الحرب الأهلية في اليمن: مع التقدم العسكري المحدود لن تنتهي إلا بحل سياسي
-المركز الديمقراطي العربي
خلال معظم فترة الحرب الأهلية في اليمن التي تدخل عامها الثالث الشهر المقبل، حذّرت إدارة أوباما شريكتها الوثيقة المملكة العربية السعودية من الانجرار بشكل أعمق إلى حرب استنزاف أجّجها الإيرانيون جزئياً بتكلفة منخفضة جداً.
وبالانتقال سريعاً إلى أحداث اليوم، تسارع الحكومة اليمنية وداعموها في التحالف، بمن فيهم السعوديين، إلى تصعيد جهودهم العسكرية. وقد طُلب من الولايات المتحدة المساعدة في هذه الجهود، من خلال توفير المزيد من الدعم والذخائر الإضافية الموجهة بدقة.
وقد سبق لإدارة ترامب أن اعتبرت أن اليمن يشكل تهديد إرهابي. وفي الوقت الذي تقوم فيه الإدارة الأمريكية الجديدة بوضع سياستها الخاصة تجاه اليمن، لا بدّ لصنّاع القرار الأمريكيون أن يدرسوا بعناية الإستراتيجيات التي يتبعها شركاؤهم.
ولا يمكن للتصعيد العسكري وحده أن يؤدي إلى قطع علاقة الحوثيين مع الإيرانيين. ويتعيّن على أي مقاربة أمريكية أن لا توافق على جعل الشعب اليمني الرهينة الرئيسية لهذا الصراع.
عندما ألقى الرئيس ترامب خطاباً في الكونغرس في 28 شباط/فبراير، تحدّث مطوّلاً عن الغارة البارزة التي شنّتها القوات الخاصة الأمريكية (“أسود البحر” –Navy SEAL ) في اليمن في الشهر الذي سبق، وسلّط الضوء مجدّداً على حربٍ معقّدة مع عدّة جبهات.
الحرب الأهلية في اليمن، التي هي نزاعٌ مهملٌ من “الربيع العربي”، ليست مجرد حربٍ هامشية بالنسبة للأمن القومي الأمريكي. فقد شملت التهديدات الأخيرة حوادث في مضيق باب المندب، الذي هو ممرٌّ عالميٌّ مهم لمصادر الطاقة حيث أطلق الثوّار الحوثيون صواريخ على السفن الأمريكية والسعودية والإماراتية بينما كانوا على ما يبدو يزرعون ألغاماً بالقرب من ميناء المخا. كذلك، أفاد مجلس الأمن الدولي العام الماضي أن تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، الذي هو أحد فروع الإرهاب المحلية، يخطط على الأرجح لشن هجمات على الغرب من اليمن.
وعلى الرغم من أنه قد يكون قد تم تخفيف هذه التهديدات نوعاً ما من خلال المكاسب العسكرية الساحلية الأخيرة التي تم تحقيقها ضد الحوثيين والجهود المكثّفة لمكافحة الإرهاب، إلا أن الانقسام الجغرافي والاجتماعي العميق في البلاد يمثّل تهديدات أكثر خطورةً على المدى الطويل.
حوالي 18.8 مليون يمني بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، وأكثر من عشرة ملايين يمني معرّضون لخطر المجاعة. ولن تؤدي إطالة الحرب إلا إلى تفاقم هذه المعاناة، وبالتالي تُسهَّل جهود تجنيد الجهاديين. كما أن الحوثيين الذين تدعمهم إيران قد يقومون بتصعيد “الإصلاحات” التي تعكس الثورة الإسلامية في طهران من عام 1979، مثل كُتبهم المدرسية المحلية المنقّحة لتعليم الجهاد ضد الولايات المتحدة وإسرائيل التي صدرت في أواخر العام الماضي.
وبالفعل، كلّما طالت الحرب، تراجعت إمكانية التوصل إلى حل سياسي – أي نظام فدرالي يمنح الحوثيين واليمنيين في جنوب اليمن مزيداً من الاستقلالية. وستدخل الدويلة الحوثية الشمالية المحاصرة أكثر فأكثر ضمن دائرة النفوذ الإيراني، مما يُعطي حجماً أكبر لنداء الجهاديين في الجنوب.
نشر معهد واشنطن مقال للباحث “أندرو إنجل” وهو مساعد محلل أقدم مع “مجموعة نافانتي”، حيث يتخصص في الدول الفاشلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.حول الحرب في اليمن حيث يقول :
- لن تنتهي حرب اليمن إلا بحل سياسي. وحتى لو حرّرت “عملية الرمح الذهبي” جزءاً أكبر من ساحل البحر الأحمر، إلا أن إحراز تقدّمٍ في صنعاء أو على المعاقل الحوثية في المرتفعات الشمالية من المرجح أن يثبت أنه كارثي.
- وبالمثل، بينما يمكن أن تؤدي الجهود المستمرة لمكافحة التمرد دوراً مساعداً، فلا بد من تطبيق الحوكمة الرشيدة إذا أراد الرئيس هادي وحلفاؤه إضعاف الجماعات الجهادية بشكلٍ دائم أكثر. ومن أجل السيطرة على المراكز السكانية، عليهم صرف الرواتب وتقديم الخدمات إلى جانب تأمين قوةٍ متماسكة كافية ودعمٍ سياسي ومادي كبير.
- ومن الناحية النظرية، فإن الحكومة التي تحظى بدعم حلفاء إقليميين والقادرة على فرض سيطرتها على الموانئ وحقول النفط ومنشأة “الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المُسال” ومحطات التصدير في اليمن، ستكون أكثر قدرة على الحكم وتوفير الخدمات من الحوثيين. إلا أن تنفيذ هذه النظرية يتطلّب دعماً تقنياً ومالياً كبيراً فضلاً عن زيادة التماسك السياسي.
- وفي غضون ذلك، يجب تعزيز الاستجابة الإنسانية الحالية لأن المجاعة ونقص الغذاء ينتشران في المناطق التي يسيطر عليها حلف الحوثيين وصالح والمناطق المتنازَع عليها. ويمكن عمل المزيد لتوفير الإغاثة الفورية في هذه المناطق، ومنع وقوع كارثة إنسانية أكبر.
تقدم عسكري محدود:
كانت الميليشيات الحوثية وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح يشنون حرباً ضد الحكومة الشرعية في اليمن منذ أوائل عام 2015. وعلى المستوى الدولي، تغذّي النزاع طموحات إيران الإقليمية، كما يتضح من تزويد طهران للسلاح والمال والتدريب والأفراد للحوثيين.
أما مَن يعارض إيران ويدعم الحكومة الشرعية للرئيس عبد ربه منصور هادي، فهو ائتلافٌ بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وعلى مستوى فروع الدولة، استغلّ تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» والفرع المحلي التابع لتنظيم «الدولة الإسلامية» حالة الفوضى، بينما تتنافس الجهات الموالية للحكومة ظاهريّاً بشتّى الطرق للحصول على النفوذ في حين ينتظر اليمنيون الجنوبيون فرصةً أخرى لإثارة قضاياهم العالقة منذ فترة طويلة.
وكانت خطوط المعركة الرئيسية للصراع ساكنة إلى حد كبير على مدى العام الماضي. فحلف الحوثيين وصالح يسيطر على تسع من أصل إحدى وعشرين محافظة يمنية (من بينها العاصمة)، وهو يسعى للاستيلاء على ست محافظات أخرى على الأقل. ورغم أن هذه المحافظات لا تشمل إلا حوالي 27 في المائة من مساحة البلاد، ألا أنها تشكّل موطناً لما يقدر بـ 80 في المائة من عدد سكانها قبل الحرب.
وفي المقابل، تسيطر قوات هادي على محافظة واحدة فقط (عدن)، معتمدةً على فصائل محلية مختلفة وعلى وحدات عسكرية أجنبية من أجل السيطرة على محافظات أخرى وتعزيز قوتها ضد قوات حلف الحوثيين وصالح والجهاديين.
وقد تَقدّم الثوار جنوباً وصولاً إلى عدن في عام 2015، لكنهم أُلزموا على التراجع إلى خطوط المعركة الثابتة نسبيّاً من عام 2016. وفي كانون الثاني/يناير من هذا العام، بدأت “عملية الرمح الذهبي” بهدف تحرير ساحل البحر الأحمر، عبر التخلص من نقاط النفاذ الإيرانية على طول باب المندب، وقطع خطوط الإمدادات إلى الحوثيين. واستولت هذه العملية على ميناء المخا في أوائل شباط/فبراير وتنوي الآن التقدّم شمالاً إلى ميناء الحديدة، وكذلك شرقاً من أجل فك الحصار العقابي على تعز.
ويُفتَرَض أن تنضم القوات التي تدعمها السعودية إلى هذه الحملة، تلك القوات التي تسعى للسيطرة على بلدة ميدي على الحدود الشمالية، لكن وجدت نفسها أمام طريق مسدود منذ فترة. كذلك، لم تستطع القوات التي تدعمها السعودية شرقي العاصمة أن تتقدم، مع أنها منعت انتشار قوات العدو في أماكن أخرى.
وعلى الرغم من المكاسب الملحوظة التي حققتها “عملية الرمح الذهبي”، تشير تجربة الماضي إلى أن المزيد من التقدم سيكون بطيئاً في أحسن الأحوال. إن زيادة حدة التوترات بين الفصائل الموالية للحكومة (أو، على الأقل، المعادية للحوثيين/صالح) إسمياً هي أمر مدعاة للقلق.
وقد أدى عجز الحكومة عن دمج القوات المنفصلة في تسلسل قيادي واحد إلى المزيد من الاقتتال الداخلي؛ فعلى سبيل المثال، اشتبكت كوادر مناهضة للحوثيين من حزب “التجمع اليمني للإصلاح” مراراً وتكراراً مع السلفيين في تعز، واندلعت أعمال عنف في شباط/فبراير في مطار عدن بين المقاتلين الذين تدعمهم دولة الإمارات و”قوات الحرس الرئاسي” التابعة لهادي. وتعكس هذه الانشقاقات خلافات حقيقية جدّاً على أرض الواقع، وكذلك بين الرئيس هادي وداعمي ائتلافه.
بوادر مشجعة لمكافحة الإرهاب:
إن المنافسة الواسعة النطاق بين تنظيميْ «القاعدة» و «الدولة الإسلامية» على تولي مسؤولية الجهاد العالَمي تدور على نطاقٍ أصغر في اليمن.
وقد سعت كلتا الجماعتين إلى اكتساب الشرعية من خلال الإدّعاء بالدفاع عن المجتمعات اليمنية الجنوبية ضد قوات صالح والحوثيين. لكن تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» يشكل تهديداً أكثر خطورة، وازدادت قوته خلال الحرب أكثر من أي وقتٍ مضى، ويرجع ذلك أساساً إلى تجنيده المتفوق، وعلاقاته القبلية، وقدرته على توفير الخدمات إلى المناطق التي طالما كانت مهمَلة واستولى عليها.
وردّاً على ذلك، تولّت دولة الإمارات زمام الأمور في مكافحة الإرهاب، فقامت بتنظيم القوات المساعِدة وتدريبها وتجهيزها بالمعدات من أجل إنشاء نموذج ناجح “للإخلاء والاستيلاء والبناء” يكون باستطاعته إضعاف تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» في المحافظات واحدةً تلو الأخرى.
وحتى الآن، أثبت هذا النموذح نجاحاً جزئيّاً في حضرموت، حيث طردت “قوات النخبة الحضرمية” التي درّبتها الإمارات هذا التنظيم من مدينة المكلا في نيسان/أبريل عام 2016، فحرمته من ملايين الدولارات التي كان يكسبها هناك من رسوم الاستيراد.
ومن الناحية النظرية، كان ينبغي على حكومة هادي أن تكون قادرة على تحسين الحوكمة والخدمات المحلية منذ ذلك الحين، إلا أن هذه الجهود اقتصرت على النشر الرمزي للقوات وما زالت عالقة في مرحلة “الانتظار”.
وفي غضون ذلك، نُشِرت “قوات النخبة الشبوانية” التي تدعمها الإمارات في كانون الأول/ديسمبر 2016 على طول الساحل، حيث تقوم بتأمين حماية منشأة “الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المُسال” في بالحاف، وهي في مرحلة الانتظار المبكرة.
وقد تنتقل هذه القوات شمالاً من أجل إخلاء الجزء الداخلي من المحافظة من تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، مما قد يساعد الفصائل الموالية لهادي في عَتَق على طرد قوات حلف الحوثيين وصالح من شمال شبوة وتأمين حقول النفط في المنطقة.
وأخيراً، يقول “أندرو إنجل” إن “قوات الحزام الأمني”، التي تشكّلت في محافظتيْ عدن ولحج في آذار/مارس 2016 لحماية العاصمة الموقتة عدن، قد توسّعت منذ ذلك الحين إلى محافظة أبين من أجل محاربة تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب».
غير أن بعض هؤلاء المقاتلين انسحبوا مؤقتاً من بعض أجزاء أبين في الشهر الماضي للاحتجاج على نقص الدعم المادي والمالي والسياسي – مما يشكّل دليلاً آخر على عجز الحكومة عن ترشيد قوات الأمن، أو دفع رواتب موظفي القطاع العام بشكلٍ فعّال، أو إنشاء حوكمة حقيقية في المناطق المحرَّرة. وسمح الانسحاب أيضاً للمتمرّدين بتنظيم عودة سريعة، فتبيّن مرة أخرى أن تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» سيحاول ملء أي فراغ في اليمن.
يشهد اليمن منذ بداية 2017 تصعيدا عسكريا على مختلف جبهات القتال، ترافقه تصريحات ملتهبة من طرفي الصراع، في مؤشر على أن الخيار العسكري سيكون الأبرز في العام الجديد، مقابل تراجع فرص الحل السياسي.
وبدعوى تهميشهم اقتصاديا وإقصائهم سياسيا، سيطر مسلحو تحالف جماعة “أنصار الله” (الحوثي) والرئيس السابق علي عبد الله صالح، على العاصمة صنعاء، في 14 سبتمبر/ أيلول 2014، ثم محافظات أخرى، وسط اتهامات لهم بتلقي دعم عسكري إيراني.
وهو ما رد عليه تحالف عربي تقوده السعودية، بإطلاق عملية عسكرية، في 26 مارس/ آذار 2015، بناء على طلب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي؛ لردع “الحوثي وصالح”، لكن ورغم مرور أكثر من عشرين شهرا، لم ترجح المعارك كفة طرف على آخر.