إشكاليات بناء الدولة في ليبيا 2011 – 2022
إعداد : سناء السعيد حسن – اشراف : د. محمد نور البصراتي- كلية السياسة والاقتصاد – جامعة بني سويف – مصر
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة :
تعود جذور الفشل في ليبيا إلى 500 عام مضت، إن لم يكن أكثرويمكن تلخيصها في الأنظمة السياسية الفاشلة التي سيطرت على البلاد على مدى خمسة قرون، فعلى مدار الخمسين عاماً الماضية، واجهت ليبيا أزمة كبيرة بسبب غياب سيادة القانون والنظام السياسي القوي. ونتيجة لذلك، تُركت البلاد بأكملها عرضة للشخصيات الخارجة عن القانون وغير الأخلاقية واللاعبين الدوليين الجشعين.
أدى افتقار ليبيا للمؤسسات السياسية والاقتصادية الشاملة إلى ظهور مجموعات قوية تسيطر على مصادر المال. وقد تمركزت السلطة بين عدد قليل من الأفراد خلال فترة حكم القذافي وفي حقبة ما بعد القذافي، مما أدى إلى تركز المال وإدارة البلاد، وايضا تواجه ليبيا تحدياً كبيراً حيث إن النخبة السياسية والمالية في البلاد ليس لديها مصلحة في تقاسم ثروات البلاد مع بقية السكان أو إشراكهم في عملية بناء الدولة.[1]
وبالنسبة لمفهوم بناء الدولة والذي زاع استخدامه بعد الحرب العالمية الباردة، حيث ارتبط المفهوم وقتها بالدولة الفاشلة التي أصبحت تمثل لدي العديد من علماء السياسة تهديدا مباشرا للأمن والاستقرار العالميين، فعملية بناء الدولة لدى تلك الأنساق تخضع للعديد من العوامل المتباينة في تعريفها، إذ يشير بناء الدولة إلى إيجاد حكومة مؤسسات جديدة وتعزيز الموجود منها وتقويته.[2]
ويعرف فرانسيس فوكوياما عملية بناء الدولة من خلال تركيزه على الغاية من بناء الدولة بقوله على أنها عملية تقوية المؤسسات القائمة وبناء مؤسسات جديدة فاعلة وقادرة على البقاء والاكتفاء الذاتي، كما ركز فوكوياما على عامل القوة وقدرة مؤسسات الدولة السياسية والإدارية على هندسة السياسات والتشريع وتطبيق القانون بر كما تشمل عملية البناء مسارين متوازيين إعادة البناء والتنمية، وأيضا يرى فوكومايا أن هناك فرق مفاهيمي واسع بين إعادة البناء والتنمية.[3]
المشكلة البحثية
تمثلت المشكلة البحثية في دراسة بناء الدولة الليبية بعد ثورة 2011، من خلال التعرف علي مراحل الأزمة بدايةً من إندلاع الثورة وما تلاها من أحداث وصولا الصراع بين حكومة الوفاق واللواء المتقاعد خليفة حفتر، كما تطرقنا إلى معوقات بناء الدولة الليبية بعد الثورة والتي اخدت بعداً أمنياً واقتصاديا وقبلياً، وأيضا تناولنا سبل حل الازمة الليبية لإتمام عملية بناء الدولة من خلال توحيد مؤسسات الدولة، والعمل على بناء الجيش، والسعي لتحقيق المصالحة، بجانب القضاء على المرتزقة.
الإطار الزمني
تم اختيار الفترة الزمنية من عام 2011 إلى عام 2022؛ فعام 2011 مثل شرارة إندلاع الثورة الليبية التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي والذي امتد لأكثر من ثلاثين عاماً، في حين مثل عام 2022 النهاية الحقيقية للحرب الأهلية التي كانت بين قوات العقيد المتقاعد خليفة حفتر والتي كانت مدعومة من دول إقليمية ودولية في مواجهة قوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، كما قام رئيس مجلس النواب عقيلة صالح المنعقد في طبرق بالدعوة إلى انتخابات برلمانية.
محاور الدراسة
- المحور الأول: مراحل الأزمة الليبية منذ ٢٠١١ إلى الآن.
- المحور الثاني: معوقات بناء الدولة الليبية بعد ثورة ٢٠١١.
- المحور الثالث: سبل حل الازمة الليبية لإتمام عملية بناء الدولة.
المحور الأول: مراحل الأزمة الليبية منذ ٢٠١١ إلى الآن.
يشير مصطلح الأزمة الليبية إلى استمرار الصراع في ليبيا منذ بداية أحداث الربيع العربي في عام 2011. هذه الأزمة تزامنت مع الحرب الأهلية الليبية الأولى، ثم التدخل العسكري الأجنبي، وصولًا لمقتل الزعيم السابق معمر القذافين وتسببت الحرب الأهلية في انتشار الجماعات المسلحة، مما أدى إلى زيادة العنف وعدم الاستقرار في جميع أنحاء البلاد، ومنذ انتهاء الحرب الأهلية الأولى، اندلعت حرب أهلية ثانية في عام 2014. لا تزال الأزمة مستمرة في ليبيا حتى الآن، وقد أسفرت عن وقوع عشرات الآلاف من الضحايا منذ بداية الاشتباكات في أوائل عام 2011، وسوف نقوم بتتبع السياق التارخي لتلك الأزمة بتقسيمها إلى عدة مراحل على النحو الآتي:
المرحلة الأولى: الانتفاضة الشعبية وإسقاط النظام
بدأت بوادره تظهر في فترة الحراك الليبي ومحاولة إسقاط النظام السياسي برئاسة القذافي. فرفض هذا الأخير الاعتراف بحقيقة الثورة ضده واستخدامه للعنف ضد المحتجين، أدى إلى تحول الحركات الاحتجاجية السلمية إلى حركات مسلحة، فتحول أغلب المحتجين، إلى مقاتلين دخلوا في حرب مع كتائب القذافي، وسمها بعض المحللين بالحرب القبلية والمناطقية، وذلك انطلاقا من انقسام القبائل بين مؤيد للثوار وبين مؤيد للنظام الحاكم.
إن الرد العنيف للنظام على المنتفضين، دفع بالمسؤولين الليبيين في الداخل والخارج، إلى إدانة النظام ودعم الانتفاضة الشعبية، ليتم تشكيل المجلس الوطني الانتقالي كناطق رسمي باسم الثوار، والمكلف بحشد الدعم الدولي ضد النظام. وقد طالب هذا الأخير إلى جانب جامعة الدول العربية من مجلس الأمن فرض حظر جوي على ليبيا لحماية المدنيين، ليستصدر مجلس الأمن القرار رقم 1973 بتاريخ 17 مارس 2011 القاضي بإحالة الوضع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية، مع حظر السفر إلى ليبيا وتجميد الأصول الليبية في البنوك الغربية إضافة إلى حظر الطيران في الأجواء الليبية.
وبناءا على هذا القرار جاء تدخل حلف الناتو في ليبيا بمشاركة قوى دولية مختلفة يوم 19 مارس 2011 ، ومنذ هذا التاريخ تواصلت المعارك بين القذافي والثوار المدعومين دوليًا إلى أن تم قتل القذافي في مصراتة يوم 20 أكتوبر 2011، بعد إلقاء القبض عليه في سرت.
المرحلة الثانية: المراحل الإنتقالية بعد سقوط النظام السياسي برئاسة القذافي
أولا : مرحلة المجلس الوطني الانتقالي
فبنهاية حكم القذافي دخلت ليبيا في مرحلة من الفوضى الأمنية، اتسم فيها المجلس الوطني الانتقالي بالضعف، وعدم القدرة على حكم البلاد، لأنه ورث دولة تفتقد إلى مؤسسات وطنية وظيفية، فلم يتمكن هذا الأخير من حسم الجدل الواسع حول الإعلان الدستوري المؤقت، إضافة إلى الغموض الذي أحاط بخارطة الطريق التي وضعها لبناء مؤسسات الدولة، والطريقة الارتجالية في اختيار أعضائه، حيث تأثرت إلى حد كبير بالقبلية والجهوية.
ثانيا: مرحلة المؤتمر الوطني العام
في 7 يوليو 2012 جرت الانتخابات العامة للمؤتمر الوطني العام وكانت نتائجها لصالح تحالف القوى الوطنية، لكن بمرور الوقت تحول المؤتمر إلى حلبة لصراعات حزبية تعوق مسار العملية الدستورية، وكان المنعطف المهم في هذه المرحلة مع بدء المجلس الوطني الانتقالي بمناقشة مشروع قانون العزل السياسي حيث عزلت بموجبه 36 فئة من المواطنين الذين كانت لهم صلة بالنظام السابق، وتم تمرير المشروع، تحت ضغط المليشيات المسلحة الموالية المصراتة. وفي 3 فبراير 2014 وافق المؤتمر الوطني العام على سحب الثقة من حكومة علي زيدان.
لقد عرفت هذه المرحلة مجموعة أزمات، ارتسمت من خلالها التركيبة الاجتماعية والسياسية المعقدة للمجتمع الليبي، وكان لها أثر كبير على استقرار الحياة السياسية والأمنية في ليبيا، ويمكن تلخيصها كالآتي:[4]
إعلان الفدرالية في برقة
تأسس مجلس برقة الانتقالي في 6 مارس 2012 في مدينة بنغازي للمطالبة بتأسيس نظام فدرالي في ليبيا، يتمتع فيه إقليم برقة بصلاحيات واسعة، وبه قامت مجموعات مسلحة مؤيدة لمجلس برقة بالاستيلاء على ثلاثة موانئ لتصدير النفط ومطالبة بزيادة حصة شرق ليبيا من عوائد النفط. وبرغم تمكن حكومة زيدان من حظر تصدير النفط بإغلاق المنافذ البحرية، إلا أن بقاء الموانئ خارج سيطرتها ما هو إلا دليل على ضعفها.
أزمة المحاولات الانقلابية
منذ أن قام المؤتمر الوطني العام، في بداية فبراير 2014، بإعلان تعديلات تمدد مهامه، اشتعلت الاحتجاجات المطالبة برحيله، لعدم قدرته على صياغة دستور جديد في الآجال المحددة مسبقا في الإعلان الدستوري الأول. وجاءت أولى المحاولات الانقلابية من طرف اللواء خليفة حفتر، الذي أعلن تجميد عمل المؤتمر الوطني العام والحكومة والإعلان الدستوري، غير أنها كانت محاولة فاشلة. أما محاولة الانقلاب الثانية، فقامت بها كتيبتان من الزنتان الكبيرة “لواء القعقاع ولواء الصاعقة”، وذلك بتوجيه انذار يوم 18 فبراير 2014، تطالبان فيه المؤتمر الوطني العام بحل نفسه، وإخلاء مقاره، وقد فشلت هي الأخرى، لأن المؤتمر الوطني قد تمسك بعدم إدخال البلاد في حالة فراغ دستوري، وساندته في ذلك قوى عديدة.[5]
ثالثا: مرحلة انتخاب مجلس النواب 2014
مع ضغط حزب تحالف القوى الوطنية على كتل المؤتمر الوطني، تم الاتفاق على انتخاب مجلس نواب كبديل للمؤتمر، وتأجيل القضايا المتعلقة بالتحضير للانتخابات الرئاسية المبكرة لحين انجاز الدستور، نظرا للخلافات المطروحة بين التيارين الاسلامي والليبرالي حولها الشلوي. وصاحب كل هذه الضغوطات السياسية وضع أمني معقد جدا، خاصة بعد إطلاق اللواء المتقاعد “خليفة حفتر” حملة “الكرامة” بهدف ضرب ما وصفه بمعاقل الإرهاب والتطرف بمدينتي بنغازي ودرنة في 16 مايو 2014. وبتمكن الجناح السياسي المعسكر الكرامة، من الحصول على الغلبة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 25 يونيو 2014، توسعت أهداف عملية “الكرامة” لتشمل الدفاع عن شرعية مجلس النواب الذي انتقل إلى طبرق، وحكومة الثني في البيضاء.
مقابل معسكر الكرامة ظهرت الحملة العسكرية المعروفة بـ: ” فجر ليبيا”، في يوليو 2014، قامت بها مجموعة من المليشيات الإسلامية والقبلية التي تنتمي إلى مدن عدة في غرب ليبيا مصراتة، طرابلس، الزاوية، زليتن وغريان)، الهدف منها دعم شرعية المؤتمر الوطني الليبي، والحد من المكاسب الميدانية والسياسية لعملية الكرامة.
أدى الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي إلى ظهور حكومتين إحداهما معترف بها دوليا بقيادة “عبد الله الثني” ومدعومة من قبل معسكر عملية الكرامة، والأخرى غير معترف بها دوليا برئاسة خليفة الغويل مدعومة من قبل معسكر فجر ليبيا، وبهذا وصل الحال في ليبيا إلى وجود برلمانين وحكومتين تتنازعان على الشرعية، وتتقاتلان بالسلاح بدعم قوى عسكرية مناطقية منذ صيف 2014، إثر فشل الاستحقاقات الانتخابية خلال عامي 2012 و2014.
وبعد حالة التصعيد التي لازمت الوضع الأمني مع نهاية عام 2015، بفعل التآكل الداخلي لكل تحالف على خلفية تعدّد الانقسامات حول مخرجات الحوار الليبي برعاية الأمم المتحدة، وكذلك بفعل المخاوف من توطن ” داعش” في سرت وسط ليبيا، انخرطت أطراف الصراع في حوار برعاية أممية، توج في الأخير بتوقيع الأطراف المتنازعة على اتفاق الصخيرات” في 17 ديسمبر 2015، الذي كان يهدف الى توحيد السلطة في ليبيا.
لكن وبرغم توقيع هذا الاتفاق إلا أن حالة الانقسام لا تزال تلازم المشهد السياسي في ليبيا، فبحلول يوليو 2017، سيطرت قوات حفتر على بنغازي، وشنت هجوما على مدينة سبها بداية عام 2019، وقد تصاعدت العمليات العسكرية لحفتر إلى أن وصلت إلى العاصمة طرابلس” في أبريل 2019، بهدف انهاء وجود حكومة الوفاق الوطني بالمقابل أطلقت حكومة السراج معركة مضادة أسمتها “بركان الغضب” للدفاع عن العاصمة، لتستمر المعارك ما بين الجانبين في العاصمة ومحيطها. ومن الأمور التي زادت من تعقيد الأزمة في ليبيا استعانة حفتر بحلفاء إقليميين، فكان الدعم من الإمارات والسعودية ومصر، ليصبحوا فاعلين في الصراع، إضافة إلى الدعم الفرنسي والروسي. في المقابل، ظهرت تركيا كحليف وداعم لحكومة الوفاق، فتم تفعيل اتفاق أمني بين الطرفين، يمكن تركيا من الانتشار العسكري في مناطق في غرب ليبيا، وبموجبه قدمت حكومة “فايز السراج المعترف بها دوليا طلبا رسميًا إلى تركيا للحصول على دعم عسكري جوي وبري وبحري لمواجهة قوات حفتر.
بناءا على هذا عملت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل”، على التواصل مع أبرز الفاعلين الدوليين والإقليميين في الأزمة الليبية، وقامت بدعوتهم لعقد مؤتمر دولي بشأنها ، في إطار ما عرف بـ : “قمة برلين”، المنعقدة يوم 19 يناير 2020، والتي خرجت بحل بمسارات ثلاثة : السياسي العسكري والاقتصادي، وتعتبر الدعوة إلى وقف دائم لإطلاق النار، ومطالبة الدول المعنية بالامتناع عن التدخل في النزاع المسلح، والرصد البحري والجوي والإقليمي لأي خروق لكسر حظر توريد السلاح، من أهم البنود التي تم الاتفاق عليها، إلا أنه لم تمض فترة طويلة على صدور بيان مؤتمر برلين، حتى جاء رد مليشيات حفتر عليه بخرق وقف إطلاق النار.[6]
رابعا: مرحلة ما بعد إنهاء الصراع بين حكومة الوفاق واللواء حفتر
في 23 أكتوبر 2020، وقّع طرفا النزاع اتفاقا لوقف دائم لإطلاق النار “بمفعول فوري” بعد محادثات استمرت خمسة أيام في جنيف برعاية الأمم المتحدة، وفي 26 من نفس الشهر أعلنت مؤسسة النفط الوطنية إعادة فتح آخر حقل نفطي متوقف عن العمل.
وفي 13 نوفمبر 2020، أعلنت الأمم المتحدة أن المندوبين الليبيين المجتمعين في تونس توصلوا إلى اتفاق على إجراء انتخابات عامة في 24 ديسمبر 2021. وفي الخامس من فبراير 2021، انتخب المشاركون في الحوار الليبي الليبي خلال اجتماعات في جنيف برعاية الأمم المتحدة عبد الحميد محمد الدبيبة رئيسًا للحكومة الانتقالية، إلى جانب مجلس رئاسي مكون من ثلاثة أعضاء، وفي 22 سبتمبر من نفس العام جمَّد خليفة حفتر مهامه العسكرية استعدادا للانتخابات الرئاسية، وفي الرابع من أكتوبر، اعتمد البرلمان الموجود في الشرق برئاسة عقيلة صالح القانون الذي ينظم الانتخابات التشريعية.
اعترض المجلس الأعلى للدولة، وهو بمثابة هيئة ثانية في البرلمان ومقره طرابلس، على هذا القانون والقانون الصادر في 9 سبتمبر، وبعدها عدل البرلمان مواعيد التصويت على أن تجرى الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر والانتخابات التشريعية بعد ذلك بشهر.
إرجاء الانتخابات الرئاسية؛ ففي 22 ديسمبر اقترحت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا تأجيل الانتخابات الرئاسية شهرا بعيد إعلان لجنة متابعة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مجلس النواب الليبي “استحالة” إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها في 24 ديسمبر، وفي 27 ديسمبر رفضت اللجنة تحديد موعد جديد للانتخابات الرئاسية، بينما في 17 يناير 2022 دعا صالح إلى تشكيل حكومة جديدة في طرابلس معتبرا أن ولاية الحكومة الحالية انتهت مع إرجاء الانتخابات.
في الثامن من فبراير جدد دبيبة التأكيد على أنه لن يسلّم السلطة إلا إلى حكومة منبثقة عن الانتخابات، وفي العاشر من فبراير اختار مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق، وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا رئيساً جديدا للحكومة خلفاً لعبد الحميد دبيبة في جلسة تصويت مثيرة للجدل.[7]
المحور الثاني: معوقات بناء الدولة الليبية بعد ثورة ٢٠١١.
تواجه ليبيا تحديات كبيرة في مسار بناء الدولة بعد الأحداث التي شهدتها في عام 2011، وهذه التحديات أثرت بشكل كبير على الاستقرار والتطور السياسي والاقتصادي في البلاد. تعددت المعوقات التي تحول دون إتمام عملية إعادة بناء ليبيا بعد الثورة، ونتطرق فيما يلي إلى بعض تلك المعوقات:
- تهميش المؤسسة العسكرية الليبية وإحلال ميلشيات عائلية محلها
على الرغم من مجيء القذافي من خلفية عسكرية، وقيادته للإنقلاب العسكري 1969 مطيحا بالسنوسي إلا أنه سعى أن يكون الجيش في أضعف الحالات، وتحت رقابته الخاصة، وقام باستحداث نمط الكتائب ومن أبرزها كتائب خميس القذافي، والذي تخرج من الأكاديمية الليبية العسكرية، وحصل على تدريب في موسكو، وكان يحرص على أن يكون تسليحها على أعلى مستوى ممكن عن نظيره في الجيش، أو الوحدات الأخرى من الجيش، وأصبح بمثابة الحرس الوطني للنظام، ولعبت تلك الكتائب دورا مهما في سحق المظاهرات ضد النظام، فأصبح هو يمثل الدولة الليبية، مدعيا أنه هو قائد قومي وأن الثورة عليه هي ثورة على الدولة الليبية، وبالتالي فإن أعداءه أصبحوا أعداء الدولة الليبية.
- خلل في تنظيم مواطني الدولة
لعل أكبر عقبة تواجه الدولة في عملية تنظيم المواطنين هي طبيعة المواطنين الليبيين التي كان لنظام القذافي المطاح به الذي امتد أكثر من أربعين عاما تأثيرا سلبيا على شخصياتهم، وسلوكياتهم، وأسهمت الإنتفاضة وطابعها الدموي في خلق أحقاد وعداوات بين القبائل التي كانت تؤيد القذافي، وبين تلك التي كانت تحاربه، مما نتج عنه ميل إلى الثار، والإنتقام ، كما أن وجود السلاح في أيدي المواطنين من أجل الدفاع عن أنفسهم، أشعرهم بمزيد من القوة، والغرور، والاستعلاء، فضلا عما رسخه النظام السابق من مشاعر عنصرية، أو شوفينية بين السكان في شرق البلاد، وغربها، وجنوبها. كل هذه العوامل مجتمعة أثرت على الشخصية الليبية.
- الأوضاع الأمنية
فمنذ الإنتفاضة وانتشار السلاح ما بين المواطنين وتكوين ما يسمى بالمليشيات المسلحة، لذا يحاول الحكام المؤقتون منذ الإنتفاضة في ليبيا إقناع الآلاف من مقاتلي هذه الميليشيات بالإنضمام إلى الجيش والشرطة، والخدمة المدنية لمحاولة تفكيك القوات التي يسيطر عليها قادة متنافسون لهم ولاءات الأقاليم معينة، ومازال بقايا مؤيدي القذافي يتأمرون على الدولة، وتطبق القانون بنفسها في مناطق عديدة، وتقيم حواجز على الطرق، وتعتقل مشتبهين بهم رغم عدم وجود قوة رسمية أو سلطة لهم في البلاد.[8]
- الأوضاع الاقتصادية والمالية
حيث تعتمد ليبيا إلى حد كبير على قطاعها النفطي، الذي أمن لها عائدات بنحو 45 مليار دولار في 2010 ويمثل نحو %95% من صادراتها، وحققت ليبيا فائضا في الميزانية عام 2010 بلغ 12 مليار دولار نظرا الارتفاع أسعار النفط في هذا العام.
ويقدر أن بعض الإستثمارات الليبية لم يتم استثمارها باسم الدولة، رغم أنها اعتمدت على أموالها، وإنما استثمرت باسم القذافي، وأفراد عائلته، وبعض أقاربه وأعوانه، وينطبق هذا على إستثمارات الساعدي في إيطاليا، وسيف القذافي في بريطانيا، وسويسرا، وعدد من الدول الأوربية الأخرى، كما ينطبق على استثمارات أحمد قذاف الدم في مصر، وسوريا، وبلدان أفريقيا، مما سبب ذلك أزمة في السيولة النقدية في الدولة الليبية مما أضر بالاقتصاد الليبي وأثر على معيشة المواطنين في الدولة.
- العامل الجيوبوليتيكي
تواجه ليبيا معضلة جيوبوليتيكية عكست ضعف الدولة منذ استقلالها، وتكمن في إفتقاد الدولة نواة مركزية جغرافية، فليبيا دولة مترامية الأطراف تصل مساحتها إلى قرابة مليون و 800 ألف كيلومتر، وهي موزعة جغرافيا بين إقليمين أولهما صحراوي، وهو يشكل غالبية مساحة البلاد، والآخر متوسطي يقع على الأطراف في الشريط الضيق على البحر المتوسط مما أدي إلى خريطة سكانية مبعثرة ومتباعدة، بجانب الساحل الأمر الذي جعل نواة الدولة وكثافاتها السكانية الأعلى في الأطراف طرابلس، وليس في القلب، ومع ظهور النفط في برقة في الستينيات أصبحت هناك نواتان متنافستان في السيطرة على الدولة بينما ظل الجنوب يعاني فراغا سكانيا بسبب غياب بنية المواصلات التي تقرب بين الأقاليم مما أضعف القبضة المركزية للدولة على الأقاليم مما كان لهذه التوزيعة السكانية أثر كبير على توزيع القوى ما بين الاطراف المتصارعة على السلطة فضلا عن سيطرة قبائل معينة تدين بالولاء لاطراف الصراع السياسي اللليبي مما يشكل تنافس إقليمي مما يهدد بإنقسام البلاد .
- التدخلات الخارجية الدولية الاقليمية والعالمية
لا تخلو عملية فشل الدولة بشكل عام من عمليات ممنهجة من التدخل الخارجي للحد الذي يمكن وصفه بإفشال الدولة وهو ذلك التدخل المقصود منه فشل وانهيار الدولة، وإن كان ذلك يعد العامل الحاسم في عملية فشل الدول، فالفشل بشكل عام هو أنهيار مؤسساتي داخلي وفقدان القدرة على السيطرة على سيادة الدولة من التدخلات الخارجية، أحيانا نسب فشل الدولة تختلف من دولة إلى الأخرى على حسب النسب الترجيحية لكل عامل على حدة، أحيانا تكون الدولة قوية نسبيا من حيث المؤسسات ولكن هناك رغبه خارجية لإفشال الدولة مثل ما حدث في العراق 2003، وأحيانا يكون هناك أنهيار مؤسساتي داخلي وتدخل خارجي ممنهج للفشل وإضعاف قدرة الدولة تظهر هنا الأشكالية في فشل الدولة بمساعدة العوامل الداخلية والخارجية للدولة وابرز مثال على ذلك الدولة الليبية كما تناول الباحث من حيث عوامل الضعف الداخلية فيما سبق، ويزداد الوضع خطورة لدى الدولة الليبية بفعل التدخلات الإقليمية والعالمية من القوى الصاعدة والقوى الكبرى في النظامين الإقليمي والعالمي بالقوة العسكرية أو دعم الكتل المتصارعة بالسلاح والدعم في المؤتمرات الدولية والمنظمات الدولية والتي تساعد بشكل رئيسي على تمدد الصراع الليبي وإنهيار الدولة الليبية.
ولم يقتصر التدخل الدولي في ليبيا على فترتي ما قبل الإنتفاضى وبعدها فحسب بل تعدى ذلك، فبتدخل حلف الناتو لإسقاط النظام السياسي بزعامة القذافي، بل امتد ليأخذ شكلا أكثر تعقيدا وبعدا أخطر، حيث أصبحت ليبيا ساحة للتنافس بين قوى إقليمية ودولية عديدة، كل منها يحاول تحقيق مكاسب استراتيجية عن طريق تدعيم ومساندة أحد الفصائل الليبية المتنافسة، ويتضح أن التدخل الخارجي الذي أدى الى سرعة إسقاط النظام السياسي برئاسة القذافي، هو ذاته الذي انقلب على مكتسبات الثورة الليبية ولكن بطريقة غير مباشرة، معتمدا على تأجيج الخلافات بين كافة أطياف المجتمع الليبي وزيادة حدة الصراعات والانقسامات القبلية والجهوية، فتحولت ليبيا إلى منطقة الممارسة النفوذ الأجنبي بأياد عربية وداخلية، أصبحت معها الساحة الليبية مرتعا لفوضى جماعات العنف والميليشيات المسلحة المتناحرة، على اختلاف مسمياتها بأبعادها السياسية والمناطقية وفق حسابات ضيقة الأفق، مما أدى إلى تعثر المسار الديمقراطي.[9]
- الإعتماد على اقتصاد النفط الريعي
إن اعتماد ليبيا على سياسة الاقتصاد الريعي وغياب الاقتصاد الإنتاجي، جعلها تعاني من مشكلات اقتصادية كبيرة، ظهرت بشكل جلي بعد الانتفاضة، حيث تأثر الاقتصاد الليبي بفعل انخفاض الانتاج الذي تسببت فيه حالة الانفلات الأمني واستيلاء الميليشيات المسلحة على المنشآت النفطية، مما شكل رادعا أمام الشركات الأجنية جعلها تخفف من استثماراتها في المنطقة معبرة عن خوفها من شراء النفط الليبي في المستقبل. وهو الأمر الذي أثر سلبا على الجهود الرامية إلى تحقيق التحول الديمقراطي وبناء مؤسسات الدولة، في ظل وجود سلطات ليبية هشة غير قادرة على تحقيق الإصلاح الذي من شأنه دعم النمو في البلاد.
بل أكثر من ذلك، فطبيعة الصراع بين قوات حفتر وقوات مصراتة الداعمة للمجلس الرئاسي لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” في سرت، ما هو إلا صراع حول منابع النفط في المنطقة، وقد سعى حفتر الى السيطرة على منابع النفط وسط الصحراء الليبية جنوب الهلال النفطي لأهمية النفط في المعادلة السياسية الليبية، فالمسيطر على موارد النفط سيسيطر على مجريات الحوار السياسي بين الليبيين، ويؤثر على حيثيات بناء الدولة الليبية في المستقبل.
- محدودية فعالية المجتمع المدني
إن اعتماد النظام السياسي في ليبيا منذ سنة 1969 نظام المحاصصة القبلية عطل امكانية تطور مجتمع مدني منظم في ليبيا إلى أن جاء المجلس الوطني الانتقالي، فقام بمجموعة إصلاحات ارتفع بموجبها عدد منظمات المجتمع المدني، وكان لهذه المنظمات دور بارز في ولادة العديد من الكيانات السياسية التي تقدمت بالترشح لانتخابات المؤتمر الوطني العام، والتي شكلت فيما بعد النواة الأولى لظهور أحزاب سياسية عديدة. إلا أن انفلات الأوضاع الأمنية واندلاع المواجهة المسلحة بين المعسكرين المتصارعين في ليبيا منذ سنة 2014، قد أثر على عملها، فاضطرت أغلبية تلك المنظمات إلى تحويل نشاطها باتجاه العمل في الميدان الانساني.
كما أنها انقسمت إلى قسمين نتيجة للوضع الليبي المجزأ، منظمات متمركزة في الشرق، تقوم بالتنديد والإشهار بالانتهاكات التي تحدث في الجزء الغربي المنافس، من أجل حصولها على دعم ومساندة الحكومة. المركزية في الشرق، وأخرى متمركزة في الجزء الغربي، تركز أكثر على الانتهاكات التي تحدث في الجزء الشرقي لاستعطاف السلطة المركزية في غرب البلاد، حيث إن ولادة المجتمع المدني الليبي في ظل هذه الأوضاع غير المستقرة، جعل منه يعاني صعوبات ومعضلات عديدة، إنعكست سلبا على المردود العام لمؤسساته خاصة فيما يتعلق بالمساعدة في إعادة الاستقرار وتحقيق انتقال ديمقراطي سلس في ليبيا.[10]
- التعددية القبلية
حيث ارتكزت التركيبة السوسيولوجية للسلطة السياسية والأمنية في قمة الهرم على نظام الحكم في ليبيا منذ القديم، على العامل القبلي في اختيار القيادات العليا في الدولة، حيث ركزت السلطة السياسية بشكل أساسي على قبائل بعينها، أين قامت هذه القبائل بدعم أركان النظام ومده بالعديد من القيادات الأمنية والسياسية طيلة فترة زمنية طويلة، كما أن ذلك خلف عدم المساواة بين القبائل الليبية في غياب الأمن في البلد، فقد عمل نظام معمر القذافي” على تهميش أبناء عدة قبائل في الجنوب، ويتأتى السخط على مستوى أوسع نطاقاً، من التهميش المنهجي لجماعتين كبيرتين غير عربيتين في الجنوب، هما التبو والطوارق، مع التركيز بشكل خاص على الطوارق، وعداً بالحصول على الحقوق كاملة، في مقابل الالتحاق بالأجهزة الأمنية التابعة له، غير أن الكثير من الوعود لم تتحقق أبدا، وقد كان الإرث الذي خلفته، مقروناً بالتنافس الاقتصادي والانهيار المؤسسي من المسببات الأساسية للصراع في مرحلة ما بعد 2011.
تتعدد التركيبة السكانية في ليبيا، حيث أنها خليط غير متجانس من الأعراق والقبائل والعائلات العربية والأمازغية والفينيقية والطرقية والأفريقية والأتراك والشركس والايطاليين، إذ يصعب تحديد العدد الدقيق للقبائل الليبية، ويغلب على المجتمع الليبي الطابع العربي الإسلامي، إذ يدين الأغلبية بالديانة الإسلامية مع وجود بعض اليهود، ويتحدث الأغلبية اللغة العربية مع وجود لهجات محلية منافسة كالأمازغية والترقية والتابوية، فبالرغم العدد الكبير من القبائل، فإن هناك 30 قبيلة فقط تؤثر بشكل كبير في المشهد السياسي لما تمتلكه من تكتلات عائلية نجحت من خلالها في فرض نفسها من خلال ميليشياتها المسلحة التي تمثل جيشًا شبه مستقل لكل قبيلة على حدة، حيث تقاس قوة كل قبيلة بحجم تلك الميليشيات ودرجة تسليحها.
وبفعل تغليب المعطى القبلي في فترة حكم القذافي، قتلت ثقافة التنظيم المؤسسي ودمرت مؤسسات الدولة، فانعدم بذلك شعور المواطنين بالانتماء. وهو الأمر الذي انعكس سلبا على عمل قادة المرحلة الانتقالية، فوجدوا أنفسهم مهتمين بالسياسة الحزبية والقبلية أكثر من اهتمامهم بتنفيذ الخيار الديمقراطي كأولوية، مما أدى إلى فشل الفرقاء الليبيين في إنشاء أرضية مشتركة تحقق التوافق المطلوب لتسيير المرحلة الانتقالية، والتحالفات القبلية لم تكن متجانسة، بوجود تنافر قبلي داخل الحلف الواحد فاجتماعها سببه المصالح المشتركة لا غير.[11]
- انتشار الجماعات الإرهابية
حيث يوجد العديد من الجماعات الإرهابية في ليبيا، والتي استغلت الفراغ السياسي لبلتوغل في العمق الليبي، منها على سبيل المثال:
- تنظيم القاعدة
حيث استغل تنظيم القاعدة حالة الفوضى التي تعيشها ليبيا، ونجح في الوجود بعدة مناطق؛ خصوصا في الجنوب والغرب، مستغلا اتساع الصحراء والمناطق الجبلية؛ لإقامة مواقع تدريب خاصة به.
- داعش تنظيم الدولة الإسلامية
حيث اعتمد تنظيم داعش في تأسيس نفسه بليبيا على الفوز بالولاء من الجماعات المحلية مثل مجلس شورى الشباب الإسلامي، حيث اعتمد على المجندين الليبيين الذين عادوا إلى بلادهم بعد القتال في سوريا والعراق، وأعلن مسئولون أمريكيون في 2014 أن داعش كانت تدير معسكرات تدريب في الجبال خارج درنة، بينما تولى وسام الجبوري وهو ضابط سابق بالقوات الخاصة العراقية مسؤولية إنشاء فرع للتنظيم بطرابلس، حيث تم تقسيم الدولة إلى ثلاث ولايات.
- مجلس شورى الشباب الإسلامي
وهو أول مجموعة تعلن ولاءها لداعش في درنة، وجمعت مقاتلين متطرفين من الجزائر وسوريا ومالي، بالإضافة إلى عدد من الليبيين، وأعلن عن تأسيسها في المدينة التي ذهب عدد من شبابها خلال فترة حكم معمر القذافي إلى أفغانستان والعراق للقتال هناك 2014، وسيطر على عدة مدن ليبية مثل سرت وصبراتة ومدينة صرمان، ويحاول بسط هيمنته على حقول النفط الليبية ضمن ما يسمى بمنطقة الهلال النفطي، وكانت درنة أول “إمارة” للإرهابيين، فهي قبل أن تسقط بعد الثورة التي أطاحت بنظام القذافي عام 2011.[12]
المحور الثالث: سبل حل الازمة الليبية لإتمام عملية بناء الدولة.
وتتعدد المسارات الواجب إتباعها لمحاولة التغلب علي معوقات إعادة بناء الدولة سالفة الذكر، ومن ثم يتم الشروع في عملية البناء، ونذكر من تلك السبل الآتي:
- توحيد المؤسسات
يمثل توحيد المؤسسات خاصة السيادية منها مثل البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط مهمة أصبحت في متناول حكومة الوحدة، بعدما قطع هذا المسار عدة أشواط من المباحثات بين هيئات شرق البلاد وغربها، حيث نجح البنك المركزي بشقيه في توحيد سعر الصرف، كما أن مؤسسة النفط أنهت احتجاز عائدات تصدير الخام الذي استمر لأكثر من أربعة أشهر، وقررت إعادة تحويلها إلى المصرف المركزي، بعد تشكيل حكومة الوحدة، ومن المتوقع بحسب بيانات مؤسسة النفط أن تتضاعف مداخيل البلاد من 15 إلى 30 مليار دولار نهاية العام، بمتوسط إنتاج متوقع يتراوح بين 1.3 مليون برميل يومياً إلى 1.5 مليون برميل، وصولا إلى مليوني برميل في 2023. ومن شأن ارتفاع مداخيل النفط، مع تحسن الأسعار وزيادة الإنتاج، أن يساهم في حل أزمة السيولة لدى البنوك، وتمويل عدة مشاريع مستعجلة للمواطنين.
- التأسيس للمصالحة
تأسيس نواة للمصالحة أهم ما ركز عليه رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في كلمته أثناء أداء حكومة الوحدة اليمين الدستورية، في 15 مارس بمدينة طبرق، فالهدف من تحقيق حد أدنى من التوافق والتصالح، الوصول إلى تنظيم انتخابات 24 ديسمبر، إذ لا يمكن إجراؤها بدون حد أدنى من التصالح والقبول بالآخر.
فمنذ 2011، انقسم الليبيون بين مؤيد لنظام معمر القذافي ومناصر لثورة 17 فبراير، وأخذ هذا الانقسام طابعا سياسيا وحتى اجتماعيا، إذ تمسكت عدة قبائل بدعم نظام القذافي حتى بعد سقوطه، وتعمق هذا الانقسام بعد إطلاق اللواء المتقاعد خليفة حفتر “عملية الكرامة” في مايو 2014، وتمكنه من السيطرة على الشرق الليبي والجنوب.
لذلك فتحقيق حد أدنى من المصالحة، سيسمح لوزراء حكومة الوحدة بالتحرك في كامل أرجاء البلاد، وتقديم خدماتهم للمواطنين دون تمييز، ومن أوجه المصالحة التي يطالب بها فئات من الليبيين عودة المهجرين إلى بيوتهم على غرار مهجري مدينة بنغازي (شرق)، وبلدة تاورغاء (غرب)، بالإضافة إلى النازحين من الأحياء الجنوبية للعاصمة طرابلس، وأيضا تبادل الأسرى بين مليشيات حفتر والقوات الحكومية، كما يطالب أنصار نظام القذافي بإطلاق معتقليهم في إطار المصالحة، خصوصا أولئك الذين تمت تبرئتهم.
- تدعيم الحوار الوطني الليبي ورفض الإقصاء والتهميش
من خلال دعوة كل الليبيين للجلوس إلى مائدة الحوار بهدف التوصل إلى صيغة توافقية للخروج من الأزمة الليبية الراهنة في إطار الاتفاق السياسي الليبي واحترام الشرعية الدولية، وذلك بالانتقال من هذه الشرعية إلى الشرعية الليبية التي ترتكز على مشروعية شعبية.
والتأكيد أن الحل في ليبيا لن يكون إلا ليبيا دون إقصاء أو تهميش لأي طرف مهما كانت انتماءاته السياسية أو الفكرية أو المنطقة التي ينتمى إليها تحت سقف نظام مدنى في دولة ليبية موحدة، ودعم جهود المصالحة الوطنية الشاملة، بالاضافة الي العمل على الإعداد لمؤتمر ليبى تأسيسى يضم كل مكونات الجانب السياسي والاجتماعي، واعتماد قانون مصالحة وطنية شاملة، وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية ومحلية حرة ونزيهة بهدف عودة الأمن والاستقرار للشعب الليبي وحقن دماء أبنائه في ظل وطن موحد تحفظ فيه الحقوق والحريات، وتحترم فيه سيادة الوطن والسيادة الكاملة للدولة الليبية.
- توحيد الجيش
يمثل توحيد الجيش إحدى المهمات الرئيسية للمجلس الرئاسي الجديد باعتباره القائد الأعلى للجيش، وأيضا لرئيس حكومة الوحدة بصفته وزيرا للدفاع؛ فليبيا تعاني منذ 2011، صعوبات في إعادة بناء جيش نظامي محترف، بسبب انتشار السلاح، والمليشيات غير المنضبطة، وأزّم الوضع إطلاق حفتر “عملية الكرامة”، حيث تسبب بتقسيم الجيش الوليد، وانضمت إليه العديد من المليشيات.
ويحتاج توحيد الجيش لخطوات لبناء الثقة أولا، وعلى رأسها فتح الطريق الساحلي بين الشرق والغرب، وتبادل الأسرى، ونزع الألغام خاصة من المنطقة الوسطى الممتدة من سرت إلى محافظة الجفرة (جنوب سرت)، كما أن تفكيك المليشيات وإعادة إدماج عناصرها في المؤسستين العسكرية والأمنية، إحدى الخطوات المهمة لتوحيد الجيش وإعادة بنائه.
- إخراج المرتزقة والجماعات الإرهابية
يُعد إخراج المرتزقة خاصة شركة “فاغنر” والجنجويد، من ليبيا إحدى التحديات الحاسمة التي تطرق لها الدبيبة، خلال جلسات منح الثقة للحكومة بسرت، ولا يبدو مرتزقة “فاغنر” آبهين بهذه الدعوة للخروج من البلاد، حيث ذكرت قناة “سي آن آن” الأمريكية، أن فاغنر تقوم بحفر خندق وإنشاء تحصينات لتأمين مواقعها في سرت والجفرة. وأخطر ما في الأمر أن يخرج مرتزقة فاغنر عن سيطرة مليشيات حفتر، مما يجعل إخراجهم من البلاد أمرا معقدا، وبحسب صحيفة “فورميكا” الإيطالية، فإن تدخل مرتزقة “فاغنر” الروس في ليبيا تحول من دعم حفتر إلى إنشاء بؤرة استيطانية في المنطقة الشرقية. وذكرت الصحيفة أن عناصر فاغنر حفروا مؤخرًا نظامًا من الخنادق المحصنة بطول نحو 70 كلم بين قاعدة الجفرة الجوية وسرت.[13]
الخاتمة
أن عملية بناء الدولة هي عملية معقدة ومتشعبة تهدف إلى بناء مؤسسات الدولة وتعزيز قدراتها الديمقراطية، وتقييد احتكار السلطة من طرف جماعة أو شخص معين، والالتزام بالقيم والعناصر المشتركة وفق متطلبات الاستمرارية والمرونة والشرعية والاستقرار السياسي. من خلال تتبعنا لتطور الأزمة الليبية وأهم المحطات التي مرت بها المرحلة الانتقالية، حاولنا الكشف عن أهم العوامل الكامنة وراء تعثر عملية بناء الدولة ونجاح المسار الديمقراطي في ليبيا.
وقد توصلنا إلى نتائج مفادها الآتي:
إن تغليب البعد القبلي فترة حكم القذافي، أفرز عصبية قبائلية وثقافة مناطقية عند الليبيين، أدت إلى انقسام المجتمع، وعدم الشعور بالانتماء وأفضت إلى نزاع مسلح بين الفرقاء الليبيين، أجهض عملية الانتقال الديمقراطي وبناء الدولة.
إن ضعف المجتمع المدني والسياسي الليبي جعل من القوى المحلية والجهوية لاعبا أساسيا في المعادلة السياسية الجديدة، على حساب بناء المؤسسات الوطنية.
إن إقصاء القوى المجتمعية والعمل من منطلق إرادة القوى السياسية وحلفائهم الخارجيين، أي وفق مبدأ المحاصصة عوض العمل من منطلق الإرادة المجتمعية، أدى إلى فشل المسار الانتقالي.
لعب العامل الخارجي دورا بالغا في تغذية الصراعات بين الفرقاء الليبيين وتأجيجها من خلال إستراتيجية الحرب بالوكالة، وهو ما جعل الأزمة الليبية تتميز بطول الأمد، وتناقضات جعلت عملية إيجاد توافق سياسي بين الأطياف الليبية صعبة ومعقدة، تخضع المصالح وتوجهات قوى إقليمية ودولية.
أخيرا نخرج بتوصية رئيسية، وهي أن الصراع والتنافس في بعده الدولي والإقليمي لم يكن له أن يجد موطئ قدم، في حال كان هناك توافق ليبي داخلي في حده الأدنى، لهذا يجدر التأكيد على أن بناء الدولة الليبية، يستدعي ضرورة التخلص من الجهوية ومنطق القبيلة والعشيرة، والعمل مقابل ذلك على ترسيخ مبدأ المواطنة كمحدد للحقوق والواجبات بالاعتماد على مفهوم الدولة المدنية كإطار عام ناظم للمجتمع. وليتحقق ذلك لابد من تقديم تنازلات من طرف القوى السياسية والاجتماعية المؤثرة والفاعلة في المشهد السياسي الليبي، بجانب إنتهاج سياسة المصالحة الشاملة بين كافة أطياف المجتمع الليبي بما يضمن توحيداً لمؤسسات الدولة بما فيها الجيش، بهدف عودة الأمن والاستقرار للشعب الليبي وحقن دماء أبنائه في ظل وطن موحد تحفظ فيه الحقوق والحريات، وتحترم فيه سيادة الوطن والسيادة الكاملة للدولة الليبية.
المراجع
أحمد همام محمد، مظاهر فشل الدولة في أفريقيا بالتطبيق على ليبيا، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، العدد الثامن عشر، جامعة بني سويف، أبريل ٢٠٢٣.
أسماء رسولي، إشكالية بناء الدولة في ليبيا ما بعد القذافي بين التناقضات الداخلية وتداعيات التدخلات الخارجية، المجلة الجزائرية للأمن الإنساني، المجلد ٦، العدد ١، ٢٠٢١.
أميرة عبد الحليم، الأزمة الليبية ومواقف دول الجوار في الساحل الأفريقي مصر، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، ٢٠١٨.
بدون كاتب، 7 تحديات تواجه السلطة الجديدة في ليبيا (إطار تحليلي)، وكالة الأناضول، ٢٠٢١، متاح على الرابط التالي: https://www.aa.com.tr/ar
بدون كاتب، موقع فرانس24/ أ ف ب، ٢٠٢٢، متاح على الرابط التالي: https://www.france24.com/ar/
شريفة فاضل بلاط، تأثير الإرهاب والتدخل الدولي على مستقبل الدولة القومية: دراسة حالة للدولة الليبية (2011-2020)، مجلة البحوث المالية، مجلد ٢١، العدد ٣، جامعة بور سعيد، ٢٠٢٠.
عمرو سعيد الختالي، ليبيا: تحديات بناء الدولة وتنمية الاقتصاد وعدم المساواة في الدخل، بوابة الوسط، ٢٠٢٤، متاح على الرابط التالي: https://alwasat.ly/news/opinions/434842?author=1
فرانسيس فوكوياما، بناء الدولة: النظام العالمي وشكلة الحكم والإدارة في القرن الحادي والعشرون، ترجمة مجاب الإمام، العبيكان للنشر، المملكة العربية السعودية، ٢٠٠٧.
لعلي بعيو، إشكالية بناء الدولة الوطنية في إفريقيا في ظل التجاذبات القبلية – دراسة حالة ليبيا، أطروحة دكتوراة، الشعبة علوم سياسية، الفرع علاقات دولية، جامعة قسنطينة، الجزائر، ٢٠٢٢.
نور الهدى بن بتقة، إشكالية بناء الدولة في ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي ٢٠١٢- ٢٠١٦، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم الدراسات الدولية، تخصص دراسات أمنية دولية، جامعة الجزائر، الجزائر، ٢٠١٧.
[1] – عمرو سعيد الختالي، ليبيا: تحديات بناء الدولة وتنمية الاقتصاد وعدم المساواة في الدخل، بوابة الوسط، ٢٠٢٤، متاح علي الرابط التالي: https://alwasat.ly/news/opinions/434842?author=1
[2] – أميرة عبد الحليم، الأزمة الليبية ومواقف دول الجوار في الساحل الأفريقي مصر، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، ٢٠١٨.
[3] – فرانسيس فوكوياما، بناء الدولة : النظام العالمي وشكلة الحكم والإدارة في القرن الحادي والعشرون، ترجمة مجاب الإمام، العبيكان للنشر، المملكة العربية السعودية، ٢٠٠٧.
[4] – نور الهدى بن بتقة، إشكالية بناء الدولة في ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي ٢٠١٢- ٢٠١٦، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم الدراسات الدولية، تخصص دراسات أمنية دولية، جامعة الجزائر، الجزائر، ٢٠١٧.
[5] – أسماء رسولي، إشكالية بناء الدولة في ليبيا ما بعد القذافي بين التناقضات الداخلية وتداعيات التدخلات الخارجية، المجلة الجزائرية للأمن الإنساني، المجلد ٦، العدد ١، ٢٠٢١.
[6] – أسماء رسولي، إشكالية بناء الدولة في ليبيا ما بعد القذافي بين التناقضات الداخلية وتداعيات التدخلات الخارجية، المرجع السابق.
[7] – بدون كاتب، موقع فرانس24/ أ ف ب، ٢٠٢٢، متاح على الرابط التالي: https://www.france24.com/ar/
[8] – أحمد همام محمد، مظاهر فشل الدولة في أفريقيا بالتطبيق على ليبيا، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، العدد الثامن عشر، جامعة بني سويف، أبريل ٢٠٢٣.
[9] – أحمد همام محمد، مظاهر فشل الدولة في أفريقيا بالتطبيق على ليبيا، مرجع سابق.
[10] – أسماء رسولي، إشكالية بناء الدولة في ليبيا ما بعد القذافي بين التناقضات الداخلية وتداعيات التدخلات الخارجية، مرجع سابق.
[11] – لعلي بعيو، إشكالية بناء الدولة الوطنية في إفريقيا في ظل التجاذبات القبلية – دراسة حالة ليبيا، أطروحة دكتوراة، الشعبة علوم سياسية، الفرع علاقات دولية، جامعة قسنطينة، الجزائر، ٢٠٢٢.
[12] – شريفة فاضل بلاط، تأثير الإرهاب والتدخل الدولي على مستقبل الدولة القومية: دراسة حالة للدولة الليبية (2011-2020)، مجلة البحوث المالية، مجلد ٢١، العدد ٣، جامعة بور سعيد، ٢٠٢٠.
[13] – بدون كاتب، 7 تحديات تواجه السلطة الجديدة في ليبيا (إطار تحليلي)، وكالة الأناضول، ٢٠٢١، متاح علي الرابط التالي: https://www.aa.com.tr/ar