مفهوم العدالة الناجزة
بقلم : الدكتور عادل عامر
فجوهر العدالة هو حصول كل إنسان على حقه مما يحقق التوازن بين مصاوتقدمه، المجتمع ويكفل الاستقرار للمجتمع وتقدمه ، فالنظام لا يستقر في أي مجتمع دون عدالة
. فمن أهم مقاصد الشريعة الإسلامية – وكذلك القانون الوضعي- تحقيق العدل بين أفراد المجتمع ، مع إقرار النظام فيه فالمقصد الذي تدور حوله عامة أحكام التشريع الاسلامى أو أصوله هو العدل ، وخاصة في التشريع الجنائي أو الاجرائى الاسلامى ، ذلك أن أحكام الشريعة أوامر ونواه ولكل أمر أو نهى جزاء ، والعدل لا ينفك عن الجزاء ، لذلك درج الفقهاء على القول أن العدل عماد الشريعة ، كما أن التوحيد عماد العقيدة ، والعدل مركز في الفطرة الإنسانية ولذلك فالشرائع كلها تقره ولا تقرره أي أنها تنزل على حكمه ولا تنشئه ، وإذا كان للجسد حواس فللعقل مثلها ، ومن هذه الحواس حاسة العدالة ، ولما كان الإسلام دين الفطرة فمن الطبيعي أن تكون أحكامه أكثر انسجاماً مع فكرة العدل.
وإذا كان إعطاء كل صاحب حق حقه بصورة مطلقة هو العدل وعكس ذلك هو الظلم (الذي هو الجور ومجاوزة الحد ووضع الشيء في غير موضعه) ، فإن إعطاء الأفراد حقوقهم على ضوء الظروف والأحوال والملابسات الخاصة لكل منهم يمثل العدالة ، فالعدل (الذي هو أحد أسماء الله الحسنى) ، وهو مقصد الشريعة والقانون والناس كافة ، وهو مطلق ، هو أمر إن كان الجميع يبحث عنه إلا انه غاية صعبة المنال ، لذلك يحاول الكل تحقيق العدالة – التي تحرص على أن يحصل الإنسان على ما يستحقه على ضوء ظروفه وأحواله وظروف وأحوال غيره في المجتمع .
ولاشك أن للعدالة أهميتها، إذ بدونها يشعر الأفراد بالظلم، مما يدفعهم إلى الحقد على غيرهم وعدم احترام النظام والقانون في المجتمع، ويكون ذلك سبباً قوياً لانهيار النظام والأمن في أي دولة. فإذا كاالدول،م لا غنى عنه لبقاء المجتمع وتقدمه، إلا أن تحقيق هذا النظام في المجتمع لا يمكن أن يتم دون تحقيق العدل. وتنهار الدول ، أو يعيش أفرادها أشقياء ، إذا لم تحقق العدل بين أفراد المجتمع .
وللعدالة صور كثيرة : ومن أهم صورها العدالة الموضوعية والعدالة الإجرائية، فالقواعد التي تنظم حياة الأشخاص وحقوقهم وواجباتهم ، سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو الجنائية ، هي قواعد ترمى – في الأصل – إلى تحقيق العدالة الموضوعية ، أي العدالة في حقوق أفراد المجتمع ، بحيث لا يحصل فرد على أكثر أو أقل من حقه .
على أنه لا تكفى القواعد الموضوعية التي تقرر للأشخاص حقوقاً متساوية، لقيام العدالة، وإنما يجب أن تكون هناك قواعد إجرائية – تكفل حماية هذه الحقوق إذا تم الاعتداء عليها. ذلك أن الحق دون حماية لا قيمة له. وهذه الحماية تتم من خلال القضاء في الدولة ، حيث توجد القواعد التي تنظم إجراءات التقاضي في الدولة ، وهذه القواعد يجب أن تستهدف تحقيق العدل بين الأفراد، فيتم تنظيم الإجراءات المتبعة أمام المحاكم بصورة تضمن أن يحصل كل صاحب حق على حقه ، دون خطر ضياع هذا الحق أو انتقاصه . ولا قيمة للقواعد التي ترسى العدالة الموضوعية دون القواعد التي تكفل تحقيق العدالة الإجرائية ، فهذه القواعد الأخيرة هي السياج الذي يحمى حقوق الأفراد ويضمنها
فالقاضي مثلا هو حجر الأساس الذي يقوم عليه بنيان العدالة، لأنه هو الذي يبعثها من العدم إلى الوجود، ولكي يفعل ذلك، فلابد له من أدوات مادية يستعين بها في أداء رسالته، ولابد له من نظم ملائمة تزيل ما يعترض طريقه من عقبات، وتيسر له الوصول إلى أفضل أداء . والمحامي، هو القاضي الواقف الذي يعين القاضي الجالس على تطبيق القانون وتحقيق العدل، ومن ثم يجب أن يراعي ضميره ودينه ولا يسيء استخدام القانون أو استغلال ثغراته في إيقاع الظلم بالآخرين، أو في تعطيل الفصل في الدعوى .
والمحاكم كمكان للفصل بين المتقاضين، يجب أن يتناسب عددها وعتادها مع الزيادة المضطردة في عدد القضايا المطلوب انجاز الفصل فيها، وكذا زيادة عدد القضاة الذين يديرون السلطة القضائية في الدولة، بما يتناسب مع الكم الهائل ماضطرارا. الذي تتكدس به المحاكمة، وبما يتناسب أيضا مع القوانين الكثيرة والتشريعات المتعددة .
والمسئولين عن تنفيذ الأحكام واجبة النفاذ، منوط بهم أيضا تنفيذها حتى يتحصل المحكوم لهم على حقوقهم بديلا عن أن يضطروا للحصول عليها بمخالفة القانون، وكذا قيام المسئولين عن جباية ما هو مستحق للدولة من ضرائب و رسوم قانونية من الممتنعين عن سدادها .
بل والمواطنون أيضا عليهم دور كبير في تحقيق هذه العدالة، وذلك بالتعامل فيما بين بعضهم البعض بمبادئ الدين الإسلامي وأحكامه، وبإتباع القوانين وعدم مخالفتها، وعدم استسهال اللجوء للقضاء مراعاة لمن هم أولى باللجوء إليها اضطرارا … وكل ذلك وما شابهه، لن يتحقق إلا بتعديل قوانين المرافعات المدنية والتجارية، وكذا قانون الإجراءات الجنائية .
والأخير يتعلق بإجراءات المرافعات والوقوف أمام محاكم الجنح والجنايات، وشروط ذلك، وبالجملة هو عبارة عن القواعد والنصوص التي تنظم سير الدعوى الجنائية منذ لحظة ارتكاب الجريمة، وحتى يصدر حكم بات فيها وتنفيذه أيضا .
أما الزند فقاض أساء للقضاء المصري بما لم يساء له من قبل، وقوله هذا حق يراد به باطل . أن القاضي هو حجر الأساس الذي يقوم عليه بنيان العدالة فهو الذي يبعثها من العدم إلى الوجود ويخرجها من الظلام إلى النور ويحفزها من السكون إلى الحراك وهو لكي يفعل ذلك لابد له من أدوات مادية يستعين بها في أداء رسالته ولابد له من نظم ملائمة تزيل ما يعترض طريقه من عقبات وتيسر له الوصول إلى أفضل أداء فهو ليس إلهاً يقول للشيء كن فيكون . كما أنه ليس من الملائكة المقربين أو له قدرات كتلك التي جُبل عليها الجن والشياطين وهو ليس من المرسلين الذين يتنزل عليهم الروح الأمين لكنه بشر لا يتحمل أكثر مما يطيقه البشر لا يفعل المعجزات أو يأتي بالكرامات ولا يمكن له بحال من الأحوال أن يحقق العدالة الناجزة دون أن توفر له الدولة الأدوات اللازمة والنظم الملائمة لتحقيقها .
فالقاضي ليس هو المسئول عن بناء المحاكم وتجهيزها وتعيين الموظفين الذين يعاونونه في أداء رسالته وتدريبهم كما أنه ليس هو المسئول عن وضع النظم التي تكفل جودة الأداء في جهاز العدالة وسرعته وتكفل التناسب بين عدد القضايا المطلوب إنجاز الفصل فيها في الزمن المحدد بما يضمن الارتقاء بالعمل القضائي إلى أقصى مستويات الجودة والإتقان ويحصن القاضي من الزلل والخطأ بل أن الدولة هي المسئول الأوحد عن توفير الأدوات اللازمة والنظم الملائمة لتحقيق العدالة الناجزة ولو استطردنا في سرد ما ينبغي على الدولة توفيره منها ،لايستلزم ذلك جهداً كبيراً في إحصائه وعناء من القارئ في الإلمام به لكن حسبنا ما نقدمه ونركن إليه للوقوف على أهم المشكلات التي تواجه القاضي في سبيل أداء رسالته :-
فإذا كانت الدولة قد قامت ببناء وتحديث عدد من المحاكم فإنه لايزال عدد المحاكم التي تدير الدولة من خلاله السلطة القضائية عن طريق القضاة لايتناسب البتة مع الزيادة المضطردة في عدد القضايا بسبب الزيادة السكانية المتنامية بمعدلات كبيرة وغير ذلك من العوامل التي نذكرها فيما بعد كما أن كثيراً من تلك المحاكم لايزال بحالة يرثى لها لاتصلح أن تكون بيوتاً للعدالة تليق بدولة عريقة كمصر ناهيك عن عجز النظم المتبعة في إدارة تلك المحاكم عن القضاء على البيروقراطية وعلى طرق الإدارة القديمة التي لم تعد سارية إلا عندنا وإحلال طرق الإدارة الحديثة محلها بما يضمن منع التلاعب في شئون القضاء وسد الثغرات أمام المتلاعبين .
وإذا كان عدد المحاكم وعتادها لايتناسب مع الزيادة المضطردة في عدد القضايا المطلوب انجاز الفصل فيها فإن عدد القضاة الذين يديرون السلطة القضائية في الدولة لايتناسب أيضاً مع الكم الهائل من القضايا والذي تتكدس به المحاكمة كل يوم بل أن الدولة بما استحدثته في قوانين جديدة وبما قامت به من تعديلات في القوانين القائمة وبما تصدره المحكمة الدستورية العليا كل يوم من أحكام بعدم دستورية الكثير من مواد القانون تشكل عبئاً متزايداً على القاضي بما تتسبب فيه من زيادة هائلة في عدد القضايا المطروحة على القضاء يقف سواءً بسواء مع الزيادة الناجمة عن الزيادة السكانية ويلقي بالقاضي في خضم رهيب من التيه يكاد يتحسس طريقه في ظلام دامس ويمزق نفسه بين عمل لايجد الوقت الكافي لإنجازه ،وبين تلك المتغيرات المستحدثة التي ينبغي أن يحيط بها علماً والدولة التي لم تأخذ في حساباتها كل تلك الأمور وهي تحدث كل تلك المتغيرات تقف موقف المتفرج ولا تمد يد العون إلى القاضي وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو من بعيد .
وليس الأمر كذلك فحسب بل أن الطين يزداد بلة إذا علمت أن الدولة تنحرف بمسلكها حين تتعامل مع المواطنين لتخرج عن أحكام القانون والدستور فتارة تمتنع إعمال نصوصها وتارة تتعنت في تنفيذ ما يصدره القضاء من أحكام واجبة النفاذ وكثيراً ما يقوم عمالها بجباية ما ليس مستحقاً من ضرائب و رسوم بالمخالفة للقوانين واللوائح المعمول بها وغير ذلك من صور سلوكها التي أصبحت معتادة للكافة غير خافية على أحد فيضطر أصحاب الحقوق والمظالم إلى مقاضاتها بإقامة دعاوي أمام القضاء يختصمونها فيها بما يشكل عبئاً جديداً كان القضاء في غنى عنه لو أن الدولة تلتزم في مسلكها بما يفرضه عليها واجبها تجاه مواطنيها من إنزال صحيح القانون على تعاملاتها معهم وكفالة احترام أحكام القضاء الواجبة التنفيذ .
كاتب المقال: دكتور في الحقوق وخبيرالقانون العام مستشار تحكيم دولي وخبير في جرائم امن المعلومات ومستشار الهيئة العليا للشئون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الازهر والصوفية