الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

من غزة نحو الشرق الأوسط مشروع ترامب والسلام الصعب

بقلم : الدكتور هاني الحديثي – المركز الديمقراطي العربي 

 

اقترب الموعد المتفق عليه لإيقاف ابشع حرب إبادة شهدها تاريخ العالم المعاصر من خلال مؤتمر شرم الشيخ الذي تحضره وتديره الولايات المتحدة وفق مبادىء ترامب المعلنة وهي أساس الحوار الى جانب مصر الدولة المضيفة ومعهما الترويكا الأوروبية (فرنسا و بريطانيا وألمانيا وإيطاليا ) والمملكة السعودية وقطر والإمارات والأردن مع القوى الاقليمية المهمة حيث تركيا وباكستان وايران فضلا عن إندونيسيا .

نظرة على الدول و القوى التي ستحضر المؤتمر توضح طبيعة خارطة الطريق نحو المستقبل . الموضوع لن يقتصر على حسم خارطة الطريق في غزة كما يتوقع البعض ويحدد على ضوء توقعاته المنتصر من الخاسر في الحرب ،انما هي القوى التي ستقرر مستقبل الشرق الأوسط بعد ان تضع الحر أوزارها . هذه الحرب لم تشمل الحرب الدموية في غزة حسب انما القوى التي تفاعلت معها وتأثرت بشكل متباين بنارها مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن.

لبنان وسوريا واليمن شهدت تغييرات جدية ، في حين ظل العراق ينتظر تداعيات التغيير في الدور الإيراني الذي سيتحدد وفق المنتظر من المحادثات الإيرانية مع الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية إتجاه برنامجها النووي بعد ان بدأت العقوبات الشاملة تأخذ حيزها من التأثير في النظام السياسي الإيراني .

بعبارة اخرى فان دور الوكلاء لايران ومن بينهم النظام العراقي والملشيات الإيرانية القابضة على سلوكه السياسي تنتظر دورها اللاحق وحجم تأثيرها مستقبلا بعد انتهاء الوظيفة التي طلب منها تأديته من قبل ايران كمصد امامي في الصراع على النفوذ الاقليمي الذي تشكل ايران احد أطرافه ولاجله فان هؤلاء الوكلاء ليسوا مدعوين للحضور كونهم اساسا عناصر ثانوية في الصراع الأساسي وسيتحدد مصيرهم في ضوء ماسينجر عن المؤتمر الدولي الذي يلي عادة كل حرب شاملة على الصعيد الاقليمي او الدولي .

ان ذلك يشمل ايضا حركة حماس وحزب الله والحوثيين وغيرهم . حرب إبادة استمرّت سنتان لم تفلح خلالها جميع الوساطات الدولية والمحاكم الجنائية و ثورة الرأي العام العالمي من وقفها حتى أتت مبادرة الفرصة الأخيرة من قبل الرئيس ترامب لتضع كل تلك الجهود على طريق الاتفاق الصعب .

ان قراءة بسيطة لمجمل الاحداث التي شهدتها السنتين من هذه الحرب غير المتكافئة في جميع عناصرها تجعل بالإمكان استخلاص النتائج التالية :

اولا : رغم التهاون العربي الرسمي والشعبي اتجاه جرائم الإبادة التي ارتكبتها حكومة نتنياهو المتطرفة على امتداد فترة الحرب في غزة ،إلا ان ألهم الفلسطيني ظل هما عربيا بالدرجة الاولى ، وان الحل بالسلم او الحرب لن يتم إلا بادوات عربية بالدرجة الأساس وبدليل مخرجات الاتفاق الذي يجري إخراجه وتطبيقه على الارض بمشاركة من بلدان التفاوض والوساطة (السعودية ومصر وقطر ) إلى جانب تركيا واسرائيل و ايران وبلدان اخرى الفاعلة في المشهد وتحت إدارة ترامب .

ثانيا : ارتباط المصالح الاستراتيجية للكيان الاسرائيلي بشكل متكامل مع الغرب السياسي وقيادته المتمثلة بالولايات المتحدة ‘ وان اية فرصة للسلام في الشرق الأوسط لن تحدث فعلها دون الولايات المتحدة وهو الامر الذي يجعل مستقبل الشرق الأوسط مرهون بالوجود الفاعل للولايات المتحدة في عموم الشرق الاوسط ووفق خارطته الموضوعه له .

ان هذه القراءة للدور الأمريكي سبق وان اكد عليها الرئيس انور السادات في احاديثه المتكررة عن حرب اكتوبر والدور الامريكي في المنطقة ، وللأسف فان الخطاب الشعبوي منع الاستفادة من هذا الدرس والان عاد الموقف ليؤكد هذا الاستنتاج .

لذلك بعد مرور مايقارب ال خمسة عقود على حرب تشرين /اكتوبر 1973 يعود الخطاب السياسي العربي والدولي ليؤكد ما قاله الرئيس انور السادات اثر توقيع اتفاقيات كامب ديفيد ان اسرائيل بخارطة ماقبل الرابع من حزيران 1967 هي امر واقع لامجال للنقاش فيه في هذه المرحلة من مراحل الصراعات الاقليمية و الدولية ، و ان الدور العربي الذي لعبته السعودية مع فرنسا في الامم المتحدة والذي أفضى إلى تحقيق الاعتراف القانوني بدولة فلسطينية من قبل 160 عضو من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة تتعايش إلى جانب دولة الكيان الاسرائيلي بسلام ، و بحدود الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، يعزز ذلك وينفي خلافه .

ثالثا : تبقى القضية الفلسطينية محور الصراع العربي -الإسرائيلي بعيدا عن التوظيف الكاذب للقوى الاقليمية التي تزعم تصدرها لنصرة قضية فلسطين ولكنها في الواقع حققت مكاسب كبيرة لصالح الكيان الاسرائيلي عبر تفكيكها لوحدة المجتمعات العربية وأضعافها المستمر لقدرات الدول العربية المحيطة بفلسطين ، حيث تخادمت بشكل ممتاز مع المشروع الإسرائيلي في الاقليم العربي وتنافست معه بجدية على من يلعب الدور الفاعل في قيادة الاقليم على حساب الاخر احدهما على أساس عنصري صهيوني ، والثاني على أساس قومي مؤطّر ايديولوجيا واعلاميا بإطار مذهبي ، وهي رافعات جوهرية تؤخذ بنظر الاعتبار في رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط . لقد تمت مساع كبيرة لتغييب الفعل الوطني الفلسطيني والفعل العربي عن الصراع مع اسرائيل طيلة سنتان مضت من حرب الإبادة الجماعية ، شارك في هذه المساعي كل من حركة حماس ومعها فصائل (إسلامية )جهادية مع ايران بتوجهاتها الأيديولوجية تحت زعم التصدي الإيراني لقيادة المقاومة الإسلامية لتحرير القدس ، رغم ان الجهد الحقيقي على ارض الواقع تمثل بارتكاب جرائم إبادة جماعية من قبل القوى الملشياوية المقاومة والتابعة لايران شملت سوريا والعراق ولبنان واليمن مستخدمة حماس كغطاء شرعي لتحقيق ذلك ، حتى بدأت السحب تنكشف شيئا فشيئا عن مشروعين إقليميين كبيرين على حساب العالم العربي احدهما تقوده اسرائيل والثاني تقوده ايران إلى جانب مشاريع اقليمية اخرى تشمل تركيا وإثيوبيا بدرجات متفاوتة .

رابعا : لاشك ان الشعب العربي الفلسطيني قدم عشرات الالاف من الشهداء ومثلهم من الجرحى والمعوقين ،كما انه خسر قطاع غزة الذي تحول الى رماد ،و ان عملية اعادة البناء عليه تستغرق خمسة سنوات كحد ادنى وتصل الى عشر سنوات خلالها يمكن ان يشهد القطاع العديد من المتغيرات باتجاه الاستحواذ عليه تحت اعتبارات مختلفة يقف في المقدمة منها عامل الطاقة والموقع الجيواستراتيجي .

المحصلة مما تقدم ان العالم عرف فلسطين مجددا بعد أن كاد النسيان يطويها ،كما ان الرأي العام العالمي وأخص بالذكر العالم الغربي تعرف بشكل دقيق جدا على هوية الكيان الاسرائيلي المتطرفة ليودعها لدى المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ومنظمات حقوق الإنسان العالمية ليكون ذلك مؤشراً نحو تغير قد يصيب الموقف الدولي مستقبلا من الكيان الاسرائيلي في صراع لم يكتب له ان ينتهي بسلام شامل ودائم على الاطلاق .

بناءا على ماتقدم من معطيات على الارض فان الاتفاق المبرم على أساس مبادرة ترامب يتحمل السيناريوهات التالية :

الاول :ان تحاول حكومة نتنياهو المماطلة في تنفيذ الاتفاق والتلاعب بمفرداته لحين اطلاق سراح المحتجزين خلال الأيام المقبلة ثم معاودة القتال بأساليب مختلفة لتظهر حكومة بنيامين نتنياهو بمظهر المتحكم بالموقف خلاف مايظهر الان من اضطرار في الموافقة يضعف موقفها امام الرأي العام الداخلي والدولي ربما يفضي إلى الإسراع بوضع نتنياهو تحت وضع المسائلة الجنائية .

الثاني : تخضع حكومة نتنياهو لضغوط من قبل ترامب لتطبيق البنود وفقا للمتفق عليه مع الوسطاء ليشكل ذلك انتصاراً لإدارة ترامب في وضع اللبنة الاولى نحو حل اوسع لقضايا الشرق الأوسط العالقة . الثالث: التوافق الأمريكي -العربي-الإسرائيلي من جهة وتوافق امريكي -إيراني -تركي من جانب آخر نحو حل شامل لقضايا الشرق الأوسط يفضي إلى وضع المنطقة كلها عند وضع متغير يشهد تطبيعا سياسيا واسعا للعلاقات العربية-الاسرائيلية مع التوافق على حل بمراحل نحو إقامة كيان فلسطيني معترف به دوليا ، لكنه لن يكون على أساس كامل الأراضي الفلسطينية لما قبل الرابع من حزيران الذي تنص عليه القرارات الدولية وخاصة القرار 242 .السبب في ذلك معروف في الرفض المطلق للكيان والمدعوم من قبل الإدارة الأمريكية في التنازل عن المساحات الواسعة للمستعمرات الاسرائيلية فضلا عن وضع القدس المعترف بها من قبل الإدارة الأمريكية عاصمة أبدية لاسرائيل . تاسيسا على ماتقدم فان الشرق الأوسط يقف عند معترك تاريخي سيشهد تغييرات جدية ليس في الخرائط السياسية للدول بالضرورة كمرحلة تاريخية جديدة وحدها ، انما بإعادة توزيع مناطق النفوذ للقوى الاقليمية والدولية مع الأخذ بنظر الاعتبار الخطاب السياسي لروسيا التي عبرت عن رايها بالإقرار بالدور الأمريكي في الشرق الأوسط و عدم إيلائها اهتماما محوريا بالإبقاء على وجودها العسكري كما هو الحال في سوريا .

واذا أخذنا بنظر الاعتبار طبيعة السياسة الصينية وابتعادها عن الدخول في صراعات عسكرية مع الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط واكتفاءها بمساعي تطوير التبادل التجاري عالميا مع التركيز على مصالحها الحيوية في منطقة بحر الصين الجنوبي والدر الآسيوي الأوراسي لتندمج بذلك مع الطموح الروسي في ذات المناطق الحيوية لأمن القوتين الآسيويتين العالميتين فضلا عن الدور الروسي في شرق أوروبا ونموذجها في أوكرانيا ،نستطيع ان نتلمس آفاق النفوذ الأمريكي -الأوروبي بالتنسيق والتعاون مع القوى الاقليمية الشرق اوسطية التي ستقرر حسم الصراع والتنافس لصالح الزعامة الأمريكية في عموم الشرق الاوسط

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى