الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

حصان طروادة التكنولوجي: كيف اخترقت إسرائيل معاقل حزب الله عبر أجهزة البيجر؟

اعداد : علي فرجاني – باحث واكاديمي في صحافة الذكاء الاصطناعي والأمن المعلوماتي

  • المركز الديمقراطي العربي

 

في عالم الاستخبارات المعاصرة، حيث تلتقي التكنولوجيا المتطورة بأساليب الحروب غير التقليدية، ظهر فصل جديد في الصراع بين إسرائيل وحزب الله. لم يعد السلاح التقليدي هو الأداة الوحيدة للقتال؛ فقد طوّرت إسرائيل ما يشبه بـ”حصان طروادة” تكنولوجيًا لاختراق حصون حزب الله من خلال أجهزة البيجر. هذه الهجمات السيبرانية المعتمدة على العتاد المدمج والمتفجرات المخفية كشفت عن مستوى غير مسبوق من الابتكار والتخطيط طويل الأمد. تفاصيل دقيقة عن أساليب التجسس والتفجير عن بُعد والهندسة العكسية للأجهزة تقدم لنا نظرة عميقة على كيفية استغلال التكنولوجيا المتقدمة لتوجيه ضربات موجعة دون إطلاق رصاصة واحدة. في هذا التقرير، سنغوص في أعماق هذه التقنية المدمرة، ونكشف أبعادها وأسرارها.

  • خلفية تكنولوجية حول أدوات الهجوم

اعتمدت الهجمات المعقدة التي نفذتها إسرائيل ضد حزب الله على مزيج من البرمجيات المتقدمة والعتاد الإلكتروني المتطور. وقد شملت التقنيات المستخدمة ما يلي:

الهندسة العكسية للأجهزة

قامت إسرائيل باستخدام تقنيات الهندسة العكسية لتصنيع أجهزة البيجر، وهو ما يعني فك شفرة تكنولوجيا الاتصالات داخل الأجهزة الأصلية ثم إعادة تصميمها بشكل يتضمن متفجرات صغيرة مدمجة بشكل غير مرئي في هيكل الجهاز. هذه الأجهزة كانت تستفيد من الهندسة المعقدة التي تجعل من الصعب اكتشاف المتفجرات باستخدام المسح التقليدي.

التفجير عن بُعد عبر إشارات مشفرة

من خلال تعديل الدارات الإلكترونية داخل أجهزة البيجر، تمكنت إسرائيل من تنشيط هذه الأجهزة باستخدام إشارات مشفرة، يعتقد أنها كانت تُرسل عبر موجات الراديو عبر الأقمار الصناعية أو أبراج الاتصالات المخترقة. بمجرد تلقي هذه الإشارات، تعمل الدوائر داخل الجهاز على تحفيز البطارية لتسخين مادة PETN شديدة الانفجار عند تسخينها.

استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي

من غير المستبعد أن تكون إسرائيل قد اعتمدت على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل ومراقبة اتصالات حزب الله. أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكنها مراقبة وتحليل حركة البيانات من الأجهزة وتحديد الوقت المثالي لتنفيذ الهجوم. هذه الأنظمة لا تقتصر على تحليل البيانات بل يمكنها اتخاذ قرارات بشكل شبه مستقل، مما يجعل الهجوم يبدو كجهد بشري عادي.

2- اختراق الاتصالات من خلال الشركات الوهمية

إحدى النقاط التي تميزت بها هذه العملية هي دور الشركات الوهمية، مثل شركة  B.A.C. Consulting، التي لم تقتصر وظيفتها على كونها واجهة صناعية فحسب، بل كانت تمثل نقطة اختراق إضافية للاتصالات الأمنية لحزب الله.

تضمين برمجيات خبيثة

تشير التقارير إلى أن أجهزة البيجر التي تم استخدامها قد تم تجهيزها ببرمجيات خبيثة. هذه البرمجيات كانت تهدف إلى تزويد إسرائيل بمعلومات دقيقة حول حركة الجهاز وموقعه. كما أنها كانت تعتمد على طبقات تشفير عالية تمنع اكتشافها من قبل الأنظمة المضادة للبرمجيات الخبيثة التي قد يستخدمها حزب الله.

مستشعرات رصد متقدمة

تعتمد إسرائيل على تقنيات متقدمة لدمج مستشعرات دقيقة داخل الأجهزة. في حالة أجهزة البيجر، ربما كانت تحتوي على مستشعرات رصد حركية أو جيروسكوبية قادرة على تفعيل الجهاز عند تعرضه لظروف بيئية أو حركة معينة. هذه التقنية، التي تعتمد على أنظمة MEMS (أنظمة ميكانيكية وكهربائية مصغرة)، كانت تستخدم في تفعيل الجهاز في الوقت والمكان المناسبين.

3- الشريحة الأساسية والدوائر المتقدمة

من المحتمل أن أجهزة البيجر التي تم استخدامها قد تضمنت شرائح إلكترونية معقدة وقادرة على التكيف مع بيئات التشغيل المختلفة.

شرائح ( FPGA ) المصفوفات البوابية القابلة للبرمجة

تحتوي أجهزة البيجر على شرائح  FPGA، التي يمكن برمجتها لتكييف الجهاز مع الأوامر الواردة وتفعيل عملية التفجير عند تلقي إشارة معينة. هذه التقنية تمنح القدرة على التكيف مع البيئة المحيطة وتحقيق التفجير بدقة عالية.

دارات  TTL

تستخدم هذه الأجهزة تقنية “TTL” وهي اختصار لعبارة Transistor-Transistor Logic، أو “منطق الترانزستور”. في هذه التقنية، يتم استخدام مكونات خاصة تُعرف بالترانزستورات لتشغيل وإيقاف التيار الكهربائي داخل الأجهزة بسرعة كبيرة جدًا.

تُستخدم تقنية TTL في هذه الأجهزة لأنها تسمح بتنشيط الدوائر بسرعة فائقة عند تلقي الجهاز إشارة التفجير. بمعنى آخر، عند وصول الإشارة المطلوبة إلى الجهاز، تستطيع دارات TTL تشغيل عملية التفجير على الفور تقريبًا دون أي تأخير يُذكر.

4- تخطيط زمني دقيق واستراتيجيات التلاعب السيبراني

عملية التحضير لهذه الهجمات لم تكن عفوية، بل كانت نتيجة تخطيط طويل الأمد واستخدام استراتيجيات معقدة:

الهندسة الاجتماعية والتهديدات داخل السلسلة اللوجستية

الهندسة الاجتماعية هي تقنية تعتمد على التلاعب النفسي وخداع الأفراد أو المؤسسات لتحقيق أهداف محددة دون اللجوء إلى أساليب الاقتحام أو القرصنة التقليدية. في هذا السياق، نجحت إسرائيل في استغلال الهندسة الاجتماعية لاختراق السلسلة اللوجستية لحزب الله عبر شركات وهمية، مما أتاح لها التغلغل في صفوف الحزب وكسب ثقته بشكل خفي.

خطوات عملية الهندسة الاجتماعية داخل السلسلة اللوجستية

لتنفيذ هذه العملية المعقدة، استخدمت إسرائيل خطة متكاملة تتكون من عدة خطوات أساسية، أبرزها:

إنشاء شركات وهمية:

أنشأت إسرائيل شركات تبدو حقيقية، مثل شركة  Gold Apollo، وبدأت في تقديم خدمات لعملاء حقيقيين لكسب السمعة والثقة.

قدمت هذه الشركات خدمات مختلفة للسوق كواجهة موثوقة، لتجنب أي شكوك حول نواياها أو ارتباطها بأية أنشطة تجسسية.

بناء الثقة مع العملاء:

بعد إثبات نفسها في السوق وتقديم خدمات ذات جودة عالية، بدأت هذه الشركات في التواصل مع أطراف داخل حزب الله، مستغلة سمعتها كواجهة موثوقة. هذا أكسبها صفة “الشريك الآمن”.

ساعدت هذه الثقة الشركات الوهمية في تسهيل توريد أجهزة البيجر وأجهزة أخرى لحزب الله.

تضمين تقنيات خفية داخل الأجهزة:

بعد اكتساب الثقة، قامت هذه الشركات الوهمية بتضمين دوائر إلكترونية معدلة وبرمجيات خبيثة داخل الأجهزة الموردة، مما سمح لإسرائيل بالتحكم في الأجهزة عن بُعد.

أُضيفت إلى هذه الأجهزة مستشعرات دقيقة وأنظمة تفجير عن بُعد لتكون جاهزة للتفعيل عند تلقي الإشارة المحددة.

استخدام الإشارات المشفرة للتحكم:

تم تزويد الأجهزة الموردة بآلية لتنشيطها باستخدام إشارات مشفرة، يمكن إرسالها عبر شبكات الراديو أو الأقمار الصناعية.

عند تلقي هذه الإشارات، تعمل الدوائر داخل الأجهزة على تفعيل المتفجرات أو جمع بيانات حيوية من موقعها.

تقنية الحماية من العبث (Anti-Tampering) في أجهزة البيجر المعدلة

تقنية الحماية من العبث، أو Anti-Tampering، هي إحدى آليات الأمان التي تُدمج في الأجهزة الإلكترونية لضمان عدم تعرضها للتلاعب أو الفحص دون إذن. في حالة أجهزة البيجر المستخدمة في عمليات التجسس أو التفجير، تمت إضافة تقنيات متطورة تمنع أي محاولة للفحص أو التفكيك دون التسبب في تعطيل الجهاز أو تفعيله بطريقة تؤدي إلى الانفجار. تهدف هذه التقنية إلى منع اكتشاف أو تعديل الجهاز من قبل الأعداء، وجعل أي محاولة لفحصه خطيرة.

  • كيف تعمل تقنية الحماية من العبث في أجهزة البيجر؟

دمج مستشعرات جهد عالية الحساسية:

تحتوي أجهزة البيجر على مستشعرات جهد متطورة يمكنها قياس أي تغيير في الطاقة الكهربائية أو التيار داخل الجهاز.

إذا حاول أي فني أو متخصص فتح الجهاز أو إزالة أحد مكوناته، فإن مستشعرات الجهد تكشف هذا التغيير في الدارة الكهربائية وتقوم بتفعيل آلية الحماية.

التفجير التلقائي عند اكتشاف محاولة العبث:

عند استشعار التلاعب أو تغيير في تركيب الجهاز، تُرسل مستشعرات الجهد إشارة فورية لتفعيل الدوائر المتصلة بالمتفجرات الصغيرة داخل الجهاز.

هذه الإشارة تؤدي إلى تسخين مادة شديدة الانفجار، مثل مادة PETN، بشكل سريع، مما يتسبب في انفجار الجهاز فورًا.

أتمتة الحماية عبر الدوائر الكهربية المصغرة:

تعتمد هذه التقنية على دارات صغيرة وذكية، تُعرف باسم  MEMS (أنظمة ميكانيكية وكهربائية مصغرة)، يتم برمجتها لاستشعار التغييرات الفيزيائية، مثل فتح الجهاز أو محاولة فحصه باستخدام أدوات مختبرية.

هذه الأنظمة المصغرة تُمكن الجهاز من إصدار ردة فعل أوتوماتيكية عند محاولة فحصه، مما يجعل من المستحيل تقريبًا فحصه بدون تفعيل الانفجار.

آلية عمل مستشعرات الجهد في تفادي العبث 

عند الفحص اليدوي أو التقني:

إذا حاول أي شخص فصل الأسلاك أو الدوائر داخل الجهاز، يتغير مستوى الجهد أو التيار الكهربي.

يقوم المستشعر بتحليل هذا التغيير، وعند استشعاره لمحاولة العبث، يُطلق إشارة تفعّل عملية التفجير الفوري، مما يجعل فتح الجهاز أو فحصه مستحيلًا تقريبًا دون التسبب في الانفجار.

لماذا تُعد تقنية الحماية من العبث مهمة في أجهزة البيجر التجسسية؟

تكمن أهمية هذه التقنية في تحقيق عدة أهداف:

منع اكتشاف المكونات الداخلية: حيث يضمن انفجار الجهاز عند محاولة فتحه أن تظل مكوناته وطريقة عمله سرية، فلا يمكن لأي جهة معادية تحليل الجهاز أو فهم تقنياته.

إبقاء الجهاز فعالًا حتى وقت الحاجة: حيث يبقى الجهاز في وضعية الاستعداد حتى يُستدعى للتنشيط عن بعد، دون خوف من العبث به.

إضعاف محاولات الدفاع المضاد: يجعل الجهاز غير قابل للتفكيك أو الفحص الآمن، وبالتالي يعوق أي محاولة لتحليل محتوياته أو فهم تقنيته من قبل الخبراء.

سيناريوهات عملية لتقنية الحماية من العبث

إذا تم العثور على جهاز البيجر ومحاولة فحصه باستخدام أدوات دقيقة:

يتم إغلاق الدائرة الكهربائية الحساسة داخل الجهاز، مما يتيح تنشيط الانفجار بسبب تغيير في جهد الدائرة الداخلية.

تحليل الجهد وتفعيل التفجير: حيث تقوم المستشعرات بتحليل الجهد، وعند تغييره، تتفاعل الشريحة الإلكترونية لتفعيل الانفجار بسرعة عالية، وبذلك تتخلص من أي تهديد محتمل يتمثل في اكتشاف محتويات الجهاز.

تقنية الحماية من العبث تُعدّ إحدى التقنيات الذكية في حماية الأجهزة الإلكترونية التجسسية والمفخخة، وهي أداة تجعل من أجهزة البيجر سلاحًا يصعب اكتشافه أو التعامل معه دون تعريض من يتعامل معه لخطر مؤكد.

5- تأثير الهجمات السيبرانية المعتمدة على العتاد الإلكتروني (الهاردوير)

غالباً نا تكون الهجمات السيبرانية التقليدية موجهة نحو البرمجيات والشبكات ؛ مثل الفيروسات والبرامج الضارة التي تستهدف الحواسيب والأنظمة عبر الإنترنت. لكن الهجمات السيبرانية المعتمدة على العتاد الإلكتروني “أو الهاردوير” تمثل شكلًا جديدًا ومتطورًا من الحروب السيبرانية، حيث تستهدف مكونات الأجهزة الإلكترونية بشكل مباشر بدلًا من الاعتماد فقط على اختراق البرمجيات. ويُعد هذا النوع من الهجمات أكثر تعقيدًا وأقل عرضة للاكتشاف، مما يمنحه فاعلية عالية ويدوم أثره لفترات طويلة.

ما هي الهجمات السيبرانية المعتمدة على العتاد (الهاردوير)؟

الهجمات السيبرانية المعتمدة على العتاد هي نوع من الاختراقات التي يتم فيها تعديل أو تصميم مكونات داخل الأجهزة الإلكترونية بحيث يمكن التحكم فيها أو استغلالها دون الحاجة لاختراق البرمجيات. على سبيل المثال، قد يتم إدخال شرائح خفية أو تعديل الدوائر الإلكترونية بشكل يجعل الجهاز يتحكم فيه عن بُعد أو يقوم بوظائف معينة عند تلقي إشارات مشفرة.

أنواع الهجمات السيبرانية المعتمدة على العتاد

التلاعب بمكونات الأجهزة: يتم تعديل الدوائر أو الشرائح الإلكترونية داخل الجهاز لإضافة وظائف مخفية. على سبيل المثال، تزويد جهاز بحساسات دقيقة أو دارات معينة تمكنه من تنفيذ أوامر خاصة عند استلام إشارة خارجية.

دمج متفجرات مصغرة أو مواد حساسة: يمكن تزويد الأجهزة الإلكترونية بمواد متفجرة دقيقة أو أنظمة ميكانيكية يمكن التحكم بها عن بُعد، مثل أجهزة البيجر المعدلة التي تمتلك آليات تفجير مدمجة تعمل عند تلقي إشارة معينة.

استغلال شرائح إلكترونية معقدة: الشرائح مثل FPGA المصفوفات البوابية القابلة للبرمجة تُبرمج بحيث تستجيب لأوامر محددة أو تُغير من وظائفها بناءً على متغيرات البيئة، مما يجعل الجهاز أكثر ذكاءً وقابلًا للتحكم عن بعد.

لماذا تعتبر الهجمات السيبرانية المعتمدة على العتاد أكثر صعوبة في الاكتشاف؟

التخفي العميق: يمكن أن تكون هذه التعديلات على مستوى العتاد الداخلي الذي لا يمكن رصده بسهولة، مما يجعل اكتشافه أمرًا صعبًا حتى من خلال الفحص التقليدي للأجهزة.

عدم تأثرها بالتحديثات الأمنية: بعكس البرمجيات التي يمكن تحديثها وإصلاح ثغراتها الأمنية، فإن العتاد المعدل لا يمكن تغييره أو تحديثه بسهولة، مما يعني أن الثغرات أو وظائف التجسس تبقى مخفية لمدى طويل.

التأثير المباشر على وظائف الأجهزة: الهجمات المعتمدة على العتاد تغير في كيفية عمل الجهاز نفسه، مما يسمح لها بالتحكم في وظائفه الأساسية؛ فعند إدخال تعديل في الأجهزة، يكون من الصعب اكتشاف هذه التغييرات إلا من خلال فحص تقني معقد للغاية.

التأثيرات طويلة الأمد للهجمات السيبرانية المعتمدة على العتاد

الهجمات التي تعتمد على العتاد تمتلك ميزات تجعلها أداة فعالة للتجسس والاختراقات طويلة الأمد، حيث يمكن أن تظل الأجهزة قيد العمل لفترات طويلة دون أن يُكتشف فيها أي تعديلات أو تلاعب، مما يسمح بتنفيذ عدة وظائف تجسسية أو هجومية على المدى الطويل. هذه التأثيرات تشمل:

التجسس المستمر : يمكن للأجهزة المعدلة أن تنقل البيانات بشكل مستمر وطويل الأمد، مثل تحديد الموقع، وتسجيل المحادثات، ورصد الحركة، دون أن يشعر المستخدم بأي نشاط غريب.

تنفيذ الأوامر عند الطلب: الأجهزة المعدلة يمكن أن تكون في وضعية انتظار حتى تتلقى إشارة معينة، وعندها يمكنها تنفيذ مهام محددة مثل التدمير الذاتي أو إرسال معلومات حساسة.

التحكم عن بُعد: بفضل التعديلات في العتاد، يمكن أن يتم التحكم في وظائف الجهاز عن بُعد، وهذا يمكن أن يشمل تشغيل أو إيقاف وظائف معينة بناءً على أوامر خارجية.

التسبب بأضرار مادية مباشرة: في حالات الأجهزة المجهزة بمواد متفجرة دقيقة، يمكن للهجمات أن تتسبب بأضرار مادية مباشرة عند تفعيلها، مما يحول الجهاز إلى أداة هجومية.

تحديات مواجهة الهجمات السيبرانية المعتمدة على العتاد

لمواجهة الهجمات المعتمدة على العتاد، يجب اتباع عدة خطوات احترازية تتضمن:

فحص الأجهزة بعناية عند توريدها: فحص الأجهزة الجديدة بواسطة مختبرات مستقلة للتحقق من سلامتها وعدم وجود مكونات مشبوهة أو معدلة.

الاعتماد على موردين موثوقين: التأكد من مصادر الأجهزة الإلكترونية، وعدم شراء أجهزة من موردين غير موثوقين لتجنب تزويدها بعتاد مشبوه.

تطوير أدوات فحص متقدمة: استخدام تقنيات التحليل الجنائي الرقمي التي تتيح الكشف عن أي تعديلات داخل العتاد، مثل فحص الدوائر الإلكترونية والمستشعرات والتحقق من وظائف الشرائح.

إجراء تدقيق دوري: الأجهزة التي تُستخدم في بيئات حساسة تحتاج إلى تدقيق دوري للتأكد من عدم تعرضها لتعديلات غير مرئية.

برزت الهجمات السيبرانية المعتمدة على العتاد الإلكتروني كأحد أسلحة العصر الحديث، حيث لم تعد المواجهة بين الأطراف المتصارعة تجري في ساحات القتال التقليدية، بل انتقلت إلى عمق الأجهزة نفسها. هذه التقنية، التي تعتمد على تحويل مكونات الأجهزة إلى أدوات خفية للتدمير والتجسس، تشكل فصلًا جديدًا في الحروب التكنولوجية. إنها حروب لا يُسمع لها صوت، لكنها تهز قواعد الأمن بأكملها، وتجعل من التكنولوجيا وسيلة لإعادة تشكيل موازين القوة بين الأطراف.

لقد أماطت هذه الهجمات اللثام عن مدى التحول الاستراتيجي العميق في مفهوم الحرب، إذ أصبحت الحدود بين التكنولوجيا والأمن تتداخل على نحو غير مسبوق. هذه الهجمات تجعل من العتاد أكثر فتكًا وخطورة، إذ يصعب اكتشافها أو مجابهتها بالتحديثات البرمجية التقليدية وحدها، وهنا يكمن جوهر التحدي.

إن ما تقوم به اسرائيل اليوم من توظيف للأساليب السيبرانية لا يُقرأ فقط كجزء من حرب تكنولوجية جديدة، بل كاستراتيجية مدروسة تستند إلى فهم عميق للبُعد الاستراتيجي الذي تمنحه التكنولوجيا الحديثة كوسيلة لبث الرعب وفرض الهيمنة من داخل حصون الخصم نفسه. إن هذه التقنية ليست مجرد أدوات، بل هي امتداد لأيديولوجية جديدة تتعامل مع العتاد كقوة خفية، تعمل في صمت وتتوغل في أعماق الخصم دون إعلان أو ضجيج.

إن استخدام هذه التقنيات السيبرانية يحمل رسائل ودلالات أوسع، تتجاوز حدود الصراع التقليدي؛ فهي دعوة لكل من يسعى للبقاء في مسرح القوة العالمية لأن يعيد التفكير في منظوماته الدفاعية، ويتجه نحو صياغة نهج أمني جديد، حيث تصبح الحصون التقليدية عرضة للاختراق ما لم تُحاط بتقنيات دفاع سيبراني قادرة على كشف الخفايا ومنع الاختراق.

هنا، تتعقد المواجهة بين ذكاء الإنسان وقدرات الآلة في معركة تجمع بين العقل الإنساني والخوارزميات الذكية، وكأن العالم يسير نحو زمن جديد تُعاد فيه رسم خرائط الأمان بأسلوب يُملي الحاجة إلى التكامل بين ما هو تقليدي وحديث.

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى