الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

الصين باعتبارها البجعة السوداء: دلالات ومؤشرات

بقلم : التجاني صلاح عبدالله المبارك – طبيب صيدلاني، كاتب وباحث  ، مؤلف (قوة الدولة والقوة الإلهيّة)

  • المركز الديمقراطي العربي

 

رغم أن التفكير في الأحداث أو الأشياء(مثل وجود البجعة السوداء) التي تبدو غير منطقية أو معقولة الحدوث في وقتها، مع أنه لا شيء يمنع حدوثها لاحقا حتى وإن كان ذلك الاحتمال هو فرضية ضئيلة وقليلة نسبيا هو نوع من التوقعات التي تتجاوز المدى المنظور، ورغم أنه لا يوجد ذلك النمط من التفكير لدى الكثير من الباحثين والمهتمين وحتى إن حدث ذلك ربما لا يخرج من إطار الفرضيات والتنبؤ بالأزمات فقط، إلا أن نمط التفكير المتوقع والمفروض فيما اتصور ليس توقع كل الاحتمالات والفرضيات والأزمات؛ لكن أيضا البجعات السوداء البعيدة عن الواقع والمألوف ووضع آليات للتعامل معها وقت حدوثها (إن هي حدثت) بما يحقق الفوائد والمصالح.

وبما أن البجعات السوداء عصية على التكهن فإننا نحتاج إلى مؤالفة اذهاننا مع وجودها (بدلا من أن نحاول بسذاجة التكهن بقدومها)، وهنالك العديد من الأشياء التي نستطيع القيام بها إذا ركزنا على حقيقة جهلنا بها أو عنها فبين عدة منافع أخرى تستطيع أن تشرع في جمع ما اتفق لك من البجعات السوداء (من النوع الإيجابي عن طريق الإكثار من فرص تعرضك لها).[1]

نظرية البجعة السوداء (Black swan theory) هي نظرية تشير إلى صعوبة التنبؤ بالأحداث المفاجئة، تقوم هذه النظرية على الفكرة السائدة بأن البجع كله أبيض أما وجود البجع الأسود فهو نادر ومفاجئ، وتنطبقُ هذه النظرية على الأحداث التاريخية التي لم يكن من الممكن التنبؤ بها أو كان احتمال وقوعها غير وارد على الإطلاق، فمعظم الناس لم يروا بجعًا أسودَ، لذا يعتقدون بعدم وجوده، وذلك لأن عقلنا يركّز على أمور ويغفل عن أخرى.[2]

ولأن الصين دولة عظمى وصاعدة وتشكل قطبا قويا لا يمكن تجاوزه في النظام العالمي، وفي ظل مؤشرات دالة على تنازل الهيمنة الأمريكية خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، فقد تمثل الصين بجعة سوداء غير متوقعة، قد تحتمي وتلوذ بها إسرائيل لعدة دلائل ومؤشرات أولية سنحاول هنا جمع جزء منها.

أولا: النسب المئوية للميل الإيجابي في إسرائيل للصين

بحسب إستطلاع للرأي العام أجراه مركز بيو للأبحاث في عام 2019  لتوضيح وإستجلاء رغبة وميل الإسرائيليين تجاه الصين، فإن نتيجة الإستطلاع كانت تشير إلى أن النظرة الإيجابية تجاه الصين كانت أكبر من السلبية.

أظهر إستطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث في عام 2019 ان26%  من سكان الولايات المتحدة أبدوا آراء إيجابية بشأن الصين و60%  منهم أبدوا آراء سلبية. إلا أن النتائج كانت معاكسة في إسرائيل إذ أبدى 66% من السكان آراء إيجابية و 25% منهم آراء سلبية. أما في إستطلاع للرأي أجري في عام2022 ونشر مؤخرا، فتبين أن نظرة الأمريكيين إلى الصين قد اصبحت أكثر سلبية منذ الإستطلاع السابق 16% مؤيدة و82%  غير مؤيدة وكذلك نظرة الإسرائيليين إلى الصين إذ أعرب 48% منهم عن رأي إيجابي و 46% عن رأي سلبي.[3]

ثانيا: خطاب الكراهية المتبادل بين الولايات المتحدة وإسرائيل  

على مستوى المسؤولين والنخب في الداخل الإسرائيلي، يعتبر من أبلغ المؤشرات والضجر الذي إعترى العلاقات الإسرائيلية الأمريكية هو ما صرح به “ايتمار بن غفير” وزير الأمن في حكومة نتنياهو، فبعد ساعات قليلة من تصريحات “بايدن” لشبكة “سي أن أن” التي جاء فيها وصف “بايدن” للحكومة الإطسرئيلية بالاكثر تطرفا، قال وزير الأمن المتطرف “إيتمار بن غفير”: إنّ إسرائيل لم تعد نجمة أخرى في علم الولايات المتحدة.[4]

وفي تذمر واحتجاج، تحدث الكتاب والمحللون السياسيين في الصحف الأمريكية مثل المعلق في صحيفة نيويورك تايمز “نيكولاس كريستوف” الذي كتب مقال(هل من المعقول أن تواصل الولايات المتحدة دعم دولة غنية مثل إسرائيل إلى الأبد؟) عن عدم معقولية دفع الولايات المتحدة مبالغ طائلة لدولة ثرية أخرى مثلها إن لم تكن أقل منها قليلا.

إن الدعم الأمريكي لدولة ثرية أخرى، يعني تبذير الموارد الشحيحة، ويقود لعلاقة غير صحية تضر بالطرفين. فاليوم إسرائيل ليست في خطر الغزو من جيرانها، وهي أغنى بناء على مستوى الدخل للفرد من اليابان وبعض الدول الأوروبية.[5]

ولا يخفى على أحد أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية فقدت ألقها وبدأت تظهر أوجه الإختلاف بينهما، فلم تعد مسألة إسرائيل تحظى بإجماع في الأروقة السياسية الأمريكية كما كانت سابقًا، وإنما بدأت تثير الاستقطاب بين السياسيين، إذ يتزايد دعم الجمهوريين وخاصة الإنجيليين لسياسات إسرائيل وتعارضها الغالبية العظمى من الديمقراطيين، كما أضحى الناخبون الشباب يعبّرون عن تأييدهم للقضية الفلسطينية أكثر من إسرائيل، لأنه بات يُنظر إليها – القضية – كمسألة عدالة اجتماعية وليست مصلحة إستراتيجية.بدأت شرائح واسعة من الأمريكيين الحديث بشكل معلن وصريح عن أن إسرائيل دولة فصل عنصري.[6]

من ناحية ثانية وفي التعبير عن قابلية إسرائيل للاستغناء عن الدعم الأمريكي، قال وزير  العدل الإسرائيلي السابق “يوسي بيلين”: يجب على إسرائيل التخلي عن الدعم الأمريكي، مضيفا أن المال يمكن أن يستخدم بطريقة أخرى.[7]

أما “ستيفن والت” المنظر الأمريكي والأستاذ بجامعة هارفارد، فيدعي أن الولايات المتحدة لم تستفد شئيا من إسرائيل على مدى عقود، بل إن العكس هو الصحيح.

إذا كانت إسرائيل مفيدة للولايات المتحدة في فترة الحرب الباردة بالرغم من المبالغة في ذلك، فانها وخلال الثلاثين عاما تقريبا من إنتهاء الحرب الباردة لم تستفد الولايات المتحدة من إسرائيل في حروبها مع العراق مثلا، بل العكس هو الصحيح إذ أن الولايات المتحدة قدمت بطاريات صواريخ باتريوت ل-إسرائيل لحمايتها من الصواريخ العراقية.[8]

وفي التعبير عن الرفض الكامل لدعم الولايات المتحدة ل-إسرائيل ماديا قال “دانيال كيرتزر” السفير الأمريكي السابق في إسرائيل: إن الاقتصاد الإسرائيلي قوي بما فيه الكفاية وليس بحاجة لدعم، والمساعدة الأمنية تشوه الاقتصاد الإسرائيلي وتخلق حسّا من التبعية.[9]

إضافة لذلك فإن جماعات الضغط خاصة الايباك والتي تعتبر من أكبر جماعات الضغط في الولايات المتحدة، كانت ولا تزال منذ نشأتها تشكل قيدا كبيرا على السياسات الخارجية الأمريكية التي من شأنها أن تمس مصالح الكيان الإسرائيلي.

إن العلاقة الخاصة بين أمريكا وإسرائيل تجعل العلاقة بين أمريكا وبقية دول الشرق الأوسط  أكثر تعقيدا بسبب ضغوط إسرائيل وجماعة الضغط الإسرائيلي في واشنطن على الخيارات الإستراتيجية للولايات المتحدة في تعاملها مع مشكلات المنطقة، خصوصا موضوع انتشار الأسلحة النووية التي تحتكر إسرائيل ملكيتها في المنطقة. [10]

ولأن الولايات المتحدة كانت تتخوف انتقال التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة والأمن السيبراني للصين، فقد حذرت إسرائيل من مغبة الشنائع التي ترتكبها، وفرضت عليها أيضا الوعيد الشديد من وصول الصين للبنية التحتية الإسرائيلية.

قال بومبيو: “نحن لا نريد أن يتمكن الحزب الشيوعي الصيني من الوصول إلى البنية التحتية الإسرائيلية، وشبكات الاتصالات الإسرائيلية”، معتبراً أن ذلك “يعرض الشعب الإسرائيلي للخطر وقدرة الولايات المتحدة على التعاون مع إسرائيل””.وبعد ذلك بأسبوعين، تراجعت الحكومة الإسرائيلية عن منح مجموعة “هونغ كونغ سي كي هاتشيسون” الصينية عطاء لبناء محطة لتحلية المياه بقيمة 1.5 مليار دولار.[11]

ورغم أن الولايات المتحدة ترى في إنتقال التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة والذكاء الاصطناعي وتقنيات الصحة الرقمية للصين عن طريق تسربها عبر إسرائيل، وربما تكون ضررا بالغا  تتأذى منه الولايات المتحدة وأمنها القومي من هذا الخصم المراوغ، إلا أن بعض المنظرين الإسرائيلين لا يرون مثل ما ترى.

قال “اسحق شيحور”، عالم السياسة في الجامعة العبرية الذي كان في بكين عام 1992 عندما أقامت إسرائيل والصين علاقات دبلوماسية، إن وعد إسرائيل للولايات المتحدة بعدم بيع معدات عسكرية للصين يشكل بالفعل تنازلا يضر بالعلاقة التجارية وقال إنه يتعين على إسرائيل أن تقنع الولايات المتحدة بأن الصين ليست تهديداً استراتيجياً. وأضاف: بالنسبة لإسرائيل، الصين مهمة اقتصادياً للغاية وهي تفتح الباب أمام العلاقات الإسرائيلية مع الدول الآسيوية الأخرى. من وجهة نظري، يمكن لإسرائيل بطريقة ما أن توفر جسراً بين الصين والولايات المتحدة.[12]

وفي ذات المخاوف الأمريكية من العمليات المتبادلة بين الصين وإسرائيل، وقبل عقدين من الزمان، تحديدا عام 2000 ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل لإلغاء صفقة لتثبيت نظام الرادار المتقدم فالكون المحمول جوا على طائرات مراقبة تابعة للقوات الجوية الصينية، كما دفعت إسرائيل غرامة  للصين بمقدار 350 مليون دولار كتعويض عن الضرر الذي لحق بها ثم تبع ذلك في عام 2005  أزمة أخرى تسببت في تراجع العلاقات الإسرائيلية_الصينية وتغيير نظام مراقبة التصدير الإسرائيلي.

كانت الأزمة الثانية بشأن تحديث أو صيانة _بحسب المصادر الإسرائيلية_لطائرات بدون طيار هاربي لقد نتج عن سوء التفاهم هذا قطع علاقات الدفاع بين إسرائيل والصين، وكذلك تغيرات أساسية في هيكلية نظام مراقبة التصدير في إسرائيل، لقد بدأت القضية عندما باعت إسرائيل في التسعينات طائرات بدون طيار  للصين، ثم تم توقيع عقد بينهما بحيث تتولى إسرائيل صيانتها لكن في سنة 2005 نشأت الأزمة عندما اكتشفت الولايات المتحدة أن الصيانة ستشمل تحديث الطائرات، فاتهمت إسرائيل بخداعها حول طبيعة العمل، ورأتها تهديدا لأمنها القومي كما اوقفت التعاون بشأن برنامج طائرات جوينت سترايك فايتز أف 35  وقد أدى الضغط الأمريكي إلى تغييرات دائمة في علاقات إسرائيل بالصين.[13]

مع هذا فقد ارتفع معدل التبادل التجاري بين إسرائيل والصين لمعدلات كبيرة في الفترة ما بين عام 1992 إلى عام 2021 ليصل إلى 15 مليار دولار، وفي الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022  زادت  الصادرات الإسرائيلية إلى الصين بنسبة 62% مقارنة بالعام 2021 وخلال زيارة نتنياهو إلى بكين في عام 2017، والتي جاءت لتعزيز العلاقات بين الطرفين؛ وُقعت اتفاقات ثنائية بقيمة 25 مليار دولار بما يشير إلى الطبيعة الإسرائيلية التي تعين عليها البحث عن المصالح والنظرة الصينية  أيضا للمصالح الإقتصادية.

يشير المحللون الذين يبررون المخاوف من التقارب بين إسرائيل والصين، إلى ان قيمة التجارة الثنائية بين البلدين نمت من 50  مليون دولار في عام199 إلى 15مليار  دولار (وفقا ل-مكتب الإحصاء الإسرائيلي) أو حتى 22.8 مليار دولار (وفقا ل-مكتب الإحصاء الصيني) في عام 2021.[14]

تعود العلاقات غير الرسمية بين إسرائيل والصين إلى سنة1979  لكن العلاقات بينهما توسعت وتطورت لتشمل تعاونا في العلوم والتكنولوجيا وإستثمارا صينيا في البنية التحتية الإسرائيلي،  بالاضافة للتعاون الاكاديمي، وبالتالي اصبحت الصين ثالث أكبر شريك تجاري ل-إسرائيل بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حيث بلغ حجم التبادل التجاري 11مليار دولار سنة2007  وفي سنة 2014 استوردت إسرائيل من الصين بضائع أكثر مما استوردته من الولايات المتحدة. [15]

من الناحية الديبلوماسية كانت إسرائيل تصوت تارة ضد الصين ملتزمة السياسة الأمريكية ونهجهها، إلا انها تارة أخرى تصوت في صالح الصين إذ تحتم عليها النظرة المنفعية والمصالح هذا غير عابئة بالتحذيرات الأمريكية.

يمكن رصد نمط مشابه على الصعيد الدبلوماسي إذ يحفل سجل إسرائيل بآراء متضاربة فيما يخص حقوق الإنسان في الصين، فقد انضمت إسرائيل إلى الولايات المتحدة ودول غربية أخرى في استنكار معاملة الصين للأويغور في حزيران/يونيو 2021  وفي الدعوة إلى اجراء منظمة الصحة العالمية تحقيقا للكشف عن مصادر فيروس كورونا، الا أنها امتنعت في حالات أخرى عن التصويت على القرارات المعادية للصين في مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة ربما لخيبة أمل واشنطن، ويبدو ان إسرائيل تستخدم صوتها كأسلوب للتعبير عن امتعاضها من تاريخ بكين الحافل بالتصويت ضد إسرائيل في المنتديات الدولي،  خصوصا بعد تصويت الصين ضدها في مجلس الأمن الدولي وادانتها القاسية لها خلال الصراع الذي اندلع  في غزة في أيار /مايو2021  وبذلك يمكن لإسرائيل أن تظهر للصين أنها لا تحذو حذو واشنطن بشكل تلقائي، وأنه يمكن للتعاون الثنائي أن يكون مفيدا للبلدين.[16]

أما تصويت الصين ضد القرارات التي تنتقد إسرائيل فقد كانت نتيجة لمصالحها المتنافسة في الشرق الأوسط بحسب مسؤولي وزارة الخارجية الإسرائيلي،  وأنه لن يتغير في المدى المنظور.

هناك طريقة أخرى لقياس علاقة الصين الديبلوماسية بإيران وهي تسجيل تصويتها في مجلس الأمن الدولي على القرارات التي تنتقد إسرائيل ففي الفترة 1992_2016 صوتت الصين باستمرار لصالح القرارات (وعددها تسعة) التي تنتقد إسرائيل، وهنا تجب الإشارةان تصويت الصين في كل هذه القرارات_ما عدا قرار سنة 1994 حيث اعتمد القرار دون تصويت_كان مع أغلبية أعضاء مجلس الأمن وبالتالي ليس حالة منفردة، وبحسب ما ورد طلب نتنياهو من بكين تغيير أنماط التصويت في منتديات دولية مثل الأمم المتحدة، لكن هكذا تغير لم يحدث بعد، وبحسب مسؤولي وزارة الخارجية الإسرائيلية لن يتغير في المدى المنظور وذلك لما للصين من مصالح متنافسة في الشرق الأوسط.[17]

مع ذلك فإنه رغم تحذيرات الولايات المتحدة المتكررة ووعيدها ل-إسرائيل، وما تقوم به منفردة دون الرجوع عليها باعتبارها حليفا أساسيا وإستراتيجيا، فقد كان بعض الخبراء الإسرائيليون يجدون قاسما تاريخيا مشتركا يجمع بينهم والصين.

“شالوم فاليد” الباحث بمعهد سياسة الشعب اليهودي، وخبير العلاقات مع الصين والهند، أكد أن “مساحة المعارضة الإسرائيلية في المستويات العليا للصين تقلصت بشكل كبير، ولا يمكن لنتنياهو أن يختلف مع الرئيس “شي”، لأنه ليس معاديًا لليهود أو لليهودية، حتى أنه أدان مرة صعود معاداة السامية في أوروبا، وأشاد بمساهمة الشعب اليهودي في حضارة العالم، يمكن أن يجدا قاسمًا تاريخيًا مشتركًا معينًا، مما قد يعبّد الطريق أمام نتنياهو لبحث التهديد النووي الإيراني، وكراهيتها لإسرائيل، وإنكارها للمحرقة، أمام كبار المسؤولين في الصين”. [18]

ولأن إسرائيل تعلم حقيقة الموقف الصيني الرسمي الرافض للاحتلال والمؤيد لدعم قضية الشعب الفلسطيني، بل انها زودت مختلف الفصائل الفلسطينية بالتدريب العسكري والسلاح، إلا أن ذلك لم يمنع النخب الإسرائيلية من التعاون الإقتصادي مع الصين لما تمثله الصين من سوق واسعة ويتيح لها الدخول عبرها لكافة الأسواق الآسيوية.

يقول المسؤولون الإسرائيليون وراء الأبواب المؤصدة، ان الصين لن تدعم أبداً موقف إسرائيل في الأمم المتحدة لكن هذه الاختلافات لا تقتصر على موضوع ايران بل تضم أيضا الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، حيث عمدت الصين إلى دعم المواقف المؤيدة للفلسطينيين ففي سنة 2007  مثلا كان موقف الصين سلبيا تجاه الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة ل-اسرائيل، فقد صرح الناطق باسم وزارة خارجية الصين” قنج شوانج”: اننا ندعم قضية الشعب الفلسطيني المحقة في استعادة حقوقهم الوطنية الشرعية، كما نقف مع فلسطين في عملية بنائها لدولة مستقلّة ذات سيادة كاملة على حدود1967  مع القدس الشرقية عاصمة لها. [19]

مع ذلك وإذا استبعدنا مقاربة إسقاط نظرية البحعة السوداء من المشهد باعتبار ان إسرائيل لن تكون في حماية ورعاية الصين والحزب الشيوعي الصيني بعد إنهيار الدولة العظمى الولايات المتحدة الأمريكية،  أو باعتبار تحولات موازين القوى والنظام العالمي الجديد الذي ربما يتجه إلى التعددية القطبية وتكون الصين فيه دولة لديها العديد من مفاتيح النظام العالمي، إذا استبعدنا ذلك فإنه يصح أن نطلق على حالة تحول إسرائيل من الحماية الأمريكية إلى الحماية الصينية حالة الدولة التي تبحث عن المصالح والبقاء أنى وكيف وجد ذلك. وهذا في حد ذاته غير مستبعد أيضا.

قال دانييل شابيرو، سفير الولايات المتحدة السابق لدى “إسرائيل”: “ستكون هذه سمة جديدة طويلة الأمد للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. تتكيف إسرائيل مع العلاقات التنافسية الاستراتيجية، بينما تحاول الحفاظ على شراكتها الوثيقة (مع أميركا) والاستفادة من الفرص مع الصين”. [20]

ورغم أن الصين هي من أوائل الدول التي اعترفت بفلسطين في الأمم المتحدة، وعينت مبعوثا خاصا في عام 2002 للشرق الأوسط كان يحمل عدة مقترحات لحلحلة أسباب الصراع والنزاع في المنطقة، ورغم انها نددت عام 2017 بالاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة ل-إسرائيل وصوتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي رفض الإعلان الأمريكي، وتصريح السفير الصيني وقتها لدى الأمم المتحدة “ليو جي يي”: ان الصين تدعم قضية الشعب الفلسطيني وان هذا لن يتغير ابد،  إلا أن الصين ترى من ناحية ثانية أن لها مآرب ومنافع في علاقتها مع إسرائيل!

إن للصين أسباب عملية لمصلحتها الدائمة في إسرائيل، إذ تراها شريكا لتحقيق أربعة أهداف من السياسة العامة، أولا وهو الأهم يميل المحللون والمسؤولون الصينيون إلى النظر إلى إسرائيل كبلد يمكن أن يساعدهم على تحفيز الابتكار المحلي والبحث والتطوير في بلد يتواصل فيه التحديث الاقتصادي والعسكري، ثانيا تنظر الصين إلى السياسات والخبرات والتكنولوجيا الإسرائيلية في مجالات الدفاع والامن والانترنت ومناهضة الإرهاب وسيلة لتعزيز احتياجات الصين في القدرات الأمنية المحلية والعسكرية، ثالثا ترى الصين إسرائيل لاعبا مهما في السياسة العامة للصين في الشرق الأوسط، كما انها تسعى من خلال زيادة العلاقات معها إلى التوازن في العلاقات الوثيقة تاريخيا مع دول أخرى في المنطقة، قد تسعى الصين ضمن هذا السياق الجيو-إستراتيجي إلى تحقيق تقدم مع حليف رئيسي للولايات المتحدة في المنطقة بقصد تقويض التحالفات الأمريكية العالمية والشبكات الشريكة، رابعا ترى الصين ان إسرائيل مكون مهم لمبادرة الحزام والطريق.[21]

بعد هذا، إذا كانت الحالة الإسرائيلية تمثل في كل المشاهد الظاهرة والمستترة تحولا كاملا نحو المصلحة والبقاء، فما هي ردود الافعال والسيناريوهات المتوقعة والمطلوبة لقطع الطريق أمامها وتقديم حل كامل لقضية فلسطين واستعادة الأرض، والاستفادة من مواقف الصين باعتبارها من الفواعل العظمى؟

المصادر:

[1]_نسيم طالب، ترجمة حليم نسيب نصر، البجعة السوداء تداعيات الاحداث غير المتوقعة،(بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، ط.1،(2009، ص14

[2]_ الموسوعة الحرة ويكيبيديا، نظرية البجعة السوداء،23 ديسمبر/كانون الأول،2022، (تاريخ الدخول: 9اغسطس/آب 2023): https://tinyurl.com/36s8xbdv

[3]_ أساف أوريون، كلا إسرائيل لا تدور في فلك الصين، صحيفة واشنطن بوست،6سبتمبر/ايلول،2022،(تاريخ الدخول: 10 اغسطس/آب 2023): https://tinyurl.com/998zdu6y

[4]_نايف زيداني، توماس فريدمان: إسرائيل في حرب أهلية محتملة ولا بدّ من إعادة تقييم العلاقات الأميركية مع حكومة نتنياهو المتطرّفة، صحيفة العربي الجديد، 12يوليو/تموز2022،(تاريخ الدخول: 10 اغسطس/آب 2023):https://tinyurl.com/ycyn9wwx

[5]_إبراهيم درويش، نيويورك تايمز: هل من المعقول أن تواصل أمريكا دعم دولة ثرية مثل إسرائيل إلى الأبد؟صحيفة القدس، 23يوليو/تموز2023،(تاريخ الدخول: 10 اغسطس/آب 2023):https://tinyurl.com/36r86ws9

[6]_ مرام موسى، العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.. هل تصل إلى مرحلة القطيعة يومًا؟، موقع نون بوست، 9اغسطس/آب2022،(تاريخ الدخول: 10 اغسطس/آب 2023):https://www.noonpost.com/content/47677

[7]_إبراهيم درويش، مصدر سابق

[8]_ستيفن والت، حان الوقت لانهاء العلاقة الخاصة مع إسرائيل، موقع فورين بوليسي، 27 مايو/ايار2021،(تاريخ الدخول: 10 اغسطس/آب 2023):https://tinyurl.com/v6sbp2y5

[9]_إبراهيم درويش، مصدر سابق

[10]_ستيفن والت، مصدر سابق

[11]_جوشوا ميتنيك، “فورين بوليسي”: لماذا لا تستطيع أميركا دفع “إسرائيل” للانفصال عن الصين؟، صحيفة الميادين، 18يونيو/حزيران2020، (تاريخ الدخول: 9اغسطس/آب 2023):https://tinyurl.com/ye6ecb7k

[12]_المصدر السابق

[13]_شيرا إيفرون وآخرون، العلاقة المتطورة بين إسرائيل والصين،(مؤسسة راند، مارس 2019)

[14]_أساف أوريون، مصدر سابق

[15]_شيرا إيفرون وآخرون،  مصدر سابق

[16]_أساف أوريون، مصدر سابق

[17]_شيرا إيفرون وآخرون،  مصدر سابق

[18]_عدنان أبو عامر، كاتب إسرائيلي يستعرض دوافع نتنياهو لزيارة بكين، موقع عربي 21،13 يوليو/تموز2023، (تاريخ الدخول: 9اغسطس/آب 2023):https://tinyurl.com/4ju5ehud

[19]_شيرا إيفرون وآخرون،مصدر سابق

[20]_جوشوا ميتنيك، مصدر سابق

[21]_شيرا إيفرون وآخرون،مصدر سابق

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى