حروب العملات الرقمية : كيف يمكن للعملات الرقمية السيادية (مثل اليوان الرقمي) أن تغير موازين القوى السياسية والاقتصادية

اعداد : د.مصطفى عيد إبراهيم. خبير العلاقات الدولية
- المركز الديمقراطي العربي
بعد أن هيمن الدولار الأمريكي بشكل مطلق على التجارة والمدفوعات الدولية. يتجه التمويل الدولي نحو تبني نظام العملات المتعددة، وذلك بعيدًا عن الإطار الذي يهيمن عليه الدولار الأمريكي. ويمكن ان نلمس ذلك من خلال انخفاض استخدام الدولار الأمريكي في المعاملات الدولية، وانخفاض حصته في احتياطيات البنوك المركزية. ويعود انخفاض حصته في الاحتياطيات إلى زيادة التجارة بين الدول غير المرتبطة بالدولار الأمريكي، وزيادة حجم أسعار السلع والمنتجات الأخرى المقومة بعملات غير الدولار في الأسواق العالمية، كما أصبح سوق الصرف الأجنبي يُحدد أسعار الصرف مباشرةً بين العملات وليس من خلال الدولار الأمريكي كعملة وسيطة. ويُسمى هذا الاتجاه بإلغاء الدولرة. ويعززه تقنية البلوك تشين وغيرها من التقنيات، التي تُسهّل المحاسبة والتسوية الفورية، بالإضافة إلى توفير مسار تدقيق. ولقد لعبت العملات الرقمية دور كبير في تقليص دور وحجم الدولار الأمريكي في التجارة والمدفوعات الدولية وهو ما يتوقع ان تستمر وتيرته وان تزداد أدوار العملات الأخرى خاصة اليوان الرقمي الصيني هذا الاتجاه، وسيُلهم البنوك المركزية الأخرى للتحول الرقمي، وبناء اندماج رقمي للتمويل الدولي.
ماهي العملة الرقمية
العملة الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية CBDC هي نسخة إلكترونية من الأوراق النقدية والعملات المعدنية الصادرة عن البنك المركزي للدولة. ويمكن إصدار الأموال لجميع المواطنين عبر مجموعة من الأجهزة ــ حتى من خلال بطاقة بلاستيكية بسيطة. ولأن العملة الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية تخضع لسيطرة البنوك المركزية، فإنها قد تجعل المدفوعات أكثر كفاءة، وتحسن السياسات المالية والنقدية، وتعزز الشمول المالي. ويمكن للعملة الرقمية للبنك المركزي المصممة جيدًا أن تعالج قضية الشمول المالي. ويظل التحدي في إيجاد التوازن التنظيمي الصحيح بين تعزيز الابتكار وتخفيف المخاطر. ولقد شهدت العملات المشفرة التي طورتها منظمات خاصة أو مجتمعات غير رسمية (بيتكوين) تطورات كبيرة ومكاسب في القيمة. واستجابة لذلك، تستكشف 87 دولة (تمثل أكثر من 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي) الآن العملات الرقمية للبنوك المركزية، في حين أطلقت 9 منها عملة رقمية مملوكة للدولة بالكامل.
إن التبني المتزايد للأصول الرقمية المدعومة بتقنيات البلوك تشين يعمل على تسريع وتيرة الابتكار في القطاع المالي وأسواق رأس المال. وتقدم تقنيات البلوك تشين نماذج جديدة، ويعول على العملات الرقمية للبنوك المركزية في تحقيق يلي: تحسين الكفاءة وتقليل التعقيد والمخاطر ووقت التسوية، وتوزيع الدفاتر كنموذج مختلف لمرونة النظام والانفتاح يقود القدرة التنافسية، وبالتالي انخفاض التكاليف والشمول المالي وتحكم أفضل ونقل أسرع للسياسات النقدية، مع إمكانية برمجة مدمجة.
وفقًا لبنك التسويات الدولية، فإن أكثر من 50 بنكًا مركزيًا، تمثل الجزء الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تستكشف العملات الرقمية: وذكر تقرير الإيكونوميست أن “الاتحاد الأوروبي يريد تطبيق اليورو الافتراضي في العام الجاري 2025، وأطلقت بريطانيا فريق عمل، وأمريكا، المهيمنة المالية في العالم، تبني دولارًا إلكترونيًا افتراضيًا”. كما أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ نشطة أيضًا، وخاصة الصين واليابان وسنغافورة وهونج كونج وتايلاند.
خصائص ال CBDC
يمكن الاحتفاظ بالمال في حساب مصرفي واستخدام البطاقات البلاستيكية أو الهواتف الذكية أو تطبيقات التكنولوجيا المالية لإرسالها إلكترونيًا إلى العالم. والفرق الرئيسي بين وسائل الدفع الرقمية الشائعة هو أن أموال البنك المركزي – سواء كانت نقودًا أو رقمًا على شاشة – خالية من المخاطر ظاهريًا بينما الودائع المصرفية التجارية ليست كذلك. من الناحية النظرية، يمكن تحويل الأموال التي تحتفظ بها في حساب مصرفي إلى نقود ورقية عند الطلب. ولكن هذا الأمر يخضع لسلامة البنك المالية وسيولته. وهذا يعني أن المستهلكين قد لا يتمكنون دائمًا من الوصول إلى أرصدتهم وقد يخسرون المال إذا أفلست أحد البنوك. ستكون العملات الرقمية للبنوك المركزية، مثل النقود، مسؤولية مباشرة للبنك المركزي، حيث تحمل ضمانه على الأرجح طالما استمرت الدولة التي تقف وراءها.
من المتوقع أن تنشأ شبكة جديدة لعملة CBDC مع بدء المزيد من البلدان في استكشاف واستخدام عملة CBDC في المدفوعات الدولية والعملات المتقاطعة. وتستكشف المنظمات الدولية مثل بنك التسويات الدولية (BIS)، والبنوك المركزية مثل بنك الاحتياطي الفيدرالي وبنك اليابان، حاليًا القضايا الرئيسية المرتبطة بعملة CBDC. وإذا تمت إدارتها بشكل صحيح، يمكن أن تكون CBDC أكثر كفاءة في الدفع وأرخص – داخليًا وخارجيًا ودوليًا. ولكن هناك العديد من المخاوف مثل الهجمات الإلكترونية والمخاطر الأعلى للاندفاع إلى البنوك أثناء الأزمات المالية. “في الأوقات الصعبة. ومن المتوقع أيضًا أن تواجه الحكومة والأسواق قضايا تنظيمية أوسع نطاقًا مثل تنظيم البيانات والسيادة – وخاصة تلك التي لم يتم استكشافها حقًا في سياق النقد.[i]
أسباب التخلي عن الدولرة
ان توسع الولايات المتحدة الامريكية في عملية تسليح الدولار أو جعله كسلاح، قد وصلت إلى مستويات غير مقبول. حيث جمّدت الولايات المتحدة 7 مليارات دولار من أموال أفغانستان المُودعة في البنوك الأمريكية، تاركةً إياها تُعاني الجوع والموت جوعًا. في حالة روسيا، وصل الأمر إلى مستوى عال – مع تجاهل تام لأي عواقب على أي دولة أو شعب آخر. وقد أدى هذا السلوك الى تعرض الاحتفاظ بالدولار الأمريكي لمخاطر سياسية واضحة وقائمة. كما أدى اليأس في حالة روسيا إلى نتيجتين غير مقصودتين. هما: ان المملكة العربية السعودية باتت تعيد النظر في العملة التي تبيع بها النفط خاصة للصين. وإذا اتبع منتجون وسلع أخرى هذا النهج، فسيكون ذلك نهاية البترودولار، وقد يرى منتجو النفط فائدة النموذج الروسي في البيع بعملاتهم المحلية – بدلاً من الخضوع لتقلبات الإجراءات الأمريكية. على صعيد اخر، فان التضخم الأمريكي الذي اقترب من 10%. مما جعل الاحتفاظ بالدولار الأمريكي يتعرض لمخاطر اقتصادية جسيمة. خاصة في ظل الزيادة الهائلة في المعروض النقدي بمقدار 17 تريليون دولار من قبل الاحتياطي الفيدرالي، و9.7 تريليون دولار ضخها “ترامب” (3.7 تريليون دولار) في الاقتصاد، وضخ “بايدن” نحو (6 تريليونات دولار). مما حذا بالاحتياطي الفيدرالي لخفض ميزانيته العمومية، ورفع أسعار الفائدة.
فضلا عن ان الدين الأمريكي يقترب من 130% من الناتج المحلي الإجمالي. ويعد هذا خطر اقتصادي آخر، وله تداعيات دولية وثقة في الاحتفاظ باحتياطيات الدولار الأمريكي. يُشكل الدولار الأمريكي ما يقرب من 60% من الاحتياطيات، وهو ما يفوق بكثير حصته البالغة ربع الناتج المحلي الإجمالي، وأقل من خُمس حصة التجارة العالمية. ويبدو أن عبء الدين سيرتفع أكثر من أن ينخفض.
وفيما يتعلق بالقضايا الجيوسياسية. تخوض الولايات المتحدة حربًا بالوكالة في أوكرانيا مع روسيا رغم تردد ترامب والتملص حينا والانخراط حينا اخر. ولا تزال أمريكا عازمة على احتواء الصين. وكلاهما مغامرتان مكلفتان. ستنهار أوكرانيا دون دعم. الاتحاد الأوروبي ضعيف، وكذلك بريطانيا. ترى روسيا نفسها تُحارب قضية وجودية، ولا تستطيع الانحناء. أما الصين، فتتجاهل في الغالب الإجراءات والعقوبات الأمريكية، وتُمضي قدمًا في خططها التنموية.[ii]
من ناحية اخرى، فانه يمكن أن تتم التجارة مع الدول الأخرى باستخدام اليوان الرقمي لتجاوز النظام المصرفي الأمريكي، وتجنب التدقيق والتكاليف، وستكون هذه العملة فعالة ومريحة ومستقلّة. الا ان اليوان الرقمي الصيني لن يحل محل الدولار، ولكن الدول التي تستخدمه ستقلّ حاجتها إلى الدولار واحتياطاته. وقد يؤثر ذلك على حجم تجارة الدولار.
اليوان الرقمي
صُمم اليوان الرقمي للاستخدام المحلي. ليكون بمثابة التطور المنطقي لتعزيز المدفوعات غير النقدية في الصين، ويرى بعض الخبراء في مجال النقد والعملات، ان اليوان الرقمي لم يصمم لتجنب استخدام الدولار الأمريكي. فالصين ليست بحاجة إلى القيام بذلك. حيث تُعدّ الصين أكبر مُتداول في العالم، وهي الطرف الحاسم فيه. وقامت الصين بتطبيق اليوان الرقمي – العملة المدعومة من البنك المركزي والمعروفة أيضًا باسم e-CNY – لمعالجة حالات التخلف المستمر عن السداد، وهي خطوة من شأنها توسيع نطاق استخدام هذه العملة بما يتجاوز نطاق استخداماتها التي استكشفتها بكين منذ إطلاقها عام 2019. وتناولت السلطات في مقاطعة هونان المركزية هذا الموضوع عند تفصيل خططها لتوسيع نطاق استخدام العملة الرقمية، وفقًا لوثيقة نُشرت الشهر الماضي. وأفادت الوثيقة أن هونان “ستستكشف استخدام اليوان الرقمي لتسوية ديون سلسلة المدفوعات” من خلال نموذج يتيح وصول الأموال إلى نهاية سلسلة المدفوعات مباشرةً.
وفي هذا السياق، قال تان جونيو، الخبير الاقتصادي في شركة كوفاس العالمية لتأمين الائتمان التجاري: “من المحتمل أن يساعد اليوان الرقمي في تعزيز الرؤية والتحكم الفوري في المعاملات داخل الاقتصادالصيني. وذكر “تان” الى إن الديون المتسلسلة، أو الديون المثلثية – وهي سلسلة من حالات التخلف عن السداد المتتالية التي تنشر الضغوط المالية على قطاعات الاقتصاد المترابطة – تتجلى بشكل خاص في قطاعات مثل صناعة السيارات، حيث تمارس شركات صناعة السيارات نفوذًا تفاوضيًا قويًا على مورديها. وأضاف أنه على الرغم من أن إمكانية تتبع اليوان الرقمي يمكن أن تساعد في تحديد ومراقبة اختناقات الدفع، إلا أنها لا تضمن التسوية. وتبقى المشكلة الأساسية هي قدرة المشترين على السداد. فبدون تحسن في السيولة أو الملاءة المالية، ستستمر حالات التخلف عن السداد.”[iii]
وتجدر الإشارة الى ان الصين كانت أول اقتصاد رئيسي يُطلق عملة رقمية للبنك المركزي. طُوّرت العملة الرقمية لأول مرة عام 2019، وتُستخدم عادةً في المعاملات اليومية الصغيرة، مثل مدفوعات التجزئة، والمدفوعات الحكومية، وتحويلات الرواتب، وأجور النقل العام. واعتبارًا من يونيو 2024، تم اعتمادها في 26 مدينة لمعاملات بقيمة 7 تريليونات يوان. ولم يتباطأ نموها، حيث استمر عدد محافظ اليوان الإلكتروني الشخصية المفتوحة في النمو.
لكن الصين لديها طموحات أكبر فيما يتعلق باليوان الصيني الإلكتروني، مع خطط لاستخدامه في السندات والتجارة عبر الحدود وتطبيقات مالية أخرى.
في يونيو الماضي، أصدر بنك تجاري إقليمي في منطقة قوانجشي تشوانج التي تتمتع بالحكم الذاتي – وهي منطقة تقع جنوب الصين على الحدود مع فيتنام – سندات مدتها ثلاث سنوات باليوان الرقمي. وقد استُخدم هذا الإصدار، الذي بلغت قيمته 3 مليارات يوان، وهو الأول من نوعه، لجمع الأموال لمشاريع تربط المقاطعة بجنوب شرق آسيا. وفي ذلك الشهر أيضًا، أعلن بنك الشعب الصيني أنه سينشئ “مركز عمليات دولي” لليوان الصيني الإلكتروني كجزء من مساعي البلاد الأوسع لتدويل العملة الرقمية. كما بدأ البنك المركزي في البر الرئيسي الصيني التعاون مع مؤسسات في هونج كونج وتايلاند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على منصة عبر الحدود لمدفوعات العملات الرقمية. كما تعمل الصين على تشجيع استخدام e-CNY في أفريقيا، في إطار توسيع تعاملاتها التجارية في القارة..[iv]
ورغم هذه الخطوات البارزة، فإن اليوان الرقمي سيظل يواجه عقبات في سعيه نحو التدويل الكامل. ولا تزال طبيعة الرنمينبي غير القابلة للتحويل تُحدّ من جاذبية اليوان الرقمي عالميًا وتُقيّد دوره في التمويل العابر للحدود. وتُشكّل القيود المفروضة على الوصول إلى الأسواق المالية الصينية، وحدود قابلية تحويل اليوان، أو “أموال الشعب”، عقبات كبيرة أمام استخدامه عالميًا. ومع ذلك، تُطبّق هونج كونج بالفعل لوائح تنظيمية للعملات المستقرة، ويسعى بعض الخبراء الصينيين إلى وضع لوائح تنظيمية للتحضير لاحتمال ربط العملة المستقرة باليوان.
الولايات المتحدة الامريكية
وفي الولايات المتحدة، جعل الرئيس دونالد ترامب السياسات الداعمة للعملات المشفرة أولوية لإدارته. ووقّع قانونًا، هو قانون “جينيوس”، الشهر الماضي لتنظيم العملات المستقرة. العملات المستقرة هي عملات رقمية ترتبط قيمتها بعملة محددة، مثل الدولار الأمريكي. ويمكن استخدامها كبديل في الحالات التي قد تكون فيها معاملات العملات صعبة أو مكلفة. وهي تختلف عن العملات المشفرة، مثل بيتكوين، في أن غرضها الوحيد هو أن تكون وسيلة دفع، وليست استثمارًا يُتداول لزيادة قيمتها.
عادةً ما تُشترى وتُباع العملات المستقرة بالدولار مقابل دولار واحد لكل منها. وهي تستند إلى احتياطي يعادل قيمتها، ولكن تُصدرها مؤسسات خاصة، وليس بنوك مركزية مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. فالعملات المستقرة ليست عملات رقمية للبنوك المركزية، وهي نسخ رقمية من العملات التي تُصدرها البنوك المركزية. إنها تستند إلى دفاتر حسابات موزعة قائمة على تقنية بلوكتشين. وهي “مستقرة” بمعنى أن قيمتها مرتبطة بالعملة التي تُعتمد عليها.
يقول منتقدو العملات المستقرة إنها، بما أنها في الأساس بديل عن العملات العادية، فانه يمكنها تجاوز الأنظمة المصرفية والضمانات الموضوعة لإدارة المعاملات المالية التقليدية، لذلك فقد تكون أكثر فائدة للأغراض غير القانونية.
وختاما، إنّ الحديث عن حروب العملات الرقمية لم يعد مجرد نقاش أكاديمي، بل تحوّل إلى ساحة صراع حقيقية يجمع بين التكنولوجيا والمال والسياسة. فالمسألة لم تعد محصورة في نطاق البنوك المركزية أو المؤسسات المالية التقليدية، وإنما باتت تمس جوهر التوازنات الدولية ومحددات القوة بين الدول. إنّ بروز العملات الرقمية السيادية – وفي مقدمتها اليوان الرقمي – يعكس تحوّلاً استراتيجياً يضع العالم أمام مشهد جديد، حيث تتراجع الهيمنة المطلقة للدولار تدريجيًا، وتظهر محاولات جادة لخلق نظام مالي أكثر تنوعًا وتعددية. فاليوان الرقمي ليس مجرد نسخة إلكترونية من العملة الصينية، بل هو أداة جيوسياسية تسعى بكين من خلالها إلى تقليص اعتمادها على المنظومة المالية التي تسيطر عليها واشنطن، خصوصًا نظام “سويفت”، وإلى بناء قنوات دفع وتسوية مستقلة تعزز تجارتها العالمية ضمن مبادرة “الحزام والطريق”. ومع انتشاره المحتمل في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، يمكن أن يصبح وسيلة لتوسيع دائرة النفوذ الصيني، وإعادة تشكيل خريطة التحالفات الاقتصادية، بل وحتى تغيير قواعد اللعبة الدبلوماسية.
لكن في المقابل، فإن دخول العملات الرقمية السيادية إلى ميدان المنافسة العالمية يثير تحديات عميقة: فالدول الغربية تدرك أنّ صعود اليوان الرقمي يهدد مكانة الدولار واليورو، وقد يدفعها إلى تسريع مشاريعها الرقمية الخاصة أو تعزيز تشريعاتها الرقابية. كذلك، يثير هذا التحول مخاوف تتعلق بالخصوصية الفردية، والأمن السيبراني، واحتمالات استخدام العملات الرقمية في الالتفاف على العقوبات أو تمويل أنشطة غير مشروعة. وبذلك فإنّ حروب العملات الرقمية لن تكون مجرد منافسة مالية باردة، بل قد تتحول إلى ساحة صراع متعدد الأبعاد، يمتزج فيه الاقتصادي بالسياسي، والتكنولوجي بالأمني.
وفي ضوء هذه التطورات، يصبح مستقبل النظام النقدي العالمي مفتوحًا على سيناريوهات عدة: فقد نشهد عالمًا متعدد العملات الرقمية السيادية، يفرض على المؤسسات الدولية إعادة هيكلة قواعد التعامل والتسوية؛ أو قد ندخل في مرحلة استقطاب حاد بين معسكر تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها، وآخر تقوده الصين والدول المرتبطة بها تجاريًا. وبين هذين الاحتمالين، سيظل اليوان الرقمي مرشحًا ليكون نقطة ارتكاز في إعادة توزيع النفوذ، وإعادة صياغة ميزان القوى الاقتصادية والسياسية في القرن الحادي والعشرين.
[i] – https://democraticac.de/?p=101613
[ii] – https://www.quora.com/Does-the-digital-yuan-offer-China-a-way-to-dodge-the-dollar
[iii] – https://www.scmp.com/economy/china-economy/article/3324361/chinese-province-floats-new-use-digital-yuan-paying-long-delayed-debts
[iv] – https://www.asahi.com/ajw/articles/15979749