الرقمنة في فضاء التربية والتعليم

اعداد : د.محمد بنعمر – أستاذ مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق
- المركز الديمقراطي العربي
تقديم:
نسعى في هذه الورقة البحثية المتعلقة بموضوع “الرقمنة في فضاء التربية والتعليم” الى إبراز وتشخيص حضور الرقمنة في الوسط التعليمي والمدرسي، من خلال مشاريع الاصلاح التربوي التي عرفتها منظومة التربية والتعليم في المغرب في السنين الأخيرة، وهذه الاصلاحات تأثرت بالتحول الكبير، وبالطفرة العلمية، وبالنقلة المعرفية التي وقعت في عالم الرقميات، وحدثت في تكنلوجيا التواصل، وكان لها تداعيات مباشرة، ووقع كبير على الفضاء المجتمعي، وتأثير واضح على الفضاء المدرسي بشكل أخص.
ومن السياقات الأخرى الذي وجهت الاهتمام بالرقميات، ووسعت من مساحة العناية والاشتغال بالوسائط الجديدة في التواصل وفي التدريس ومهن التعليم، هو الحاح المتدخلين في الشأن التربوي والتعليمي على تقريب الرقمنة في الوسط المدرسي وفق حاجيات ومستلزمات المتعلمين، مع مراعاة إيقاعهم ونموهم النفسي، وإمكانياتهم الاجتماعية والعقلية والقيمية في عملية التعلم.
لأن من شأن هذا التقريب للرقمنة في عملية التدريس والتعليم بالمدرسة المغربية، وفي مختلف مستوياتها وأسلاكها التعليمية،أن يفضي إلى الارتقاء بالفعل البيداغوجي، ويعمل على الرفع من المنتوج التربوي في منظومة التربية والتعليم، ويجعلها أكثر تجاوبا وتفاعلا، واستجابة مع التحولات المعرفية، والطفرات العلمية التي يعرفها العالم اليوم، فضلا أن الرقمنة في التربية والتعليم هي من مداخل ومقدمات الجودة في بناء التعلمات ،وفق المسار والمراحل الذي تقطعها العملية التعليمية في بناء التعلمات.
وقد فتحت التكنولوجيا الرقمية في الوسط المدرسي والتعليمي، أفقا معرفيا، وشكلت مطلبا علميا ملحا ومشتركا بين مختلف الفاعلين والشركاء والمتدخلين في العملية التعليمية، وكان القصد من هذا المطلب هو تحقيق هذه الغاية، المحددة في إدماج المتعلم في مجتمع المعرفة، حتى يكون هذا المتعلم مؤهلا ومشاركا وفاعلا ومتمكنا من هذا التحول الرقمي الذي يعرفه العالم اليوم، ومتابعا لتطوراته وتحولاته، وحاملا لتقنياته ومؤهلاته التي بإمكانها أن تساعده من أن يتمكن من إدماج وتقريب هذه التقنيات الحديثة في أنشطته المدرسية والصفية بشكل عام.
- أهداف البحث:
كثيرة هي الاعتبارات والبواعث والأهداف التي كانت من وراء اشتغالها على هذه الورقة العلمية ومنها:
- التعريف بموقع الرقمنة في منظومة التربية والتعليم، ومكانتها في مشاريع الاصلاح التربوي والبيداغوجي.
- أثر وقع الرقمنة في منظومة التربية والتعليم على المتعلم.
- إبراز حضور الرقمنة في المناهج التعليمية والتربوية.
- تشخيص واقع الموارد الرقمية، ودورها في العملية التعليمية والتربوية.
- منهجية البحث:
عادة ما يعني المنهج الطريق والمسلك الذي يتبعه الباحث ،ويلتزمه في أي علم من العلوم، أو في أي نطاق من نطاقات المعرفة العلمية و الإنسانية حتى يصل الى تحقيق غاياته العلمية والمعرفية .
والمنهج بشكل إجمالي هو مجموع من المسالك التي يلتزمها الباحث من أجل البرهنة على اشكالية البحث ،والإجابة على فرضياته وأسئلته الكبرى .
على هذه الاعتبارات المشار اليها ،كان اختيارنا للمنهج الوصفي التحليلي في هذه الورقة البحثية ،بناء على هذا المعطى المعرفي ،وهو أن طبيعة الموضوع هي التي تحدد المنهج.
- مفاهيم ومصطلحات:
إن تحديد المفاهيم التربوية التي لها صلة بالمعجم والمصطلح التربوي المتداول والمستخدم في علوم التربية، يعد خيارا تربويا ملزما، ومسلكا منهجيا ملحا، وطريقا ضروريا، لكل باحث اختار جهة الاشتغال والعناية والاهتمام بالمصطلحات التربوية، وبالمفاهيم البيداغوجية والديداكتيكية ذات القرابة بالعملية التعليمية
فمباحث ومفاهيم علوم التربية يتحدد وضوحها، بوضوح مفاهيمها المتداولة ومصطلحاتها المستخدمة والمستعملة بين المتدخلين والمهتمين بالشأن التربوي والتعليمي والبيداغوجي.
وعلى هذا الاعتبار، وتقيدا بهذه الاشارات والملاحظات، وأخذا بهذه النقول التوجيهية والنصوص المساعدة، فإن التحديد للمفاهيم والمصطلحات المتداولة في البحوث والدراسات التربوية والبيداغوجية، عادة ما يدرج ضمن المداخل الأولية، والمقدمات المنهجية الأساسية في البحث التربوي والبيداغوجي بشكل عام.
و هذا يعني أن التحديد العلمي للمفهوم التربوي، عادة ما يكون القصد والغاية منه، هوتحقيق التواصل الجامع، وتقريب الفهم المشترك بين التخصصات والمعارف العلمية.
وعليه فان المفاهيم الكبرى في هذه الورقة العلمية هي:
– الرقمنة – الفضاء – التربية – التدريس:
أ- الرقمنة:
من أبرز التعاريف التي أعطيت للرقمنة:
الرقمنة أو التعليم الالكتروني هو تعليم يسعى إلى استخدام تكنلوجيات التواصل الجديدة ،وتقنياتها ومداخلها، في عملية التعليم والتدريس،وفي إعداد الأنشطة الصفية وتدبيرها في الفصل الدراسي،وهذا الاستخدام عادة ما يساعد المتعلمين ويمكنهم من توسيع وتنويع طرائقهم واستراتيجيتهم ومهاراتهم في التعليم، وفي تحصيل واكتساب المعارف والتعلمات الأساس التي يحتاجونها في عملية التعليم.
والرقمنة تعني ايصال المعارف والتعلمات الأساس، والأنشطة المدرسية والصفية، وأنشطة التقويم والدعم، باستخدام الحاسوب، أو غيره من الأجهزة والتقنيات المتطورة والجديدة.
الرقمنة بصيغة أخرى هو ذلك التعليم الذي يستخدم التكنلوجيات الحديثة، وتقنياتها لإيصال المعرفة المدرسية الى المتعلم.
وعرفت الرؤية الإستراتيجية لإصلاح التعليم 2015- 2030 الرقمنة بأنها تلك البرامج المعلوماتية التي تستخدم في مجال التربية والتعليم.
من جهة أخرى فإن الرؤية الإستراتيجية لإصلاح التعليم اعتبرت الموارد والدعامات الرقمية من مقتضيات ولوازم الجودة في التربية والتعليم،لأن من معايير الجودة هوتحقيق التوافق بين البرامج التعليمية وبين التطور العلمي الذي يعرفه المجتمع اليوم.
فالتطور المعرفي والعلمي اليوم يقتضي ويتطلب التمكن من التكنلوجيات الحديثة من لدن المتعلم،ـوأن يحمل هذاالمتعلمكفايات جديدة يحتاجها في حياته.
ما يعني أن الجودة في التربية والتعليم ،تعني جعل المتعلم مواكبا .
وانطلاقا من هذه التعاريف،وأخذا بهذه المواصفات المشار إليها، فإن الرقمنة في التربية والتعليم ،لها تعلق مباشر بالتعليم الإلكتروني ،وهو ذلك التعليم الذي تستخدم فيه التقنيات الجديدة في التواصل ،من أجل ايصال وتبليغ المعارف التربوية والمواد والأنشطة التعليمية الى المتعلم ،قصد تنمية كفايته المعرفية والتواصلية والمهارية.
وبصفة عامة فان الرقمنة في منظومة التربية والتعليم هي منهجية خاصة في التدريس، استفادت من التطور التكنلوجي الذي تحقق في عالم التواصل، وهي تعتمد على تنويع الأنشطة المدرسية والصفية، من خلال اعتمادها على عدد من الطرق المتنوعة، والأساليب المتعددة ،والأشكال المختلفة في تقديم المحتوى والمضمون التعليمي الى المتعلم.
والرقمنة في التربية والتعليم هي شكل من أشكال توسيع وتنويع أساليب التعليم، وطرقه وأشكاله في التدريس، وهي من الوسائل والدعامات المساعدة والمعينة في تقريب المادة العلمية للمتعلم ،وعادة ما يكون هذا الشكل في التدريس متيسر لجميع المتعلمين، وبمختلف مستوياتهم وأسلاكهم،وبتنوع ايقاعاتهم في اكتساب المعارف وتحصيل التعلمات[1].
والرقمنة شأنها شأن الطرق الحديثة في التدريس، فهي تركز على البعد التربوي والبيداغوجي في التدريس، في جعل المتعلم هو مركز ومحط العناية في العملية التعليمية-التعلمية، بتوجيه النظر، وبشكل أكثر إلى حاجياته وإمكانياته، وقدراته المعرفية، لأن هذه التقنيات الجديدة تقدم خدمات كثيرة للمتعلمين، فهي تمنحهم قدرات على التكيف مع المتغيرات العلمية التي يعرفها عالم الرقميات اليوم، إضافة أنها تحترم وتراعي الاختلافات الموجودة والقائمة بين المتعلمين.
والرقمنة في أبسط تعاريفها، وانطلاقا من هذه المواصفات المذكورة، هي التكنلوجيات التي حصلت وتحققت في مجال الاتصالات الجديدة[2].
ب- التربية: دلالتها الاصطلاحية و المفهومية:
التربية في اللغة العربية من فهل ربا يربو، بمعنى نما ينمي وينمو أي الزيادة، وهو المعنى الذي نجده متداولا ومستعملا في القرءان الكريم، قال الله سبحانه (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج) [الحج أية 5]، يعني أي نمت وزادت.
وتربية الإنسان تعني الرعاية، وتطوير وتنمية قواه النفسية، وقدراته الجسدية والعقلية والخلقية، والرفع من مهاراته لتسهيل ادماجه في الحياة.
كما تعني التربية إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام والكمال، وفي اللغة الفرنسية فالتربية مشتقة من كلمة éducation وأصلها اللاتيني éducare التي تدل على القيادة والهيمنة، والإخراج والتحول من حال إلى أخر، كما تعني ذلك العلم المعين والمساعد على إخراج الطفل من حالته الأولية التي كان عليها في البيت والأسرة، بمساعدته على تحصيل الفضائل والقيم من المحيط القريب منه، وبالأخص من فضاء المدرسة، او من الفضاءات الأخرى القريبة منه والتي يتفاعل معها يوميا في المجتمع.
والتربية في الاصطلاح التربوي “هي القيم والمعارف والمهارات التي تقدم للفرد من أجل تنمية قدراته وتنمية مهاراته في المجتمع الذي ينتمي إليه “[3].
والتربية بشكل اجمالي هي القيم والسلوكات الإيجابية التي يحدثها الراشدون في الصغار من أجل تنمية قدراتهم ومهاراتهم ومواهبهم التي تساعدهم على الاندماج في المجتمع.
وفي سياق هذا التحول والطفرة الكبيرة في أشكال التواصل الحديثة،ستظل القيم التربوية، والسلوكات الإيجابية أداة مساعدة، وعنصرا فاعلا في مشاريع التغيير والتنمية والبناء، وسنتكون أيضا طريقا للتغلب على معظم التحديات ،ومجمل الاكراهات التي يعرفها العالم اليوم[4].
ت- التربية الإعلامية:
من المفاهيم التي شاع تداولها في الوسط المدرسي والتعليمي، مفهوم التربية الإعلامية، وهي مجموع من المدخلات المنهجية المنظمة ذات طابع تربوي وتعليمي تمكن المتعلم ،وبشكل أخص من اكتساب مهارات النقد والتحليل، مع تمكينه وتزويده بمهارات إبداء الرأي الهادف لمحتوى أو رسالة رقمية، تحضر وتتداول في سائل الاعلام وتكنلوجيا الاتصال الحديثة.
فالتربية الاعلامية هي التلقي والتحليل النقدي للمحتويات الرقمية، وبتعريف الباحث الاستاذ هشام المكي “هي مجموع من المدخلات المنهجية المنظمة ذات طابع تربوي وتعليمي تهدف الى تمكين المتعلمين من مهارات العرض النقدي الواعي والهادف لمضامين ووسائل الاعلام والاتصال ،مع القدرة على الاستخدام الامثل والامن والإيجابي لوسائل الاعلام ،وتكنلوجيا الاتصال من خلال التوفر على مهارات التلقي والتحليل النقدي والتذوق الجمالي[5].
أهداف التربية الإعلامية:
من أبرأهداف التربية الاعلامية:
- تربية احترازية، تمكن المتعلم من تحصيل مهارة النقد والانتقاء للمحتويات الرقمية.
- هي تربية تمكن المتعلم من القدرة على التحليل، والوصول الى المحتويات الرقمية الحاملة لمضامين ومحتويات تعليمية هادفة.
- تنمية مهارات الانتاج للرسائل الاعلامية وبثها في المواقع التربوية
- تربية تمكن المتعلم وتؤمنه من عدم الخوف من التعامل مع المضامين والمحتويات الرقمية والاعلامية[6].
- مساعدة المتعلم وتمكينه على التحليل النقدي وعلى التذوق الجمالي للمحتويات الرقمية.
- الثورة الرقمية والسياق الجديد:
في هذا الصدد نقول إن هذه الثورة الرقمية التي عرفها العالم في الآونة الأخيرة، جاءت في سياق التحولات العلمية، والطفرات المعرفية التي شهدتها تقنيات التواصل الحديثة، فأكبر ثورة علمية عرفتها الإنسانية اليوم هي الثورة الرقمية ،التي عملت وساعدت الإنسان من الانتقال من التواصل بالكلمة إلى التواصل بالصورة، مما جعل البعض ينعت هذا العصر، ويسميه بعصر الصورة[7].
كما أن هذه الثورة يسرت للإنسان، ومكنته من استخدام التقنيات الرقمية، ومهدت للمجتمع اليوم في ان ينتقل من المجال الواقعي الى المجال الافتراضي، فتحولت أنشطة الانسان وانتقلت الى العوالم الرقمية، وهو ما غيرعلاقة الإنسان بالعالم الخارجي تغييرا جذريا، بل إن هذا التحول الرقمي المتزايد الذي شهده عالم الرقميات يعد من أحد أبرز التجليات التي يعرفها المجتمع المعاصر، وهو ما يعني ان هذه الثورة قدة غيرت من ملامح وجود الانسان في هذا العالم[8].
من جهة أخرى فإن حضور الرقمنة وتقنيات التواصل الجديدة في المجتمع المعاصر، وفي معظم مرافقه الحيوية ،دفعت البعض الى التصريح والقول بأن المجتمع المعاصر لم يعد يتشكل بالسياسة، ولا يتطور بالإقتصاد، ولا يتقدم بالثورة المادية، بقدر ما يتشكل ويتركب بنظام التواصل السائد بين الأفراد والجماعات والمؤسسات الفاعلة في المجتمع، وعليه من تداعيات هذه الثورة، أنها جعلت الانسان أكثر تبعية للتكنلوجية الحديثة [9].
ومن المظاهر الأخرى في التأثير الذي مارسته الثورة الرقمية على مؤسسات المجتمع المعاصر،وعلى مرفقه، وعلى قطاعاته الحيوية وفضاءاته المختلفة، هو ذلك التغيير والتحول الذي شهدته مرافق الحياة، وعرفته قطاعاتها ومؤسساتها الحيوية، وكان قطاع التربية والتعليم، ومهن التدريس من أكثر القطاعات تأثرا بهذا التحول الرقمي.
وهو ما يعني أن قطاع التربية والتعليم، لم يكن بالمستثنى من هذا التحول الذي شهده عالم التواصل، وإنما تأثرت فضاءاته، ومرافقه الحيوية، ومؤسساته الكبرى بهذا التحول العلمي والتكنلوجي.
والفضاءات المدرسية في تأثيرها بهذه التحول الرقمي الكبير، انتقلت وتحولت لأن تكون فضاءات مفتوحة للتطوير والإبداع والابتكار، وهو ما يمنح للمتعلمين فرصا عديدة ،وامكانيات جديدة للتعلم وتحصيل مهارة التعلم الذاتي، بحيث يؤهل هذا التحول الرقمي، ويمنح للمتعلم القدرة الذاتية على الفهم والتحليل والتركيب والاستنتاج.
إضافة الى هذا البعد، فهذه الطرق الجديدة التي تمتح من التكنولوجيات الحديثة، فهي تسعى وتهدف الى تحقيق المتعة الصفية، وإثارة الحافزية والدافعية بين المتعلمين في بناء وإعداد أنشطتهم الصفية وأنشطتهم المنزلية، فهي تفتح للمتعلم وتؤهله وتمكنه من مهارات التعلم الذاتي، معتمدا على مؤهلاته الذاتية ،وامكانياته الفردية التي اكتسبها في الأنشطة الصفية المقدمة له[10].
- الرقمنة في سياق الاصلاح التربوي المغربي:
انخرط المغرب وشارك في عدد من التقويمات الدولية لقناعته المبدئية، وإيمانه والراسخ بضرورة استثمار نتائج التقويمات التربوية في تحسين العرض التربوي، والرفع من أدائه.
ومن أبرز ما حملته مشاريع الاصلاح التربوي التي باشرها المغرب في السنوات الأخيرة، هو الدعوة والإلحاح على إدماج الرقمنة، وتقريب تقنيات التواصل الحديثة الى مهن التربية والتعليم، وفي أنشطة التدريس تخطيطا وتدبيرا وتقويما.
والحافز في هذه الدعوة أن هذه التقنية الجديدة، جاءت حاملة لمجموعة من المواصفات والخصائص الميسرة للعمية التعليمية، ما جعل هذه التقنيات ذات خصوصية، فهي مغايرة لغيرها من الطرق والتقنيات المخصصة للتدريس التي تعتني بتقديم التعلمات والموارد الاساسية الى المتعلم، فهذه التقنية أكثر تفاعلا وتوافقا مع المتعلم في جميع المراحل التي تقطعها الأنشطة التعليمية والصفية.
وهذه المواصفات المذكورة، أهلت هذه التقنيات لأن تكون أداة أكثر فاعلية في إثراء المحتوى التعليمي، وإغناء المضامين التربوية، لما تحمله من يسر وسهولة في تقريب الأنشطة الصفية وتيسريها إلى المتعلم، كما أن السهولة في الاستخدام، واليسر في الاستعمال ساهمت هي الأخرى في أن تنتشر هذه التقنيات بسرعة في الوسط التعليمي والمدرسي [11].
وبالتالي أصبح اليوم وبشكل قوي أن هذه التقنيات التكنلوجية الحديثة في التعليم، ستساعد على استخدام أنظمة تعليمية مخصصة للمتعلمين بمختلف مستوياتهم، وستمكنهم من التعلم الذاتي وفقا لسرعتهم وامكانياتهم الخاصة، بل إنها ستساعد على تحسين المهارات الأساسية التي يحتاجها المتعلم في قطب اللغات أو قطب العلوم، فهي بلا شك قيمة إضافية ستساهم بشكل كبير على تحسين الأداء التعليمي[12].
وهذا المعطى هو ما جعل مشاريع الاصلاح التربوي التي باشرها المغرب في السنين الأخيرة، وقصد منها الرفع من أداء مهنة التدريس، بل ألح وبلغة شديدة على ضرورة توفير فضاء مدرسي وتعليمي متطور، يتوافق ويساير هذا التحول الجديد، وينسجم مع طبيعة هذه المستجدات والتقنيات التي عرفها العالم اليوم، واقتحمت عالم التربية والتكوين.
- الرقمنة في الميثاق الوطني:
من أبرز مشاريع الاصلاح التي عرفها المغرب، وتركت بصماتها على منظومة التربية والتعليم، مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين الصادر سنة :1999، وقد نصت فقراته ومواده المحمولة فيه، بأن تكون التكنولوجية التربوية جزءا أساسيا في أنظمة التربية والتعليم، وأحد المكونات المساعدة في تصريف المناهج التعليمية وتقريب حمولتها للمتعلم.
وقد جاءت هذه التقويمات الدولية والوطنية التي باشرها المغرب، لقناعته المبدئية بضرورة استثمار نتائج هذه التقويمات في تحسين العرض التربوي.
ومن التوصيات التي جاء بها الميثاق، هو ضرورة إدماج هذه التقنيات الجديدة في الواقع المدرسي، على أساس أن يتحقق لكل مؤسسة موقع معلوماتي، وقاعة متعددة الوسائط، بدءا من الموسم الدراسي: 2000-2001.
واستجابة وتفعيلا لهذا المبدأ جاء الميثاق الوطني متضمنا وحاملا لدعامة لها تعلق مباشر بالرقمنة والتعليم، وهي الدعامة العاشرة، وهي بعنوان: استعمال التكنولوجيا الجديدة للإعلام والتواصل.
ولتيسير التنزيل والأجرأة التكنولوجية التربوية في الأنشطة المدرسة والصفية وفي مشروع المتعلم، أصدرت الوزارة عددا من الدلائل الكاشفة، والمذكرات المساعدة لتنزيل هذا المشروع الكبير في الوسط التعليمي والمدرسي، والهدف هو الارتقاء بأداء العملية التعليمية عن طريق استخدام التكنلوجيات الحديثة في الأنشطة الصفية.
ومن أبرز هذه الدلائل: الدليل البيداغوجي العام لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الصادر عن مديرية المناهج سنة:2012.
وهناك دليل اخر له تعلق وصلة مباشرة بموضوع الرقمنة في الوسط المدرسي، وهو الدليل البيداغوجي العام لإدماج التكنولوجيا والاتصالات في التعليم، وهو من منشورات وزارة التربية والتعليم مصلحة البرامج والمناهج وصدر سنة:2014.
- الرقمنة برنامج “ genie“:
يتحدد هدف هذا البرنامج في هذا البرنامج وضع استراتيجية ترمي وتهدف إلى تعميم تكنولوجيا المعلومات والاتصال في الوسط المدرسي.
ومن لأهداف الكبرى في هذا البرنامج هو تعميم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم، بخلق قاعات متعددة الوسائط مجهزة ومرتبطة بشبكة الانترنت، وتخصيص دورات تكوينية وتاهياية لأطر التربية والتعليم في جميع المدارس التعليمية وبجميع أسلاكها.
ومن أبرز أهداف هذا البرنامج:
- تحسين التعلمات بواسطة استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كوسائل ديداكتيكية معينة ومساعدة على التدريس.
- جعل المتعلمين يمتلكون التكنولوجيا الرقمية قصد إدماجهم في المجتمع الرقمي، ومجتمع المعرفة.
- جعل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات محركا للتنمية البشرية بحضورها في الفضاءات المدرسية والتعليمية.
جعل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مصدرا للإنتاجية ،وقيمة مضافة لباقي القطاعات الاقتصادية وللإدارة العمومية. - جعل قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أحد دعامات الاقتصاد والتنمية من خلال حضورا في قطاع التربية والتعليم[13].
- تكوين وتخصيص دورات تكوينية للفاعلين التربويين والإداريين والمتدخلين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
- اقتناء المضامين الرقمية الملائمة للمناهج والمقررات الدراسية الوطنية.
- تخصيص دورات ومسابقات وجوائز تشجيعية للمدرسين تتعلق بإنتاج الموارد الرقمية الخادمة للأنشطة الصفية.
الرقمنة في مشروع التدابير ذات الأولوية:
كان الشروع في تنزيل التدابير ذات الأولوية مصاحبا للنتائج والأرقام المقلقة للمتعلمين، وهي الأرقام التي تم تحصيلها من التقويمات الوطنية والدولية، وهذه التقويمات كشفت بالملموس عن التدني الواضح، والإخفاق الجلي، في المكتسبات الدراسية للمتعلمين في التعلمات الأساس، وأرجعت هذا الإخفاق الى عدم ملاءة البرامج والطرائق البيداغوجية في التدريس مع الحاجيات التربوية للمتعلمين، وهي الحاجيات التي جاءت في سياق التحولات المعرفية والقيمية والرقمية العميقة التي يعرفها العالم اليوم.
وأوصت هذه التدابير ذات الأولوية الى الانفتاح على مجتمع المعرفة، عن طريق اقتحام التكنلوجيات الجديدة في التدريس، وصناعة المحتويات والمواد الرقمية مع اعتمادها في التعليم والانشطة المدرسية، و السعي نحو توظيف التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال من أجل تذليل الصعوبات في تدريس قطبي اللغات والعلوم، وفي اعداد الانشطة المندمجة.
ومما حملته نصوص التدابير ذات الأولوية، هو تمكين المتعلم من ولوج عالم الرقميات، والاستعانة بخدمات الدعامات والموارد الرقمية، لغاية تكييف الهندسة البيداغوجية مع حاجيات عملية التعليم.
والتدابير ذات الأولوية هي تدابير متفرعة عن الرؤية الاستراتيجية، جاءت في سياق خاص وهو معالجة الاشكالات التربوية والمشاكل البيداغوجية التي اثارتها اللقاءات التشاورية حول مستقبل المدرسة المغربية ،متخذة من الاطار المرجعي للرؤية الاستراتيجية سندا ومدخلا ومرجعا في الاصلاح[14].
- الرقمنة في الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم:
جاءت الرؤية الاستراتيجية في سياق خاص، وهو سياق يتحدد في الشروع والعمل على إرساء مدرسة جديدة قوامها وأساسها: الإنصاف وتكافؤ الفرص، وترسيخ الجودة، والإعمال الفعال والملائم للنموذج البيداغوجي في التربية والتكوين، باعتباره هو جوهر وروح عمل المدرسة الجديدة بمختلف مكوناتها، والأساس في الاصلاح هو اضطلاع المدرسة الجديدة بوظائفها في التربية والتعليم والتكوين والتأهيل.
وحملت هذه الرؤية الاصلاحية شعارا كبيرا، وهو من أجل مدرسة الانصاف والجودة والارتقاء.
وفي سياق إدماج الموارد الرقمية في الأنشطة الصفية نصت وثيقة الرؤية الاستراتيجية على تعزيز التكنلوجيا في النهوض بجودة التعليم بإعداد استراتيجية وطنية جديدة مواكبة للمستجدات الرقمية، والاستفادة منها قصد تطوير النموذج البيداغوجي والارتقاء بمؤسسات التكوين والتأهيل.
وجاءت الرافعة الثانية عشرة داعية الى تطوير النموذج البيداغوجي بتقريب التحول الرقمي في النهوض بالجودة في التعلمات والأنشطة الفصلية[15].
كما نصت على جعل المناهج والبرامج مسايرة ومنفتحة على هذا التحول الرقمي الذي يعرفه العالم اليوم ،وهو ما يلزم ادماج البرمجيات الالكترونية، والوسائل التفاعلية ،والحوامل الرقمية في عملية التدريس وفي إعداد أنشطة التعليم ،وفي الارتقاء بالبحث والابتكار، وجعل المعرفة طريقها التعلم الذاتي..
فإدماج الموارد الرقمية في العملية التعليمة سبيل وطريق في الرفع من أداء مهن التربية والتعليم والتدريسي.
وعليه فان التعلمات اليوم لم تعد منحصرة في الكتب والحوامل الورقية، و إنما اصبحت رقمية ،وكان ذلك بفضل التطور الذي أحدثته التكنلوجيات الجديدة، وهذا ملزم وضروري من أن يعمد المعلم الى استثمار المضامين والموارد الرقمية في تخطيط الأنشطة الصفية وفي تدبيرها ذلك “أن هذه الوسائل والوسائط لها دور بارز في مساعدة المتعلم على الادراك الحسي ،وعلى تقريب المفاهيم العلمية اليه.
- الرقمنة والجودة:
حتى تحقق التعلمات الجودة و تصل الى معاييرها كام من الضروري تفعيل وتدبير الموارد الرقمية في بناء التعلمات وتخطيطها في الأنشطة الصفية، باعتبار أن هذا التفعيل يعتبر مدخلا أساسيّا، في مساعدة المتعلم على إكساب المتعلم مجموعة من الكفايات والمهارات المهنيّة الكفيلة بتسهيل مواكبته للمستجدّات التي تعرفها السّاحة التّربويّة[16].
ذلك أن المتعلم الذي شاهد او تابع موردا رقميا له تعلق وصلة بالأنشطة التي تلقاها ذلك المتعلم في الفصل الدراسي، فهو بإمكانه ان يعيده اكثر من مرة للتأكد من المعلومة التي يحملها ذلك المورد الرقمي، بل له القدرة على إيقافع للتأكد من المعلومة او من المشاهد، وهذه الميزة لا تحضر في الطرق والبيداغوجيات القديم، فقليل من المتعلمين من لهم الجرأة والشجاعة لتقديم السؤال الى المعلم في وسط الدرس[17].
ومن تداعيات الجودة تعزيز وتقوية التكوين الأساس للمدرسين في تعريفهم وتحفيزهم بمواكبة المستجدات التي تعرفها الساحة التعليمية والتربوية في جهة التكنلوجيات الرقمية.
ففي في مجال التربية فقد اختلفت الرؤى ،وتعددت الاختيارات والتوجهات في تعريف الجودة، وفي تحديد معاييرها وعرض مواصفاتها وعناصرها ومكوناتها[18].
التكوين المستمر في مجال المعلوميات يعد ضرورة حتمية فهو يساعد مسايرة التحولات التي يعرفها العالم اليوم تحقيق الجودة في التربية والتعليم تعني جعل المتعلم مواكبا ومنخرطا مع مجتمع المعرفة ومتواصلا مع الثورة الرقمية التواصلية التي يعرفها العالم اليوم في مختلف الجهات، فالمجتمعات اليوم تعرف مجوعة من التحولات السريعة في القيم والثقافة والمعرفة والعلوم، وهو ما يلزم أن تكون مضامين ومحتويات المنهاج التعليمي مواكبة لهذه المستجدات، ومستوعبة ومستجيبة مع هذه التحولات وفق المستوى المعرفي للمتعلم في السلك الذي يتواجد فيه.
خاتمة:
في هذا العرض قمنا بتشخيص حضور الرقمنة في الوسط التعليمي والمدرسي بشكل عام، و بيان التأثير الذي مارسته على مشاريع الاصلاح التربوي التي عرفتها منظومة التربية والتعليم في المغرب في السنين الأخيرة بشكل خاص، وكشفنا أن هذه الاصلاحات التربوية تأثرت بالتحول الكبير، وبالطفرة العلمية، وبالنقلة المعرفية التي وقعت في عالم الرقميات، وحدثت في تكنلوجيا التواصل، وكان لها تداعيات مباشرة، ووقع كبير على الفضاء المجتمعي، وتأثير على الفضاء المدرسي والتعلمي بشكل أخص.
ووما قررناه في سياق الحديث عن الرقمنة في الوسط التعليمي والمدرسي،أن سهوله الاستخدام ساهمت في اتساع انشار المعلوميات في الفضاءات المدرسية والتعليمية.
وحتى يصل الاصلاح الى أهدافه الكبرى ،ويحقق مقاصده القريبة والبعيدة ،فان الانخراط في تقريب هذه الوسائط للمتعلم أصبح ضروريا، ما جعل مشاريع الاصلاح التربوي تدعو الى ضرورة تقريب هذه التكنلوجيات في عملية التعلم ،وتعدها من تجليات ومعايير الجودة في التربية والتعليم 9[1].
[1] – مجموعة من المؤلفين: (2008): تنويع التدريس منشورات اليونسكو المكتب الاقليمي بيروت لبنان ص:44.
[2] – محمد بنعمر: (2017): أثر تكنلوجيا المعلومات والاتصال معالجة تعثر المتعلم بحث ضمن ندوة: تقنية المعلومات والاتصال في مهن التربية والتكوين -المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين 15-10 – السنة:2017، ص:144.
[3] – احمد أوزي: المعجم الموسوعي الجديد لعلوم التربية: ص:135.
[4] -عبد الواحد الفقيهي: (2012): الذكاءات المتعددة والتأسيس العلمي – منشورات مجلة علوم التربية الدار البيضاء المغرب، ص:9.
[5] -هشام المكي: (2022): تدريس التربية الاعلامية بالقيم -مجلة عالم الفكر الكويتية إصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت العدد:186ص :247.
[6] – مجموعة من الباحثين: (2007): الاعلام الجديد: تكنلوجيا جديدة لعالم جديد منشورات جامعة البحرين ج:1، ص:13.
[7] – شاكر عبد الحميد: عصر الصورة: سلسلة عالم المعرفة ص:12.
[8] – الشابي نور الدين (2020): الثورة الرقمية من منظور فلسفي مجلة الرستمية – العدد -2- ص:42.
[9] -نبيل علي: (2009): العقل العربي ومجتمع المعرفة سلسلة عالم المعرفة العدد:369-السنة: ص:71.
[10] -عبد الرحيم الرحيوي: (2013): التربية الرقمية وتأهيل التعليم مجلة علوم التربية العدد:57، ص:132.
[11] – نبيل علي: (2001): العرب وعصر المعلومات سلسلة عالم المعرفة – إصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت – العدد :165، ص: 78.
[12] – هيام نصر الدين عبده رمضان: استخدام الذكاء الاصطناعي في تعليم مهارات اللغة العربية.
[13] – الدليل البيداغوجي العام إدماج تكنولوجيا والاتصالات في التعليم منشورات وزارة التربية والتعليم 2014، ص:26.
[14] – يراجع: مذكرة الإطار في التنزيل الأولي للرؤية الاستراتيجية تاريخ الإرسال: 12/10/2015.
[15] – الرؤية الإستراتيجية لإصلاح التعليم: (2015): إصدار المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الرباط، المغرب، ص:39.
[16]– أحمد أوزي، جودة التربية وتربية الجودة، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، ط1، 2005 ص29.
[17] -أحمد اوزي: بيداغوجيا الفصل المقلوب، مجلة علوم التربية العدد: 70، 2011، ص:16.
[18] – عبد الرحمان بن إبراهيم: (2004): إدارة الجودة في التعليم المركز العربي لتدريب التربوي الرياض السعودية ص:145.
19- عبد الرحيم ليه 2018 :الجودة في التربية والتعليم مركز الدراسات والبحوث وجدة المفرب ص:19