الدراسات البحثيةالمتخصصة

النبي زرادشت بين التاريخي والمتخيل

 اعداد : فيصل هرابي – المركز الديمقراطي العرب

 

تقديــم : – 

  • هل زرادشت بطل أسطوري- ميثي من المتخيّل البشري أم هو نبي تاريخي من الواقع الزرادشتي ؟
  • أيّ خصائص اتّصف بها زرادشت جعلت منه بطلا داخل التاريخ و صانع ملمح الدّيانة الزرادشتيّة ؟

إنّ قراءة الفكر الزرادشتي و خاصّة في ماهية تكوينه المعرفي في الدّين و العقائد و الشعائر المختلفة ارتبط ارتباطا وثيقا ضمن التماهي و التقارب بين الأسطورة و الدّين و الفلسفة و التاريخ من جهة و بين التباعد في المتخيّل، و ناظم هذا المتخيّل كناقل للنّظم المعرفيّة من جهة أخرى.

و لترسيخ الفكر الدّيني و الأسطوري للشريعة الزرادشتيّة كان لابدّ من وجود وسيط عقائدي و رمزي تمثل في وجود زرادشت وهذا الحضور كان على المستوييْن : التاريخي و المتخيّل.

إنّ ما وصلنا في مصنّفات سيرة النبي الزرادشتي تبقى في حاجة إلى كثير من التمحيص والتدقيق وإعادة النظر في الموروث الديني والثقافي الزرادشتي ومراجعة المرويات والأخبار الشفوية منها والمكتوبة التي وصلتنا عن زرادشت وإعادة كتابة التاريخي منها والمتخيل خاصة إذا علمنا أنّ تلك الفترة قد رافقتها العديد من الصعوبات التاريخية والمعرفية بالخصوص.

إذ المادة المتعلقة بزرادشت في كتب الأخبار والأديان مختلفة إختلافا بيّنا خاصة إذا علمنا أنها لا تخضع في غالب الأحيان لتدقيق تاريخي واضح بل إنها تجنح إلى الإعتماد على البنية الذهنية التي أنتجت تلك الصورة الكاريزماتية لزرادشت وهي بنية في إعتقادنا تغلب عليها العقلية الميثية التي يميل إليها الشعور الديني الزرادشتي قصد التماهي بين الجوانب الأسطورية وأخرى تاريخية رغم يقيننا  المتواضع أنّ كتابة سيرة لزرادشت تخضع في غالب الأحيان لتوجهات المصنّف وانتماءاته الدينية والإيديولوجية والاعتقاد المبالغ فيه.

إنطلاقا ممّا تقدم إختلف الباحثون في علم الأديان وتاريخ العقائد بشأن شخصية زرادشت وتباينت حوله الأراء بين مؤكد لوجوده في تاريخ الزرادشتيين وناف له ويعتبره  من قبيل المتخيل والميثي لذلك سنحاول في هذا المقال أن نبحث عن مدى مصداقية وجود زرادشت في التاريخ ومدى أسطوريته.

وهذا الاختلاف بين المؤرخين حول وجود هذا النبي من عدمه جعل المختلفين ينقسمون إلى ثلاثة آراء:

فالرأي الأول ينكر وجود زرادشت ويعتبر أنه شخصية أسطورية خيالية وكل ما ورد حوله من عقائد وشرائع هو من قبيل الخرافات والأساطير التي لا سند لها إلا الخيال.

والراي الثاني يعتبر أنّ زرادشت هو شخصية حقيقية بل ويعتبرون أنّه إبراهيم عليه السلام وأنّ “أسفار الأبستاق” هي صحف إبراهيم التي تحدّث عنها القرآن وربّما يقصدون سورة الأعلى الآيتان 18 و 19

( إنّ هذا لفي الصحّف الأولى صحف إبراهيم وموسي).

أما الرأي الثالث فإنه يؤكد على الوجود التاريخي للنبي زرادشت وأنه ليس إبراهيم عليه السلام ولكن الإختلاف كان حول تحديد الزمن الذي ظهر فيه زرادشت فهناك من إعتبر أنّ ظهوره كان في القرن الستين قبل الميلاد ومنهم من جعله في بداية القرن السادس قبل الميلاد.

إنّ هذه الآراء الإختلافية فيه حول شخصية زرادشت الذي نسبت إليه ديانة ذات عقائد وشرائع ومبادئ وتعاليم دفعتنا إلى تقصي حقائقه التاريخية وكذلك الخيالية والوقوف على أهمّ مظاهر الواقعي والمتخيل في هذه الشخصية حمّالة الأوجه ومتداخلة السيّر والحقائق.

1) في ضبط بعض المفاهيم :

أ- الزرادشتيّة و مؤسّسها :

تُسمّى الزرادشتيّة نسبة إلى مؤسّسها زرادشت الذي ولد في مقاطعة “آتروباتين”[1] قرب بحيرة أورمية وهي إحدى أهمّ مقاطعات ميديا. و حسب الأفستا (الكتاب المقدّس عندهم) أبوه هو بورشاسب من نسل فريدون أحد ملوك الأسرة البشداديّة[2] و أمّه “دعمروية”. ولد حسب المصادر الإسلاميّة سنة 660 ق.م و توفّي حوالي 573 ق.م أي عاش قرابة 73 سنة و كانت وفاته في الحرب ضدّ الطّورانيّين عندما كان متعبّدا في هيكل نار مدينة بلخ.

أمّا المصادر الزرادشتيّة فتقول أنّه ولد سنة 1790 ق.م لكنّ أغلب المؤرّخين يرجّحون التاريخ الوارد في المصادر الإسلاميّة.

إنّ زرادشت هو نبيّ المجوس كما ذهب إلى ذلك الإخباريّون[3] فزرادشت أو (زارا) عاش في القرن السّادس قبل الميلاد و هناك من حدّد هذه الفترة ما بين 660 ق.م إلى 583 ق.م، وهي فترة حكم يشتاسف (أو كشتاسف)[4].

و قد ورد اسم زرادشت في المصادر اليونانيّة المتأخّرة بشيء من التّغيير مثل (زوروستر) ومعنى اسمه “مع الجِمال الذهبيّة” أو “راعي الجِمال الذهبيّة”[5]. و قد أوردت بعض المصادر الإسلاميّة نَسَبا للنبيّ المجوسيّ جاء فيه “زرادشت بن أسبيمان و قيل إنّه زرادشت بن يورشف بن فذراسف”[6].

و لكن بالنّسبة إلى مسقط رأسه، فقد أجمع المؤرّخين أنّه من أصول ميديّة كرديّة وُلد في مقاطعة “آتروباتين” في جنوب بحيرة أرومية في أذربيجان[7].

و قد ذكر بعض المؤرّخين المسلمين نقلا عن أهل الكتاب بأنّ النبيّ زرادشت قد تتلمذ على يد النبيّ اليهودي “أرميا” على أنّه لا يوجد أيّ شيء في سِفر “إرميا” يشير تصريحا أو تلميحا لزرادشت[8].

أمّا عن فترة ولادته فقد حيكت حولها حكايات و أساطير فذكروا بأنّ ملاكه الحارس حلّ في نبات “الهاوما” و انتقل مع العصر إلى جسم كاهن و في الوقت نفسه دخل شعاع من السّماء المقدّسة في عذراء من أصل نبيل فتزوّجها الكاهن و اتّحد الملاك المجوسي بجسم الكاهن – نورانيا – العذراء فتكوّن زرادشت[9].

إنّ عمليّة حمل زرادشت حسب الرّواية المزديّة هي أنّ جوهر روح الله قد حلّ في رحم أمّه و بذلك أصبحت الحامل تشعّ نورا فأرسلها أبوها إلى أورمية فتزوّجت هناك من أحد الفلاّحين و ظهر لوالده ملاكان أعطياه غصنا من أغصان الهاوما الذي تمّ مزجه باللبن و في تلك اللّيلة تمّ اقتران والده فحملت بزرادشت الذي عمل أهرامان و شياطينه على إفساد هذا الحمل و لكن إرادة الخير حَمتهُ من كلّ شرّ فأنيرت السّماء بوهج ناريّ و نزلت الفرافاشي[10] فحَمَلت الجنين، و في يوم ميلاده أنيرت القرية فقدم زرادشت إلى العالم وهو يضحك واع نورا ربّانيّا مكان مولده[11]. و قد أطلق عليه ياقوت الحموي اسم “محمّد المتوكّل”[12].

ب- في مفهوم المتخيل والتاريخي:

يطرح مصطلح “متخيل ” عديد الإشكاليات وذلك لغموضه من جهة ولإتساع حقله الدلالي من جهة أخرى فنجد الخيال والمخيال والمتخيّل وغيرها من المصطلحات التي تدور في فلكه مثل الأسطورة والرّموز والميثولوجيا وهي في الحقيقة علاقات دلالية معقدة ومتداخلة تربط هذا المفهوم بشبكة المفاهيم الملازمة له.

إنّ كلمة “خيال ” ( imagination ) و “مخيال ”  ( imaginaire )  مصطلحات تحمل مدلولا سلبيا في ذاتها وفي الثقافات الدينية المختلفة بإعتبارها تحيل على ما هو سلبيا مثل “التشبيه ” والتخايل والوهم والصّور المقترنة بالحلم وغيرها من المدلولات السلبية.

ويرجع جيلبار ديران غموض هذا المصطلح إلى إتّساع الحقل الدلالي الذي يشتغل فيه وكذلك إلى كثرة تداوله في عديد العلوم المعرفية والدينية والأسطورية[13] وسيكون الاداة التي سنحاول من خلالها ومن خلال مقالنا البحث في ملامح صورة زرادشت وجمع متناقضاتها المتفرقة قصد الوقوف على مظاهر هذه الشخصية الميثية والتاريخية.

إنّ المتخيل أو الخيال يسترجع صورا غابت لفترة من الزمن عن الوعي، إذ الصورة وجدت من قبل في الواقع وجودا حسيا وأصبح وجودها في مرحلة ثانية وجودا ذهنيّا.

والخيال في التصور الصّوفي أصل الوجود وأصل العوالم وهو “غفلة من الحضور مع الله”[14] إذ الموت إنتباه لأنه يصلنا بالإله أمّا الحياة فغفلة وإنقطاع عن الذات الإلهية.

إنّ المتخيّل تمثل لما هو غائب وأستحضار لصورة ما إرتسمت في الذهن وهو التصوّر اللاواقعي للأشياء ويحتمل  في نفس الوقت الجهد الفردي والجهد الجماعي إلا أنه قد يحتمل جزءا من الحقيقة…

وقد يبرز ما أشرنا إليه جليا في الثنائية التي تضمنها القرآن بين ” الخيال الضال ” و ” الخيال الرشيد ” وهي ثنائية محددة لما أسماه محمد أركون بالمتخيّل الديني وهو مجال يقابل ” المتخيل الإجتماعي ” وغايته الهيمنة على القيم المحددة لهوية الفئات أو ” الرأسمال الرمزي ” على حدّ تعبيره[15].

ويضيف أركون إلى هذا المفهوم مفهوما آخر من حيث الوظيفة كقوله: ” يقدم المتخيل الديني ذاته بصفته مجمل العقائد المفروضة والمطلوب إدراكها وتأمّلها بل وعيشهاا وكأنها حقيقة والتي لا تقبل أي نقاش أو تدخل للعقل البشري النقدي المستقل، على العكس يصبح هذا العقل مصدرا للزندقة والإنحراف والظلال إذ لم يقبل بأن يصبح كليا الخادم المطيع للمتخيل الديني”.[16]

وكثيرا ما يحدث تداخل بين مصطلح أسطورة ( Mythe ) وخرافة  ( légende )

فالأسطورة تتجاوز المعنى الخرافي الشائع والذي يفتقر للحقيقة ليكون المقصد منه هو تلك الأهمية التي يكتسبها البعد النفسي أو الخيالي الذي يميل إلى المبالغة والتضخيم في حياة الأفراد والجماعات ومثالنا شخصية النبي زرادشت[17].

إنّ الخطاب الأسطوري  خطاب شاسع تلتقي فيه عديد الخطابات الأخرى كالخطاب الديني والخطاب التاريخي، لذلك نلاحظ أنّ الأسطورة تضطلع بوظيفة  ” تفسيرية ” و ” تثقيفية ” و تأسيسية للوعي الجماعي و أنطلاقا من الأسطورة تؤسس كل ديانة أو مجموعة ما أو فرقة أو طائفة ” نظاما رمزيا جديدا يكون بديلا لنظام قديم”[18].

وربما هذا ما يجعل من الأسطورة مجالا خصبا يتداخل فيه العقلاني والمخيالي والتاريخي ومثال النبي زرادشت الذي تداخلت في صورته عديد العناصر والمكونات التي تناقلها الرواة والمخبرين وعموما تكشف الأسطورة أو المتخيل عن الفعل ووقعه في الذات والواقع فهي ” لا تتحدث إلا عمّا وقع بالفعل أي عمّا كان جليّ الظهور”[19] إذ الأسطورة تتخذ من الوقائع مرجعا أساسيا لها.

وما دمنا نتحدث عن الجانب التاريخي للأسطورة وما تتركه من وقائع وأفعال فإننا يمكن القول أنّ التاريخ هو التحوّلات الزمنية والمكانية والتغيرات وفق إختلاف الثقافات والحضارات البشرية والتطوّر الثقافي ، فالزمن التاريخي هو زمن في تقدم مستمر[20]، إنه الخيط الرابط بين الحضارات والذي يقيم الصلة بين القديم والحديث وبين جيل وآخر وبين أحداث زمنية وإنسانية أخرى.

وعموما تستعين الأسطورة بالواقع لصنع التاريخ ولتعيد إنتاجه من جديد وفق المتطلبات الزمنية والحاجات الآنية لحضارة ما ولثقافة معينة ” فالتاريخ لا تصنعه أو تحركه الأحداث المادية الواقعية التي جرت بالفعل فقط وإنما تصنعه أيضا الخيالات والأحلام والأوهام التي تصاحب هذه الأحداث عادة أو تسبقها أو تأتي بعدها، إنّ الأسطورة هي إحدى محركات التاريخ”[21].

لكنّها تحركه وفق الحاجة ونتيجة لذلك تقوم في مرحلة ما بوظيفة الجمع والإنتقاء إذ تجمع الصّور الرمزية وتنتقي السلوك المثالي لشخصياتها لتقديمها للفرد وللمجموعة حاملة قيمة خاصة حسب الحاجة أيضا.

2) زرادشت : النبي  المتخيّل :

أ – زرادشت و تضارب المواقف حول عقيدته :

اختلف الباحثون والدّارسون للأديان باختلاف توجّهاتهم و خاصّة عندما تناولوا دراسة عقيدة الزرادشتيّة.. و هذا الاختلاف في المواقف حول هذه الدّيانة يعود إلى الأسباب التالية :

الأوّل يعود أساسا إلى صعوبة قراءة كتاب الزرادشتيين المقدّس “الأفستا” “فإذا حاول الإنسان قراءة الأفستا فإنّه يدرك لأوّل وهلة أنّ قراءة هذا الكتاب معقدة لأنّ فصوله غير موحّدة و لا يتّسق أي جزء مع جزء آخر، فأجزاؤه مفكّكة لا ينظّمها عقد واحد”[22].

و الثّاني يعود أساسا إلى النّقص في الأسانيد و الاضطراب في الرّوايات التي نقلت لنا عقيدة زرادشت مع اختلاف وجهات النظر بين من رأى أنّ عقيدته مستوحاة من تأمّلاته في الحياة و الصّراع الدّائر بين الخير و الشرّ و من رأى أنّها جاءته عن طريق الوحي باعتبار أنّ مؤيّديه اعتبروه نبيّا.

هذا التّضارب في تصوّرات هذا المبشر الدّيني و الاجتماعي و الأسطوري أفرز عدّة تساؤلات حول مدى وجوده الحقيقي من عدمه، أي هل أنّ النبيّ زرادشت كان موجودا تاريخيّا أم أنّه من وحي خيال مؤيّديه فقط ؟

ب – مظاهر أسطوريّته المرويّة قبل ولادته :

لعلّ من أهمّ الدّلائل التي تحيل على أسطوريّة هذا الرّجل تلك التي تعلّقت أساسا بمولده أو التبشير بميلاد نبيّ سينزع الشرّ عن العالم و ينشر الخير المحض.

و يُحكى أنّ نورا ظهر بين قدامى الإيرانيين و تنبأ بمولد منقذ للعالم من قوى الظلام التي يقودها إله الشرّ أهرامان في التصوّر الزرادشتي.

و من بين هذه الأساطير اعتقاد قدامى الزرادشتيين بأنّ زرادشت هو روح الله و أنّ هذه الرّوح تقمّصت جسد هذا المخلوق البشري هبطت من السّماء إلى الأرض و حلّت بروح أمّه فحملت به ثمّ ولدته بشرا سويّا و بطلا أسطوريّا[23].

كما إدّعى البعض الآخر بأنّه إله في صورة إنسان[24]، و قد شاعت أخبار مختلفة في القرن الثالث قبل ظهور زرادشت أنّ نورا تكلّم مخبرا أنّ ساعة مولد هذا النبيّ قد اقتربت و أنّ ظهوره في المستقبل قد قضت به إرادة الربّ[25].

و تروي الأسطورة أنّ روح القدس قد حلّت بجسد تلك المرأة إبّان طفولتها الأولى و قد كان زرادشت – النبيّ المنتظر قدومه – جزءا لا يتجزأ من كيانها الذّاتي و قد أضفى ذلك عليها جَلالا نورانيّا مفارقا وعجيبا، و قد كان يبعث الرهبة في قلوب من رأوا هذه المرأة حتى أنّه أشفق عليها والدها و خاف على مصيرها من الشرور التي يمكن أن تلحق بها و خشي من أن تمتدّ أيدي السّحرة إليها فأرسلها إلى قرية تقع على بحيرة أورميّة و هناك تزوّجت رجل من الدّعاة – الفلاّحين يرجع نَسَبُه إلى أسرة عريقة في المجد إسمه بورشاسبو[26]..

و تشير المرويّات أنّه و لمّا كان هذا الرّجل يرعى مواشيه في حقله إذ تراءى له شبحان نورانيّان اقتربا منه و أخبراه بأنّهما الملكان “يوهيمان” و “آشافاهست” ثمّ قدّما إليه غصنا من أغصان نبات “الهوما” وهذا النبات هو مقدّسا عند الزرادشتيين و لمّا قدّماه له أمراه أن يحمل هذا الغصن معه و يقدّمه إلى زوجته لأنّه و في تصوّرهم يحمل كيان الطفل الروحاني الذي سيصبح نبيّ الزرادشتيين في ما بعد[27].

و صُدِع بورشاسبو بالأمر و عمل بما أمراه به الملكين و مزج الغصن باللّبن و شربه هو و زوجته فحملت بزرادشت[28]، و يذكر أبو الفتح الشهرستاني في هذه المسألة : “زعموا أنّ الله عزّ و جلّ خلق في الصّحف الأولى و الكتاب الأعلى من ملكوته خلقا روحانيّا، فلمّا مضت ثلاثة ألاف سنة أنقذ مشيئته في صورة من نور متلالئ على تركيبة صورة إنسان و أحفّ به سبعين من الملائكة المكرّمين و خلق الشمس و القمر و الكواكب و الأرض و بُنى آدم غير متحرّكة ثلاثة آلاف سنة ثمّ جعل روح زرادشت في شجرة أنشاها في أعلى عليين ثمّ غرسها في قمّة جبل من جبال أذربيجان ثمّ مازج شبح زرادشت بلبن بقرة فشربه أبو زرادشت فصار نطفة في مضغة في رحم أمّه فشعُرَتْ بألم فقصدها الشيْطان وغيّرها و سمعت أمّه نداء من السّماء فيه دلالات على شفائها فشُفِيَتْ”[29].

هذه المرويات هي أخبار تبشيريّة بقدوم نبيّ للزرادشتيّين لا يشبه الإنسان العادي و ليس مخلوقا من طين بل من شجرة. هي شجرة الهوما في تصور الزرادشتية.

ج – مظاهر أسطوريّته أثناء ولادته :

يذكر بعض المؤرّخون الذين اهتمّوا بشأن فرقة الزرادشتيّة بصفة خاصّة و المجوس بصفة عامّة أنّه لمّا ولد زرادشت أحاط بالدّار التي ولد بها نور قدسي وهّاج و هبط من السّماء نجم عظيم و دنا من الأرض و أعلن الخبر السّعيد بميلاد زرادشت و ظهر في عرض الأفق في السّماء كوكب عظيم ملأ ضياؤه جميع أنحاء الفضاء المحيط به[30]..

إنّ ميلاد زرادشت بأذربيجان كما قلنا سابقا وهي إحدى مقاطعات ميديا كان يحكمها الملك “دوران سرون” و كان هذا الرّجل يُدين بديْن إله الشرّ و الظّلمة أهرامان الذين كان في صراع مع إله الخير و النّور أهورامازدا..

و لمّا سمع هذا الملك بالأساطير و الخوارق حول الطّفل زرادشت و لمّا ولد ضحك ضحكات متعالية و قويّة فقرّر التخلّص منه فأحضره بين حاشيته وهمّ بقتله بسيفه و لكن تذكّر المرويات أنّ يديْ الملك تجمّدت و لم يستطع قتله وهو ما زاد من غرابته و رجع خائبا مندهشا و عاجزا عن قتل الطّفل زرادشت[31].

و خشي الملك “دوران سرون” من أن يكبر زرادشت فيقضي على السّحر و الشرّ و يُزيل دين أهرامان و بالتالي قرّر أن يعيد محاولة قتل زرادشت فافتكّوه من والديه و وضعوه في كومة من حطب و أشعلوا النّار فيها و وضعوه وسطها معتقدين أنّه سيموت و انصرفوا..

و لكن النّار لم تحرقه، بل كانت بردا و سلاما عليه و نام وسط الرّماد إلى أن جاءت أمّه و حملته إلى دارها سليما معافى[32].

و ما يمكن استنتاجه ممّا تقدّم أنّ المرويات بشأن عجائبيّة زرادشت قد إختلفت وسائلها و أحداثها وكذلك مصادرها و لكن الهدف كان واحدا هو تميّز زرادشت بخصائص الغريب و العجيب حتّى أنّه كلّما وقع في محنة أو ورطة خرج منها معافى وهو ما يبشّر بقدوم نبيّ للزرادشتيّين يتميّز بالمعجزات والخوارق.

د- أسْطَرَةُ بعض أفعاله :

قلنا “أفعاله” حتّى لا نقول “معجزاته” لأنّ اعتبار ما يقوم به زرادشت من أفعال هو من قبيل المعجزات كذلك يعني أنّه لا يمكن التشكيك في تاريخيّته أو واقعيّته لأنّ المعجزات من صفات الأنبياء.. قيل أنّه ذات يوم بينما كان زرادشت واقفا على هضبة مرتفعة من الجبل بسيلان يفكّر إذ غمرته نشوة روحانيّة قويّة انتشرت في كامل جسمه و ملأته نورا وهّاجا[33]..

ثمّ رأى كائنا ناريّا نورانيّا يدنو منه و كأنّه عمود من نور حجمه تسعة أمثال حجم الإنسان يحمل في يده عصا من اللّهب.

حلّق ذلك الكائن النّاري فوق رأس زرادشت و أمره بخلع ملابسه، ثمّ أنبأه أنّه “فاهومانا” أي كبير الملائكة الخيّرة و أعلمه بأنّه جاء ليقوده إلى السّماء ليحظى بشرف المثول بين يَديْ ربّ السّماء نفسه فَصُدِع زرادشت لهول الأمر و لم يلبث أن وَجد نفسه لدى إله النّور الذي يحيط به ضياء عظيم و هناك تعلّم أسرار الوحي المقدّسة و استمع إلى أمر النبوّة[34].

أمّا في روايات أخرى – وهو دليل على أنّ الذي رافق زرادشت أغلبه من قبيل الأسطورة – فإنّه يقال أنّ الوحي نزل عليه سبع مرّات عوض ثلاثة و كان ذلك عن طريق الملائكة الستّة الكبار ليلقنوه في ما بعد أصول الحكمة و يُعْتَبَرْنَ رموز و مُثُل عليا لمعان إنسانيّة مقدّسة[35].

و قد أحسّ أعداء زرادشت بخطره و انتشار تعاليمه فكادوا له المكائد و ادخلوه إلى السّجن و لكن عندما مرض حصان الملك “كشتاسب” قال لزرادشت إن كانت لك معجزات فعلا و حكما عالج لي حصاني و سأصدّقك و أصدّق عقيدتك.. فأخرجوه من السّجن و قام بإملاء شروطه على الملك ثمّ راح يدلكُ أرجل الحصان رافعا رأسه إلى السّماء متوهّجا بالدّعاء إلى ربّه و لم يكد ينتهي من دعاءه حتى شُفِيَ الحصان و قام واقفا في مكانه و كأنّ شيئا لم يكن[36].

فصدر أمر الملك بالإفراج عن زرادشت و معاقبة كلّ من عاداه و اعتنق تعاليمه و اتّبع حكمه في كلّ البقاع لنشر رسالته.

3) زرادشت نبي تاريخي :

بالرّجوع إلى المرويات المتداولة بين الباحثين حول مدى حقيقة النبيّ زرادشت تبيّن دون شكّ أنّ تعاليم كتاب الزرادشتيّين المقدّس هو الحجّة الأولى الدّالة على وجود زرادشت وجودا عيّنيا استنادا إلى تعاليمه و نشر دعوته في إيران القديمة.

و على هذا الأساس حاولنا البحث عن تاريخيّته استنادا إلى المرجعيّات الدينيّة – العقديّة المختلفة لنثبت أنّ هذا النبي كان وجوده وجودا فعّالا في نشر دعوته و حِكَمِهِ.

أ- الكتاب المقدّس “الأفستا” :

لقد اختلف المؤرّخون في تاريخ تدوين هذا الكتاب و في تعيين موطن ظهوره و في اللغة التي دُوّن بها.. و يرجّح أنّ هذا الكتاب كان مكان ظهوره بمدينة إصطخر و كان ذلك سنة 560 ق.م.

و لعلّ ما يهمّنا في هذا الإطار هو أنّ زرادشت هو الذي دوّن هذا الكتاب و اهتمّ بنشره و تفسيره كما كان يُنشد بصوته ما في الكتاب من ترنيمات و في تصوّرنا أنّ هذه الحجّة الكتابيّة المقدّسة دالّة على الوجود التاريخي زرادشت وهو إحالة صريحة بدور هذا النبيّ في تأسيس نواة مقدّسة يعودون إليها وقت الحاجة.

و يتكوّن هذا الكتاب المقدّس من ثلاثة أجزاء : ألّف الجزء الأوّل و الثاني زرادشت كما ألّف الجزء الثالث بمعيّة المُعِينينَ له من الموابذة أي المساعدين له[37].

يبدو أنّ بعض الزرادشتيّين قد ظلّوا متمسّكين بعقائدهم الأصليّة و نبيّهم و محافظين على شعائرهم حتّى بعد اعتناق الأغلبيّة منهم للإسلام.

ب- آثار زرادشت الماديّة :

و لعلّ من أهمّ هذه الآثار إلى جانب الكتاب المقدّس الذي ساهم في كتابته و نشر تعاليمه على جلود الأبقار نجد ذكر للأمكنة التي زارها و مكث فيها لنشر رسالته الدّينيّة وهي أمكنة تاريخيّة معروفة مازالت صامدة إلى اليوم وهو ما يعني أنّ هذا البطل وُجد في التّاريخ الزّرادشتي و ترك تعاليمه لمؤيّديه.. هذه الأمكنة هي اصطخر بإيران القديمة و “بلخ” بأذربيجان التي انطلق منها ليشرح عقيدته للمؤمنين به[38].

كما توجد آثار أخرى ساهم زرادشت في بناءها وهي “أبراج الصّمت” التي مازالت موجودة إلى الآن رغم تداعيها للسّقوط بفعل الزمن و بفعل تقادمها.. هذه الأبراج أو البنايات المرتفعة كانت توضع فوقها جثث الموتى لتأكلها الطّيور، فتعاليم زرادشت تقول بأنّه لا يدفن الميّت في الأرض حتّى لا يدنّس التربة و إنّما وضع لها أمكنة خاصّة يشرف عليها “الهرابذة”، و هذه الأبراج موثقة في صور تاريخيّة عند أغلب الباحثين في الأديان[39].

كما يوجد تمثال منحوت من الصّخر يمثّل النبيّ زرادشت تحيط بهذا التمثال أشعة شمس مصنوعة من الزنك و الحديد ترمز إلى الإله “ميثرا”[40] وهي بمثابة تاج على رأس هذا التمثال فلو كان زرادشت من وحي الخيال لما قاموا بوضع تمثال يرمز له.

كما عُيّن زرادشت كبيرا لكهنة الملك “كشتاسب” في بلاط بلخ ببلاد إيران القديمة التي كانت تُعْرف بــ “آريا”. و قد كانت لزرادشت ابنة صُغرى تدعى “بوروكيستا” جاءت تزور والدها في القصر الملكي فطلب الملك الزّواج منها و كان له ما أراد و بالتالي أصبح زرادشت صهرا لرئيس الوزراء فتدعّم مركزه السّياسي و الدّيني و كان في تلك الفترة يدعم إله الخير آهورامازدا[41].

كلّ الدّلائل إذن الماديّة و التاريخيّة و كلّ الوثائق الأثريّة تشير إلى أنّ النبيّ زرادشت قد وُجد في آريا – إيران القديمة – و أنّه قد تقلّد عديد المناصب و قام بعديد الأدوار خاصّة نشر رسالته الدّينيّة و نشر عقيدة الزرادشتيّة.

و أمام هذا المدّ الزرادشتي في جميع  المجالات خاصّة المتعلّقة بالطّقوس و المعتقدات برز من أكّد على النبيّ زرادشت و صوّره في صورة النبيّ المنقذ و البطل المقدّس[42] و المدافع عن عقيدته. و هناك من رفض توجّهه الفكري و عقيدته الدّينيّة فشكّك بالتالي في وجوده أصلا و أدخله مجال الأسطوري و الخرافي لا لشيء إلاّ لكونه يرفضه و يرفض تعاليمه خاصّة الدّراسات الإسلاميّة و بالتحديد الموالين لاسكندر المقدوني الذي كان يَكنُّ العداء للزرادشتيّين ممّا دفعه إلى محاربتهم و الانتصار عليهم سنة 330 ق.م.

ج – آثار زرادشت الروحية:  

وتتمثل هذه الآثار الروحية لزرادشت والتي جمعت حوله عدد كبير من الزرادشتيين في دعوته إلى الإيمان بإله واحد هو آهو را مازدا باعتباره الخالق لكل شيء.

وقد بنى زرادشت أركان دينه من خمس قواعد أساسية وهي : الإيمان بإله واحد وملائكة واحدة ورسول واحد والكتاب المقدس “الأفستا” ويوم البعث[43].

وقد عمل هذا النبي على ترسيخ الجانب الروحي والنفسي في كل مؤيديه مثل الاعتماد على الإلهام الرباني

والفكر الأسمى وتقديم تعاليم روحية ودينية ترتكز على أن يحيا الإنسان حياة روحية” طاهرة ملؤها الإنسجام مع الكائن الأعظم الذي وجب على الجميع الإقتراب منه وهو إله الخير آهوراما زدا، الوهاب لهذه النعم ولمن إستقام في أفكاره وأقواله ، سيد كل الأكوان. ، لا يكافىء المحسن فحسب بل يعاقب المسيء أيضا”[44]

کما تكونت في عهد زرادشت “طبقة الروحانيين”[45] وذلك عندما اجتاحت الزرادشتية الأقاليم الغربية مثل ميديا وفارس وقد اعتمدت هذه الطبقة على كل ما هو روحاني متعلق بالجوانب التعبدية مثل الطهارة والمراسم الدينية وطقوس دفن موتاهم وغيرها من الأفعال الروحية.

وتذكر بعض الأخبار والمرويات أنه لما بلغ زرادشت الثلاثین من عمره ولمّا وصل نهر “دايتي” بأذربيجان إعترته ” تأملات روحية وفكرية وغمرته نشوة نفسية عظيمة و ملأت ذاته نورا وهاجا وبعد هذه اللحظات الروحية المؤثرة في زرادشت إذ به يرى كائنا نورانيا يقترب منه وكأنه عمود من نور حجمه تسعة أمثال حجم الإنسان[46] .

وقد أعلم هذا الكائن الغريب زرادشت بأنه ” فاهومانا ” أي كبير الملائكة جاء ليقوده إلى الملإ الأعلى ليحظى بشرف المثول لدى آهو را مازدا ثم أمره بأن يخلع ملابسه ، وبعد فترة من الوقت وجد زرادشت نفسه لدى الإله الأكبر ” يحيط به ضياء ساطع وهناك تلقي عن الإله الأكبر كلمات الحق والعدالة وتعلم أسرار الوحي وأستمع إلى أمر النبوة[47] وقد تكررت هذه التجربة ثلاث مرات فراح النبي يبحث عن النفوس الظاهرة والمستعدة لتلقي أسرار الوحي ونشر الرسالة الروحية في جميع أنحاء فارس و أذربيجان والبلقان ويستعد في نفس الوقت لمحاربة أعداء الدين الجديد والزائغين عن الرسالة الجديدة والقضاء على شرور أهرامان.

إن الحديث عن مظاهر المتخيل والتاريخي في شخصية النبي زرادشت و تداخل هذان العنصران إنما غايته أبعد من محاولة فهم التصورات المختلفة لنبي الإيرانيين القدامى وعقد مقارنات بين من يعتبره من المتخيل ومن يعتبره من صلب الواقع وصنع التاريخ وتطوراته بل محاولة للتوقف عندما يثوي في نسق تكون العقيدة في والطقوس، في البنية التجريدية للفكر الميثولوجي وفي مستوى “منطق” الدين في ذاته باعتبار أنه لا يمكن الحديث عن قضايا روحية أو دينية إلا وكانت من صنع نبي أو مبشر بديانة جديدة ، فالتداخل أو التباين من ظواهر الأديان والأشياء داخل كل ثقافة بل إن التجريد القصي صلب النبي زرادشت ومحاولة قراءة المواقف المختلفة حوله قد يفضي إلى الكشف عن جوانب مسكوت عنها أو محرم الحديث عنها أو إختلاف الرواة وتباين مصادر نقلهم للخبر، وهذه التصورات حول النبي زرادشت أفرزت أن الإشتغال الواحد أو التصور الرمزي الواحد داخل العقيدة الواحدة قد يبرز أنّه لا تميز ولا تمايز إلا في الذهنية القائمة داخل كل ثقافة إنسانية مهما إختلفت وتميزت عن سابقاتها ومثالنا الديانة الزرادشتية.

خــــاتمــــة عـــامّــــة

إنّ قراءاتنا للأديان و تصوّراتنا للتركيبة العقديّة لهذه الأديان يحيلنا على تطوّر هذه المعتقدات و دورها خاصّة في الشرق القديم في تناسخ الحضارات و الثقافات بين العقائد و الطّقوس و تواصلها عبر وسائل إمّا تاريخيّة مُمَجِّدة أو سياسيّة رافضة لتوجّه ما أو مغلبة لموقف على موقف آخر ترى أنّه غير جليّ لأغلب باحثي الأديان..

و بالعودة إلى بعض الكتب المعاصرة و الكتّاب المحدثون لاحظنا و في اعتنائهم بزرادشت أنّهم أضفوا على “نبيّ الإيرانيّين القدامى” صُنُوفا من الإجلال و ضروبا من التقديس كادت هذه الصّفات الأسطوريّة أن تسمو به إلى منزلة الأنبياء السابقين مثل موسى و عيسى و غيرهم.. كما زعمت بعض المراجع المختصّة في المقارنة بين الأديان أنّ زرادشت هو إبراهيم الخليل ربّما لأنّهما تواجدا في نفس المكان تقريبا لكنّهما ليسا من نفس الفترة وهو ما يستبعد هذا التصوّر و يدحضه..

لقد اضطربت حوله الآراء و الأفكار و اختلط الواقعيّ – التاريخيّ بالأسطوريّ – الخياليّ و انتقلت سيرته من الخلف إلى السّلف و كان كلّ باحث يضيف إلى تاريخ زرادشت ما شاء أن يضيف و ينقص أو يعدّل ما شاء أن ينقص حتّى ذاع صيته و تضخّمت أخباره و اختلط فيها الواقعي بالأسطوري وهو ما جعل من هذه الشخصيّة مُكتسبة لخصائص بطوليّة تختلف عن غيرها من الأنبياء…

وهذا الإختلاف بين الباحثين والرواة في نقل صورة لسيرة النبي زرادشت بين مكوناتها التاريخية وتركيبتها الأسطورية يعود أساسا إلى صعوبة ترجمة اللغة البهلوية التي كتب بها كتابهم المقدس “الأفستا ” خاصة وأنها لم تكن متداولة ومعروفة في المنطقة القديمة لإيران  وتذكر في محاضن تواجد الزاردشتيين أتباع هذا النبي وهو ما يمثل عائقا علميا ومعرفيا حال دون تحديد هويّة زرادشت تحديدا دقيقا أو حتى الوقوف على بعض ملامح شخصيته إلا في مواضع نسبيّة.

وممّا يزيد في استعصاء هذا البحث عن الإلمام بشخصية زرادشت أنّ مخبريه لم يتّبعوا خطّا تاريخيا واحدا أو مصدرا علميا واحدا بل أنهم خضعوا إلى التباين  والتغيّر كتغير الأديان والثقافات لأنّ الجامع بينهم اثناء التقصّي والتحري هي ثقافة المشافهة في البداية ثم ثقافة التدوين  في مرحلة ثانية وصولا إلى ما توفّره ذاكرة الشعوب والكتب المقدسة من مادة تاريخية أحيانا وأسطورية أحيانا أخرى.

وهذه الإرهاصات الغير ثابتة تخبرنا عن أنّ تاريخ الأديان على إختلاف ميولاتها وتوجهاتها هو تاريخ الأتباع والمريدين والأنصار أي الذين آمنوا بما جاؤوا به من أخبار وما أجتهدوا في سبيل نشره وتلقينه بل وتدوينه رغم ما فيه من متخيل وتاريخي في آن.

إنّ هذه الدراسات والبحوث المتعلقة بالنبي زرادشت تطرح قضية “الغيرية ” وكيفية تصوّرها الميثي والتاريخي، إذ تنظر  كل ديانة إلى ديانة أخرى مجاورة أو سابقة لها نظرة إستعلائية بدعوى أنها تمثل المركز أو الأصل أو أنها الأسبق في التاريخ فيصعب دراسة ” الاخر” وأعتباره يمثل “الهامش” أو “الفرع ” في حين أنّ التقصي الموضوعي يكشف عن تواصل الأديان وإستنساخها فلا تميّز ولا تمايز بين العقائد والرموز إلا في الذهنية القائمة داخل كل ثقافة إنسانية مهما إختلفت وتميزت عن سابقاتها…

المصـــادر و المــراجــع

1) المصادر باللغة العربيّة :

أ- الكتب المقدّسة :

– الأفستا : الكتاب المقدّس للزرادشتيين، تر خليل عبد الرحمان مطبعة روافد للثقافة و الفنون، دمشق، ط2/ 2008.

– العهد القديم : سفر أرميا

– القرآن الكريم

ب- الكتب العربيّة:

– الأصفهاني (أبو الفرج) : دلائل النبوّة، دار سويدات، بيروت، ط1، 1984.

– الشهرستاني (أبو الفتح) : الملل و النحل، دار الثقافة للطباعة و النشر، بيروت، ط1، 1991.

– طه (باقر) : مقدّمة في تاريخ الحضارات القديمة، مطبعة بغداد، ط1، 1985.

– القرماني (أحمد بن يوسف) : أخبار الدول و آثار الأوّل في التاريخ، تح فهمي سعد، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1992.

– رَضي (جواد) : تاريخ الشرق الأدنى القديم، إيران و الأناضول، مطبعة بغداد، ط1، 1985.

ج- المراجع العربيّة :

– نوري إسماعيل : الديانة الزرادشتيّة، منشورات علاء الدّين دمشق، ط1، 1999.

– حامد عبد القادر : زرادشت الحكيم، مركز الإنماء الحضاري للطباعة و النشر، بيروت، ط1، 2006.

– جمشيد اليوسفي : الزرادشتية، الديانة و الطقوس و التحوّلات اللاحقة بناء على نصوص الأفستا، منشورات زين للنشر، بيروت، ط1، 2012.

– مراد عبّاس : العقيدة و القانون في فلسفة زرادشت تموز للطباعة و النشر و التوزيع، دمشق، ط1، 2011.

– محمد غانم : الزرادشتيّة تاريخا و عقيدة و شريعة، دار خطوات النشر و التوزيع، سوريا، ط1، 2006.

– مرسيا إلياد : المقدّس و الدنيوي، تر نهاد خياطة، العربي للطباعة و النشر و التوزيع، دمشق، ط1، 1987.

– بهمن سوراجي : الديانة الزرادشتيّة، تر توفيق الحسيني، مطبعة لورين، دمشق، ط1، 1996.

– شارل فيليب : المجوسية الزرادشتيّة، تر سهيل زكار دار التكوين للطباعة و النشر، دمشق، ط2، 2009.

– إحسان شاطر : الأساطير الإيرانيّة القديمة، تر صادق نشأت، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط1، 1965.

– صلاح السعيد : طقوس و عقائد ما بعد الموت، تموز للطباعة و النشر، دمشق، ط1، 2011.

– مظهر (سليمان) : قصّة الدّيانات، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 1995.

– النجّار (عبد الوهاب) : قصص الأنبياء، دار ابن كثير للطباعة و النشر، بيروت، ط4، 2002.

– كريستنسن (آرثر) : إيران في عهد الساسانيين، تر يحيى خشّاب، دار النهضة العربيّة للطباعة و النشر، بيروت، ط1، 1946.

د- المعاجم العربيّة :

[1]   التهانوي ( محمد علي ): كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ، تح رفيق العجم مكتبة لبنان بيروت ،ط 1 ، 1996

– الحموي (ياقوت) : معجم البلدان، دار صادر بيروت، ج3، ط2، 1988.

هـ- مراجع باللغة الأعجميّة :

– Boyace Mary, Zorostrians : Their religious beliefs and practices, London, 1990.

– R.Caillois : L’homme et le sacré; Gallimard, Paris, 1950.

– Jean Varenne : Zoroastre, le prophète de l’islam, éd Dervy, Paris, 2006.

– Eliade (Mercia) : Image et symboles, Gallimard, Paris, 1979.

-Sell (Stiven) : traité d’histoire des religions, Gallimard, Paris, 1983.

– Olmsted (A.T) : history of the Persian Empire, Chicago, 1943.

ر- المراجع الألكترونية :

http://skandarssad.com/temp/info.15-2-htm

www.search.ask.com

[1]   وهي أذربيجان   http://skandarssad.com/temp/info.15-12.htm

[2]  وهي واحدة من مجموع أربع سلالات عاشت في إيران القديمة أي “البشداديّة و الكيانيّة و الأشكاليّة و السّاسانيّة”. (www.search.ask.com)

[3]  مثل ابن كثير : الكامل في التّاريخ، ج1، ص 258. و البيروني : الآثار الباقية عن القرون الخالية، ص 207.

[4]  القرماني (أحمد بن يوسف) : أخبار الدّول و آثار الأولى في التّاريخ، تح فهمي سعد، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1992، ص 134.

[5] Olmsted (A.T), History of the Persian Empire, Chicago, 1943,p 94.

[6]  الشهرستاني (أبو الفتح) : الملل و النحل، دار الثقافة للطباعة و النشر، بيروت، ط1، ج1، 1991، ص 236.

[7]  رضي (جواد) : تاريخ الشرق الأدنى القديم، إيران و الأناضول، مطبعة بغداد، ط1، 1985، ص 110.

[8]  العهد القديم، سِفر أرميا، الآية 24.

[9][9]  طه (باقر) : مقدّمة في تاريخ الحضارات القديمة، بغداد، ط1، 1956، ص 429.

[10]  وهي أرواح خيّرة ترشد البشر إلى الخير و السّعادة.

[11]  نوري إسماعيل : الدّيانة الزرادشتيّة، م س، ص 10.

[12]  ياقوت الحموي : معجم البلدان، دار صادر، بيروت، ج3، ط2، 1988، ص 279.

[13]  Glibert Durand : l’imagination symbolique, quadrige Presses Universitaire de France, 1993, p89

[14]   التهانوي ( محمد علي ): كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ، تح رفيق العجم مكتبة لبنان بيروت ،ط 1 1996، ص240

[15]  أركون ( محمد ) : الإسلام ، الأخلاق والسياسة ، ص 9.

[16]  م  ن . ص 10

[17]  أركون ( محمد ) : المنهجية المعاصرة والفكر الإسلامي، ص 36.

[18]  م  ن . ص 148

[19]  إلياد ( مرسيا ): بنية الأساطير ، ص 78

[20]   Lévi strauss (Claude) : Anthropologie structurale, plan, Paris , 1974 , P 230

[21]  أركون ( محمد ): المنهجية المعاصرة والفكر الإسلامي ، ص 24.

[22]  جابر (محمّد) : في العقائد و الأديان، ص 164.

[23]  عبد القادر (حامد) : زرادشت الحكيم، مركز الإنماء الحضاري، القاهرة، ط1، 2006، ص 34.

[24]  م.ن، ص 30.

[25]  نوري إسماعيل : الدّيانة الزرادشتيّة، م.ن، ص 35.

[26]  زرادشت الحكيم : م.س، ص 35.

[27]  م.ن، ص 37.

[28] Varenne (Jean) : Zoroastre, le prophète de l’Iran, éd.Dervy, Paris, 2006, P 115.

[29] الشهرستاني (أبو الفتح) : الملل و النحل، دار الثقافة للطباعة و النشر، بيروت، ط1، 1991، ص 195.

[30]  الأصفهاني (أبو الفرج) : دلائل النبوّة دار سويدات، بيروت، ط1، 1984، ص 125.

[31]  Eliade (Mercia) : Image et symboles, Gallimard, Paris, 1979, P 132.

[32]  زرادشت الحكيم، م.س، ص 39.

[33]  مظهر (سليمان) : قصّة الدّيانات، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 1995، ص 288.

[34]  م.ن، ص 135.

[35]  م.ن، ص 136.

[36]   م.ن، ص 140.

[37]  النجّار (عبد الوهّاب) : قصص الأنبياء، دار ابن كثير للطباعة و النشر، بيروت، ط4، 2002، ص 105.

[38]  كريستنسن (آرثر) : إيران في عهد الساسانيّين، تريحين خشّاب، دار النهضة العربيّة للطباعة و النشر، بيروت، ط1، 1946، ص 112.

[39]  اليوسفي (جمشيد) : الزرادشتيّة الدّيانة و الطقوس و التحوّلات اللاّحقة بناء على نصوص الأفستا، منشورا زين للنشر، بيروت، ط1، 2012، ص 180.

[40]  سوراجي (بهمن) : الدّيانة الزرادشتيّة، تر توفيق الحسيني، مطبعة بورين، دمشق، ط1، 1996، ص 106.

[41] Sell (Stoven) : trait » d’histoire des religions, Gallimard, Paris, 1983.

[42]  R.Caillois : l’homme et le scré, Gallimard, Paris, 1960, P 145.

[43]  الزرادشيتة ، الديانة والطقوس والتحولات اللاحقة بناء على نصوص الأفستا، م. س. ص 57 –

[44]  الأفستا، ترخليل عبد الرحمان ، مطبعة روافد للثقافة والفنون، ، دمشق ، ط 22 ، 2008 ، ص 305

[45] يُطلق عليهم في اللغة البهلوية” “آثروان ” وفي العربية “المغاني”.

[46]  زرادشت الحکیم ، م (س)، ص 45

[47]  م.س.ص 47

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى