الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

لـــــمــن الــيــوم الـــتــالي في غــــزة ؟

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

مرت سبعة أشهر وأربعة عشر يوماً بعد إنطلاق “عملية طوفان الأقصي” في 7أكتوبر2023 التي لا تخرج عن كونها “حرب تحرير” كتلك التي أطلقتها الجبهة الوطنية والمعروفة بـاسم الفيت كونج Viet Cong لتحرير جنوب وشمال فيتنام من الفرنسيين والأمريكيين فيما بعد ومن سلطة حكومة جنوب فيتنام , وقد مارست حماس كجبهة مقاومة مشروعة حقها الطبيعي – علي الأقل وفقاً لقرارات الأمم المتحدة – في محاربة الإحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية في القدس الشرقية و الضفة الغربية وقطاع غـزة  .

دوت صفارات الإنذار في القدس حوالي الساعة 6:30 صباحا بالتوقيت المحلي لتحذير المواطنين والاحتماء على الفور من الهجوم المستمر لحماس الذي كان في مستوطنات غلاف غزة وبعض المواقع العسكرية وأطلقت المقاومة الفلسطينية أكثر من 5000 صاروخ من قطاع غزة باتجاه الكيان الصهيوني خلال 20 دقيقة وفي اليوم ذاته أعلن رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو أن “إسرائيل في حالة حرب ” وفي خطاب متلفز من البيت الأبيض قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وشعبها ” وصوت مجلس الوزراء الأمني ​​الصهيوني لصالح إجراء يهدف إلى “تدمير القدرات العسكرية والحكومية لحماس ” وقام الكيان الصهيوني بقطع التيار الكهربائي عن غـزة فشركة الكهرباء الصهيونية تزوّد قطاع غزة بنسبة 80% من الكهرباء  وقام الجيش الصهيوني خاصة سلاحه الجوي بغارات إسرائيلية ضربت أهداف مدنية في معظمها بالقطاع  وأعلن مجلس الوزراء الأمني ​​الصهيوني رسميًا حالة الحربعلي حماس وغـزة للمرة الأولى منذ حرب يوم الغفران عام 1973 وفي 11 أكتوبر2023 شكل الكيان الصهيوني حكومة وحدة وطنية للتعامل مع حالة الطوارئ برئاسة رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع جالانت ووزير الدفاع السابق جانتس على رأس حكومة حرب وفي 13 أكتوبر2023 أصدر جيش الدفاع الصهيوني أمرًا بإخلاء التجمعات السكانية الواقعة شمال وادي غزة بما في ذلك مدينة غزة وأمر السكان وعددهم حوالي 1.1 مليون فلسطيني بالنزوح جنوبًا خلال 24 ساعة وهو ما أعتبرته الأمم المتحدة مستحيلا وحذرت من “عواقب إنسانية مدمرة حدة مستحيلا وحذرت من “عواقب إنسانية مدمرة” ودعت حماس سكان شمال غزة إلى ” الثبات في بيوتكم والمقاومة في وجه هذه الحرب النفسية المقززة التي يشنها المحتل” ودانت عدة منظمات دولية أمر الإخلاء باعتباره انتهاكا واضحا للقانون الإنساني الدولي وبدأت المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان بقيادة حزب الله في تفعيل مع عُرف بمحور المقاومة لمساندة المقاومة الفلسطينية بقيادة حــمـــاس في غـزة ولذلك وفي 15 أكتوبر أعلن الجيش الصهيوني عن البدء في إجلاء سكان المستوطنات التي تبعد كيلومترين عن الحدود اللبنانية , وفي 18 أكتوبر2023 قام الرئيس الأمريكي بزيارة دعم ومساندة للكيان الصهيوني وفي 27 أكتوبر وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدعو إلى هدنة إنسانية فورية في غزة بأغلبية 121 صوتاً مؤيداً وامتناع 44 عضواً عن التصويت (بما في ذلك إيطاليا) و14 صوتاً معارضاً بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة  .

مازالت الحرب دائرة في غــزة لكن حرب من نوع  آخر دائرة في تل أبيب بين المستوين السياسي والعسكري علي خلفية أزمة الأسري الصهاينة الذين وقعوا في حوزة حماس التي أجادت توظيف هذه الورقة بحيث أدي هذا التوظيف إلي شــق الجبهة الداخلية التي دخلت في نفق ممتد من الخلافات المتنوعة منها قضيةالأسري وقبلها قضية مايطلق عليه نتنياهو الإصلاح القضاتي وأضيف إلي ذلك إصدار قانون بتجنيد اليهود الحـريـديـم الذين ثاروا بسبب ذلك لكن الأخطر في كل ذلك الــصــدع الآخذ في التوسع ما بين المستويين السياسي والعسكري فكيف يمكن إتخاذ قرار ما في بيئة كـــهــذه ؟ ففي 18 مايو 2024 هدد بيني جانتس العضو الوسطي الشعبي في حكومة الحرب الصهيونية المكونة من ثلاثة أعضاء  يوم السبت بالاستقالة من الحكومة إذا لم تتبن خطة جديدة للحرب في غزة خلال ثلاثة أسابيع وأضاف : “لن نسمح لأي قوة خارجية صديقة أو معادية أن تفرض علينا دولة فلسطينية وتعني هذه العبارات أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيكون أكثر اعتماداً على الحلفاء اليمينيين المتطرفين لكن هذا الإعلان سيُؤدي إلى تعميق الانقسام في القيادة الـصـهـيـونية  بعد أكثر من سبعة أشهر من الحرب التي لم تحقق فيها إسرائيل بعد أهدافها المعلنة المتمثلة في تفكيك حماس وإعادة الأسري وطرح جانتس خطة من ست نقاط تشمل إعادة الأسري وإنهاء حكم حماس وتجريد قطاع غزة من السلاح وإنشاء إدارة دولية للشؤون المدنية بالتعاون الأمريكي والأوروبي والعربي والفلسطيني (وهو بند  تبنته قمة الحكام العرب في البحرين في 16 مايو2024) وتدعم الخطة أيضًا الجهود المبذولة لتطبيع العلاقات مع السعودية وتوسيع الخدمة العسكرية لتشمل جمــيع الصهاينة , وعلي التوازي أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت العضو الثالث في حكومة الحرب أنه لن يبقى في منصبه إذا اختارت حكومة الصهاينة إعادة احتلال غزة كما دعا جالانت الحكومة إلى وضع خطط للإدارة الفلسطينية للقطاع وأضــاف قـولـه إن “الاعتبارات الشخصية والسياسية بدأت تتسلل إلى قدس الأقداس لأمن إسرائيل” ويتهم منتقدو نتنياهو رئيس الوزراء بالسعي لإطالة أمد الحرب لتجنب إجراء انتخابات جديدة وهو ما ينفيه نتنياهو .

رد نتنياهو علي تـهـديـد بيني جانتس في بيان نقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية في نـفـس اليوم بالقول إن جانتس اختار إصدار إنذار نهائي لرئيس الوزراء الـصـهـيـوني بدلا من حماس ووصف شروطه بأنها “تعبيرات ملطفة” لهزيمة إسرائيل ومن شأن إستقالة بيني جانتس أن تجعل نتنياهو مديناً بالفضل تماماً لحلفائه من اليمين المتطرف الذين يتخذون موقفاً متشدداً في المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسري الذين يعتقدون أن الكيان الصهيوني يجب أن يحتل غزة ويُعيد بناء المستوطنات اليهودية هناك , وهذه السجالات المُشبعة بالإنتقاد المتبادل أحـــال شـــبــكــة الـعلاقات السياسية والحزبية داخل الكيان الصهيوني ممزقة شر ممزق والسبب الرئيسي هو طــوفــان الأقصي في 7 أكتوبر2023  وتداعياته المختلفة والتي منها أن تفاعل كل هذه التداعيات معاً  قد يؤدي إلي إزاحــة نتنياهو من منصب رئيس الوزراء بل وإنهاء حياته السياسية وربما من يتحالفون مـعـه وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه سيتم استبدال نتنياهو في الانتخابات مع كون جانتس هو المرشح الأكثر ترجيحًا ليكون رئيس الوزراء المقبل وهذا من شأنه أن يعرض نتنياهو للمحاكمة بتهم الفساد القائمة منذ فترة طويلة  .

في أول بادرة تتعلق بالوضع المستقبلي في غــزة أعلن رئيس الوزراء الصهيوني  نتنياهو في7 نوفمبر2023 في مقابلة مع شبكة ABC : “أن إسرائيل ستتولى مسؤولية الأمن” في قطاع غزة بمجرد انتهاء الحرب ”  , مما يعني أن نتنياهو يرفض بشكل عـمـلي مبدأ الدولتين  وهو في هذا يتفق مع بيني جانتس الذي أعلن بوضوح رفضه لمبدأ ” حل الدولتين” الذي تروج له الولايات المتحدة وهو الأمـر الذي يؤكد وحــدة الرؤية الصهيونية فيما يتعلق بمآلات حرب غـزة أو مـا يُدعـي باليوم التالي للحرب في غـزة فالرؤية الصهيونية مع إحـــتلال دولي بإشراف ومراقبة وسيطرة صهيونية فـعـليـة علي قـطـاع غــزة , وقد أشار المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي أن “إعادة احتلال غزة ليست فكرة جيدة “ومن جانبه وفي 8 نوفمبر2023 صرح وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في قمة مجموعة السبع في اليابان بأن “الخطوط الحمراء للإدارة الأمريكية : لا تهجير قسري للفلسطينيين من غزة ولا استخدام لغزة كمنصة للإرهاب ولا لإعادة احتلال غزة” فقط هكذا بدون أي إجراء مادي أمريكي وكأن العملية مجرد توزيع أدوار لا أكثر لكن مع أن الولايات المتحدة ترفض إعادة إحــتلال غــزة نـري حكام العرب في قمتهم بالبحرين في 16 مايو2024 يدعون في البيان الخـتـامـي للقمة العربية الثالثة والثلاثين الذي تضمن20 بنداً إلي ما نص عليه البند : “سادساً : مطالبة مجلس الأمن الدولي بنشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى حين تنفيذ حل الدولتين وتحميل المجلس مسؤولية اتخاذ إجراءات واضحة لتنفيذ حل الدولتين ووضع سقف زمني للعملية السياسية وإصدار قرار من مجلس الأمن تحت “الفصل السابع” بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والقابلة للحياة والمتواصلة الأراضي على خطوط الرابع من يونيو لعام 1967وعاصمتها القدس الشرقية وإنهاء أي تواجد للاحتلال على أرضها مع تحميل إسرائيل مسؤولية تدمير المدن والمنشآت المدنية في قطاع غزة , وهو ما يــريده ويتمناه كل السياسيين والعسكريين بالكيان الصهيوني فـغـزة حسبما يرون ستكون في اليوم التالي لحرب غـزة تحت إحتلال دولي مُــدار بواسطة الكيان الصهيوني .

أري أن البيان الختامي لقمة البحرين وضعه أكثر من ثلاثة أشخاص فكيف تدعو هذه القمة بدون تفويض أو تــشــاور مـــســبق مـع المقاومة الفلسطينية المسلحة :حـــمــاس وحلفاؤهـا ولا من الشعب الفلسطيني في غــزة وهو يؤثر التضحية بالغالي من الأرواح وأمنه لمجرد أنه السبيل الوحيد للخلاص من الإحتلال الصهيوني هذا الشعب الأبي الباسل الذي قبل وأثناء وبعد هذا البيان يناضل من أجل إنهاء الإحتلال الصهيوني وفتح المعابر ورفع الحصاروإعادة الإعمار ولذلك كان يجب علي الجامعة العربية وأعضاءها أن تجعل بيان هذه الــقمة فيه القليل من المنطقية فكان أولي أن يدعو البيان الختامي إلي مطالبة مجلس الأمن الدولي بنشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد إقــرار إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والقابلة للحياة والمتواصلة الأراضي على خطوط الرابع من يونيو لعام 1967وعاصمتها القدس الشرقية وإنهاء أي تواجد للاحتلال على أرضها فكيف أنشئ دولة في غـــزة وهي تحت الحماية الدولية المسبقة كما أنه من المناسب أن يُتخذ قرار نشر قوات دولية بالتشاور والرضي من هذه الدولة ومؤسساتها المنتخبة فهكذا تُمارس الديموقراطية التي جعلتها الولايات المتحدة أحد معايير (زائفة) للتعامل مـع الدول  .

في أول رد فعل رسمي أمريكي اعتبرت الولايات المتحدة أن مقترح الجامعة العربية نشر قوات دولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة يمكن أن يضر بجهود إسرائيل لهزيمة حماس إلا أن واشنطن لم تذهب رغم ذالك إلى حد معارضته

وردا على سؤال بشأن هذه القوة المحتملة قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل في 16 مايو2023: “نحن نعلم أن إسرائيل تركز على… هزيمة حماس” وأضاف : “صراحة إن إضافة مزيد من القوات الأمنية قد يعرض هذه المهمة للخطر وأشار إلى أن بلاده ليس لديها بعد “تقييم حاسم” لبيان القمة لافتا إلى أن إرسال قوة قد يكون مقبولا أكثر بمجرد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة.

واضـح أن الولايات المتحدة تتذوق العدوان وتحرض الصهاينة وكأنهم أقل حرصاً علي العدوان تحرضهم علي تصفية حــمــاس التي يعلم كل ذي ضمــيـر أنها حـــركــة مـقـاومـة لكن الولايات المتحدة كدولة فقدت الضمير إلا من معظم قـطاع الـشباب في جامعاتها الذين إنتفضوا ضد سياسة دولتهم , وهنــاك وجه تشابه بين دعوة بيني جانتس الذي دعا إلي إنشاء إدارة دولية للشؤون المدنية بالتعاون الأمريكي والأوروبي والعربي والفلسطيني وبين ماورد بالبند سادساً في البيان الختامي لقمة البحرين الـ 33 وهو ما يشير إلي تشاور عربي مسبق مع الكيان الصهيوني بشأن ما تضمنه هذا البيان ولا شك أن دعوة كتلك لا تعني إلا إهدار بل إنكار عربي صارخ ومقيت لدماء 35 ألف شــهـــيـد مـُضاف إليه جهود مقاتلي حــمـــاس وحلفاؤها التي لو كان هؤلاء المجتمعون في المنـامــة يـــسـتــهــدفون شيئاً من المــصداقية لما يفعلون لدعو حــمـــاس (التي قد ترفض) للمشاركة في قمتهم حتي بحضور سلطــة رام الله المتآكلة المتناقـصة وهو أمــر لو حــدث فسيغضب هذا الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وآخرون

ما هــو اليــوم الــتالي ؟

هو اليوم الذي يقرر فيه طرفي الحرب في غـــزة إنهائها وهو يبدأ بوقف نهائي لإطلاق النار وهو نفسه اليوم الذي سيعلن فيه طرفي هذه الحرب بالتزامن عن إنتصار أحدهما علي عدوه ويشرع كل من طرفي هذه الحـــرب في إنـــــفـــاذ الواقع السياسي الذي يوفر له أمنه القومي وســـيـعـــمـل الصهاينة من جانبهم علي حــذف حماس مع معادلة اليوم التالي لحرب غــزة وكذلك سـتقـوم الولايات المتحدة بنفس الفعل كما ستعمل حــمــاس أيضاً علي حــذف الكيان الصهيوني من معادلة الواقع السياسي داخــل غــزة ما بعد حــرب غــزة بنفس القدر بل وأكثر , وبالطبع فهناك قدر لا نهائي من عدم المنطقية ولا الواقــعيــة لدي الكــيان الصهيوني في الرؤية الصهيونية المبدأية (إذ ليس هناك إتفاق نهائي بشأن رؤية اليوم التالي من جانب الصهاينة  رسمياً والمُعلن عبارة عن خطوط عامة) بــشـأن الـيوم الـتالي , فحماس صـارت رقم يراه كل من ألقي السمع وهو شهيد رقم أكبر وأهـم من الرقم الصهيوني , إذن حـــمــاس وكافة الفصائل الجهادية الإسلامـية المُـقُـاومة موجودة وفاعلة وأثبتت بما لا يدع مجال للشك في نديتها للكيان الصهيوني مُضاف إليه الدعم الأمريكي والأوروبي (الرسمي) وعــمــلــية حذفها من الواقع السياسي وهي بهذه الـنـديـة العسكرية في مواجهة الصهاينة نوع واضح ونــادر من الخبل والتعالي الفج الممجوج فلطالما أنكرت الولايات المتحدة أهمية وفاعلية وخطورة الفيت كونج في حربها في فيتنام إلي أن أضطرت صاغرة علي التفاوض معهم في باريس وإنــهــاء الــحــرب هناك , ومن دواعي السخرية المبكية أن معظم الحكام وإعلامهم ومفكريهم المقعدين والمــُعوقين ذهنياً المرتزقة يرددون ذات السردية الصهيونية بشأن اليوم التالي لحرب غــزة وكأنهم جميعاً أصيبوا بالعمي والصمم , وتشير يوميات هذه الحرب التي من أهم وأخطر سماتها أنها حرب بين جيش نظامي مدعوم من أقوي قوة عسكرية ودبلوماسية عالمية هي الولايات المتحدة الأمريكية وبين قوة مقاومة ذات بأس مؤهلة معنوياً لحرب تحرير رغم أن بني جلدتها خذلوها لدرجة تقديم العون والمساندة للصهاينة في تكرار فاجر لمأساة الأندلس الي بدأت بإعلان الوزير أبو الحزم بن جهور سقوط الدولة الأموية في الأندلس , تـشــر إلي أن دلائل الخذلان الـــعـــربي متعددة ويكفي أن أشير أنه في كلمته أمام قمة البحرين في 16 مايو2024وجه أمين عام الأمم المتحدة خطابه للحكام العرب قائلاً : “هذه عقبات تحول دون تحقيق التنمية السلمية وتعيقكم عن ضمان رفاه شعوبكم ويتطلب التغلب على هذه العقبات كسر الحلقة المفرغة من الانقسام وتلاعب الأطراف الأجنبية والمضي قدما معا لبناء مستقبل أكثر سلما وازدهارا لشعوب المنطقة العربية وخارجها” وأضاف قوله : “أن من شأن الاتحاد والتضامن على كامل نطاق العالم العربي إسماع صوت المنطقة ذات الأهمية الحيوية بمزيد من القوة وتعزيز تأثيركم على الساحة العالمية”ومن المؤكد أن أمين عام الأمم المتحدة يدرك بلا شك أنه يتكلم مع حكام أغلبهم مستبدين لا ضمير لهم فقدوا النخوة والإنسانية .

إن ســوء الــنــية والطوية من جانب الولايات المتحدة وبعض حلفاءها يتبدي في إستخداهم مُصطلح : ” اليوم التالي لحــرب غــزة ” مع أن الأكثر واقــيعــية أن يـسـتخـدموا مُـصـطـلح : ” الــحــل الـــسـيـاسي للقــضـــية الفلسطينية ” فهو مـصـطـلح يتسم بالشمولية كما أنه يُـــعيـن مـــوطــن الداء بالإضافة إلي أنه واقعي وأبعد ما يكون عن الغموض الذي يُميز مـصــطـلح : ” اليوم التالي لحرب غزة ” فهو يكشف عن غرضه بلا مواربة فـهو ” حــل ” وليس لــغزة وحدها بل لأصل وجذر الــحـــرب التي في غـــزة وهي فــرع لــصــراع مـــر قـــديم وقائم هو الصراع العربي / الفلسطيني / الصهيوني أي أنه ليس محصوراً في غـــزة وبالطبع فإن مصطلح اليوم التالي أعتبره علاجاً بالبتر وليس علاجاً مهنياً جراحياً  كما أن تحديد : لمن اليوم التالي  ؟  تـــال لأي أمـر ؟ وتالي لماذا ؟ وتالي لمتي؟  قد تساهم إجابة في توصيف وتعريف واضح لطبيعة وكنه هذا اليوم , لكن بدون هذه الأسئلة والأجابة الموضوعية عليها يظل هذا المصطلح خــــادعاً بل مُــــضـــلـلاً  .

الرؤيتان الأمريكية والصهيونية لما يُسمي باليوم التالي :

مـبدئياً فأي إدارة أمريكية مُقيدة بحماية والحفاظ وتنمية أمن الكيان الصهيوني فعلي سبيل المثال في 4يناير2024قال المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي : “لم نر أي شيء من شأنه أن يقنعنا بأننا بحاجة إلى اتباع نهج مختلف فيما يتعلق بمحاولة مساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها”وقبل ذلك بأيام قليلة أعلن البنتاجون عن بيع “قذائف مدفعية عيار 155 ملم ومعدات ذات صلة دون مراجعة الكونجرس” أما بالنسبة للكونجرس فإن مجلسي النواب والشيوخ يستعدان مررا حزمة مساعدات عسكرية لإسرائيل بقيمة 14.5 مليار دولار بالإضافة إلى 3.8 مليار دولار يتم تقديمها سنويًا بالفعل .

في هذا الإطار الصارم والثابت فإن أي رؤية أمريكية لليوم التالي علي حـرب غـزة لا يمكن أن نتوقع حــيــادهــا أو إستقلالها عن قضايا أخري فالإدارة الأمريكية تميل إلي إستعمال هذه الرؤية الإفتراضية في ما يُشبه المقايضة بقضية تطبيع السعوديين لعلاقاتهم مع الكيان الصهيوني إرتباطاً بهذه الرؤية  التي يُستبعد أن تكون منصفة أو حتي واقعية بمعني أن تعترف لحماس بالندية وللشعب الفلسطيني بأهلية السيادة الكاملة غير المنقوصة علي أرضه ومؤسساته المرتقبة بل ومستقبله في هذه الرؤية إن تقررت أو تضمنتها وثيقة رسمية صادرة عن الإدارة الأمريكية فلا توجد حتي الأن رؤية رسمية يُعتد بها للنقاش والفحص كل ما يصدر تصريحات جزئية ومبعثرة لكن الصورة العامة تشير إلي إستحـالة حـــيــادية أي رؤية أمريكية تُطرح في المستقبل , كما أن الرؤية الإفتراضية التي لدي الولايات المتحدة لن تكتفي بربط هذه الرؤية التي من المعقول أن تكون لـــغزة حــصــراً بل ستربطها أيضاً بالتحدي المتمثل في الردع الفعال لشبكة مـــحـــور الــمــقاومة الفعال والمُساند لــغزة والذي يضم إيران وإيران في العراق ولبنان وسوريا واليمن وهذا المحور ثبتت فعاليته وجاهزيته وقد اكتسب أولوية أكبر بالنسبة لواشنطن منذ بداية حرب غزة ففي منتصف عام 2023 اعتقدت إدارة بايدن أنها احتوت هذه الجهات الفاعلة من خلال تسوية مؤقتة غير معلنة مع طهران لكن تصاعد الهجمات التي تشنها هذه الجماعات بعد 7 أكتوبر2023 دفع الولايات المتحدة إلى الرد بشكل مباشر أكثر على إيران والمرتبطين بها بينما تأمل الولايات المتحدة في تجنب صراع عسكري واسع النطاق ومما يزيد من صعوبة هذه المهام حقيقة أن هذا المــحــور ينسق فيم بينه ويتلقى المساعدات المالية والاستخباراتية والأسلحة الإيرانية لكن الأمريكيين يدركون أن المحور وحداته مستقلة إلي حد كبير عن إيران .

يعتقد كبار المسؤولين في إدارة بايدن أن فرص إقناع حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفدت لتبني رؤيتهم عن كيفية إنهاء الحرب في غزة وإحلال السلام الدائم في الشرق الأوسط فالجانبان الأمريكي والصهيوني متباعدان أكثر من أي وقت مضى فيما يتعلق بتكتيكات ساحة المعركة والاستراتيجية الشاملة لتحقيق هدفهما المشترك المتمثل في هزيمة حماس فقد صرح   Kurt Campbellوزير الخارجية الأمريكي أمام مؤتمر شباب حلف شمال الأطلسي في ميامي في 13 مايو2024 أنه “أعتقد أننا نكافح في بعض النواحي بشأن ماهية نظرية النصر وفي بعض الأحيان عندما نستمع عن كثب إلى القادة الإسرائيليين فإنهم يتحدثون في الغالب عن فكرة تحقيق نوع من النصر الساحق في ساحة المعركة النصر الكامل ولا أعتقد أننا نعتقد أن هذا محتمل أو ممكن” وعلى الرغم من التزامها بالدعم “الصارم” للدفاع عن الصهاينة فإن إدارة بايدن تعتقد أن استراتيجية الكيان الصهيوني  الحالية لا تستحق التكلفة من حيث الأرواح البشرية والدمار ولا يمكنها تحقيق هدفها وستقوض في النهاية الأهداف الأمريكية والصهيونية الأوسع مدي في الشرق الأوسط وإضافة إلي  Kurt Campbellيناقش مسؤولون دبلوماسيون واستخباراتيون وعسكريون أميركيون وصهاينة العلاقة الحساسة والمستقبل المشحون بين الجانبين خاصة إذا فشل مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض Jake Sullivan  في التوصل إلى نتائج ملموسة خلال زيارته  إلى الكيان الصهيوني في 19 مايو2024التي يرافقه فيها   ثالوث من كبار مساعدي بايدن بشأن هذه القضية بما في ذلك منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط  Brett McGurk  والمستشار الرئاسي Amos Hochstein و Derek Chollet مستشار وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي قال في مؤتمر صحفي في 15 مايو2024 في كييف: “لقد قمنا بالكثير من العمل في هذا الشأن مع شركاء في العالم العربي وخارجه على مدار عدة أشهر , لكن من الضروري أن تقوم إسرائيل أيضًا بهذا العمل وتركز على ما يمكن ويجب أن يكون عليه المستقبل”وأشار بلينكن إلى ” أن  الكيان الصهيوني لا يستطيع ذلك ويقول إنه لا يريد المسؤولية عن غزة ونحن لا يمكننا أن نجعل حماس تسيطر على غزة فلا يمكن أن يكون لدينا فوضى في غزة (!!!!؟؟) لذلك يجب أن تكون هناك خطة واضحة وملموسة ونحن نتطلع إلى أن تتقدم إسرائيل بأفكارها “.

لا توجد رؤية إستراتيجية للكيان الصهيوني بشأن غـزة ما بعد الحــرب ذلك أن رئيس الوزراء الصهيوني يتمسك بموقفه الذي كرره عدة مرات وهو الوعد بالنصر الكامل على حماس والذي يعتبره الآن مسألة مدي زمني يمكن  تحقيقه في مدي بضعة أشهر فنتنياهو يري أن الهجوم على رفح سيكون عمليا عن طريق الجهد العسكري الأخير للتغلب على حماس ومن شأن هذا أن يتيح السيطرة على القيادة في غزة وتدمير آخر كتائب حركة حــــمـــاس المتبقية وهو ما سيحقق بحسب رئيس الوزراء الصهيوني النصر الحاسم للكيان الصهيوني لكن يبدو أن هذه التصريحات تعكس حاجة رئيس الوزراء إلى بناء “قصة انتصار” أكثر من إدراك الواقع على الأرض فوفقاً لمصدر صهيوني مقرب من الدوائر العسكرية فإن مجلس الوزراء الحربي الصهيوني  يري في الواقع أن التقدم العسكري الذي تم إحرازه لم يكن  كما كان متوقعاً وهذا أيضاً هو تقييم المخابرات الأمريكية التي ترى أنه إذا تأثرت قدرات حماس فإن الجيش الصهيوني أبعد ما يكون عن تفكيك حركة حماس وحلفاءها الجهاد الإسلامي وغيرها  فضلاً عن ذلك وكما يتبين من عودة ظهور القوات المقاتلة وقوات الأمن في المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي فإن حماس تحتفظ بقدراتها العملياتية وتُظهِر شكلاً معيناً من أشكال المرونة والملاحظة الرئيسية في حرب غــزة هي أنه بقدر ما تعتبر حماس وحلفاءها نــداً عسكرياً لجيش الصهاينة فهي أيضاً نـــداً تفاوضياً محترفاً وبالتالي وكنتيجة فإن حــمـــاس لديها قـــدرات إدارة دولة فلم تُستبعد من ســــيـــنـــاريــوهات تـولي أمر دولة  ؟ أم أن المــراد تولي أناس مختارون أمر دولة ( في حالة تقرير حل الدولتين) أناس السمة الرئيسية فيهم أنهم غير مؤهلين وولائهم لمن عينهم أو ولاهم أمور غـــزة ولدينا حالة الـــمُــعوق ذهنياً محمود عـــباس خير شاهد علي إختيارات الصهاينة والأمريكيين , فحماس قادرة عسكرياً وتفاوضيــاً علي منـــازلــة الكيان الصهيوني وحلفاءه , ولذلك يبدو أنه لن يكون هناك نصر عسكري واضح لأي من الجانبين وبحكم الأمر الواقع فإن حـــمـــاس صارت بكل معني الكلمة القوة الوحيدة الفاعلة والتي تكافئ إن لم تتجاوز مدي القوة التي لدي الكيان الصهيوني وبالتالي فهي في نظر الفلسطينيين حركة المقاومة الحقيقية الوحيدة التي تستطيع مـواجــهــة الكيان الصهيوني حتي وهو مدعوم يومياً من الولايات المتحدة الأمريكية فزعماء حماس وليس زعماء فتح هم الذين سوف يؤثرون على نتيجة الحرب في قطاع غزة والتي ستعمل حدودها حتماً على إعادة تشكيل القضية الفلسطينية وأخيراً ولضمان قابليته للاستمرار فإن أي مشروع لإقامة حكم فلسطيني في غزة بعد الحرب أياً كان شكله سوف يتطلب بالضرورة التوصل إلى اتفاق مع حماس علي أساس كونها حـركة مـقاومـة بــاســلة وقــوة إسلامية أو حـــزب إســلامــي أياً ما كانت التسمية , والأهم إدارتها المثيرة للدهشة والإعجاب معاً علي إدارة القطاع بمنتهي الكفاءة والأمانة وهو مُحـــاصــر بـراً وبحـراً وجـواً لمدة  ســبــعـة عـشــر عـامــاً مــتصــلة في حين سقطت دول أخري بالعالم في هوة الفساد السحيقة وأستدانت وفقدت ســيــادتــهـا ومكانتها الإقليمية والدولية دون أي نوع من الحــصــار إلا من نوع واحد : حـــصـــارالإســتبــداد .

تري الولايات المتحدة الأمريكية أن الكيان الصهيوني ليس لديه تصور متكامل إطاري عن واقع اليوم الـتالي لحرب غـــزة فقد أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي Jake Sullivan لكبار المسؤولين الصهاينة في 19مايو2023بضرورة قيام الحكومة الصهيونية بربط عملياتها العسكرية في غزة باستراتيجية سياسية لضمان هزيمة دائمة لحركة حماس والإفراج الكامل عن الرهائن وتوفير مستقبل أفضل للقطاع وقد أكد ذلك Alon Pinkas  الدبلوماسي الإسرائيلي المخضرم والمستشار الحكومي الكبير السابق إن الغزو الموسع لرفح من شأنه أن يؤدي إلى مستنقع ويؤدي إلى مقتل المزيد من المدنيين وإن الإطاحة بحماس لن تكون ممكنة إلا من خلال الوسائل الدبلوماسية” كذلك أشار المسؤولون الأمريكيون إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها إدارة بايدن للحفاظ على العلاقة الحاسمة بين مصر والكيان الصهيوني وقالوا إنها عملت أيضًا أي الإدارة على إقناع الدول العربية بتطبيع علاقاتها المتوترة تاريخيًا مع الصهاينة باعتبارها حصنًا أمنيًا طويل المدى ضد إيران ووكلائها بما في ذلك حماس وللمساعدة في تأمين وإعادة بناء غزة كجزء من دولة فلسطينية جديدة والإدارة الامريكية تري في حــمــاس عــدو شأنها في ذلك شأن الكيان الصهيوني وإلي حد كبير بعض الأنظمة الـعـربية وليس الشعوب الـعـربية التي قاومت المحتلين قبل إستقلالها بكافة الوسائل وتنكر علي حماس اليوم مقاومتها للمحتل الصهيوني الذي يجاهر برفضه حـل الدولتين بالرغم من دعوة الولايات المتحدة وترويجها الدبلوماسي لهذا الـحـل .

معظم الرؤي المُتعلقة باليوم التالي لــحــرب غــزة التي تعدها مراكز الأبحاث الدولية الصهيونية والأمريكية التي تدعي البحث العلمي تدور في فلك من عدم الموضوعية والعجز الكلي أو الجزئي علي الحياد  ومن أهم نقاط هذه الرؤي كل أو بعض النقاط التالية :

– سلطة متعددة الجنسيات .

– هذه السلطة تكون تحت إشراف مجموعة اتصال دولية .

– قوة شرطة دولية تساند هذه السلطة .

– إدارة غزة بشكل مؤقت أو إلي مدي زمني مناسب إلي أن يتم تـحـييـد أو إجـتـثـاث سلطة حـمـاس .

– إحلال الأمن بقوة مـا وإزالة سيطرة حــماس على الحكم المدني والبدء في إعادة الإعمار المادي والاجتماعي في غزة وتوفير حياة أفضل لشعب غزة ليعيشوا في أمان وفرص وكرامة إلى جانب دولة إسرائيل .

– تبلغ أي من هذه الرؤي ذروتها بالانتقال إلى الحكم الفلسطيني المحلي والمسؤولية الأمنية بمجرد استيفاء الشروط أي أن معظم هذه الرؤي لا تميل إلي قيام دولة فلسطينية ذات سيادة ومُستقلة وتفضل خفض منسوب القوي لدي شعب فلسطين إلي مستوي سان مارينو وأندورا وهما دولتان تكدحان في كسب عيشهما من إصدار طوابع بريد تذكارية .

صحيح تماماً أنه لا توجد حتي الآن رؤية رسمية أمريكية بشأن “اليوم التالي لحرب غـزة ” لكن توجد حقائق ثابتة لا يمكن لأي رؤية أياً ما كانت أن تغفل عنها أو تحذفها ومن بين هذه الحقائق :

1- أن الإدارة الأمريكية إلي حد ما والكيان الصهيوني إلي أبعد حد لا تعتبر أو لا يمكنهما الآن أن يعتبرا أن حكومة حماس المنتخبة في 25 يناير 2006 بعد أن فازت حزب حركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية حيث عين إسماعيل هنية رئيسا للوزراء  الذي أنشأ حكومة وحدة وطنية فلسطينية مع حركة فتح هذه الأخيرة والتي انهارت فعليا بعد صراع عنيف مع حماس فيما يعرف بالانقسام الفلسطيني الذي بدا سافراً حين   رفض رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس في 14 يونيو 2007 الحكومة التي تقودها حماس وعين سلام فياض رئيسا للوزراء  وبالتالي فلا تعتبر الإدارة الأمريكية ولا الكيان الصهيوني  أنه توجد الآن حكومة في صندوق يمكن تركيبها في غزة في الوقت الحالي كذلك تفتقر السلطة الفلسطينية إلى المصداقية فهي عميل مُزدري وخادم للإدارة الصهيونية في الضفة الغربية وليس له حـــيــز في غـــزة لأنها ببساطة موطن البواسل النبلاء وكنتيجة فإن معظم قطاعات الشعب الفلسطيني والدول العربية  التي تُوصم بأنها مــُعتدلة ( فالتعبيرمزدوج فبعض التعبيرات بعد الربيع العربي ظاهرها إيجابي فيما باطنها سلبي تماماً كتعبير المواطنين الشرفاء) من جانبها تتجنب بل ترفض إدارة أو حكم غـــزة وبالتالي فهي علي الأقل غير راغبة في الاضطلاع بهذا الدور, كذلك لا تزال الانتخابات الرامية إلى إضفاء الشرعية على هدف الحكم (الذاتي) الفلسطيني في غزة بعيدة المنال فالسلطة الفلسطينية الحالية في رام الله تقوضت مصداقيتها بسبب عجزها وإنقيادها للسياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية وبالتالي فلا تستطيع ببساطة أن تعود إلى حكم غزة فكما أشرت فصورة السلطة الفلسطينية مــشـــوهــة بشكل مـرعـب وهي بالفعل قد حصلت علي شهادة بوفاتها يوم توقيعها إتفاق أوسلوا 1 أو ما سُمي بإعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي الذي وقع في واشنطن في 13 سبتمبر1993 .

2- أن الحــرب في غـزة بين الجيش الصهيوني وحــماس جـعلت حقيقة هذا الجيش عـارية فلا يمكن الإدعاء بعد حرب غـــزة أن الجيش الصهيوني ولا أجهزة الأمن الصهيونية مــتميزتان فهو جيش عادي لكنه مدعوم من أقوي قوة عسكرية في العالم وهي الولايات المتحدة وبالتالي فأي عملية تفاوض بين الولايات المتحدة وحـــماس ستكون ترجمة لمنسوب قوة حـــمــاس والجيش الصهيوني ( طبعاً لن تستعيد الولايات المتحدة تجربة تفاوضها مع طالبــان في قــطر ولكن سيكون المفاوض عن حــمــاس قــطر) وكذلك فإن تصدع وإنقــســامات  الجبهة السياسية والحزبية والرأي العام الصهيوني واضح للعــيـان وسوف لا يساعد المفاوض الصهيوني إن لم يــعوقه فيما الرأي العام في غـــزة مُســأند ومــتكــتــل وراء حــمـــاس بدليل قوة الــمــجــتمع الغزاوي علي تحمل التضحيات بشكل مُثير لكل المشاعر الإنسـانية.

3- أن القيادتين العسكرية والسياسية في غـزة مــوحــدة وقوية ومتماسكة وتكاد أن تكون جــسماً واحداً فيما القيادتين العسكريتين والسياسية في الكيان الـصـهـيوني عبارة عن أشـــلاء مبعثرة تحتاج لجهد ووقت كي تلتئم وإلا زادت أي مـفـاوضات مـرتقبة مـع حــمــاس من تجزئـــتها ومزيد من الإنقسام فيما بينها , وبالتالي فالإدارة الأمريكية في تطبيقها لرؤيتها(التي قد لا تتفق حــمايس معها) بحاجة إلي رأب صدع الحزبي والسياسي في الكيان الصهيوني لإنجاح تطبيق رؤيتها التي قد تنجح إن تفادت أو تجنبت نـــهــج الحدود الدنيا والــقــصوي وتوجهت مباشرة إلي نـــهـــج الــواقــعيـة الذي يتحري الأوزان الحقيقية فحماس الآن بعد المـــساندة المخلصة من محور المقاومة المعروف ليست هـي حـــماس قـــبــل 7 أكتوبر2023 فالتفاوض الأمريكي لتطبيق رؤية ما دائـــمـــة لن تفلح إلا بتحري الواقعية والإبــتــعاد عن سياستي الضغط والإملاءات فحماس ليست كذلك الســلطة الـفـلسطينـيـة التي لا تجيد غير التــفـريط والــتنــازل وتنمية مزارع الفساد في الضفة الغربية .

4- أن القيادتين السياسيتين في غزة ورام الله منقسمتين علي المستويين التكتيكي والإستراتيجي وتستند القيادة الفلسطينية في رام الله حيث تختبئ  كل السلطة الفلسطينية التي تقودها منظمة التحرير الفلسطينية إلي إتفاق أوسلو  وهي بموجب هذا الإتفاق الـمـتآكـل  مكتفية وراضية بدور الحارس الليلي أوالخفر sentinels للإحتلال الصهيوني في الضفة الغربية   علي حين تستند حــمـــاس إلي شرعية القتال والمـقـاومة والمثر للتأمل أن تولي السلطة الفلسطينية تم بواسطة إتفاق أوسلو الذي لم ينه الصراع الفلسطيني بل زاده إشتعالاً فالكيان الصهيوني جاهر رسميا ورفض أي كيان فلسطيني يتخذ هـيــئــة الدولة وبالتالي فهذا إقرار صهيوني بأن سلطة رام الله لن تنتقل لمرحلة أخري تتجاوز النطاق الضيق (الــتـنســيق الأمني) الذي أوكله الكيان الصهيوني إليها وبالتاي فلن ينظر الفلسطينيون إلي ســلـطة رام الله غير مؤهلة للتفاوض أو لأي دور مستقل في شــؤون غــزة , بناء علي ذلك وذلك أمر مـؤكد فعلي الولايات المتحدة أن تبحث عن صــيغة عــمــلية للتفاوض مع حـــمـــاس بالإضافة إلي البحث أيضاً عن صــيــغة أخري عــملية لحذف وإخـــراج سلطة رام الله من مـــعادلـة الـيــوم الـتالي في غـــزة أو إشراكها في مفاوضات اليوم التالي لإنتهاء حــرب غــزة ولكن بوزنها الحقيقي في الشارع الفلسطيني وهو بعد “طوفان الأقصي” متدني جداً وهو ما سيفقد المفاوضات – لو أنها عُقدت – مصداقيتها وفاعليتها فالسلطة إســـتـحـــالت إلي مــتغــير وهـــمــي Dummy variable  .

5- أن الولايات المتحدة سوف لا تتفاوض مباشرة مع حــمـــاس ومحور المــقاومة لكنها مــلــزمــة كي تكون مفاوضـاتها مع حمــاس مــثــمــرة أن تــضع في إعــتــبــارهـا الـــعـــلاقــات المُــــتــبــادلة بين حــمـاس ومــحــور الــمــقــاومــة فبين حـــمـــاس وهذا المــحــور وحــدة مـفاهـــيــم وليس من بين هذه المفاهــم مفهــوم عن الإعـتـدال  فـــحــمــاس ومــحــور الـــمــقــاومة كـلاهــمـا أقوي ومـــســتــقيــم  بالقدر العالي الذي لا يمكنه من أن يتبني مفهوم الإعتدال الذي لا يـــصــلح إلا للضعفاء المتهاونين وإنما يتبني مـــفهوم أصـــحـــاب الــحــق وهو عــبــارة عن خــط مـــســـتقــيـم بين نقطتين مــعروفــتيـن للــكــافــة .

6- أن هناك صــراع بين حــماس وعدد من الأنظمة العربية التي توصم بأنها “مـــعتدلة” وهو صراع مفاهيمي وأخلاقي فلا ثقة مـــتبــادلة تؤهــل هذه الأنظمة بالمشاركة أو حتي المُساهمة في أي حل  فمجرد مشاركتها نوع من أنواع المُـصـادرة علي هذا الـحـل وإفــشــاله  ,  فــحــمــاس تري هذه الأنظمة ذات شــخــصــية مزدوجة ومُـــقــيـدة وبالتالي فهي في الحسابات الـخـتامـيـة غير ذات جــدوي ولا يُعتمد عليها  وكنتيجة فإن أي تفاوض – لو كان ممكناً- فسيكون من الضروري معالجة تنظيمية مسبقة كل تنجح المفاوضات فلا يمكن بعد المقاومة الباسلة من حــمــاس لهذا الجيش الصهيوني الجرار تصور أن الولايات المتحدة أو الصهاينة بمكنتها فــرض حــل  أو تــصــور أن الأسري هم الأداة الوحيدة التي لدي حـــمــاس للضغط علي الكيان الصهيوني ويشارك مسؤولو الاستخبارات الأميركية البيت الأبيض في الشكوك حول إمكانية هزيمة حماس بشكل كامل , إن حــمــاس يمكنها وفقاً لأداءها القتالي الحالي تحقيق نصر مـؤسـساً علي عــدم قـدرة الكيان الصهيوني تـحـقـيـق نــصــر حـــاســم فلو أدخـلنا في معادلة خسـاب النـصـر تفكك الجبهة الداخلية الصهيونية والإنقسامات الــحزبية والتباينات الســيــاسـيـة التي قد تفضي بنهاية رئيس وزراء هذا الكيان والتــشـرذم الــمــجــتــعـي والخـسـائـر الإقتصادية والمالية الفادحة لعرقلة حـــمــاس عـجـلة الإقتصاد الـصـهـيـوني لسبعة أشهر مـتـصـلة وتـمـزق الجزء الأكبــر من صورة الجيش الصهيوني بل وجهاز المخابرات الصهيوني وخسارة جانب مهم من سوق السلاح الصهيوني خاصة في أفريقيا (الميركافا تحولت لعلبة صفيح صدئ) وإنقلاب المفهوم العالمي الذي كافح الكيان الصهيوني لترسيخه ومفاده :”أن إسرائيل دولة ديموقراطية عانت من الإبادة الهتلرية ومُحاطة بمحيط لـجـي من الـعــداء الــعـــربـي” إلي درجة إحــالة رئيس وزراء الكيان الـصـهيوني ووزير دفاعه لمحكمة الجنايات الدولية وبعض الشروخ القليلة الغير مسبوقة في مبني العلاقات الأمريكية / الصـهـيونيـة كل هذه وغيرها خــسائــر مني بها فــعلاً وليس تقديراً الـكـيان الـصـهـيوني ومن ثم فاي حـديث عن نــصــر حاسم للــكــيان الـصـهـيوني لن يتجاوز الحد الدعـائي , كما أن هذه الخـــسائر حاصل جمعها يعد مكاسب فعلية لـــحـــماس يُــضاف إليها مـسـتـقـبـلاً بدء تـفـاوض أمـريـكـي مباشر أو غيـر مـباشــر مع حــــمـــاس وحلفاءها  ولم لا وهم القوة التي إحـــتــكـــرت وشـــرفت بفــعـل الـمـقـاومـة في غــزة فسيكون من الجنون والإفك مفاوضة من لم يــقاوم فقد فاوض الأمريكيين من قبل قـاوموهـم سـواء الفيتكونج في فيتنام أو طالبان في أفغانستان وفي ضوء هذه التجارب السابقة فسيعتبر رفض الأمريكيين التفاوض مع حــمــاس وحلفاؤها خــــضوع واضــح للصهاينة هم الخــاسرون فيه  .

7- حـــمــاس تنظيم عـــقــيدي لابد من التخلص منه إما مرحلياً أو نـهـائـيـاً وهو قادر علي الحياة وسط أنظمة معظمها  ســـقـيــمــة تافهة ولا يجب أن يكون مـثالاً يُـقـتـدي فنجاح حـــمــاس ســيعقبه تكون فكر مـُقاوم يتبني عقيدة أقوي ونقية تماماً ثبت تاريخياً قدرتها الفائقة علي الإنتصار وثـــبت من تـجــربـة حـــماس أن عـــقـــيدة إسلامية مؤسسة علي قواعد إيمانية تنقل للحياة مثل نقية خـــيــرية تواجه بكفاءة وفعالية جـــيش صـــهيوني مشحون بالفكر التوراتي المؤسس علي خرافات وأساطير ملؤها الوحـــشـــيـة والتكبر والتعالي علي بني البشر جميعاً ( إشارة نتنياهو لـــسفـر أشــعـيا المـــزعوم) , فالكيان الــصـــهـــيوني هو المـــسمــوح له حـصـرياً أن يتبني عـــقـــيـدة ويؤلف ويبني دولـة عــقــيدية له أن يُنادي بها صراحـة دولة يهودية نـقـيـة غير قابلة للمس فهي محمية بقوانين مـُعاداة الــســامية , أما حـــماس فلا يجب أن تـقاوم فمـــقاومة حــماس تطرف وإرهـاب أما ما يفعله الجيش الـصهيوني فدفاع عن الـنـفس وهو ما رفض الإقتناع به شباب أمريكا وأوروبا بل والعالم كله فأنكشفت زيـــف حقيقة الدعاية الــصــهــيونيـة ومن سخريات الــقدر أن يتكون في توقيت حرب غــزة البــطولية بـمــصــر جــمــاعة هـــزلــية تــُسـمـي “تـكـويــن” مـــهـمـتــهـا كـان يـمكن لــيــهود خـــيــبر لو بُــعـثوا أن يقوموا بها علي نــحـو مــرض وهذه الجــمـاعة تكونت علي عــجل لأن حــرب غـــزة أشاعت الـنـور فجأة وسط ظلمة الـعرب بل في أرجاء المعمورة التي رات مـــظــالــم ووحــشــيـة التطرف الـصهــيـوني / الأمريكي / الأوربي , فــحــرب غــزة بــعد أن تضع أوزارهـا ســتبدا بعدها حـــرب مـــفـاهــيم وهي الــحـــرب الأصــعب .

8- من الــمُــرجح جـداً أن تكون الجهات الأمريكية / الصهيونية الـمـعــنـيـة قد إنتهت من وضع رؤية ســرية لن يـُعلن عنها فما سـيـُـعـلن عـنـه رؤية(خـطة) بديلة تــمـــهـد لتطبيق الرؤية الحقيقية إطارها الـعام أنها متوافقة تمامًا مع متطلبات الكيان الصهيوني الأساسية وهي بالطبع مؤسسة علي نفس الأسـس الصهيونية التوسعية التي أدمنت القيادات الصهيونية علي تعاطيها منذ أن أُعلن عن قـيـام دولة للكيان الـصـهـيـوني الغاصب في 15 مايو1948, هذه الرؤية ستكون بمثابة الإستراتيجية التي ستسعي أي إدارة أمريكية الحالية أو القادمة في نوفمبر2024 تنفيذها من خلال سياسات عــمــلية فما لم يـستـطع الكيان الصهيوني نـوالـه بالـحــرب سيــحــاول الأمـريكـان نـــواله بالـسـيـاسـة , وبينما يــغلب هذا الــفـكـر علي ذهـــنـيـة الساسة الأمريكيين تــظل تـجربتي المفاوضات مع الفيتكونج وطــالــبــان صـــالـــحــة للتـكـرار والإقتداء بهما علي أن يظل سـلاح حــمــاس مـــشــهــراً ويـظـل محور الـمـقـاومة في وضــع الإستـعـداد وجاهزاً لمواصــلة الدفاع لأن غــزة الـــعـــتبة الـثـانـيـة بعد فـلـسـطـيـن في إستراتيجية الـتوسـع الـصـهـيوني الذي أصـبح مداه إيـران ومـصر والعراق ولبنان والسعودية واليمن ولذلك يــمكن القـول أن غـــزة ضـــمنــاً تــنــاضــل لإفشــال إســتـراتـيـجــيـة التوسع الصهيوني الــمــرحــلـيـة .

إن بداية تنفيذ الرؤية الأمريكية / الصهيونية في غـزة ستكون عقب سقوط نتنياهو وربما كانت قـبرص المـسرح الذي يجري إعداده للتفاوض المباشر أو غير المباشر مع حــماس وكما أشرت يجب النظر لـهذه الرؤية علي أنها مـقـدمـة وتمـهـيـد للإستراتيجية الأمريكية / الصـهـيـونية الأوسع مدي ليس لغـزة فـحـسب بل لعموم الشرق الأوسط بما فيه مـصـر والـعـراق وإيران فهذه القوي الثلاث أعمدة الشرق الأوسط ويجب تفتيتها وقد تقوم الولايات المتحدة بمحاولة إزالة النظم بهذه الدول الثلاث كخطوة أولية لازمة للتفتيت فــحـرب غـــزة لا ينظرون إليها بالبصر بل بالبصيرة وبصيرتهم من طبيعـتهـا أنها بـصيـرة هــدامـة وليست بـصــيرة بنـاءة وهي بصيرة شــمــولــيـة Comprehensive وليست جـــزئـــيــة ولهذا يجب بصرامــة أن يكون هناك قدر عال من التنسيق والتشاور بين حـــماس وحلفاءها في داخل غــزة ومع مـحـور المـقـاومـة فهم مــعــنــيــون بإمــتـــيــاز بـــمرحلة التفاوض مع حــماس التي نــامل أن يــمن الله سـبـحـانه وتـعـالي عليها باليوم التالي المــشـــرق فــشعب غــزة دفــع عن طــيــب خــاطر حامــدا الله سـبـحـانه وتعالي المــهر الـغـالي لـهذا الـيــوم من دمــاء شــعبــه ومــقاومـيــه .

الـــــــســــفـــــيــــر : بـــــلال الــــــمــــصـــــري –

حصريا المركز الديمقراطي العربي – الـــقـــاهـــرة / تـحــريـــراً في 22 مايـو 2024

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى