتعداها للموارد الطبيعية، خاصة البترول الذي بدأ يظهر في الآونة الأخيرة في عدد من دول المنطقة السودان / الصومال.

منطقة القرن الإفريقي تعتبر ذات أهمية استراتيجية بالغة للمنطقة العربية وتشكل عمقًا استراتيجيًّا لها نتيجة الجوار الجغرافي والتداخل البشري، وعلاقات القربى والتفاعل التاريخي والحضاري، ولارتباطها المباشر بأمن الحرمين الشريفين وبالأمن القومي العربي بشكل عام، وتأثيرها في المصالح الحيوية لبعض الأطراف العربية على وجه الخصوص , مصر نموذجاً (9).

تدخلّأت إسرائيل في القرن الأفريقي  – أشكال التدخُّل الإسرائيلي في القرن الأفريقي:

لا يمكن فهم الاهتمام الإسرائيلي بالقرن الأفريقي إلا في إطار الاهتمام بالقارة الأفريقية، ويعود الاهتمام الإسرائيلي بأفريقيا إلى ما قبل قيام الكيان الإسرائيلي نفسه، فللصهيونية مشروع متكامل ورؤية محددة لأفريقيا وعمر المشروع الصهيوني في أفريقيا لا يقل عن عمر المشروع الصهيوني في أمريكا وأوربا، ولم تنقطع صلة الصهيونية بأفريقيا عبر التاريخ إذ تعرف اليهود على أفريقيا عبر البحر الأحمر وعبر النيل كما كان لهم دور في دولة مروي التي تحالفت مع اليهود ضد الآشوريين في القرن الثامن قبل الميلاد، وبرزت أفريقيا كأولوية في جدول أعمال الصهيونية مع بداية اليقظة الصهيونية المعاصرة حيث شكلت حضوراً في عقول رواد  المشروع الصهيوني الأوائل مثل ثيودور هرتزل وحاييم وايزمن (10).

ونتيجة للنفوذ الصهيوني في المؤسسة السياسية البريطانية آنذاك فقد جرت المفاوضات بين وزارة المستعمرات البريطانية والحركة الصهيونية والتي طرحت فيها إقامة وطن استيطان يهودي على أرض يوغندا وتشمل معها كينيا إلا أن هذه الخطة واجهت معارضة شديدة من قبل بعض القيادات الصهيونية، ثم اقترحت خطة توطين يهود اليمن ويهود روسيا في السودان ، وقد قدمت الدول الاستعمارية الأوربية تسهيلات كبيرة لليهود في تلك الفترة بحكم أن الدول الأفريقية قبل استغلالها كانت مستعمرات تابعة لها، وشغل بعض اليهود في تلك الفترة مناصب رسمية في الإدارة الاستعمارية التي كانت تحتل معظم أجزاء القارة الأفريقية (11).

وبعد قيام دولة إسرائيل فقد مهد الاستعمار الغربي الطريق أمام إسرائيل فأفسح لها المجال للقيام بنشاط واسع وبناء أسس قوية لعلاقاتها مع الدول الأفريقية فتمكنت إسرائيل أثناء وجود السلطة الاستعمارية وبتشجيعها من دراسة الظروف المختلفة للقارة مما سهل عليها فور إعلان استقلال الدول الأفريقية سرعة اقتحامها والتغلغل فيها وقد ساهمت كل من بريطانيا وفرنسا بدور كبير في تمهيد الطريق للتغلغل الإسرائيلي في المستعمرات الأفريقية التي كانت تحت سيطرة كل منها  (12).

أسباب التدخُّل الإسرائيلي في القرن الأفريقي :

شكلت منطقة ” القرن الأفريقي ” أهمية في السياسة الخارجية الإسرائيلية ، ولذلك تبني صانعوا القرار السياسي الإسرائيلي سياسات خاصة بالتعامل مع تلك المنطقة وفق خطط وأهداف محكمه للتغلغل داخلها ، إذ تعد المنطقة موقعا استراتيجيا هاما لوقوعها على شواطئ البحر الأحمر من جهة ، ومضيق باب المندب وخليج عدن من جهة أخرى ، مما يمهدها للارتباط بمنظومة الأمن القومي الإسرائيلي ، لاسيما وان دولها تمثل قوة تصويتية في المحافل الدولية لاسيما للهيئة العامة للأمم المتحدة ، مما يتيح للدبلوماسية الإسرائيلية الفرصة في الضغط والتأثير على قرارات الهيئات الدولية ، وفي الوقت نفسه فك طوق العزلة السياسية التي تفرضها عليها الدول العربية من خلال کسب تلك الأصوات (13).

إذ تنظر ( إسرائيل ) إلى تلك المنطقة وأقطارها الدولية على أنها أقطار متخلفة وقابلة لغزوها اقتصاديا واستثمار مواردها ، مما سيؤثر ايجابيا على قوتها الاقتصادية ، لذا سنحاول التركيز على أهم أهداف السياسية الإسرائيلية في منطقة القرن الأفريقي على النحو الآتي : أولا : الأهداف الأمنية والإستراتيجية : يرجع الاهتمام الإسرائيلي بالقرن الأفريقي بصفته أهم موقع استراتيجي امني منذ تأسيس ( إسرائيل ) في قلب المنطقة العربية ، إذ تدخل المنطقة فيما يسمى بالمجال الحيوي والاستراتيجي ” الإسرائيل ) ، طبقا لما حدده رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ” أرئيل شارون ” أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي بتاريخ ( ۱۲ كانون الثاني ۱۹۸۲ ) ، حينما كان وزيرا للدفاع ، إذ قال ” من اجل أقامة دولتنا الكبرى ذات الهوية اليهودية النقية كقوة إقليمية في المنطقة يجب علينا تأمين دائرة المجال الحيوي لها، وهي المنطقة التي تضُم مصالح إسرائيل الإستراتيجية، وتشمل جميع العالم العربي المتاخمة، فضلاً عن إيران وتركيا وشمال شرق وشرق أفريقيا (14)

وتستطيع أن نفسر مدى حرص ( إسرائيل ) على التعاون الاستراتيجي بينها وبين دول القرن الأفريقي ، وسعيها للتغلغل داخل المنطقة ، وفرض الهيمنة عليها ، لما تشكله المنطقة من أهمية قصوى في الحفاظ على منظومة الأمن الإسرائيلي (15) لذا عملت ( إسرائيل ) من خلال تواجدها في المنطقة وللحفاظ على أمنها القومي على :

١- تامين البحر الأحمر ومدخلة الجنوبي ( مضيق باب المندب ) . أدركت ( إسرائيل ) أهمية البحر الأحمر ككل ومضيق باب المندب كجزء ، ولذلك فهي تبذل قصارى جهدها للسيطرة على ذلك الممر المائي والتحكم فيه ، فلإسرائيل أهدف خاصة في البحر الأحمر ، إذ تقع على سواحله ( 6 ) دول عربية ودولتان غير عربية ( إسرائيل واريتريا ) ، ومن هذا المنطق فانه يرتبط ارتباطا عضويا بمنظومة الأمن الإسرائيلي ، ويشكل خطرا على مصالحها الإستراتيجية التجارية والاقتصادية (16) إذ نال البحر الأحمر أهمية متزايدة في إستراتيجية ( إسرائيل ) الأمنية بعد حدثين هامين هما ( 17 )

أ- حرب حزيران ( ۱۹۹۷ ) ، إذ حصلت ( إسرائيل ) علی مساعدات عسكرية عبر البحر الأحمر

ب- حرب تشرين الأول ( ۱۹۷۳ ) ، إذ عانست ( إسرائيل ) من فرض الحضر عليها من قبل البحرية المصرية بإغلاق مضيق باب المندب في وجه مصالحها مما جعلها تتبنّى سياسة بحرية خاصة بهذا المنفذ وعملت على(18):

نشر قوات بحرية قادرة على مواجهة أي تهدیدات جديدة .

– إقامة تعاون بحري كامل مع الأسطول الأمريكي الخامس في الخليج العربي والأساطيل الغربية الأوربية المنتشرة في الخليج والبحر الأحمر والمحيط الهندي . وقد ماعدها في ذلك تواجدها في دول القرن الإفريقي ( اريتريا ) على وجه الخصوص في إحكام سيطرتها على المناطق والجزر الإستراتيجية في البحر الأحمر من خلال نشر قواتها البحرية على امتداد الشواطئ الإريترية ، وإحكام سيطرتها على مضيق باب المندب من خلال نشر قواتها المشتركة البحرية في ميناء ” مصوغ ” الأرتيري .(19)

– الحد من الانتشار المتزايد للحركات الإسلامية في منطقة القرن الأفريقي . تنظر ( إسرائيل ) بخطورة بالغة إلى تنامي المد الإسلامي في منطقة القرن الأفريقي ، لذلك تعمل على تعميق تحالفاتها مع الدول التي تدين بالديانة المسيحية في المنطقة ، محاولة منها للوقوف أمام هذا المد المتزايد ، وهي تسعى من جراء ذلك إلى تحقيق هدفين : أن تقدم ( إسرائيل ) نفسها للولايات المتحدة الأمريكية وللدول الغربية على أنها المدافع الأول عن القيم الديمقراطية ومكافحة الإرهاب الدولي ، من خلال مواجهتها للحركات الإسلامية في المنطقة . ب ، تعد ( إسرائيل ) أن تمدد تلك الدول الإسلامية في القرن الأفريقي خطرا يهدد أمنها القومي ، فقد تطلعت ( إسرائيل ) لحماية مصالحها وأمنها القومي من أي محاولات خارجية الاختراقه من خلال تامین منطقة القرن الأفريقي بشكل عام .(20)

ولعلّ أسباب التدخُّل لم تقتصر على المخاوف الأمنية وحدها بل رأت إسرائيل إن هذا التدخُّل يمنحها إمتيازات سياسية ودبلوماسية أيضاً .

تسعى ( إسرائيل ) إلى الخروج من عزلتها السياسية والحصول على المزيد من الشرعية الدولية ، وإقامة علاقات دبلوماسية مع اكبر عدد ممكن من دول القرن الأفريقي ، كمدخل للقيام بنشاطات أخرى أمنية وسياسية واقتصادية ، كوسيلة لنفي الصورة العنصرية عن ( إسرائيل ) ( 21 )

. وفي الوقت الذي كانت أغلب دول القرن الأفريقي تخضع للاستعمار الغربي ماعدا أثيوبيا – كانت المنطقة بمثابة منطقة مجهولة بالنسبة للدبلوماسيين الإسرائيليين ، وقد انتبهت السياسية الإسرائيلية لتلك الدول ( بعد استقلالها ) بعد أول حدث واجهته الدبلوماسية الإسرائيلية في الأمم المتحدة وهو قرار التقسيم عام ( ۱۹۶۷ ) ، إذ أبدی الإمبراطور الأثيوبي ” هيلا سلاسي ” تعاطفا مع ( إسرائيل ) خلال جلسات المناقشة والتصويت على خطة التقسيم. (22)

وقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ” ديفيد غورین ( ۱۹۹۰ ) ، على ضرورة التحرك اتجاه تلك الدول في قوله : ” أن الدول الأفريقية ليست قوية ، ولكن أصواتها في المحافل والمؤسسات الدولية تعادل في قيمتها أصوات أمم أكثر قوة وتأثيرة في العالم بأسره (23) .

وقد كان هذا الإدراك الإسرائيلي يأتي دوما في سياق وعيها بحقيقة أبعاد الصراع العربي الإسرائيلي ومدى أمكانية الاستفادة من الدور الأفريقي في هذا المجال (24).

لا يقتصر أسباب وأهمية القرن الأفريقي بالنسبة لإسرائيل في الحدود الجغرافية والأمنية والدور السياسي والدبلوماسي وحسب بل إنّ الإقتصاد يُمثّل دافعاً قويّأً وسبباً منطقي لتدخّلها في القرن الأفريقي فإن كل محور من تلك الأسباب والأهداف يخدم الاخر فنجد الاتي : (25)

1- أن كسب دول المنطقة المستفيدة من المساعدات الإسرائيلية وازدياد الاعتماد على الخبرة الإسرائيلية فيها ، يضع الطرف الأفريقي في حرج مادي أذا أراد اتخاذ موقف معادي لإسرائيل

۲- أن المنطقة توفر لإسرائيل ميدانا واسعا لتشغيل عدد كبير من الخبرات الفنية الفائضة عن حاجتها ، وترجع هذه الظاهرة إلى استفادة ( إسرائيل ) من الهجرة اليهودية الواسعة من الدول المتقدمة صناعيا

٣- القرن الأفريقي يوفر الخامات التي تعد إسرائيل في أمس الحاجة إليها في صناعاتها ، ولاسيما خام الألماس الذي أصبح مادة رئيسية في الصناعات الإسرائيلية ، فضلا عن ذلك ، فان بعض المشروعات الاقتصادية المشتركة تمد الاقتصاد الإسرائيلي بالمواد الأولية التي يحتاجها بأسعار رخيصة جدا

4- أن النمو الصناعي الإسرائيلي للحفاظ على تقدمه يتطلب أسواق جديدة ، تسمح بالانتقال إلى الإنتاج الأكبر ، وما يترتب على ذلك من زيادة في الربح ، والقرن الأفريقي يمثل ربحا حقيقيا لقربة الجغرافي و أي نجاح يحققه الاقتصاد الإسرائيلي يعني خطوة في طريق كسر طوق المقاطعة الاقتصادية العربية المفروضة على ( إسرائيل ) وبالتالي يترتب عليه فرض الوجود الإسرائيلي في المنطقة العربية.

التدخُّل الإسرائيلي في سد النهضة

  • كيف تدخّلت إسرائيل في سد النهضة

عندما أدركت إسرائيل حاجتها الماسّة لدول حوض النيل وخاصة دول المنبع التي تُمثّل ورقة ضغط على مصر والدول العربية إتخذت من التدخّلات السياسية والإقتصادية والعسكرية سبيلاً للسيطرة على مياه النيل والإستفادة منها وقد ظهر هذا التدخّل سياسياً في إتفاقية عنتيبي ودعمها للموقف الدولي لإثيوبيا في الملفات المختلفة.

جاءت اتفاقية عنتيبي والتي وافقت عليها معظم دول المنبع، ووَقَّعَتْ عليها في عام 2009م والتي سيطرت فيها إثيوبيا بشكل كبير بقيادة رئيس الوزراء زيناوي على ملف حوض النيل، وقد كانت من أشد الدول المواجهة لمصر وحقوقها التاريخية، وقد كان هذا التشدد بدعم من إسرائيل والتي مارست ضغطًا على بقية دول الحوض ودول المنبع بوجهٍ خاص، مما يزيد من الإشكاليات بين دول الحوض، وبما يحقِّق لها مصالحها المائية والسياسية المخطَّط لها في الاستراتيجية الإسرائيلية (26).

يُعَدُّ بناء سد النهضة من التطورات الأساسية التي ساهمت فيها إسرائيل من خلال التمويل المالي لإثيوبيا، ومن خلال الدعم السياسي لإثيوبيا في مواجهة المنظمات الدولية، وتدعيم موقفها في العلاقات الدولية، مما ترتب عليه العديد من الإشكاليات بين دول المنبع والْمَصَبّ، وتزايد حدة الصراع على مياه النيل، وخاصة في ظل المعارضة الإثيوبية وبقية دول المنبع للمطالب الخاصة بدول الْمَصَبّ في مياه النيل (27).

يتضح من الدراسات العديدة التي تناولت الوجود الإسرائيلي السياسي في إفريقيا أنها سعت بشكل جدّي لممارسة تأثيرها السياسي على دول حوض النيل بما يحقّق مصالحها وأهدافها, وبالتالي تدخلت سياسيًّا في إثيوبيا، وأقامت معها العلاقات الودية والدبلوماسية، وغيرها بما يدعم مكانتها، ويؤثر على قضية المياه بين دول الحوض، ويهدد أمن ووجود دول الْمَصَبّ, وقد تمثل تدخل إسرائيل سياسيًّا في إثيوبيا في تأثيرها على الاتفاقيات المُبْرَمَة بين دول الحوض والضغط على دول المجرى لتهديد مصالح دول الْمَصَبّ مثل اتفاقية عنتيبي, بالإضافة لتمويلها ومساعدتها لإثيوبيا في بناء السدود، مثل مساعدتها ومساهمتها في بناء سد النهضة (28).

وقدَّمت إسرائيل لإثيوبيا العديد من المساعدات الاقتصادية؛ نظرًا للأهمية الاستراتيجية لتلك الدولة لدى إسرائيل, وقد بدأت تلك المساعدات التي قدمتها إسرائيل منذ عقد التسعينيات، سواءً في ظل وجود علاقات دبلوماسية بين الدولتين أو حتى في ظل انقطاع تلك العلاقات.

كما تنوَّعت المساعدات ما بين المساعدات في النواحي الزراعية والتنموية والفنية والصحية أيضًا, وقد برَّرت إسرائيل هذه المساعدات تحت مسميات الدولة ذات الأولوية في تلقي المساعدات التكنولوجية والاقتصادية (29).

لقد سعت إسرائيل بشكل كبير لتمويل إثيوبيا في بنائها للسدود على مجرى نهر النيل؛ وذلك لتحقيق أهدافها المائية في نهر النيل, ومن أهم تلك التمويلات ما قدَّمته إسرائيل لبناء سدّ النهضة الإثيوبي, والتمويل لغيره من السدود على مجرى النيل في إثيوبيا, كما قدمت إسرائيل الدعم الفني وذلك بإرسال الخبراء والفنيين لإثيوبيا للمساعدة في عمليات البناء والاستشارات والخبرات بشأن إنشاء السدود, فقد وصل عدد الخبراء الإسرائيليين في إثيوبيا إلى ما يصل إلى 400 خبير على الأراضي الإثيوبية؛ وذلك لإجراء الأبحاث لإقامة مشروعات الري والسدود على مجرى النيل (30).

لقد تضاعف حجم الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية والتجارية الإسرائيلية في إثيوبيا، إلى الحدّ الذي تضاعفت فيه الواردات الإسرائيلية من إثيوبيا أكثر ثلاثين مرة مما كان عليه خلال عقد التسعينات؛ حيث زادت قيمة تلك الصادرات الإثيوبية إلى إسرائيل إلى الحد الذي وصلت فيه إلى 230%. أما بالنسبة للصادرات الإسرائيلية إلى إثيوبيا فقد زادت حوالي 500% خلال عام 2009م, لتدل بذلك على مدَى التغلغل والتدخُّل الاقتصادي الإسرائيلي في إثيوبيا (31).

أسباب التدخُّل الإسرائيلي في سد النهضة :

إن قضية المياه تدخل في إطار قضايا التسوية وإعادة صياغة بناء الوحدات المكونة للنظام الإقليمي في المنطقة ولذلك تطرح الصفوة الإسرائيلية في إطار تطبيع العلاقات مع مصر وتوزيع الموارد المائية في المنطقة نموذجين للتكامل المائي هما :

أ/ نموذج المهندس اليشع كلي (تاحال) الذي يقوم على أساس أن مشاكل الكيان الإسرائيلي المائية يمكن حلها عن طريق استخدام 1 %من مياه نهر النيل وأن هذا المشروع يمكن أن يؤدي إلى حل مشاكل المياه المصرية والعربية بري شمال سيناء وإمداد قطاع غزة والكيان الإسرائيلي والضفة الغربية بالمياه. ب/ نموذج (يؤر) أو النيل الأزرق – الأبيض الذي نادى به شاؤول ارلوزوروف نائب مدير هيئة مياه الكيان الإسرائيلي سابقاً، وذلك بحفر أنفاق تحت قناة السويس لدفع مياه نهر النيل إلى سيناء ثم إلى صحراء النقب. وقد واجه هذان النموذجان تساؤلات داخل الكيان الصهيوني حول عدم أخذهما بعين الحسبان إمكانية استخدام مصر لهما كأداة للمنع أو المنح في مفاوضاتها رغم أن الرئيس المصري السابق السادات بعد زيارته للأراضي المحتلة وتوقيع اتفاقية كامب 92 ديفيد قد اقترح في 17 ديسمبر 1979 جر مياه نهر النيل بحفر ترعة السلام تحت قناة السويس إلى سيناء ومنها إلى النقب تجسيداً للنموذجين السابقين إلا أن المعارضة الشديدة التي لاقاها المشروع داخل مصر وخارجها من الدول العربية والأفريقية أوقفت ذلك المشروع

وقد واجه هذان النموذجان تساؤلات داخل الكيان الصهيوني حول عدم أخذهما بعين الحسبان إمكانية استخدام مصر لهما كأداة للمنع أو المنح في مفاوضاتها رغم أن الرئيس المصري السابق السادات بعد زيارته للأراضي المحتلة وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد قد اقترح في 17 ديسمبر 1979 جر مياه نهر النيل بحفر ترعة السلام تحت قناة السويس إلى سيناء ومنها إلى النقب تجسيداً للنموذجين السابقين إلا أن المعارضة الشديدة التي لاقاها المشروع داخل مصر وخارجها من الدول العربية والأفريقية أوقفت ذلك المشروع (32)..

من ناحية أخرى ومع وعي الكيان الصهيوني بأهمية العلاقات مع إثيوبيا بدأت في النظر لحلول أخرى لمشاكل المياه عن طريقها.

تمثل إثيوبيا خصوصًا ودول حوض النيل عمومًا تهديدًا لأمن الدول العربية المعتمدة على نهر النيل وبالتحديد مصر والسودان، لذا دأبت إسرائيل على استغلال موقع إثيوبيا المطلة على الساحل الشرقي الافريقي(33).

وقد اتخذت إسرائيل إثيوبيا معبرًا إلى بقية الدول الإفريقية وخاصة دول شرق إفريقيا والبحر الأحمر بما في ذلك دول حوض النيل الشرقي. كما عملت على الاستفادة منها في حصار النفوذ العربي والإسلامي في قارة إفريقيا، واتخاذها مركزًا متقدماً للحفاظ على أمن إسرائيل لأنه بواسطتها يمكن الضغط على مصر في موضوع مياه النيل (34).

فقد عملت إسرائيل على تنسيق الاستراتيجيات الثنائية مع إثيوبيا لتسهيل التعامل مع أيّ صراع قد يحدث بين الدول المنبع والمصب حول مياة النيل. وفي مقابل تلك التنسيقات، ساعدت إسرائيل إثيوبيا في إنشاء العديد من السدود على مجرى نهر النيل. ومن أهم تلك السدود هو سدّ النهضة والذي يمثل تهديد خطير لمستقبل العلاقات المائية بين دول المنبع وعلى رأسها إثيوبيا ودول الْمَصَبّ وبالأخص مصر (35).

ونجد أن أثيوبيا في ظل حكم الرئيس السابق (منجستو) أخذت تثير الإضطراب بالإعلان عن خططها بإقامة سد على النيل في أراضيها ، تمثل ذلك في مشروع سد فتشا الذي تم بمعونة فنية من الكيان الصهيوني، ونلاحظ أن هذا الكيان أدخل نفسه كطرف مباشر وأساسي في المشاريع المائية الأثيوبية ضمن صفقة شاملة بدأت بالفلاشا وصولاً للتواجد الإستراتيجي في جزر دهلك وفاتيما في البحر الأحمر وفرض إملاءات على مصر بالتزود من مياه النيل عبر التحكم بالتزويد من الهضبة الأثيوبية مما يوضح وجود إستراتيجية صهيونية فيما يتعلق بموضوع المياه، وقدمت أثيوبيا عام 1981م قائمة بـ 40 مشروعاً على حوض النيل الأزرق ونهر السوباط وذلك أمام مؤتمر الأمم المتحدة للدول الأقل نمواً وأكدت أنها تحتفظ بحقها في تنفيذ المشروعات إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان وأن ثمة دراسات يقوم بها الخبراء الصهاينة لإقامة أربعة سدود على النيل الأزرق وسوف يؤدي ذلك إلى تحسين كمية المياه التي تحتجزها أثيوبيا لري أراضيها مما يؤثر على حصة مصر والسودان من مياه النيل ، وهذا التعاون يؤكد استخدام المياه كسلاح سياسي ضد أي توجه عربي لمقاومة الكيان الصهيوني ، هذا فضلاً عن فكرة تحويل مجرى النيل التي يرددها الأحباش كثيراً ولم يكف عن ترديدها أباطرتهم في الماضي وزعماء ثورتهم . في الحاضر وكذلك ساستهم وعلماؤهم الأكاديميون على السواء (36).

ختاماً :-

إنّ الكيان الصهيوني الذي بات يحلم ويخطط بالإستيلاء والسيطرة على مياه النيل منذ بدايته لم يكُن غريباً عليه الإستماتة في إستغلال ضعف دول المنبع كي يستحوذ على قضايا دول المصَب. أن يتودد لإثيوبيا ويجعل من نفسه مصباح علاء الدين الذي يُحقق أماني إثيوبيا التي عانت ولازالت من الضعف والفقر، أن يمدُدها بما يضمن له الولاء والإستحواذ على النيل، إنّ سعيه الذي جعل القضايا الأكثر تعقيداً وألزم الكثير بالإعتراف بوجوده لابد وأن يُقاوم بإستراتيجية رادعه أو علاقات ناعمة مُضادة بين دول المنبع والمصَب.

   المصادر :-

(1) أزمة سد النهضة وتداعيتها على مصر ( سياسياً- إقتصادياً- إجتماعياً- إحصائياً وجيولوجياً )، المركز الديمقراطي العربي، ٢٠ أغسطس. ٢٠١٨

(2) عباس شراقي،بين الجيولوجيا والسياسة: رؤية فنية لسد الألفية الأثيوبي، مجلّة السياسة الدولية، المجلة ٤٩  العدد ١٨٥ يوليو ٢٠١١، ص١٤٧

(3) أزمة سد النهضة وتداعيتها على مصر ( سياسياً- إقتصادياً- إجتماعياً- إحصائياً وجيولوجياً )، المركز الديمقراطي العربي، ٢٠ أغسطس ٢٠١٨.

(4) عباس شراقي، سد النهضة الأثيوبي: إعتبارات التنمية والسياسة، المجلة المصرية لدراسات حوض النيل، مركز تنمية الموارد الطبيعيةوالبشرية في أفريقيا، معهد البحوث والدراسات الأفريقية جامعة القاهرة، العدد الأول، يوليو ٢٠١٣،ص٦-٧

(5) د/البحيرى زكى بدر(ومصر ومشكلة سد النهضه ودول حوض النيل)-دار الثقافه العربيه ووزارة الثقافه-2013م ص46

(6) د حسن سلمان، القرن الأفريقي تحديات الداخل وتدخلات الخارج، البوصل، ١٥ أبريل ٢٠١٩.

(7) د حسن سلمان، القرن الأفريقي تحديات الداخل وتدخلات الخارج، البوصل، ١٥ أبريل ٢٠١٩.

(8) الحراك الإقليمي والدولي في القرن الأفريقي: واقعه ووجهته، مركز الجزيرة للدراسات، ٢١ مارس ٢٠١٠.

(9) د حسن سلمان، القرن الأفريقي تحديات الداخل وتدخلات الخارج، البوصل، ١٥ أبريل ٢٠١٩، مصدر  سابق.

(10) حسن مكي محمد أحمد:تقديم كتاب،التغلغل الصهيوني في أفريقيا ( إشارة إلى العلاقات الصهيونية الأثيوبية) للأستاذ ياسر عبدالقادر، الخرطوم، دار جامعة أفريقيا العالمية للطباعة والنشر، ١٩٩٨م.

(11) أبراهيم محمد أحمد، إسرائيل الاستعمار الحديث في أفريقيا مركز البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة أفريقيا العالمية، ديسمبر 2004م،ص35.

عواطف عبد الرحمن، إسرائيل وأفريقيا (48 – 1985م)، القاهرة، تونس،د.د.ن، 1985م ص15 (12)

(13) أحمد تهامي، الإستراتيجية الإسرائيلية في البحر الأحمر ومنابع النيل: الثوابت والمستجدات، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، ٢٠٠٣، ص٣٨.

(14) مفيد عرنوق، أضواء على مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي، دار النضال للنشر، بيروت ١٩٩١،ص٥٣.

‎(15) احمد عبد العليم ، أمن البحر الأحمر :الماضي والحاضر والمستقبل ، المرصد للدراسات الإستراتيجية ، مرکز الجزيرة ، الدوحة ، ۱۹۹۹ ، ص ۱۰ .

‎(16) فارس العاني ، الأهمية الجيوبوليتيكية حيال القرن الأفريقي ، دار الصفاء للنشر ، بغداد ، ۲۰۱۲ ، ص 61 .

‎(17) احمد غريب وآخرون ، مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي واستراتيجيات أقامة الدولة ، دار قباء للنشر ، القاهرة ، ٢٠٠٣، ص٢٠

(18) خالد وليد محمود ، التغلغل الإسرائيلي في القارة السمراء ، المركز العربي لدراسة السياسات ، الدوحة ، ۲۰۱۲ ، ص ١٤.

(19) احمد غريب وآخرون ، مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي واستراتيجيات أقامة الدولة ، مصدر سبق ذكره ، ص ۲۳ .

(20)مجموعة باحثين ، الحركات الدينية السياسية ومستقبل الصراع العربي – الإسرائيلي ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، بیروت ، ۲۰۱۳ ، ص ۲۰۱.

(21) مصطفى حسين، إسرائيل في أفريقيا، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة،٢٠١١،ص٥٦.

(22)خالد وليد محمود ، التغلغل الإسرائيلي في القارة السمراء ، المركز العربي لدراسة السياسات ، الدوحة ، ۲۰۱۲،ص٨.

(23)غازي دحمان، التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا ومخاطره على الأمن القومي، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، ٢٠٠٨، ص١٦.

(24) سند وليد، سياسة التغلغل الإسرائيلي في منطقة القرن الإفريقي، الجامعة المستنصرية، كلية العلوم السياسية، المجلة السياسية والدولية

(25) إبراهيم عرفات، دلالات التحرّك الإسرائيلي في أفريقيا، معهدالبحوث والدراسات العربية، القاهرة ٢٠١،ص٦٤.

(26) نادية عبد الهادي, اتفاقية عنتيبي والسدود الإثيوبية .. الحقائق والتداعيات, جريدة الأهرام, نوفمبر 2017م

(27) رانيا نادي، أثر التدخّل الإسرائيلي على ملف سد النهضة، قراءة مصرية، قراءات أفريقية..

(28) المصدر السابق

(29) عارف عبد القادر عبده سعيد, التنافس الدولي في منطقة القرن الإفريقي منذ نهاية الحرب الباردة, رسالة دكتوراه (كلية الاقتصاد والعلوم السياسية, جامعة القاهرة, 2007م), ص 308- 309

(32) أشرف محمد عبد الحميد كشك, السياسة المائية المصرية تجاه دول حوض النيل في التسعينات, رسالة ماجيستير(2005م), ص110.

(31) أريج جمال محمد أحمد, توجهات السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه القارة الإفريقية: النموذج الإثيوبي, المركز الديموقراطي العربي, يوليو 2016

(32) عبدالرحمن سليمان الأحمد، أزمة المياه في الصراع العربي الإسرائيلي، دراسات دبلوماسية، العدد الثامن، الرياض، معهد الدراسات الدبلوماسية، فبراير ١٩٩٩،ص١٥٥.

(33) عبدالمنصور سرور، السياسة الإسرائيلية تجاه أفريقيا جنوب الصحراء، مجلة جامعة الخليل للبحوث، ٢٠١٠، مجلد٥، عدد ٢.

(34) خالد وليد محمود ، التغلغل الإسرائيلي في القارة السمراء ، المركز العربي لدراسة السياسات ، الدوحة، مصدر سابق.

(35) رانيا نادي، أثر التدخّل الإسرائيلي على ملف سد النهضة، قراءة مصرية، قراءات أفريقية، مصدر سابق.

(36) عصام سليمان الفراعنة، الأطماع المائية الصهيونية في مياه حوض النيل، الخرطوم، دار جامعة أفريقيا العالمية للطبع والنشر، فبراير ١٩٩٨،ص٧٥.

3/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى