الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

خيارات “نتنياهو” والضغط الأمريكي وما بعد “غانتس”

كتب : فراس ياغي –

  • المركز الديمقراطي العربي

 

يجادل الكثير في طبيعة العلاقة “الأمريكية – الإسرائيلية” ومدى الإستعداد من قبل “الولايات المتحدة الأمريكية” على ممارسة الضغوط على “الكيان الصهيوني” من حيث القدرة ومن حيث التوجه ومن حيث الإمكانية، وفي السياق التاريخي يبدو واضحاً أن لدى الإدارة الأمريكية القدرة، بل لديها كل المفاتيح التي من خلالها تستطيع أن تُطوّع فيه “إسرائيل”، ظهر ذلك في إتفاق الهدنة في “رودس” عام 1949 وفي حرب أكتوبر/تشرين أول عام 1973 وما لحقها من جولات “كيسنجر” المكوكية، وظهر أيضا في العام 1990 وضغط “بوش” الأب على رئيس وزراء إسرائيل آنذاك “إسحق شامير” حيث أرغمه على حضور “مؤتمر مدريد للسلام” والدخول في مفاوضات متعددة الأطراف ومفاوضات مع الوفد “الأردني – الفلسطيني” المشترك، وفي عام 1996 بعد أحداث النفق وإرغام “نتنياهو” على توقيع إتفاق “واي ريفير”، ويمكن تلخيص العلاقة بين الطرفين في بعض النقاط التالية:

أولا- الأمريكي يستطيع الضغط على دولة إسرائيل.

ثانيا- الأمريكي يستطيع أن يطرح خطة ويأتي به “أي الإسرائيلي” للمفاوضات.

ثالثا- الأمريكي لا يستطيع أن يفرض على “إسرائيل” أن يكون لأي مفاوضات نتيجة.

رابعا- الأمريكي يحاول دائما تحقيق المطالب “الإسرائيلية” التي لديه عليها أغلبية أو إجماع.

خامسا- التعارض “الأمريكي الإسرائيلي” من الصعب أن يتحول إلى تناقض لأن العلاقة الإستراتيجية أكبر بكثير من أي شيء آخر حتى لو كان ذلك لا يتماشى مع المصالح الأمريكية، لأنه يمكن تحقيقها بطرق أخرى.

سادسا- هناك ترابط أسموه قيمي وثقافي بين الطرفين، ولكن في حقيقة الأمر هناك ترابط يستند لأيديولوجيا الإنجيلية “المسيانية”، لمفهوم الصهيونية المسيحية، ولدور اللوبيات الصهيونية التي لها الكلمة العليا في الدولة العميقة الأمريكية، ولسيطرة كارتيلات الإقتصاد في الطاقة والمصانع العسكرية وشركات الأدوية والإعلام والتواصل الإجتماعي وغيرها وإرتباط ذلك بقوة مع تلك اللوبيات، وهنا أشير لما نقله الكاتب “نظير مجلي” في مقال له في جريدة القدس “روى المؤرخ توم سيجف أنه، يوم 3 أكتوبر 2001، دعا شارون المجلس الوزاريّ – السياسي الأمنيّ المُصغّر في حكومته إلى اجتماع لتدارس الدعوة الأميركيّة لإسرائيل بوقف إطلاق النار في الضفّة الغربيّة المُحتلّة. وخلال النقاش اعترض شمعون بيريس، على اتخاذ أي إجراء يستفزّ الحلفاء في واشنطن، إلا أن شارون ردّ عليه «لا تقلق يا عزيزي بشأن الضغط الأميركيّ، نحن الشعب اليهوديّ نُسيطر على أميركا، والأميركيون يعرفون ذلك.”

سابعا- يلاحظ أن الإدارات الجمهورية هي القادرة حين يكون لديها الإرادة للضغط على الحكومات الإسرائيلية.

ثامنا- يبدو أن الصهيونية العالمية التي تُعتبر “إسرائيل” ركيزتها وقاعدتها قد تحولت من كونها ” أداة متقدمة للإمبريالية العالمية على كل أدواتها لتتحول من حيث الحركة والأيديولوجيا إلى ركن من أركانها وتحت عنوان صهينة العالم، فأصبح هناك ترابط عضوي دون إلغاء التناقضات في إطار التحالف، هذا يعني أن النضال ضد الصهيونية ليس فلسطيني وعربي وإسلامي فحسب وإنما أصبح ضرورة عالمية” (بتصرف عن د. إبراهيم علوش، اللوبي اليهودي وأمريكا: من يسيطر على من؟، مركز باحث للدراسات الفلسطينية والإستراتيجية).

وكما هو واضح فإن حرب الإبادة والتطهير العرقي التي تمارسها ركيزة الصهيونية العالمية “إسرائيل” في “غزة” قد أحدث صحوة عالمية وكشفت حقيقة الصهيونية المتحالفة مع أعتى وأشرس الإمبرياليات التي تمثلها “الولايات المتحدة الأمريكية” مما أدى لبدايات إنتفاضة عالمية ضدها.

في واقع ما يحدث من حرب إبادة على قطاع غزة يمكننا القول أن هناك عوامل جديدة ظهرت صعّبت هذه المرة على “الأمريكي” تحريك العجلة التفاوضية وهذه العوامل تتلخص في مسألة واحدة وهي مستقبل “نتنياهو” الشخصي والسياسي في ظل ترأسه لأكثر حكومة متطرفة ومتشددة في تاريخ دولة “إسرائيل”، بمعنى أن أي ضغط أمريكي على “نتنياهو” سيقابله ضغط من قبل شركاءه المتطرفين “سموتريتش وبن غفير” في الإئتلاف، وحين يفاضل ذلك “نتنياهو” يجد أن مصلحته هي في إئتلافه وليس بما تُريد أمريكا خاصة وأنه يعلم أنها لن تتخلى عن دولة “إسرائيل” إذا ما تعرض أمنها للخطر، فالسلاح والدعم الإقتصادي لم ينقطع ولن ينقطع، بل ستأتي أيضا للدفاع عنها بأساطيلها وجيشها، وهي فعلت ذلك قديما في حرب أكتوبر حيث العديد من الطياريين الأمريكان شاركوا في المعركة بطائراتهم الأمريكية، وفي السابع من تشرين/أكتوبر حضرت بقوة ولا تزال أساطيلها وجيشها منتشر في البحرين الأبيض والأحمر، بل هي مُشتبكة مع “الحوثي” في اليمن لأجل “إسرائيل”، هذا عدا عن قواعدها أل “27” المنتشرة في الدول العربية و”قبرص” و “اليونان”.

إذا العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية هي إستراتيجية لا مكان فيها للتعارضات والخلافات بحيث تؤثر فيها وبما يؤدي لإتخاذ خطوات عملية ضاغطة وخطوات عقابية، ونلاحظ ذلك في دعوة “نتنياهو” لإلقاء خطاب في غرفتي “مجلس الشيوخ ومجلس النواب” وهذا وحده يُشير بأن قدرة الإدارة الأمريكية محكومة بإيقاع محدد بما يتعلق بوسائل الضغط على “إسرائيل”.

عليه، هناك قدرة أمريكية للضغط، ولكن لا يوجد توجه لدى إدارة “بايدن” للقيام بذلك أما الإرادة فهي محكومة بضوابط من قبل “اللوبي الصهيوني”، إذاً الرهان على الموقف الأمريكي في ظل طبيعة المشهد الحالي للنظام السياسي الإسرائيلي هو بغير ذي فائدة، لكن ديناميكية ذاك المشهد قد تؤدي لاحقا لتغيير في التوجه الأمريكي وفقا لمتطلبات ذاك المشهد خاصة بعد إنسحاب حزب “غانتس” من حكومة الطواريء وما يمكن أن ينتج عن ذلك من إنقسام حاد في داخل المجتمع الإسرائيلي، ولكن التغير الحقيقي في المشهد الإسرائيلي يكون وفقا لنموذج حرب عام “2006”، أي إستنجاد المؤسسة العسكرية والأمنية بالأمريكي للقيام بصفقة تُعفيهم من الهزيمة والإنهيار، وهنا اقول “الإنهيار” لأن المشهد الإسرائيلي مُحاط بحلقة نار تستنزفه بقوة في أربع جبهات هي، الجبهة الرئيسية “قطاع غزة”، جبهة “الشمال-لبنان” وجبهة “الضفة الغربية” وجبهة “الحوثي- اليمن” هذا عدا عن جبهة “العراق” و “سوريا” والمستندة جميعها للدعم “الإيراني” غير المحدود.

وفقا لذلك، دعونا نرى ما هي خيارات “نتنياهو” وكيف يستطيع الخروج من هذا المشهد بما يُبقي على وجوده الشخصي والسياسي، أو على العكس من ذلك بما يؤدي للقضاء عليه بشكل تام، لأن كل المُعطيات تؤدي لنقطة واحدة وهي إنتهاء وسقوط الملك “نتنياهو”، لذلك هو يتمسك بقوة بإستمرار حرب الإبادة على “قطاع غزة” وتحت مبررات أسماها أهداف، الكل يعلم أنها غير قابلة للتحقيق، بل حتى شعار “النصر المطلق” هو شعار شعبوي لا مكان له بعد كل هذا الخراب الذي أحدثه جيش “نتنياهو” والذي أدى لوضع دولة “إسرائيل” في أسوأ الظروف على المستوى الدولي وعلى مستوى الرأي العام العالمي.

لقد إستطاع “نتنياهو” خلال الثمانية شهور من حربه المستمرة أن يحقق التالي:

  • أولا- إسرائيل تحاكم بتهمة شبهة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في محكمة العدل الدولية.
  • ثانيا- المدعي العام ل “محكمة الجنايات الدولية” يطلب من المحكمة إصدار قرار بإعتقال كلا من “نتنياهو” ووزير دفاعه “غالانت”.
  • ثالثا- الأمم المتحدة تضع جيش “نتنياهو” على لائحة القائمة السوداء قاتلة الأطفال كالمنظمات الإرهابية “داعش والقاعدة وبوكو حرام”.
  • رابعا- إنسحاب حزب المعسكر الوطني “غانتس” مما سيعزز فقده للشرعية الداخلية والدولية ويؤدي لإنقسام حاد داخل المجتمع الإسرائيلي.
  • خامسا- قتل 16 أسير وهو يحاول عبر الضغط العسكري تحريرهم.
  • سادسا- الرأي العام خاصة في دول الغرب إنقلب بشكل جذري ضد دولة الكيان وأصبحت القضية الفلسطينية عنوان للحرية و للعدالة الإنسانية.
  • سابعا- إعتراف أربع دول من أوروبا بالدولة الفلسطينية في تطور لافت على عمق العزلة الإسرائيلية.

كل ذلك لم يؤدي مطلقا لأن يتراجع عن موقفه في الإستمرار في حرب الإبادة على شعبنا في “قطاع غزة”، بل على العكس إزداد عناداً وإصرارا على تحقيق ما أسماه “النصر الكامل”، إذا ما هي خياراته التي يعتقد هو أنها ستنقذه من حبل المشنقة في الداخل الإسرائيلي على ما أتى به لدولتهم، خاصة أنه يبحث عن تغيير هذا السجل الذي وصم فيه ويريد أن يأتي بسجل جديد ليتم تأريخه من قبل المؤرخين أساسه أنه جلب الإنتصار والأمن والإستقرار من جديد لدولة “إسرائيل” عبر ملحمة بطولية قادها الملك “نتنياهو”، طبعا هي أحلام وأمنيات، ولكن ما هي الخيارات:

  • الخيار الأول– تحقيق شعاره بالنصر الكامل من خلال القضاء مثلا على قيادة القسام وحماس في غزة وبالذات “السنوار ومحمد ضيف” والإفراج عن الأسرى والمحتجزين عبر الضغط العسكري، ويبدو هذا هو في باب الأمنيات.
  • الخيار الثاني– الذهاب لصفقة تبادل للأسرى وفق شروطه أي بعدم وقف دائم لإطلاق النار مما يعطيه الوقت بدون ضغط لا داخلي ولا عبر الجبهات المساندة للقيام بمهمات قتالية مركزة تؤدي مهمة النصر الكامل وتحافظ على حكومته وتعزز وضعه في إستطلاعات الرأي وبالذات لدى جمهور اليمين.
  • الخيار الثالث– الهروب للأمام والقيام بعملية عسكرية جوية محدودة في جنوب “لبنان” وحتى “الليطاني” في محاولة منه لعدم دخول حرب شاملة “رهان خاسر” تؤدي لتدخل دولي ينتج عنه صفقات على مختلف الجبهات وتُعفيه من إبتزازات “سموتريتش وبن غفير” وبالتالي يحافظ على إئتلافه الحاكم أو الذهاب لإنتخابات مبكرة إذا ما حقق إنجازات تؤدي لعودة النازحين من الشمال والجنوب وتحرير الأسرى عبر صفقة تبادل للأسرى، والإبقاء على الإنقسام بين الضفة وغزة.
  • الخيار الرابع– الذهاب إلى صفقة تبادل للأسرى وفقا لرؤيا الرئيس “بايدن” مع تعهدات أمريكية بمنع قيام المقاومة في غزة بترميم قدراتها العسكرية وإيجاد بديل عن حركة “حماس” في حكم “غزة” بعيدا عن السلطة الفلسطينية، ولكن هذا الخيار يتطلب موافقة من “سموتريتش وبن غفير” وهذا غير ممكن.
  • الخيار الخامس– إحتلال قطاع “غزة” ومحاصرته والإستمرار في الضغط على المقاومة بمعنى الدخول في حرب إستنزاف، لكن مشكلته ستكون مع جبهة الشمال التي هي مرتبطة بجبهة الجنوب، وبالتالي ستدخل “إسرائيل” في إستنزاف على مستوى كل الجبهات، وكما يبدو هذا هو المشهد القائم حاليا.
  • الخيار السادس– شراء الوقت عبر المناورات التفاوضية وحتى الذهاب لوقف إطلاق نار مؤقت، في رهان على مجيء صديقه السابق الرئيس “ترامب” مرة أخرى للبيت الأبيض، كي يشاركه حربه الإقليمية بشكل مباشر وبالذات مع المقاومة اللبنانية وفي مركزها “حزب الله”، وكما أعتقد فهو رهان لن يكون في محله، ولا أعتقد أن في وارد الرئيس “ترامب” بدء فترته الرئاسية إذا ما فاز في الإنتخابات بجر أمريكا إلى حرب ستتعدى الإقليمية لتصبح عالمية.

كل خيارات “نتيناهو” صعبة ومعقدة وفيها ما سيؤدي لنبذ كامل ستتعرض له دولة “الكيان” وهي الآن على طريق ذلك، لكني أجد أن أقرب الممكن هو الخيار الثالث أي الهروب للأمام في حرب محدودة ولعدة ايام على الأكثر “اسبوعين” في جبهة الشمال تؤدي وفق إعتقاده لعقد صفقات تُبقي عليه في رئاسة الوزراء أو تذهب به لإنتخابات مبكرة وتحت عنوان أنه حقق إنجازات سيسوق لها بقوة وتحت عنوان أنه جلب الأمن والإستقرار “للكيان” لعقود من الزمن، طبعا هذه حساباته هو كما أعتقد، ولكن حسابات المقاومة لها مُنحنى مُختلف، لأنها قد تجد حربه المحدودة فرصة لإذلاله وتحجيمه على مستوى المنطقة ككل بحيث يكون وقف النار مرتبط بظهور جغرافيا “فلسطين” على المشهد بقوة، أي تحقيق إنجاز لافت وليس فقط هزيمته بمنعه من تحقيق أهدافه، خاصة في ظل مشهد النبذ والعزلة التي تعانيه “إسرائيل” منه على مستوى العالم.

#لا زالت وستبقى غزة تتنفس_نتنياهو يحترق ويختنق.

#والله غالب على أمره.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى