من هم أكبر المستفيدين من رفع العقوبات عن إيران ؟
-المركز الديمقراطي العربي
عمّ الابتهاج مبنى البرلمان الإيراني إثر إعلان رفع العقوبات الدولية عن إيران في حين تدافع المؤيدون في الخارج لطبع القبلات على جبين وزير الخارجية محمد جواد ظريف والتقاط صور “سيلفي” معه.
وبالنسبة لسياسي براجماتي مثل ظريف يُعدّ إبرام الاتفاق النووي الذي أعاد ربط إيران بالعالم نصرا على الفصائل المنافسة في الداخل مثلما كان انقلابا دبلوماسيا في الخارج.
ولكن في اليوم الذي كان يفترض فيه رفع العقوبات الدولية القاسية عن إيران، افتتح التلفزيون الرسمي برنامجه الإخباري الصباحي بتقرير حول تطعيمات الأطفال، ولم ينزل إلى شوارع طهران شباب يلوحون بالعلم الإيراني، أو ينشدون احتفالاً بالمناسبة، بل مرت ساعة الذروة في أطراف المدينة، يوم أمس السبت، على طبيعتها كأي يوم عمل عادي.
وبالتالي، عكس الاستقبال الفاتر ليوم تطبيق الاتفاقية النووية، والذي بموجبه ستتمكن إيران من الانضمام إلى الاقتصاد العالمي، خيبات أمل مضاعفة بسبب الوعود الكاذبة التي خبرها الإيرانيون طوال عامين من المفاوضات، ففي حين تحدثت الحكومة عن الصفقة بوصفها ستحسن أحوال الشعب، توقع قلة من الإيرانيين أن يطرأ أي تطور على معيشتهم، بحسب ما أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
قال جاي سولومون في تقرير له في صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، إن:”المتشددين في إيران أكثر المستفيدين على ما يبدو من الاتفاق النووي الإيراني حتى الآن”.
ووصف الرئيس الايراني ,حسن روحاني صف الصفقة النووية بعبارة “الفائدة للجميع أو المكاسب المتبادلة”، وذلك بالرغم من كون المحافظين في كل من إيران والولايات المتحدة يقولون إنها عبارة عن ربح وخسارة، مع تحقيق الطرف الآخر الربح.
وفي هذا السياق، قال الخبير المختص في شؤون الشرق الأوسط في معهد المشروع الأميركي لبحوث السياسة العامة مايكل روبن، في تحليل نشرته مجلة “كونتاري” الأمريكية، إنه لايجب استغراب هذه المعلومة، فالجناح الاقتصادي للحرس الثوري، يُسيطرعلى معظم الصناعات التي ستستفيد من تدفق العملة الصعبة والاستثمارات الجديدة.
ولكن مهما تكن نتيجة ذلك الجدال، ستكون إيران بالتأكيد على عتبة بدء بيع نفطها من جديد، وعقد صفقات مالية دولية، إلا أنه مع مسارعة أوروبا وآسيا لنيل حصتهم من تلك الفورة المفاجئة، ستراقب معظم الشركات الأمريكية ما يجري، دون مساهمة فعلية.
وأشار مايكل روبن إلى سابقة مماثلة “فبين 1999 و2005، تضاعفت تجارة الاتحاد الأوروبي مع إيران ثلاث مرات تقريباُ، وتضاعف سعر النفط خمس مرات. فما كانت النتيجة؟ استثمرت إيران نحو 70% من عائداتها الإضافية من العملة الصعبة، في البرامج النووية والصاروخية السرية آنذاك، البرامج التي نُسّقت تحت إشراف رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي يومها، حسن روحاني، الرجل الذي يتخيل الرئيس أوباما أنه من الإصلاحيين”.
وعند التوصل إلى”خطة العمل المشترك الشاملة” كان رد الفعل العام للإيرانيين العاديين باهتاً، ولم يقترب من مستوى تحمس الجماهير التي تدفقت إلى الشوارع عند انتخاب الرئيس السابق محمد خاتمي.
أما أولئك الذين ردّدوا خلاف ذلك مثل”المجلس الوطني الإيراني الأمريكي، فكانوا يعملون أبواق دعاية لتضخيم اتجاه طهران وموقفها.
إن شهية إيران للاستثمارات والصادرات تذهب لأبعد من صناعتها للنفط والغاز، وذلك بالرغم من تأكيد مسؤولين إيرانيين بأنهم بحاجة لما يقل عن 150 مليار دولار، وربما أكثر من أجل مواصلة تدفق النفط الخام خلال العقود المقبلة، حيث قال سعيد ليلاز، الاقتصادي المقرب من حكومة روحاني: “نحن بحاجة لكل شيء، لمئات الطائرات ولموانئ جديدة، ولتحديث بنتنا التحتية”.
وكما تشير نيويورك تايمز، لن تشارك شركات أمريكية في مشاريع إيرانية لأن عقوبات يعود تاريخها إلى عام 1984، عندما كانت إيران تعد دولة راعية للإرهاب، ستجبرهم على العمل من خلال شركات فرعية، وربما ينتظرون لحين انتخاب رئيس أمريكي جديد ليروا من سيكون فعلياً الفائز من الصفقة النووية.
ولا يشعر الشعب الإيراني بالسعادة في ظلّ الجمهورية الاسلامية، ورغم أن مُعظم الإيرانيين غير ثوريين، إلا أنهم تلقوا وعداً بديمقراطية إسلامية في أعقاب ثورة 1979.
وبدلاً من ذلك، دخلت البلاد في حرب، أدت إلى مقتل ما يصل إلى مليون شخص. وعانت إيران من التقلبات والاضطرابات على مر السنين، واندلعت الاحتجاجات الطلابية في 1999، وأعمال الشغب المصاحب للانسحاب من التأهل لكأس العالم2002، واضطرابات ما بعد الانتخابات عام 2009 .
ووجه الكاتب سؤالاً للإدارة الأمريكية القادمة قائلاً: بغض النظر عن الحزب الفائز، وفي حال انتفاضة الشعب الإيراني من جديد بسبب خيبة آماله في الإصلاح والديمقراطية، هل سيبقى البيت الأبيض متفرجاً كما فعل الرئيس أوباما في 2009؟
أم أنه سيقدم يد المساعدة الأخلاقية والمزيد من الدعم للشعب الإيراني لتحقيق الحرية التي حُرم منها بسبب تعاقب الحكام المستبدين، والمصالح الدولية على مر السنين؟
وأكد الكاتب ضرورة مناقشة هذه الفرضية من قبل كل مترشح أمريكي رئيسي للرئاسة، لأنها تمنحنا نظرةً أعمق لفهم أهمية الأخلاق في السياسة الخارجية، ومفهوم المصالح الأمريكية، وفي الوقت نفسه، سيكون من المفيد وضعهم أمام احتمالات مواجهة هذا السيناريو أثناء حُكمهم.
وربما يؤدي الاتفاق الجديد إلى ارتفاع كبير في التوقعات التي سيعجز النظام الإيراني عن تلبيتها، وذلك خاصة بسبب المزيج الضار من تراجع عائدات النفط، والتضخم الناجم عن حصول إيران على 100 مليار دولار عن أصولها المتجمدة، رغم أن هذه الأموال لن تشق طريقها إلى جيوب الإيرانيين العاديين.
ولكن ومع رفع العقوبات أخيرا يتعين على الإيرانيين أن يتجهوا سريعا لإنجاز المهمة الصعبة المتمثلة في إعادة بناء اقتصاد عانى من الضربات حتى بعد أن تم التوصل إلى الاتفاق النووي في يوليو تموز.
وسوف تحصل إيران على الفور على الأموال اللازمة لسداد فاتورة الواردات مع حصول الحكومة على عشرات المليارات من الدولارات التي كانت مجمدة في الخارج. غير أن الشركات الأجنبية قد تتردد في الاستثمار بشكل كبير في سوق ما زالت تنطوي على الكثير من المخاطر.
أما المعارضون للاتفاق النووي الذين يمثلون شريحة كبيرة في ايران فقد احتفظوا بمواقفهم. ولم تتخذ الصحف التي تتبع نهجا متشددا ولا تؤيد الاتفاق بسبب الشكوك العميقة حيال النوايا الأمريكية موقفا قويا ربما للتركيز على الصراع الداخلي المرير على السلطة الذي يرجح أن يشتد بعد الاتفاق.