هل قرار السعودية والإمارات فى المشاركة بالضربات الجوية يعيد تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط.؟
قرار المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة المشاركة في الضربات الجوية في سوريا سياسة خارجية تتسم بالجرأة على نحو متزايد من جانب الدولتين حيث بدأت بالفعل تعيد تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط. ولانشغال مصر وسوريا والعراق القوى العسكرية التقليدية في العالم العربي إما بحروب أهلية أو باضطرابات سياسية داخلية فمن المحتمل أن تتغير المعادلة السياسية في المنطقة بظهور الدولتين الخليجيتين كقوتين عسكريتين مناوئتين للإسلاميين المتشددين. وفي حين أنه لا يبدو أن أيا من البلدين سيتحرك باتجاه استخدام القوة العسكرية لتسوية نزاعات أو فرض مصالح فإن الضربات العسكرية في سوريا تظهر ارتياحا متناميا لاستخدام القوة إلى جانب الدبلوماسية. وقالت جين كيننمونت من تشاتام هاوس للابحاث “أشك أنهما ستتخذان خطوات تختلف اختلافا كبيرا عن السياسة الغربية مثل قصف إيران لكنهما قد تتصرفان من جانب واحد في المناطق التي تريان أنها ليست مهمة جدا لحلفائهما الغربيين.” وقد قدمت السعودية والإمارات الدعم المالي والعيني لحكام مصر الجدد منذ أن انتفاضة شعبية على اثرهاعزل الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الاخوان المسلمين في أعقاب احتجاجات شعبية على حكمه وتجاهلتا الهواجس الأمريكية بشأن طبيعة التغيير السياسي في مصر. ورأى البلدان في الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي خصما قويا لجماعة الاخوان المسلمين التي يخشيان طموحاتها الاقليمية. ودفع هذا القلق الإمارات الآن إلى الاضطلاع بدور أكبر في ليبيا جارة مصر التي تقول واشنطن إن الإمارات تدخلت فيها لتأييد فصائل تقاتل جماعات إسلامية. ولم تتأكد تقارير عن شن طائرات إماراتية غارات في ليبيا. كذلك فإن السعودية والإمارات تمارسان ضغوطا على قطر التي تتهمانها بدعم جماعة الاخوان في مصر والجماعات الإسلامية في ليبيا. وفي شهر مارس اذار الماضي سحبت الدولتان ومعهما البحرين سفراءهم الثلاثة من الدوحة في خطوة لم يسبق لها مثيل. كما أن السعودية تشعر بالقلق للتطورات في اليمن حيث استولى الحوثيون الشيعة الذين تربطهم صلات بإيران على العاصمة وحيث خطط أنشط جناح اقليمي لتنظيم القاعدة لشن هجمات على الأسرة الحاكمة في المملكة.
والدول الخليجية من بين أكبر الدول المشترية للعتاد العسكري في العالم منذ فترة طويلة وأصبح لديها قوات جوية مزودة بإمكانيات كبيرة تضارع قوات أي دولة أخرى في الشرق الأوسط. لكن نادرا ما وضعت قدراتها العسكرية الكاملة موضع الاختبار. وجذب الدور الذي تلعبه السعودية والإمارات في الطلعات التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا الانتباه لأن مشاركتهما جديدة في وقت تغيب فيه القوى العسكرية العربية التقليدية مثل مصر عن الساحة. كما جذب البلدان اهتماما كبيرا من وسائل الإعلام بالتفاصيل مثل مشاركة أمير سعودي في الغارات وكذلك أول قائدة لطائرة مقاتلة في الإمارات. وقال كريستيان كوتس اولريكسن الباحث بمعهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس بالولايات المتحدة “السعودية والإمارات أظهرتا أنهما متوافقتان مع الفوائد الدعائية التي نتجت عن المشاركة التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة لابن ولي العهد وامرأة تقود طائرة في العمليات العسكرية.” وأضافت “الدول الخليجية لم تعد في عيون كبار المسؤولين في واشنطن العاصمة وعواصم أخرى من المؤيدين لوضع راهن ذي طابع رجعي من مناهضي الثورات بل حلفاء مهمين في الحرب على الإرهاب التي تتشكل على نحو سريع.” وقالت جين كيننمونت إن تنامي الثقة العسكرية لدول الخليج تسهم أيضا في التخلص من أفكار قديمة مفادها أن جيوش الخليج عاجزة عن أداء دور في ساحة القتال بسبب قوتها البشرية المحدودة. وأضافت “هذه وجهة نظر قديمة… تنطبق فقط على نموذج الحرب القائم على وجود الجنود في ساحة المعركة. سلاح الجو الإماراتي مزود بإمكانيات في غاية التطور.”
ومع ذلك فإن قرار التخلي عن سياسة الحذر العسكري القديمة يشكل مخاطر سياسية وأمنية بالنسبة للبلدين. ففي السعودية التي أودعت سجونها آلاف المشتبه أنهم متشددون منذ عام 2003 وأمطرت شعبها بوابل من الانتقادات الشديدة للفكر المتشدد يبدو خطر الرد الانتقامي من جانب الجهاديين واضحا. وقد سحقت المملكة انتفاضة من جانب متشددي تنظيم القاعدة بين عامي 2003 و2006 الذين اتهموا الرياض بخيانة المسلمين من أجل تحالفها مع الغرب. كذلك فإن الرياض تجازف بإغضاب الأغلبية السنية بمشاركتها في الضربات الجوية تحت قيادة غربية تستهدف أعضاء من الطائفة نفسها في سوريا والعراق يرى كثير من السعوديين أنهم يعانون من اضطهاد حكامهم من الطائفة الشيعية. أما في الإمارات حيث يقل تاريخ التشدد الديني على المستوى المحلي وحيث لم تقع أي هجمات فمن الصعب تقييم المخاطر. وتوجد في أبوظبي ودبي جاليتان كبيرتان من الوافدين غير المسلمين وعشرات المباني الكبرى التي يمكن أن تصبح هدفا لمؤامرات المتشددين. وقال عبد الخالق عبد الله أستاذ العلوم السياسية في الإمارات “من المؤكد أن هناك مخاطر محتملة تنطوي عليها هذه السياسة الخارجية الجريئة الجديدة للامارات. والرد الانتقامي واحد منها.” وأضاف أن الخطر الآخر يتمثل في احتمال وقوع انقسامات بين دول مجلس التعاون الخليجي الست. ومع ذلك يبدو أن الخوف من السماح للفكر المتشدد بأن يكسب أرضا في دول عربية كبرى تعاني من اضطرابات يفوق أي مخاوف من هجمات المتشددين في الأجل القصير. وقال أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة “من المؤكد أننا موجودون هناك (في سوريا) ليس فقط من أجل الدولة الإسلامية بل هناك ضد الإرهاب.المصدر:وكالات