الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

المحادثات السعودية الحوثية الأخيرة : رهانات ومآلات

اعداد : عمرو سعد،  ماجستير علاقات دولية، وباحث سياسي.

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة:

انتشرت التسريبات الإعلامية مؤخرا بتطور مهم في المحادثات الغير معلنة بين السعوديين والحوثيين برعاية سلطنة عمان، وذلك عقب انتهاء الهدنة الأخيرة في الثاني من أكتوبر الماضي، حيث وصفها “هانس غروندبيرغ” المبعوث الأممي الخاص الى اليمن بأنها “خطوة محتملة لتغيير مسار هذا الصراع المستمر منذ ثماني سنوات”[1]. حيث أكد مسؤول في الأمم المتحدة إن المملكة السعودية أعدّت خارطة طريق للتسوية، أيدتها أمريكا والأمم المتحدة، فيما أعلنت الخارجية الأمريكية أن السيد “تيم ليندركينغ” المبعوث الأمريكي الخاص الى اليمن سيتوجه الى العاصمة العمانية مسقط، وبحسب بيان الخارجية الامريكية فإن ليندركينغ “سيسلط الضوء على الحاجة إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سلام شاملة تنهي الحرب بشكل دائم وتلبي دعوة المجتمع المدني للعدالة والمساءلة” [2]. وكانت

قد نقلت وكالة اسوشيتد الامريكية بناء على تصريحات مسؤولين من الجانبين، ان أبرز ما تدرو حوله هذه المحادثات، هو اتفاق الحوثيين والسعودية تقديم الجماعة ضمانات أمنية للمملكة بعدم توجيه ضربات عسكرية على المملكة، بما في ذلك انشاء منطقة عازلة عن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون على طول الحدود اليمنية السعودية، مقابل دفع المملكة رواتب جميع الموظفين المدنيين والعسكريين الواقعين في المناطق الخاضعة لسلطة الحوثيين، بالإضافة الى تسيير وجهات جديدة للرحلات التجارية من وإلى مطار صنعاء، ودخول سفن الوقود إلى ميناء الحُديدة دون عوائق [3]، غير ان المفوضات هذه المرة لن تكون كسابقاتها، بل انها الأكثر جدية لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار بين السعودية والحوثيين، وسترسم الخطوط العريضة لمسار الحرب في اليمن، حسب وصف مسؤولين من الطرفين. وهنا تثور مجموعة من التساءلات الملحة حول ملابسات هذه المحادثات سنحاول ان نجيبها هنا.

تبحث هذه الورقة السياقات المحلية والاقليمة والدولية التي ترافق هذه المحادثات، كما ستحاول كشف الدوافع التي تدفع كلا من السعودية والحوثيين الى توقيع هذا الاتفاق، في الوقت الذي فشلت فيه العديد من المفاوضات حول تمديد الهدنة وتأسيس أرضية مستوية لوقف دائم لإطلاق النار في اليمن. كما تدرس هذه الورقة أهم ارتدادات ومآلات هذه المحادثات والاتفاقات، على مساري الحرب والسلام في اليمن، في ضوء القضايا التي تبحثها هذه المحادثات.

السياقات الظرفية للمحادثات ورهاناتها

تأتي هذا المحادثات الثنائية بين السعوديين والحوثيين في ظل انقضاء هدنة أكثر رسمية توسطت فيها الأمم المتحدة بدأت في نيسان/أبريل 2022 وتم تمديدها مرتين، وانتهت في تشرين الأول/أكتوبر، كان أبرز نتائجها توقف الضربات بالصواريخ والطائرات المسيّرة من اليمن نحو الأراضي السعودية والإمارات، وتراجع الحرب في اليمن عموماً، كما كان الرفع الجزئي للحظر الذي فرضه التحالف على صنعاء، وذلك بتسيير رحلتين تجاريتين أسبوعيًا من صنعاء إلى الأردن ومصر، والسماح بوصول الناقلات إلى ميناء الحديدة.

بيد ان المباحثات والاتصالات لم تنقطع بين الجانبين منذ إعلان اتفاق ظهران الجنوب في عام 2016. حيث صرح رئيس المجلس السياسي للحوثيين مهدي المشاط، في حوار صحافي بقوله: “لدينا اتصالات كثيرة ومستمرة مع السعودية وهي تمر بفترات مدّ وجزر تبعاً لتطور الأحداث، لكنها مستمرة”. مضيفاً “ان مفاوضات الهدنة سبق لها أن وصلت إلى مستوى تفاهم جيّد، إلا أن المبعوث الأمريكي، تيم لينيدركينغ، تعمّد إفشالها خلال جولته السابقة في المنطقة”، حسب قوله. وقبل ذلك، كشف السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، نهاية مارس 2020، عن أن المملكة تجري محادثات يومية مع الحوثيين لإنهاء الحرب [4].

وفي السياق الدولي لهذه التفاهمات، تمر العلاقات السعودية الامريكية بتوتر غير مسبوق منذ تولي ادارة بايدن للسلطة، حيث بادرت إدارة الى وإلغاء تصنيف جماعة الحوثي المدعومة من إيران كجماعة إرهابية، تم عملت على حظر صفقات الأسلحة الموقعة سابقا للمملكة، كما عمدت على التركيز على ملفات حقوق الانسان والمتصلة بالمملكة، لاسيما الموجهة لبن سلمان. وصولا الى تقليص الحضور العسكري الأمريكي بالمنطقة عموما، الأمر الذي أزعج الرياض التي رأته محاولة لتنكر ادارة بايدن لالتزامات واشنطن الأمنية تجاه المملكة ومنطقة الخليج عموما، وتجاهل لمقتضيات العلاقة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن. ولهذا فقد كانت ردة الفعل السعودية في عدم الاستجابة للضغط الأمريكي بزيادة انتاج النفط مخالفة لقرار (أوبك+) بخفض الانتاج ببمقدار مليون برميل يوميا، وصولا الى توجه إدارة محمد بن سلمان نحو استراتيجية التوازن في علاقات المملكة الخارجية بين مختلف القوى الدولية، لا سيما الصين وروسيا، ألد أعداء واشنطن، والتي توجت بزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ الى الرياض في السابع من ديسمبر 2022 . كما قال محمد بن سلمان: “تؤسس القمة العربية الصينية لمرحلة جديدة بين دولنا”، مضيفا: “اننا نؤيد مبدأ صين واحدة” [5]. الامر الذي دفع الرياض للفكاك من الضغوط الامريكية، عبر إحراق بعض اوراق واشنطن المهمة في مناوراتها مع الرياض وهي حرب اليمن، بل وأهم ورقة مؤخرا على الأقل، لذلك تسعى الرياض عبر توقيع هذا الاتفاق لإقاف الخطر الفعلي والمباشر عليها من الخرب في اليمن، وهي التهديدات الأمنية التي تقوم بها جماعة الحوثي على الحدود فسحب.

يأتي هذا في ظل مفاوضات مستمرة بين الرياض وطهران لبحث عدد من القضايا الساخنة في المنطقة، والتي تحتل “الحرب في اليمن” حيزا بارزا فيها، حيث اسفرت المفاوضات الاخيرة بساطة العراق وعن تفاهما لنقل غير متطرفة، ان جاز التعبير، ان لم تكن مرضية للجانبين، لاسيما الرياض، فيما يخص ملف الحرب في اليمن، حيث وعلى إثرها يقول دبلوماسي سعودي إن بلاده طلبت من الصين وروسيا الضغط على إيران والحوثيين لتجنب التصعيد، مضيفا أن إيران، التي أطلعت الحوثيين والعمانيين بانتظام على المحادثات، أيدت حتى الآن الهدنة غير المعلنة [6]. بالاضافة الى وجود تخادم غير مباشر بين العوامل في ايران سواء فيما يخص الملف النووي او المظاهرات الاخيرة.

تحضر هذه العوامل في وقت ترى الرياض فيه أن حربها في اليمن أصبحت مكلفة للغاية ومنهكةً على كافة المستويات، علاوة على فشلها في تحقق أهدافها المعلنة المتمثل بإزاحة جماعة الحوثي من السلطة في صنعاء، واستعادة شرعية الحكومة الشرعية، فتسعى السعودية للخروج من هذه الحرب اليوم قبل غداً، وعليه فإن الهدنة الحالية وأي مفاوضات لاحقة محتملة تعد فرصة للسعوديين لإخراج أنفسهم من الصراع دون الاعتراف بالهزيمة. ناهيك عن سعي ادارة ابن سلمان لتخفيف الضغوط الحالية والمحتملة والتي تمارسها واشنطن تجاه الرياض بلعب بورقة حرب اليمن في مناوراتها القائمة مع المملكة منذ صعود الرئيس الديمقراطي بايدن. غير ان الحرب التي تسعي الرياض لإنهائها هي الحرب القائمة على الحدود مع اليمن والتي تشن فيها جماعة الحوثي الضربات الصاروخية وتطلق الطيران المسير وتستهدف الأهداف حيوية في المملكة.

من ناحية جماعة الحوثيين نجد ان الهدنة قد حققت لها أهدافا لطالما سعت لها الجماعة عبر سنوات الحرب، حيث أسفرت الهدنة عن فوائد مباشرة للجماعة أبرزها ومنها موافقات على السماح بتفريغ حمولات ناقلات النفط في ميناء الحديدة، واستئناف الرحلات الجوية في مطار صنعاء، وهي الفترة التي استغلتها الجماعة ببناء واعدة تنظيم قواتها المسلحة والأمن والتي خرجت بها باستعراضات كبيرة في وقت الهدنة.

رهانات خاطئة

تنطلق الخطة السعودية الحالية لإدارة الوضع باليمن من الرؤية البريطانية التي تقوم على الاحتفاظ بالمناطق الشرقية، محافظتي المهرة وحضرموت تحت النفوذ السعودي، والمناطق الغربية والجنوبية الغربية تحت النفوذ الاماراتي والبريطاني، مع ابقاء الشمال ومناطق السيطرة الحوثية الحالية كما هي، وحصر سيطرة الحكومة الشرعية على مأرب وتعز والبيضاء. وبالتالي ففي الوقت الحالي، لا تتطلع الرياض لأكثر من الحفاظ على توازن الضعف، بين القوى العسكرية المنضوية تحت الحكومة الشرعية، وهو ما تعتقد أنه قد صار أمرًا ملحًا، لاستمرار حالة اللا دولة، مع تعزيز سيطرة الفصائل التابعة لها على الأرض في المنطقة الشرقية، الأمر الذي يسمح باستفادة المملكة من المصالح التي تطمع بها، والتي لطالما سعت عبر التفاوض مع حكومات اليمن المتعاقبة منذ مطلع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح دون جدوى.

وفي شمال اليمن تقتضي الخطة ان يظل تحت حكم جماعة الحوثي، شريطة ان تقدم الجماعة ضمانات أمنية للمملكة بعدم الاعتداء، والتعاون الأمني، حيث كان قد سعا المسؤولون البريطانيون لاقناع السعوديين ان جماعة الحوثي لن تشكل خطرا بالغا على المملكة كما تضن الرياض، باعتبارهم منتج محلي، ويمكن التعامل معهم كما تم التعامل مع أسلافهم الأئمة، وهو ما جاء على لسان السفير البريطاني لدى اليمن في تصريح لصحيفة سعودية “تيم آرون” بقوله: “نسعى لإقناع السعوديين ان يتعاملوا مع الحوثي كأمر واقع” [7]. وفي هذه الرؤية رسمت الرياض مسار الوضع باليمن، يعني هذا تفتيت الشرعية باليمن عمليا الى شرعيات متعددة و استبعاد الكتلة الوازنة في حكومة الشرعية وهو حزب الاصلاح، وهذا هدف لطالما ظل يقف خلف الكثير من السياسات المتبعة للدول الخليجية -باستثناء قطر- تجاه الازمة باليمن منذ اندلاع ثورة الشباب في 2011 وحتى اليوم، كهدف مبطن فعلا في احيان، وكذريعة مستخدمة في أحايين أخرى.

وهذا رهان يحكمه السلوك الإيراني تجاه الصراع باليمن، وتجاه المنطقة عموما. والتي تسعى فيه طهران لتنفيذ استراتيجيتها التوسعية، في مسار متصادم مع المساعي البريطانية والغربية بالمنطقة. الأمر الذي يجعل جماعة الحوثي تختلف كثيرا عن أسلافهم الأئمة، فالجماعة مرتبطة ارتباطة وثيقا بالمشروع الايديولوجي والتوسعي الإيراني والذي يأخذ أبعاد ايديولوجية وجيوبوليتيكية بالغة العمق والأثر على المنطقة برمتها. وعليه فالحسابات التي يرتبها البريطانيون للسعودية ستوقعها في المصيدة مرة اخرى، حين تقرر طهران التصعيد السياسي او العسكري عبر جماعة الحوثي في اي وقت، ولن تلتفت الجماعة للوثيقة التي وقعت اليوم. وقد لن يكن ذلك بعيدا، متى رأت طهران ذلك مناسبا.

بالنسبة لجماعة الحوثي فقد رأت هذا الاتفاق بمثابة فرصة لها لإنهاء حرب منهكة لها بالفعل، فهي تحتاج للسلام مع السعودية، لتثبت حكمها وسيطرتها الكاملة على مناطق سييطرتها، بصورة اكثر حزما، ومنه التحرك بندية أقوى مع اطراف الصراع المحلي، باعتباره المنتصر والمسيطر على المساحة الاكثر من الارض. وانه مثلما كسب الحرب الخارجية مع السعودية، سيكسب الحرب الداخلية مع الأطراف المحليين.

إلا ان الهدف المهم الذي تسعى الجماعة لتحقيقه بشتى الطرق هو انتزاع الاعتراف الدولي بها. وهو ما تسعى الجماعة الى الحصول عليه عبر هذا الاتفاق، وهو ما بات قاب قوسين من تحقيقه حسب مراقبين، حيث يرى تقول كريتني “إن الأمم المتحدة تسعى من خلال تمديد الهدنة والانضمام إلى المفاوضات، أن يتمكن الحوثيون أيضًا من الحصول على الاعتراف الدولي الذي كانوا يبحثون عنه منذ فترة طويلة” [8]. الحوثيون أيضًا من الحصول على الاعتراف الدولي الذي كانوا يبحثون عنه منذ فترة طويلة. وبغض النظر عما اذا كان الوعد بتحقيق هذا الهدف للجماعة ضمن الاتفاق الموقع بينها وبين الرياض ام لا، فإنه وان تحقق سيظل مرهونا بعلاقة المجتمع الدولي بطهران، ومدى رضا الجماعة الدولية عنها، وبالتالي فأي مزايا قد يعطيها هذا الاتفاق للجماعة فإنها غير مضمونة، لارتباطها بظروف واوضاع خارج الحدود اليمنية والسعودية على حد سواء.

تجدر الاشارة الى ان رؤية الحوثي للحرب في اليمن تتقاطع في بعض جوانبها مه رؤية الرياض، لا سيما في هدف اقصاء واستبعاد مكون الاصلاح، من المشهد السياسي بصورة نهائية، في سياق توجه اقليمي ودولي لهذا الغرض، فلطالما لوحت الجماعة برغبتها باجراء محادثات ثنائية بينها وبين السعودية فحسب، دون الحاجة للتفاوض مع الحكومة الشرعية حتى، في اشارة الى التنكر الى مكونات الشرعية بمن فيهم الحكومة نفسها، وعلى رأس هذه المكونات حزب الإصلاح، الثقل الاكبر في جعبة الشرعية، حيث يضن الجانبان ان توقيعهما لاتفاق السلام بينهما سيجعل هذا الهدف محققا. وهو مالم يحدث، نظراً لكون عوامل تحريك وضبط سلوكهما ليس في يديهما اولا، ثانيا ان مظلة الشرعية الدستورية في اليمن لا يدافع عنها حزب الاصلاح فحسب، بل جموع اليمنيين من مختلف المشارب السياسية والاجتماعية. وان السعي لاقصاء اي طرف سياسي لن يكن مقبولا لدى جميع الاطراف السياسية الاخرى تحت مظلة الشرعية.

واستنتاجا لما سبق فإن طرفي هذا الاتفاق قد ذهبوا الى هذه الخطوة بناء على رهانات غير مضمونة، وحسابات غير مدروسة العواقب، وبالتالي فاحتمال انقلاب كل الرهانات المتكأ عليها يصبح أمرا وشيكا، وفي أي وقت.

السناريوهات والمالات

ان تعدد عوامل الصراع في اليمن وتداخله ملفاته، يضفي مزيدا من التعقيد والتركيب عليه، ويقود الى حالة عالية من عدم اليقين، ما يصعب قراءة المشهد وتطوراته بصورة جلية، الا اننا سنحاول المساك بما نراه مفتاحا لفك عقد هذا الصراع، وهو الموقف السعودي برأينا، كونه المؤثر الأكبر في الحرب والذي يمتلك الكثير من الأوراق التي يمكنه بواسطتها تحويل الوضع باليمن الى مسار انهاء الحرب وتحقيق السلام. وبالتالي فسنحاول من خلال تقديم هذه السيناريوهات الالمام بتلابيب هذه المحادثات، عبر استقراء سياق الهدنة السابقة واستنطاق المحاثة الجارية على مستوى قضاياها او بنودها الرئيسية، والتنبؤ بمالات بالمالات الناتجة عن تنفيذها.

السيناريو الاول: هدنة غير رسمية لمدة طويلة (بين السعودية والحوثيين) مع استمرار حالة الصراع الداخلي في اليمن:

ينطلق هذا السيناريو من استكشاف القضايا التي يقعد الجانبين للاتفاق حولها، بناء على أبرز ما تضمنته الهدنة السابقة والتي انتهت في 2 أكتوبر الماضي، والتي تضمنت بنود جديدة بالغة الأهمية، باعتبارها السر في اعتبار هذه الهدنة طويلة الأمد، خلال الفترة المنظورة والتي تزيد عن سنة من توقيع الاتفاق، حيث تتمثل البنود او القضايا الجديدة، توقف جماعة الحوثي عن القيام بتنفيذ ضربات عسكرية على السعودية سواء في مناطق الحدود مع اليمن، او في أماكن أخرى في المملكة، والتوقف عن اطلاق الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المسيرة باتجاه المملكة، كما يلتزم الطرفين بإنشاء منطقة عازلة بين الجانبين على طول الشريط الحدودي بين مناطق السيطرة الحوثية والمملكة، بالمقابل تلتزم المملكة بدفع رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، في مناطق سيطرة الجماعة، بالإضافة الى رفع الحضر الجوي والبحري والبري المفروض على جماعة الحوثي، وذلك بتسيير وجهات جديدة للرحلات التجارية من والى مطار صنعاء الدولي، والسماح لميناء الحديدة باستقبال السفن وناقلات النفط دون عوائق.

يؤيد هذا السيناريو الموقف السعودي الغير معلن من الحرب في اليمن، والمتمثل بالرغبة بالخروج من مستنقعها بأقرب وقت، لعدة عوامل داخلية وإقليمية ودولية، لا سيما بعد الضربات الموجعة التي شنتها جماعة الحوثي على المملكة مؤخراً قبل توقيع الهدنة، بالإضافة الى الكلفة الهائلة للحرب بالنسبة للمملكة. كما يؤيد هذا السيناريو، محدودية دعم المملكة للحكومة الشرعية عسكريا وسياسيا واقتصاديا، والتي تتصادم مصالحهما في أكثر من قضية داخل اليمن، والذي يولد رفض الرياض ان تكون الحكومة الشرعية ضمن أي ترتيبات لهذه الهدنة، كما يتسق طرح هذا السيناريو مع موقف واشنطن من الحرب والذي يرفض علنا العودة الى العمل العسكري في اليمن وان كان تحت راية الامارات، كما هو موقف الاتحاد الأوروبي ولو بحجج إنسانية وما شابه.

على ان هذا السيناريو هو الأقرب للتحقق، اذ بدأت الرياض بنشر قوات عسكرية كانت قد عملت على تدريبها وتمويلها وتسليحها، وذلك في مناطق سيطرة الحكومة، وهي قوات ما تسمى “درع الوطن”، المكونة من 8 الوية عسكرية بقوام 9 الاف جندي، وهم جنود يمنيين بقيادات ميدانية جنوبية، وقيادة عليا سعودية. حيث لا تتبع وزارة الدفاع اليمنية، بل تتبع المجلس الرئاسي اليمني مباشرة -وهو المجلس الذي تشاركت في تصميمه الرياض وابو ظبي، في وقت سابق. على ان مهمة هذه القوات هي تأمين تواجد الحكومة والمجلس الرئاسي في عدن. غير ان المملكة والمجلس الرئاسي قد نشرت هذه القوات على جميع المحاظفات الجنوبية. ما يشير الى تحرك الرياض لتحقيق مشروعها في التقسيم للقضية اليمنية والتقسيم لليمن، عبر ترك الشمال للحوثي، والاستفراط بالمصالح في الجنوب والشرق اليمني.

وإذا ما تحقق هذا السيناريو فإنه سيكون له ارتدادات عدة على مسارات الحرب والسلام في اليمن، نلخصها كالتالي:

  • اتفاق السلام بين (السعودية والحوثيين)، سيصيب مسار المفاوضات بين الجماعة والحكومة الشرعية بالشلل، نظرا لسعي الجماعة للتنكر لهذه المفاوضات، لاسيما المفوضات الخاصة بالتسوية السياسية وتحقيق السلام وبناء الدولة اليمنية الواحدة، نتيجة شعور الجماعة بالانتصار في الحرب بهذا الاتفاق، ما يزيد من تعنتها، بينما سيزداد موقف الشرعية ضعفا وتشتتاً، وستفقد أوراقها في التعاطي مع هذا التمنع الحوثي، كون الجماعة ستنطلق من المعطيات الجديدة التي سيفرزها هذا الاتفاق، أبرزها تثبيت السيطرة على المناطق التي تحت يده، وتوقف الرياض عن القيام بأي تصعيد يهدف ارغام الجماعة على التفاوض وفق معطيات ما قبل الاتفاق والمرجعيات الأساسية السابقة.
  • ستؤدي هذه الخطوة الأحادية للمملكة، الى تصدع كبير في صفوف الشرعية اليمنية، ويتزيد من الهوة بينها وبين التحالف والرياض خصوصاً، ما سيفتح الباب على مصراعيه أمام مزيدا من الانقسام والتفتت في صفوف الشرعية، وخروج بعض المناطق والمحافظات عن سلطة الحكومة. ما يعني مزيدا من الانفلات الأمني والتدهور العام للخدمات العامة وتدني الحياة المعيشية. ما يعني العودة بالحرب في اليمن الى ما قبل نقطة الصفر.
  • سيزيد هذا الاتفاق من تمكن جماعة الحوثي من تكريس مشروعهم الايديولوجي بصورة أكثر عمقا وأكثر صرامة، وستزيد الجماعة من الضغط على الحقوق والحريات في مناطق سيطرته دون مساءلة، لحصوله على الضوء الأخضر من الرياض هذه المرة. وهو أمر تنظر له الجماعة بأهمية تضاهي السيطرة على الارض، باعتباره “الجبهة الداخلية” كما تسميه الجماعة، وهو الضامن الأكبر لحياة الحركة واستمرارها.
  • اعتراف السعودية بسلطة الحوثي على شمال اليمن، واستغلال المملكة لنفوذها في المنطقة الشرقية لليمن، لاسيما محافظتي المهرة وحضرموت، في الوقت الذي تبسط الامارات على منطقة الساحل الجنوبي والجنوبي الغربي لليمن.

السيناريو الثاني: اتفاق أمني (سعودي حوثي) يقود الى تسوية سياسية شاملة في اليمن

يستند هذ السيناريو الى عدة مؤشرات مؤيدة، أبرزها الدور الجوهري للسعودية في الصراع في اليمن والذي كان –أي دور المملكة-عامل أساسي بتطورات الأحداث وتفاقم الأزمة والحرب في اليمن، بعد التدخل العسكري السعودي في مارس 2015، وبالتالي فالمملكة السعودية تدرك أن الخروج من الحرب في اليمن ليس كالدخول فيها، اذ يستلزم الوضع العسكري والسياسي والاقتصادي في اليمن بعد قرار انهاء الحرب، ان تتولى المملكة السعودية على رأس ما يسمى بالتحالف العربي وبدعم الأمم المتحدة، عملية الانتقال السياسي في اليمن وتحقيق التسوية السياسية الشاملة، ليس باعتبار  هذا واجب أخلاقي بل ضامن امني واستراتيجي لأمن واستقرار المملكة السعودية، والدول الخليجية، كون اليمن يمثل عمقاً استراتيجياً لهذه الدول وفي مقدمتها السعودية، إضافة الى ان هذا الاتفاق المبرم بين المملكة والحوثيين، سيجعل الرياض أكثر صلة وارتباطا بتطورات الأحداث فيما بعد الاتفاق وانهاء الحرب –أي كان هذا الانهاء- وبالتالي أكثر تأثرا بهذه التطورات على حد سواء.

وفي حال تحقق هذا السيناريو فإن جماعة الحوثي ستحظى بنصيب الأسد في مفاوضات التسوية السياسية بين الأطراف المحلية، كونها صاحبة الأرض الأكثر وحدةً واستقراراً، بالنظر الى باقي مناطق اليمن التابعة للسلطة الشرعية، والتي تعاني التفتت والانقسام لحساب جماعات وتشكيلات عسكرية مختلفة، لا تتبع الحكومة الشرعية ولا القوات المسلحة النظامية. بالإضافة الى تمتع الجماعة بالتأييد الإقليمي، وربما الدولي. بمقتضى هذا الاتفاق.

خاتمة:

في الوقت التي فشلت فيه معظم المحادثات بين طرفي الصراع في اليمن، (جماعة الحوثي، والحكومة المعترف بها) تجري الرياض محادثات ثنائة هي الأكثر أهمية مع جماعة الحوثي، دون ان يكن للحكومة الشرعية يد او علم بما يدور. حيث تسعى الرياض لتقديم مخاوفها الأمنية على الاهداف المشتركة للتحالف العربي وحكومة اليمن الشرعية،فيما يخص دورها في اليمن. فتسعى لترتيب أوضاع جديدة مع جماعة الحوثي تضمن بها أمنها من ناحية الجماعة، مقابل تلبية مطالب محددة للجماعة، وهكذا فقد أحلت الرياض القضية الامنية للمملكة محل القضية الاساسية والجوهرية لعملياتها العسكرية التي تقودها في اليمن طوال 8سنوات. الامر الذي سيزيد  من تعنت جماعة الحوثي بينما سيضعف الحكومة الشرعية وسيقود الى مزيدا من التقسيم في مناطقها وسيصعب اي جهود تفاوضية محتملة بين الطرفين، وقد يقود على تثبيت سيطرة الجماعة على مناطق سيطرته بصورة نهائية، مما سيعقد عملية التسوية السياسية في اليمن اكثر من اي وقت مضى.

[1] منال شرف، مفاوضات سعودية حوثية لإنهاء الحرب في اليمن، المشاهد نت،19 يناير 2023، تاريخ الاطلاع: 20. يناير 2023،متاح في: https://almushahid.net/110270/

 [2] قراءة تحليلية: مسارات المفاوضات السعودية الحوثية من السرية الى العلن.. الأسباب والافاق المستقبلية، اليوم الثامن، 20 نوفمبر 2022، تاريخ الاطلاع 21 يناير 2023، متاح في: https://alyoum8.net/posts/93569

[3] أسوشيتد برس الأمريكية تكشف عن جديد المفاوضات السرية بين الحوثيين والسعودية، موقع رأي اليوم،  2023/01/17، تاريخ الاطلاع: 25يناير 2023، متاح في: https://m.raialyemen.com/news12334.html

[4]    مسارات المفاوضات السعودية السرية..، اليوم الثامن، مرجع سابق.

[5] محمد بن سلمان: القمة العربية الصينية تؤسس مرحلة جديدة لدولنا، سكاي نيوز عربية، 9 ديسمبر 2022، تاريخ الاطلاع: 21 يناير 2023، متاح في: https://2u.pw/nGTf2D

[6] نذير العربي، هل تنجح المفاوضات بين السعودية والحوثيين في إنهاء حرب اليمن؟ عربي21،18 يناير 2023، تاريخ الاطلاع: 20 يناير 2023، متاح في: https://2u.pw/fhmyip

[7] من أوباما وترمب إلى بايدن .. أين موقع حرب اليمن في ملفات البيت الأبيض .. وهل كانت إيران هي الرابح في كل الجولات؟ (تقرير خاص)، موقع الحرف 28، 11 نوفمبر 2020، تاريخ الاطلاع:21 يناير 2023، متاح في:

https://alharf28.com/p-46939

[8] احمد الديب، التفاهم بين السعودية والحوثيين ينهي حرب اليمن، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 23 يوليو 2022، تاريخ الاطلاع: 24 يناير 2023، متاح في: https://sanaacenter.org/ar/translations/18181

3.7/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى