السياسة التركية حيال الأزمة السورية “2011 ـ 2017”
اعداد الباحث : جلال سلمي – المركز الديمقراطي العربي
ملخص:
مع انطلاق اللهيب الأول للثورة السورية، بزغت، وبكل وضوح، هيمنة مساراتها على السياسة الخارجية التركية التي رأت في دعم الثورة السورية سياسياً وعسكرياً فرصةً ذهبيةً في استباق المدة الزمنية الطبيعية للولوج إلى مقام الدولة ذات النموذج الرائد في المنطقة. إلا أن التطورات لم تجرِ كما اشتهت خطط السياسة الخارجية التركية التي توقعت سقوط نظام الأسد في غضون أسابيع أو أشهر قليلة، الأمر الذي اضطرها لتغيير استراتيجياتها حيال الأزمة السورية مراراً وتكراراً.
وقد جاء هذا المبحث لدراسة السياسة التركية حيال المف السوري برصد أهم البواعث التي دفعت تركيا لاتباع النهج الداعم للثورة السورية، ورصد القرارات والإجراءات التي اتخذتها تركيا حيال الملف السوري،بالإضافة إلى سرد العوائق الي حالت دون تمكن تركيا من إحراز أهدافها في سوريا، وصولاً إلى استقراء المراحل التي مرت بها السياسة التركية إزاء الملف السوري منذ بدء الثورة وحتى الربع الأول من عام 2017.
مقدمة:
شهدت العلاقات التركية ـ السورية نزاعاً محتدماً منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى العقد الأول من الألفية الثالثة، والذي شهد ولوج بشار الأسد لرأس السلطة في سوريا، وقدوم حزب العدالة والتنمية لرأس السلطة في تركيا،وبقدوم الطرفين المذكورين إلى السلطة همد النزاع التاريخي القائم بينهما.بقدوم بشار الأسد في سوريا، والذي وُصف برائد الانفتاح السياسي الإقليمي والدولي لسوريا، وقدوم حزب العدالة والتنمية في تركيا، والذي رسم سياسته في إطار “صفر مشاكل”، وصلت العلاقة بين سوريا وتركيا إلى أن أصبح الزعيمان، الأسد وأردوغان، صديقين على مستوى عائلي،وكان بشار الأسد أول رئيس سوري يزور تركيا عام 2004م.
ولكن ما كادت الأطراف أن تأمل في استمرار حالة الاتفاق والتوافق التي وصلوا إليها، حتى اشتعلت ثورات “الربيع العربي” التي خيّمت بظلالها السلبية على العلاقات التي تدهورت نتيجة تمادي النظام السوري في مقاومة قوات المعارضة، وجراءرغبة تركيا في دعم ثورات الربيع العربي بغية قطع مسافة أقصر في الحصول على موقعها في المنطقة “كدولة رائدة”.
انطلقت المواقف التركية حيال الثورة السورية من هذه الرؤية، إلا أن السنوات اللاحقة أظهرت بعض التغيرات في المواقف التركية ونوعيتها، فتركيا التي دشنت سياستها الخارجية إزاء الأحداث في سوريا، على أساس “الدعم المفتوح”، حولت سياستها، في بداية عام 2015م، إلى سياسة “الدعم المحدود، والنظر إلى إجراء الحل السياسي التوافقي”، مبتعدةً بذلك عن سياسة “التحدي بالشعارات”.
وفي إطار ذلك الطرح، سيتم التعرف على أهم محطات الموقف التركي حيال الثورة السورية منذ بدايتها وحتى بداية الربع الأول من عام 2017، من خلال سرد أهم القرارات والإجراءات التركية تجاه الملف السوري، وسيتم الاتجاه إلى تقسيم المواقف التركية حيال الثورة السورية على شكل محطات رئاسية.
ـ أهمية الدراسة:
باتت تركيا بنموذجها التنموي المعتدل ونفوذها السياسي والعسكري المتنامي محط اهتمام لدى الكثير من المهتمين بمنطقة الشرق الأوسط، لا سيما بعد تنامي تدخلها السياسي والعسكري في القضية السورية، غير أن الساحة تفتقر للدراسات الشاملة المتناولة لتفاصيل الدور التركي في الملف السوري بإسهاب؛ ومن هنا تنبع أهمية الورقة كونها تتناول موقف الدولة التي ظهرت على أنها صاحبة الصدارة في دعم مشروع “الإطاحة بنظام الأسد” ولكنها لم تستطع تحقيق ذلك، الأمر الذي أثار تساؤل الباحثين حول الأسباب الحقيقية التي حالت دون ذلك.
ـ فرضيَّة الدراسة:
تنطلق الدراسة من أن تركيا أرادت، حتى عام 2015، إدارة تحولات الثورة السورية من خلال سياسة “الدعم السياسي والعسكري والاجتماعي المفتوح”، لتوظيف هذه الثورة في تحقيق هدفها الاستراتيجي القائم على التحوّل إلى دولة “رائدة” و”قوية إقليمياً”.
ـ منهج الدراسة:
اعتمدت الدراسة في استقراء الفرضيَّة المذكورة على المنهج الوصفي التحليلي الذي يكشف عن فحوى الموضوع بسرد المعلومات المتعلقة به ومن ثم استنباط التوقعات الأقرب إلى الصواب.
ـ مخطط الدراسة:
مقدمة
المحور الأول: تركيا والثورة السورية خلال عام 2011.
المحور الثاني:تركيا والثورة السورية خلال عام 2012.
المحور الثالث: تركيا والثورة السورية خلال عام 2013.
المحور الرابع: تركيا والثورة السورية خلال عام 2014.
المحور الخامس: تركيا والثورة السورية خلال عام 2015.
المحور السادس: تركيا والثورة السورية خلال عام 2016.
المحور السابع: المراحل التي مرت بها السياسة الخارجية التركية حيال الأزمة السورية.
الخاتمة
المحور الأول: تركيا والثورة السورية خلال عام 2011:
كتبت مجموعة من الطلاب بعض الشعارات على جدران شوارع درعا فتم اعتقالهم من قبل السلطات السورية، وما لبث الأمر أن تبعه بعضاً من المسيرات المطالبة بالإصلاح، ومن ثم تطور الأمر ليصبح مطالبة بتغيير النظام.وفيما حاول النظام ردع هذه المظاهرات بواسطة القوة العسكرية، وجد أنه لا بد من الإصلاحات السياسية والأمنية والاقتصادية لتهدئة الشارع، فألغى حالة الطوارئ، وأطلق سراح بعض المعتقلين، ثم أصدر قانوناًيسمح للمتظاهرين بالتظاهر في إطار ضوابط قانونية، إلا أن المتظاهرين لم يجدوا هذه الإصلاحات كافية، وارتأوا أن مواصلة المظاهرات سيكون من صالحهم في ظل تهاوي رؤوس الأنظمة الأخرى، ولكن لم تسير الأحداث طبقاً للمأمول؛ لأن الثورة الشعبية تحولت إلى صدام مسلح أخذ بالبلاد نحو حرب داخلية لا زالت تلفظ بلهيبها حتى يومنا هذا.
وعلى صعيد الموقف التركي، فقد سجل تبايناً واضحاً مقارنة بموقفه من ثورات الربيع العربي الأخرى، فبينما تجلى في دعمٍ إعلامي دبلوماسي إنساني فقط إزاء ثورات الربيع العربي الأخرى، اكتسى ثوب المساند عسكرياً ولوجستياً للثورة السورية. ولا بد من الإشارة أن تحوّل الموقف لم يكن فوري بل كان بعد محاولات تركية لحل الأزمة عبر الوساطة الدبلوماسية التي تجلت في زيارات وزير الخارجية التركي الأسبق “أحمد داود أوغلو”، والتي كان آخرها الزيارة التي تمت بتاريخ 9 أغسطس/آب 2011، حيث كان في استقباله مساعد وزير الخارجية السوري “عبد الفتاح عمورة”، وليس وزير الخارجية، الأمر الذي عكس صورة سيئة عن اتجاه العلاقات بين الطرفين.
- أسباب دعم تركيا للثورة السورية:
أسباب عدة وقف وراء اندفاع تركيا لتقديم دعم وفير للثورة السورية، لكن ربما الأسباب التالية هي الأسباب الرئيسية وراء موقفها الداعم:
- الرغبة في الحصول على موقع “القوة الإقليمية الرائدة” بشكل سريع: كانت تركيا تسير في إطار السياسة الناعمة المرتكزة على عنصر التكامل الاقتصادي، ومن ثم التشابك الاجتماعي والثقافي والتعليمي، للوصول إلى التوافق السياسي، إلا أنها ظنت، مع إنطلاق الثورة السورية، أنها قد تستطيع من خلال إسقاط النظام السوريكسب نفوذ أوسع وعملية ترويج أفضل وأسرع لمشروعها في الحصول على موقع القوة الإقليمية الرائدة.
- البعد الجغرافي: تبلغ طول الحدود السورية التركية ما يقارب 911 كيلو متر، وأي تطور غير متناغم مع طموحها في سوريا، سينعكس على استقرارها وأمنها القومي، وقد يصبح تهديد وجودي بالنسبة لها، وهو ما يفسر تحركها “الأمني الصلب” في الأحداث السورية.
- الاستفادة من الدعم الخارجي لثورات الربيع العربي: بزغت ملامح الدعم الدولي،بالأخص دعم الولايات الأمريكية المتحدة، بشكل ساطع، وهو ما شجع الدبلوماسية التركية لمسايرة الرغبة الخارجية في إطار سياسة “كسب المواقف” التي ستعود عليها بالفائدة السياسية والدبلوماسية الهائلة.
- حسابات سياسية: ترى تركيا في إيران أنها المنافس الإقليمي التاريخي الأول لها على صعيد منطقة الشرق الأوسط، أما روسيا فهي منافسها الإقليمي التاريخي الأول على صعيد منطقتي البلقان وأسيا الوسطى، وتمدد نفوذ هاتين الدولتين في سوريا، يقلص من نفوذها ويبدده، وهو ما جعلها ترى من الثورة فرصة للقضاء على نفوذ المنافسين التاريخيين لها، فلو حققت ما ترنو إليه وتفردت بالنفوذ في سوريا، لأصبح لديها مكتسبات دبلوماسية متينة تدخلها في مصاف الدول ذات النفوذ السياسي الإقليمي المتين الحقيقي والفعال.
1.2 صور الدعم التركي للثورة السورية:
لقد تجلى الدعم التركي للثورة السورية في بداية انطلاقها من خلال الأمور التالية:
ـ اتباع سياسة “الباب المفتوح” حيال اللاجئين السوريين بما فيهم المعارضين السياسيين والمسلحين.
ـ السماح للمعارضة بتأسيس مكتبها السياسي وأذرعه في إسطنبول، مثال مكتب المجلس الوطني السوري، ومن ثم الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية.
ـ المهاجمة الإعلامية الحادة لشخص الأسد ونظامه، وقد تجلت هذه المهاجمة في خطابات رئيس الوزراء السابق رجب طيب أردوغان.
ـ تكثيف جهودها حول تجميع القوى الدولية صوب نظام الأسد لإسقاطه.
وبالرغم من تلك الطموح التركية، إلا أن موقف الحكومة التركية حيال الثورة السورية، اتسم، في البداية، بالتوازن ومحاولة الاقناع الدبلوماسي، إذ حاول حزب العدالة والتنمية حتى أواسط عام 2011 استخدام القنوات الدبلوماسية لاحتواء الأزمة السورية بنقاط تكفل للشعب السوري مبتغاه من الحرية والديمقراطية، وفي موازاة ذلك تم إرسال برقيات إعلامية ودبلوماسية على مستوى رفيع إلى النظام السوري، تطالبه بالإضغاء لمطالب الشعب.
وقد ذكرت وسائل الإعلام التركية حينها أنه عقب زيارة وزير الخارجية التركي لسوريا خاطب رئيس الوزراء أردوغان الأسد، قائلاً له: “في شهر رمضان المبارك، اترك الناس تخرج إلى الشارع، وإذا أردت صدهم، استخدم الرصاص المطاطي كأسوأ احتمال”.1
لقد رسم الطرفان التركي والسوري خارطة طريق للسير معاً نحو عملية الحل، ولكن عندما عجز نظام الأسد عن ضبط المظاهرات الشعبية اتجه لاستخدام القوة المفرطة، الأمر الذي واجهته الساحة الدولية بردة فعل شديدة ومستنكرة من استخدام هذه القوة بحق المظاهرات السلمية الشعبية، وبذلك لم يأخذ نظام الأسد أي تحذير تركي أو إقليمي أو دولي بعين الاعتبار، وذهب إلى استخدام القوة ضد الشعب متهماً الخارجين إلى الشوارع “بالإرهابيين” أو “الجراثيم”.2
عقب استخدام الأسد القوة المفرطة طفقت تركيا تعبر عن استنكارها الشديد، وتدعو المنظمات الدولية إلى التعامل بحزم مع “جرائم” النظام السوري. وفي 11 أغسطس/آب 2011 خاطب أردوغان النظام السوري قائلاً “أنا لا أحب الثرثرة الفارغة. أريد أن أقول شيئاً من القلب؛ البحر ينفد، والطريق التي تم سلكها طريق ليست لها نهاية. الدم المسكوب يقطع الرابط بينكم وبين شعبكم. كل قطرة دم تدفع المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات احترازية ضدكم.”3
توقع الجانب التركي رد إيجابي من الأسد بعد هذا الخطاب، إلا أن الأسد لم يقابله بأي رد قولي أو فعلي إيجابي، فصرح داود أوغلو بتاريخ 15 أغسطس 2011 بأن “الحديث مع النظام السوري انتهى”،4 وكما هو بائن يشير هذا التصريح إلى أن تركيا خفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري؛ للضغط عليه ودفعه إلى الإصغاء لمطالب الشعب.
وهنا أخذت تركيا بالاتجاه نحو سياسة البحث عن سبل لمعاقبة نظام الأسد، وكان أول أجراء عقابي اتخذته تركيا بحق النظام السوري، هو الإعلان عن حظر استخدام أجوائها السيادية أمام الطيران الذي ينقل مساعدات عسكرية ولوجستية لصالح نظام الأسد، ولعل إيقاف إحدى الطائرات السورية الميدانية التي كانت في طريقها من موسكو إلى دمشق، في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2012، بذريعة نقلها أسلحة للنظام السوري، أحد الأمثلة البارزة على تطبيق تركيا لهذا الحظر.5
وما شجع تركيا حينها في التوجه صوب رفع وتيرة الحصار المطبق ضد النظام السوري، هو اصدار الجامعة العربية، في اجتماعها يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، قراراً وافقت عليه 19 دولة من أصل 22 دولة، ويقضي بفرض عقوبات سياسية واقتصادية على نظام الأسد،6 وزادت حماسة تركيا في فرض عقوبات على نظام الأسد بفعل كون القرار يشكل سابقة من نوعه، إذ لم تتخذ الجامعة العربية مثل هذه القرارات من قبل ضد أي نظام عربي إطلاقاً.
ولم تكد تخبو حماسة تركيا في التحرك ضد النظام السوري، حتى عادت للاشتعال مرة أخرى، عقب إعلان الولايات الأمريكية المتحدة دعمها الكامل للعقوبات المفروضة من قبل الجامعة العربية، وقد أعلنت تركيا، عشية تخييم هذه الأجواء المكتسية ثوب الجفاء لنظام الأسد على العلاقات التركية السورية،عنثلة من العقوبات التي اتخذتها ضد نظام الأسد في إطار برنامج أعلن عنه داوود أوغلو على النحو التالي:7
1ـ إيقاف آلية التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى حتى يتسلم السلطة نظام شرعي محترم لشعبه.
2ـ تجميد ممتلكات الأشخاص المقربين من شخص الأسد، والذين يثبت عليهم ضلوعهم في الأعمال الإجرامية ضد الشعب، ومنعهم من الولوج إلى تركيا، وإدراج رجال الأعمال المقربين والداعمين لنظام الأسد في ذات القائمة.
3ـ إيقاف بيع ونقل جميع أنواع المواد العسكرية لنظام الأسد.
4ـ منع أي عملية دولية لنقل أسلحة إلى النظام السوري عبر الجو والمياه الإقليمية والأرض التركية، على أن يتم مراعاة القانون الدولي في عملية المنع.
5ـ إيقاف الأنشطة التداولية والتجارية مع البنك المركزي السوري.
6ـ تجميد الممتلكات المالية للحكومة السورية في تركيا.
7ـ إيقاف عمليات الاقتراض المتبادل بين تركيا وسوريا.
8ـ تعليق العمل باتفاقية تمويل بنك “إيكسيم بنك” التركي الحكومي لمشاريع البنية التحتية في سوريا.
ويتضح من القرارات المتخذة أعلاه، ومن التطبيقات التي قامت بها تركيا من أجل مساعدة المواطنين السوريين، أنها تسعى للمضايقة على نظام الأسد من دون تعرض المواطنين السوريين للأذى بفعل قراراتها.
وانبلجت رغبتها في مساعدة الشعب السوري من دون تعريضه للمضايقات التي قد تنتج عن فرض حصار سياسي واقتصادي على النظام من خلال تأسيس مخيمات الإيواء على ضفتي الحدود بينها وبين سوريا، وتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين القادمين إليها.
في الحقيقة، قرار تركيا السياسي كانت له تكاليفه الاقتصادية الباهظة، فالطرفين تقاربا بشكل ملحوظ قبل اندلاع الأحداث في سوريا، ومع تدهور العلاقات السياسية تعرض الاقتصاد التركي لضربة مؤلمة انعكست عبر النقاط التالية:8
ـ خسارة رجال الأعمال الأتراك للكثير من الاستثمارات الضخمة في سوريا.
ـ تعرض اقتصاد المدن التركية المحاذية لسوريا لتدني شديد، لا سيما مدينة غازي عنتاب التي كانت تشكل المغذي الصناعي الأساسي لسوريا والدول المجاورة لها.
ـ تعليق تجارة الحدود، وبالتالي انقطاع جزء من الضرائب عن الخزانة التركية.
ـ اضطرار تركيا للاتجاه نحو البحث عن بديل لسوريا، لنقل سلعها نحو دول الشرق الأوسط.
لم يذعن النظام السوري للقرارات التركية، وقام بالرد عليها بالمثل متخذاً القرارات التالية:9
1ـ تجميد اتفاقيات بناء مناطق تجارة حرة.
2ـ رفع ضريبة الجمارك على البضائع التركية، التي سيتم إدخالها إلى سوريا في إطار مشروع دعم إعمار المناطق القروية، بنسبة 30%.
3ـ تحديد كمية النفط المباع للسيارات الموجودة في سوريا وذات الأرقام التركية بـ 50 لتر فقط، والشاحنات الكبيرة 600 لتر، والشاحنات الصغيرة 550 لترة، والحافلات الكبيرة 400 لتر، والحافلات الصغيرة 200 لتر، على أن يُباع اللتر الواحد بـ 80 ليرة سوري.
4ـ فرض ضريبة عبور على الشاحنات التركية الموجودة في سوريا والذاهبة نحو تركيا بضرب وزن الحمولة بمسافة الطريق وضرب المجموع بـ 2%.
انقطاع الأمل الذي أصاب الحكومة التركية حيال إمكانية إقناع الأسد بالابتعاد عن إطلاق النار على شعبه الأعزل دفع تركيا نحو تأسيس كيان سياسي، إيماناً منها بأن أيام الأسد باتت قريبة، ولعل أبرز الأسباب التي وقفت وراء استعجال تركيا في الاتجاه نحو إدارة الثورة السورية عبر كيان سياسي:
1ـ بُعد دولي إقليمي: الانسجام التوافقي بين مواقفها ومواقف الولايات الأمريكية المتحدة، لا سيما أن الولايات المتحدة كانت تظهر وكأنها داعمٌ قويٌ لثورات الربيع العربي، وكما أن الصدمة التي أصابت الولايات المتحدة جراء ظهور ثورات الربيع العربي للسطح بشكل مفاجئ جعلها تبحث عن جسر تدير به تلك الثورات، وبالأخص الثورة السورية التي اشتعلت بالقرب من الحدود “الإسرائيلي”، وضد النفوذ الروسي الإيراني، قبل الاتفاق النووي. وقد رمت تركيا الساعية لتأسيس قواعد راسخة في سوريا، بشكل يوازن النفوذ الإيراني المتوغل في العراق منذ انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2008، إلى استغلال هذا الانسجام لصالحها. وذكرت الكثير من التقاريرحينها أن الولايات المتحدة رأت في تركيا الجسر المثالي في إدارة هذه الثورات، وربما يعود اتخاذ الولايات المتحدة من تركيا جسراً إلى الأسباب التالي:
أـ النموذج الإسلامي المعتدل المثالي: مع انطلاق ثورات “الربيع العربي” كانت الولايات المتحدة ما تزال في حالة نزاع مع إيران، وكنموذج إسلامي معتدل مثالي كانت تركيا النموذج المثالي لذلك.
ب ـ عدم وجود نموذج بديل في ظل الصدمة التي تلقتها الاستخبارات الأمريكية: أكّدت عدة دراسات أن الاستخبارات الأمريكية لم تستطع استشراف انطلاق ثورات الربيع العربي، ومدى قوتها، الأمر الذي شكل لها صدمة قوية، ولامتصاص هذه الصدمة لم يكن أمامها سوى تركيا لتبني معها علاقات جسرية تدير من خلالها ثورات الربيع العربي بشكل غير مباشر، لا سيما في ظل استمرار الصراع الأمريكي ـ الإيراني.
2ـ بُعد سياسي استراتيجي: تأسيس نظام سوري يخدمها في تحقيق مصالحها الرامية إلى الانفتاح على دول الشرق الأوسط كنموذج تاريخي قوي ذي دور فعال في مجرى السياسات الجارية في الشرق الأوسط، لتقول للجميع إن تركيا ذات التاريخ المجيد عادت بثقلها الدبلوماسي المتين إلى الساحة الدولية.
3ـ بُعد اقتصادي: الانفتاح السياسي يحتاج إلى انفتاح اقتصادي، وسوريا أحد المنافذ الرئيسة لتركيا نحو الدول العربية.
4ـ بُعد إنساني مثالي: انطلاقاً من فكرة وجود ممثل سياسي للثورة السورية يعجل عملية حسمها لصالح الشعب السوري، مما يجعل خسائره البشرية والمادية أقل.
5ـ بعد إداري اجتماعي: لكل مجتمع مركز وأفلاك تتبع له، وقد يحتوي هذا المجتمع على عدة مراكز، لكن يبقى هناك مركز واحد هو الأقوى في إدارة الأفلاك المجتمعية، أي المواطنين ومنظمات المجتمع المدني والشركات الربحية وغيرها.يُدير هذا المركز المجتمع بالاعتماد على التأثير الأيديولوجي، والسيطرة الاقتصادية، وأسلوب الاقناع الناعم وغيرها من الوسائل، ولا تستطيع تركيا إدارة الثورة السورية من دون وجود هذا المركز الذي يجب أن يكون حاصل على الأساليب المذكورة أعلاه.وقد تجلت محاولة تركيا لإدارة الثورة السورية بما يكفل لها مصالحها، في دعم فكرة تأسيس “المجلس الوطني السوري” الذي تم تأسيسه بشكل أساسي من قبل جماعة الإخوان المسلمين، في إسطنبول، بتاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول 2011. 10ولتحقيق تأثير أكبر حرصت تركيا وجماعة الإخوان المسلمين على إشراك بعض الشخصيات والوجهات المجتمعية في تأسيسه. وربما التقارب الفكري بين الحزب الحاكم في تركيا وجماعة الإخوان المسلمين، وكيان الإخوان الأكثر انتظاماً على الصعيد السوري، هما العاملان الأساسيان في دفع تركيا نحو اتخاذ الإخوان جسرلإدارة الثورة السورية التي ترغب الولايات المتحدة أيضاً إدارتها عبر تركيا، ليظهر في نهاية عام 2011 من الثورة السورية، معادلة محلية إقليمية دولية من مسار الثورة السورية. مسار ارتكز على معادلة إدارة جسرية غير مباشرة، حيث اعتمدت الولايات المتحدة على تركيا، وفي الوقت ذاته اعتمدت تركيا على جماعة الإخوان المسلمين.
المحور الثاني: تركيا والثورة السورية خلال عام 2012:
إن شواهد الدعم التركي السياسي والعسكري البارزة للثورة السورية دفعت العديد من المتابعين للمسألة يرون أن تدخل تركيا العسكري بات قاب قوسين أو أدنى.
في الحقيقة، إن تهديد البلدين، تركيا وسوريا، المتبادل إلى جانب الدعم السياسي العسكري اللوجستي التركي البائن للثورة السورية أوحيا للأذهان بأن الدولتين في حالة حرب فعلية، ولكن حرب غير مباشرة.
وما نفى نية تركيا الجادة في إجراء تدخل عسكري مباشر صوب الأراضي السورية وصولاً لدمشق، هو تأكيد رئيس الوزراء التركي حينذاك “رجب طيب أردوغان” على أن “التطورات الجارية في سوريا، هي تطورات داخلية”،11 حيث أكد بعبارته تلك على أن التدخل التركي داخل الأراضي السورية من أجل إسقاط نظام الأسد، غير مطروح على الطاولة التركية إطلاقاً.
2.1 عوائق حالت دون إمعان تركيا في التعبير عن رغبتها في إجراء تدخل عسكري في سوريا:
ـ القوة الروسية الإيرانية: منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأحداث السورية، أعلن الطرفان، الروسي والإيراني، دعمهما الكامل لنظام الأسد، بدعوى أنه نظام شرعي، وقد تخوفت تركيا من الاصطدام بردة الفعل الروسية أو الإيرانية، لا سيما في ظل الارتباط الاقتصادي المعقد الذي يجمعها بهما.
ـ العائق العسكري: تعاني تركيا من نقص واضح في القوة العسكرية، حيث برز هذا الضعف في استغاثتها بالناتو لنصب منظومة دفاع جوية تحميها من أي هجمات معادية قد يكون مصدرها سوريا، فكيف يمكن لمن لا يستطيع الدفاع عن نفسه أن يدخل معركة معقدة التفاصيل؟
ـ عائق استراتيجي أو حقوقي: انتاب القيادة التركية الخوف من عدم استمرار الغرب في دعمها، بل والانقلاب عليها بذريعة “احتلالها” لدولة مجاورة، وعلى ما يبدو كانت القيادة التركية محقة في التفكير بذلك الشكل، إذ أظهرت الأيام أن الغرب ليس جادًا في إسقاط نظام الأسد، بل ويعارض إنشاء “المنطقة الآمنة” التي لطالما رغبت تركيا في إنشائها لاحتضان اللاجئين بداخلها.
ـ عائق اقتصادي: وفي هذا الإطار، اتجهت القيادة التركية للاطلاع على التكاليف الباهظة التي كُبدت بها الولايات المتحدة نتيجة حربها في العراق، فالاقتصاد التركي المفتقر لمصادر الطاقة والمعتمد في المقام الأول على العلاقات التجارية والاستثمارات التي تحتاج إلى استقرار دائم، لا يملك القوة التي تستطيع تحمل النتائج الوخيمة للتدخل العسكري التركي نحو سوريا في حينها.
ومن أبرز الأحداث التي زادت من تعقيد العلاقات التركية السورية، اتجاه نظام الأسد، بتاريخ 2 يناير/كانون الثاني 2012، نحو إفراغ القنصلية السورية في مدينة غازي عنتاب بالكامل، وأتت تلك الخطوة إكمالاً لعملية إغلاقها التي بدأت بتاريخ 26 ديسمبر/كانون الأول 2011. 12
وكوسيلة للضغط على الأسد، صرَّح وزير الخارجية التركي حينذاك “أحمد داود أوغلو” بأن كل شخص سوري سئم من حكم نظام الأسد بإمكانه القدوم إلى تركيا والمكوث بها، وعلى ما يبدو هذه الخطوة لم تكن من صالح تركيا، إذ بلغ عدد السوريين القادمين إلى تركيا ما يقارب 4 مليون سوري، ما جعل تركيا، اليوم، معرضةً لتكاليف مادية، وضغوطٍ شعبية داخلية شديدة.13
وفي إطار رده على التصريحات التركية الحادة، اتجه النظام، يوم 26 مارس/آذار 2012، صوب إغلاق السفارة التركية، وذُكر حينها أن السفير التركي “عمر أونهون” اضطر للرجوع إلى تركيا من بيروت عبر الطريق البحري.14
كما أن ارتكاب النظامالسوري “مجزرة الحولة” بتاريخ 25 مايو/أيار 2012، كان من الأحداث التي ساهمت في توسيع الفجوة بين الطرفين، حيث ردت تركيا على المجزرة بتصريحات حادة، ورداً على ذلك، رفض النظام تحمل المسؤولية، واتهم قوات المعارضة المسلحة بارتكابها.15
لم تقتنع الحكومة التركية بتبريرات الأسد، وتماشياً مع ردود فعل بعض الدول الغربية والدولية، لا سيما ردود الجامعة العربية والأمم المتحدة ممثلةً بمبعوثها الخاص “كوفي عنان”، قررت تركيا، بتاريخ 30 مايو/أيار 2012، قطع علاقاتها الدبلوماسية بالكامل مع النظام، وطردت ممثلين النظام الدبلوماسيين العاملين داخل أراضيها.16
لم تقف حالة التوتر بين الطرفين على ذلك، بل اتجهت نحو التصعيد غداة إسقاط النظام السوري إحدى المقاتلات التركية بتاريخ 22 يونيو 2012، مدعياً بأن الطائرة اخترقت أجواء البلاد السيادية. وبعد التحقيقات التي قامت بها الحكومة التركية، اتضح أن الطائرة التي كانت تقل طائرين، سقطت نتيجة فقدان الطياريّن السيطرة عليها بعد انفجار إحدى الصواريخ الأرضية المضادة للطيران بالقرب من طائرتهما.17
ارتأت الحكومة التركية أنها بحاجة أكبر لتشكيل قوة رادع للنظام السوري، فاتجهت لتوسيع نطاق “قواعد الاشتباك العسكري” ضد سوريا، والتي قضت بالرد الفوري على أي هجوم يكون مصدره سوريا. أيضاً، زادت من حجم قواتها العسكرية الموجودة على الحدود بين البلدين.18
بالرغم من حجم التدهور المحتدم الذي مرت به العلاقات بين البلدين، إلا أن رئيس النظام السوري “بشار الأسد” عبَّر عن عدم رغبته في وجود تدهورمزيد في علاقات بلده مع تركيا، فأعلن في 3 يوليو/أيار 2012، عن ندم بلاده على إسقاط الطائرة التركية.19
حازت الحكومة التركية بعدها بيوم، أي في 4 يوليو/أيار 2012، على قرار برلماني يؤهلها لإجراء عمليات عسكرية استخباراتية خارج الحدود. وفي 11 أكتوبر/تشرين الأول 2012، أوقفت القوات التركية الجوية إحدى الطائرات المدنية التابعة للخطوط السورية، وقامت بتصدير بعض مقتنيات الطائرة، وفي معرض رده على هذا الحدث، أعلن النظام السوري في 14 أكتوبر/تشرين الأول، إغلاق أجوائه أمام الطيران المدني التركي.20
وبسقوط بعض القذائف الصاروخية، في منتصف يوليو/تموز، على بلدة “أكجا كالاه” التابعة لمدينة شانلي أورفا الحدودية، والتي أسفرت عن مقتل 5 مواطنين أتراك، قامت تركيا بأولى عملياتها في تطبيق “ٌقواعد الاشتباك” و “الرد بالمثل”، حيث استهدفت بعض المواقع العسكرية السورية.21
وتجاوباً مع دعوة وزير الخارجية التركي المواطنين السوريين للقدوم إلى تركيا، أعلنت رئاسة إدارة الأزمات والآفات الطبيعية التركية، في 16 أكتوبر/تشرين الأول، بأن عدد اللاجئين السوريين تخطى المئة ألف لاجئ.22
على ما يبدو، فقدت تركيا الأمل في تراجع النظام السوري عن عملياته العسكرية، فأعلنت بتاريخ 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، اعترافها “بالائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية” على أنه الممثل الوحيد والشرعي للشعب السوري.23
ولقد اشتدت الأزمة بين تركيا والنظام السوري عام 2012، نتيجة اعتقال النظام الصحفي التركي “جنيد أونال” الذي بقي في السجون السورية لما يقارب الثلاثةأشهر، وقد تم إطلاق سراحه بتاريخ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وذلك من خلال وساطة قام بها حزب المعارضة الأول في تركيا حزب الشعب الجمهوري.24
المحور الثالث: تركيا والثورة السورية خلال عام 2013:
ارتبطت العلاقات التركية السورية بمسار الثورة، فاستمرار الثورة أدى إلى استمرار الطرفين بالعزوف عن الانخراط في تنافس سياسي وعسكري شديد.
وتعبيراً عن معارضته للسياسة التي يتبعها الحزب الحاكم حيال سوريا، اتجهت هيئة من حزب الشعب الجمهوري التركي في 7 مارس/آذار 2013، صوب دمشق، لتجتمع بالأسد وتناقش معه مُجريات الأزمة، وقد أكّد الأسد خلال لقائه مع الهيئة التركية أنه يعارض وبشدة السياسة التي تتبعها الحكومة التركية تجاه بلاده، ومطالباً الشعب التركي بالوقوف أمام هذه السياسة.25
وتواصل الاحتدام بين الطرفين، ليظهر للسطح بشكل أوضح عبر “تفجير الريحانية” الذي تم بتاريخ 11 مايو/أيار 2013، وأسفر عن مقتل 52، وإصابة 130 مواطن سوري، وبعد التحقيقات التي أجرتها النيابة التركية، تبين أن العملية قام بتنفيذها 33 مواطن سوري مرتبطين بالاستخبارات السورية، مشيرةً إلى أن 2 من الأشخاص المتهمين تم إلقاء القبض عليهم، وقد تمت العملية من خلال تفجير سيارتين مفخختين. وقد قُيّمت هذه العمليات في حينها، على أنها شجاعة تحلى بها الأسد نتيجة عدم إبداء الولايات المتحدة رغبة حقيقية في إسقاط نظامه.26
وغداة التفجيرات المتتالية التي أصابت الريحانية، انقض المواطنون الأتراك ضد اللاجئين السوريين، مهاجمين محالهم التجارية وبيوتهم، ومنددين بالسياسة التي تنتهجها الحكومة التركية حيال المسألة السورية، وبات الانقسام المجتمعي حيال الأزمة السورية خطر حقيقي يهدد حالة الاستقرار والأمن في تركيا، ومن هنا بدأ حزب العدالة والتنمية ـ الحزب الحاكم في تركيا ـ يشعر بأنه لا بد من إيجاد حل سريع للأزمة السورية قبل تفاقم نتائجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على تركيا.
وفي 31 أغسطس/آب 2013، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه لا بد من تدخل عسكري دولي ضد النظام السوري، مؤكداً أن هذه التدخل يجب أن يكون طويل الأمد.27
وفي نهاية عام 2013، أشارت الأمم المتحدة إلى أن تركيا أرسلت إلى سوريا ما يقارب 47 طن من الأسلحة، ليرد على هذه التصريحات وزير الدفاع التركي آنذاك، عصمت يلماز، بالإشارة إلى أن هذه الأسلحة خفيفة، والهدف منها التدريب وليس القتال.28
ويشكل عام 2013 عام مفصلي بالنسبة لتركيا، فذلك العام شهد تقلص واضح للسيطرة التركية شبه الكاملة على الثورة السورية، وقد تقلصت السيطرة التركية على الثورة السورية، نتيجة تقلص دور جماعة الإخوان المسلمين السورية، والتي كانت الحركة الأكثر تنظيماً من بين قوى المعارضة السورية الأخرى، وبرزوها وكأنها الأجدر لإدارة الثورة بعد تقدميها لعدة مبادرات ومشاريع سياسية لإرساء نظام ديمقراطي تعددي في سوريا وذلك قبل الثورة السورية، واستفادتها من التعاطف الشعبي الواسع مع فكر الإسلام السياسي، والتي رغبت تركيا في جعلها تدير الثورة السورية من خلال دفعها للإسهام في تأسيس المجلس الوطني السوري الذي سيطرت على جزء كبير من مكاتبه، وذلك بعد مرور 8 شهور على انطلاق الثورة السورية.29
المحور الرابع: تركيا والثورة السورية خلال عام 2014:
لقد أوحت الأحداث التي مرت بها العلاقات التركية السورية خلال 2014، بأن تركيا ماضية في اعتمادها على فكرة إنشاء تحالف دولي يقضي على نظام الأسد، ولكن لم تجرِ رياح الأحداث بما تهوى السفن التركية.
وفي بداية عام 2014، وتحديداً في 17 يناير/كانون الثاني 2014، عقدت الحكومة التركية اجتماعاً مع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، لمناقشة قرار المشاركة في محادثات جنيف 2، وتناول أهم القضايا التي يمكن طرحها خلال المؤتمر.30
وفي 19 يناير/كانون الثاني 2014، وتحديداً في إطار الخلاف القائم بين مؤسسات الدولة التركية نتيجة النزاع القائم بين حزب العدالة والتنمية وجماعة غولن، تم إيقاف 3 شاحنات محملة بالأسلحة كانت في طريقها إلى سوريا؛31 ليظهر بذلك أول دليل ملموس على الدعم التركي لقوى المعارضة السورية.
وفي ذلك العام، بدأت ملامح وجود خلاف بين زعماء حزب العدالة والتنمية حول الأزمة السورية تظهر للسطح، فقد صرح الرئيس التركي عبد الله غول، قبل أسبوع من عقد اجتماع جنيف 2، بأن على تركيا دعم مؤتمر جنيف 2 بشكل جاد، لإعادة أوصال العلاقات بين تركيا وسوريا إلى سابق عهدها.32
وكأنه إعلاناً لفشل سياسة “الباب المفتوح”، أغلقت تركيا، في 2 سبتمبر/أيلول 2014، معابرها الحدودية مع سوريا على إثر فرار سبعين ألف كردي سوري إلى أراضيها، وذلك بالتزامن مع اندلاع بعض الاشتباكات بين القوات التركية والمسلحين الأكراد السوريين.33
وفي 2 أكتوبر/تشرين الأول 2014، وتقديراً لحجم المخاطر التي تحيط بتركيا، وافق البرلمان التركي للجيش بدخول الأراضي السورية والعراقية، إلى جانب السماح للقوات الأجنبية باستخدام أراضيها لقتال مسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية” “داعش”، وكان القرار ساري لمدة عام واحد، على أن يتم تجديده في حين ألحّت الحاجة.34
وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول 2014، دعا وزير الخارجية التركي “مولود تشاووش أوغلو”، قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، لحشد قوات برية لقتال “داعش”، مشيراً إلى أن الضربات الجوية قد لا تكفي.35
تعرضت الحكومة التركية لضغط شديد خلال عام 2014، بتهمة التعاون مع “داعش”، ولدحض هذه الاتهامات قامت تركيا في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2014، بفتح حدودها أمام قوات البيشمركة الكردية العراقية للعبور إلى سوريا عبر أراضيها، بهدف قتال تنظيم “داعش” في مدينة عين العرب “كوباني”. ورداً على ذلك، اتهمت الحكومة السورية بعد عشرة أيام من دخول البيشمركة، تركيا “بانتهاك سيادتها” من خلال سماحها لقوات البشمركة “الأجنبية” بالدخول عبر حدودها إلى مدينة عين العرب.36
المحور الخامس: تركيا والثورة السورية خلال عام 2015:
تحول التدخل التركي في الأزمة السورية خلال هذا العام من التدخل غير المباشر إلى التدخل المباشر الذي انعكس على الواقع عبر إرسال قوات برية إلى داخل الحدود السورية، أو عبر استدعاء قادة الفصائل الفاعلة في سوريا إلى أنقرة، والتنسيق معها مسار المعارك بشكل مباشر.
وفي ضوء ذلك، تسللت القوات التركية، في 2 فبراير/شباط 2015، إلى داخل سوريا لنقل رفاة سليمان شاه “جد السلطان عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية”، من ضريحه في قرية “أشمة الحلبية”، إلى مكان آخر خاضع لسيطرة تركيا داخل سوريا، وقُد أطلق على العملية اسم “عملية شاه فرات”، وأجلت تركيا، خلال العملية، الجنود الأتراك القائمين على حراسة الضريح في موكب من مئة مركبة عسكرية، بالتنسيق مع القوات الكردية، وبدعم مباشر من بعض قوات الجيش السوري الحر.37
وفي إطار المفاوضات المكثفة مع الولايات الأمريكية المتحدة، استطاعت تركيا في 20 فبراير/شباط، إقناع الولايات المتحدة بالتوقيع على اتفاقية تتضمن مبادئ برنامج تعليم وتدريب قوات المعارضة السورية.38لكن الخلاف الذي وقع بين الطرفين حول محاور تطبيق البرنامج، أبقاه مجرد حبراً على ورق.
وتمحور الخلاف بين الطرفين حول الفصائل التي سيتم إلحاقه ضمن البرنامج، والجهات التي سيتم محاربتها من قبل القوات المُدربة. وبينما كانت ترغب الولايات المتحدة باختيار قوات المعارضة من أعضاء “حركة حزم” و”جبهة الثوار السوريين” المدعومتين من قبلها، والمتبنيتين للفكر “العلماني”، كانت ترغب تركيا في اختيار عناصر من الفصائل الأقرب للتيار السوري المحافظ.
وقد كانت ترمي الولايات المتحدة أيضاً إلى دفع العناصر المدربة لمحاربة “داعش” فقط، أما تركيا فكانت تسعى إلى دفع العناصر لمحاربة قوات النظام بالتوازي مع “داعش”. في النهاية، طغت الرغبات الأمريكية على الرغبات التركية، وتم تدريب ما يقارب 60 عنصرًا، ولكن عدم رغبة تركيا بإكمال عملية تدريبهم، وفقدان تلك العناصر موقعها بين قوات المعارضة أديا إلى إفشال البرنامج المذكور.39
وفي 16 مايو/أيار 2015، أسقط الجيش التركي طائرة هليكوبتر تابعة لجيش النظام السوري، بذريعة اختراق السيادة التركية، لتؤكّد تركيا بذلك أنها ما زالت عازمة على استهداف النظام السوري وإسقاطه.40
عقب إخفاقها في التوصل إلى اتفاق حقيقي حول تشكيل جيش من المعارضة يحارب “داعش” والنظام على حدٍ سواء، اختارت طريق رفع مستوى تعاونها مع قطر والمملكة العربية السعودية، مشكلةً من خلال ذلك التعاون “جيش الفتح” في 24 مارس/آذار 2015، والذي تشكل من عدة فصائل فاعلة في الساحة السورية أبرزها؛ جبهة النصرة، وأحرار الشام، وجند الأقصى، وفيلق الشام، وأجناد الشام.41
استطاع جيش الفتح في 28 مايو/أيار 2015، تحرير مدينة إدلب بالكامل، واعتبرت تركيا ذلك “انتصار شعبي ضد نظام مستبد”. وبينما كانت تركيا تخطط لتوسيع نطاق تحرك جيش الفتح نحو حماة، تحركت قوات الحماية الكردية باتجاه بلدة تل الأبيض الواقعة في مدينة الرقة، والمحاذية للحدود التركية، واستطاعت في 16 يونيو/كانون الثاني 2015، طرد قوات “داعش” منها، وهنا طفى على السطح الخطر الحقيقي المهدد للأمن القومي التركي، حيث أعلنت الحكومة التركية حينها أنها على علم تام بما تخطط له القوات الكردية من تأسيس حزام كردي على طول الحدود التركية السورية، مؤكدةً على أنها ستتخذ كافة الإجراءات الممكنة لكبح تلك التحركات. وعلى ما يبدو هنا تمنت تركيا كما لو أنها لم تقدم يد المساعدة للقوات الكردية للتقدم نحو عين العرب “كوباني” والسيطرة عليها.42
وكضريبة لدعمها لقوات المعارضة المحاربة “لداعش”، تعرضت تركيا في 20 يوليو/أيار 2015 لهجوم من “داعش” أسفر عن مقتل 34 ناشط “اشتراكي” كانوا في طريقهم إلى عين العرب “كوباني”. لم تتبنَ “داعش” الهجوم، لكن الاستخبارات التركية أكّد أن المنفذ المدعو “عبد الرحمن ألا غوز” هو أحد عناصر “داعش”.43
لم تقف هجمات “داعش” ضد تركيا على ذلك، بل امتدت لتستهدف قوات حرس الحدود التركية التي تعرضت لهجمات “داعش” في 23 يوليو/تموز، وعلى إثر ذلك أعلنت الحكومة التركية في اليوم التالي، أي في 24 يوليو/تموز، انضمامها للتحالف الدولي ضد “داعش”.44
وبانطلاق التدخل الروسي العسكري لسوريا في 30 سبتمبر/أيلول، بناءً على طلب النظام السوري، انقلبت الخطط التركية رأساً على عقب، فهدفها في التعاون مع قطر والمملكة العربية السعودية لدعم المعارضة وتعجيل عملية إسقاطه باء بالفشل.
عقب التدخل الروسي، لم تفقد تركيا فرصة إسقاط النظام فقط، بل بدأت تفقد سياسة تعاونها الاقتصادي المتجنب للاحتدام السياسي مع روسيا، إذ اخترقت الطائرات الروسية أجوائها السيادية في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2015.45
واستمرت أنقرة في دفع ضريبة محاربتها “لداعش” من خلال استهداف أحد التجمعات للحراك اليساري المتجمهر في إحدى ميادين العاصمة، في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2015.46
وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول أسقطت القوات التركية طائرة بدون طيار اخترقت حدودها، دون الإفصاح عن خلفية الجهة المُرسلة لها، ولصد خطر استمرار قوات الحماية الكرديةفي المدن الواقعة غرب نهر الفرات عملت في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2015، على استهداف تحركاتها، مهددةً بأن تركيا تضع ثلاث شروط أمام قوات الحماية الكردية، وفي حين اخترقت القوات هذه الشروط، فإنها ستكون عُرضةً للضربات التركية. وكانت الشروط المذكورة على النحو التالي:47
ـ عدم دعمها لعناصر حزب العمال الكردستاني.
ـ الابتعاد عن اختراق الحدود التركية.
ـ تجنب إظهار فعاليات عسكرية أو ميدانية في منطقة غرب الفرات.
وفي موازاة تحركها الميداني، لم تتجاهل تركيا محاولات الحل السياسي للأزمة السورية التي أمست بمثابة الكابوس الذي لم تستطع بشتى الوسائل تحويله لحلم يخدم مصالحها، فاشتركت بمحادثات فيينا المقامة ما بين 14 إلى 15 نوفمبر/تشرين الثاني، والهادفة للتوصل لوقف إطلاق نار، وبدء عملية سياسية تتوصل إلى إنهاء الحرب في سوريا من خلال محادثات جنيف 3 الذي كان يزمع عقدها في نهاية يناير/كانون الأول من ذات العام.
وقد تم المؤتمر المذكور بمشاركة 17 دولة، على رأسها الولايات المتحدة وروسيا وإيران، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.48
وعلى هامش قمة العشرين المنعقدة بمدينة أنطاليا التركية في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، ألمحت وسائل الإعلام التركية والعالمية إلى أن الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين توصلا إلى اتفاق مبدئي حول العملية الانتقالية للسلطة في سوريا، دون إشمال الأسد بها، وقد أكدت وسائل الإعلام أن هناك إجماع شبه تام من قبل الأطراف المجتمعة حيال الأمر.49
وبينما حرصت تركيا منذ بدء الأزمة على تذليل تأثير الأزمة السورية في علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية الحيوية مع روسيا، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق ذلك، وانتهى المطاف بعلاقاتها مع روسيا إلى التدهور عقب إسقاط القوات التركية طائرة روسية حربية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني، بذريعة اختراقها الأجواء التركية. على إثر ذلك، فقدت تركيا فرصة استهداف القوات الكردية أو قوات “داعش”، نظراُ لتوعد روسيا باستهداف أي طائرة تركية تدخل الحدود السورية.50
المحور السادس: تركيا والثورة السورية خلال عام 2016:
لعل وصف هذا العام “بعام التنازل والاتجاه نحو أهداف الأمن القومي والتفاوض السلمي فقط” يكاد يقربنا إلى أصوب الأوصاف للموقف التركي حيال الأزمة السورية، وستتضح هذه الأوصاف من خلال تسلسل الأحداث التي مرت بها العلاقات التركية السورية خلال عام 2016.
بدأ عام 2016، ببعض الإصرار التركي على موقف إسقاط النظام السوري، وتبديد قوات الحماية الكردية في سوريا، حيث استهدفت، بتاريخ 13 فبراير/شباط 2016، مواقع لوحدات حماية الشعب الكردية في المناطق المتمركزة بها في شمال سوريا، واتهمت الحكومة السورية الحكومة التركية “باستمرارها في دعم الجماعة الإرهابية بشكل مباشر”.51
وفي ضوء رغبتها لتشكيل أداة ضغط على القوى الدولية، وإعاقة تحرك قوات الحماية الكردية التي باتت تعجز عن إيقافها نتيجة تدهور علاقاتها مع روسيا، وتوسيع مستوى تعاونها مع دول الخليج التي تقاطعها في بعض الأهداف، استقدمت بعض الطائرات السعودية العسكرية إلى قاعدة “إنجيرليك” في أضنة، وتعليقاً على ذلك الحدث، أوضح وزير الخارجية التركي “مولود تشاووش أوغلو” أن بلاده والسعودية قد تطلقان حملة برية في الداخل السوري.52
ومن جانبه، طالب النظام السوري مجلس الأمن، في 14 فبراير/شباط 2016، بالتدخل الفوري لوقف القصف التركي على مواقع الأكراد، معتبرةً ذلك “انتهاكاً سافراً لسيادتها”.53
وفي خضم احتدام الخطابات الهجومية المتبادلة بين الطرفين، عاد وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو لتهدئة الوتيرة من خلال تصريحه في 22 فبراير/شباط 2016، بأن تنفيذ عملية عسكرية برية في سوريا ليس مطروحاً، مؤكداً أن تلويح بعض وسائل الإعلام بذلك عبارة عن “تضليل وتلاعب”.54
وفي أوائل يوليو/ تموز 2016، شعرت تركيا بأنها باتت منعزلة وغير مؤثرة في مسار الحل عقب انعقاد عدة اجتماعات دولية، كجنيف في فبراير/شباط، وفيينا في مايو/أيار، واجتماعات كيري ـ لافروف، فأخذت تدعو روسيا لإعادة الاتصالات العسكرية بين البلدين، والاتجاه صوب إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، ولتعزيز تلك الخطوة عقد وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلا اجتماعاً مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عقب زيارة مولود تشاووش أوغلو لروسيا، في إطار محاولات تركيا لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها.55
وفي 13 يوليو/تموز 2016، أكّد رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم أن تركيا تسعى إلى تطوير علاقات جيدة مع سوريا، في إطار هدفها الرامي إلى تحسين العلاقات مع جيرانها، وصُنف هذا التصريح على أنه منعطف تاريخي للسياسة التركية إزاء سوريا، والتي كانت تضغط على كافة القوى من أجل الإطاحة بنظام بشار الأسد.56
ومن أبرز الخطوات التي اتخذتها تركيا خلال عام 2016، هي عملية “درع الفرات” التي تطورت من خلال تحقيق مصالحة تركية ـ روسية، ومن ثم كسب تركيا الموقف الروسي الراغب في جذبها تحت لواءه لصالحها.
تعرضت تركيا وروسيا لعددٍ من التطورات المُجهضة لمصالحهما السياسية والاقتصادية نتيجة الأزمة التي نشبت بينهما على إثر إسقاط الطائرة الروسية من قبل القوات التركية،فكان لا بُد من مبادرة أحدهما للجنوح للمصالحة وإعادة تطبيع العلاقات، وجاءت المبادرة الأولى من قبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي أرسل في 14 يونيو/حزيران 2016، برقية تهنئة لنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بمناسبة العيد الوطني الذي احتفلت به روسيا في 12 يونيو/حزيران.57
واستكمل الرئيس التركي برقيته بالتعبير عن تمنيه في أن تحقق العلاقات التركية الروسية تقدماً، وساند رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم، رئيسه بإرسال رسالة منفصلة إلى رئيس الوزراء الروسي، دميتري ميدفيديف، معبراً فيه عن خالص تمنيه في أن تعود العلاقات بين الطرفين إلى مستوى يخدم مصالح الطرفين.58
ورداً على هذه الرسالة أعربت الإدارة الروسية عن رغبتها “الشديدة” في إعادة العلاقات إلى عهدها السابق، وذلك على لسان المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الذي صرح، في اليوم التالي لإرسال البرقية، بأن تطبيع العلاقات يحقق مصالح متبادلة للطرفين.59
أيضاً أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن بلاده ترحب بإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، وسارع الرئيس التركي بدعوة السفير الروسي في أنقرة، ألكسندر كارلوف، إلى الإفطار الرئاسي الذي أقيم لأعضاء السلك الدبلوماسي في تركيا، الأمر الذي قابله السفير بالقبول الذي تم ترجمته على أنه من المستحيل أن يتم دون رغبة الكرملين.60
وأكدت موسكو رغبتها الجادة في تحقيق المصالحة من خلال إشعال الضوء الأخضر أمام طائرات استطلاع تركية بالطيران في الأجواء السورية وفقاً لاتفاقية “الأجواء المفتوحة”.61
وفي 23 يونيو/حزيران قال نائب الخارجية الروسي، فايلي نيبنزيا، إن بلاده وجهت الدعوة لتركيا لحضور اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي لدول البحر الأسود الذي كان سينعقد بمدينة سوتشي الواقعة جنوب غربي روسيا، معرباً عن استعداد بلاده لتنظيم لقاء ثنائي بين وزيرا خارجية البلدين لإجراء مباحثات مباشرة حول العلاقات، على الرغم من أن جدول أعمال القمة لا يتيح عقد لقاءات ثنائية بين الوزراء.62
ولقد لعبالسفير الكازاخستاني لدى تركيا، جانسيت تويمباييف، دوراً كبيراً في إقناع الرئاسة التركية بكتابة خطاب يتضمن الاعتذار، ولو ضمنياً، لاحتواء الأزمة، وبالفعل استطاع السفير الكازاخستاني إقناع الطرف التركي الذي أرسل الخطاب إلى السفير في 24 يونيو/حزيران، ليسلمه بدوره إلى الرئيس بوتين الذي كان في العاصمة الأوزبكية طشقند على هامش اجتماع منظمة شنغهاي، وأظهر الرئيس الروسيرداً إيجابياً على الخطاب الذي أرسلته الرئاسة التركية.63
وإلى جانب هذه التطورات الإيجابية، كان لوسائل الإعلام التركية والروسية دوراً أساسياً في تدعيم الجهود الساعية لتحقيق المصالحة، فالتصعيد الإعلامي الذي رافق نشوب الأزمة بين الطرفين خفت وبات حينها يضطلع بدور الدافع نحو تحقيق المصالحة.
ولا شك في أن الرفض الروسي المدين والرافض لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت في تركيا، بتاريخ 15 يوليو/تموز، الدور الملموس في دفع الدول نحو التعجيل بتطبيع العلاقات “لمواجهة الإرهاب، وتحقيق المصالح المشتركة.
ولعل التقدم الذي حققته قوات سوريا الديمقراطية ـ المدعومة من قبل الولايات الأمريكية المتحدة ـ والذي قض مضاجع الطرفين خشية توسيع الولايات المتحدة نفوذها في سوريا، وشبح العزلة الدولية الذي كادت أن تسقط به تركيا بعد توتر علاقتها والعراق وإيران ودول وسط آسيا نحو التدهور، وفشل تركيا في إحراز تحالف تركي ـ سعودي ـ قطري إقليمي، بالإضافة إلى تخوفها من إناطة هويتها بالقطب السني والسياسة المذهبية في حين تحركت بتعاون مشترك بينها وبين السعودية،إلى جانب شبح التوافق الغربي الإيراني الذي قد يقصي الطرفين، روسيا وتركيا، وغيرها، هي العوامل التي دفعتهما للتوافق السريع، ويمكن لنا القول بأن تراجع روسيا عن مطالبتها بشرطها القائم على معاقبة الفاعلين أحد أهم الشواهد على تأثير العوامل المذكورة أعلاه على العلاقات بين الطرفين.
وعلى إثره شكل لقاء أردوغان ببوتين في سان بطرسبرغ، بتاريخ 9 أغسطس/آب،64الدرجة الأخيرة من المصالحة التركية الروسية التي تعد عملية “درع الفرات” التركية داخل الأراضي السورية والتي انطلقت بتاريخ 24 أغسطس/آب، أحد أهم نتائجها.
سارت العملية بالتعاون بين قوات الجيش التركي وبعضاً من قوات الجيش الحر، على رأسها “فيلق الشام” و “لواء السلطان مراد” و”الفرقة 13″ و”حركة أحرار الشام” وأسود الشرقية”، وأعلنت الحكومة التركية أن أهم الأهداف المعلنة للعملية هي:65
1ـ تأمين الحدود التركية السورية بتحرير المدن الحدودية من قبضة “داعش”.
2ـ تأمين المدن التركية من نيران الحرب الدائرة في سوريا.
3ـ حجب قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل قوات الحماية الكردية عمودها الفقري، من الاستيلاء على المناطق الحدودية وتشييد ممر يربط بين كينونتها الموجودة في حلب وتلك الرابضة شرق الفرات، وبالتالي ضمان وحدة الأراضي السورية.
4 ـ الحيلولة دون حدوث موجة نزوح جديدة، وإيصال المساعدات إلى المدنيين بشكل أسهل.
ـ تطورات عملية “درع الفرات”:
تتشكل معركة “درع الفرات”، وفقاً للإدارة التركية، من أربعمراحل:66 67
ـ المرحلة الأولى: شملت تحرير مدينة جرابلس ومحيطها.
ـ المرحلة الثانية: شملت تحرير بلدة الراعي ومحيطها.
ـ المرحلة الثالثة:تحرير مدينة الباب.
ـ المرحلة الرابعة: تحرير منبج والانطلاقة منها نحو الرقة، ولكن مع انتشار قوات أمريكية روسية سورية ـ ممثلة بالنظام ـ في محيط منبج، واختيار الولايات المتحدة وحدات الحماية الكردية
ـ تداعيات العملية على التطورات في سوريا:
لم تتضح بعد التداعيات الأكيدة لعملية “درع الفرات” على التطورات الجارية في سوريا، لكن، ربما يشكل الاحتمالان أدناه التداعيات الأقرب للواقع:
ـ إقامة المنطقة الآمنة التي تسعى لها تركيا:
لطالما اشترطت تركيا انضمامها إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش بإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا، ورفضت فتح قاعدة إنجيرليك العسكرية “جنوبي تركيا” لطائرات التحالف دون النظر في شروطها الأربع التي ارتكزت على إعلان منطقة حظر جوي، وإقامة منطقة آمنة، وتدريب المعارضة السورية وتزويدها بالمعدات العسكرية، واستهداف نظام الأسد.
وفي ظل تمكنها من تحقيق المساحة المطلوبة بذاتها تحت غطاء دولي فإن إقامتها لمنطقة آمنة تحتضن المدنيين وقوات المعارضة حتى انتهاء الأزمة السورية، وقد تشكل لها ورقة جيدة في المفاوضات الروسية التركية الثنائية، والمفاوضات الدولية، لضمان أمن حدودها. لكن لا شك في أن ذلك يشكل خطوةً أوليةً لترسيخ مصطلح “تقاسم النفوذ الجغرافية” في سوريا.
ـ استمرار المناوشات بين تركيا ووحدات الحماية الكردية:
وفقاً لحدود المساحة التي تم تحديدها من قبل الحكومة التركية قبل الإعلان عن بدء عملية “درع الفرات” بعامين تقريباً، فإن منبج تدخل في إطار تلك المساحة التي يُرمى من خلال السيطرة عليها إنشاء منطقة آمنة، وفي إطار إحراز تركيا تقدماً كبيراً من تلك المنطقة المنشودة، فإن احتمال الانطلاق حتى منبج يصبح أمراً صعباً، وخاصة أن أي تقدم ميداني لتركيا يثقل ميزانها الدبلوماسي على طاولة الحل التي يجتمع على أطرافها قوى أخرى.
ولكن على ما يبدو هناك بعض العقبات، كغياب الدعم الأمريكي والأوروبي الدبلوماسي والإعلامي والميداني للعمليات العسكرية والخسائر العسكرية، التي قد تُرغم تركيا على اجتراح الوقوف على حدود الباب، إلا أن الأمر يقف على مدى تمتع أنقرة بالإرادة السياسية والعسكرية لتحقيق ما تريده.قد تواجه تركيا عدة مشاكل في عملية الانطلاق نحو منبج، وربما العوائق التي قد تظهر أمامها في العملية هي:
ـ تحول المصالح المشتركة إلى مصالح متنازعة:
في الحقيقة تحركت تركيا داخل سوريا في إطار توافقي يجمعها داخل بوتقة مصالح مشتركة بينها وبين روسيا وإيران والولايات المتحدة التي تريد التخلص من “داعش”، إلا أن تحرك تركيا إلى الشمال أو الجنوب من المنطقة المرصودة لتحركه في إطار التوافق المذكور، يحول المصالح المشتركة إلى مصالح متنازعة وتبدأ تركيا بمواجهة تحدي روسي وأمريكي وإيراني يحد من حجم إنجازاتها المدنية والدبلوماسية، ويمكن تقييم الاستهداف الروسي للجنود الأتراك في الباب “بشكل خاطئ”، وإرسال روسيا بعضاً من قوات النظام نحو “منبج” لتشكيل عائق عسكري وقانوني أمام القوات التركية، وإعلان الولايات المتحدة على أن تمركز قوات النظام على مشارف “مبنج” جاء بناءً على التنسيق بينها وبين تركيا، على أنها عوامل تظهر تحول المصالح المشتركة بين تركيا والولايات المتحدة وروسيا ولإيران إلى مصالح متنازعة.
ـ انشغال تركيا بفض النزاعات “الفصائلية”:
نزاعات الفصائل السورية لا تنتهي، ولعل السبب الرئيسي وراء سقوط حلب في أيدي النظام السوري هو “النزاعات الفصائلية”. وانطلاقاً من ذلك، إلى جانب وضع الاقتتال الذي حصل في حدود منطقة “درع الفرات” منتصف يونيو/حزيران، نستنبط أن هذا العامل قد يشكل عائقاً أمام قدرة تركيا على توسيع نطاق سيطرتها، وإدارتها للمنطقة بما يكفل حيازتها تأثير فعال في مسار العملية السياسية.
ـ تنامي الضغط الإعلامي الشعبي والمطالبة بسحب الجنود الأتراك لحمايتهم من القتل في حرب “غير مفيدة”:
تقع الحكومة التركية اليوم تحت وطأة ضغط شعبي وإعلامي شديدة، فمقتل الجنود الأتراك المتتالي في سوريا، والذي كان أبشعه مقتل إثنين بالحرق على يد “داعش”، يشعل العواطف التركية الشعبية التي تدفع الشعب لمطالبة الحكومة بالانسحاب من حرب يقيمها الشعب على أنها “غير مفيدة”، ويجب أن يقوم بها “المواطنون السوريون” وليس الجنود الأتراك، فالضغط الإعلامي لا شك أنه يشتت تركيز الحكومة التي تضطر لتنصيب بعضه إزاء تبرير تلك الخسائر، وإن تواصل هذا السيناريو في البروز للسطح فإن الحكومة التركية قد تضطر لتخفيف جنودها في سوريا، والاعتماد على قوات المعارضة السورية بشكل أكبر، ولا شك في أن ذلك يؤثر سلباً في تحقيق المكاسب التي ترنو إليها من خلال عملية “درع الفرات”.
وفي المحصلة، تبدو السيناريوهات المتعلقة بعملية “درع الفرات” سلبية أكثر من كونها إيجابية، وتحمل نوع من التحدي على المدى الطويل، إذ أن تمادي تركيا في تحركها، واستغراق العملية مدة طويلة، وعدم ركون تركيا لحرب العصابات الاستباقية المستهدفة “لوحدات الحماية الكردية” من الداخل، وسهوها عن مُجريات التحالفات الدولية الجارية عوامل عدة تجعلها من تحركها الإيجابي، لصالح المصالح القومية يتحول إلى تحرك سلبي.
المحور السابع: المراحل التي مرت بها السياسة الخارجية التركية حيال الأزمة السورية:
يمكن رصد المراحل التي مرت بها السياسة التركية حيال القضية السورية في إطار المراحل التالية:
1ـ مرحلة التردد في دعم الثورة السورية وتطبيق سياسة الإقناع الدبلوماسي:
لقد اتسم الموقف التركي تجاه الثورة السورية بالحماسة الداعمة لمسار الثورة، بغية تعجيل تحقيق طموحاتها السياسية الرامية لإعادة الدور الدبلوماسي التاريخي المؤثر لتركيا، لكن لم يظهر سمات ذلك الموقف فور انطلاق الثورة السورية، فالشهور الأولى اتسمت بالتوازن ومحاولة إقناع الأسد للكف عن مواجهة المظاهرات بالأسلحة.
اتضحت محاولات الحل الدبلوماسي لدى الحكومة التركية، عبر إرسال برقيات إعلامية ووفود دبلوماسية على مستوى رفيع تطالب الأسد بالإصغاء لمطالب الشعب. وتوقع الجانب التركي مستنداً إلى الترابط الدبلوماسي والاقتصادي الوثيق بينه وبين سوريا، رد إيجابي من الأسد لخطاباتها ومحاولاتها الداعمة لعملية الحل السلمي، لكن نظام الأسد لم يواجه هذه الخطابات بإيجابية واتجه لاستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين.
وبعد عدم جدوى الخطابات الإعلامية التي وجهها أردوغان، والزيارات التي قام بها داود أوغلو، أعلن داود أوغلو في 15 أغسطس/آب 2011، أي بعد ما يقارب 5 شهور على مرور الثورة السورية، أن “الحديث الدبلوماسي مع النظام السوري قد انتهى”.
ينطلق سعي تركيا، في بداية الثورة السورية على الأقل، لتحقيق حل سلمي في سوريا من عدة نقاط أساسية، هي:
ـ المخاطر الأمنية التي قد تنتج عن اتساع رقعة تحركات حزب العمال الكردستاني، كما كان هناك تخوف من ميلاد منظمات إرهابية جديدة.
ـ الجهد السياسي الذي قطعته مع النظام السوري لإحراز هدفها في الانفتاح على الشرق، حيث استطاعت تشييد نموذجاً ناجحاً من التعاون السياسي والاقتصادي الوثيق بينها وبين سوريا، وكانت تروج لمشروعها في الانفتاح عبر ذلك النموذج.
ـ الحسابات الاقتصادية: فحجم الصادرات التركية لسوريا بلغت 1 مليار و611 مليون دولار، عوضاً عن عدد السياح السوريين الذين بدأوا يتوافدون بالآلاف إلى المدن التركية نتيجة رفع التأشيرة عام 2009، بالإضافة إلى الاستثمارات التركية المتنامية في سوريا وتلك السورية في تركيا، كما أن تنامي الأزمة كان سيؤدي إلى تأثر علاقات تركيا بعدة دول ذات صلة، كإيران وروسيا، وهو ما أحال تركيا للتوتر في البداية.68
2ـ مرحلة العقاب الدبلوماسيوالاقتصادي وبدء التوجه لدعم لوجستي سياسي وعسكري خفي:
لقد أشار التصريح الإعلامي لداود أوغلو أن تركيا باتت عازمة على التوجه نحو خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد وإسقاطه، وقد اتضحت معالم هذه المرحلة من خلال فرض العقوبات الاقتصادية، وتخفيف مستوى العلاقات الدبلوماسية، وتأسيس كيان سياسي يمثل المعارضة السورية في إسطنبول، وحظر استخدام الأجواء التركية السيادية أمام الطيران الذي ينقل مساعدات عسكرية ولوجستية لصالح نظام الأسد.
وربما أهم العوامل التي ساهمت في انتقال تركيا لهذه المرحلة هي:
ـ رفع بعض الجهات الإقليمية والدولية مستوى مقاطعتها لنظام الأسد؛ وكان إصدار الجامعة العربية قرار فرض عقوبات سياسية واقتصادية على نظام الأسد، ومع إعلان الولايات المتحدة دعمها الكامل للعقوبات المفروضة من قبل الجامعة العربية، زادت حماسة تركيا في محاول إسقاط النظام.
ـ الانسجام التوافقي بين مواقفها ومواقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ـ الانغماس في حلم تعجيل رفع مستوى التأثير الدبلوماسي لتركيا في المنطقة، وذلك نتيجة للدعم الإقليمي والعالمي لموقفها.
ـ الرغبة في استغلال فرصة تقليص الدور الروسي والنفوذ الإيراني في المنطقة.
ـ التقارب الفكري بين الحزب الحاكم في تركيا وجماعة الإخوان المسلمين الأكبر وجوداً والأكثر انتظاماً على الساحة السورية، والتي أسست “المجلس الوطني السوري”، الأمر الذي دفع تركيا للتفكير بأن سقوط النظام بات قريباً، وفرصة السيطرة على أواصر الحكم السياسي في سوريا أضحت بيدها.
3ـ مرحلة الدعم المفتوح:
برزت هذه المرحلة بتصريح وزير الخارجية التركي آنذاك “أحمد داود أوغلو” بأن تركيا ستفتح بابها أمام جميع السوريين، وتبعه قطع للعلاقات التركية السورية بالكامل في مايو/أيار 2012، ولعل لإسقاط النظام السوري إحدى المقاتلات التركية في يونيو/حزيران 2012، بالقرب من اللاذقية، ومن ثم استهداف مخابرات النظام السوري لمواطنيها بتفجير إرهابي وقع، في مايو/أيار 2013،بالقرب من الحدود، فضلاً عن تمادي النظام السوري في عملياته العسكرية ضد الشعب السوري؛ هي العوامل الرئيسة في دفع تركيا للاتجاه نحو تلك المرحلة، إذ شعرت بضرورة الاتجاه لدعم عسكري ولوجستي وسياسي مفتوح يعزز من عملية إسقاط النظام، ورسخت تركيا الانتقال إلى هذه المرحلة عبر إعلانها الاعتراف “بالتحالف الوطني لقوى الثورة السورية” على أنه الممثل الوحيد والشرعي للشعب السوري.
5ـ مرحلة تجزئة الدعم ومساندة عملية الحل السياسي:
استمرت تركيا حتى عام 2014، في الطموح بإنشاء تحالف دولي يقضي على نظام الأسد، وأخذت تبذل جهودها الحثيثة لإقناع المجتمع الدولي بضرورة هذه الخطوة، ولكن دون جدوى. وقد ظهرت ملامح تجاه تركيا نحو تجزئة الدعم والاتجاه نحو خيار ضرورة مساندة عملية الحل السياسي، بعد بروز شواهد الخلاف بين زعماء العدالة والتنمية حول الأزمة السورية للسطح، إذ صرح الرئيس التركي عبد الله غول، الذي كان يُصنف على أنه الرجل الثاني في الحزب الحاكم، قبل عقد اجتماع جنيف 2، بأن “عرى العلاقات بين تركيا وسوريا يجب أن تعود إلى سابق عهدها.”
وبزغت سمة هذه المرحلة أيضاً، في إغلاق تركيا، في مطلع سبتمبر/أيلول، معابرها الحدودية مع سوريا، وتطبيق سياسات أكثر صرامة على اللاجئين الوافدين إليها، وفي تلك الفترة الزمنية أيضاً، مالت تركيا لخيار التدخل المباشر لقي نفسها من مخاطر المنظمات الإرهابية.
وتميز هذه المرحلة بتحول التدخل التركي من تدخل غير مباشر يتم عبر فصائل مقربة لها، إلى تدخل مباشر يعتمد على إرسال قوات برية من الجيش إلى داخل الحدود السورية، ويركن إلى استدعاء قادة الفصائل الفاعلة والأكثر قوة في سوريا إلى أنقرة، والتنسيق معها مسار المعارك بشكل ميداني مباشر.
ولعل دخول القوات التركية إلى داخل سوريا في 2 فبراير/شباط 2015، وتأسيس جيش الفتح بتعاون قطري سعودي، وبإدارة استخباراتية عسكرية تعمل من مدينة كيليس الحدودية، أهم مؤشرين لانتقال تركيا لتلك المرحلة.
العديد هي الأسباب الميدانية والسياسية التي دفعت تركيا لتجزئة دعمها للقضية السورية واختيار طريق الدعم المُوجه والمدار بشكل مباشر، ولكن يُعتقد أن أهم هذه الأسباب هي:
1ـ المماطلة الأمريكية والغربية في إسقاط نظام الأسد: ظلت تركيا لسنوات تدعم الثورة السورية، أملاً في تكريمها على أنها دولة راعيةً للإنسانية، وبالتالي تستحق التكريم من قبل المجتمع الغربي “الراعي للإنسانية والديمقراطية”، والذي لن يرتاح في نومه دون إسقاط الأسد، لكن العوامل الواقعية التي ظهرت للسطح، كانت أقوى من طموح تركيا في نيل مكافأتها، وربما الأسباب التي وقفت وراء المماطلة الغربية هي:
ـ ظهور المنظمات الإرهابية جراء حالة فراغ السلطة التي نتجت عن ضعف نظام الأسد.
ـ حصول الولايات المتحدة على موطئ قدم في شمال شرقي سوريا الذي يسيطر عليه حزب الاتحاد الديمقراطي، وعلى ما يبدو اكتفت الولايات المتحدة التي حُرمت دوماً من قاعدة عسكرية في سوريا، تستطيع من خلالها احتواء النفوذ الروسي هناك، وبالتالي أضحت تصب تركيزها على البقاء على تلك المنطقة، لإدارة سوريا بالتعاون مع روسيا ودون الإمعان في توسيع نطاق فراغ السلطة.
ـ رغبة الإدارة الأمريكية في التوصل إلى اتفاق مع إيران، يمكن لها من خلاله تفكيك التكتل الروسي الصيني الإيراني، لا سيما في ظل اقتناعها أنه من الصعب تنحية نظام الأسد في ظل الدعم الروسي والإيراني المكثف، لذا رأت أن التقارب من إيران قد يُبقي على نفوذها في سوريا ويوسعه، ويضعف النفوذ الروسي، وهو ما يمكنها من توسيع النفوذ دون خسائر عسكرية جمّة.
ـ تنامي المخاطر المهددة لإسرائيل التي اقنعت الولايات المتحدة، على ما يبدو، بضرورة بقاء نظام الأسد.
ـ تغيُّر مسار سلم الأولويات بالنسبة للولايات المتحدة عقب انخفاض الأهمية الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط، نتيجة تدني أسعار النفط بشكل ملموس، وصعود الصين السياسي والاقتصادي البرّاق الذي أرغم أمريكا على نقل ثقلها الاستراتيجي من الشرق القريب إلى الشرق البعيد.
ـ تنامي عدد وقوة القوى المحلية الرديفة لدول القطب الروسي الإيراني، الأمر الذي تولد عنه من عجز لتركيا وجماعات القوات المسلحة الأخرى عن صدها، وأقنع الولايات المتحدة بضرورة اتخاذ أسلوب جديد تجلى في تسريع عملية الاتفاق مع إيران، ودعم حزب الاتحاد الديمقراطي “الكردي” المضاد للمصلحة القوية التركية.
2ـ إخفاق جماعة الإخوان في البقاء على السيطرة السياسية على الكيان السياسي الممثل للثورة، وفشل الجيش الحر وتشرذمه إلى فصائل متعددة.
3ـ انعدام الفائدة السياسية مقابل التكاليف الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية الباهظة.
4ـ اتساع الرقعة الجغرافية المسيطر عليها من قبل قوات الحماية الكردية، دون وجود رادع قوي لها.
5ـ الافتقار إلى الاستعداد المؤسسي الداخلي:تعرضت تركيا لعدد كبير من الهزات الداخلية التي امتصت طاقتها الموجهة نحو الخارج، ويأتي على رأس هذه الهزات، الصراع الذي دار بين الحزب الحاكم وجماعة غولن، والذي انتهى بمحاولة انقلاب فاشلة أثبتت العجز لدى تركيا على حماية جبهتها الداخلية، فلا يستطيع العاجز على صعيد داخلي أن يدير الجبهات الخارجية.
أيضاً لا يمكن إغفال الضعف في الكوادر البشرية لدى تركيا، فالساعي لأن يكون دولة كبرى مؤثر في وسط معين، لا بد من أن يزخر بكوادر بشرية مؤهلة لذلك، حيث لا يوجد مخرجات بدون مدخلات. وتفتقر تركيا إلى الكوادر البشرية التي تتحدث اللغة العربية وتبرع في إدارة الميادين على الصعيدين الأمني والسياسي والاجتماعي، الأمر الذي أعجز تركيا عن منافسة بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة بشكل حاسم، فتلك الدول ماركات عالمية في الاحتلال وإدارة الشعوب الأخرى، إذ نجدهم يحصلون على مبتغاهم في السيطرة على دول الربيع العربي عبر السياسيتين الناعمة والصلبة بشكل خفي ومتكامل التخطيط، ولا تستطيع تركيا الوليدة منافسة هذه الدول النافذة والقوية في الترويج لتجاربها بصرف النظر إن كانت متناغمة مع طموح المواطن العربي أم لا.
6ـ مرحلة الاستيقاظ من أحلام المثالية والتوجه نحو حلٍ واقعي يهدف لتأمين حدودها دونما المطالبة بإسقاط الأسد:
بسقوط تركيا في أزمةٍ شديدة مع روسيا على إثر إسقاط قواتها لإحدى الطائرات الروسية المخترقة لأجوائها في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ومن ثم عجزها عن كسب الدعم الأمريكي لخططها المنشودة، وتجاوز قوات الحماية الكردية كافة الخطوط الحمر دون الأخذ بعين الاعتبار التحذيرات التركية التي عبرت عنها تركيا لحماية أمنها واستقرارها القوميين، نتيجة سعي القوات الكردية لتشييد حزام كردي يفصل بين الأراضي التركية السورية، لم يعد أمام تركيا سوى الانصياع لمرحلة الاستيقاظ من أحلام المثالية الرامية لإسقاط نظام الأسد، والتوجه نحو حلٍ واقعي يلمس تأمين أمن حدودها القومية.
وعن الأسباب التي أدت إلى مآل تركيا لهذه المرحلة التي عبرت عن فشلها الذريع في سياستها تُجاه سوريا، يمكن ذكر التالي:
ـ إيلاء القرارات الخارجية أهمية مثالية أكثر من الأهمية الواقعية، الأمر الذي أوقعها في عدد من المآزق، من خلال اتباع سياسة التوقع المطلق في سقوط الأسد، والابتعاد عن سياسة توازن ما بين التوقع المطلق والواقع.
ـ لا بد من التأكيد على عدم جهوزية الجبهة الداخلية لتركيا، نتيجة التنافس الداخلي المحتدم مع جماعة غولن، وعودة الصدام العسكري بينها وبين حزب العمال الكردستاني.
ـ اتساع رقعة سيطرة “داعش” في العراق وسوريا.
ـ الرغبة في الحفاظ على صورة تركيا الدبلوماسية الناعمة أمام الرأي العام المحلي والإقليمي، فالتطورات الجارية أضرت كثيراً بالمكون الديموغرافي والديني لمواطني المنطقة، وعوّلت شعوب المنطقة على تركيا لإجراء سياسة تردع هذا التحرك، وكان لا بد لتركيا من تغيير مسار سياستها غير الواقعية لإنقاذ ما هو ممكن.
ـ الخشية من التكاليف البديلة: ظهر هذا العامل بعد عودة روح التقارب بين تركيا وروسيا، وبدء تركيا في عملية “درع الفرات”، وإحرازها بعض السيطرة على المناطق الجغرافية القريبة من حدودها، الأمر الذي أرغمها على مسايرة روسيا لتفادي استمرار الأزمة، فاستمرار الأزمة قد يعني فقدانها للمكتسبات التي أنجزتها عبر العملية، لذا فإن الدرجة الأولى من سلم أولوياتها، الآن على الأقل، هو المحافظة على هذه المكتسبات قدر الإمكان، والمحافظة على هذه المكتسبات يبدو غير ممكن إلا من خلال الإبقاء على سياسة التعاون مع روسيا، للتوصل إلى حل سياسي نهائي، والتعاون مع روسيا ينفي احتمالية سقوط نظام الأسد.
ـ الخاتمة:
تناولت الدراسة الموقف التركي من الثورة السورية منذ نشوبها وحتى نهاية عام 2016. واستناداً إلى عوامل المرحلتين الخامسة والسادسة، نجد أن سيناريو تحرك تركيا نحو حماية مصالحها القومية بعيداً عن شعار”يجب إسقاط نظام الأسد” هو الأقرب إلى الواقع، لا سيما أن الهدف الأساسي للإدارة الأمريكية الجديدة ما زال يُصنف على أنه القضاء على “داعش”، وليس إسقاط نظام الأسد.
ـ الهوامش:
1ـ عمر توغاي كيناليتوبوك، رسالة ماجستير بعنوان العلاقات التركية السورية ما بين عامي 2002 و2014، المشرف: بروفسور دكتور سيبال طوران، قسم العلاقات الدولية، جامعة تراكيا، تاريخ النشر:2014، تاريخ الدخول: 29 يناير/كانون الثاني 2017، ص: 43.
http://dspace.trakya.edu.tr/jspui/bitstream/1/1621/1/0120079.pdf
2ـ عدنان السوداي، الأسد ينافس القذافي في خطابه الثالث في الإطالة ووصف معارضيه “بالجراثيم”، العربية، تاريخ النشر: 23 يونيو/حزيران 2011، تاريخ الدخول: 29 يناير/كانون الثاني 2017.
https://www.alarabiya.net/articles/2011/06/23/154481.html
3ـ العلاقات التركية السورية: ما بين الهبوط والصعود، الجزيرة ترك، تاريخ النشر: 6 يناير/كانون الثاني 2014، تاريخ الدخول: 29 يناير/كانون الثاني 2017.
http://www.aljazeera.com.tr/dosya/turkiye-suriye-iliskileri-inisler-ve-cikislar
4ـتاريخ العلاقات التركية السورية في 25 مادة، رصد خبر، تاريخ النشر: 30 سبتمبر/أيلول 2015، تاريخ الدخول: 29 يناير/كانون الثاني 2017.
https://rasthaber.com/25-maddede-suriye-turkiye-iliskilerinin-tarihi-seyri
5ـدويجو غوفانج، محمد نايير، جودت أوزدامير، إجبار طائرة سورية على الهبوط في مدينة أنقرة، صحيفة صباح التركية، تاريخ النشر: 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2012، تاريخ الدخول: 29 يناير/كانون الثاني 2017.
http://www.sabah.com.tr/gundem/2012/10/11/suriye-ucagi-ankaraya-indirildi
6ـ سياسة الجامعة العربية تجاه سوريا، مجلة رؤية تركية، العدد الرابع، شتاء 2012، تاريخ الدخول: 29 يناير/كانون الثاني 2017.
7ـ عمر توغاي كيناليتوبوك، رسالة ماجستير بعنوان العلاقات التركية السورية ما بين عامي 2002 و2014، مصدر سبق ذكره.
8ـ ألبأرسلان، إيديل بلجيتش، كيف أثرت الأزمة السورية في الاقتصاد التركي؟، وقف تركيا لأبحاث السياسات الاقتصادية، تاريخ النشر: أغسطس/ آب 2012، تاريخ الدخول: 29 يناير/كانون الثاني 2017.
http://www.tepav.org.tr/upload/files/1345630741-9.Suriye_Krizi_Turkiye_Ekonomisini_Nasil_Etkiler.pdf
9ـ رد سوري بالمثل على عقوبات تركيا، جريدة راديكال التركية، تاريخ النشر: 5 ديسمبر/كانون الأول 2011، تاريخ الدخول: 29 يناير/كانون الثاني 2017.
http://www.radikal.com.tr/dunya/turk-yaptirimina-suriyeden-misilleme-geldi-1071538/
10ـ إسطنبول… المعارضة السورية تعلن تأسيس مجلس وطني، بي بي سي عربي، تاريخ النشر: 2 أكتوبر/تشرين الأول 2011، تاريخ الدخول: 30 يناير/ كانون الثاني 2017.
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2011/10/111002_syria_opposition.shtml
11ـتصريح من أردوغان حول سوريا، صحيفة حرييت التركية، تاريخ النشر: 6 أغسطس/آب 2011، تاريخ الدخول: 30 يناير/كانون الثاني 2017.
http://www.hurriyet.com.tr/erdogandan-suriye-aciklamasi-18431039
12ـسوريا تُغلق قنصليتها بمدينة غازي عنتاب التركية رداً على العقوبات التركية، وكالة الأنباء الكويتية “كونا”، تاريخ النشر: 2 يناير/كانون الثاني 2012، تاريخ الدخول: 30 يناير/كانون الثاني 2017.
13ـ عمر توغاي كيناليتوبوك، رسالة ماجستير بعنوان العلاقات التركية السورية ما بين عامي 2002 و2014، مصدر سبق ذكره.
14ـالأسد يطرد جميع السفراء الموجودين في سوريا، صحيفة تركيا، تاريخ النشر: 6 يونيو/حزيران 2012، تاريخ الدخول: 31 يناير/كانون الثاني 2017.
http://www.turkiyegazetesi.com.tr/Genel/a537842.aspx
15ـ الخارجية السورية تنفي مسؤولية جيش النظام عن “مجزرة الحولة”، المصري اليوم، تاريخ النشر: 27 مايو/أيار 2012، تاريخ الدخول: 31 يناير/كانون الثاني 2017.
http://www.almasryalyoum.com/news/details/181853
16ـالعلاقات التركية السورية، وزارة الخارجية التركية، تاريخ الدخول: 31 يناير/كانون الثاني 2017.
http://www.mfa.gov.tr/turkiye-suriye-siyasi-iliskileri-.tr.mfa
17ـ سوريا تُسقط طائرة تركية، صحيفة وطن، تاريخ النشر: 23 يونيو/حزيران 2012، تاريخ الدخول: 31 يناير/كانون الثاني 2017.
http://www.gazetevatan.com/suriye–turk-savas-ucagini-dusurdu–459720-gundem/
18ـ العلاقات التركية السورية: نقاط الصعود والهبوط، الجزيرة ترك، تاريخ النشر: 6 يناير/كانون الثاني 2014، تاريخ الدخول: 1 فبراير/شباط 2017.
http://www.aljazeera.com.tr/dosya/turkiye-suriye-iliskileri-inisler-ve-cikislar
19ـ نفس المصدر أعلاه.
20ـ نفس المصدر أعلاه.
21ـ سقوط قذائف على بلدة أكجا كاله: 5 قتلى و10 جرحى، صحيفة حرييت، تاريخ النشر: 4 أكتوبر/تشرين الأول 2012، تاريخ الدخول: 1 فبراير/شباط 2017.
http://www.hurriyet.com.tr/akcakaleye-top-mermisi-dustu-5-olu-10-yarali-21615000
22ـ عمر توغايكيناليتوبوك، رسالة ماجستير بعنوان العلاقات التركية السورية ما بين عامي 2002 و2014، مصدر سبق ذكره.
23ـ تركيا تقر “الائتلاف السوري” ممثلاً شرعياً، سكاي نيوز، تاريخ النشر: 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، تاريخ الدخول: 1 فبراير/شباط 2017.
24ـ إطلاق سراح الصحفي جنيد أونال، صحيفة يني عصر، تاريخ النشر: 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، تاريخ الدخول: 17 فبراير/شباط 2017.
http://www.yeniasir.com.tr/gundem/2012/11/17/gazeteci-cuneyt-unal-serbest-birakildi
25ـ نواب حزب الشعب الجمهوري يلتقون بالأسد، صحيفة وطن، تاريخ النشر: 7 مارس/آذار 2013، تاريخ الدخول: 17 فبراير/شباط 2017.
http://www.gazetevatan.com/chp-li-vekiller-esad-la-gorustu–520204-gundem
26ـ انفجار ثالث في بلدة الريحانية التركية، الوفد، تاريخ النشر: 11 مايو/أيار 2013، تاريخ الدخول: 17 فبراير/شباط 2017.
27ـعمر توغايكيناليتوبوك، رسالة ماجستير بعنوان العلاقات التركية السورية ما بين عامي 2002 و2014، مصدر سبق ذكره.
28ـ الأسلحة الذاهبة لسورية هدفها رياضي، صحيفة حرييت، تاريخ النشر: 17 ديسمبر/كانون الثاني 2013، تاريخ الدخول: 17 فبراير/شباط 2017.
http://www.hurriyet.com.tr/suriye-ye-giden-silahlar-spor-amacli-25379566
29ـأحمد يوسف، ممثل وكالة الأناضول في قطر وله دور فعال في تنسيق مؤتمرات الجماعة داخل تركيا، مقابلة مع الباحث عبر الهاتف، 16فبراير/شباط 2017.
30ـ تحليلات وخبر “تركيا تدرس تغيير سياستها تجاه سوريا، مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية، تاريخ النشر: 16 يناير/كانون الثاني 2014، تاريخ الدخول: 20 فبراير/شباط 2017.
31ـالعلاقات التركية السورية: نقاط الصعود والهبوط، الجزيرة ترك، مصدر سبق ذكره.
32ـ تم الحصول على أسلحة في الشاحنات الموقوفة في أضنة، موقع تي 24، تاريخ النشر: 19 يناير/كانون الثاني 2014، تاريخ الدخول: 20 فبراير/شباط 2017.
http://t24.com.tr/haber/adanada-3-tir-durduruldu-arama-yapiliyor,248707
33ـ تحليلات وخبر “تركيا تدرس تغيير سياستها تجاه سوريا، مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية، مصدر سبق ذكره.
34ـ تركيا تغلق حدودها بشكل جزئي، موقع بي بي سي باللغة التركية، تاريخ النشر: 22 سبتمبر/أيلول 2014، تاريخ الدخول: 20 فبراير/شباط 2017.
http://www.bbc.com/turkce/haberler/2014/09/140922_turkiye_kobani
35ـ البرلمان التركي يقبل قرار منح الجيش صلاحية التدخل في سوريا، موقع بي بي سي باللغة التركية، تاريخ النشر: 2 أكتوبر/تشرين الأول 2014، تاريخ الدخول: 20 فبراير/شباط 2017.
http://www.bbc.com/turkce/haberler/2014/10/141002_tezkere_canli
36ـ العلاقات بين سوريا وتركيا منذ اندلاع الحرب، موقع بي بي سي باللغة العربية، تاريخ الدخول: 13 يوليو/تموز 2016، تاريخ الدخول: 20 فبراير/شباط 2017.
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/07/160713_timeline_turkey_syria_relations
37ـ نفس المصدر أعلاه.
38ـبرهان الدين دوران، كمال إينات، السياسة الخارجية التركية خلال عام 2015، منشورات مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية “سيتا”، تاريخ النشر: مايو 2016، ط:1، ص: 181 ـ 182.
39ـ نفس المصدر أعلاه، ص: 183 ـ 184.
40ـ تركيا تسقط “مروحية” سورية ودمشق تقول إنها “طائرة استطلاع صغيرة”، موقع بي بي سي باللغة العربية، تاريخ النشر: 16 مايو/أيار 2015، تاريخ الدخول: 20 فبراير/شباط 2017.
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/05/150516_syria_plane_turkey
41ـ صحيفة تركية: جيش الفتح تقوده أنقرة وتموله السعودية، موقع قناة الميادين، تاريخ النشر: 2 حزيران/يونيو 2015، تاريخ الدخول: 20 فبراير/شباط 2017.
42ـ سيطرة “داعش” على تل الأبيض، الجزيرة ترك، تاريخ النشر: 16 يونيو/حزيران 2015، تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2017.
http://www.aljazeera.com.tr/haber/ypg-tel-abyada-girdi
43ـ تركيا…ارتفاع حصيلة تفجير سوروج إلى 31 قتيلاً، العربية نت، تاريخ النشر: 20 يوليو/تموز 2015، تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2017.
44ـ الجيش التركي يستهدف مواقع “لداعش”، وكالة سبوتنيك باللغة التركية، تاريخ النشر: 23 يوليو/تموز 2015، تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2017.
https://tr.sputniknews.com/turkiye/201507231016718185/
45ـ طائرة روسية تخترق الأجواء التركية، موقع قناة أن تيفي التركية الإلكتروني، تاريخ النشر: 5 أكتوبر/كانون الأول 2015.
http://www.ntv.com.tr/turkiye/rus-ucagi-turk-hava-sahasiniihlal-etti,FMMr9H6IT0CK_C-MjWxOPA
46ـ “داعش” ترد تعلق بقباحة على انفجار أنقرة، صحيفة ميلييت، تاريخ النشر: 10 أكتوبر/تشرين الأول 2015، تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2017.
http://www.milliyet.com.tr/isid-den-ankara-saldirisiyla/dunya/detay/2130012/default.htm
47ـ سيناريوهات تركيا عقب استهدافها لعناصر حزب الاتحاد الديمقراطي، ترك برس، تاريخ النشر: 18 فبراير/شباط 2016، تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2017.
http://www.turkpress.co/node/18658
48ـ الاتفاق على جدول زمني بشأن أزمة سوريا، سكاي نيوز عربية، تاريخ النشر: 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2017.
49ـ انطلاق أعمال قمة العشرين في أنطاليا.. وخطر التطرف ومصير سوريا على رأس أولوياتها، صحيفة الشرق الأوسط، تاريخ النشر: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2017.
50ـ تركيا تسقط طائرة عسكرية روسية وبوتين ينذر “بعواقب وخيمة” على العلاقات الثنائية، موقع قناة فرنس 24 الإلكتروني، تاريخ النشر: 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2017.
51ـ تركيا تقصف مواقع لحزب الاتحاد الديمقراطي، صحيفة تقويم، تاريخ النشر: 13 فبراير/شباط 2016، تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2017.
http://www.takvim.com.tr/guncel/2016/02/13/turkiye-pydyi-vurmaya-basladi
52ـ وصول طلائع القوات الجوية السعودية لتركيا لبدء ضربات جوية في سوريا، رام الله الإخباري، تاريخ النشر: 13 فبراير/شباط 2016، تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2017.
53ـ العلاقات بين سوريا وتركيا منذ اندلاع الحرب، موقع قناة بي بي سي باللغة العربية، تاريخ النشر: 12 يوليو/تموز 2016، تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2017.
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/07/160713_timeline_turkey_syria_relations
54ـ بن علي يلديريم: تركيا تسعى إلى تطوير علاقات جيدة مع سوريا، موقع قناة بي بي سي باللغة العربية، تاريخ النشر: 12 يوليو/تموز 2016، تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2017.
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/07/160713_turkey_syria_relationship_development
55ـ أردوغان يهنئ بوتين بمناسبة العيد الوطني لروسيا، موقع قناة دويتشه فيله باللغة العربية، تاريخ النشر: 14 يونيو/حزيران 2016، تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2017.
56ـ الكرملين: موسكو ترغب في عودة العلاقات مع تركيا، صحيفة العرب، تاريخ النشر: 15 يونيو/حزيران 2016، تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2017.
57ـ سمير صالحة، ثمن المصالح التركية الروسية، العربي الجديد، تاريخ النشر: 29 يونيو/حزيران 2016، تاريخ الدخول: 23 فبراير/شباط 2017.
58ـ نفس المصدر أعلاه.
59ـ روسيا تدعو تركيا لحضور اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي لدول البحر الأسود، ديلي صباح، تاريخ النشر: 23 يونيو/حزيران 2016، تاريخ الدخول: 23 فبراير/شباط 2017.
60ـ التفاصيل السرية للمصالحة التركية الروسية، مركز الصياد للتحليل السياسي، تاريخ النشر: 9 أغسطس/آب 2016، تاريخ الدخول: 23 فبراير/شباط 2017.
http://www.alsayyaad.net/?p=6112
61ـ لقاء بين أردوغان وبوتين في 9 أغسطس، العربية نت، تاريخ النشر: 26 يوليو/تموز 2016، تاريخ الدخول: 23 فبراير/شباط 2017.
62ـ نفس المصدر أعلاه.
63ـ عبد الباري عطوان، ما هي كلمة السر في المصالحة التركية الروسية؟، رأي اليوم، تاريخ النشر: 10 أغسطس/آب 2016، تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2017.
http://www.raialyoum.com/?p=496035
64ـ لقاء بين أردوغان وبوتين في 9 أغسطس، العربية نت، مصدر سبق ذكره.
65ـ عملية درع الفرات في 5 أسئلة، موقع قناة دويتشه فيليه باللغة العربية، تاريخ النشر: 1 ديسمبر/كانون الأول 2016، تاريخ الدخول: 23 مايو/أيار 2017.
http://www.dw.com/tr/5-soruda-f%C4%B1rat-kalkan%C4%B1-operasyonu/a-36591639
66ـ المرحلة الثالثة لعملية درع الفرات، صحيفة وطن، تاريخ النشر: 17 سبتمبر/أيلول 2016، تاريخ الدخول: 23 مايو/أيار 2017.
http://www.gazetevatan.com/firat-kalkani-nda-3-uncu-asama–986678-gundem/
67ـ رئاسة الأركان التركية “أنهينا مراحل الفرات بنجاح”، وكالة سبوتنيك الإخبارية، تاريخ النشر: 31 مارس/آذار/2017، تاريخ الدخول: 25 مايو/أيار 2017.
68ـ ألب أرسلان، إيديل بلجيتش، كيف أثرت الأزمة السورية في الاقتصاد التركي؟، مصدر سبق ذكره.
- تحريرا في 23-6-2017