مفاوضات صفقة التبادل إلى أين؟
بقلم : د. عقل صلاح – كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية.
- المركز الديمقراطي العربي
لقد أقدمت حركة حماس على عملية طوفان الأقصى للعديد من الأسباب، وفي هذه المقالة نسلط الضوء على السبب الرئيس للطوفان ألا وهو تحرير الأسرى المؤبدات من السجون الإسرائيلية، فهؤلاء الأسرى هم من قادوا الحركة للصعود السياسي، وهم قادة من الوزن الثقيل في الحركة والفصائل الفلسطينية، ومنهم من تجاوز على اعتقاله أكثر من ثلاثة عقود، وإسرائيل ترفض إطلاق سراحهم وترفض دفع ثمن إطلاق سراح الجنود والضباط الأربعة لدى المقاومة. فهذا الرفض أوصل الحركة إلى أن إسرائيل تريد قتل الأسرى في السجون ولا تريد الإفراج عنهم، وتحديدًا من تم رفض الإفراج عنهم في صفقة جلعاد شاليط، وهذا ما توصل له الأسرى أنفسهم، فكان لرسائلهم الناقدة للحركة تأثير للتحفيز لزيادة الغلة من خلال الطوفان لإجبار إسرائيل على إطلاق سراحهم؛ حيث تم احتجاز المئات من الجنود والضباط والمستوطنين الذين ما زلوا في قبضة المقاومة لإجبار إسرائيل على إطلاق سراح المؤبدات، حيث جرت المفاوضات في نوفمبر المنصرف وتم التوصل لهدن إنسانية وتم إطلاق جزء من الرهائن مقابل إطلاق سراح أسيرات وأسرى فلسطينيين. ومن هنا نتناول موضوع المفاوضات المستمرة وإلى أين وصلت؟، وهل هناك صفقة؟، وهذا يقودنا لتناول العوامل الدافعة لإتمام الصفقة والمعيقات لها، وتتمثل هذه العوامل في التالي:
- صمود المقاومة والشعب على الرغم من حجم الكارثة التي أحدثتها إسرائيل في غزة على جميع الصعد. ديمغرافيًا، وصل عدد الشهداء إلى أربعين ألف شهيد وحوالي 80 ألف جريح، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وتم اعتقال الآلاف من القطاع والضفة. كما قامت إسرائيل بتدمير أكثر من 80% من القطاع وتدمير كل المؤسسات الصحية والتعليمية والخدماتية واستخدام سلاح التجويع؛ إلا أن الشعب الفلسطيني مازال صامدًا بظل صمود المقاومة التي استطاعت ومازالت تحقق المزيد من الخسائر البشرية والمادية بجيش الاحتلال وتوجه له الضربات المتواصلة على مدار سبعة أشهر. وحتى التهديد في اجتياح رفح لن يجبر المقاومة على التسليم بشروط نتنياهو فلا صفقة بلا توقف للحرب والانسحاب الكلي من القطاع وعودة المهجرين إلى مناطقهم السكنية ورفع الحصار وتبادل أسرى وفقًا لشروط المقاومة. بالإضافة إلى وحدة فصائل المقاومة والانسجام التام ما بينهم وتفويض كتائب القسام بالمفاوضات وهذا يزعج إسرائيل والعديد من الأطراف. فإسرائيل تفاوض المقاومة بالدماء الفلسطينية من خلال سياسة الضغط عليهم بالمجازر المتواصلة، والضغط على قادة حماس من خلال الدول العربية بالقبول في الشروط الإسرائيلية، ووصل الحد بتهديد القادة السياسيين في طردهم من قطر، وعند فشلهم في هذه النقاط بدأ التهديد باجتياح رفح.
- الإعلام المقاوم الذي استطاع بث الكثير من مشاهد القتال واستهداف جيش الاحتلال وقتل الضباط والجنود وقنصهم وتدمير الآليات العسكرية، مما منح الشعب الفلسطيني مزيدًا من الثقة بالمقاومة والصمود وشكلت هزيمة نفسية للجيش والمجتمع الإسرائيلي، وشكل ضربة قاصمة لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، ففي كل فيديو تبثه المقاومة تحبط معنويات جنود الاحتلال، وتضحض السردية الإسرائيلية التي تتحدث عن القضاء على المقاومة في غزة. أما بث المقاومة لمقاطع الفيديوهات المصورة للرهائن الذين تحتجزهم في القطاع وهم يناشدون حكومتهم وقف الهجوم على غزة وإطلاق سراحهم، وذلك بالتزامن مع مرور أكثر من 200 يوم على بدء الحرب، يعد حرب نفسية كبيرة تمارسها المقاومة على الاحتلال، وتفضح سياسات نتنياهو وجميع من تحدثوا في الفيديوهات من الرهائن يحملون نتنياهو المسؤولية عن تعطيل مفاوضات الإفراج عنهم وعن قتل العديد من الرهائن من خلال استمرار الحرب.
- جبهات المساندة والمتمثلة في حزب الله الذي شكل عامل ضغط على الاحتلال، حيث رفض توقف استهداف المواقع الإسرائيلية قبل توقف الحرب على غزة. وجبهة اليمن التي استهدفت خطوط الإمداد لإسرائيل من خلال البحر الأحمر، مما أدى إلى خسارة مادية لإسرائيل، وبالإضافة إلى استهداف القواعد العسكرية الإسرائيلية والأمريكية وهذا ما فعلته أيضًا المقاومة العراقية، وانضمام جبهة الإسناد البحرينية إلى الجبهات المساندة، حيث شكلت هذه الجبهات إنهاكًا لقوات الاحتلال مما استدعى أمريكا وبريطانيا وفرنسا والعديد من دول المنطقة للدفاع عن إسرائيل والقتال عنها، وأصبح واضحًا ومنكشفًا دورها بعد اغتيال إسرائيل للقادة في القنصلية الإيرانية في دمشق والرد الإيراني بقصف إسرائيل في المئات من المسيرات والصواريخ التي وصل جزء منها للقواعد العسكرية الإسرائيلية والغالبية منها تم اعتراضها من قبل الدول المذكورة أعلاه التي شكلت قبة حماية للاحتلال.
- الاستقالات في صفوف قادة الاحتلال، فقد قدم الجنرال أهارون هاليفا رئيس شعبة الاستخبارات استقالته من منصبه بعد إقراره بـمسؤوليته عن فشله في كشف عملية طوفان الأقصى، حيث قال زعيم المعارضة يائير لبيد أنه كان من الأنسب أن يحذو نتنياهو حذوه. وأن هذه الاستقالة ستتدحرج وتصل إلى استقالة العديد من القادة منهم رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي، ورئيس جهاز الأمن العام الشاباك رونين بار، وكبار الضباط والجنرالات.
- الخشية من صدور قرارات بحق قادة الاحتلال من المحكمة الجنائية الدولية حيث تزداد المخاوف من إصدار مذكرات اعتقال ضد قادة حكوميين وعسكريين، وأن مذكرات الاعتقال بحق مسؤولين كبار من ضمنهم نتنياهو ربما تصدر سرًا، ولن تكشف إلا عند سفرهم إلى دول أوروبية دون سابق إنذار، ويدعم ذلك الكارثة الإنسانية في القطاع، وتصريحات عدة دول بأن إسرائيل تنتهك القانون الدولي، فضلا عن معاملة السكان المدنيين في القطاع بطريقة تنتهك اتفاقية جنيف الرابعة، حيث طلب نتنياهو من وزيري خارجية بريطانيا وألمانيا مساعدتهم في القضية أمام المحكمة الدولية، ولم تستبعد صحيفة معاريف أن يتم تقديم نتنياهو إلى المحاكمة الدولية في حال لم يتم الامتثال للأوامر الصادرة عن المحكمة، والتي قد تتمثل بقرارات مستقبلية تطالب إسرائيل بوقف فوري للحرب.
- وصول إسرائيل وبالتحديد قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية إلى قناعة استحالة الحسم العسكري، وذلك بعد سبعة أشهر دون تحقيق أي من أهداف الحرب مما شكل عامل إحباط للجيش وتحطيم لصورته.
- الخلافات الداخلية في مجلس الحرب، حيث تعصف في المجلس خلافات حادة تعكس صراعًا على النفوذ بين نتنياهو وكل من غادي آيزنكوت، وبيني غانتس وقد توسعت لتشمل أيضًا يوآف غالانت وهؤلاء هم ثقل القرار الذي يتحكم بالحرب ويهددون بالانسحاب من الحكومة. ويرى قادة الجيش بأن نتنياهو يعرض إنجازات الحرب للخطر، ويتسبب بمخاطر إستراتيجية كونه لا يقرر في القضايا الجوهرية، منها صفقة التبادل وقضية رفح، وفي حرب الاستنزاف على الحدود الشمالية وموازنة الجيش، الأمر يشبه تمرد الجنرالات قبيل حرب الأيام الستة، وتفاقمت بعد استقبال غانتس في أمريكا دون إذن نتنياهو، واتهامه من قبل نتنياهو أنه يخلق قيادة بديلة والخلاف مع يوآف حول موقف المؤسستان العسكرية والأمنية المتعلقة بمن سيحكم غزة بعد الحرب، وبتشريع قانون يتيح تجنيد اليهود الحريديم المتدينين، وهما قضيتان قد تطيحان بنتنياهو من منصبه.
- اتساع الاحتجاجات والتظاهرات لأهالي الرهائن الذين يطالبون بإبرام صفقة لتبادل الأسرى ووقف الحرب، وأكثر من ذلك استقالة نتنياهو وتحميله المسؤولية. وهذه المظاهرات تزداد حدتها في الشارع الإسرائيلي ولهم أنصار مؤيدون لمطالبهم من أعضاء مجلس الحرب ومن الضباط الكبار المتقاعدين الذين يحثون على عقد صفقة فورًا، وأن شعارات المتظاهرين تؤثر على مجريات رسم السياسات في مجلس الحرب وهذا واضح في موقف الثنائي غانتس وآيزنكوت. أما العوامل الضاغطة على الإدارة الأمريكية الشريكة في الحرب، فهي كالتالي:
- الاحتجاجات الشعبية المتواصلة والمتسعة في الدول الأوروبية وأمريكا، وما تزال العديد من مدن العالم تشهد حراكًا شعبيًا واسعًا ضد الحرب، شارك فيه ملايين المتظاهرين، للمطالبة بوقف الحرب وإغاثة سكان غزة، وتحرير فلسطين. وربما ينضم لهذه الاحتجاجات فئات أخرى من الدول الأوروبية والعربية مما يشكل عامل ضغط على دولهم لتغيير مواقفها، حيث أثبتت الاحتجاجات العالمية على مر العصور قدرتها على إحداث التأثير الإيجابي المطلوب في القرارات السياسية.
- انتفاضة الطلاب في الجامعات الأمريكية ضد حرب الإبادة، وهؤلاء الطلاب هم نخبة النخبة وهم أبناء المسؤولين ورجال الأعمال والنواب الذين يتعلمون في جامعاتهم مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بينما دولهم تشارك في القتل والإبادة والتجويع، فهذه الانتفاضة لها تأثير كبير على مجريات الحياة في أمريكا التي تعتبر صاعقة للإدارة الأمريكية ولها تأثير على المدى البعيد على مستقبل إسرائيل وبالتحديد في جامعة كولومبيا كون هؤلاء الطلاب هم النخبة الذين سيصبحون قادة المستقبل ويحملون الأفكار المعادية لإسرائيل مما يهدد مستقبلها، فهذه الانتفاضة سوف ترضخ لها الإدارة الأمريكية من خلال الضغط على إسرائيل لإيجاد مخرج لوقف الحرب من خلال صفقة لا تظهر إسرائيل بمظهر المهزومة.
- الاستقالات في وزارة الخارجية الأمريكية، حيث تم تقديم العديد من الاستقالات اعتراضاً على سياسة أمريكا لدعمها لإسرائيل، فقد قدمت المتحدثة باسم الوزارة هالة غريط، استقالتها، وهذه ثالث استقالة على الأقلّ من الوزارة بسبب الحرب، وكانت أنيل شيلين، من مكتب حقوق الإنسان بالوزارة، أعلنت استقالتها، كما استقال المسؤول بالوزارة جوش بول، واستقال طارق حبش، المسؤول في وزارة التعليم، وتتعرض أمريكا لانتقادات دولية متزايدة من جماعات حقوق الإنسان.
- وضوح صورة أمريكا المتورطة في الإبادة والتجويع وقتل الأطفال والنساء من خلال الدعم المستمر من قبلها لإسرائيل في الأسلحة، واستخدامها حق النقد (الفيتو) العديد من المرات منذ السابع من أكتوبر الذي يعتبر الدرع الحامي للاحتلال وممارساته الإرهابية، حيث استخدمته في 18 نيسان/أبريل 2024 لمنع صدور قرار يفتح الباب أمام منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. فقد تعرضت أمريكا لهزيمة استراتيجية كبرى بسبب حرب التجويع والإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة وسقطت كل المفاهيم الديمقراطية أمام وحشية إسرائيل ومن يدعمها. كل ذلك يشتد في ظل الانتخابات الأمريكية القادمة والتحول في موقف الناخبين بسبب موقف جو بايدن وتعامله مع إسرائيل ودعمها المطلق في حرب الإبادة.
كل هذه العوامل سابقة الذكر داعمة لإتمام الصفقة يقابلها عامل واحد يقف في طريق وقف الحرب وإجراء صفقة تبادل وهو عامل المصلحة الخاصة (السياسية) لنتنياهو والائتلاف الحكومي الذي سوف ينهار مباشرة في حال موافقة نتنياهو على الصفقة؛ فقد هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وزير الأمن القومي بالانسحاب من الحكومة مما يجعل نتنياهو عرضة للمحاكمة والسجن، بالإضافة للفشل الذريع الذي يتهرب نتنياهو من تحمله في السابع من أكتوبر وعدم تحقيق أي من أهدافه وزيادة حدة الانتقادات المتعلقة في إدارة الحرب وملف الرهائن وطريقة إدارة المفاوضات.
هذا العامل هو العامل الحاسم في إتمام الصفقة من عدمها على الرغم من إعلان زعيم المعارضة يائير لابيد عن توفير غطاء لاستمرار حكومته لمدة سنة، إلا أن نتنياهو متخوف من عرض لابيد، فهو يثق أكثر في بن غافير وسموترتش اللذان في أمس الحاجة لنتنياهو لتنفيذ خططهم الاستيطانية، فنتنياهو هو من اعلن بكل وضوح أنه من أحبط إقامة دولة فلسطينية، وأنه مقترب من سياسة سموترتش وبن غفير من السلطة الفلسطينية ودورها ولولا الشابك وموقفهم بعدم انهيارها لقام نتنياهو في تفكيكها وهذا قد يكون هدف نتنياهو ما بعد الحرب على غزة، إذا لم تعمل السلطة المتجددة في العلن على تنفيذ كل الشروط الإسرائيلية الأمريكية المطلوبة منها. وهذا سيجعل السلطة عرضة للمخاطرة بوجودها في حال أقدمت على المس في القضايا الوطنية وفي مقدمتها قضية الأسرى، في ظل تعاظم وتصاعد اعتداءات المستوطنين على المواطنين بحماية الجيش، ومن المتوقع أن تزداد الاعتداءات لتصل لحد المجازر، كل ذلك يحدث وسوف يحدث بظل عجز السلطة عن توفير الحد الأدنى من الحماية للشعب في الضفة مما يعجل لا مبرر لوجودها.
على الرغم من المعيقات التي سبق ذكرها أمام إتمام الصفقة إلا أنه يمكن تنفيذ الصفقة ووقف الحرب من خلال الحسم من قبل الرئيس بايدن، كونه الشريك الفعلي في الحرب وهو من يدعم إسرائيل على جميع الصعد وعلى جميع المستويات الدولية، إلا أنه مازال يوفر الغطاء للحرب ويناور ويفاوض ويضغط على المقاومة ليحقق لنتنياهو من خلال المفاوضات والسياسة ما لم يستطع تحقيقه في الحرب، ولكن بظل صمود الشعب والمقاومة وانفضاح الضغط الأمريكي والعربي على المقاومة وفشل كل أساليب الضغط من قبل أمريكا ومن يدور في فلكها ويعمل على استرضاء بايدن، وتحميل حماس مسؤولية فشل إتمام الصفقة لتبرير اجتياح رفح؛ في النهاية سترضخ إسرائيل لمطالب المقاومة وتوقف الحرب وسوف يتحرر الأسرى المؤبدات الذين كانوا السبب الرئيس للسابع من أكتوبر، وهذا لا يمكن أن يحصل من خلال الورقة الحالية للمفاوضات التي لا يمكن القبول بها لكونها تفتقر للعمود الفقري وهو تحديد السقف الزمني لتوقف الحرب من خلال ضمانات حقيقية للتنفيذ، وأعتقد أن يكون شهري حزيران وتموز بداية نهاية الحرب.