الشرق الأوسطتقارير استراتيجيةعاجل

تــقـــديـــر لـلــهــدف الأمريكي النــهائي الــمـــُحـــتـمــل من حــــرب غـــزة مــن واقـــع تـصـريحـات ترامـب الأخـــيــرة

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

أصبح واضحاً أن حــرب غـــزة التي إنطلقت شرارتها الأولي في صباح طوفان الأقصي في 7 أكتوبر2023 لم تكن حرباً بالمفهوم التقليدي للحروب السابقة بين العرب والصهاينة في مايو1948 ويونيو1967 وأكتوبر1973 فحرب غـــزة في تقديري أشبه بمصنع ضخم به خطوط إنتاج لمنتجات متعددة ومتنوعة ومتباينة الإستخدامات فمن بين منتجاتها النوعية مُظهر نـــوايـــا  فهذا المنتج الفريد الذي لم تستطع أي من دول خط المواجهة مع الكيان الصهيوني إنتاجه رغــم كل الحروب التي خاضتها الجيوش النظامية العربية مع الصهاينة لأسباب تتعلق بمحدودية الوقت الذي اتيح لهذه الجيوش لتخوض هذه الحروب ولطبيعة النظم السياسية غير المؤهلة لممارسة الحرب والسياسة كما ينبغي لها أن تـُمارس إلي أن سنحت للمقاومة الإسلامية في غــزة الفرصة لخوض الحرب الأولي في تاريخ الصراع العربي / الصهيوني في 7 أكتوبر2023 والتي تميزت بأنها حـــرب طويلة إستنزفت الموارد البشرية العسكرية والإقتصادية والسياسية الصهيونية بل ومزقت النسيج الإجتماعي للمجتمع الصهيوني غير المُنسجم ديموجرافيا من الوجهة المبدأية فلم تعتد الآلة العسكرية الصهيونية علي حــرب طويلة ولا علي عقلية راقية منظمة في التخطيط العسكري والسياسي والإعـلامي والنفسي كتلك العقلية التي توفرت لدي المقاومة الإسلامية في غـــزة بالإضافة إلي توفر خاصية شديدة الأهمية حـــازهــا طرفي هذه الحرب فعلي حين أدار الكيان الصهيوني كل حروبه تأسيساً علي نصوص وأفكار توراتية صارمة إدارت المقاومة الإسلامية هذه الحرب تأسيساً علي عقيدة إسلامية أشد صرامة ولهذا يمكن القول أن هذه الحرب تعتبر الأولي في مسير الصراع العربي / الصهيوني التي خاضها طرفاها وكل منهما مُسلح بعقيدة قتالية اساسها ومنطلقها ديني بحت (ربما كانت حرب 10 رمضان 73إستثناء إذا ما حذفنا من القياس ما تبعها من مفاوضات أدت لمعاهدة السلام غير المتوازنة مع الصهاينة في 26 مارس1979) .

إن حرب غــزة أنتجت للعرب جميعاً (ومنهم هؤلاء الذين أعانوا الصهاينة في حربهم ضد المقاومة) مخرجات مفاهيمية مختلفة ومن بين هذه المنتجات مـــُظــهــر للنوايا السياسية وبواسطة هذا المنتج الـــفــذ عـــرف العـــرب ومعهم كل من ألقي السمع وهو شهيد ما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تضمره من نوايا بشأن مــــآل  التسوية السياسية الأخيرة للصراع الفلسطيني في غــزة والضفة الغربية , فهذه المعرفة الخالية من شبهة الشك أو إساءة التقدير كفلت لأن يري العرب قادة وشعوب النوايا الأمريكية الباطنة وهي ظـــاهـــرة في رائـــعة شـــمـــس الــــنـــهــار فقد إســتــخـــرجت حـــرب غـــزة ما في بـــاطـــن الــعــقـــل الســيــاسـي الأمريكي فقد أدلي رئيس الولايات المتحدة الجديد الذي تولي سـدة الـرئــاسة في واشنطن في 20 يناير 2025 بتصريحات مـــُتــدرجـــة متتابعة كاشفة عن الرؤية الأمريكية للتسوية جاءت عقب إتفاق الرئيس ترامب مع العصابة الصهيونية بقيادة بنيامين نتنياهو علي وقف إطلاق النار في غـــزة في 19 يناير2025 والبدء في تبادل تسليم الأسري الصهاينة مقابل المعتقلين الفلسطينيين وخلال عملية إطلاق سراح هؤلاء الأسري الصهاينة والمعتقلون الفلسطينيون بدأ الرئيس الأمريكي ترامب في إطلاق هذه التصريحات الشــاذة والصــادمة والمُتفق علي توقيتاتها ومضمونها مع الصهاينة الذين أمسكت قيادتهم عن الخوض بالتفصيل في هذه التصريحات الأمريكية المتعلقة بتسوية الصراع الصهيوني / الفلسطيني إلا أنها تميزت بأنها مؤسسة علي نظرة ديموجرافية دينية بحتة لا سياسية كالعهد بما درجت الولايات المتحدة عليه في تناولها للصراع العربي / الصهيوني عقب إعلان دولة الكميان الصهيوني في 15 مايو1948 والملاحظة المبدأية لكل تصريحات الرئيس ترامب في شــان تسوية الصراع أنها لا تبصر حقائق ونتائج الصراع العسكري بين حماس وفصائل المقاومة الإسلامية كما هي علي الأرض في غــزة والتي أهمها إنكسار نظرية الردع للجيش الصهيوني وإنهيار السمعة القتالية التي بناها الصهاينة بفضل ثلاث إستغلالهم عوامل رئيسية (1) المهنية المتناقصة لدي الجيوش العربية فهي جيوش في الغالب وُجدت لحماية نظم وليس للذود عن أوطان وشعوب (2) الدعم العسكري والتكنولوجي الأمريكي المباشر والمستمر(3) الآلة الدعــائـــية الصهيونية الضخمة والمنتشرة في أرجاء العالم خاصة في دول القوي الكبري وهي دعاية تأسست جــزئـــياً علي بعض الحقيقة منها تحقيق الجيش الصهيوني لإنتصارات ســـهلة في مـدة وجــيـزة علي الجيوش العربية والتي لم تكن جيوش بالمعني العلمي فهي جيوش حماية نظم وهو طمعاً ما لم تشر له آلة الدعاية الصهيونية اللتي من مصلحتها إظهار هذه الجيوش بأنها قوية وقادرة وهو أمر غير حقيقي .

إزاء رد الفعل العربي علي تصريحات الرئيسس ترامب المتدرجة والمتتابعة فقد لوحظ أن رد فعل الجانب الفلسطيني أعني حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية كان مــتــزنــاً ومـُــوجـــزاً فيما كان رد فعل الدول العربية المعنية بتصريحات الرئيس الأمريكي بشأن تسوية الصراع الفلسطيني في غــزة والـضــفــة الــغــربية بـــتــهــجـــيــر الفلسطينيين في غــزة والــضــفــة الـغـربيـة إلي مــصــر والأردن والـــســعـــودية مــتأخــرة قليلاً ومــُـــرتـبـكـة وتحتوي علي بـعـض الـعبارات غير الـحــاســــمة كما أنها في مجملها صـــيـغـــت بإعتبار أنها تتحدث إلي رئيس لم يوجه إهـــانـــة أو إساءة إلي ســيـادات هذه الدول العربية الثلاث علي وجه التحديد فكل البيانات الصادرة عن خارجيات مــصــر والأردن والسعودية أشارت إلي حقائق بــدهـــيــة يعرفها الساسة الأمريكيين بالضرورة مثل الأمن القومي والدولة الفلسطينية وكان الأحري مثلاً الإشارة إلي الدعم العسكري الأمريكي في حرب الإبادة في غــزة وأن الدول العربية بالمثل ستدعم المقاومة المسلحة للدفاع عن الشعب الفلسطيني والإعلان رسمياً عن تعليق العمل من قبل مصر والأردن لمعاهدتي السلام مع الكيان الصهيوني وذلك توطئة لإلغاء هذه المعاهدات التي إنتهكها الكيان الصهيوني بدعم أمريكي مباشر ومًعلن والإشارة كذلك إلي أن تصريحات الرئيس الأمريكي تفريغ مباشر لمحتوي هذه المعاهدات والإشارة في مستهل أي بيان صادر عن هذه الدول الثلاث إلي أن هذه التصريحات إهــانــة تقتضي سحب سفراء هذه الدول الثلاث من واشنطن وتل ابيب فرفض تصريحات الرئيس الأمريكي بشأن التهجير وإخلاء غـــزة من شعبها الكريم في تضحياته بدون إتخاذ قرارات عــمــلية تتضمن الإعلان عن تعليق العمل بمعاهدتي السلام المصرية والأردنية وسحب السفراء من واشنطن وتل أبيب يُعتبر رفضاً لــفــظـــيــاً Rhetoric فالموقف الأمريكي من التسوية في غزة القائم علي إجلاء شعب غزة والضفة الغربية إلي مكان ما في سيناء والأردن والسعودية موقف في منتهي الشذوذ  والعنف لا يماثله إلا حرب الإبادة الصهيونية التي مُورست في غـــزة ويجب أن يدفع العرب وتحديداً الدول العربية الثلاث ثمن موقف جاد وعنيف يتخذونه من الإدارة الأمريكية الحالية وبالمثل يجب أن تدفع أيضاً الإدارة الأمريكية تكاليف موقفها الممالئ للكيان الصهيوني الذي وفقاً للموقف الأمريكي الحالي من التسوية في اليوم التالي لحرب غــزة سيكون قد حقق بالإرهاب السياسي الذي يمارسه الرئيس الأمريكي ترامب مـا لم يـسـتـطـع الكيان الصهيوني تحقيقه بآلته العسكرية العمياء .

مــــُتابـــعــة لتصريحات ترامب المُتدرجة بشأن تنفيذ مخطط التهجير :

بدأت العلاقة الأكثر خصوصية بين الصهيونية اليهودية والبروتستانتية الأصولية مع كتابات مارتن لوثر في عام 1523 ودفاعه المفعم بالحماسة عن اليهود بكتابه “المسيح ولد يهودياً” والذي اعترف فيه بأصول اليهود المشتركة مع المسيحيين وذلك قبل أن ينقلب لاحقًا على تلك الأفكار وينتقد اليهود مُطالباً بطردهم من أُورُوبا لكن الكنيسة الأصولية البروتستانتية كان لها وجهة نظر مختلفة تتمثل في الاعتقاد بأن قيام “دولة إسرائيل” أمر ديني بإعتباره تجسيد لنبوءات الكتاب المقدس ووفقاً لذلك فمن الواجب الدفاع عن اليهود وحقهم في وطن على اعتبار أنهم هم شعب الله المختار والمفضل على سائر الأمم إيماناً من هذه الكنيسة بأن هناك عهدًا إلهيًّا يربط اليهود بفلسطين وأنصرف هذا الاعتقاد إلى المجيء الثاني للمسيح الذي كان يُعتقد أنه مرتبط بإنشاء “دولة “إسرائيل” الصهيونية” في فلسطين لهذا فإن التفسير الإنجيلي لنبوءات العهد القديم حول عودة اليهود إلى أرض فلسطين قد أرسى الأَسَاس اللاهوتي للدعم الأمريكي المتواصل للمشروع الصهيوني والرئيس ترامب من أتباع الكنيسة المشيخية الأمريكية البروتستانتية ( Presbyterian Church) ولذلك فهو مؤمن بهذا التفسير البروتستانتي لكن موقف الرئيس ترامب من تسوية الصراع العربي / الصهيوني وفي غــزة تحديداً لا يتأسس فقط علي التفسير الديني البروتستانتي في تكوين موقفه من اليوم التالي لحرب غـــزة ( بإفتراض أن حرب غــزة قد وضعت أوزارها) فإضافة إلي المكون الديني / البروتستانتي هناك المكون الإقتصادي الرأسمالي وهناك كذلك المكون المهني فترامب مارس مهنة السمسرة والتطوير العقاري وهناك كذلك المكون التربوي فالرئيس ترامب يميل إلي مبادئ الرأسمالية المتوحشة التي لا تقيم وزناً لا للقيم الأخلاقية ولا النوازع الإنسانية المُتعارف عليها وموقفه من قضية غزة كما توضحه تصريحاته الأخيرة أثناء زيارة الملك عبد الله ملك الأردن لواشنطن في 11 فبراير2025 آخر دليل علي ذلك .

إذا ما وضعنا مجمل الصراع العربي / الصهيوني في إطاره الديني فإننا مجبرين والحالة هذه أن نقر بأن اهذا الصراع صراع إسلامي مع المسيحية المجيئية الصهيونية أو سمها اليمين المسيحي أو المُحافظين الجدد – كما يفضل بعض الساسة والإعلاميين العرب أن ينعتوهم لكي يتجنبوا وضع الصراع في إطاره الديني – والذي كشفه بما لا يدع مجالاً ما للريبة أو الشك الرئيس ترامب ومجموعته المفضلة من غلاة الصهاينة الأمريكيين أو داعميهم فهذا الإطار هو الإطار الذي أثبت الرئيس دونالد ترامب بصراحته المعهودة التي تحولت بفعل تكوين شخصيته إلي وقــاحـــة فإننا في هذه الحالة سنصل إلي نتائج واقعية إلي أقصي حد فالولولايات المتحدة منذ بدأ الصراع العربي / الصهيوني لم تـتـحـر الإنصــاف والموضوعية في تنـاول ثم طـــح حـل لهذا الـصـراع فعندما عُرض الصراع علي الأمم المتحدة في 19 مارس 1948 تخلت الولايات المتحدة عن تأييدها لخطة التقسيم ودعت إلى عقد جلسة خاصة للجمعية العامة لوضع فلسطين تحت وصاية الأمم المتحدة حتى يحين الوقت الذي يمكن فيه التوصل إلى تسوية عربية يهودية , وأستمرت هذه الخاصية تميز التناول السياسي الأمريكي في كل مراحل الصراع العربي/ الصهيوني فهناك ثوابت كانت ولازالت تحدد تكوين الموقف السياسي الأمريكي من هذا الصراع لم يكن من الممكن إذابتها علي الإطلاق لأنها ثوابت ولإنها مرتبطة بالأمن القومي الأمريكي وهو الثابت الرئيسي لكل هذه الثوابت الفرعية وهي :

(1) دولة إسرائيل أمر ديني ووجودها آمنة مُستقرة تجسيد لنبوءات الكتاب المقدس والـــمـــجـــئ الـثانـي للسيد المــســيــح.

(2) الكيان الصهيوني قاعدة عسكرية وأمنية مـــتقدمة للولايات المتحدة وحلفاءها في الشرق الأوسط الذي يعتبر منطقة متاخمة لخصوم وأعداء الولايات المتحدة وخاصة الإتحاد السوفيتي أو الإتحاد الروسي حالياً والصين  .

(3) النظم السياسية القائمة في الشرق الأوسط معدل دورانها السياسي عــال وبالتالي فهي أكثر عــُرضة للتحول ولذلك فهي غير موثوق في ولاءها للولايات المتحدة فيما الكيان الصهيوني والولايات المتحدة علي ولاء كامل ومُتبادل وتترجمه مظاهر مختلفة منها مذكرات التفاهم الإستراتيجي الموقعة بينهما وآخرها الدفاع الأمريكي العسكري والدبلوماسي المستميت عن الكيان الصهيوني في حـــرب غـــزة وهو مــوقف ثــابــت لانه مرتبط بالأمن القومي الأمريكي ومما يدلل علي ذلك أن الحزب الديموقراطي بقيادة الرئيس السابق بايدن والحزب الجمهوري بقيادة الرئيس الحالي ترامب إلتزما به وسخرا له كل الموارد المختلفة اللازمة .

في أعقاب وقف إطلاق النار في غزة في 19 يناير 2025 بدأ الرئيس ترامب في إشاعة مناخ من الترهيب والتخويف مستخدماً مفردات لم يسبق لرئيس أمريكي أن إستخدمها في محاولته لتسوية سياسية لهذا الصراع الديني والذي أخذ أطوار مُسلحة دموية في مراحل زمنية معينة (حروب48 و 56 و73) , ولأن الرئيس ترامب مُتماه تماماً لأسباب دينية (توراتية) وعملية مع الكيان الصهيوني لذلك لم يدخر جهداً إلا وبذله في الأيام التي قضاها رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو في زيارته لواشنطن – والتي إنتهت قبيل زيارة الملك الأردني لواشنطن في 11 فبراير2025 – ليثبت له ولجماعة الضغط الصهيونية في الولايات المتحدة (أيباك) ولجماعة الضغط الأمريكية مُتمثلة في الكنيسة البروستانتية الأمريكية المؤمنة بأسطورة المجئ الثاني للسيد المسيح منتهي الولاء فقد صرح الرئيس ترامب أمام ملك الأردن في لقاءهما الذي جري بالبيت الأبيض في 11 فبراير 2025 عن خـــطــتـه لتــهجـــير فلسطينيي غـــزة إلي مكان ما في الأردن وســـيــنـاء  وكأن نهج التهجير الذي تكلم عنه أمــر طــبـيـعي وعــــادي ومما يثير الدهشة أن الملك الأردني الذي يقمع شعبه بكل عنف وقسوة لم يجرؤ أن يُسكت أو يعترض علي المنطق الـــشــاذ الإجـــرامــي لهذا الرجل الذي من بين ما تفوه به :

-ما سيُقدم سيكون شيئاً عظيماً للفلسطينيين وأنا أفهم المجال العقاري والفلسطينيين سيحبون ما سنقدمه لهم

-لن نشتري غزة ولا يُوجد سبب لذلك وسنُسيطر عليها وخطتنا ستساهم في جلب السلام للمنطقة  .

-سوف نضمن أن يكون هناك سلام في غزة وستكون هناك تنمية علي أوسع نطاق في المنطقة  .

– رداً علي سؤال عن السلطة التي تُخول له السيطرة علي غــزة : بموجب السلطة الأمريكية  .

– أعتقد أنه ستكون هناك قطع من الأراضي في الأردن ومصر يمكن أن يعيش فيها الفلينيون .

– كما صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال المؤتمر الصحفي مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو في 4 فبراير2025 برغبة الولايات المتحدة في إعادة إعمار قطاع غزة وتولي الوصاية الأميركية عليه و أشار إلي مشروع “ضخم” لإعادة الإعمار في غزة يبدأ بنقل السكان من القطاع المدمر مُقترحاً أن تتولى الولايات المتحدة إدارة عملية الإعمار وإنشاء الوظائف كما اقترح وضع القطاع تحت الوصاية الأميركية ومُنوهاً بأنه قد تُنشر قوات أميركية هناك إذا ما اقتضى الأمر وقال إن “نفس الأشخاص ينبغي ألا يكونوا مسؤولين عن إعادة بناء القطاع والإقامة فيه ” , وأشار إلى أنه تحدث مع قيادات(لم يُسمها) في منطقة الشرق الأوسط بشأن هذه الفكرة (تولي إعمار القطاع والوصاية عليه) وقال إنهم “أحبوها وإنها ستجلب السلام” . وشكك ترامب مجددا في استمرار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وقال إننا : “نتعامل مع أشخاص معقدين للغاية وسنرى إن كان الاتفاق سيستمر أم لا ” ثم نوه ترامب  إلي قرار أميركي مرتقب “في غضون أربعة أسابيع” يتعلق بفرض السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة وهي التسمية الإسرائيلية للضفة الغربية  .

كــــان رد الملك الأردنــي :

– الرئيس ترمب كان له دور محوري في التوصل لي وقف  إطلاق النار في غزة .

– السلام العادل لايتطلب رالدور القيادي للولايات المتحدة والرئيس ترمب رجل سلام .

– سنناقش في السعودية كيفية العمل مع الولايات المتحدة بشأن غــزة وسيكون هناك رد من عــدة دول .

– علي أن أعمل ما فيه مصلحة بلدي .

– يجب أن نضع بالإعتبار كيفية تنفيذ  ذلك بما يخدم مصلحة الجميع .

لم يتضمن كلام الملك الأردني في حضور الرئيس ترمب رفضاً واضحاً قاطعاً لمقترح ترامب الخيالي عن تهجير سكان غـــزة من القطاع لمكان ما خارجه بل كانت ضيافة الرئيس ترمب للملك الأردني دليلاً علي سوء طوية الرئيس الأمريكي ووقاحته  وإنعدام تربيته .

فيما كان رد حماس قاطعاً في رفض مقولات الرئيس الأمريكي كالآتي :

– شعبنا العظيم في غزة صمد في مواجهة القصف والعدوان وسيبقي ثابتاً في أرضه ويُفشل كل خطط التهجير والترحيل القسري .

–  نخطط ترحيل شعبنا من غزة لن ينجح وسيُواجه بموقف فلسطيني وعربي وإسلامي مُوحد يرفض كل مُخططات التهجير.

–  تصريحات ترمب عنصرية ودعوة للتطهير العرقي ولتصفية القضية الفلسطينية والتنكر لحقوق شعبنا الوطنية الثابتة  .

– نجدد رفضنا لتصريحات الرئيس الامريكي ترمب ربشأن تهجير شعبنا من قطاع غزة تحت ذريعة إعادة الإعمار .

– ما فشل الإحتلال في تحقيقه عبر العدوان والمجازر لن يفلح في تحقيقه عبر مخططات التصفية والتهجير .

– كما صرح القيادي في حركة حماس سامي أبوزهري لرويترز في  11 فبراير2025 بأن على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يتذكر أن هناك اتفاقا يجب أن يحترمه الطرفان موضحاً أن على ترامب أن يتذكر أن هناك اتفاقا وأنه يجب احترامه من الطرفين وهذا هو الطريق الوحيد لعودة الأسري مشددا على أن لغة التهديدات ليس لها قيمة وتزيد من تعقيد الأمور .

تضمن كلام الرئيس الأمريكي ترمب تكراراً لرغبات أمريكية في التدخل العسكري في غزة والتراجع عنها بعدم الحديث عنها في تصريحات تالية وإستبدالها بالإعراب عن شراء القطاع دون تحديد ممن سيشتري الأمريكان القطاع ثم النكوص عن ذلك بإعراب الرئيبس الأمريكي عن عدم الحاجة أو ضرورة الشراء بل الإستحواذ علي القطاع إقتداراً دون ذكر مالك القطاع أيضاً ويبدو أن الرئيس ترامب مزج بين ما قرأه في كتب التاريخ بالتعليم الإبتدائي في المدارس الأمريكية التي تذكر أن ولاية ألاسكا وهي من أكبر الولايات الأمريكية تم شراؤها من روسيا عام 1867 مقابل 7.2 ملايين دولاربمعدل 1.9 سنتاً للفدان الواحد وبموجب معاهدة صدق عليها مجلس الشيوخ الأمريكي ووقعها الرئيس الأمريكي أندرو جونسون وتذكر هذه  الكتب المدرسية أيضاً شراء لويزيانا من خلال صفقة حصلت فيها الولايات المتحدة على إقليم لويزيانا من فرنسا النابليونية في عام 1803 وتبلغ مساحتها 828,000 ميل مربع أي2,140,000 كم مربع أو 530,000,000 فدان وذلك مقابل 15,000,000 دولار أو ما يقارب 18 دولار للميل المربع رغم أن فرنسا كانت تسيطر على جزء صغير من هذه المنطقة التي كان الهنود الحمر يشغلون حصل الأمريكيون عليها بشراء الجزء الصغير الذي كان في حوزة المستعمرين الفرنسيين ثم أحتلو الجزء الأكبر الباقي منها بالقوة من الهنود الحمر , فالرئيس الأمريكي لا يستقي معلوماته ولا رغباته إلا من الكتب الدرسية وليس من كتب السياسة الدولية ولذلك فهو غيبوبة سياسية ومن الواضح أن مستشاريه إنتقاهم من حواري وأزقة نيو يورك أو دالاس أو شيكاجـــو فلم يحاول أحدهم أن ينبهه إلي أن صراعــاً علي الأرض يجري في فلسطين أحد أطرافه يدعي أن له حق في ملكيتها مستنداً إلي أسانيد توراتية رثـــة ما أنزل بها الله من سلطان لكنهم مع ذلك يدعون أنه حقيقة وليس أسطورة فيما الطرف الآخر وهم الفلسطينيون موجودين في هذه الأرض من الآف السنين والذي يؤكد أن الرئيس الأمريكي ترامب يعــاعني من جــهـــل مـــُطبــق أنه في ديسمبر2024 طرح فكرة الاستحواذ على جــرينلاند “لأغراض الأمن القومي”وهو اقتراح مماثل لما قدمه خلال ولايته الأولى بل إنه أرسل نجله الأكبر دونالد ترمب جونيورإلى الجزيرة يوم 11 فبراير2025 في خطوة دعائية غريبة وعلى رغم أن تاريخ الولايات المتحدة حافل بصفقات شراء الأراضي إلا أنها لم تقدم على ذلك منذ الأربعينيات عندما اشترت جزيرة صغيرة أصبحت الآن جزءاً من جزر العذراء الأميركية , لذلك فإن كلام الرئيس ترمب عن شراء غـــزة  وجـــريـــنلاند وربما غيرهما في المستقبل نـــابــع من ثــقــافة مدرسية وليس من إحـــاطـــة جيوسياسية بالموضوع  وهو بالطبع منعدم الإحساس والإهتمام بالمعني الحقيقي لما يدور في العالم وبالتالي فليس من الغريب أن نجد حكام الشرق الأوسط زمـــلاء للرئيس الأمريكي في فـــريـــق الــجــهــل الذي يلعب بسكان الــعــالــم .

عـــرض الرئيس الأمريكي شـــراء غـــزة جـــهـــل بحقائق الأمور لكنه جهل موظف كما ســـأبين ذلك لاحقاً فهو عـــرض مجنون ما لبث أن تراجع عنه ليستبدله بعرض الإستيلاء علي غـــزة وهو في الحالتين يشير إلي أن الولايات المتحدة تريد القطاع في حد ذاته شـــراء ًأو إســـتــيــلاء أو إســـتــحــواذاً وفي الحالات الثلاث ستكون إيلولة القطاع للولايات المتحدة حتي تكون بصفة مستمرة وثابتة بجانب الكيان الصهيوني ولصيقة به لتحميه وتذود عنه بعد أن أنكشفت سوءاته في طوفان الأقصي يوم 7 أكتوبر2023 وبحرب غـــزة التي توقف إطلاق النار فيها يوم19 يناير2025 , عـــمــومــاً فحديث الرئيس ترامب عن شراء أو الإستيلاء علي غـــزة أو حتي فـــرض الوصاية الأمريكية(كما سأعــرض ذلك) ليس ضـــربـــة لازب بل هو لأمـــر يـــُراد ومــُـــبــيــت كما ســـأشـــيــر لذلك لاحقاً ..

أشــــــير أولاً إلي مـــُقــتــرح الرئيس ترامب عن الوصاية الأمريكية علي قـــطـــاع غــــزة :

مقترح الرئيس ترمب بفرض “الوصاية الأمريكية” علي غـــزة جديدة في بابها وربـــما كان أقرب نموذج لتطبيق الوصاية الدولية وليست الأمريكية في تــيــمــور الشرقية التي فُصلت عن إندونيسيا في إطـــار مــؤامـــرة مــحـــبــوكة إستطاع الغرب طـــبــخـها بإرادة مُشتركة وربما كانت هناك  أوجه  للتشابه بين الوضع الحالي اليائس والمتدهور في غزة والوضع السابق علي إنشاء إدارة  إنتقالية الأمم المتحدة  في تيمور الشرقية التي بدأ غزو إندونيسيا لها في ديسمبر 1975 بهدف ضم الإقليم كمقاطعة سابعة وعشرين وقمع حركة الاستقلال هناك المدعومة من الغرب والتي أطاحت بالنظام الاستعماري الاستبدادي البرتغالي مما خلف ما بين 60.000 و 100.000 قتيل تيموري في السنة الأولى وتشريد 300.000 من التيموريين الشرقيين وبحلول عام 1980 إستقرت الحكومة الأندونيسية في تيمور الشرقية ثم تأسست إدارة الأمم المتحدة الانتقالية في تيمور الشرقية بموجب قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 25 أكتوبر 1999″لإدارة تيمور الشرقية لفترة مؤقتة حتى يتم إنشاء الهياكل التي ستمكن التيموريين الشرقيين من حكم أنفسهم”وفي خدمة تلك المهمة “تم منحها المسؤولية الشاملة عن إدارة الإقليم ومخولة بممارسة جميع السلطات التشريعية والتنفيذية بما في ذلك إقامة العدل حتى الاستقلال الرسمي  . وكانت مهمة الإدارة الانتقالية في تيمور الشرقية معقدة للغاية فإرث الإدارة الانتقالية في تيمور الشرقية كان مختلطاً ولم تنفذ إدارة الأمم المتحدة الانتقالية في تيمور الشرقية الولاية التي حددها مجلس الأمن بالكامل ومع ذلك يتسم بشكل عام بإنجازات كبيرة بما في ذلك استعادة الأمن وإنشاء إدارة وتقديم المساعدات الإنسانية الحيوية مع بدء عملية إعادة التأهيل والتنمية ينبثق عدد من الموضوعات من هذه التجربة التي يمكن دمجها في مقاربة تجاه الإدارة المباشرة للأمم المتحدة لغزة التي حتي لو سلمنا أنها قابلة لفرض الوصاية عليها نجد أن الرئيس الأمريكي ترامب في ثرثرته علي مدي شهر فبراير2025 يتكلم عن وصــــايــة أمـــريــكـــيــة وليس وصـــاية من الأمم المتحدة التي صدر عنها القرار رقم 3236 في 22 نوفمبر 1974 بموافقة 89 صوتاً مقابل رفض 8 وامتناع 37 دولة ويحمل هذا القرار عنوان«حقوق الشعب الفلسطيني»ويؤكد الحقوق الثابتة لشعب فلسطين وبالتالي لا مجال للحديث عن وصاية أممية أو أمريكية .

في الواقع أن الرئيس الأمريكي ترامب قفز قفزة نوعية فأستبدل الأمم المتحدة بالإدارة الأمريكية في تحمل مسؤلية الوصــــــايـة إذ أنه لم يُشر للأمم المتحدة تماماً في كل كلامه سواء في المؤتمر الصحفي مع رئيس الوزراء الصهيوني عندما زار الولايات المتحدة خلال الأسبوع الأول من فبراير2025 أو خلال الزيارة التي جاءت عقبها للملك الأردني أو قبل هاتين الزيارتين أو بعدهما فهو لا يري أي أهمية أو دور لها في المجتمع الدولي كله ومن بين الإشارات المؤكدة لذلك إنسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للامم المتحدة ولذلك فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 4 فبراير2025 انسحاب الولايات المتحدة رسميًا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة واصفًا  إياه بأنه معادٍ للسامية كما تضمن القرار التنفيذي الذي وقعه ترامب في البيت الأبيض استمرار تعليق تمويل الولايات المتحدة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وهو التعليق الذي بدأته إدارة الرئيس السابق جو بايدن في يناير 2024 إضافة إلى مراجعة مشاركة الولايات المتحدة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بدعوى تبنيها أيضاً لمواقف معادية لواشنطن كما أن نيكي هيلي المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة وصفت مجلس حقوق الإنسان “بأنه منظمة “منافقة وأنانية تستهزأ بحقوق الإنسان ” , وبالتالي يتضح أن الرئيس الأمريكي وفقاً لموقف إدارته من الأمم المتحدة يعني بصفة مؤكدة أن الوصاية علي قــطـــاع غـــزة ســتكون وصـــايــة أمريكيــة مباشرة تتولاها الولايات المتحدة من تـلـقـاء نفســها فالقانون الدولي بهذا المعني أصبح عــهـــدة أمريكية حـــصـــراً ويوجد في العالم وفق خبراء قانونيين نحو 11 إقليما خضع للوصاية الدولية معظم هذه الإقليم انتهت إلى الاستقلال بأي شكل من الاشكال ويعلم الأمريكيون أنه بموجب أحكام المادة 77 من ميثاق الأمم المتحدة فإن نظام الوصاية الدولية ينطبق على الدولة الفلسطينية لأنها ليست عضوا في هيئة الأمم المتحدة(معترف بها بصفة مراقب) ووفقا لذلك يمكن للسلطة الفلسطينية أن تتقدم بطلب للجمعية العامة للأمم المتحدة وإذا تمت موافقة ثلثي الأعضاء عليه(وهو أمر متوقع) فلا حاجة عندئذ للذهاب إلى مجلس الأمن والاصطدام بالفيتو الأمريكي لأن اتفاقيات الوصاية من صلاحيات الجمعية العامة طبقا لاحكام المادة 85 من ميثاق الأمم المتحدة ومن المعروف أنه لم يتم وضع فلسطين تحت الوصاية الدولية بعد الحرب العالمية الثانية بسبب تعارض ذلك مع مصالح الحركة الصهيونية في تحقيق وعد بلفور وانشاء وطن قومي لليهود على ارض فلسطين و أيضاً بسبب أن ميثاق الأمم المتحدة ذاته ينص في مادته رقم 77 على أن نظام الوصاية يتم تطبيقه على فئات محددة هي :

(1) الأقاليم التي تم وضعها تحت الانتداب كما نصت عصبة الأمم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى .

(2) الأقاليم التي تم اقتطاعها من الدول الأعداء في الحرب العالمية الثانية  .

(3) الأقاليم التي يتم وضعها تحت الوصاية بإرادة الأمم المتحدة المنفردة  .

مقترح الرئيس الأمريكي بفرض الولايات المتحدة من تلقاء نفسها نظام الوصاية علي  غـــزة (التي لن تكون وفقاً لذلك دولية) ربما تحول في المستقبل إذامُــرر بشكل أو بآخــر وطُبق علي غـــزة إلي سابقة يُبني عليها رغم أني أُقدر أن هذه الوصاية نظرياً أو عملياً غير ممكنة ولكن بفُرض أن تمت فستُطبق في حالات أخري مُستقبلاً فالتجارب الناجحة تُكرر بعضها , فسبب الجرأة التي واتت الرئيس الأمريكي الحالي الجاهـــل ترامب الذي توفرت لديه الجرأة بفعل سوابق أمريكية قد تكون مُماثلة أو شبيهة فالولايات المتحدة لفرط هيمنتها الدولية خاصة بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي وتفككه عام 1991 وهزيمته في أفغانستان عام 1989خرجت عن نظم المُحاسبة الدولية وكنتيجة لذلك فالكونجرس الأمريكي مثلاً إستن قانون السلام في السودان كقانون إتحادي أمريكي وقعه الرئيس جورج دبليو بوش القانون ليصبح قانونًا في 21 أكتوبر2002 وكذلك قانون تحرير العراق الصادر 29 سبتمبر 1998 وذكر القانون في أكتوبر 2002 للدفاع عن التفويض بالقوة العسكرية ضد الحكومة العراقية  .

الـــمــــقـــترح الأمريكي غير الرسمي لفرض وصاية دوليةعلي جـــنـــوب الـسـودان :

إن قدر الجرأة التي عبر عنها الرئيس الأمريكي ترامب بقوله أنه يقترح أن تفرض الولايات المتحدة بنفسها الوصاية علي قــطــاع غـــزة لم تكن متوقعة لأي متابع جاد للسياسة الخارجية للولايات المتحدة فهذا القدر من الجرأة لا سابقة له حتي في الإدارات الأمريكية السابقة عند تناولها لصراعات للولايات المتحدة إهتمام إستراتيجي بها كحالة الصراع في جنوب السودان  ففي 20 يوليو2016 نشرموقع معهد الولايات المتحدة للسلام United States Institute of Peace وصحيفة Financial Time  إقتراح أمريكي بوضع دولة جنوب السودان تحت إدارة بديلة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة القائمة حالياً في جنوب السودان والتي يرأسها Salva Kiir تتولاها الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي وذلك بسبب تفجر الحرب الأهلية بين رئيس جنوب السودان Salva Kiir ونائبه Riek Machar في 15 ديسمبر 2013 وإستمرارتصاعد وتيرتها وما تداعي عنها من نشوء أزمة للاجئيين من جنوب السودان للدول الأخري المجاورة , إذ لم تؤد التسوية السياسية نتيجة بعد الجهود المضنية التي بذلتها الولايات المتحدة والسلطة عبر الحكومية للتنمية IGAD والحكومة الإثيوبية مع طرفي الحرب الأهلية بجنوب السودان لتوقيع إتفاقية إديس أبابا لإحلال السلام هناك في 17 أغسطس 2015 وإستعادة السلام في جنوب السودان بسبب إفتقاد طرفي هذه الحرب للإرادة السياسية والأخلاقية لإنهاءها , مما أدي – ميدانياً – لإنهيار هذه الإتفاقية , إذ سرعان ما تجاوز طرفي هذه الحرب جوهرها وموادها بل وإطارها معاً , وكان من الجلي أن إرادة الحرب لديهما أقوي من رغبتهما في السلام , وهو الأمر الذي دعي المبعوث الأمريكي والسفير الأمريكي السابق لدي السودان وجنوب السودان Princeton   Lyman الذي تولي هذه المهمة في الفترة من مارس2011 حتي مارس 2013 ومعه زميلته السيدة Kate Almquist  Knopf    المديرة السابقة لمكتب وكالة التنمية الدولية US AID بجنوب السودان والسودان من 2006 حتي 2007 ثم المديرة السابقة لمركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية وهو مركز تابع لوزارة الدفاع الأمريكية ثم تولت منذ يوليو2014مهمة دراسة القضايا الأمنية المُتعلقة بأفريقيا بمركز تابع للكونجرس الأمريكي الذي دعاهما خاصة بعد أن تجدد القتال بين أطراف الحرب الأهلية في 16 يوليو 2016 والهجوم علي مركز إيواء للنازحين الجنوبيين اللائذين بمركز إيواء تابع للأمم المتحدة في جوبا  في إطار تمدد غير مسبوق للقتال في معظم عموم جنوب السودان , للبحث عن و في حل الصراع والحرب الأهلية بفرض الإدارة الدولية الإنتقالية لجنوب السودان وهو ما رفضته حكومة جنوب السودان غير مرة , إلا أن مقترحهما يظل – نظرياً علي الأقل مدعاة للتأمل والفحص بإعتباره حلاً نابعاً من واقع خبرتهما الميدانية في شأن جنوب السودان  وبإعتبار أن إتفاقية أديس أبابا لم تؤد إلي إحلال السلام وليس من الواضح أنها ستؤدي إلي ذلك , خاصة وأن الحرب إستمرت والإتفاقية شارفت علي التحلل لدرجة أن أحتاجت القوي الدولية في مجلس الأمن لإستصدار قرار بدعم أو بالأحري لحماية  قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب السلامUNMIS  من خلال دعم القوة القائمة بنحو 4,000 رجل لحمايتها ومشروع قرار آخر أخفقت الولايات المتحدة في نوفمبر 2016 في إستصداره يدعو إلي حظر السلاح عن أطراف الحرب الأهلية بجنوب السودان عارضته الصين وروسيا ومعهما دول أخري غير دائمة العضوية بمجلس الأمن كمصر وأنجولا وفينزويلا وبالتالي فإن مقترح السفير Lyman ولو أنه يعتبر حلاً ثوريا أو إنقلابيا من وجهة نظر معارضيه لتجاوزه ثوابت في القانون الدولي منها ميثاق الأمم المتحدة نفسه , لكنه نظر له البعض علي أي الأحوال كمقترح يدعو لتأمل الوضع المتردي في جنوب السودان حتي وإن كان يعبرعن قناعة مهنية وشخصية للسفير Lyman ولزميلته Kate   معاً وقد تضمن مقترحهما ما يلي نصه :

” إن إتفاق المشاركة في السلطة لإنهاء الصراع الذي بدأ في ديسمبر 2013 كان مُركزاً علي شخصين هما الرئيس  Salva Kiir(ينتمي لقبيلة الدنكا) و زعيم المعارضة نائب الرئيس Riek Machar (ينتمي لقبيلة النوير) وكلاهما يتحصن بكتلة من السكان وكل منهما يري أن المجتمع(القبيلة) يتهدده وجوده خطر , وقد وجدت لجنة تحقيق تابعة للإتحاد الأفريقي أن قوات  Kiir و Machar كلاهما مسئول عن القتل الذي شكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية . إن إتفاق المشاركة في السلطة بينهما فشل بصفة كارثية الآن في مناسبتين منفصلتين , أي محاولات أكثر يمكن أن يُتوقع منها فقط أن تؤدي إلي مزيد من نفس المعاناة الإنسانية الضخمة وعدم الإستقرار الإقليمي ”   .

” علي كل حال هناك سبيل آخر وهو أن يُوضع جنوب السودان في غرفة الإنعاش من خلال إقامة ولاية تنفيذية للأمم المتحدة والإتحاد الأأفريقي لإدارة البلد حتي إيجاد مؤسسات تدير السياسات بغير العنف وكسر الشبكات التي تقف وراء هذا الصراع , وسيستغرق هذا الوضع من 10 إلي 15 عام , وعلي أي حال فالتخطيط في البداية يعتبر أكثر حساسية من تراكم تفويضات ( مهام حفظ السلام) لعام واحد عبر عقود , كما هي الحال في باقي مهام حفظ السلام , ووضعاً في الإعتبار الدرجة القصوي من فشل الدولة (في جنوب السودان) فإن إدارة خارجية مؤقتة تعد المسار الباقي الوحيد لحماية وإستعادة السيادة . إن ذلك من شأنه تمكين شعب جنوب السودان لأخذ زمام مستقبله بيده ويطور رؤية جديدة للبلاد . وبينما تصنف النخبة المفلسة المفترسة معنوياً بشكل سلبي مثل هذه المبادرة بإعتبارها – في نظرها – إنتهاك للسيادة , فمثل هذه النخبة ذاتها هي التي وضعت بقاء البلاد علي المحك ” ,  وعلي الرغم من أن الفكرة تبدو راديكالية , إلا أن الإدارة الدولية ليست بغير سوابق وقد عُمل بها سابقاً لإرشاد Kosovo وتيمور الشرقية وبلاد أخري للخروج من صراعاتها , وفي جنوب السودان فإن نصيبها من الصراع ليس بأقل من هؤلاء ”  .

” فيما نتداول ذلك المُقترح , فإن فترة إنتقالية ستتطلب دبلوماسية فائقة المستوي ومُلتزمة من قبل الولايات المتحدة والحكومات الأفريقية والأمم المتحدة والبلاد الغربية التي لها مصالح طويلة الأمد في جنوب السودان مثل المملكة المتحدة والنرويج سوف تكون أعلي كلفة عن النهج الحالي , الذي في الحقيقة يعد بفرصة أكبر للنجاح . ومنذ 2005 أنفقت الولايات المتحدة  ما يزيد عن 11 بليون دولار علي النواحي الإنسانية وحفظ السلام والعون علي إعادة الإعمار , كل ذلك مقابل القليل كعائد علي هذا الإستثمار ولا نهاية منظورة ”  .

” تحتاج الولايات المتحدة الآن للأخذ بمبادرة دبلوماسية جديدة تتسق مع الشركاء الإقليميين والدوليين للإعتراف بعبثية النهج الحالي وتأمين الدعم لإدارتي الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي التي تحمي السودانيين الجنوبيين . وهذا إنما يتضمن  :

* تفاوضاً لخروج Kiir  و Machar  .

* كسب الدعم لخدمات الأمن المتعددة للسودانيين الجنوبيين والمجموعات الرئيسية المُسلحة والدوائر القبلية من قبل إدارة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي   .

* تأسيس هيكل إداري مُشترك للرقابة للأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي لجنوب السودان ووضع إيرادات البلاد من البترول بضمان سيطرتهما  .

* إعادة هيكلة تدخل حفظ السلام ليشمل قدرات مُعززة للإنفاذ ”  .

” إن تضافراً للسلطة والقوة يمكن به إضعاف أي فاعل لديه حافز إعتراض الإدارة الإنتقالية . إن الإتحاد الأفريقي وجيران جنوب السودان علي نحو خاص عليهم الإتحاد في هذا , وهم يضعون قواهم الدبلوماسيين والعسكرية في خدمة مبدأ الإتحاد الأفريقي بعدم تجاهل التدخل في حالة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب ”  .

” إن إستبعاد Kiir و  Machar من الفترة الإنتقالية يمكن أن يمحو دافعاً رئيسياً للحرب , وكذلك الأمر مع المعارضة في أوساط الدوائر القبلية الرئيسية لإدارة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي . وللإسراع برحيلهما فإن الولايات المتحدة والضامنين الدوليين والإقليميين لإتفاق السلام الحالي يجب أن يقدموا للسيدين  Kiir و Machar حصانة من المُلاحقة القضائية ومنحهما ملاذاً آمناً بالخارج ”  .

” هذه المبادرة الدبلوماسية يمكن أن تغري أيضاً العسكرية بجنوب السودان والأجهزة الوطنية الأخري , علي إعتبار أن إدارة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي هما البديل السيئ الأقل في توجيه التدخل العسكري , وإيصال البلاد إلي نطاق نفوذ إثيوبيا والسودان وأوغندا , والنتيجة بذلك تقود إلي نهاية مفتوحة ألا وهي فقدان السيادة . هناك الكثير من القادة العسكريين السودانيين الجنوبيين سيقفون ملياً أمام الوقفة التي توفرت بالوجود الدولي لهيكلة وإصلاح أمور قواتهم الممزقة . علي التوازي فإن الوزن السياسي للقبائل غير الدنكاوية والتي أُبعدت بفعل إجراءات حكومية لمصلحة قبيلة الرئيس Kiir وعلي حسابهم هم , يمكن أن تدفع بإتجاه داعم لإدارة الأمم المتحدة والإتحاد الافريقي التي تلغي هذه الإجراءات ”  .

” إن تمركز قوة تدخل للسلام لديها قوة جبرية ذات مصداقية يمكنها إذن أن تردع وتدحر من تبقي من المفسدين . وبينما يتطلب الأمر قواعد قوية للإلتزام , فإن هيكلاً رائداً كفئاً وأصول تمكن من التحرك , من شأن كل ذلك مع حجم وتكلفة لمثل هذه القوة للتدخل من أجل السلام ألا تتجاوز ( تكاليف) عملية حفظ السلام الحالية التابعة للأمم المتحدة . وعوضاً عن ذلك ومن المنظور السياسي حيث العناصر الأساسية للحكومة وقوي المعارضة سوف لا تعارض الإدارة الدولية , فإن عدداً أقل  من المساهمين بقوات ممن أبدوا إستعداداً لإستخدام قوات فدائية يمكن لهم أن يضعوها علي الأرض . إن الترتيبات الأمنية التي نجحت في إنهاء حروب أهلية أخري لم يكن لها تمركزاً كثيفاً أو إستخدام علي نطاق واسع للقوة , لكن الأحري من ذلك كان الإلتزام بالإقناع بالإنفاذ بدعم من توفر إستراتيجية سياسية مُتماسكة . علاوة علي ذلك ولما كانت البلاد مُنكسرة , فإن الإدارة الدولية يمكن لها أن تطلب جنوداً من السودانيين الجنوبيين للعودة للثكنات للبقاء فيها بأجر”   .

” إن تركها في الموقف الحالي يعني زوال  Demise جنوب السودان مما سيُضاعف من التهديدات التي نراها بالفعل في دولة فاشلة , كما أن ضعف الحكم والصراع والهجرة والتطرف في منطقة يُنتظر أن يتضاعف سكانها بحلول عام 2050 . يحتاج المجتمع الدولي  إلي منهج يتجه نحو آفاق عودة أفضل للإستثمار , إن شعب جنوب السودان لا يستحق فرق المساعدة , لكنه بحاجة إلي إنهاء كابوسهم الثقيل” إنتهي النص  .

أعـــتــقــد أن مُقترح وضع جنوب السودان تحت وصاية الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي لم يكن معزولاً عن الدائرة الإستشارية التي تقف خلف السياسة الأمريكية , إذ أن Princeton Lyman كان من كبار مستشاري الرئيس الأمريكي Barack Obama  والمبعوث الأمريكي السابق لدي السودان وجنوب السودان ومن المُؤكد أن هذه الفكرة إستخلصها من واقع مهمته مبعوثاً للرئيس الامريكي لجنوب السودان والسودان , وتداولها قليلون علي نطاق ضيق مُقفل بالدائرة الرئاسية , وربما -وهذا لا يُغير إلا قليلاً في المعني – إنتهي الأمر إلي تفضيل إعلانها بعد أن تنتهي مهمته في مارس 2013 وفي توقيت ملائم  , بمعني أن هذا المُقترح لامس آذان الدبلوماسية الأمريكية قبل إعلانه , فالسفير Lyman بحكم منصبه السابق يسبغ علي المقترح درجتين من الخطورة والأهمية وعندما أعلنه , أعلنه علي موقع مركز عصف ذهني أمريكي تضع الدبلوماسية والعسكرية الأمريكيتين له إعتباراً ممُيزاً كما أنه كتب وكرر ما ورد بمقترحه حتي يؤكده في عمود للرأي لأحدي الصحف الأمريكية في يوليو 2016   .

من جهة أخري سبق أن طرح  Pagan Amum Okiech الأمين العام لحركة الجيش الشعبي لتحرير السودان SPLM وهو الحزب الحاكم حالياً بجنوب السودان , في يوليو 2016 إقتراحاً مُشابهاً لإقتراح السفير  Princeton Lyman وأسس ذلك علي إعتقاده بأن القادة الحاليين بجنوب السودان لا إرادة سياسية لديهم لتوحيد البلاد وإنهاء الدائرة الشريرة للعنف , وأعلن من نيروبي في تصريح لإذاعة Tamazuj نُشر في 4 أغسطس 2016 أنه سيقود حملة دولية وإقليمية لفرض وصاية دولية علي جنوب السودان بإعتبار ذلك هو السبيل الوحيد لإستعادة السلام والإستقرار في أحدث دول العالم , مُوضحاً أن التدخل الأجنبي في جنوب السودان سيجبر الرئيس Salva Kiir وحلفاءه بلا شك علي التقاعد .

مـــوقف حكومة جنوب السودان من مقترح فرض  الوصاية الدولية :

رداً علي تجدد طرح هذا المُقترح صرح Ateny Wek Ateny المُتحدث باسم رئاسة جمهورية جنوب السودان في تصريح نُشر له في 5 فبراير 2017 عن رفض بلاده مرة أخري مُقترح وضع جنوب السودان تحت نظام الوصاية وأوضح ” إن المجتمع الدولي يجب عليه أن يُؤيد تطبيق إتفاق السلام الذي رعاه الإتحاد الأفريقي وليس فرض نظام وصاية خارجية وأننا حققنا الإستقلال من خلال إستفتاء وقرر شعب جنوب السودان قرار لمصلحة بلاده لذلك ليس لأي من كان أن يكون أفضل من شعب جنوب السودان ” ووصف المتحدث الرئاسي المسئوليين الجنوبيين الذين تداولوا هذا المُقترح بقوله ” إنك لتجد دائماً أصوات لأقلية تتمني شيئاً ما مختلف كلية عما يقوله شعب أي دولة ” ومن جهة أخري أوردت شبكة africanews في تغطيها لذلك الخبر في 5 فبراير 2017 أن أوغندا رفضت المقترح واصفة إياه بأنه تدخل من شأنه جعل الموقف الأمني بجنوب السودان أسوأ ونقلت Reuters في 3 فبرايرعن  Okello Oryem وزير الخارجية الأوغندي قوله ” إنني لا أعتقد أن هذه فكرة جيدة فهذه عقلية إستعمارية وإذا ما كانت هناك ثمة محاولة للوصاية في جنوب السودان إذن فإني أعتقد أنه حتي جانب Machar ( خصم الرئيس Salva Kiir في الحرب الأهلية الجارية) سيقاوم ذلك ويقاتل ضده إنها فكرة يجب ألا تُطرح” .

موقف الولايات المتحدة من مقترح فرض الوصاية علي جنوب السودان :

لم يصدر عن الخارجية الأمريكية حتي الآن موقف رسمي يعبر عن وجهة الرسمية في مقترح السفير Lyman المبعوث الأمريكي السابق للسودان وجنوب السودان , ومع ذلك فقد أثار مُقترح السفير Princeton Lyman وجهات نظر متباينة وإعتراضاً من دبلوماسسين أمريكيين وعلي رأسهم المبعوث الامريكي الحالي للسودان وجنوب السودان السفير Donald Booth الذي قال ” أن الأمم المتحدة لا سلطة لها كي تضع بلداً آخر مُستقل تحت إدارتها المباشرة وأن أمراً كهذا لن يحظي بدعم الولايات المُتحدة , إن الموضوع يتعلق بالسيادة وأعتقد أن عليك أن تكون لديك فكرة عن كيف سيستقبلونها في جنوب السودان ” , من جهة أخري وخلال جلسة إستماع للجنة الفرعية للشئون الخارجية بالكونجرس بواشنطن في الأسبوع الأول من سبتمبر 2016 أشار السفيرPrinceton Lyman بأن دول منظمة IGAD بحاجة إلي تقوية الدور الرقابي للجنة المُشتركة للرصد والتقييم Joint Monitoring and Evaluation Commission أو JMEC لإنفاذ التطبيق الكامل لإتفاقية أديس أبابا للسلام في جنوب السودان , وقال أنه يجب زيادة صلاحيتها لتشمل القبض علي القادة المسئولين عن إنتهاك هذه الإتفاقية , وأقترح بأن تتولي الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي إدارة جنوب السودان , وكرر السفير  Lyman القول بأنه يجب أن تكون هناك إدارة دولية للرقابة لجنوب السودان , وأنه بدون ذلك فلن نري كيف أن خطة السلام ( إتفاقية أديس أبابا) يمكن أن تتحرك للأمام , ونوه بأن هذه الإدارة الرقابية علي علي عملية السلام يجب ألا تكون مُعتمدة علي قادة جنوب السودان حتي يمكن تنفيذ التحول السياسي, كما أشار إلي أنه مالم تدعم منظمة IGAD نظام وصاية الأمم المتحدة , فإن سلطة   JMECيجب أن يتم تقييمها لتشمل أن تكون قادرة علي التصرف عندما يرفض الأطراف تنفيذ إتفاق السلام كما هو , فهذا الكيان أي JMEC يجب أن يكون قادراً علي القيام بتعيينات مفتاحية والبدء في عملية صناعة الدستور, ذلك أن دور JMEC في نطاق خطة السلام ودور Festus Mogae (رئيس بوتسوانا السابق ورئيس لجنة JMEC) يتم في ميكانيزم خال من السلطة الحقيقية علي الأطراف  .

من هذا العرض الموجز عن الإقتراح الأمريكي بفرض الوصاية الدولية علي جنوب السودان الضعيف الممزق والمقترح الذي أشار إليه في فبراير2025 بفرض الوصاية الأمريكية علي  غـــزة المعزولة بفعل صهيوني وعربي مُشترك ربما تتضح للمراقب من خلال المقترحين الأمريكيين الملاحظات التالية أو بعضها كما يلي :

1-  أن غـــزة وجنوب السودان كل علي حدة وربما بقدر أو آخــر لا تتوفر فيه شروط رئيسية لكي يخضع لنظام الوصاية فالوصاية تُمارس علي تلك الأراضي التي تُدار بواسطة بلد آخر تحت إشراف مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة وهذا المجلس يتكون من : الدول الأعضاء التي تدير مناطق الوصاية والدول أعضاء مجلس الأمن الدولي وكل أراضي تحت الوصاية محكومة بمقتضي شروط إتفاق الوصاية وعادة ما يكون للدولة المديرة لهذه الأراضي أو الإقليم السلطات التشريعية والإدارية والقضائية الكاملة علي هذه الأراضي أو الإقليم وفي حالات معينة لها الحق للتعامل مع الإقليم كما لو كان جزءاً منها . إن نظام الوصاية علي الأراضي حل محل نظام الإنتداب الذي كان معمولاً به في مرحلة ” عصبة الأمم ” السابقة علي إنشاء الأمم المتحدة والذي بمقتضي ميثاقها فإن نظام الوصاية يعني الترويج لرفاهية السكان الأصليين وتقدمهم نحو الحكم الذاتي وبعد الحرب العالمية الثانية كان هناك 11 إقليم أو منطقة تحت الوصاية ولكن بحلول عام 1968 أصبحت عشر أقليم منها جزءاً من من بلاد أخري , ولم يتبق غير إقليم واحد وهي منطقة الوصاية بجزر المحيط الهادئ وتولت الولايات المتحدة إدارتها وتحققت لجزر Northern Marina Islands وضعية منفصلة بإعتبارها جزءاً من منطقة Commonwealth للولايات المتحدة عام 1978 بالرغم من أنها بقيت جزءاً المنطقة التي يغطيها إتفاق الوصاية للأمم المتحدة أما الأراضي الأخري الموضوعة تحت نظام الوصاية فقد قُسمت إلي ثلاث هي Marshall Islands وFederated States of Micronesia و Republic of Palau وكل من هذه الدول لها دستور خاص بها وتفاوضت من أجل الإتفاق علي حرية الجمعيات مع الولايات المتحدة عام 1980, ووفقاً للمعاهدة المُوقعة بين هذه الدول والولايات المتحدة فإن لكل كيان من هذه الكيانات الثلاث سُيمنح الإستقلال لكن مسئوليات الولايات المتحدة فيما يتعلق بشئون الدفاع والمساعدة للتنمية الإقتصادية ستبقي وكذلك فإن إتفاق الوصاية للأمم المتحدة سيُنهي عندما تحقق هذه الكيانات الأربع وضعية سياسية مُنفصلة . * (LEXICON UNIVERSAL ENCYCLOPEDIA  . Lexicon Publisher 1985 . page 321)

2- من واقع التخريف والجهل الذي ملأ الفراغات بين العبارات التي أدلي بها الرئيس الأمريكي ترامب عن غـــزة  حتي منذ ما قبل توليه سدة الرئاسة الأمريكية في 20 يناير 2025  وبعد ذلك حتي 11 فبراير 2025 يتبين أنه يتكلم عن وصاية صهيونية / أمريكية محضة علي قطاع غـــزة فهو يتكلم عن وصاية لـــغــزة وهي فارغة من سكانها فكيف يمكن إذن الحديث عن وصاية فالمقصود النهائي لأنه يتكلم عن وصـــايـــة علي أرض بلا شعب بالضبط كما قال مسؤلي الكيان الصهيوني وعلي رأسهم مناحم بيجين رئيس الوزراء الصهيوني خلال محادثات الحكم الذاتي علي الضفة الغربية وغـــزة عقب توقيع مصر والكيان الصهيوني معاهدة السلام في 26 مارس 1979 : أن مفهومهم عن الحكم الذاتي للضفة الغربية وغـــزة ينصرف علي السكان وليس الأرض”  فهم و الأمريكيون يلوون المفاهيم والقوانين الدولية وفقاً لمصالحهم وأهوائهم ولذلك فالتفاقيات معهما كعدمها سواء بسواء  فلا شرف ولا أمانة .

فوفقاً للفصلان الثاني عشر والمُعنون بـ ” في نظام الوصاية الدولي” , والثالث عشر المُعنون بـ ” في مجلس الوصاية ” لنظام الوصاية تفصيلاً ومن خلال موادهما التي تبدأ بالمادة 75 وتنتهي بالمادة91 , ومن المواد ذات الصلة بموضوعنا المادتين 76 و 83 التي تتناول علاقة مجلس الأمن الدولي ونصهما :

المادة 76 /

الأهداف الأساسية لنظام الوصاية طبقاً لمقاصد  الأمم المتحدة  المبيَّنة في المادة الأولى من هذا الميثاق هي:

ألف – توطيد السلم والأمن الدولي؛

باء – العمل على ترقية أهالي الأقاليم المشمولة بالوصاية في أمور السياسة والاجتماع والاقتصاد والتعليم، واضطراد تقدّمها نحو الحكم الذاتي أو الاستقلال حسبما يلائم الظروف الخاصة لكل إقليم وشعوبه، ويتفق مع رغبات هذه الشعوب التي تُعرب عنها بملء حريتها وطبقاً لما قد يُنص عليه في شروط كل اتفاق من اتفاقات الوصاية؛

جيم – التشجيع على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق  بين الرجال والنساء والتشجيع على إدراك ما بين شعوب العالم من تقيّد بعضهم بالبعض؛

دال – كفالة المساواة في المعاملة في الأمور الاجتماعية والاقتصادية والتجارية لجميع أعضاء“الأمم المتحدة” وأهاليها والمساواة بين هؤلاء الأهالي أيضاً فيما يتعلق بإجراء القضاء وذلك مع عدم الإخلال بتحقيق الأغراض المتقدمة ومع مراعاة أحكام المادة 80   .

المادة 83/

1-  يباشر مجلس الأمن جميع وظائف “الأمم المتحدة” المتعلقة بالمواقع الاستراتيجية ويدخل في ذلك الموافقة على شروط اتفاقات الوصاية وتغييرها أو تعديلها  .

2-  تراعى جميع الأهداف الأساسية المبيَّنة في المادة 76 بالنسبة لشعب كل موقع استراتيجي  .

3- يستعين مجلس الأمن بمجلس الوصاية – بمراعاة أحكام اتفاقيات الوصاية ودون إخلال بالاعتبارات المتصلة بالأمن – في مباشرة ما كان من وظائف الأمم المتحدة في نظام الوصاية خاصاً بالشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية للمواقع الاستراتيجية .

فحضرة المطور العقاري الذي تولي في غفلة من الزمن الأسود سدة الرئاسة الأمريكية لا يمكنه أن يعقل ما ورد بالمادتين 76 و83 فغـزة في مخيلته أرض تشرف علي البحر وتصلح لأن تكون ريفيرا ُخضبة بدماء الفلسطينيين لذلك فهي جميلة !!!.

إتصــالاً بمقترح الوصاية في حد ذاته أشار دكتور Inis L. Claude,Jr في كتابة المُعنون ” SWORDS INTO PLOW SHARES   في فصل مُستقل بعنوان الوصاية كمنهج سلام إلي عدد من المُلاحظات التقييمية لنظام الوصاية من أهمها  :

– أن الوصاية لها ما يسوغها بالقياس إلي الوظيفة العامة للتنظيم الدولي في منع الحروب , ولقد نُص علي هذا المفهوم رسمياً عندما ذكر صائغو ميثاق الأمم المتحدة توطيد السلم والأمن الدوليين علي رأس قائمة  “الأهداف الرئيسية ” لنظام الوصاية الخاص الذي يتعين إنشاؤه تحت إشراف المنظمة الجديدة(أي الأمم المتحدة) علي أن الربط بين الإستعمار والحرب , وبين تعديل الإستعمار والدفع بالسلام قُدماً , يمكن تحليله بطرق عديدة مختلفة  .

– يتضمن مفهوم الوصاية بصفة أساسية  إنكار حق عدم المسئولية السيادية وعدم شرعية المصلحة الذاتية المُطلقة كمبدأ مُوجه لسياسة الدول المُستعمرة في علاقاتها مع الشعوب التابعة لها , ونظام الوصاية يمثل محاولة لتحويل المُستعمرات من قطع من الأملاك الخاصة الخاضعة لإستغلال مالكيها إلي قطع من الأملاك العامة القابلة للتطور والنمو بمقتضي الصالح العام المُشترك , إنه نظام يستهدف جعل الشعوب التابعة للوصاية المُؤقتة وجعل حكامهم وكلاء مسئولين أمام المجتمع الدولي  .

– إن نظام الوصاية في كلتا حالتيه النظرية والعملية يعكس ثنائية أساسية في المنشأ والباعث فهو من ناحية جماع الإتجاهات الإنسانية التحررية التي تمتد إلي الوراء إلي عصر التوسع الإستعماري الأوروبي وهو في إصراره علي الإلزام الأخلاقي القاضي بحماية شعوب المنطقة المحكومة ضد سوء المعاملة ورعاية مصلحتهم ورفاهيتهم يعني العمل الإيجابي   .

– إن نظام الوصاية مزيج من النفاق والنزعة إلي الإصلاح وهو يعير نفسه للزخرف الإيدولوجي , كما يعير نفسه للتخفيف الحقيقي من غلواء الحكم الإستعماري , ولقد وصف Salvador de Madariaga (دبلوماسي ومؤرخ أسباني) وطأته في عصر عصبة الأمم بقوله ” إن عجوز الإستعمار الشمطاء الخيرة تضع علي نفسها ورقة تين وتسمي نفسها إنتداباً ” , بيد أن تغول العوامل السياسية ليس مجرد مثال علي تلويث وتدنيس مفهوم أخلاقي نقي صرف يتسبب في أن يهز المثاليون رؤوسهم أسفاً وأن يحرك الواقعيون رؤوسهم علماً ببواطن الأمور . إن الإشتقاق والتلوين السياسيين لنظام الوصاية مُكملان لطبيعته ومُتممان , فنظام الوصاية علي حد التعبير الإصطلاحي لـ Hessel . Duncan Hall (مؤرخ بريطاني) ظاهرة من ظواهر ” الحدود الدولية ” وشكل جديد وأكثر تعقيداً إتخذ نماذج مختلفة تتفاوت من دولة حاجزة Buffer State إلي مناطق مشمولة بالإدارة الدولية وأستخدم كأداة إصطنعتها الدول لإقرار الإستقرار في المناطق التي تتقارب فيها مصالحها في نقطة واحدة , فهو بهذه الصفة مشروع لحماية مصلحة العالم في السلام , كما يمكن إعتبار الوصاية مشروعاً لإيجاد حل مُوفق وتراض مُتبادل  بين المطالب القديمة لحكام العالم الأوروبيين والمطالب الجديدة للدول الناشئة الجديدة والشعوب المُتلهفة علي إبطال السيطرة الأوروبية ومن ثم فهو مفهوم للملائمة السياسية بقدر ما هو مثل أعلي للتقدم الإنساني نحو الخير   .

– إستطاعت حكومة الولايات المتحدة أن تصل إلي إتفاق داخلي بشأن مشروع التفاوض علي إقرار نظام للوصاية من قبل الأمم المتحدة علي جزر المحيط الهادئ التي كانت واقعة تحت الإنتداب الياباني سابقاً بإقناع الموظفين الرسميين للقوات والإدارات العسكرية بأن مثل هذا التدبير من شأنه أن يعطي الولايات المتحدة السلطة القائمة بالإدارة وحقوق السيادة المُساوية تماماً لتلك الحقوق التي كان من الممكن إكتسابها بالضم المباشر   .

– ذكر ميثاق الأمم المتحدة إمكانية أن تأخذ الهيئة الدولية علي عاتقها مهمة السلطة الحاكمة في أقاليم معينة ولكنها حافظت علي المبدأ العملي الطبيعي الذي رُوعي بإضطراد حتي الآن والذي يقضي بأن الإدارة الفعلية لمناطق الوصاية ينبغي أن يُعهد بها لحكومة إحدي الدول , ومن الوجهة العملية , كان معني ذلك أنه في ظل الأمم المتحدة كما كان في ظل عصبة الأمم فإن الدول التي كانت لديها دعوي كافية بالنسبة للأقاليم التابعة أو نفوذ كاف بحيث ترتقي إلي مصاف الأطراف التي تعتبر موافقتها ضرورية لوضع هذه الأقاليم تحت النظام الدولي , هذه الدول سُلم بقبول أن تكون هي السلطات الإدارية المُعينة من قبل نفسها وكان الإستثناء الوحيد هو حالة إيطاليا في الصومال الإيطالي   .

– عملت الكتلة المُضادة للإستعمار بهمة وعزم لإمتداد وتوسيع مضامين الوصاية الواردة في الفصل الحادي عشر من ميثاق الأمم المتحدة ونجحت في إقرار المبدأ القاضي بأن إدارة كل الأقاليم غير المُتمتعة بالحكم الذاتي ينبغي أن تخضع للإختبار الدولي وللنقد بنفس الطريقة التي تخضع لها إدارة المناطق المشمولة بالوصاية   .

– من الواضح أن الدول الإستعمارية أقل رغبة وإستعداداً لقبول التطبيق الواسع لمبدأ الوصاية أكثر مما بدا عليه الأمر عام 1945 , علي أن نصوص الميثاق المُتعلقة بالأقاليم غير المُتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية أثبتت أنها تتضمن تدخلاً خارجياً أكثر مما إستطاعت الدول القائمة بالإدارة أن تهضمه وتستسيغه وأنها تترك مقداراً من عناصر الحكم السيادي في أيدي الدول القائمة علي الإدارة أكثر مما تطيقه الدول المُناهضة للإستعمار وترغب في السماح به   .

– هناك فشل آخر لحق بنظام الوصاية للأمم المتحدة , فلقد أخفق هذا النظام في إنجاح الإقرار الذي له مغزي لمبدأ أن الإقليم المشمول بالوصاية هو منطقة دولية حيث لا تستطيع دولة أن تأمل في شيئ أكثر نفعاً وفائدة لمصلحتها من إمتياز تحمل عبء ثقل المسئولية  .

مــقـــارنـــة بين المقترحين الأمريكيين بشأن الوصايــة علي جــنــوب الـــسودان وغـــزة :

– الملاحظة الرئيسية أن المقترح الأمريكي في حالة جنوب السودان كان غير رسمي ولكنه صدر عن ســـفــيــر مُختص بالشأن السوداني ولذلك جاء واضحاً ومُفصلاً ومُتماسكاً أما في حـالة غـــزة فصدر الإقتراح بفرض وصاية أمريكية وليست دولية علي غــزة بصفة رسمية فمن طرحه هو الرئيس الأمريكي شخصياً وذلك تأسيساً علي سلطة الولايات المتحدة ومن خارج النظام الأممي وقد صدر الإقتراح من رئيس لم يلبث إلا أقل من شهر في عهدته الرئاسية الثانية وهو وقت غير كاف بالمرة للإطلاع علي ملف ضخم كملف غــزة مُودع بالخارجية الأمريكية وموزع بين جهات معينة في الإدارة الأمريكية هي : مستشار الأمن القومي الأمريكي ووزارة الدفاع الأمريكية والقيادة العسكرية الأمريكية المركزية  والمخابرات الأمريكية بالطبع وهو بطبيعته الصراعية يُعد ملف معقد ومُوزع بين جهات أمريكية عدة ويختلط فيه السياسي بالديني بالعسكري كما أن الرئيس ترمب طرحه في جـــلســة كجلسات تعاطي المخدرات وبمنتهي الإستهانة كما لو كان موضوعاً عابراً بالإضافة إلا أنه لم يلبث إلا أيام قليلةفي عهدته الرئاسية الثانية وهي فترة غير كافية بالمرة ليدفع بمقترح معناه الوحيد هو أنه إلــغــاء للقانون الدولي والقرارات الأممية الصادرة بشأن القضية الفلسطينية لذلك طوي الرئيس ؤترامب مقترح فرض الوصاية الأمريكية علي غــزة سريـــعــاً ليستبدله بمقترح ىأغرب وهو شراء غـــزة وكأنها كانت معروضة للبيع هكذا بمنتهي الخــســة والإستخفاف ثم جـــاهر بمقترح وقـــح مفاده الإستيلاء علي غـــزة تلك البقعة الشريفة االتي دســـت مقــاومــتـها أنــف الجيشين الصهيوني والأمريكي في الــرغـــام ولكنه بين كل هذه المقترحات المعبرة عن عقلية عمياء جاهلة تمسك بالتهجير القسري والطوعي لسكان غـــزة حتي يخليها لأحط خــلـق الله تعالي : الصهاينة توطئة لتحقيق هدفه النهائي المحتمل .

– تضمن مقترح فرض الوصاية علي جنوب السودان تحديد السلطة المنوط بها تولي هذه الوصاية وهي تحديداً الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي وهما جهتان من المنطقي وفقاً للقانون الدولي أن يتولي أحدهما أو كلاهما هذه المسؤلية أما في حالة الوصاية علي غـــزة فقد أشار الرئيس ترمب أن السلطة المخول لها تولي هذه المهمة هي الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ولم يُشر لأي دور للأمم المتحدة بالمرة وبغض النظرعن غفلته المعهودة عن أمور هامة فإنه يبدو أن لا أحد قال له أن الولايات المتحدة نفسها بالنسبة لطرفي الصراع أي الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية تُري كطرف أصـــيــل في الصراع بإعتبارها الداعم العسكري والسياسي المعلن عنه للكيان الصهيوني .

– فرض الوصاية الأمريكية علي غــزة معناه المباشر طي قرارا الشرعية الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة وكذا ملف حل الدولتين مع ملاحظة أن الدول التي تُفرض عليها الوصاية “كيانات” لم تنضج بعد ولا تتوفر لديها أسباب تؤهلها لتكون دولة وهو أمر غير واقعي في الحالة الفلسطينية بدليل أن لديها صفة المراقب بالأمم المتحدة وهو ما يدل علي أن الرئيس الأمريكي أعمي أو ليس لديه إحاطة بالأمر برمته , وبالتالي فقد الغي الرئيس ترمب حل الدولتين وهو أمر يُسعد الكيان الصهيوني الذي لم يوافق أبداً علي حل الدولتين , ومن جهة أخري فلو تصورنا أن جنوب السودان قبلت بفرض الوصاية عليها فستكون قد قررت العودة إلي ما قبل مرحلة الدولة وهو مالايمكن حدوثه بالقطع فلن يوافق عليه لا رئيس جنوب السودان سلفاكير ولا المعارضة الجنوب سودانية .

تـــرويــج الرئيس الأمريكي ترامب لعملية تهجير قسري وإعـادة تـوطين جـمـاعـي لفلسطيني غــــزة :

في سابقة لم تصدر عن إدارة أمريكية سابقة في حرب غزة 2005 ولا غيرها إقترح الرئيس الأمريكي ترمب ترامب خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في واشنطن في 4 فبراير2025 أن تتولي إدارة أمريكية عملية إعادة إعمارغزة وإنشاء الوظائف مع فرض وصاية الولايات المتحدة غير مُغطاة بشرعية دولية علي قطاع غـــزة وأشار إلي أنه قد تُنشر قوات أميركية هناك إذا ما اقتضى الأمر وتحدث ترامب عن مشروع “ضخم” لإعادة الإعمار في غزة يبدأ بنقل السكان من القطاع المدمر وقال إن “نفس الأشخاص ينبغي ألا يكونوا مسؤولين عن إعادة بناء القطاع والإقامة فيه”وأشار إلى أنه تحدث مع قيادات في منطقة الشرق الأوسط بشأن هذه الفكرة (تولي إعمار القطاع والوصاية عليه) وقال إنهم “أحبوها (فهم يحبون كل شيء إلا حـــمـــاس والقضية الفلسطينية) وإنها ستجلب السلام ” وشكك ترامب مجددا في استمرار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وقال : “نتعامل مع أشخاص معقدين للغاية (طبعاً يقصد حـــمـــاس فالأمريكان بطبيعتهم لا يحبون أي مقاومة لهم) وسنرى إن كان الاتفاق سيستمر أم لا كما تحدث ترامب عن قرار أميركي مرتقب “في غضون أربعة أسابيع” يتعلق بفرض السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة وهي التسمية الإسرائيلية للضفة الغربية .  *( موقع الحرة الامريكي في 5 فبراير2025) .

أعتقد أن العرض الأمريكي بإعادة إعمار غــزة وراءه هـــدف عـــسـكــري / أمـــنـي هو أن الأمريكيين ومعهم الصهاينة يريدون كــشـف والوقوف بالتفصيل علي الــهـــنــدســة الــفــلسطــيـــنــيـة في إقامة خــطــوط الأنـــفــاق ومـســاراتــهــا وهو السلاح الــمـــاضي الذي أعـــان الــمــقــاومــة الفلسطينية في إلحاق الهزيمة بالجيش الصهيوني المدعم بالخبراء العسكريين الأمريكيين وهو عـــرض مـرفوض.

في تقرير لوكالة الأنباء المتحدة A.P في 5 فبراير 2025 نشرت أن الرئيس دونالد ترامب إعادة توطين الفلسطينيين النازحين في غزة بشكل دائم خارج الأراضي التي مزقتها الحرب واقترح أن تأخذ الولايات المتحدة “الملكية” في إعادة تطوير المنطقة لتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” ويبدو من المؤكد أن اقتراح ترامب الوقح (كتعبير الوكالة) سيفسد المرحلة التالية من المحادثات التي تهدف إلى تمديد وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وحماس وتأمين إطلاق سراح الرهائن المتبقين المحتجزين في غزة فقد جاءت هذه التصريحات الاستفزازية في الوقت الذي تكثف فيه المحادثات هذا الأسبوع مع وعد بزيادة المساعدات الإنسانية وإمدادات إعادة الإعمار لمساعدة سكان غزة على التعافي بعد أكثر من 15 شهرا من الصراع المدمر والرئيس ترامب يريد الآن دفع ما يقرب من 1.8 مليون شخص لمغادرة الأرض التي أطلقوا عليها اسم الوطن والمطالبة بها للولايات المتحدة ربما مع القوات الأمريكية إذ أن ترامب قال : الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة وسنقوم بعمل فيه أيضا” وقال ترامب إن الولايات المتحدة ستعيد تطوير الأراضي بعد إعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى وتحويل المنطقة إلى مكان يعيش فيه “شعوب العالم” – بما في ذلك الفلسطينيون – ولم يقدم أي تفاصيل حول السلطة التي ستستخدمها الولايات المتحدة للاستيلاء على الأرض وتطويرها لكنه أضاف وكأنه مندوب مبيعات : سيكون الأمر رائعا للشعب .

أشارت وكالة الأنباء المتحدة A.P إلي أن مصر والأردن وحلفاء آخرون للولايات المتحدة في الشرق الأوسط حذروا ترامب من أن نقل الفلسطينيين من غزة سيهدد استقرار الشرق الأوسط ويخاطر بتوسيع الصراع ويقوض مسعى الولايات المتحدة وحلفائها منذ عقود من أجل حل الدولتين فوزارة الخارجية السعودية أصدرت بيان به رد فعل حاد اللهجة على ترامب مشيرة إلى أن دعوتهم الطويلة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة كانت “موقفا حازما وثابتا ولا يتزعزع”وتجري السعودية مفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن اتفاق للاعتراف دبلوماسيا بالكيان الصهيوني مقابل اتفاق أمني وشروط أخرى ومع ذلك يصر ترامب على أن الفلسطينيين “ليس لديهم بديل” سوى ترك “كومة الأنقاض الكبيرة” التي هي غزة وتحدث في الوقت الذي أكد فيه كبار مساعديه أن الجدول الزمني من ثلاث إلى خمس سنوات لإعادة إعمار الأراضي التي مزقتها الحرب على النحو المنصوص عليه في اتفاق هدنة مؤقت غير قابل للتطبيق .قوبل اقتراح الرئيس بقلق من قبل الديمقراطيين وقدر من الشكوك من قبل حلفائه الجمهوريين فقد قال السناتور كريس مورفي وهو ديمقراطي من كونيتيكت : “لقد فقدها تماما” وأضاف “إنه يريد غزوا أمريكيا لغزة سيكلف آلاف الأرواح الأمريكية ويشعل النار في الشرق الأوسط لمدة 20 عاما؟ إنه مريض” و”سنرى ما يقوله أصدقاؤنا العرب حول ذلك” كما قال السناتور ليندسي جراهام وهو جمهوري من ساوث كارولينا وحليف ترامب : “وأعتقد أن معظم سكان كارولينا الجنوبية ربما ليسوا متحمسين لإرسال أمريكيين للاستيلاء على غزة وأعتقد أن هذا قد يكون مشكلة لكنني سأبقى متفتحا “.

نــثــر الرئيس ترامب خلال ثرثرته اليومية منذ أن تم تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة في 20 يناير2025 عدد من العبارات والمعلومات التي لا أعتبرها ثرثرة فارغة بل مُدارة لكشف مواقف  معينة وشضن حملة نفسية موجهة لمقاومي غـــزة وحكام الدول العربية المعنية بالصراع إما تمويلياً كالسعودية ودول الخليج أو سياسياً كمصر والأردن واليمن (أنصار الله) ولبنان (حزب الله) علي نحو خاص ومن بين أهم هذه العبارات :

– أنه يرغب في أن ينتقل مئات الآلاف من الأشخاص إلى دول مجاورة إما “مؤقتا أو قد يكون على المدى الطويل”وأن الوجهات يمكن أن تشمل الأردن الذي يستضيف بالفعل أكثر من 2.7 مليون لاجئ فلسطيني ومصر .

– أنه طلب من الأردن وهو شريك رئيسي للولايات المتحدة في المنطقة استقبال المزيد من الفلسطينيين في مكالمة هاتفية مع ملك الأردن الذي قلت له إنني أحب أن تتولى المزيد لأنني أنظر إلى قطاع غزة بأكمله الآن وهو في حالة من الفوضى وإنها فوضى حقيقية .

– أنه يرغب في إيواء كل من الأردن ومصر – المتاخمة للجيب المدمر – وأنه سيتحدث مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول هذه المسألة  .

– وجود صراعات استمرت قرونا في المنطقة  فـ “أنت تتحدث عن مليون ونصف شخص ونحن فقط ننظف هذا الأمر برمته” و”لا أعرف  يجب أن يحدث شيء ما  لكنه حرفيا موقع هدم في الوقت الحالي كل شيء تقريبا مدمر والناس يموتون هناك لذلك أفضل الانخراط مع بعض الدول العربية وبناء مساكن في مكان مختلف حيث أعتقد أنهم ربما يستطيعون العيش بسلام من أجل التغيير”.

– استعرض مقترحه بأن “ينتقل سكان غزة إلى “5 أو 6 مناطق حيث تبني مساكن ذات جودة عالية مثل مدينة جميلة مثل مكان حيث يمكنهم العيش وعدم الموت لأن غزة هي ضمانة بأنهم سينتهي بهم الأمر إلى الموت وآمل أن نتمكن من القيام بشيء حيث لا يريدون العودة، من يريد العودة؟ لم يتعرضوا إلا للموت والدمار”.

– قالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في جلسات استماع في الكونجرس أنها تعتبر أن لإسرائيل “حقا توراتيا” في الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل في عام 1967 لكن معظم العالم يعترف بها على أنها قلب دولة فلسطينية مستقبلية  .

– أن يكون نقل الفلسطينيين من غـزة سيكون دائما(مع أنه في تصريح سابق أشار إلي أنه قد يكون دائماً أو مؤقتاً) واصفًا غزة بـ “موقع هدم وخطير للغاية ”  .

– “لا يمكن العيش في غزة الآن وأعتقد أن هناك حاجة إلى موقع آخر”واصفًا غزة بأنها “غير محظوظة للغاية ”  .

– عن حق العودة للفلسطينيين في غزة قال : “آمل أن نتمكن من القيام بشيء لطيف حقًا … جيد حقًا حيث لا يرغبون في العودة لماذا يريدون العودة؟ المكان كان جحيما” وعند هذه النقطة، حاول أحد الصحفيين مقاطعة ترامب صائحا: “لكن هذا وطنهم سيدي لماذا يغادرون ؟ ” ورفض ترامب التحدث مع هذا الصحفي قائلاً إن غزة كانت “واحدة من أقسى الأماكن على وجه الأرض… لا أحد يستطيع العيش هناك ” .

لم يضع ترامب أي رؤية للحكم في غزة بعد الحرب أثناء توقيعه على أوامر تنفيذية بعد تنصيبه بل ناقش الوضع في هذا الإقليم (غـــزة) كاحتمال عقاري مشيدا بموقعها البحري وطقسها وقال في 4 فبراير2025 “نظرت إلى صورة لغزة إنها مثل موقع هدم ضخم”مضيفا : “يجب إعادة بنائها بطريقة مختلفة” وإذا كانت تصريحات ترامب محيرة – فضلا عن كونها مخالفة للقانون الإنساني الدولي ضد التهجير القسري – فذلك لأنها تشير على ما يبدو إلى أنه ليس لديه سياسة متماسكة تجاه الشرق الأوسط  .

من الواضح إن تابع المرء بدقة وتمحيص وتأمل تصريحات الرئيس الأمريكي المعتل عقلياً فسيكتشف بسهولة تراجعه السريع في بعض ما يطرحه أو طرحه لأمر مختلف عن أمر آخر طرحه قبله بساعات قليلة بالإضافة إلي إستنتاج شخصي توصلت له مفاده أن هذه التصريحات المتناقضة والمتضاربة كانت كثيفة في الأيام القليلة التي قضاها رئيس الوزراء الصهيوني في زيارته لواشنطن التي سحب الرئيس الأمريكي كرسي لرئيس الوزراء الصهيوني لإجلاسه في حركة تفسر بين كونها كرم المضيف وأدب الخــدم , لكن الأهم أن الرئيس ترمب بتراجعه السريع في بعض مقترحاته أفصح عن جهل بموقع وعلاقة ما يـتفوه به من عبارات بتناول مؤسسات الدولة الأمريكية لهذه العبارات التي كونها تنطلق من علي لسان الرئيس فلابد أن تترجمها أجهزة الدولة الأمريكية إما لقرارات أو قوانين وفي كلتا الحالتين لابد أن تمر من قنوات محددة بالدولة الأمريكية فمثلاً في أحد تصريحاته قال خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في واشنطن في 4 فبراير2025 أن تتولي إدارة أمريكية عملية إعادة إعمارغزة وإنشاء الوظائف مع فرض وصاية الولايات المتحدة علي قطاع غـــزة وأشار إلي أنه قد تُنشر قوات أميركية لكنه عاد ونفي ذلك في تصريح آخر نُشر في 7 فراير2025 حيث قال :   “لن تكون هناك حاجة إلى جنود من قبل الولايات المتحدة ! فسيسود الاستقرار في المنطقة!!, كما أنه بخصوص الدول التي يري أن يتم تهجير الفلسطينيين الغزيين إليها بدأ بمصر والأردن ثم أضاف إليهما وفقا للقناة 12 الإخبارية الصهيونية وصحيفة “التلجراف” البريطانية المغرب ومنطقتين في الصومال (لا يعرف هو نفسه أين هما؟) هما أرض الصومال وبونتلاند في المقابل ووفقاً لترامب سيقدم الأمريكيون الدعم لهم وقد يتلقى المغرب دعما من الولايات المتحدة فيما يتعلق بمطالبه بالصحراء الغربية كما ستتاح لأرض الصومال وبونتلاند – وهما منطقتان إنفصاليتان في الصومال – الفرصة للاعتراف باستقلالهما ووفقا لصحيفة “التلجراف” أكد القنصل العام  الصهيوني في الولايات المتحدة يسرائيل بشار أنه يجري النظر في ثلاثة مواقع لإعادة توطين الفلسطينيين وأعرب نائب وزير الإعلام في بونتلاند يعقوب محمد عبد الله عن استعداده لقبول اللاجئين شريطة أن يختاروا ذلك طواعية وشدد عبد الله على أنه “لا يوجد سبب لترحيل شخص من بلده إلى بلد آخر دون أن يختار هذا الشخص الانتقال”. *( أنظر دراسة للسفير بلال المصري بعنوان : الإعــــتــراف الأمــــريـــكـي الــــمـــُرتـــقـــــب بـــصــومـــالـــيـلانــــد مــآربـه ونـتـائجـه الــمـُحـتـمـلة علي القرن الأفريقي والشرق الأوسط) كما ظهرت تقارير إعلامية حول النظر في إعادة توطين حوالي 100,000 فلسطيني في ألبانيا وإندونيسيا والغريب أن الأمريكيين وحــثالة بني البشر من الصهاينة يتعاملون مع الفلسطيني وكأنه شـــيــئ أو حـــجـــر فيما هو مالك وصاحب الوطن الفلسطيني إنما دناينا عجيبة فهاهو رئيس معتوه يتحالف مع مجرمين ويُسمع لهم .

أعتقد أن هذا التناقض في تصريحات ترامب ناشئ في الغالب عن إرتباك فمعظم ما يقوله إمــــلاء عــلــيــه فالمعلومات تُملي عليه من مكتب في مكان ما إما انه في تل أبيب أو في مبني ما بواشنطن وكل ما عليه – وهو ما يتوفر فعلاً لديه – إن يقول ما يملي عليه بإنــعــدام حـــيــاء أي بدون خــجـــل وبــصـــفـــاقــته المعهودة فيه فرجل مــُدان في أكثر من 30 جريمة من القضاء الأمريكي ولديه شــهــيــة لــلــســلـطة لابد أن يكون رجـــل عــديـــم الإحـــســاس كما أن هذا الوضع لا يدل علي إستقامة المنطق في النظام القضائي والسياسي الأمريكي فمنصب رئيس الجمهورية من المنطقي أن يكون من نصيب رجال شرفاء مُستقيمون مثقفون أما هذا الرجل فمن الطبيعي بتكوينه النفسي والشخصي الشاذ أن تكون باطنته من شذاذ الآفاق من أمثال رئيس وزراء الكيان الصهيوني وغيره .

في شهر فبراير 2025 تتابعت وتتضاربت تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب بشأن اليوم التالي لإنتهاء حرب غـــزة فتكلم عن فرض وصـــاية أمريكية علي القطاع ثم روج وبقوة وكأنه يكرر ضربات شاكوش HAMMERING علي رأس قادة المنطقة العرب المرتعشين الذين كانوا يهللون بمقدم ترمب ثانية لسدة الرئاسة الأمريكية لكن فرحتهم ذابت في الرعب الناشئ عن تصديره لهم لمشكلة غـــزة كي يقوموا بحلها عوضاً عن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني المجرم ولم يكفه الرسائل التي أخذ يثرثر بها يوماً وينقلها عنه الإعلام الدولي بل إستدعي الملك الأردني والرئيس المصري ليضعهم في الركن ويحرجهم بطلبه المجنون بقبول موجات هجرة لمواطني غــزة في مكان ما في الأردن وسيناء ليكون رسمياً أول رئيس معتوه في العالم ينتخبه الشعب الأمريكي الذي انتخب جورج واشنطن وإيزنهاور وهاري ترومان وكيندي من بين رؤساء عاقلين ومحترمين وبذلك أعلن الشعب الأمريكي علي الملأ إفلاسه العقلي والإخلاقي , وقد لبي الملك الأردني إستدعاء هذا المعتوه له وجلس أمامه كتلميذ خائب أمام الصحافة ليغرقه الأمريكي المعتون في بحر من عرق الإحراج والعار وقد أحسن الرئيس المصري صنعاً بالإعتذار عنعدم تلبية الإستدعاء وأرجأ زيارته لواشنطن لموعد آخر علي ألا تكون زيارته لمناقشة موضوع التهجير إذ أن مصر رفضته رسمياً ولا مجال لطرحه .

نـــماذج من ردود الأفعال الدولية للجهود الأمريكية لتهجير الفلسطينيين :

– حذرت الأمم المتحدة من أن “أي تهجير قسري للناس سيكون بمثابة تطهير عرقي” وقال الأمين العام أنطونيو جوتيريش في خطاب ألقاه أمام لجنة تابعة للأمم المتحدة تتعامل مع حقوق الفلسطينيين إن “ممارسة حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف تتعلق في جوهرها بحق الفلسطينيين في العيش ببساطة كبشر في أرضهم” .

– قالت الصين أنها تعارض مسعى ترامب لنقل الفلسطينيين إلى خارج غزة وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية في البلاد قوه جياكون إن بكين تدعم بقوة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وأضاف أن “غزة هي غزة الفلسطينيين وهي جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية وليست ورقة مساومة سياسية ناهيك عن هدف قانون الغاب”.

تـــقـــديـــر لـلـــــهــدف الـنـهـــائي الأمـــريــكي المحتمل وراء الــحــديث عـن

 التهجير والشراء والوصاية  والسـيـــطـــرة الأمريكية  عـــلي غـــزة 

في تـقديري أن الـهـدف الـنـهـائي للولايات المتحدة  من الحديث المتكرر عن التهجير والشراء والوصاية والسيطرة الأمريكية علي قطاع غـــزة وراءه هــدف رئيسي مــزدوج  مكونه إقتصادي/ عـســكري فالرئيس الأمريكي ترامب ربما أشار إلي بدائل متتابعة القاسم المُشترك بينها جميعاً أنها تنتهي جميعها بإستحواذ أمريكي لـــقـــطـــاع غـــزة بحيث يقع القطاع خالصاً في القبضة الأمريكية وهو وضع فريد لا سابقة له في منطقة الشرق الأوسط علي الأقــل فقد كان من المتوقع أن يكون إســتــخـــدام الكيان الصهيوني للقوة الــعــســكـرية المفرطة والتي هدفت إلي : (1) إبادة السكان المدنيين و(2) إلي إنــهــاء القدرات الــعــســكــرية لحــمـــاس وللـفـصائــل الإســـلامية الـمُـــقــاومــة  لبسط سيطرتها  كــقــوة إحــتلال لكن الرئيس الأمريكي أشار إلي أن الولايات المتحدة ســتـتـسلم القطاع من الكــيــان الـصــهــيــوني بعد تــحـــقـيـق دولة الكيان لهدفيها من إســتــخـــدام آلــتــهـا الــعـــســـكرية الـمـجـرمــة في غـــزة أي أن الجيش الصهيوني في حالة الحرب في غــزة يـقوم بواجب عـــســكري لـصــالــح الولايات المتحدة الأمريكية ومن هنا يمكن أن نفهم الدعم والجهد العسكري الأمريكي المباشروالــعـــلــنـــي الكثيف من خلال البنتاجون والقيادة العسكرية الأمريكية المركزية للكيان الصهيوني في حـــربه في غـــزة ذات الهدف الصــهــيوني / الأمـــريــكي المــزدوج وكما أشرت فإن لهذه الحــرب هـــدف رئيسي إقتصادي/عسكري  للولايات المتحدة ســيــفــيد بالقطع الكيان الصهيوني أيـضاً وهو كما يلي :

أولاً / الــهـــدف الإقتصادي :

غـــزة والطــمــوح الــصــهــيـوني / الأمريكي اللوجـــيــســتي :

للأمريكان والصهاينة مصلحة قصوي في الإستحواز علي أرض غـــزة لتمرير مسار قناة بن جورين التي يمكن أن تقضي علي آمال الصين في مبادرة الحزام والطريق وأن تخفض من مردودية الأصل اللوجيستي المصري الفريد في قناة السويس , فـغـــزة هي المسار البديل لقناة بن جوريون Ben Gurion Canal التي يخطط الكيان الصهيوني لشقها بحيث تبدأ من خليج العقبة مروراً بمدينة إيلات ثم إلى وادي عربة بمسافة تبلغ 100 كم بين جبال النقب والمرتفعات الأردنية ثم تنحرف غرباً قبل بلوغ البحر الميت وحوضه والذي ينخفض 430.5 مترعن مستوى سطح البحر حيث تتجه القناة إلى وادي في سلسلة جبال النقب ثم تنحرف شمالاً مرة أخرى متجهة إلى مدينة عسقلان على البحر المتوسط ومتفاديةً قطاع غزة لكن شق هذه  القناة من إيلات إلي غـزة  سيؤدي إلي تقصير المسافة وتخفيض تكاليف المشروع وهذه القناة من شأنها أن تكون نافذة لوجيستية تُضفي أهمية جيو/ لوجيستية علي جغرافية موقع الكيان الصهيوني وستكون بديلاً منافساً لقناة السويس يمكن للبحرية العسكرية والتجارية للولايات المتحدة الداعم الرئيسي لدولة الكيان الصهيونية أن تستبدلها عوضاً عن قناة السويس وبالتالي يكون للكيان الصهيوني وزن إستراتيجي بحري إستثنائي ليس في المنطقة فحسب بل في العالم , ومن المتوقع أن تدر هذه القناة البديلة لقناة السويس ما لا يقل عن 6 بليون دولار سنوياً قابلة للزيادة للخزانة العامة للكيان الصهيوني وبالمقابل ستنخفض إيرادات قناة السويس إلى نحو 4 بليون دولار سنوياً أما استراتيجياً فتلك القناة ستضمن للصهاينة السيطرة على خطوط الملاحة الأهم عالمياً وستصبح موانئها حلقة وصل بين آسيا وأوروپا وستصبح مصالح الدول المستوردة للنفط والغاز مرتبطة بالحفاظ على مصالح الصهاينة والأخطر أن هذه القناة ستكون مانع مـــائي لحماية الكيان الصهيوني عسكرياً وأمــنــيــاً .سواء كان ذلك في حالة مــســار إيلات – عــســقـلان أم كان علي مــســار إيـلات -غـــزة  .

ثـــانــيــاً / الـــهــدف الــعــســكــري :

في تقديري أن هذا الهدف الأكــثــر أهــمــية للولايات المتحدة الأمريكية عـــســـكري فحديث الرئيس ترامب عن تهجير سكان غـــزة قــسـرياً أو طــوعــيـاً ولو أنه عـــمل مجرم ومخالف للقوانين الدولية إلا أنه كاشف لا شك لــهــدف يضمره الأمريكيون ولا يمكنهم بطبيعة الحال الإفصاح عنه لأنه أولاً عمل أمامه عقبات مختلفة وثانياً لأنه عمل مُشين فيكفي إجرامـاً الحديث عن التهجير بإعتبار أن غـــزة مُدمرة وأن إعمارها يستلزم أكثر من عشر سنوات ويحسن والحالة هذه إجلاء السكان عنها وتوطينهم بصفة مستديمة في مكان آخر وتحويلها بعد ذلك بالجهد المعماري الأمريكي /الصهيوني والمــال الخــلـيجــي  إلي ريــفـــيــرا ملأي بنوادي القمار وبيوت الدعارة كلاس فيجاس وبالتالي لا داعي لأن تكون غـــزة وطــن فالأجدر بالأمريكيين والصهاينة وزعماء الخليج العربي أن تكون هذه البقعة أن تكون كســـدوم وعـــمـــورية وإخـــراج الفلسطينيون مــنــها فهــم أنــاس يـتـطهــرون .

لكن بالإضافة إلي ذلك فهناك هدف عسكري أعتقد أن الولايات المتحدة عـــازمــة علي تـحـقـيقـه وهو تحــويل غـــزة إلي قـاعـدة عـسكرية برية وبحرية وأصل من الأصول العقارية الثابتة للجيش الأمريكي يستطيع بها تحقيق هدفين رئيسيين هـمـا :

– تـوفـــيــر الحــــمـــاية الدائــمــة للكيان الـصـهــيوني فقد كشفت حرب غـــزة التي بدأت بطوفــان الأقصي  يوم 7  أكتوبر2023 أن الجيش الصهيوني لا يختلف إلا قلـــلـيــلاً عن الجيوش العربي في هشاشته وضعفه والأفضل من الوجهة الأمنية والتكاليفية للولايات المتحدة أن تتموضع جغرافياً بجوار الكيان الصهيوني .

– تـموضع العسكرية الأمريكية في شـــرق المتوسط يمكنها من إحـــكـــام المتابعة وربما السيطرة علي حـركة البحــرية الــروســيـة خاصة مع تصعيد العلاقات العسكرية الأمريكية مع قبرص اليونانية وقد ناقش وزير الدفاع القبرصي اليوناني فاسيليس بالماس في 15 فبراير2025 في لقائه مع نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي ديفيد بيكرعلى هامش مؤتمر الأمن الدولي في ميونيخ التعاون الدفاعي القبرصي الأمريكي والمسائل المتصلة بقرار إدراج قبرص في المبيعات الدولية للمواد العسكرية وتوفير فائض من المواد الدفاعية وتوفير التدريب والمعدات لقوات الأمن القبرصية وكذلك ناقش تفاصيل تتعلق بتحديث قاعدة ماري البحرية وقاعدة أندرياس باباندريو الجوية والقضايا المتعلقة بخارطة طريق التعاون الدفاعي القبرصي اليوناني / الأمريكي الموقعة في سبتمبر 2024  .

في تقديري أن القيمة العسكرية لــغــزة ومــوقعها الــخـــطــيــر في شــرق المتوسط أغـــري الرئيس الأمريكي دونالد تـرامـب بإيعاز من العسكريين الأمريكيين والصهاينة في البنتاجون بتجاوز المنطق الجغرافي والسياسي والأخلاقي والحديث عن ضرورة تـهـجـيـر سكان غــزة من وطــنــهم والإستيلاء عليها عـنوة سـواء بالشراء أو بالســلب لتكون مــلــكــيــة عــقــارية أو وقف جـــغــرافي أمريكي فهي لن تكون كما يقول “ريـــفـــيــرا” أو شــيــئــاً من هذا القبيل فهذا هـــزل في مــوضــع الــجــد فالحقيقة أن العسكرية الأمريــكـــيــة والصــهــيونية بعد 7 أكتوبر2023 وتحطيم معظم القدرات العسكرية الصهيونية بيد فلسطينية تـفــضــلان وجـــوداً عــســكــريــاً أمريكيــاً ملاصقاً للكيان الصهيوني بحيث يتم بموجب ضــم الصهاينة للضفة الغربية وتهجير الأمريكيين لسكان غـــزة الخلاص نــهــائــيــاً من الكتلة السكانية الفلسطينية في غــزة والضـفـة الغربـيـة فـبــهـمـا مــخــزن المــوارد البـشـرية المنــتــج الـدائــم للمقاومة الفلسطينية ووفقاً لما يجتهد الرئيس الأمريكي الضــال ترامب في تحقيقه في غـــزة من تـهجــير لـسكان غــزة إلي عــــالم عــربي يتزعمه خائـــفــون ومـــرتعشون منه لا من شــعوبهم فإنه في الـنــهـــاية ســيـــخلي غـــزة للعسكرية الأمريكية وليس لإقامة ريفيرا كما يــروج بل لإقامة قاعدة عسكرية أو لتحويل غـــزة كلها لمنطقة عسكرية أمريكية تـلـتــحـــم بــقـــبرص اليونانية التي تـعـد الآن لإقامة قواعد برية وبحرية أمريكية والتي صــعدت الولايات المتحدة علاقاتها العسكرية عــقب طوفان الأقصي في 7 أكتوبر 2023 وللتدليل علي ذلك أشـــير لما يــلي :

1- أن الولايات المتحدة ومنذ إقامة دولة  قبرص بضمان ثلاثي بريطاني /تركي/ يوناني علي أرض الجزيرة القبرصية في عام1960 لم تفكر أبداً في الإقتراب عسكرياً من هذه الجزيرة رغم أن هناك بعض الأحداث كالغزو التركي المسلح للجزيرة في يوليو/أغسطس لا1974 أو حرب روسيا وأوكرانيا في 24 فبرابر 2024 كان أحدهما أو كلاهما يصلح ليكون سبباً أومبرراً لتواجد أو علي الأقل إهتمام عسكري أمريكي ما علي أرض الجزيرة سواء في القسم التركي أو اليوناني بالجزيرة لكن ما حدث في الواقع هو أن الولايات المتحدة قررت بعد طوفان الأقصي في 7 أكتوبر2023 تصعيد علاقاتها العسكرية مع قبرص اليونانية وفي هذا الإطار تم رصد هذه التطورات في بدء العلاقات العسكرية بين قبرص اليونانية والولايات ىالمتحدة :

ألــف – أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس في عام 2022 أنه “تم رفع القيود التجارية الدفاعية عن جمهورية قبرص في السنة المالية 2023 ومع القرار الذي تم اتخاذه في عام 2020 أصبح بإمكان GKRK شراء أسلحة دفاعية فقط بينما مع القرار في عام 2022 تم فتح الطريق أمامها لشراء أسلحة هجومية .

بــاء – وقعت قبرص والولايات المتحدة في 9 سبتمبر2024 في حفل خاص بوزارة الدفاع القبرصية بحضور رئيس أركان قوات الدفاع القبرصية الفريق جورج تسيتسيكوستاس والسفيرة الأمريكية لدى قبرص جولي فيشر علي اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي تحدد الطرق التي يمكن للبلدين من خلالها تعزيز استجابتهما للأزمات الإنسانية الإقليمية والمخاوف الأمنية بما في ذلك تلك الناشئة عن تغير المناخ وعقب التوقيع علي هذه الإتفاقية الإطارية ولإدراك أهمية هذا التطور في علاقات أو رؤية الولايات المتحدة لعلاقاتها مع جنوب قبرص اليونانية فيكفي أن نعرف أن هذه الإتفاقية الإطارية تنهي سياسة أمريكية استمرت 50 عامًا لفرض حظر على الأسلحة فرضته الولايات المتحدةعلي جمهورية قبرص اليونانية  بناء علي وضع ورؤية سياسية كانت مستقرة حتي إندلعت الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير2022 وبعدها الحرب في غزة في 7 أكتوبر2023والتي هـدمت وحطمت نظرية الأمن الصهيوني تماما ومن الواضح أن نتائج هذين الحربين اللتان لم تنتهيا بعد ربما أدت بالمخطط العسكري الإستراتيجي الأمريكي  لأن ينظر إلي خريطة شرق المتوسط بإعتبارها المدي الأوسع لحرب غزة والمتاخم للبحر الأسود الفناء البحري لروسيا في حرب أوكرانيا ليعيد النظر في قابلية الإستفادة من موقع قبرص الجيوستراتيجي لتأمين الكيان الصهيوني الذي تداعي مركزه العسكري لدرجة حاجته الماسة لتدخل وعون عسكري بل وديبلوماسي مباشر من الولايات المتحدة التي تعمل بسرعة لتجهيز قبرص كلاعب إحتياطي في مباراة غــزة التي سجل فيها الصهاينة خـــسارة بينة حتي الآن .

جـــم –  قدم الرئيس القبرصي / اليوناني نيكوس خريستودوليديس إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن أثناء زيارته الأخيرة للولايات المتحدة في 30أكتوبر2024خطة لانضمام قبرص المحتمل في المستقبل إلى حلف شمال الأطلسي  وبحسب صحيفة   kathimerini ال قبرصية / اليونانية فقد وصفت هذه الخطة “بالجــــريــــئــة “ لتضمنها إمكانية  بقاء القوات الأميركية بشكل دائم على أرض الجزيرة القبرصية وهذه الخطة التي “قبلتها واشنطن بشغف وصفها مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان بأنها “خيار مربح للجانبين” ووصفت صحيفة kathimerini هذه الخطة بأنها مفصلة ومدروسة جيدامع تخطيط طويل الأمد وتتكون من العديد من المراحل المترابطة” وأشارت الصحيفة أن الخطة القبرصية اليونانية تم استقبالها بشكل إيجابي في واشنطن وأشارت الصحيفة إلى أن هذه ليست المحادثة الأولى حول انضمام قبرص إلى حلف شمال الأطلسي فالمناقشات الأولية حول هذا الاقتراح نُوقش مع نائبة وزير الخارجية الأمريكية السابقة فيكتوريا نولاند واستمرت المناقشات مع ممثلي البنتاجون وقد أدى العرض الرسمي للخطة في زيارة الرئيس القبرصي/اليوناني الأخيرة لواشنطن في 30 أكتوبر2024مما نقل المناقشات الأولية بشأن الإنضمام القبرصي المُحتمل لحلف شمال الأطلنطي إلى مستوى سياسي جديد  وقد حددالرئيس القبرصي/اليوناني كريستودوليديس في خطته للإنضمام لحلف شمال الأطلنطي التي قدمها للرئيس الأمريكي بابدن في إجتماعهما بالبيت الأبيض في 30أكتوبر2024 ثلاثة أهداف استراتيجية رئيسية لدعم الولايات المتحدة لقبرص /اليونانية هي   :

الـهـدف الأول / تأمين إعفاء أطول أمدًا من حظر الأسلحة الأمريكي والانتقال من التجديد السنوي إلى فترات مدتها ثلاث أو خمس سنوات وتعهد الرئيس بايدن بالعمل مع الكونجرس في هذا الشأن مع إجراء تغييرات تشريعية بالفعل  .

الهدف الثاني / توسيع فرص التدريب العسكري المشترك لأعضاء الحرس الوطني القبرصي في الأكاديميات العسكرية الأميركية ومن المتوقع أن ينمو هذا البرنامج الذي تم إضفاء الطابع الرسمي عليه مؤخرا من خلال توفير أماكن تدريب إضافية الأمر الذي من شأنه أن يعزز العلاقات الدفاعية الثنائية   .

الهدف الثالث / تحديث البنية الأساسية الدفاعية في قبرص لتتوافق مع معايير حلف شمال الأطلسي وقد أثبتت قبرص أهميتها الاستراتيجية من خلال مرافقها العسكرية وموانئها ومطاراتها التي تدعم بالفعل العمليات الأميركية وتشمل المناقشات التوسع المحتمل لقاعدة “أندرياس باباندريو” الجوية في بافوس بدعم مالي من الولايات المتحدة لاستيعاب وجود عسكري أميركي دائم  .

تُعتبرالخطة القبرصية/اليونانية للإنضمام المُحتمل لحلف شمال الأطلنطي في نظر القبارصة /اليونانيين “مبادرة ناضجة سياسيا” ووفقاً   للمراقبين السياسيين وكذا الإعلام ومنهم صحيفة kathimerini اليونانية أشارت إلي أن الرئيس القبرصي خريستودوليديس أولي إهتماماً بإضفاء الطابع الرسمي على العلاقة بين قبرص وحلف شمال الأطلسي وأنه تحقيقاً هذه الغاية فلا بد من سلسلة من أحداث في قبرص اليونانية ترتبط بهذه العضوية المرجوة تبدأ بالتطورات المتعلقة بالمشكلة القبرصية والتقدم المحرز في القضايا الأوروبية التركية وقال مراسل صحيفة كاثيميريني في العاصمة الأميركية إن الرئيس القبرصي/اليوناني خريستودوليديس قدم أيضا الخطة إلى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته على هامش قمة المجموعة السياسية الأوروبية في بوخارست في 19 يوليو2024 .

دال – صــرح وزير الدفاع القبرصي اليوناني في 11 أغسطس2024 بأن المظلة الفولاذية التي أنشأتها الولايات المتحدة في المنطقة التي تغطي قبرص أيضًا إلى جانب رادارات السفن الحربية الحليفة التي تبحر في شرق البحر الأبيض المتوسط وحسب صحيفة “سيميريني” القبرصية فإنه علاوة على ذلك أشارت هذه الصحيفة إلي أن قبرص اليونانية تقع في مرمى صواريخ حزب الله الذي هدد قبرص مؤخراً بهجوم بسبب وجود القواعد في الجزيرة وتقوم المدمرتان الأمريكيتان روزفلت وبولكيلي بدوريات قبالة قبرص وتوفران غطاء مضاد للطائرات بصواريخ توماهوك لأسطول حاملة طائرات الهليكوبتر واسب الموجودة في الجزيرة كما كانت طائرات هارير وحاملات طائرات هليكوبتر من طراز أوسبري قد أقلعت من حاملة الطائرات الصغيرة التي شاركت في الأيام السابقة لأول مرة في مناورة دفاع جوي مشتركة للقوات المسلحة الأمريكية مع الحرس الوطني القبرصي اليوناني وفي إطار التعاون الدفاعي بين البلدين نفذت المقاتلات الأمريكية تحليقات جوية منخفضة في منطقة معلومات الطيران بنيقوسيا بهدف اختبار أنظمة الدفاع الجوي من طراز KD .

هـــاء – أُعلن في مستهل ديسمبر2024 عن حصول قبرص اليونانيةعلى جزء من نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ والطائرات الذي اقامــه الكـيـان الـصـهـيـوني , وسبق الإعلان عن وصول الدفعة الأولي من القبة الحديدية من إسرائيل بأيام قليلة تصريح أدلي به الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس “بأنه قريباً ستكون هناك تطورات مهمة في قضية الأسلحة حيث كان ذلك جزءاً مما تم مناقشته في البيت الأبيض مع جو بايدن وأيضاً في سياق الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية” وبناءعليه فمن المتوقع أن تتسلم قبرص اليونانية من فرنسا طائرات هليكوبتر قتالية قريبا في حين تجري أيضا إجراءات شراء دبابات جديدة لتحل محل دبابات تي-80 الروسية المتقادمة , وفي كل هذه  الحالات وغيرها في المستقبل يبدو أن واشنطن تدخلت لدعم إسرائيل ودول غربية أخرى لبيع أنظمة أسلحة متقدمة لقبرص بعد رفع الحظر الذي فرضته منذ السبعينيات, فالولايات المتحدة والكيان الصهيوني في ســـبـــيـــل إعداد قبرص/اليونانية لتكون جبهة إســــنــاد للكيان الصهيوني عازمــتــان علي أن تتحول قبرص الــيــونــانــية إلي تــرســـانـــة أســـلـــحــة وذخــائــر وصـــرة Hub تـــمــويـــن الجـــيــشــين الأمريكي والصهيوني .

إتــصــالاً بما تقدم أوضح موقع  sigmalive القبرصي/اليوناني في  3 ديسمبر2024 أنه وفقا لمعلومات صحيحة تماما ومرجعية فإن الدفعة الأولى من نظام الدفاع الجوي الحديث من إسرائيل ليست فقط في قبرص وفي أيدي الحرس الوطني ولكن تم وضعها أيضا في حالة استعداد تشغيلي وهو ما أكده موقع صحيفة timesofisrael الصهيونية في عددها بتاريخ 4 ديسمبر2024 إذ أشار إلي أن نيقوسيا تمضي في تركيب نظام باراك MX المضاد للطائرات في الوقت الذي تسعى فيه جاهدة لإيجاد بدائل لأسلحتها الروسية الصنع وسط حظر على موسكو وأن نظام باراك MX المُضاد للطائرات سيحل في النهاية محل Tor M1 الروسي الصنع القديم فروسيا كانت موردا رئيسيا للمعدات العسكرية إلى قبرص منذ عقود لكن الصفقات تقلصت حتى قبل فرض حظر شامل على الصادرات في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022 وأن وسائل إعلام محلية ذكرت في 5 /12/2024 أن قبرص تسلمت نظام دفاع جوي إسرائيلي في الوقت الذي تستغل فيه الجزيرة الواقعة في شرق البحر المتوسط أسواقا جديدة لتحديث قدراتها الدفاعية بعد خسارة روسيا المورد الرئيسي وأن دفعات هذا النظام وصلت قبرص في 3ديسمبر2024 فيما أضاف موقع sigmalive القبرصي/اليوناني أنه من المتوقع أن تُستكمل الدفعات المتبقية من الطلب في المستقبل القريب والتي ستُشكل مظلة الدفاع الجوي الجديدة لقبرص وأنه في أكتوبر 2021 ثم خلال حكومة أناستاسياديس بثت sigmalive لأول مرة الأخبار التي تفيد بأن قبرص على اتصال متقدم مع إسرائيل للحصول على نسخة مختلفة من “القبة الحديدية” تتكيف مع احتياجات الحرس الوطني وتبع ذلك المزيد من التقارير التي قدمتها sigmalive عن التقدم المحرز في المفاوضات مع إسرائيل التي مرت بصعوبات وعقبات مختلفة لكن الآن تستمر جهود الاستحواذ ويتم استكمالها كما يظهر كل شيء من قبل حكومة كريستودوليديس الحالية .

2- وربما أنه مما يؤكد الرغبة الأمريكية في الإستحواذ علي غـــزة لأغراض عــســـكرية أمـريـكـية أن الرئيس الأمريكي ترامب أبدي إشارات مُشابهة لأماكن أخري بالعالم ومن بين هذه المناطق التي أبدي ترامب رغبة من الولايات المتحدة في الإستحواذ عليها لأهداف عسكرية أيضاً جزيرة جـــرينلاند فوكالة رويترز أشارت في 9 يناير2025 إلي أن ترامب الذي يتولى منصبه في 20 يناير2025 ذكر أن سيطرة الولايات المتحدة على جرينلاند كانت “ضرورة مطلقة” ولم يستبعد استخدام عمل عسكري أو اقتصادي مثل الرسوم الجمركية ضد الدنمارك لتحقيق ذلك كما  أن وزير الدفاع الأمريكي ترويلز لوند بولسن قال  للصحفيين “لقد أهملنا لسنوات عديدة القيام بالاستثمارات اللازمة في السفن والطائرات التي ستساعد في مراقبة مملكتنا وهذا ما نحاول الآن القيام به حيال ذلك”ووفقاً لـموقع CHINA DAILY في 13 يناير2025 فإن بيبالوك لينج  النائب عن أكبر حزب سياسي في جرينلاند والذي يرأس لجنة السياسة الخارجية والأمنية قال لموقع بوليتيكو الإخباري إن زيارة ترامب جونيورلجرينلاند لم تشمل اجتماعات مع حكومة جرينلاند وإن اللقاءات التي أجراها مع السكان المحليين لا ينبغي تفسيرها على أنها مؤشرات على الدعم الشعبي للسيطرة الأمريكية على الجزيرة وأشار موقع وليتيكو إلي أنه لم يسمح لأي صحفي بإجراء مقابلات معه وتم تنظيم كل شيء لجعله يبدو وكأننا  شعب جرينلاند … (يرغب) في أن يكون جزءا من الولايات المتحدة الأمريكية”. “كان الناس فضوليين لكن البعض التقط صورا وأعطاه إصبعه في المطار … كتب البعض على فيسبوك: “يانكي اذهبوا إلى دياركم” واشار موقع بوليتكو إلي أنها ليست هذه هي المرة الأولى التي تطمع فيها الولايات المتحدة في جرينلاند ففي عام 1867 فكر الرئيس أندرو جونسون في شراء الجزيرة كما فعل الرئيس ويليام تافت في عام 1910 واحتلت الولايات المتحدة جرينلاند خلال الحرب العالمية الثانية رسميا لمنع أي دولة أخرى من الوصول إليها وهو الوضع الذي انتهى بعد الحرب في عام 1946 مع محاولة الرئيس هاري ترومان مرة أخرى شرائها , ووفقاً لوكالة رويترز في 9  يناير2025فإن السفارة الأمريكية في كوبنهاجن قالت في وقت سابق إن الولايات المتحدة ليس لديها خطط لزيادة وجودها العسكري في جرينلاند وأنه لا توجد خطط لتعزيز الوجود العسكري الأمريكي هناك  ومما يؤكد النظرة العسكرية الأمريكطية لجزيرة جرينلاند الدنمركية أن موقع .stripes.com وهو موقع عسكري أمريكي أشار إلي أنه ومنذ الأربعينيات من القرن الماضي قدر البنتاجون جرينلاند التي تعتبر بوابة إلى القطب الشمالي خلال الحرب الباردة ،كان لدى الجيش الأمريكي أكثر من 10,000 جندي في أراضيها التي تستضيف قاعدة بيتوفيك الفضائية المعروفة سابقا باسم قاعدة ثول الجوية واليوم اختفت القاذفات المسلحة نوويا بعيدة المدى التي كانت جزءا من قوة الحرب الباردة الأصلية  لكن مهمة الإنذار المبكر بالصواريخ الباليستية مستمرة ويشكل حوالي 200 من أفراد القوات الجوية والقوات الفضائية الأميركية في الخدمة الفعلية جزءا من هذا الجهد الذي يستلزم مراقبة الأقمار الصناعية التي تدور في مدارات بحثا عن علامات الهجوم وقد أثار ترامب  خلال مؤتمر صحفي غضب بعض الحلفاء عندما رفض استبعاد إمكانية الاستيلاء على جرينلاند بالقوة وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي للدنمارك العضو في الناتو فقد قال ترامب بعد أن سئل عما إذا كان سيرفض فكرة استخدام الإكراه العسكري أو الاقتصادي للسيطرة على جرينلاند: “لن ألتزم بذلك “وأضاف: “نحن بحاجة إلى جرينلاند لأغراض الأمن القومي” وليس من الواضح كيف ستظهر ضغوط ترامب العامة لكن تركيزه على قيمة جرينلاند للولايات المتحدة يشير إلى أن الأنشطة العسكرية في القطب الشمالي ستحظى بمزيد من الاهتمام خلال فترة ولايته الثانية فقد اكتسب الشمال الأعلى أهمية إضافية في السنوات الأخيرة نظرا للمخاوف بشأن الوجود العسكري الروسي المتزايد في القطب الشمال كما أشارت الصين إلى نيتها لعب دور أكبر في المنطقة حيث أعلنت نفسها في عام 2018 “دولة قريبة من القطب الشمالي” لها مصالح خاصة وقد ألمح ترامب إلى كلا البلدين عندما قال : أن السفن الروسية والصينية التي تبحر في المياه بالقرب من جرينلاند تشكل خطرا فلديك سفن صينية في كل مكان و لديك سفن روسية في كل مكان  نحن لا نسمح بحدوث ذلك” .

من المرجح أن يصبح الوضع نقطة توتر دبلوماسي داخل حلف شمال الأطلسي ومصدرا للقلق بالنسبة للدنمارك التي أشارت إلى أنها لا تنوي الانفصال عن جرينلاند وقد سعت رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسن إلى ترسيخ الحكم الذاتي للجزيرة بعد تصريحات ترامب ، قائلة :إن “جرينلاند تنتمي إلى جرينلاند” ولم تكن معروضة للبيع   .

إقـــــتــــراح :

مـــع ذلك وبالرغم من ضـــبابـيـة الـمــشـهد في غــزة وبالرغم من عدوانية الكيان الصهيوني وإستحوازه علي العقلية اليمينية الأمريكية فلم لا تحاول حماس والفصائل الفلسطينية إستكشاف الطريق نحو تأسيس تعاون عسكري / أمريكي فلسطيني في غـــزة إن توفرت الإرادة الفلسطينية والأمريكية لتحقيق ذلك وإن أبدت الولايات المتحدة إيجابية في تحقيق حل الدولتين علي أرض فلسطين . فربما ســـاعد الإنتصار الفلسطيني في غـــزة وشـــدة الـــبــأس الفلسطيني في إقناع الإدارة الأمريكية بإبداء مرونة ضرورية وبالطبع فإن هذا الطريق لابد أن تدرك قيادة المقاومة أنه غير مسبوق وتكتنفه صعوبات جــمة ومختلفة ولكنه ليس مستحيلاً خاصة وأن السيد باسم نعيم القيادي في حماس المقيم في الدوحة في حديث لقناة الجزيرة نُشرفي 31 يناير2025 أشار فيه إلي أن قادة حماس “مستعدون” للتحدث مع ترامب وأنه بعد وقف إطلاق النار فإن قادة حماس منفتحون على التحدث مع “أي شخص” يمكنه تعزيز قضيتهم – حتى الرئيس الأمريكي ترامب   وعلقت الجزيرة بقولها أن القادة السياسيون في الحركة الفلسطينية أعربوا عن تفاؤل حذر بشأن قدرة الإدارة الأمريكية الجديدة على مواصلة الضغط على إسرائيل على طاولة المفاوضات حتى في الوقت الذي أدلى فيه الرئيس دونالد ترامب وفريقه بمزاعم مدانة على نطاق واسع خلال الأسابيع الأولى من توليه منصبه حول “تطهير” غزة و”الحق التوراتي” لإسرائيل في الضفة الغربية المحتلة وقال نعيم إن هذا يشمل إدارة ترامب “إذا كانت هناك أي فرصة للقاء أي طرف بما في ذلك إدارة ترامب لمناقشة كيفية تحقيق مثل هذه الأهداف بالتفصيل وأعتقد أنه لن يكون هناك فيتو داخل الحركة ولن يكون هناك اعتراضات” وأضاف السيد نعيم قوله :”في السياسة لا يتعلق الأمر بالإعجاب بشخص ما أو عدم الإعجاب بشخص ما” و في إشارة إلى الرئيس الأمريكي قـال : “الأمر يتعلق بمصالح جميع الأطراف ”  .

أعـــتقد أن المفاوضات الجارية بشأن إطلاق سراح الأسري الصهاينة والمعتقلين الفلسطينيون فرصة مناسبة لجس نبض الأمريكيين لطرح موضوع التعـــاون العسكري الفلسطيني / الأمريكي بصفة مـبـدأيـة لإستضافة قاعــدة عـــســكـــريــة أمــريـكــيــة في غـــزة في اليوم التالي لنهاية الـــحـــرب علي أرضـــها  .

الــــــســــــفــــيـــــــر : بـــلال الـــمـــصـــري –

جصريا المركز الديمقراطي العربي – الــقـــاهـــرة / تـحــريــراً في 16 فبرايـر 2025

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى