درس للتاريخ في ظل الحرب الاسرائيلية -الإيرانية
بقلم : هاني الحديثي – المركز الديمقراطي العربي – ألمانيا – برلين
الدرس الاول الممكن استنتاجه في هذه التمثيلية(الحرب الاسرائيلية -الإيرانية ) أو لنقل (المسرحية ) الهزلية وفق وصف الخبراء الاستراتيجيين ان ايران بمنهجها ومشروعها الشرق أوسطي وفق مبدأ تصدير الثورة بمراحل تطبيقه منذ 1978 تشكل مشروعا اقليميا خطيرا على مشرق الوطن العربي بعد ازاحة المشاريع القومية من الطريق كما تأكد ذلك على ارض الواقع موازي للخطر الاسرائيلي ومشروعها لشرق اوسط جديد .
وان بعض الأصوات (النشاز ) التي ذهبت بخيالها الواسع التابع الى الاعتقاد بأن ايران بنظامها الحالي تشكل دعامة للمشروع العربي الحالم يجب تأييده والوقوف الى جانبه دون اعتبار لما تحقق على ارض الواقع في عموم المشرق العربي وبخاصة في فلسطين وغزة فضلا عن سوريا والعراق ولبنان انما تسبح في بحر (المشروع الفارسي )عن قصد او بدونه وان اتخذت لنفسها أغطية وطنية او عربية او إسلامية لاتختلف قطعا عن أغطية الأذرع الإيرانية وهي ترفع شعار المقاومة الإسلامية بذات الوقت الذي ترتكب أبشع الفضاعات الدموية أينما تواجدت في الدول العربية في المحيط العربي الاقليمي لكل من اسرائيل و ايران دون ان تصيب مواطنا اسرائيليا بخدش في صواريخها البلاستيكية .
وهي (الأصوات الإعلامية ) بذلك تبرر دعم الأذرع الإيرانية في ارتكاب مجازر الإبادة وتدمير اركان الدول الوطنية التي شهدتها بلدان مركزية في المشرق العربي كما في العراق وسوريا( سابقا) واليمن ولبنان. من يعتقد ان ايران انتصرت او ان الكيان الاسرائيلي انتصر عليه ان يتأمل جيدا خطة وقف اطلاق النار ؛تتوقف ايران عن إطلاق النار اولا ثم تتبعها اسرائيل بعد مرور 12 ساعة !!! اليس في ذلك مايثير الانتباه بانه حالة لم تشهدها حروب العالم التي استدعت قرارا يتفق عليه بايقاف إطلاق النار من نقطة الصفر؟
النتيجة الواضحة حتى الان هو مشهد توازن الردع النسبي بين المشروعين وعلى حساب نضوج وظهور المشروع الاقليمي العربي . لذلك تبدو المعادلة كما يأتي :إبقاء العالم العربي بين مطرقة وسندان ايران واسرائيل رغم الضرر الذي اصاب الطرفين . بمعنى ان الحرب (الفضائية)خرجت بنتيجة نسبية (لاغالب ولا مغلوب) رغم منح الأرجحية لاسرائيل وفق ماتقدم .
المثير للتأمل فيما شاهدنا وطالعنا وقرأنا وتفاعلنا ان الرؤى (لمسرحية الحرب )تختلف تماما بين مثقفي العرب بين من يعيشون مآسي المشروعين الصفوي والصهيوني على ارض الواقع ،ومن ينظرون لها بمنظار من هو جالس في كوكب آخر حين يستفز جراحات الملايين من ضحايا الشهداء والنازحين والمهجرين على يد ايران وحرسها الثوري وأذرعها القذرة التي أنهت أسس الدولة الوطنية في أربعة بلدان عربية مشرقية وحولتها الى ضيع تابعة على حساب مصالح شعوبها العربية ، وتهدد بلدان عربية أخرى ذهبت للحماية الأمريكية مقابل ترليونات الدولارات وفق سياسة صفقات ترامب ، وكأن ذلك لايعني عندهم شي يستحق الاهتمام وتحت شعار مركزية القضية الفلسطينية دون شعور منهم ان في ذلك إساءة كبيرة للقضية الفلسطينية عبر إهمال القوى الأساسية الفاعلة فيها و دون ادنى احترام لهم حين يصطف الى جانب احد المشروعين بعين حولاء تغض النظر عن الطرف الاخر بل تعتبره بغبائها المطلق (وربما عن وعي عقائدي ) مساندا للمشروع القومي العربي بذات المستوى الذي يعتبر المطبعين مع الكيان الاسرائيلي انه فرصة متاحة لسلام دائم وشامل مع كيان لايعترف بالحدود الوطنية لهذه البلدان .
وأعتقد ان هذا ان كان جائزا بشكل عام ضمن الانقسام العربي المألوف في تعدد الاصطفافات وتناقضها ،فانه لايجوز على ساحة مراكز البحث والمعاهد المعنية بقضايا المشروع العربي مبدأ ومنهجا يمكن الرأي والرأي الاخر النقاش في المنهج الافضل للتحقيق وليس الخروج عن المبدأ .
كذلك في هذا المجال نشير إلى واقع الغياب المطلق والتراجع المريع لتاثير المنظمات الدولية ومنها الامم المتحدة وعجزها الشامل عن معالجة قضايا تهدد السلم والامن الدوليين تاركة الأمر بالمطلق لابطال المسرحية بين صفقات ترامب وبوتين والتي بدت واضحة في اجتماع موسكو بين بوتين و عراقجي التي انتهت بايصال رسالة لايران أدت إلى مسرحية اكثر هزلا وهي مسرحية استهداف قاعدة عيديد في قطر وباتفاق مسبق بين ايران وأمريكا وقطر تتماثل تماما مع مسرحية تدمير المفاعلات النووية الإيرانية بعد اخطار مسبق لايران من قبل اسرائيل وأمريكا عبر الوسطاء (الإخوة الاعداء) و التي اتخذت تحت عيون الاستكشاف والرقابة للأقمار الصناعية إجراءات إخلاء مواقع التخصيب من المواد والتجهيزات بعدة ايام ونقلها إلى مناطق آمنة!!!لتنتهي بمشهد لايختلف عن الاحتفال برأس السنة في إطلاق طراقات الجو الاحتفالية لتكون غطاءا لايران في إعلان انتهاء المهمة والموافقة على وقف اطلاق النار وفق إرادة وقرار ترامب مترافقة في ذلك ان تكون قطر المستهدفة(الصديق والشقيق المعتدى عليه ) في (العدوان الإيراني )هي المعتدى عليها وهي الشقيق والصديق الوسيط بذات الوقت بين اسرائيل وايران وترامب !!!
وهو امر يذكرنا بسرعة بالدور الذي تلعبه قطر في الوساطات الفاعلة بين اسرائيل وحماس فضلا عن دورها في إيصال المبالغ السنوية المتفق عليها لحكومة حماس من خلال اسرائيل حتى قبل ثلاثة ايام مما أطلق عليه يوم الطوفان في السابع من اكتوبر والذي تحول فعلا إلى طوفان إيراني -اسرائيلي يبدو ممنهجا على عموم العالم العربي المشرقي بشكل مباشر !!!! اما الحكومات العربية فإنها راحت تتأرجح بين ادانة الاعتداء الاسرائيلي على ايران أولا ثم ادانة الاعتداء الإيراني على قطر ، وهي إدانات لايختلف تأثيرها( الفضائي ) عن الادانات والاستنكار لجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها اسرائيل في غزة على مدار سنة ونصف وتبدي استعدادها لبذل الجهود المباركة و التي لم تفلح في إيصال رغيف الخبز لضحايا غزة الذين وجدوا في مشاعل الصواريخ العابرة لأجوائهم باتجاه تل ابيب فسحة امل وفرح كاذب لشعب ينتظر فقط ادخال المساعدات له كي يستطيع الاستمرار بالحياة .
يالها من مهزلة في عالم صار العرب فيه نموذجا للمسرحيات الهزلية . النتيجة الأولية لهذه القراءة التي تتضمن توصيات ضمنية واضحة ،ان وزير المالية الاسرائيلي يعرف مايريد وممن يريد حقا حين يطالب بلدان في الخليج اعادة إعمار ماتم تدميره في اسرائيل بصواريخ إيرانية ، اما ايران فإنها ايضا تعرف من سيقوم بتعويضها وخزائن بلد عربي مفتوحة لها بالاصل خاصة بعد اتصال معها من رفيع المستوى بها ليؤكد لها ان الحكومة على أتم الاستعداد لدعم ايران والوقوف معها بكل ماتحتاجه . خلاصة ماتقدم ذلك يعني ان تقاسم النفوذ على بلدان العالم العربي بين المشروعين الصفوي والصهيوني هو الخيار المؤهل للبقاء مالم يحصل متغير جوهري عبر المفاوضات التي ستلحق قرار وقف الحرب بين الأمريكان وايران للاتفاق على خارطة طريق ربما ترسي التوافق على مناطق النفوذ في مشرق العالم العربي تحديدا هي المركز الجيواستراتيجي للطاقة وطرق التجارة وهو المترافق مع الانفتاح الإيراني على ماتقدم من استثمارات واسعة النطاق للشركات الأمريكية في ايران بمليارات الدولارات تضع ايران منطقة تلاقي استراتيجيات الغرب مع استراتيجيات الشرق كبديل منطقي للصراع المحتدم على مناطق النفوذ بين الولايات المتحدة وحلفاؤها من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى . وان المشروع الشرق أوسطي لايستثني الدور الإيراني فيه في جميع الأحوال لقد ختمها ترامب بالدعاء (اللهم بارك في ايران واسرائيل ) يالها من مسرحية لاتنطلي خفاياها إلا على اصحاب الغرض



