الحوكمة: مسار صحيح لعلاقة الدولة والمجتمعات المحلية بعد الثورات
إعداد الباحث : محمد عبدالهادى
-المركز الديمقراطي العربي
فهرس المحتويات:
الموضوع | الصفحات |
المقدمة | 3 – 4 |
مفهوم الحوكمة | 4 – 6 |
أبعاد الحوكمة | 6 |
علاقة مفهوم الحوكمة بالمفاهيم الأخرى ذات الصلة | 6 – 10 |
متطلبات الحوكمة والتمكين المتبادل بين الدولة والمجتمعات المحلية فى مصر | 10 – 15 |
مستقبل علاقة الدولة والمجتمعات المحلية فى مصر فى ضوء الحوكمة | 15 – 18 |
الخاتمة | 18 – 19 |
إن حالة تطبيقات الحوكمة تحمل فهماً لعملية الحكم وإدارة شؤون الدولة والمجتمع بطريقة جيدة والسير بها نحو بناء مجتمع المؤسسية والمواطنة الفعالة، من خلال ترسيخ المضامين الرشيدة لمسار الحكم والإدارة والممارسات المنضبطة عبر صياغة السياسات والبرامج وبناء الاستراتيجيات والسلوك الإدارى والتنظيمى سواء على مستوى الحكومات أو المنظمات والمؤسسات المجتمعية بمختلف أشكالها وأنواعها، والالتزام بالآليات الحديثة للتعامل مع التطورات البيئية والتكنولوجية وإدارة توقعات المواطنين (المستهلكين/ المستهدفين/ العملاء/ المستفيدين) من الخدمات، وتطوير فاعلية السياسات العامة الحكومية عبر عمليات الصنع والتنفيذ والتقييم لتطال العناية والاهتمام بالتعليم ورفع قدرات القيادات المحلية ونشر العدالة الاجتماعية وتطلعات المجتمع فى الحصول على الخدمات العامة والحاجات المطلوبة فى العيش والأمن ومستقبل الأجيال وغيرها من القضايا المهمة فى المجتمع، وبما يعكس المؤشرات الحقيقية للثقة بين المواطن والحكومة، والقيام بعملية التنمية بوصفها عملية تحويلية لإجراء التطوير المؤسسى الذى يتوافق مع استغلال الموارد المتاحة ويفى باحتياجات المجتمع وتطلعاته المستقبلية.
وهكذا فأن “الحوكمة” أو “الحكم الرشيد” أو “الحكم الجيد” تمثل عقد جديد[1] أو اختيار صحيح بالنسبة للحكومة وللإدارة للتحول فى عملية الحكم من الفردية والاستبداد إلى الديمقراطية التشاركية والقيم المجتمعية الإيجابية.
وفى هذا الإطار تسعى هذه الورقة لمناقشة مفهوم الحوكمة، وأبعادها، وعلاقة المفهوم بالمفاهيم الأخرى ذات الصلة، ومتطلبات الوصول إلى الحكم الرشيد فى مصر فى ضوء بعض الخبرات الدولية والتحول فى دور الدولة ووظائفها فى الاقتصاد وفى وضع الخطط والسياسات وفى السياسة والأمن الإنسانى والأمن وإنفاذ القانون وحماية حقوق الإنسان، وصولا إلى تقديم تصور حول مستقبل الحوكمة والعلاقة بين الدولة والمجتمعات المحلية فى مصر، وطرح تصور لبرنامج تطبيقى للحوكمة يساهم فى التنمية المحلية والمستدامة.
تتمثل منهجية الدراسة فى اقتراب “العملية” الذى يتضمن طرح استراتيجية للتحول المجتمعى بمعناه الأشمل على الصعيدين الاقتصادى والسياسى، قوامها تأسيس علاقة تعاون بين الدولة والمجتمع بمؤسساته. ويأتى مفهوم “التمكين المتبادل” باعتباره مفهوما محوريا فى هذا الاقتراب البحثى؛ وأهم مقولاته تتركز فيما يلى[2]:
- إن المجتمع هو فاعل ومحدد رئيس فى عملية التحول.
- إن الدولة هى أيضا فاعل ومحدد فى نفس تلك العملية.
- إن ثمة علاقة تفاعل وتأثير متبادل بين الدولة والمجتمع، وتلك هى المحدد الرئيس فى تلك العملية، بحيث؛ أن قدرة الدولة على انجاز التحول تزداد ما دام المجتمع فى عونها، وتعتمد الدولة على مشاركته وانتهاج الأساليب اللامركزية لتطبيق سياسات التنمية المرجوة.
مفهوم الحوكمة
- قراءة فى الأدبيات الغربية والعربية للحوكمة[3]
تفاوتت مفاهيم الحوكمة بتفاوت وتعدد الجهات التى تناولتها بالتحليل، فقد زاد الاهتمام بالموضوع منذ بادر البنك الدولى فى نهاية الثمانينات من القرن الماضى بطرح المصطلح كمفهوم جديد يتجاوز حدود الحكومات إلى أطر إدارة شئون الدولة والمجتمع. وقد ساهمت فى بلورة المفهوم المنظمات الدولية التى تدعم سياسات التنمية وعلى رأسها منظمات الأمم المتحدة وكذلك العديد من المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى ومؤخرا شبكة المساءلة الاجتماعية فى العالم العربى “أنسا” فضلا عن الميراث الأكاديمى وفى مصر مركز الحوكمة بوزارة التنمية الإدارية، ونمو الاهتمام بالجوانب المؤسسية فى المجال الاقتصادى والتنموى إلى جانب سياسات النمو الاقتصادى ومطالب العدالة الاجتماعية وتحسين الخدمة المدنية.
وتخلط كثير من أدبيات الحوكمة بين قيم ومبادئ الحوكمة وبين هياكل وعمليات الحوكمة وتتجاهل فى أغلبها الخصوصية السياقية والثقافية والاجتماعية للمفهوم.
وقدمت الأدبيات الغربية والعربية أكثر من تصنيف لتعريفات مفهوم الحوكمة منها ما هو تقليدى وآخر حديث. فالتعريفات التقليدية؛ هى التعريفات التى تولى أهمية للجانب الإستاتيكى للحكم الرشيد كالهياكل الحكومية والمؤسسات السياسية ومن ذلك تعريف الحكم الرشيد بأنه جزء من السياسة والقوة داخل أى مجتمع. أما التعريفات الحديثة فتركز على الجانب الحركى (الديناميكى) للمفهوم وذلك فى اتجاهين؛ أولهما، ينصب على تلك العلاقات التى تربط الدولة بالمجتمع المدنى، وعلاقة الحكام والمحكومين. وثانيهما، يوجه إدارة موارد المجتمع لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وربطت أغلب الأدبيات المعاصرة الصادرة عن المؤسسات الدولية مفهوم الحوكمة بتحقيق التنمية بدعوى أن الحديث عن الحوكمة يعنى حديثا تناول آليات توزيع القيم النادرة، وتوزيع السلطات، وآليات المشاركة والمساءلة فى المجتمع.
وفى كل الحالات تجمع معظم الأدبيات أنه لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة والمتوزانة والعادلة دون تفعيل القيم المتفق عليها للحوكمة وخاصة المساءلة والمحاسبية، وقد أثبتت التجارب التنموية أن زيادة النمو قد يقترن بمعدل بطالة وفقر مرتفع مما يضع شكوكا حول حديث بعض المسئولين الحكوميين عن أن ظواهر البطالة والتضخم أو حتى الفقر ظواهر استثنائية وعارضة. إذ بدا الخلل الأعمق يتمثل فى إدارة تلك السياسات وليست فى السياسات ذاتها.
ولا تطرح أدبيات الحوكمة إستراتيجية محددة المعالم لتغيير الوضع المؤسسى الراهن المراد تغييره للإسراع بعملية إدارة شئون المجتمع والدولة بشكل جيد وإنما تطرح فقط القيم المراد سيادتها بعد مرحلة التحول هذه.
وارتبط مفهوم الحوكمة بالتنمية فى الدول النامية بمفهومى المساءلة والتضامنية اللذين يتقاطعان –عند التحليل- مع العديد من القيم كالمساواة والشفافية والنزاهة وإتاحة المعلومات.
إن نجاح بعض الدول فى إصلاحات الحوكمة يعود إلى تضافر الأطر المؤسسية الرسمية (الإرادة السياسية) والبنى التحتية الثقافية اللازمة لذلك مما يستدعى دائما ربط المفهوم بضرورات نجاحه السياقية، إذ تعد عملية إصلاح المؤسسات والحكم عملية معقدة وصعبة. فهى تنطوى على فهم ومعالجة نطاق واسع من التحديات، ولا يمكن تحقيق الإصلاح بمجرد تغيير الدساتير والقوانين واللوائح التنظيمية، لأن منافعه لن تتحقق بدون التزام قوى ومستدام من جانب القيادة أو بدون إعطاء الشعوب حريتها فى الموافقة عليه.
ويمكن القول بأن الركيزتين المتلازمتين كما أكدت معظم أدبيات الحوكمة لإصلاح الحكم والإدارة هما:
- دولة كفؤة.
- مجتمع مدنى مؤثر.
وعليه فأن برنامج التحول ينبغى أن يتضمن إصلاح جوهر الحكم وتفعيل صوت المواطنين.
- استخلاص وصياغة مفهوم للحوكمة (للباحث)
تعنى الحوكمة (الحكم الرشيد) بحسن إدارة شئون المجتمعات والدول والمؤسسات، ويعد تطبيقها إجراءاً احترازياً أو وقائياً يؤدى إلى تعظيم المخرجات والفوائد -بشرط الالتزام بقواعدها وحسن تطبيقها- للحكومات والمجتمعات والمؤسسات التى تنتهجها، تتمثل أهم هذه الفوائد فى؛ التطوير وزيادة مستويات الجودة والاستمرارية وبما يدعم قيامها بوظائفها بدون خلل، بهذا المعنى تكون الحوكمة ليست غاية وإنما أسلوب إدارة، كما ترتبط الحوكمة ارتباطا وثيق الصلة بتحقيق التنمية المستدامة حيث تعد مطلبا لتحقيق التنمية والأمن الإنسانى على مستوى الدولة ونظامها السياسى.
وتتكون تطبيقات الحكم الرشيد من ثمان مبادئ متراصة ومترابطة أن غاب أحداها انحرفت الإدارة إلى شكل آخر غير سليم، هى: المساءلة، والنزاهة، والعدالة، وتطبيق حكم القانون، والمحاسبية، والرقابة، والمسئولية، والشفافية والإفصاح.
أبعاد الحكم الرشيد
- حسن الإدارة وجدية أسلوب الحكم فى التعامل مع المجتمع وأفراده على أساس من المشاركة.
- وجود أدوات المراقبة والمحاسبية وآليات فعالة وسلمية لاتخاذ القرارات التى تؤثر فى حياة الأفراد.
- الانتقال بفكرة الحكم من الحالة التقليدية إلى الحالة الأكثر تفاعلاً وتكاملاً بين تلك الأركان المشكلة للحكم الرشيد فى المجتمع، وهى الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدنى وذلك لاتمام عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبشرية والهيكلية والقطاعية.
- إدارة المرافق العامة والموارد الطبيعية وفقا لأحكام القانون وحق المواطنين فيها بل وأيضا حق الأجيال القادمة.
- مراعاة حقوق الأفراد والمصالح العامة وتوفير الخدمات الاجتماعية والحاجات الأساسية ومنها، الأمن الغذائى، السكن، وتوافر مصادر الطاقة والمياه النظيفة، وجودة التعليم، الاستقرار الأمنى، الرعاية الصحية، وغيرها من مجالات وقطاعات بحيث يتم تحقيق هذه الامور بطريقة خالية من سوء المعاملة أو الفساد الإدارى.
علاقة مفهوم الحوكمة بالمفاهيم الأخرى ذات الصلة
يتم استعراض في الجزء التالى من الورقة البحثية علاقة الحوكمة بمفاهيم التنمية والعدالة الاجتماعية والسياسات العامة والمجتمع المدنى والإدارة المحلية والنوع الإجتماعى (المرأة والشباب والأشخاص ذوى الإعاقة).
الحوكمة والتنمية
ارتبط المعنى الشامل للتنمية بمفهوم الحكم الرشيد من خلال دعمه بالحرية المدنية والسياسية وتخليص المجتمع من قهر الجوع والمرض والجهل والفقر والخوف ومظاهر الحط من الكرامة الإنسانية[4] من خلال تدبير مصالح المواطنين، والتحلى بمحتوى منظومة حقوق الإنسان وتحقيق مجتمع المواطنة المتعاونة المتكافلة فى تحملها للمسؤولية وتأدية الواجبات، عبر صيانة الحريات والمشاركة الشعبية والمؤسسات العاملة بالشفافية الخاضعة للمساءلة وسيادة القانون وليس للتسلط الفردى.
الحوكمة والعدالة الاجتماعية
يعنى ذلك أن يرتبط النمو بالعدالة التوزيعية وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن وتوفير الخدمات التى تؤدى الى اشباع الحاجات الأساسية للمواطنين والارتقاء بأوضاعهم وتحقيق التنمية المستدامة فى ظل تضافر جهود شركاء التنمية.
ويتطلب ذلك:
- القناعة بأن موارد المجتمع بدون هدر أو فساد قادرة على تمويل التنمية ومجالاتها بمايعنى امتلاك القدرات المادية المطلوبة لذلك.
- وجود قوة مجتمية تدفع عملية التنمية نحو الأمام .
- بقاء القوى المجتمعية حية وفاعلة تحرس حركة المجتمع فى اتجاه تحقيق أهدافه.
الحوكمة والسياسات العامة
يستهدف الحكم الرشيد بناء عملية سليمة لصنع السياسات العامة وتنفيذها وتقييمها وتقويمها، يتضمن:
- مشاركة الأفراد والجماعات فى عملية صنع السياسات العامة.
- شبكة العلاقات والاتصال بين المشاركين بالشكل الذى يصبح فيه الحكم الرشيد أوسع وأشمل من مجرد الحديث عن الحكومة بكونه يشمل الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين ويسمح باستقطاب ماهو عام وخاص وتطوعى بشكل منسجم ومتفاعل.
الحوكمة والإدارة المحلية (سياسات اللامركزية)
تمثل الإدارة المحلية قاعدة لتوسيع المشاركة المجتمعية فى إدارة شئون الدولة والمجتمع (الحكم الرشيد) وكذلك تقريب مؤسسات صنع القرار من المواطنين وزيادة كفاءة الرقابة والمساءلة الشعبية، وتعطى الدولة للتنمية المحلية والتوجه نحو اللامركزية أهمية خاصة، حيث أن؛ التنمية المحلية هى التى تضمن النمو والتوزيع العادل للموارد، وتوسيع خيارات البشر فى العيش فى ظل حياة كريمة، ومشاركة المجتمعات المحلية لتعزيز فرص التنمية المستدامة، والتوسع فى تطبيق اللامركزية مع مراعاة التنوع الواسع فى الأهداف لأفراد المجتمعات المحلية، وهذا يحقق النهوض والارتقاء المجتمعى وتعليم قيم الإنتماء والمساواة والشعور بالمسئولية الاجتماعية التى تحافظ على أمن المجتمع واستقراره، وتمكن المواطنين فى نفس الوقت، ويعد ذلك من أبرز مقاييس نجاح استراتيجيات التنمية على المستوى القومى للدولة.
دور اللامركزية فى تعزيز الحكم الرشيد فى المجتمعات المحلية:
- تحديد أفضل لاحتياجات المواطنين وتحديد مشكلاتهم.
- تحسين مستوى كفاءة إدارة وتشغيل المرافق العامة وزيادة جودة السلع والخدمات للمواطنين وتخفيض النفقات العامة وتوظيف أفضل للموارد.
- تنمية الكوادر الإدارية المحلية.
- تقوية الرقابة وزيادة المساءلة والمحاسبية وتدفق المعلومات والحد من الفساد.
- زيادة مشاركة المواطنين فى صنع السياسات وتقريب مؤسسات صنع القرار المحلى من المواطنين وإتاحة فرصة أكبر للحوار والنقاش والمشاركة.
- زيادة الثقة بين المواطن والحكومة حيث أن السياسات المحلية تتعلق بالمصالح المباشرة للمواطنين (سياسات الحياة اليومية).
الحوكمة والنوع الاجتماعى (المرأة والشباب والأشخاص ذوى الإعاقة) [5]
استنادا إلى كون الحوكمة فى بعض جوانبها على أنها إطار مؤسسى يجسد قيما سياسية تعطى للفرد “القدرة على الاختيار”، وبالتالى خلق وتعزيز الميل إلى السعى والمنافسة وتنمية القدرات لإدارة شئون الدولة والمجتمع. فمن ناحية، من المفترض أن يشرك الحكم الرشيد الأفراد المعنيين كافة وعلى قدم المساواة فى التخطيط والتنفيذ والرقابة، كما لاأن التنمية من ناحية أخرى هى مدخل إلى الحكم الرشيد لأن من شأنها تحقيق المساواة والتمكين للمرأة والشباب والأشخاص ذوى الإعاقة بما يؤهل الجميع للمشاركة على قدم المساواة فى الحكم والإدارة.
الحوكمة والمجتمع المدنى
تعد منظمات المجتمع المدنى رافدا حيويا فى تأمين قيم المواطنة وسلوكيات الدور الاضافى وثقافة العمل التطوعى والنهوض بالانشطة ذات المضامين الاجتماعية وحقوق الانسان بالشكل الذى يجسد المسؤلية الجماعية المشتركة ويعزز من حقيقة كون عملية الحكم إنما تتم فى إطار شبكة من السياسات التى تمثلها مجموعة حيوية من التنظيمات والعلاقات المترابطة مع بعضها البعض وتعمل على تلبية احتياجات المواطنين.
من أبرز مجالات مشاركة منظمات المجتمع المدنى تتمثل فى توسطها للعلاقة بين الفرد والدولة وتعبئة قطاعات من السكان للتأثير على السياسة العامة والتعليم المدنى على المواطنة والديمقراطية ومساعدة الحكومة على تقديدم الخدمات بشكل أفضل وتعميق المساءلة الاجتماعية والسعى والضغط على المؤسسات الحكومية العامة فى سبيل إصدار أنظمة قانونية تصب فى مصلحة المجتمع والمواطنين والتنمية بالشكل الذى ينتج شكلا إيجابيا للحكم ويبنى الثقة ويولد القناعة السليمة لدى المواطنين بمسار الحكم الرشيد وأدلة وجود مؤشرات تنموية واقعية[6].
تتمثل مزايا الدور الإيجابى لمنظمات المجتمع المدنى بين كافة قطاعات الدولة الأخرى فيما يلى:
- المهام الاجتماعية لتنمية المجتمع المحلى وإيجاد الحل الجماعى للمشكلات وتعزيز روح المسؤلية المجتمعية ودعم روح التعاون الاجتماعى.
- تعزيز القوة فى قيم المواطنين وتطلعاتهم وأهدافهم الحالية والمستقبلية من خلال الجهود التطوعية وسلوكيات الدور الاضافى والمشاركة والتعبير عن الرأى وعمليات التأثير الايجابى الفعال على برامج وعمل الحكومة.
وهكذا يتضح إن الحكم الرشيد يدلل على الموقف القيمى التصحيحى إزاء ممارسة السلطة السياسية لإدارة شئون الدولة والمجتمع فى اتجاه تطويرى تنموى طبقا لمعايير معلومة ومتفق عليها مجتمعيا للحكم الديمقراطى الرشيد تقوم على أسس المحاسبية والمساواة والاستقرار السياسى وعلى فاعلية الحكم فى النهج الاقتصادى والقانون العادل ومواجهة الفساد |
فى ضوء هذه الرؤية ينطلق برنامج حوكمة ليحقق نتائجه المرجوة التى تتمثل فى المساهمة فى إقامة الحكم الرشيد الذى يعنى بالضرورة الحكم ضد الفساد وخلق سياسات عامة تستجيب لحاجات الناس ومطالب المجتمع وهذا ما سوف نتاوله كمقترح فى جزء لاحق من ورقة العمل هذه |
متطلبات الحوكمة والتمكين المتبادل بين الدولة والمجتمعات المحلية فى مصر
فى ضوء الدراسات المقارنة لتجارب الحوكمة يتبين أن هناك مجموعة من الاشتراطات الواجب توافرها لتحقيق التمكين المتبادل بين الدولة والمجتمعات المحلية فى مصر وبما يتانسب مع السياق المصرى، ولا يمكن أن تكون اللامركزية الحل السحرى لمواجهة كل مشاكل الدول، بل يمكن القول إن لها مميزات لا يمكن الاستفادة منها إلا بتوافر بيئة سليمة، من أهم عناصرها[7]؛ استقلال منظمات المجتمع المدنى، والأحزاب، وعقد انتخابات محلية نزيهة وعادلة وحرة تضمن عدم تركز السلطة السياسية فى يد شخص أو مجموعة أشخاص. فالعبرة ليست بالإعلان عن تبنى أو التوجه نحو اللامركزية –الذى قد يكون صوريا- ولكن بالسلطات والمسئوليات الواضحة التى يتم نقلها إلى الوحدات الإدارية المحلية، مع ملائمة ذلك لظروف الدولة ذاتها، فحتى الدول التى تطبق اللامركزية تختلف فيما بينها.
وقد أثبتت الثورات العربية أنه ينبغى العمل على انتشار السلطة، وتنظيم ذلك الانتشار، وتأمين التوازن بين القوى الاجتماعية الرئيسية، ثم إشراكها فى صنع وتنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية[8].
هذا هو الخيار الأمثل للدولة فى مصر، فالأهم هو إيجاد صيغة واضحة للعلاقة بين المركز واللامركزية متفق عليها دستوريا وقانونيا.
وهذه المتطلبات، تتمثل فيما يلى:
- الإطار الدستورى والتشريعى للإدارة المحلية
تضمن دستور مصر 2014 حق المواطنين فى التنظيم كأحزاب أو جمعيات أو نقابات واتحادات أو مبادرات وحركات مجتمعية وذلك فى مواده من 73 إلى 77، كما ذكرت المادة 87 من الدستور مشاركة المواطن فى الحياة العامة كواجب، وأن نص المادة يشير بعد ذلك إلى الانتخابات وضمانات الحيدة والنزاهة، وذكرت 6 جهات أو مكونات يحظر عليهم الاستخدام فى الدعاية أو الأغراض السياسية وبذلك فصلت المادة بين المجال العام والمجال السياسى أو الاجتماعى أو الاقتصادى أو الدينى الخاص، وتتمثل المكونات أو الهيئات فى؛ المال العام، والمصالح الحوكمية، والمرافق العامة، ودور العبادة، ومؤسسات قطاع الأعمال، والجمعيات والمؤسسات الأهلية.
كما تناول قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 ومذكرته الايضاحية ولائحته التنفيذية وفقا لآخر التعديلات فى مادته 41[9]؛ للمجلس الشعبى المحلى بالاتفاق مع المحافظ أن يقرر تمثيل المنتفعين من المواطنين فى الإدارة والإشراف على المشروعات والأجهزة والخدمات العامة بالمحافظة، وحددت المادة شروط التمثيل لضمان الشفافية والمشاركة الفعالة من المواطنين فى الإدارة والرقابة الشعبية المحليين، ومن أهم الشروط؛ النزاهة والغيرة على الصالح العام، مقيم بالوحدة المحلية، لا يكون عاملا أو من أعضاء المجالس الشعبية المحلية، وتسرى المادة على المجالس الشعبية المحلية الأدنى.
- إعادة تعريف دور الدولة
فى المرحلة الراهنة، يشهد مفهوم وظائف الدولة تحولا جديدا، كنتيجة مباشرة للأزمة المالية العالمية التى اندلعت فى عام 2008. وترجع جذور الأزمة إلى عملية التحرير الاقتصادى التى انطلقت خلال العقدين الماضيين، وما تضمنته من تهميش دور الدولة فى الاقتصاد، مع تعظيم دور الشركات متعددة الجنسيات، بالإضافة إلى تقليل أى قيود أو ضوابط على عمل القطاع الرأسمالى الخاص، وتحرير التجارة الدولية وإنشاء منظمة التجارة العالمية سنة 1994، وقد نتج عن ذلك أزمات مالية واقتصادية فى العديد من الدول التى طبقت منهج الليبرالية الجديدة. ثم جاءت الأزمة المالية العالمية فى 2008 كنتيجة مباشرة لغياب الضوابط التى تفرضها الدولة على عملية الاقتراض، خاصة فى القطاع العقارى، وقد نتج عن الأزمة المالية تسريح ملايين العمال فى الدول الصناعية، وهو ما أدى إلى خروج شرائح عديدة من هذه الطبقة، فى احتجاجات اجتماعية وشعبية للتنديد بسياسات العولمة والليبرالية الجديدة. أما فى الدول النامية، فقد كان تأثير الليبرالية الجديدة أكثر عنفا، حيث أدت هذه السياسات إلى إفقار الغالبية العظمى من شعوب هذه الدول. وقد كان لذلك العامل أكبر الأثر فى اندلاع سلسلة الانتفاضات الشعبية التى شهدتها المنطقة العربية فيما يعرف بثورات “الربيع العربى”، وهى الثورات التى رفعت شعارات المطالبة بتوفير الخبز والعدالة الاجتماعية[10].
وقد عبر عن هذا التحول فى وظائف الدولة إعادة الاعتبار لدور الدولة فى الاقتصاد، خاصة فيما يتعلق بتنظيم السوق، وتوفير الخدمات الاجتماعية، حيث بدأ مفهوم السوق الحر البعيد عن تدخل الدولة فى الأفول لصالح النموذج الكينزى القائم على الدور التدخلى الرقابى والتنظيمى للدولة. وكما حدث تحول عقب الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 1929 نحو المفهوم الكينزى لدور الدولة فى خلق الطلب الفعال، فإن الفكر الاقتصادى يشهد حاليا تحولا نحو إعادة دور الدولة التدخلية.
يمكن القول إن هناك عملية إعادة اعتبار لدور الدولة فى الاقتصاد والسياسة، فى ضوء خبرة الأعوام العشرين الأخيرة. وقد أثبتت خبرات الثورات العربية الأثر السلبى لانسحاب الدولة من المجال الاقتصادى، وتسليم زمام القيادة للطبقات الرأسمالية الجديدة. ومن المؤكد أنه فى دول الثورات العربية، ومنها مصر، توقفت عمليات الخصخصة، وبيع القطاع العام إلى أجل غير منظور.
وفى هذا الإطار، هناك إعادة لتأكيد دور الدولة على مستويين رئيسسن[11]، يتمثل المستوى الأول فى الدور الإرشادى والرقابى للدولة فى الاقتصاد القومى، أى حق الدولة فى التدخل لضبط ومراقبة الأنشطة الرأسمالية، والتأكد من أنها لا تعمل لصالح فئة محدودة على حساب المصلحة العامة، كما برهنت على ذلك الأزمة العالمية.
ويتعلق المستوى الثانى بالعودة إلى تأكيد سيادة الدولة القومية على مواردها، ونقصد بذلك التخلى عن فكرة تفكيك الدولة القومية، والحد من سيادتها، وإمكانية تدخل الدول الكبرى فى شئونها تحت دعاوى التدخل الإنسانى. فقد أدت تلك العقائد الأيديولوجية إلى كثير من الصراعات الدولية، وإلى إشعال نيران الحروب الانفصالية، وإلى تفكيك عدد من الدول، مما أدى إلى تضخم هائل فى الإنفاق العسكرى العالمى على حساب التنمية، كما أدت إلى التدخل فى شئون الدول النامية، من خلال مؤسسات بريتون وودز، لإجبارها على اتباع “روشتة” تلك المؤسسات، والتى أدت إلى كوارث اقتصادية واجتماعية، ولم تفد سوى الأغنياء.
- ضرورات الإصلاح المؤسسى والهيكلى
يرتكز الحكم الرشيد على مبادئ الشفافية والمشاركة والمساءلة، وهو ما يتحقق من خلال تبنى مفاهيم الحكومة المنفتحة. ويتناول هذا القسم الإطار المفاهيمى والنظرى لمفهوم الحكومة المنفتحة، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على أهم مبادئ الحكومة المنفتحة.
- تعريف الحكومة المنفتحة[12]
قامت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية بتعريف الحكومة المنفتحة على أنها “الالتزام بمبدأ الشفافية فى الإجراءات الحكومية وسهولة الحصول على الخدمات الحكومية والمعلومات، وقدرة الحكومة على الاستجابة للأفكار الجديدة والمطالب والاحتياجات”.
وتتمثل أهم مبادئ الحكومة المنفتحة فى[13]؛ الشفافية وتوفير معلومات وبيانات كافية وموثوق بها عن أنشطة ومجالات عمل الحكومة وإتاحتها للجمهور، مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن أعمالهم، والانفتاح والاهتمام بآراء المواطنين والجهات المختلفة وأخذها بعين الاعتبار عند صنع وتنفيذ السياسات العامة.
فى هذا السياق تتزايد أهمية الحديث عن ضرورات الإصلاح المؤسسى والهيكلى، جنبا إلى جنب مع الإصلاح الاقتصادى، خاصة من جانب مؤسسات التمويل الدولية كالصندوق والبنك الدوليين. وهو ما أدى إلى قيام العديد من البلدان، خلال حقبة التعينيات من القرن الماضى، بتطبيق سياسات للإصلاح الاقتصادى، وشهدت تلك الفترة زيادة محسوسة وملموسة فى هذه البرامج سواء من حيث نطاقها أو اتساعها وعمقها. بيد أن النتائج التى أسفرت عنها لم تكن على نفس مستوى التوقعات، حيث نجحت بشدة فى بعضها وفشلت بشدة فى البعض الآخر. وهذا ما أشار إليه ما يسمى “توافق برشلونة” وأكد على مجموعة من الأمور المهمة التى يجب مراعاتها فى برامج الإصلاح، يأتى على رأسها أهمية معرفة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لكل بلد على حده، والتركيز على ضرورة الإصلاح المؤسسى والحوكمة.
وبالتالى أصبحت “الحوكمة” أو “الحكم الجيد” ضرورة أساسية لضمان ممارسة الحكم بصورة صحيحة، من حيث؛ بناء أسلوب جيد للإدارة، والتضمينية أو المساواة أى أن كل من له مصلحة فى عملية إدارة الحكم ويود المشاركة فيها يمكنه فعل ذلك على قدم المساواة مع الجميع. وبمعنى آخر فإن معاملة الحكومة للمواطنين يجب أن تتم على قدم المساواة أمام القانون دون تمييز، وكذلك تأمين فرص متساوية لهم لكى يستفيدوا من الخدمات التى توفرها الحكومة. مع الإشارة إلى أن المساواة هنا لا تتعلق فقط بالمساواة بين الجنسين، ولكنها تمتد لتشمل المساواة فى التنمية بين الأقاليم المختلفة فى الدولة والمساواة فى الحصول على الخدمات العامة وغيرها من الأمور، أما المساءلة فهى تنبع من التمثيل الشعبى إلى الشفافية فى آليات الحكم وتوافر المعلومات والمعرفة المتعلقة بحقوق المواطنين والخدمات التى يحق لهم القيام بها وسبل الحصول على تلك الحقوق وتعميمها، أى أن مفهوم الحوكمة يتصل بتحول مضمون الديمقراطية من التمثيل النيابى إلى المشاركة والشفافية والمساءلة.
وبالتالى فإن أسلوب التنظيم والإدارة فى المجمتع والمتعلق بكيفية ممارسة السلطة فى البلد، هو الحاكم الأساسى لهذه المسألة، ويتطلب ذلك معرفة العملية التى تختار بواسطتها الحكومات وآليات مراقبتها ومساءلتها، وقدرة الحكومة على إدارة الموارد بكفاءة وفعالية، وفرض قواعد تنظيمية سليمة، وثالثا مدى احترام المواطنين والحكومة للمؤسسات التى تحكم المعاملات الاقتصادية والاجتماعية المتبادلة بينهم.
- نحو المزيد من المشاركة وتفعيل دور الأحزاب والمجتمع المدنى
أشارت التجارب الدولية المختلفة، إلى أهمية التلازم بين الديمقراطية واقتصاد السوق، بل إن هذا التلازم شرط أساسى لإنجاح عملية التحول، إذ أن التجارب التى نجحت قد ارتبطت أساسا بتدعيم آليات المشاركة الشعبية والديمقراطية والشفافية، وتطبيق مبادئ الإدارة الرشيدة عند وضع السياسيات المختلفة.
وقد أثبتت الدراسات أن البلدان التى تتمتع بحريات سياسية واسعة، مع استبعاد أثر المتغيرات الأخرى، قد حققت أداء أفضل فى توفير التعليم الأساسى والصحة، والحد من تضارب المصالح.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه ومما يثير الدهشة، أن البلدان التى تتمتع بمعدلات نمو اقتصادية عالية وقعت فيها أحداث من الشغب والاضطرابات والتظاهرات أكثر مما وقع فى البلدان ذات المعدلات المنخفضة. وكان هذا الأمر مثيرا للحيرة لأن التعبيرات الاجتماعية من هذا النوع تدعو إلى الاعتقاد بأن لها تأثيرا سلبيا على مناخ الاستثمار ومعدلات النمو، ولكن الدراسات الحديثة أشارت إلى أن البلدان ذات الحريات المدنية المحدودة لا تعبر إلا بقدر ضئيل عن سخطها الاجتماعى، فى حين أن هذا التعبير يتم بدرجة أكبر كثيرا فى البلدان التى تتمتع بحريات مدنية أوسع. أى أن البلدان التى يتم فيها قمع كل أساليب التعبير عن الاستياء، تعانى أداء أسوء فى مشروعاتها الاستثمارية، مقارنة بتلك التى تسمح بمثل هذه المظاهر[14].
لا شك أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب بالضرورة تفعيل دور المجتمع المدنى والأحزاب المصرية فى المتابعة والتقييم المجتمعى للخدمات وتطويريهما بغية جعلهما قادرين على المشاركة الفعالة فى بناء جدول أعمال المستقبل، وهى مسألة هامة خاصة وأن ظروف الحياة السياسية فى مصر ووضعها الحالى قد أديا إلى العديد من المشكلات الحزبية بعضها داخلى، يظهر فى صورة انقسامات وانشقاقات داخل عدد من الأحزاب نفسها. وبعضها خارجى يتعلق بالبيئة السياسية التى تعمل فى إطارها، وغياب ثقافة البرامج الحزبية ودورها فى جذب الجماهير من جهة، مع زيادة التركيز على قضايا السياسة بأكثر يكثير من القضايا الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى.
مستقبل علاقة الدولة والمجتمعات المحلية فى مصر فى ضوء الحوكمة (مقترح)
جاءت ثورة (25) يناير لتمثل في مجموعها وتأثيراتها الممتدة نقطة تحول تاريخية على طريق التطور الديمقراطي الحقيقي فى مصر، فبالنظر إلى أحداث هذه الثورة التى قام بها الشباب وشمول مطالبها الإصلاحية وانتقالها من ممارسة السياسة عبر العالم الافتراضي إلى المشاركة السياسية على أرض الواقع بل المطالبة بتغيير الواقع السياسي المصري الراهن، يتضح أهميتها في التاريخ المصري، والتي خلقت حراكاً سياسياً وجددت حيوية الدولة المصرية.
وقد جاءت مشاركة هؤلاء الشباب متحضرة في التعبير عن آرائهم واحتجاجاتهم، مطالبين بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، مستخدمين المعرفة المتجددة والأدوات الحديثة مما يتيحها عصر التكنولوجيا ونظم المعلومات المتطورة، وتركزت مطالبهم حول تغيير النظام السياسي القائم ويعني ذلك في التحليل الأخير تحقيق الإصلاح السياسي المنشود وتصويب العلاقة بين الدولة والمواطنين، والقضاء على الفساد الذى كاد أن يتحول إلى مؤسسة، وتعزيز قيم النزاهة والعدالة والمساءلة والمحاسبية، وتصحيح مسارات السياسات العامة في مصر.
انطلاقا من هذه الرؤية تتأكد ضرورة فكرة تأسيس برنامج علمى متخصص فى تطبيقات الحكم الرشيد والتنمية ليواكب الحالة الثورية ومقتضيات بناء الدولة الديمقراطية فى مصر، ويعمل على تعزيز الحكم الرشيد من أجل تطوير مؤسسات الدولة وتنمية المجتمعات، والتأثير على السياسات العامة والعمل على تغيير الممارسات نحو بناء دولة المواطنة والحكم الرشيد والأمن الإنسانى، ويعمل البرنامج على تحسين نوعية حياة البشر فى إطار مفهوم متكامل للتنمية يعتمد على الاستدامة والتطور، وترسيخ ثقافة الحوكمة وإرساء قواعدها فى المجتمع وتعزيز قدرات المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والهيئات المنتخبة (دعم نزاهة وعدالة وحرية العمليات الانتخابية، وتفعيل أدوارها). ويعطى أولوية خاصة للمناطق والفئات الأكثر عرضة لمخاطر التهميش وهكذا فأن؛ الهدف الرئيس للبرنامج يتمثل فى بناء الشخصية المتكاملة للإنسان من خلال العمل على التحرر من الخوف والعوز وإطلاق روح المبادرة لكل مصرى وكل مصرية وبناء مصر الديمقراطية وتحقيق قيمة “إرفع رأسك فأنت مصرى”.
وذلك من خلال جانبين؛ أولهما جانب مدخلات العمليات السياسية: التأثير على التشريعات والسياسات والبرامج والممارسات الحكومية فى مجال الخدمات الأساسية للمواطنين، أما الجانب الآخر يتعلق بالمخرجات من خلال طرح مبادرات التمكين الاقتصادى والاجتماعى فى مجالات تنمية المجتمع وبرامج المشاركة المجتمعية وتنمية الموارد وحسن إستغلالها والتنمية المهنية بهدف سد الاحتياجات الملحة وبالتالى الوصول إلى مجتمع ممانع للاستبداد والفساد
على أن يهتم البرنامج بالقضايا التى تعد محددة لمسار التطور فى مصر فى ضوء رؤية أهم ما يميزها أنها تتسم بالشمول، حيث أن ما يطبق على الجزء يمتد ليشمل الكل، فمجموع الأفراد والمؤسسات يشكل المجتمع والدولة، تلك القضايا يمكن عرضها على النحو التالى:
- فهم أن التنمية المحلية هى التى تضمن النمو والتوزيع العادل للموارد، وتوسيع خيارات البشر فى العيش فى ظل حياة كريمة، ومشاركة المجتمعات المحلية لتعزيز فرص التنمية المستدامة، والتوسع فى تطبيق اللامركزية مع مراعاة التنوع الواسع فى الأهداف لأفراد المجتمعات المحلية، وهذا يحقق النهوض والارتقاء المجتمعى وتعليم قيم الإنتماء والمساواة والشعور بالمسئولية الاجتماعية التى تحافظ على أمن المجتمع واستقراره، وتمكن المواطنين فى نفس الوقت، ويعد ذلك من أبرز مقاييس نجاح استراتيجيات التنمية على المستوى القومى للدولة.
- فهم الدور الواضح والفاعل للمعلومات بمختلف أفرعها وأدواتها وتكنولوجياتها فى عملية صنع السياسات العامة وإتخاذ القرار الرشيد بالنظام السياسى وإدارة شئون الدولة والمجتمع، بما يهيأ الفرصة لإصلاحات واسعة النطاق فى جميع المسارات التنموية الأخرى بالدولة.
- التأكيد على أن التقدم مفهوم شامل يستهدف تحقيق منظومة مترابطة من الغايات التى لا تقبل الانتقائية والتجزئة والتفكيك، ويتطلب ذلك جهداً وطنياً لشركاء التنمية، فالتقدم الذى يجدر بنا أن نتطلع إليه لا يتحقق باستهداف هدف من أهداف دون غيره، وإنما يتضمن أهداف : تحقيق الكفاءة الاقتصادية، وتحقيق التنمية التكنولوجية المستدامة، وإنتاج التقنية الحديثة، وعدالة التوزيع، والاستثمار فى البشر للارتقاء بنوعية تعليم وصحة وحياة الإنسان، وإعلاء الكرامة الإنسانية، وتحقيق الأمن الإنسانى، وممارسة الحقوق الديمقراطية، وارتقاء المكانة الدولية وضمان الاستقلال الوطنى.
وفى سبيل تحقيق ذلك يتعاون البرنامج مع كافة المؤسسات التنموية والهيئات العلمية ومراكز البحوث ومنظمات التدريب التى تتفق أهدافها مع نهج وتوجهات البرنامج.
بنية البرنامج
يستند البرنامج فى بنيته إلى ثلاث دعائم بمثابة القيم المؤسسية؛ وهى:
- تنمية .. حق المواطنين.
- مشاركة .. واجب المجتمع.
- تمكين .. أساس المواطنة.
مجالات البرنامج
- إعداد وتأهيل الباحثين فى مجال قضايا وتطبيقات الحكم الرشيد.
- مشروعات ومبادرات اجتماعية واقتصادية فى مجالات الخدمات الأساسية والاحتياجات التنموية للمواطنين بغرض التمكين الاقتصادى والاجتماعى وتلبية الاحتياجات ومواجهة المخاطر وحماية الفئات الهشة/ أو الضعيفة.
- بحوث ودراسات وتحليلات للسياسات مبنية على الأدلة وصياغة نماذج عملية لمؤشرات الحكم الرشيد.
- التدريب والمشورة فى مجالات التنمية الإنسانية والمستدامة ونظم التطوير المؤسسى.
- دعم نزاهة وعدالة وحرية العمليات الانتخابية، وتفعيل أدوار الهيئات والمؤسسات المنتخبة.
شبكات البرنامج
- يساعد البرنامج فى تأسيس حركة شعبية للحوكميين.
- يعمل البرنامج على بناء ائتلاف مدنى للمنظمات ومؤسسات البحث والتدريب والحركات المجتمعية التى تعمل فى مجال الحوكمة وتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد أو تضع ضمن أهدافها وتعرف نفسها بأنها تهتم بهذه المجالات والقضايا.
الموارد البشرية
فى سبيل تلبية الاحتياجات التنموية، ينفذ البرنامج بالاعتماد على شباب الباحثين والمبادرين والمدربين الجدد والميسرين ممن لديهم رؤى وتصورات حول المجالات التى يهتم بها وتتوفر فيهم عناصر التكوين العلمى السليم والإستعداد العملى بما يعنيه ذلك من تميز علمى وكفاءة مهنية مما يجعلهم مؤهلين للإحترافية فى إنجاز مهامهم والتكليفات المنوطة لهم وجديرين للالتحاق بالعمل فى البرنامج، مع الاستعانة بخبراء ذوى تخصصات علمية متنوعة وخلفيات مهنية متعددة عاملين فى الجامعات والقطاعات الأخرى ذات الصلة بأنشطة البرنامج.
الخاتمة
فى إطار الاهتمام بإعادة دور الدولة والدعوة إلى أن تفعيل الحوكمة لن يتحقق إلا من خلال مجموعة من الإجراءات أهمها:
- ضرورة تفعيل اتفاقية مكافحة الفساد التي وقعت عليها مصر في 14 أكتوبر 2003 والخاصة بمواجهة كل صور الفساد بشتي الوسائل التشريعية والرقابية.
- التخلى عن أن الدولة هى المورد الوحيد للخدمات الاجتماعية وغيرها من السلع وتشجيع مبادرات الأفراد فى التعاونيات والحركات المجتمعية، وضرورة اعتماد الدولة (مبدأ المشاركة) مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدنى والإدارة المحلية، فى تحديد احتياجات التنمية وبناء آليات تحقيقها, حيث لم تعد الحكومة هى المنفردة بصناعة القرار التنموى والسياسى.
- المؤامة بين دور الدولة وقدراتها، والعمل على تعزيز قدراتها المؤسسية. وذلك يوجب مراجعة وظيفة الدولة (بما يؤدى إلى ترشيد حجم جهازها الإدارى، وإعادة هيكلة وحداتها الإدارية).
- تعزيز وتنمية القدرات المؤسسية للدولة من خلال تأمين الأساسيات الاقتصادية والاجتماعية، بما يمكنها من الوفاء بمهام برامج التنمية.
- اعتماد سياسة مالية واقتصادية مواتية تكفل المحافظة على الاستقرار الاقتصادى، وتحقيق معدلات نمو قابلة للاستمرار.
- توجيه الدولة لإدارتها العامة بحيث يعاد تأسيسها وتصميم هيكلتها، بما يخدم تحقيق الوظائف الأساسية للدولة فى المجال الاقتصادى: وظائف رسم السياسات والتنظيم، والتوسط فى حال بروز بعض الاختلالات فى بعض أوضاع اقتصادى السوق. ووظيفة مطالب التنمية، وتصميم برامج مكافحة أسباب الفقر، وتأمين شروط التمكين لتشجيع نمو القطاع الخاص الوطنى.
- أن تعيد الإدارة العامة توجيه آليات عملها فى سياق من الإجراءات التى تتسم بالشفافية والفاعلية، والترشيد فى الجهد والتكلفة، ومؤسسة فى بنيتها على مبدأ احترام العميل أو المستفيد من الخدمة (المواطن).
- مكافحة الفساد وتعزيز الخضوع للمساءلة، وذلك من خلال تأمينه بقواعد وتشريعات ومؤسسات دستورية تتمثل فى تقسيم سلطات الدولة أفقيا تشريعية وتنفيذية وقضائية، ورأسيا (فى نطاق السلطة التنفيذية والمنتخبة) إلى مركزية ومحلية تتكون من جناحين؛ السلطات التنفيذية المحلية المعينة والمجالس الشعبية المحلية المنتخبة، وتعزيز دور القضاء والأجهزة التشريعية والرقابية.
- اعتماد مبدأ الجدارة والاستحقاق والمعايير المهنية والشفافية فى عملية التوظيف والترقيات فى الخدمة المدنية.
- أن يكون للدولة استراتيجياتها الخاصة بالتنمية المستدامة فى مجالاتها: الهيكلية والبشرية والمادية والقطاعية.
- مواجهة مسألة تضارب المصالح فمن أكثر الأسباب التي تشجع علي الفساد فى المحافظات ووحداتها المحلية (أو ما يعرف إعلاميا وشعبيا بفساد المحليات) وجود تعارض في المصالح، وبناء ثقافة مجتمعية جديدة تجرم سلوكيات الفساد أو مخالفة القانون.
- مثل اعتبار تقاضي الرشوة جريمة مخلة بالشرف وهو ما يعتبر رادعا معنويا للحد من ممارسات الفساد.
- حث منظمات المجتمع المدني القيام بدورها في بناء الرقابة الشعبية وتشجيع المواطنين للمشاركة في الانتخابات المحلية.
[1] لوك، هيوم، روسو (ترجمة: عبدالكريم أحمد)، العقد الاجتماعى، (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2011)، ص ص173-174، 175-178.
[2] ناهد عز الدين، التحليل السياسى واقترابات دراسة التحول: من الدولة المتدخلة إلى التمكين المتبادل، (كلية الاقتصاد والعلوم السياسية: مجلة النهضة، أبريل 2004)، ص ص99-104.
[3] مفاهيم وسياسيات الحوكمة فى الأدبيات العربية والغربية، دراسة أجريت بالتعاون بين مركز الحوكمة التابع للمعهد القومى للإدارة بوزارة التنمية الإدارية وبرنامج الديمقراطية وحقوق الإنسان بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، (د.ت)، ص ص33-35، 77-78، 81-83.
[4] عبدالرحمن الكواكبى، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2012)، ص ص156-158.
[5] مفاهيم وسياسيات الحوكمة فى الأدبيات العربية والغربية، مرجع سبق ذكره، ص ص 62-64.
[6] مفاهيم وسياسيات الحوكمة فى الأدبيات العربية والغربية، دراسة أجريت بالتعاون بين مركز الحوكمة التابع للمعهد القومى للإدارة بوزارة التنمية الإدارية وبرنامج الديمقراطية وحقوق الإنسان بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، (د.ت)، ص ص 51-54.
[7] مريم وحيد مخيمر؛ السلطة غير المركزية: تحولات شكل السلطة فى مراحل ما بعد الثورات العربية، (مجلة السياسة الدولية، ملحق اتجاهات نظرية فى تحليل السياسة الدولية، العدد 189، يوليو 2012)، ص ص 12 – 13.
[8] على الصاوى، اللامركزية فى إطار الديمقراطية: ملاحظات فى النظم المحلية المصرية، (د.ن، 2002)، ص107.
[9] عالية عبدالحميد، اللامركزية، (المركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، سلسلة مقاهيم، العدد 55، السنة الخامسة، يوليو 2009)، ص ص 16-18.
[10] جمال محمد سليم؛ معضلة الاختيار: النماذج الأربعة للدولة الحديثة، (مجلة السياسة الدولية، ملحق اتجاهات نظرية فى تحليل السياسة الدولية، العدد 189، يوليو 2012)، ص ص20-23.
[11] مفاهيم وسياسيات الحوكمة فى الأدبيات العربية والغربية، مرجع سبق ذكره، ص ص29-30.
[12] الحكومة المنفتحة: مفهوم جديد نحو الحكم الرشيد؛ (القاهرة: مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، سلسلة تقارير معلوماتية، السنة الخامسة، العدد (56)، أغسطس 2011)، ص 7.
[13] OCED (2003), “Open Government: Fostering Dialogue with Civil Society”, http://www.oecdbookshop.org/browse.asp?pid=title-detail&lang=EN&ds=&k=
[14] [14] موازنة المواطن: تدعيم المشاركة المجتمعية فى صنع الموازنة العامة للدولة، دراسة أجريت بالتعاون بين مركز الحوكمة التابع للمعهد القومى للإدارة بوزارة ومركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، (د.ت)، ص ص24-25.