تركيا المتحولة من اتاتورك إلى أردوغان
إعداد : مصطفى محمد صلاح – باحث ماجيستير فى العلوم السياسية والعلاقات الدولية
- المركز الديمقراطي العربي
- نشأة الدولة التركية الحديثة:
مثلت معاهدة لوزان 23/ تموز 1923م، تاريخ ولادة الجمهورية التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك ولتبدأ مسيرة التحول نحو أوربا سلوكيًا وثقافيًا وسياسيًا، مع أن بعض المؤرخين يرون أن التوجه نحو الأوربة بدأ مع عصر التنظيمات منذ منتصف القرن التاسع عشر وتجلى فى دستور عام 1876م.
وشكلت معاهدة لوزان الضمانة لوحدة الأراضى التركية كما هى عليه اليوم بعد المحاولات المتعددة من قبل روسيا وبعض الدول الأوربية لتقسيم هذه الأراضى إثر اتفاقية ” سيفر ” عام 1920م، والتى كانت تستهدف تقسيم تركيا بين الآرمن والأكراد والدول الغربية وقطعة صغيرة فى وسط الأناضول للأتراك، غير أن نجاح أتاتورك فى قيادة حرب ثورية ضد هذه التطلعات أفضى للشكل الحالى للجمهورية التركية جغرافيًا.
- الجمهورية التركية منذ عام 1923م حتى عام 1938م.
أعطت المرحلة التى تزعم فيها مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية الملامح الأساسية للمشهد التركى فى المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية وكذلك الاقتصادية، إذ طبق نظريتــه في علمنــة الدولــة والمجتمــع على كافــة مجــالات الحيــاة في تركيــا.
بدأت نواة تشكل النظام السياسى للحكم فى الجمهورية التركية بإعلان دستور دولة تركيا عام 1921م والذى أسس الدولة القومية، وينص الدستور على أن الشعب هو مصدر السلطات دون قيد أو شرط ويدير الدولة بنفسه وذاته. ومن ثم أعلنت الجمهورية وفقًا للقانون 364 الصادر عام 1923؛ والذى حدد شكل الدولة ونظامها ولغتها، وأعطى رئيس البلاد سلطات مطلقة، فرئيس الدولة هو رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الوطنى كما يتولى رئاسة الوزراء، وله أن يختار من أعضاء المجلس الوطنى رئيسًا للوزراء، وعلى الرغم من أن دستور 1921 شكل النواة الأولى للدساتير اللاحقة إلا أنه لم يكن مفصلًا شارحًا للنظام السياسى وكذلك بنية هذا النظام والسلطات الممنوحة واختصاصها.
شكل مجلس الشعب التركى لجنة أعدت مسودة دستور جديد مستفيدة من دستورى دولة بولندا والجمهورية الفرنسية الثانية، وتمت الموافقة عليها فى عام 1924م، وحافظ دستور عام 1924م على نظام حكومة المجلس وفقًا لمبدأ الحكم القومى ووضع السلطة التشريعية فى يد مجلس الشعب، والسلطة التنفيذية فى يد هيئة الوكلاء التنفيذيين، ويمكن للمجلس أن يراقب هذه الهيئة وأن يعزلها. والسلطة التشريعية تقع فى يد هيئة تتشكل من مجلس الشعب التركى، ينتخب أعضاءها كل أربعة أعوام، ويشكل رئيس الجمهورية والوزراء القوة الإدارية وينتخب مجلس الشعب التركى رئيس الجمهورية من بين أعضائه كل أربع سنوات، ووضع الدستور القضاء فى يد المحاكم المستقلة بأسم الأمة؛ ويتضمن الدستور الحقوق والحريات الفردية والجماعية تحت عنوان ” قانون الأتراك العمومى ” .
لقد استفاد اتاتورك من الإرث المعنوى الكبير الذى حققه أثناء قيادته لحركة المقاومة التركية وحول انتصاراته إلى سلطة معنوية مباشرة على كل مرافق الحياة السياسية فى البلاد مستفيدًا من قيادته للجيش الذى تشكل من كتائب المقاومة التى كان يقودها خلال الفترة من عام 1919م إلى عام 1923م.
وأرسى أتاتورك تقاليد الجيش المحترف، الذى نصبته المادة 35 من اللائحة الداخلية للقوات المسلحة كحام للتعاليم التى قامت عليها الجمهورية التركية، ولم تنفصل قيادة الجيش عن رئاسة السلطة التنفيذية إلا بعد وفاة أتاتورك. كما أن أتاتورك رفض مبدأ التعددية الحزبية وأسس حزب الشعب الجمهورى كحزب وحيد فى البلاد رغم اعتراض عدد من اعضاء البرلمان، وبذلك توطدت لأتاتورك السلطة المطلقة فى تركيا من خلال قيادته للجيش ورئاسته للدولة والحزب الوحيد الحاكم. ففى معركة جالبولى فى الحرب العالمية الأولى أصيب أتاتورك بشظية رصاص فوق القلب وما منع اختراق الرصاصة لقلبة ساعة كان يضعها فى ملابسة، بعدها أصبح لدى أتاتورك قناعة بأنه خالد وأصبح يسير بين الجنود والانفاق دون رهبة للرصاص مما دفع الجنود أيضًا للايمان بخلودة، وبعد انتصاره وهو قائد للمنطقة الشرقية، أصبح أتاتورك رمز للشجاعة بعدما كان منبوذًا بين رؤساءه حيث كان دائم الاعتراض على القرارت وكان ضد دخول الامبراطورية فى الحرب وبقاءها على الحياد فولد أتاتورك عثمانيًا ومات تركيًا. فالمعركة الوحيدة التى خسرها هى معركة المرض بعد إصابته بتشميع في الكبد.
ظلت الكمالية الإيديولوجية الرسمية للجمهورية التركية وقد كانت المرشد العام للبلاد، فالمبادئ التى كانت توجه جهود ” مصطفى كمال أتاتورك ” تتجه نحو محاولة إيجاد تركيا حديثة، كانت ذات جدوى على صعيد خلق دولة قومية وفقا لمعايير القرن التاسع عشر الأوربية، كما أن هذه المبادئ لم تكن ليبرالية خالصة، فإن مسيرة تطور تركيا باتجاه مجتمع ناضج قائم على الانفتاح ونظام ديموقراطى غربى ليبرالى يستند إلى اقتصاد السوق، إلا أن هذه السياسات كانت قائمة على ضيق الآفق، حيث أعطت الأولوية للحفاظ على النظام السياسى المتمركز حول الدولة، فى ظل وجود وصاية على الجماهير.
كان ما حققه مصطفى كمال أتاتورك الذى يعرف بــ ” أبو الأتراك ” فى غضون السنوات الخمس عشرة الممتدة من تاريخ تأسيس الجمهورية عام 1923م، إلى وفاته فى عام 1938م، متمثلًا بإطلاق عملية التحويل المعقدة والشاملة لمجتمع تقليدى درج على الخضوع لإدارة مؤسسات حكومية بالية عفا عليها الزمن. وقد كانت إقامة الجمهورية التركية فى الوقت نفسه مسعى لبناء دولة، لإيجاد مؤسسات سياسية، لإيجاد امة، لإنجاز ثورة ثقافية، ولتحقيق تغيرات اجتماعية واقتصادية عميقة الأثر، وإلى حد معين كان من الممكن مقارنة التحويل الحاصل بما هو كان يجرى فى البلدان الاشتراكية السابقة من الكتلة السوفيتية، مع الفارق المهم المتمثل بأن أكثرية الدول الأوربية المتعرضة لعملية التحول ذات روابط معينة، فكريًا على الأقل، مع البنى والأفكار الغربية، أما ما حصل بالنسبة إلى الأكثرية الساحقة من سكان الجمهورية التركية فى العشرينيات خلال عملية التحول الكمالية فقد كان ثورة حقيقية. وإذا صرفنا النظر عن الإصلاحات التدريجية فى المراحل الأخيرة من الإمبراطورية العثمانية، فإن سياسات الإصلاح الكمالية هى التى تركت للمرة الأولى تأثيراتها العميقة على الجماهير. فسياسات التنظيمات فى منتصف القرن التاسع عشر والجهود اللاحقة المبذولة من قبل فرسان تركيا الفتاة لم تكن، فى المقام الأول، تستهدف إلا تحديث البنية الفوقية للدول وبعض مؤسساتها، فى حين كانت الإصلاحات الكمالية تمس الجذور الثقافية لسكان الأناضول حين قامت بإلغاء الأسس الدينية للدولة واستئصال معظم الرموز الثقافية المعبرة فى الحياة اليومية عن تلك الأسس والمرتكزات وقد هدفت هذه الإصلاحات فى جملتها إلى تدمير رموز الحضارة العثمانية – الإسلامية واستبدالها بنظائرها الغربية.
- ملامح الدولة الحديثة فى عهد أتاتورك.
ما كان إلغاء الخلافة فى سنة 1924م، لينطوى على مثل ذلك التأثير بعيد المدى، لولا االإلغاء الموازى لمنصب شيخ الإسلام، للمحاكم الشرعية، لوزارة الأوقاف والشئون الدينية، وللمدارس الدينية(الكتاتيب)، التى كانت مراكز التعليم والإرشاد الدينيين. أما الحظر الذى تم فرضه على نشاطات الطرق الدينية فى عام 1925م، وهى المؤسسات التى تشكل العمود الفقرى للإسلام الشعبى فى أرياف الأناضول، جنبًا إلى جنب مع تحريم (الطربوش) لصالح القبعة الغربية، وشجب الحجاب بالنسبة إلى النساء، واستبدال الأحرف العربية بنظيرتها اللاتينية الأوربية، وإحلال التقويم الغريغورى محل التقويم الهجرى (الإسلامى) وأصبح يوم الأحد هو العطلة الأسبوعية، فقد شكل تأسيسًا لإطار ثقافى جديد جذريًا لمواطنى الجمهورية الجديدة. وقد جاء هذا التحول الثقافى مترافقًا مع تبنى أسس قانونية وحقوقية جديدة لقيادة الحياة الاجتماعية والاقتصادية فقد اعتمد دستور جديد، وقانون مدنى جديد، وقانون جزائى جديد، وقانون تجارى جديد، كانت جميعًا مأخوذة من أوربا، فإعتمد على القانون المدنى السويسرى والقانون الجنائى الإيطالى والقانون التجارى الألماني.
كما أنه قام بتغير العاصمة التركية من اسطنبول إلى أنقرة؛ فقد كان يعمل على إلغاء جميع المظاهر التى كانت موجودة فترة الدولة العثمانية. وقد قام أتاتورك فى عام 1919م فى حديث له بأن ما حدث للآرمن فى عام 1915م تتعدى وصفها بالكارثة. لقد كان أتاتورك واثقًا من بلوغه هدف إنشاء تركيا الحديثة فقد كان عسكريًا لا يهزم، ألحق العديد من الهزائم بالبريطانيين عام 1915م فهو القائد العسكرى الوحيد الذى لم يهزم. بل أنه عمل على تأسيس جيش نظامى فقد أقام دولة من رحم اليأس.
فقد كان يعمل على محاربة اليونايين الذين تم إنزالهم بالاتفاق مع الانجليز في أزميل الذين قاموا بإرتكاب العديد من المجازر في حق الأتراك واليهود في عام 1918م.
أقام أتاتورك الذى هو نتاج الفلسفة الوضعية الأوربية والذى ثقف نفسه بنفسه، دولته على مبدأى؛ الحداثة والعقلانية كما جرى تطويرهما وممارستهما فى اوربا. غير أنه لم يقم باجتراع أيه إيديولوجية شاملة تُشكل سندًا لأفعاله. فقد بادر بدلًا من ذلك إلى اعتماد نظرة ذرائعية(براجماتية) إلى جملة المشكلات المرتبطة بتنظيم وقيادة النضال فى سبيل الاستقلال الوطنى وإقامة دولته الجديدة. أما ما بات يعرف فيما بعد بأسم “المبادئ الكمالية” فلم يكن إلا العقلنة اللاحقة لمجموعة معينة من الأفكار المحددة بصورة فضفاضة التى أراد الرجل بناء الجمهورية على أساسها. وقد افادت هذه الأفكار أيضًا فى عملية إضفاء صفة المشروعية على سلطته هو كما على أتباعه الذين كلنوا يشكلون نخبة الدولة الجديدة، وذلك بعد قمع الثورة الكردية ومنع الأحزاب المعارضة والنقابات كما أنه وبعد محاولة الإغتيال التي تعرض لها في في عام 1926م، تم التخلص من الأشخاص المعارضين وخاصة الأتراك الشباب.
هذه المبادئ وحتى بعد إيرادها فى برنامج حزبه، حزب الشعب الجمهورى ((CHP سنة 1931م، فإن هذه المبادئ تبدو أشبه بالعناوين منها بشعارات مدروسة بعمق مستنبطة من إيديولوجية متسقة ومتماسكة. ومهما يكن فإن كتلة من المعانى المتفق عليها بصورة عامة جرى على امتداد سنين تطور الجمهورية، إضفاؤها عليها من جانب حملة لواء الحركة الكمالية، الذين أيضًا كانوا يمثلون نخبة السلطة فى الدولة التركية الجديدة. وبالتالى فإن الكمالية كانت منذ بدايتها الأولى بالذات، برنامجًا سياسيًا لعملية التحديث الاجتماعى، السياسى، والاقتصادى لتركيا من جهة، وأداة إيديولوجية لتسويغ الأفعال السياسية المعتمدة من جانب حكامها من جهة ثانية.
كانت هذه الأفعال موجهة نحو خلق دولة قومية من بقايا الإمبراطورية العثمانية المهزومة. وفى ظل الظروف السياسية السائدة كان نموذج الدولة القومية هو الخيار المتاح لكل من أراد أن يحافظ على كيان سياسى متمتع بالسيادة فوق أرض الأناضول. غير أن هذا مشروطًا بغرس فكرة غريبة عن الدولة فى أذهان سكان كانوا وما زالوا يعتقدون بأنهم رعايا تابعون للسلطان، الذى كان يعتبر فى الوقت نفسه بصفته خليفة، قائدًا روحيًا مقبولًا لأمة المسلمين. وهكذا، فإن عملية بناء الدولة القومية التركية كانت تستلزم إيجاد أمة تركية. كان لابد من إعطاء الناس هوية جماعية جديدة، كما كان لابد من إقناعهم بقبولها. تعين على الثورة الكمالية أن توجد فى وقت واحد كلا من الجمهورية التركية، والشعب التركى كأمة، والتركى كمواطن ذى هوية مختلفة عن كونه أحد الرعايا المسلمين التابعين للسلطان.
تنعكس عملية التحديث الشاملة هذه بقوة فى النموذج الكمالى كما حددت المبادئ الكمالية مواصفاته، تشكل مبادئ الجمهورية والقومية والشعبية لب هذه الإيديولوجية. وقد كان المبدأن الأولان تعبيرًا عن الاعتراف بالتجارب الأوربية فى بناء الدول القومية، فى حين يمكن اعتبار الثالث منتسبًا إلى المثل الجماعية الأممية المنبثقة من النظرة الإسلامية إلى العالم. كان لابد للسيادة من أن تكون دون أى لبس للشعب (الجمهورية) المتوحد فى كتلة سياسية مشتركة هى الأمة. كان لا يجوز تعريف الأمة بوصفها تحالفًا للطبقات والطوائف أو الفئات المتمايزة بأشكال أخرى، بل كان يجب النظر إليها على أنها كتلة مستندة إلى وحدة متماسكة لا تعرف، إذا كانت تعرف إطلاقًا، إلا الانقسامات الوظيفية، كتلة موحدة هى الشعب وبهذا المعنى فإن النزعة فإن النزعة الشعبية أو الشعبوية ليست إلا تعبيرًا عن رفض الفكرة القائلة بأى مجتمع تعددى لصالح نظرة عضوية إلى المجتمع والشعب.
يبقى التفسير الكمالى للقومية تفسيرًا ضبابيًا غامضًا. ربما استمدت هذه القومية معناها، أساسًا من فكرة القومية الأهلية الفرنسية التى هى تحديد سياسى للعبارة بصورة طاغية. غير أن الممارسة السياسية للجمهورية التركية ما لبثت أن مهدت الطريق لتفسير اكثر تحديدًا بالمنطق الإثنى لذلك المبدأ عبر إسناده إلى الانتماء التركى. ” لقد تطور مفهوم للقومية كان قائمًا على رفض الاختلافات العرقية والثقافية”.
لم يكن وضع المفهوم الكمالى لبناء الدولة وإيجاد مفهوم الأمة موضع التطبيق إلا فى غياب أية أفكار منافسة تضفى المشروعية على كيان الدولة، لقد كان المنافس المهم والوحيد لمفهوم الجمهورية الأوربى هو الأسلوب التقليدى لإضفاء المشروعية على النشاطات العامة، أى الأسلوب المتمثل فى الإسلام. وبالتالى فإن إقصاء الإسلام عن الساحة السياسية كان توأمًا طبيعيًا لمبدأى الجمهورية والقومية. ثم ما لبست أن أصبحت العلمانية حجر زاوية آخر للإيديولوجية والسياسة الكماليتين. كان هذا المبدأ يعنى، على الصعيد النظرى، حرية الضمير، والعبادة، والدين على أساس شخصى صارم بالنسبة لجميع المواطنيين الأتراك. أما على المستوى العملى فكان لابد من تطبيقه بما يفضى عمليًا إلى قطع الطريق على أية محاولات رامية للوصول إلى السلطة السياسية بأسم الإسلام. وساد اعتقاد بأن ذلك لن يكون ممكنًا إلا عن طريق إخضاع جميع المؤسسات الإسلامية، الجوامع والمساجد ومبانى الأوقاف ومعاهد التعليم الدينى للرقابة والإشراف الصارمين من جانب الدولة.
وفى عام 1928م تم إلغاء كلمة الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وفرض الصلاة باللغة التركية وأمتد ذلك للقطيعة مع العالم الإسلامي، وفي عام 1937م شق مصطلح العلمانية طريقه إلى الدستور والذى لا يمكن تعطيله بمرور الزمن.
كما أبيح زواج المسلمة بغير المسلم وزواج الرجل من أخته في الرضاعة ومن ثم تم إقفال الأضرحة وفى عام 1946م بعد موت أتاتورك صدر قانون ما سمى بقانون ” إقرار السكون ” وهو القانون الذى يحاكم كل من ينادى بعودة الدين أو بإقامة حكومة تعتمد على الشريعة الإسلامية.
لم تكتف مبادئ الجمهورية والقومية والشعبية (الشعبوية)، والعلمانية مجتمعة بتوفير جوهر إيديولوجية الدولة الجديدة، بل وشكلت فى الوقت نفسه، عناصر قادرة على إضفاء صفة الشرعية لعملية ضمان وصول نخب الدولة الجديدة إلى السلطة. وسرعان ما بات هذا شديد الوضوح بعد تأسيس الجمهورية، حين بادر مصطفى كمال أتاتورك إلى استخدام جميع أدوات القمع المتوفرة لسحق المقاومة السياسية لتصوره لتركيا حديثة.
- أتاتورك والأكراد وتاميم المجال العام.
قام أتاتورك باستغلال انتفاضة قادها الشيخ النقشبندى سعيد فى المناطق الكردية سنة 1925م، لفرض قانون الحفاظ على النظام العام الذى أعطى سلطة شبه مطلقة لاثنتين من محاكم الاستقلال المزعومة لمحاكمة الخصوم السياسيين. لم يعد الرجل مستعدًا لتقاسم سلطته مع أية جماعات اجتماعية أو سياسية أخرى سبق لها أن دعمت قضيته فى حرب الاستقلال على الرغم من ذلك، كان الأكراد جنبًا إلى جنب مع أتاتورك فى حرب الاستقلال التى استمرت منذ عام 1919م حتى عام 1923م، ففى غضون عامين أثنين أصدرت هذه المحاكم أحكامًا بإعدام ما يزيد عن 500 شخص مما أفضى إلى إخماد جميع قوى المعارضة، بما فيها قيادات عسكرية رفيعة وعدد من رفاق مصطفى كمال فى السلاح فى أثناء حرب الاستقلال. اما حزب المعارضة الوحيد، حزب الجمهورية التقدمى، الذى أسسه فى تشرين الثانى/ نوفمبر عام 1924م، مجموعة من البرلمانيين المعتدلون انشقوا عن حزب الشعب الأتاتوركى، فقد جرى حظره فى حزيران/يونيو عام 1925م، لأن أعضاء من الحزب كانوا قد أيدوا ودعموا عصيان الشيخ سعيد وحاولوا استغلال الدين لأغراض سياسية. وقد شكل ذلك سابقة لجميع الملاحقات اللاحقة لسائر حركات المعارضة السياسية، التى حاولت الخروج عن الخط الإيديولوجى الجوهرى للجمهورية التركية.
كان الصراع على السلطة فى الجمهورية الفتية قد حُسم لصالح مصطفى كمال وأتباعه، فمع حلول عام 1927م، كانت جميع أشكل المعارضة العسكرية والدينية والسياسية للنظام قد تم إسكاتها، وحين أُجريت الانتخابات فى آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر من عام 1927م، لانتخاب مجلس ثالث للجمهورية التركية، لم يكن هناك سوى حزب واحد هو حزب الشعب الجمهورى بزعامة مصطفى كمال ليشارك فيها.
وهكذا، فإن الجمهورية الكمالية جاءت تقليدًا لتراث الدولة العثمانية التسلطية بثوب جديد، غير دينى، تحت إقامة الدولة الجديدة عن طريق فرض التحديث السياسى والاقتصادى والاجتماعى من الأعلى دون أى اهتمام ذى شأن بقاعدة المجتمع. ومما لا يدعو إلى الاستغراب أن النخب الدولة الجديدة كانت متناظرة إلى حد كبير مع نخب الإمبراطورية، ولكن بدون القيادة الدينية المعروفة بأسم ” العلماء “(رجال الدين). فلجمهورية التركية الجديدة قائمة على نظام دستورى وحقوقى تعانى مبادئه الجوهرية من قدر غير قليل من التشوه جراء فهم تسلطى، تطور تاؤيخيًا للدولة الأحادية ووظائفها فضلًا عن فهم عضوى ومتجانس للأمة وقد استمر التعبير عن مثل هذا الفهم السائد للجمهورية التركية.
- الملامح الاقتصادية والاجتماعية.
تتميز تركيا بقدر متزايد من الوعى بجملة من الصدوع الاجتماعية التى لم تنجح الدولة التركية كاملًا فى جسرها، ثنائية الإسلام والعلمانية والانقسام العرقى والثقافى بين الأتراك والأكراد مع مضاعفاته الهامة بالنسبة إلى الاستقرار السياسى طويل الأمد على البلاد، وعن قضية جديدة كليًا هى مسألة التباعد المتزايد بين الطبقة السياسية الراسخة من جهة والمجتمع المدنى عمومًا من الجهة المقابلة. وما لبثت هذه الصدوع أن أصبحت ذات أهمية كبيرة مرة أخرى، نتيجة الضغوط التى تعرض لها الكيان السياسى التركى جراء التغيرات الداخلية الناجمة عن الانفتاح الاقتصادى.
شهدت عملية التغيير الاجتماعى والاقتصادى تسارعًا هائلًا، وألقت بأعباء ثقيلة على كاهل المجتمع التركى، وما لبست عملية التحديث الاجتماعى أن اكتسبت زخمًا حاسمًا، وأدى التوسع السريع للبنى التحتية الخاصة بالمواصلات والاتصالات الحديثة إلى فتح أبواب أمام منجزات الحضارة.
ثمة خلل أساسى تعانى منه جملة التطورات الاجتماعية ألا وهو الافتقار إلى منظومة من قيم ثابتة وهادئة. فالحضارة الغربية السائرة على طريق العولمة تتسم بقدر معين من الانفتاح على القيم الهادئة وتميل إلى تشجيع النزعات الفردية داخل المجتمعات. وهذا كله يتناقض بحدة مع كل المعايير السلوكية التركية التقليدية المستندة إلى الدين من جهة والنمط ذي التوجه الجماعى المماثل للمبادئ الكمالية من الجهة الثانية.
وثمة ثلاثة عوامل مترابطة سوف تترك تأثيرًا حاسمًا على عملية التغيير الاجتماعى، وهى:
1- التنمية الاقتصادية.
2- الريادة السياسية.
3- التحديث الإيديولوجى.
ويتعين على التنمية الاقتصادية والتصنيع أن يوفرا القاعدة والأساس المطلوبين للنمو المستمر في رخاء أكثرية الشعب الساحقة لإقناعها بأن العالم الجديد الشجاع للاقتصاد المعولم ليس مقصورًا على إفادة أقلية سعيدة.
ويتعين على الطبقة السياسية، ليس فقط أن تصمم خطة أقتصادية واجتماعية مناسبة، بل لابد لها أيضًا من أن تقنع الناخبين بأنها قادرة على قيادة البلاد بنجاح عبر المسالك الوعرة للعصر الجديد. ولن يكون ذلك ممكنًا إلا إذا استطاعت النخب التحديثية أن تجد أسس البلاد الإيديولوجية لتجعلها أكثر قدرة على مواكبة تحديات التغيير الاجتماعى.
فكانت تركيا تشهد عملية تنمية اقتصادية كبرى وبصرف النظر عن عمليات النمو والاستقرار المتكررة، فإن السياسة الاقتصادية الهادفة إلى النمو أساسًا ناجحة بصورة ملحوظة، وسائرة على طريق ردم الهوة مع الاقتصاديات المتطورة، فتمكنت تركيا بفضل اعتماد سلسلة من الخطط التنموية الليبرالية والدولية ذات الدوافع السياسية من ان تصبح اقتصادًا صناعيًا متنوعًا يقوم على نوع من الغنى في عدد من المواد الخام، حتى أنه في عام 1930م أنشأ أتاتورك المصرف المركزى للجمهورية التركية في إعلان صريح عن التخلي عن الليبرالية الاقتصادية والتحول إلى الاقتصاد الموجة.
- المرأة فى عهد أتاتورك.
تمتعت المرأة في عهد مصطفى كمال أتاتورك بالعديد من الامتيازات التي ساعدت على السماح للمرأة بمشاركة المجتمع التركى، بتكوين شراكة حقيقية بينها وبين المجتمع، فقد أستعان بالقانون المدنى في اصلاحات تحرير المرأة، ففي عام 1926 منع أتاتورك تعدد الزوجات ومنح النساء حقوق متساوية في الزواج، وامتدادًا لهذه الإصلاحات، أكتسبت المرأة التركية حق التصويت وحق الترشح للإنتخابات التشريعية في عام 1934م، وبعد مرور عام واحد فقط أصبح البرلمان التركى ممثلًا من بينه 17 امرأة. فهناك مقولة تقول بأن ” المرأة التركية لم تكافح من أجل حقوقها ولكن أتاتورك فعل”.
- السياسة الخارجية في عهد أتاتورك.
كانت السياسة الخارجية في عهد أتاتورك تتلخص في مقولته الشهيرة ” أن تركيا ليس لها رغبة في أنش من أراضى الغير ولكنها لن تتخلى عن انش من ترابها” ، فقام بإخراج العراق، سوريا، وفلسطين من حدود تركيا الجديدة، وعلى ذلك تم القطيعة مع العالم الإسلامي.
- الهيكل السياسى والمؤسسى للدولة التركية.
- الشكل القانونى لنظام الحكم ومؤسساته.
صنف نظام الحكم في تركيا على أنه نظام برلماني نظرًا لانتخاب رئيس الجمهورية من قبل البرلمان، وتكليف الحزب الذى حاز على أكثر المقاعد النيابية تشكيل مجلس الوزراء، لكن دارسى أنظمة الحكم يحارون في شكل النظام السياسى التركى من الناحية الأكاديمية، وخصوصًا بعد إقرار التعديل الدستورى الذى ينص على انتخاب رئيس الجمهورية التركية مباشرة من الشعب. وهنا لابد من توضيح بعض النقاط عن نظام الحكم التركى فنظام الحكم في تركيا يعد خليطًا من النظام البرلماني والرئاسى، إن البنية الدستورية والقانونية حول طبيعة النظام التركى وشكل نظام الحكم داخله امتدت تطوراته منذ عام 2003م حتى الآن خاصة بعد التعديلات المتعددة على دستور 1982م وقد قدم حزب العدالة والتنمية شكلًا واضحًا للنظام السياسى التركى وذلك بعد التعديلات الدستورية التى أقرها البرلمان وعرضت للاستفتاء الشعبى والتى أقرها الرئيس رجب طيب أردوغان. حيث أجرى استفتاء دستورى فى تركيا يوم الأحد 16 أبريل 2017م. ولقد صوت الناخبون على مجموعة من 18 تعديلًا مقترحًا على دستور تركيا. اقترحت التعديلات منذ فترة طويلة من جانب حزب العدالة والتنمية الحاكم وزعيمه، الرئيس رجب طيب أردوغان، فضلًا عن موافقة حزب الحركة القومية المعارض عليها. شملت التعديلات الأخذ بالرئاسة التنفيذية التى تحل محل نظام الحكم البرلمانى القائم، وإلغاء منصب رئيس الوزراء، ورفع عدد المقاعد فى البرلمان من 550 إلى 600 مقعد وتغييرات في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين.
وتوصل حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية إلى اتفاق بشأن دستور جديد مقترح فى 8 ديسمبر بعد شهر من المفاوضات، ليبدؤا بالعملية البرلمانية للشروع فى إجراء استفتاء بشأن المقترحات.
وفى 20 يناير 2017م، صوت البرلمان لطرح التعديلات المقترحة على الاستفتاء بأغلبية 339 صوتًا، متجاوزًا بذلك الغالبية المطلوبة من ثلاثة أخماس والتى تضم 330 صوتًا. وأعلن حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسى أنه سيسعى إلى إلغاء التصويت البرلماني من خلال المحكمة الدستورية، مستشهدًا بوجود مخالفات مثل التصويت العلني وترهيب النواب خلال عملية التصويت. وأعلن الرئيس رجب طيب أردوغان تاريخ الاستفتاء فى 16 أبريل 2017م. وتمت الموافقة على تمرير التعديلات الدستورية والتى كان لها التأثير الواضح في بيان شكل النظام التركى الجديد، بيد أن هذه التعديلات برغم تمريرها لم تكن ذات تأييد شعبى يمنحها الشرعية الكاملة خصوصًا في ظل النسبة الهزيلة التي ظهرت بها نتيجة الاستفتاء فقد تم تمرير التعديلات الدستورية الجديدة بنسبة 51.3%، حيث تم التمهيد لأكبر تعديلات دستورية غيرت شكل النظام السياسى في تاريخ تركيا الحديث.
وأدى الاستفتاء إلى تقسيم الشعب بشكل كبير. ويقول أردوغان وأنصاره إن هذه التعديلات ضرورية لإصلاح الدستور الحالي، الذى أعده جنرالات فى أعقاب انقلاب عسكرى وقع عام 1980م، لمجابهة تحديات أمنية وسياسية تواجهها تركيا وتفادى الحكومات الائتلافية الهشة التى شهدتها البلاد فى الماضى.بينما يرى المعارضون لهذه التعديلات وعلى رأسهم حزب الشعب الجمهورى المعارض، بإنها خطوة نحو زيادة الاستبداد تحت مسميات ديموقراطية.
كما أن العلاقات بين تركيا وأوروبا إلى مستوى متدن خلال حملة الاستفتاء عندما حظرت دول بالاتحاد الأوروبي ومن بينها ألمانيا وهولندا وزراء أتراكا من تنظيم تجمعات لتأييد هذه التعديلات.وعلى الجانب الآخروصف أردوغان هذه التحركات بأنها “أفعال نازية” وقال إن تركيا قد تعيد النظر في العلاقات مع الاتحاد الأوروبى بعد سنوات كثيرة من سعيها للانضمام إليه.
- البرلمان (السلطة التشريعية).
خول الدستور التركى مجلس الأمة التركى(البرلمان) بمهام السلطة التشريعية الذى يتم انتخاب أعضائه من قبل الشعب مباشرة كل أربع سنوات، وطبقا للدستور التركى يمكن تحديد مهام واختصاصات وسلطات مجلس الأمة التركى وحصرها على النحو التالى:
1- سن وتغيير وإلغاء القوانين.
2- مراقبة مجلس الوزراء والوزراء.
3- السماح لمجلس الوزراء بإصدار المراسيم فيما يخص مسائل معينة.
4- مناقشة مشاريع قانون الميزانية والحسابات المؤكدة والموافقة عليها.
5- القرار بشأن طباعة العملة.
6- القرار بشأن إعلان الحرب.
7- الموافقة على تصديق الاتفاقات الدولية.
8- القرار بشأن إعلان العفو العام والخاص.
9- تعديل الدستور.
10- الموافقة على خطط التنمية.
11- إعداد النظام الداخلى للبرلمان.
12- تصديق قرار حالة الطوارئ أو الأحكام العرفية وتمديد المدة التي لا تتجاوز أربعة أشهر كل مرة.
13- تصديق المراسيم التي يصدرها مجلس الوزراء الذى يجتمع برئاسة الرئيس خلال حالة الطوارئ أو الأحكام العرفية.
14- انتخاب رئيس البرلمان وأعضاء مكتب البرلمان.
15- انتخاب أعضاء للمحكمة الدستورية.
16- انتخاب أعضاء المجلس الأعلى للإذاعة والتليفزيون.
17- انتخاب رئيس ديوان المحاسبات العالى وأعضاءه.
18- انتخاب رئيس المفتشين العام.
19- اتخاذ قرار لإجراء تجديد الانتخابات البرلمانية قبل انتهاء المدة.
20- إعطاء الثقة لمجلس الوزراء خلال مرحلة التأسيس والتوظيف.
21- إحالة رئيس الجمهورية إلى المحكمة العليا بتهمة الخيانة العظمى للبلاد.
22- رفع الحصانة عن النواب.
23- إسقاط العضوية عن أعضاء البرلمان.
24- اتخاذ قرار بإرسال القوات المسلحة إلى الدول الأجنبية والسماح بوجود القوات الأجنبية في تركيا.
وبعدما تم إقرار التعديلات الدستورية سيرتفع عدد أعضاء البرلمان من 550 إلى 600، وسيتم خفض الحد الأدنى لسن النواب من 25 إلى 18 سنة. وسيتم تنظيم انتخابات تشريعية مرة كل خمس سنوات بدلًا من أربع، وفى اليوم نفسه مع الانتخابات الرئاسية.
وسيحتفظ البرلمان بسلطة تطبيق وتعديل وشطب قوانين. كما سيتمكن البرلمان من الاشراف على أداء الرئيس الذى سيحظى بسلطة إصدار مرسوم رئاسى حول كل المسائل المتعلقة بسلطاته التنفيذية. لكن النص يقضي بأن الرئيس لا يمكنه إصدار مرسوم بأى قضية ينظمها القانون بشكل واضح. واذا اتهم الرئيس او حامت حوله شبهات بارتكاب جريمة، فسيطلب البرلمان فى هذه الحالة تحقيقًا.
- السلطة التنفيذية.
كانت السلطة التنفيذية قبل إقرار التعديلات الدستورية في أبريل/2017م يميزها بأنها ثنائى البنية ويتكون من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وتتوزع الصلاحيات التنفيذية بين طرفى السلطة التنفيذية، فرئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ويمثل الجمهورية التركية ووحدة الشعب التركى، يتم حاليًا انتخاب الرئيس باقتراع شعبى عام بعد أن كان يتم التصويت على الرئيس من قبل البرلمان، ومدة الولاية 5 سنوات، يمكن أن تتجدد لمرة واحدة فقط، وقد أدى هذا التعديل الدستورى إلى إضفاء مزيد من القوة الشعبية لمنصب رئيس الجمهورية نتيجة تصويت الشعب على اختياره، وهو بذلك يمتلك قاعدة شعبية كبيرة نتيجة حصوله على نسبة الأغلبية من أصوات الناخبين الأتراك في خطوة تشير إلى مدى قوته كشخص إذا ما نظرنا إلى نتائج الانتخابات النيابية التي لم يحصل فيها أي حزب حتى حزب العدالة والتنمية على نسبة 51% من أصوات الناخبين الأتراك.
وحسب دستور عام 1982م، يعتبر رئيس الجمهورية مسئولًا عن ضمان تطبيق الدستور واتساق وانتظام المهام التنفيذية للجهات الحكومية. ولرئيس الحكومة أن يترأس جلسات مجلس الوزراء، ويمثل منصب القائد العام للقوات المسلحة التركية نيابة عن المجلس الوطنى، وله صلاحية اتخاذ القرار باستخدام تلك القوات، ويعين رئيس الأركان العامة، ويعلن قانون الأحكام العربية وحالة الطوارئ.
كما أنه يصدر قرارات لها قوة القانون بما يتماشى مع قرارات مجلس الوزراء الذى يترأسه ويعين أعضاء المجلس الاستشاري للدولة ورئيسه ويبلغ المجلس نفسه بإجراء الاستطلاعات والتحقيقات والتفتيش. فضلًا عن تعيين أعضاء مجلس التعليم العالى ورؤساء الجامعات، ويصدر رئيس الجمهورية بموجب المادة (104) من دستور 1982م قرار تعيين أعضاء المحكمة الدستورية و 25% من أعضاء مجلس الدولة، ورئيس الادعاء العام ونائبه في محكمة الاستئناف العليا وكذلك أعضاء محكمة الاستئناف العسكرية العليا وأعضاء المحكمة الإدارية العسكرية العليا فضلًا عن أعضاء المجلس الأعلى للقضاء ووكلاء النيابة.
كما يحظى رئيس الجمهورية بصلاحيات تشريعية، فهو يستدعى المجلس الوطنى (البرلمان) للانعقاد عند الضرورة، ويدعو إلى إجراء انتخابات جديدة للمجلس نفسه، ويضع القوانين ويعيدها إلى المجلس الوطنى لإعادة النظر فيها، وكذلك يطرح للاستفتاء وعند الضرورة التشريع المتعلق بتعديل الدستور. ويلتجأ إلى المحكمة الدستورية بخصوص الإلغاء الجزئى أو الكلى لأحكام قوانين معينة أو قرارات لها قوة القانون.
أما رئيس الوزراء ومجلس الوزراء، فيعد السلطة التنفيذية الأساسية في الدولة، إذ يكلف رئيس الجمهورية أكبر الأحزاب التي فازت في الانتخابات البرلمانية بتشكيل الحكومة. التي تأخذ الثقة من البرلمان وبذلك تناط السلطة التنفيذية بالحكومة، الأمر الذى تصبح بموجبه مسئولية صياغة السياسات الداخلية والخارجية للدولة وتنفيذها من اختصاصات الحكومة التركية.
فكل ما يتعلق بتنفيذ وصياغة السياسات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والدفاعية والأمنية والسياسة الخارجية هي من اختصاص الحكومة التركية، والوزارة المختصة بعد إقرارها من البرلمان، كما يترأس رئيس الوزراء جلسات مجلس الأمن القومى التركى ويعد مسئولًا أمام البرلمان عن تنفيذ السياسات الداخلية والخارجية.
ووفق التعديلات الدستورية الجديدة سيتم إلغاء مركز رئيس الوزراء، حيث ستتركز السلطة التنفيذية في الدولة في منصب رئيس الجمهورية الذي كان رمزيًا حتى انتخاب أردوغان. وسيشكل رئيس مجلس الوزراء الذى لن يكون للبرلمان سلطة عليه، مثلًا كإمكانية سحب الثقة من أحد الوزراء.
كما أنه سيكون للرئيس الحق في الإبقاء على منصبه كرئيس للحزب الذي يمثله، ما يعني أنه سيكون له دور في اختيار أعضاء البرلمان المرشحين للانتخابات، وبالتالي سيكون له يد في السلطة التشريعية أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، سيصبح للرئيس الحق في تعيين عدد من القضاة في المحكمة العليا، ما سيعطيه نفوذاً في السلطة القضائية.
وسيضاف إلى صلاحياته أيضاً إمكانية حل البرلمان.إلا أن المجلس سيكون له صلاحية المطالبة بانتخابات رئاسية جديدة إذا تطور الأمر إلى ذلك.
- السلطة القضائية.
تمارس السلطة القضائية في تركيا عبر محاكم مستقلة وجهات قضائية عليا نيابة عن الشعب التركى، يستند القسم القضائى في الدستور إلى مبدأ سلطة القانون، إذ تم تأسيس السلطة القضائية وفقًا لمبادئ استقلال المحاكم وتأمين مدة تولى القضاة لمناصبهم، ويعمل القضاة بشكل مستقل فهم يحكمون وفقًا لقناعتهم الشخصية واستنادًا لأحكام الدستور والقانون والنظام القانوني.
ويجب أن تنصاع الجهات التشريعية والتنفيذية لأحكام المحاكم ولا يمكنها تغيير أو تأخير تطبيق هذه الأحكام، وبشكل عملى تبنى الدستور النظام القضائى ثلاثى الجهات وتبعًا لذلك، انقسم النظام القضائى إلى القضاء الإدارى والقضاء القانوني والقضاء الخاص.
وقد نص القسم القضائى في الدستور على المحاكم العليا التالية: المحكمة الدستورية ومحكمة الاستئناف العليا ومحكمة الاستئناف العسكرية العليا والمحكمة العسكرية الإدارية العليا ومحكمة النزاعات القضائية.
- الأجهزة الاستخباراتية والأمنية.
1- مجلس الأمن القومى.
تأسس مجلس الأمن القومى التركى عقب انقلاب عام 1960م، وسيطرة الجيش على مقاليد الحكم في البلاد، أتى تأسيس المجلس في ذلك الوقت ليضمن سيطرة قادة الجيش التركى على مقاليد الحكم بعد تسليم السلطة لحكومة مدنية وليبقى النفوذ الأساسى بيد القوات المسلحة الذين يشكلون مجلس الأمن القومى ويديرون البلاد من خلاله.
استمرت الصبغة العسكرية على مجلس الأمن القومى التركى لأكثر من ثلاثة عقود، ففي عام 2003م أقر البرلمان التركى مجموعة من التعديلات الدستورية تتعلق بصلاحيات ونطاق عمل وتشكيلة مجلس الأمن القومى، والتي هدفت للحد من دور الجيش وذلك من خلال إصلاح مجلس الأمن القومى، وقد وصفت هذه التعديلات في صحيفة الفاينشال تايمز بأنها ليست سوى ” ثورة هادئة ” على نفوذ قادة جيش الجمهورية التركية.
أسهمت التعديلات الدستورية في إصلاح المجلس ليصبح جهازًا أستشاريًا بغالبية مدنية، وليتمكن منذ ذلك الوقت؛ مدنى يتولى مهمة سكرتير مجلس المن القومى، ولم يعد للمجلس سلطات تنفيذية على بعض أجهزة الدولة كالإعلام والاتصالات، واقتصرت مهمته على تقديم توصيات لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
ويضم مجلس المن القومى في عضويته كلًا من:
1- رئيس الجمهورية.
2- رئيس الوزراء.
3- وزير الدفاع.
4- وزير الخارجية.
5- وزير الداخلية.
6- رئيس الأركان.
7- قائد القوات البرية.
8- قائد القوات البحرية.
9- قائد الدرك ” الجندرما “.
ورغم التعديلات الدستورية على صلاحيات وتشكيلة المجلس عام 2003، بقى مجلس المن القومى التركى المكان الذى ترسم فيه السياسة العامة للبلاد، وبالتحديد سياسة الأمن القومى التركى طويلة ومتوسطة المدى، وتظهر هذه السياسة مستند أو ملف فائق السرية يعرف بالكتاب الأحمر يحدث مرة أو مرتين كل عشر سنوات.
2- المؤسسة العسكرية والأمنية.
يمتد تاريخ الجيش التركى بعيدًا ليستلهم نفوذه في الدولة من العصر العثمانى، الذى كان فيه الجيش الركيزة الأساسية في الحكم والنفوذ نظرًا لارتباطة بالفتوحات والحروب وتوسيع رقعة الإمبراطورية، ومع نشوء الدولة الحديثة على انقاض الخلافة العثمانية برز دور الجيش بوصفه المحافظ على وحدة البلاد ووقوفه في وجه تقسيم تركيا، ومنذ ذلك الحين يلعب الجيش التركى دورًا كبيرًا في الحياة السياسية في البلاد، ويعد مصدر الاعتزاز القومى. ومع تراجع تأثير دور المؤسسة العسكرية في مجريات العمل السياسى بعد القضاء على شبكة أرجينيكون إلا أن تعزيز قوة الجيش استمر الشغل الشاغل للحكومة التركية وهى الآن رغبة بقاء هذه المؤسسة تحت سلطة المؤسسة السياسية التي تدير البلاد، ويشكل نجاح حزب العدالة والتنمية في تحويل المؤسسة العسكرية إلى جهاز يدار من قبل الحكومة، نجاحًا سياسيًا يؤشر لقدرة الحكومة على إدارة البلاد.
فأى تدخل للجيش في السياسة يعبر عنه بالانقلابات أو التهديد بها ودفع السياسيين لتبنى مواقف تنبع من رغبات الجيش وتتوافق معها، ومن هنا فإن أي انقلاب يندرج في سياق(المسلك الطبيعى) لتدخل قوة الجيش لوضع حد للفوضى السياسية والاجتماعية، وتندرج في هذا السياق ثلاثة افتراضات لسلوك هذا (المسلك الطبيعى):
1- الافتراض الأول: يتضمن وجود أزمة في انتقال السلطة وتغيير البناء الاجتماعى والسياسى.
2- الافتراض الثانى: هو عدم وجود أية قوة أخرى باستثناء الجيش قادرة على إحداث التغيير المطلوب.
3- الافتراض الثالث: هو قدرة ورغبة قادة الجيش في إجراء التغيير الذى يريدونه.
ومن خلال هذا العرض يتضح مدى الاستقرار السياسى النسبى وقوة الحكومة والحزب الحاكم، وتأسيسها لشكل أكثر قوة واستمرارية من الممارسة السياسية بعد تحقيقها لمتطلبات المجتمع والدولة ما مكنتها من الخروج من دائرة تأثير قادة الجيش على الحياة السياسية وتدخلهم المتكرر فيها، وإفشال المحاولة الانقلابية الأخيرة.
وينقسم الجيش إلى العديد من القطاعات منها:
1- القوات البرية.
2- القوات البحرية.
3- القوات الجوية.
4- خفر السواحل.
5- قوات الدرك (الجندرما).
3- الاستخبارات.
تأسس جهاز الاستخبارات التركى عام 1965، ليحل بديلًا عن جهاز الأمن الوطنى ويرمز اختصارًا لوكالة الاستخبارات التركية بـ (mit) وتضطلع الاستخبارات التركية بمهمة كبرى هي التنبؤ بأية مخاطر أو تهديدات من الممكن أن تواجه البلاد، ويندرج ضمن هذه المهمة الكبرى عدد من المهام المنبثقة عنها أبرزها جمع المعلومات الاستخبارية حول مختلف التهديدات الداخلية والخارجية التي تعرض سلامة وأمن الدولة التركية وشعبها، وتقديم المعلومات الاستخبارية لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومجلس المن القومى، وكذلك اعتراض عمليات التجسس والاستخبارات المضادة، والحفاظ على أمن الاتصالات الرسمية.
وقد خضع جهاز الاستخبارات التركى في عام 2009م لعملية إعادة بناء شاملة وتنظيفة من بقايا الدولة العميقة، كما شكل تعيين هاكلن فيدان على رأس جهاز المخابرات التركية نقله نوعية في عمل الجهاز بعد ان اخترق خارجيًا وداخليًا لسنوات عديدة.
فمباشرة بعد وقوع أحداث سفينة مرمرة عام 2010م، تم تعيين هاكان فيدان الذى تصفه وسائل الإعلام بأنه رجل المهمات الصعبة، ورجل الظل وأكثر المقربين إلى اردوغان، على رأس جهاز الاستخبارات خلفًا لسلفه أمير تانير الذى كام مهتمًا بالتعاون مع الموساد الإسرائيلى.
ويعد هاكان فيدان من أقوى الشخصيات في الحكومة التركية، فهو ضابط صف سابق في الجيش التركى، ويحمل شهادة الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة بيلكنت التركية، تدرج في المناصب الحكومية إذ تولى رئاسة وكالة التعاون والتنمية الدولية عام 2003م، ومن ثم مستشارًا في مكتب رئيس الحكومة للشئون الخارجية عام 2007م، كما عمل مساعدًا لوزير الخارجية، وبعدها رئيسًا لجهاز المخابرات التركى عام 2010م وحتى الأن.
ولقد تعرض لمحاولات اغتيال عدة منذ 2010م وحتى 2014م ومحاولة اعتقاله بطرق مختلفة، المر الذى أدى لصدور قانون جديد من البرلمان التركى يهدف لتطوير عمل الجهاز وتحصينه من الملاحقة القضائية.
فالقانون الجديد يجبر السلطات القضائية على الحصول على إذن من جهاز الاستخبارات قبل ملاحقة أي عامل فيه أو تتبع بعض الأعمال التي يشرف عليها الجهاز سرًا، مع إمكانية امتناع الجهاز عن السماح للقضاء بالتحقيق في هذه الملفات في حال رأى أن التحقيق فيها يمس سرية عمله ويهدد المنتمين إليه.
- العلاقات المدنية العسكرية.
بعد وفاة أتاتورك عام 1938م تولى رئاسة الدولة عصمت إينونو، وبذلك انفصلت قيادة الجيش عن رئاسة الدولة رغم أن عصمت إينونو يحمل رتبة جنرال إلا أن قيادة الجيش أصبحت من نصيب المارشال فوزى شاقماق، وبذلك أصبح الجيش مؤسسة مستقلة تراقب وتشرف على عمل السلطة التنفيذية من بعيد. استمرت سلطة الجيش المطلقة حتى إحالة المارشال فوزى شاقماق عام 1944م إلى التقاعد، ومع تقاعد شاقماق بدأت تتبلور معالم تأسيس سيطرة مدنية نسبية على الجيش والتحول نحو التعددية الحزبية بدل سيطرة الحزب الواحد.
وفى عام 1945م ألمح الرئيس عصمت إينونو إلى ضرورة وجود حزب سياسى معارض بغية تفعيل الحياة السياسية في البلاد، لكن هذا التوجه كان يتمحور حوب تشكيل حزب معارضة مستأنس بغية تنفيس الاحتقان السياسى في البلاد.
ومع تزايد الانفتاح السياسى بدأت تظهر توجهات معارضة من قلب حزب الشعب الجمهورى قادها أربعة نواب هم :
1- جلال بايار.
2- عدنان مندريس.
3- فؤاد كوبرولو.
4- رفيق كوارلتان.
وهم الذين أسسوا عام 1946م الحزب الديموقراطى الذى استقطب أعدادًا متزايدة وحظى بشعبية كبيرة في أوساط النخب التركية، وأصبح يمثل رغبة شعبية في التغيير. وفاز الحزب الديموقراطى بـــ 61 نائبًا في انتخابات عام 1946م، ومن ثم انضم له 47 نائبًا من نواب حزب الشعب الجمهورى ليصبح قوة سياسية فاعلة في الحياة السياسية التركية.
لكن الحدث الأبرز كان عام 1950م، إذ فاز الحزب الديموقراطى في الانتخابات النيابية فوزًا ساحقًا بعد حصوله على 403 مفعدًا من أصل 482 مقعدًا وينهى بذلك هيمنة حزب الشعب الجمهورى على الحياة السياسية في البلاد. مهدت هذه الانتخابات لتولى المعارضة الديموقراطية مقاليد الحكم في تركيا وليصبح جلال بايار رئيسًا للجمهورية ويكلف عدنان مندريس بتأليف الحكومة الجديدة، ومع تولى هذه الحكومة مقاليد الحكم والسلطة في البلاد بدأت تعود إلى الحياة الاجتماعية والثقافية وإلى حد ما السياسية بعض الملامح الإسلامية التي كانت محظورة خلال المرحلة السابقة، مما زاد من شعبية الحزب الديموقراطى وتجذره في المجتمع التركى.
لقد شكل وصول حزب المعارضة إلى الحكم في تركيا صدمة كبيرة للقيادات التقليدية المرتبطة بالحزب الجمهورى، ومع تزايد هجوم رئيس الوزراء عدنان مندريس على تلك النخب والقيادات وما تمثله من توجهات فكرية وارتباطات مصلحية تحرك قادة الجيش ليضعوا حدًا لعشر سنوات من الديموقراطية التركية في محاولة لإعادة خلق الظروف التي كانت قائمة قبل عام 1950م وتبنى الاتجاه الأتاتوركى العسكرى في إدارة البلاد.
مرت تركيا بالعديد من الانقلابات والتدخلات العسكرية في المجال السياسى تحت لواء أن التدخلات العسكرية هذه هى المنوط بها حماية الدولة التركية والمحافظة على وحدة وسلامة أراضيها والحفاظ على مبادئ الجمهورية. وفيما يلى إستعراض لواقع هذه التدخلات ببيان أسبابها ونتائجها:
- انقلاب 1960م.
ظل حزب الشعب الجمهوري يحكم تركيا، بداية من المؤسس أتاتورك ثم خليفته عصمت إينونو، ثم قرّر بعدها أحد رجال الحزب الانشقاق عنه وتأسيس حزب آخر، وكان هذا الرجل هو عدنان مندريس، حيث أسّس الحزب الديموقراطي، والذي لم تمض بضعة أعوام حتى فاز بالانتخابات، فوصل مندريس إلى السلطة عام 1950م، أعلن خلالها إعادة الأذان باللغة العربية، ثم سمح بإعادة قراءة القرآن الكريم باللغة العربية بدلا من الاكتفاء بقراءة ترجمة معانيه باللغة التركية، وسمح بافتتاح أول معهد لتدريس علوم الشريعة منذ عام 1923م إضافة إلى بعض مراكز تعليم القرآن الكريم، كما قام بحملة تنمية شاملة فى تركيا شملت تطوير الزراعة وافتتاح المصانع وتشييد الطرقات والجسور والمدارس والجامعات وهى الإجراءات التى أسهمت في زيادة شعبيته بشكل ملحوظ.
كل هذا لم يرق لحزب الشعب الجمهورى وغيره من الأحزاب العلمانية التركية، فقاموا بافتعال اضطرابات ضد حكم مندريس واتهموه بمحاولة الانقلاب على هوية تركيا العلمانية، رغم أن تركيا قد انضمّت في عهده إلى حلف شمال الأطلسى، وشهدت تقدّمًا ملحوظًا، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الأحزاب المناوئة له من التآمر مع جنرالات فى الجيش لتدبير الانقلاب عليه، فبدأوا بحشد قوى اجتماعية، لا سيما داخل الجامعات والمدارس العسكرية لمعارضة سياسات الحكومة، فوقعت أحداث شغب ومظاهرات كبيرة في شوارع إسطنبول وأنقرة، وقام طلاب مدرسة القوات البرية بمسيرة صامتة إلى مجلس الشعب في أنقرة احتجاجًا على سياسات مندريس.
وفي صباح 27 مايو عام 1960م تحرّك الجيش التركي ليقوم بأول انقلاب عسكرى منذ بداية العهد الجمهورى، حيث سيطر على الحكم 38 ضابطا برئاسة الجنرال جمال جورسيل، وأحال الانقلابيون 235 جنرالا وخمسة آلاف ضابط بينهم رئيس هيئة الأركان إلى التقاعد، وتم إعلان الأحكام العرفية، وحاصرت الدبابات مبنى البرلمان وتم وقف نشاط الحزب الديموقراطى واعتُقل رئيس الوزراء عدنان مندريس ورئيس الجمهورية جلال بايار مع عدد من الوزراء وأُرسلوا إلى السجن قبل أن يُحكم عليهم بالإعدام في محاكمة صورية، وبالفعل تم تنفيذ حكم الإعدام في مندريس.
أعاد قادة انقلاب عام 1960م عقارب الحياة السياسية فى تركيا إلى الوراء، متذرعين وتحت مسمى بضرورة وضع حد للتطاحن الحزبى وحالة الفوضى والشقاق التى أصابت المجتمع التركى، وإعادة وضع البلاد على مسار الديموقراطية من جديد. وقد وعد قادة الانقلاب بإجراء انتخابات نيابية وتسليم مقاليد الحكم للحزب الفائز وذلك بعد اعتقال رئيس الجمهورية جلال بايار ورئيس الوزراء عدنان مندريس ورئيس المجلس الوطنى (البرلمان) وعدد كبير من نواب الحزب الديموقراطى والذى وصل عددهم لما يقارب الخمسمائة معتقل. وكان من نتائج الانقلاب حظر الحزب الديموقراطى وإعدام رئيس الوزراء عدنان مندريس وأثنين من وزراءه، إضافة إلى الحكم بالسجن المؤبد لرئيس الجمهورية جلال بايار ورئيس البرلمان رفيق كورالتان وعدد من الوزراء والنواب، كما تم إصدار دستور جديد عام 1961م، والذى أصبحت فيه السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، وإنشاء المحكمة الدستورية العليا التى تقع عليها مهمة مراقبة دستورية القوانين والتشريعات، إضافة إلى ذلك إنشاء مجلس الأمن القومى الذى يعد الأداة الأساسية للحكم فى تلك الفترة.
بعد الانقلاب عاد حزب الشعب الجمهورى ليتصدر الحياة السياسية التركية وذلك بعد فوزه عام 1961م بـــ 173 مقعدًا من مقاعد البرلمان وعلى الجانب الآخر حزب العدالة الذى حل مكان الحزب الديموقراطى بــ 158 مقعدًا وتكليف عصمت إينونو برئاسة الحكومة والجنرال جمال جورسيل(زعيم الانقلاب) برئاسة الجمهورية.
وبعد ذلك عاد حزب العدالة ليتصدر الحياة السياسية في انتخابات عام 1965م بعد الاضطرابات والفشل في تحقيق الاستقرار خلال المرحلة السابقة وحصد 53% من مقاعد البرلمان، ليكلف رئيس الحزب سليمان ديميريل برئاسة الحكومة التي شكلها من نواب حزبه.
استمرت خلال هذه الفترة مظاهر عدم الاستقرار السياسى وضعف النمو الاقتصادى، وتصاعد الحركات اليومية واليسارية، وفشل الحكومة في تحقيق النمو والاستقرار نتيجة تصاعد المظاهرات الطلابية ونمو الحركات الشبابية والطلابية.. فوجهت قيادة الجيش في آذار 1971م انذارًا لرئيس الوزراء سليمان ديميريل بأنه سيمارس حقه الدستورى في تسلم مقاليد الحكم ان استمرت حالة الفوضى والذى أطلق عليه ” انقلاب المذكرة ”
- انقلاب 1971م.
شهدت تركيا بعد إعدام مندريس عقدًا مضطربًا، تميّز بالركود الاقتصادي والاضطراب الأمني والسياسي، حيث انتشرت الإضرابات العمالية كما تم تشكيل حركات عمالية وطلابية يسارية -البعض منها كان مسلحا- تُعارضها الجماعات اليمينية القومية المسلحة والإسلامية، وقام الجناح اليسارى بتنفيذ هجمات تفجيرية، وعمليات سرقة، واختطاف، ومنذ نهاية 1968م، وعلى نحو متزايد خلال عامى 1969 و1970، كان العنف اليساري يقابل بعنف يمينى متطرف.
لم تكن الاضطرابات وحدها هى من أطاحت بحكومة سليمان ديمريل، رئيس حزب العدالة الذي وصل إلى السلطة عام 1965م وأعيد انتخابه عام 1969م، ولكن الانشقاقات والاضطرابات الداخلية فى حزبه هى التى أوصلته لذلك، حيث انسحب 41 نائبًا برلمانيًا من حزب العدالة وأسقطوا حكومة ديمريل الثانية عام 1969م، فاضطر لتشكيل حكومة جديدة لكنها كانت هشة لم تصمد أمام الاضطرابات فى البلاد خاصة مع ازديادها فى أوائل عام 1971م وقيام اليسار المسلح ومجموعات الطلاب بخطف جنود أمريكيين ومهاجمة المصالح الأمريكية.
وعُرف انقلاب 1971م عموما بـ”انقلاب المذكرة” حيث أرسل الجيش مذكرة عسكرية إلى سليمان ديميريل طالبه فيها بالتنحى، وعلى إثر قراءة بيان الجيش عبر الإذاعة فضّل ديميريل الاستقالة على المقاومة، وتحوّلت تركيا بعدها إلى نظام ما عرف بالثاني عشر من مارس.
وكان قادة الجيش يقومون بإعطاء الأوامر من خلف الكواليس، فقاموا فى 19 مارس باختيار نهات إريم لقيادة الحكومة، وهو الأمر الذى قبل به عصمت إينونو رئيس حزب الشعب الجمهورى بينما رفضه بولنت أجاويد الأمين العام للحزب، فاندلعت موجة جديدة من العمليات المسلحة قادها ما يعرف بـ”جيش التحرير التركى”، وفى 27 أبريل، أُعلنت الأحكام العرفية وتولى فريت ميلين رئاسة الوزراء في أبريل 1972م، وأحدث تغييرًا بسيطًا، وتبعه بعد عام نعيم تالو، الذى كانت وظيفته الرئيسية قيادة البلاد للانتخابات.
تصاعدت خلال المرحلة الممتدة من 1971م – 1980م مظاهر عدم الاستقرار من جديد وتشكلت حكومات متعددة سقطت سريعًا أمام امتحان سيطرة الجيش وعدم القدرة على إدارة شئون البلاد، وفى هذه المرحلة والمرحلة التي سبقتها تشكل الحزب الإسلامي الأساسى حزب النظام الوطنى ومن ثم حزب السلامة الوطنية بزعامة نجم الدين أربكان ودخل الحكومة بولنت أجاويد عام 1973م.
كما تميزت هذه المرحلة بعدم قدرة أي من الحزبين الرئيسيين (حزب الشعب الجمهورى وحزب العدالة) على تشكيل حكومة أغلبية، كما أنهما لم يكونا قادرين أو مستعدين للتعاون في حكومة ائتلافية مما شل حركة الحكومات التي تشكلت خلال هذه الفترة وبقية عُرضة للإقالة أو الاستقالة، وبدت بين عامى 1979م – 1980م موجة عنف واغتيالات أسفرت عن اغتيال عدد من قيادات الأحزاب السياسية وتصاعد العنف السياسى وانهارت قيمة العملة وارتفعت الأسعار وأصبح الاقتصاد التركى في مهب الريح، الأمر الذى مهد لتدخل الجيش من جديد عام 1980م.
- انقلاب 1980م.
كان الانتصار الذى حقّقه أجاويد في الانتخابات البرلمانية عام 1973م هزيلًا، حيث نال حزب الشعب بزعامة بولنت أجاويد 158 مقعدًا فى البرلمان، وحزب العدالة بزعامة ديميريل 149 مقعدًا، فشكّل رئيس حزب الشعب أجاويد حكومة ائتلافية بالاشتراك مع حزب السلامة بقيادة البروفسور نجم الدين أربكان في يناير/ سنة 1974 واستمر ذلك الائتلاف حتى 18/9/1974 حين قدم أجاويد استقالته التى قُبلت بعد ستة أشهر، وحلّت محل حكومته حكومة ائتلافية برئاسة رئيس حزب العدالة سليمان ديميريل وضم الائتلاف حزبى السلامة والعمل القومى، فاستمرت حتى أجريت الانتخابات النيابية 1977م.
وشكّل ديميريل حكومة من ائتلافه السابق، استمرّت حتى شهر ديسمبر 1977م، ثم استقالت، وفى يناير 1978م شكّل أجاويد وزارة ائتلافية مع الحزب الديموقراطى، وحزب الثقة، والنواب المستقلين، وأيّده عشرة نواب من حزب العدالة ممن ينتسبون إلى التيار المؤيد للعلمانية من أبناء المناطق الشرقية.
وفى أعقاب هزيمة حزب الشعب لصالح حزب العدالة “الأكثر انفتاحًا” قام الجنرال كنعان إيفرين بقيادة انقلاب جديد في سبتمبر عام 1980م فقام بتعليق الدستور وتم إعلان الأحكام العرفية وحظر جميع الأحزاب وحلّها، وإصدار دستور جديد عام 1982م الذى وسّع من سلطات رئيس الجمهورية “العسكرى” ويعتبر هذا الدستور أكثر الدساتير فى تاريخ تركيا توسيعا للنفوذ العسكري، حيث نص على إنشاء مجلس الأمن القومي التركى بعضوية عدد من المدنيين و أغلبية عسكريين.
جاءت فاتورة انقلاب 1980م باهظة جدًا ودموية حيث كانت محصّلتها: 650 ألف معتقل، وأحكام بالإعدام على 517 شخصا، وإعدام 50، وفصل 30 ألفًا من أعمالهم، وتجريد 14 ألف شخص من الجنسية التركية وترحيل 30 ألفًا آخرين، ووفاة المئات في ظروف غامضة وتحت التعذيب وحبس عشرات الصحفيين ومنع أكثر من 900 فيلم.
فقيام كنعنان ايفرين رئيس الأركان التركى انقلابًا عسكريًا في 12 أيلول 1980، بعد تصاعد أعمال العنف والفوضى في تركيا، ترسخت من جديد سيطرة الجيش على كافة مناحى الحياة السياسية فى البلاد. إذ تم حل البرلمان ووقف نشاط الأحزاب ومن ثم حلها وحل النقابات اليسارية واليمينية القومية، وقبض على قادة الأحزاب السياسية وفرضت الأحكام العرفية ومنع المواطنيين من مغادرة تركيا، كما تمت إقالة العمد وأعضاء المجالس المحلية في عموم البلاد، فهدف الانقلاب إلى إحداث تغير جذرى فى النظام السياسى فتركزت السلطات في مجلس الأمن القومى الذى سيطرت عليه المؤسسة العسكرية بقيادة الجنرال كنعنان ايفرين.
وبعد استقرار الأمر للانقلاب بدأت عملية وضع دستور جديد عام 1982م ومن خلال لجنة تشريعية فرضتها المؤسسة العسكرية ومجلس الأمن القومى، خرج الدستور الجديد للنور بعد استفتاء شعبى في تشرين الثانى 1982م، وتضمن الدستور 193 مادة رسخت مبادئ الجمهورية العلمانية وحددت صلاحيات وشكل النظام السياسى في الجمهورية التركية، فترسخت قبضة السلطة التنفيذية وزادت صلاحيات وسلطات رئيس الجمهورية ومجلس الأمن القومى إذ تم تقييد حرية التعبير والتنظيم بالمصلحة القومية والنظام العام والأمن القومى وتهديد النظام الجمهورى.
استمر الحكم العسكرى ووقف نشاط الأحزاب السياسية حتى أيار عام 1983م تاريخ تأسيس أول حزب سياسى بعد الانقلال وهو حزب الديموقراطية القومية بزعامة تورغت سونالب، ومن ثم تركيا الكبيرة بزعامة سليمان ديميريل والذى أغلق لاحقًا، وحزب الوطن الأوم بزعامة تورت أوزال. وفى تشرين الثانى عام 1983 جرت الانتخابات النيابية وفاز حزب الوطن الأم بأغلبية المقاعد النيابية وتم تكليف تورغت أوزال برئاسة الحكومة. استمرت سيطرة حزب الوطن الأم على الحكم حتى عام 1989م، عندما انتخب مجلس الشعب التركى تورغت أوزال رئيسًا للجمهورية، مما أدى إلى إنقسام حزب الوطن الأم بين جناحين الأول إسلامى محافظ والثانى ليبرالى علمانى بزعامة مسعود يلماز. ففى انتخابات عام 1991م حصل حزب الطريق القويم بزعامة سليمان ديميريل على المرتبة الأولى فى الانتخابات وتشكلت حكومة ائتلافية بين حزبى الطريق القويم وحزب الشعب التركى.
- انقلاب 1997م.
بعد وفاة تورغوت أوزال عام 1993م فى ظروف غامضة ، وصل حزب الرفاه وحليفه “الطريق القويم” إلى السلطة ليصبح الزعيم الإسلامى نجم الدين أربكان رئيسا للوزراء -أول رجل ذو توجه إسلامى صريح يصل إلى السلطة- وهو الأمر الذى أغضب العلمانيين ودعاهم إلى تحريك الأذرع العسكرية ضد الحكومة المنتخبة.
وفي 28 فبراير 1997م اجتمع مجلس الأمن القومي وقرّر أنه يجب أن يتم وقف تجربة أربكان الآن وليس غدًا عبر انقلاب لا تتدخل فيه الدبابات، وطلب منه التوقيع على مجموعة من الطلبات (18 طلبًا) التى رأى قيادات الجيش أنها يجب أن تتم من أجل المحافظة على النظام العلمانى فى تركيا الذى يحاول أربكان أن يغيره، كان الحوار واضحًا وصريحًا إما أن تقبل بهذه القرارات والتوقيع عليها وإما أن ترحل، ورغم قبول أربكان بطلبات العسكر وأغلبها قرارات تتعلق بتقييد التعليم الدينى وإغلاق مدارس القرآن الكريم، إلا أن هذا الأمر لم يفعل شيئا سوى أن يؤجل الانقلاب لثلاثة أشهر أخرى فقط.
وتم حظر حزب الرفاة بحكم قضائي وفقا لقانون 1982م بتهمة السعى لتطبيق الشريعة وإقامة النظام الرجعى، وتم إيداع أربكان فى السجن مع مجموعة من قادة حزبه “منهم رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية الحالى” وحرمان بعضهم من العمل السياسي لمدة “5-10 سنوات”.
كان يأتى في طليعة مبادئ أربكان وحزب الرفاه الإسلامي، مناهضة مبادئ الكمالية أو الأتاتوركية وخاصة ما يتعلق بعلمنة الدولة، الذى أقره حزب الشعب الجمهورى في مطلع الثلاثينيات وأصبح مع المبادئ الأخرى جزءًا من دستور 1937م.
ومن وجهة نظر أربكان أن العلمانية التركية تختلف اختلافًا جوهريًا عن نظيرتها الغربية، فالأخيرة هي فصل الدين عن الدولة وعدم تدخل الدولة بشئون الكنيسة ولا الكنيسة بشئون الدولة. أما في تركيا فإن الدولة من خلال الدستور والقوانين تتدخل في الشئون الدينية وتمارس حظرًا على النشاطات الدينية، بل إنها تحت العلمانية تمارس النظام القمعى والعداء للإسلام. فكل مواطن في الغرب يمتلك الحرية الدينية ولا أحد يجبر الآخرين على قبول اعتقاده، أما في تركيا فبأسم العلمانية يمارس ما هو مخالف للعلمانية، لذلك يطالب أربكان بإلغاء كلمة العلمانية من الدستور التركى لأن هذه الكلمة لا تؤدى المعنى المراد به حقيقة من العلمانية.
وسلّمت السلطة من قبل الجيش إلى الحزب الثالث في البلاد وهو حزب اليسار الديموقراطي بزعامة أجاويد، الذي شكّل حكومة ائتلافية مع عدد من الأحزاب وكانت حكومة ضعيفة جدًا ولم ينقذها سوى دعم العسكر بل والدعم العالمى، حيث أُهدى لها صفقة تسليم قائد حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان لتدخل بذلك الرصيد إلى انتخابات 1999م ليفوز حزب اليسار الديموقراطى بأعلى الأصوات يليه حزب الحركة القومية ثم حزب الوطن الأم وتم تشكيل حكومة ائتلافية بزعامة أجاويد.
أسس أعضاء حزب الرفاة المنحل الذين لم يُمنعوا من العمل السياسي حزبًا جديدًا أطلقوا عليه حزب الفضيلة، إلا أنه لم يسلم من مصير سلفه، فقرّرت المحكمة الدستورية إغلاقه نتيجة الدعوى التي رفعها المدعي العام (ورال صواش) بغية إغلاق الحزب لمخالفته مبادئ العلمانية، إلا أن النقطة الأبرز في تاريخ تجربة حزب الفضيلة هى الحراك الداخلي بين الجناحين اللذين عُرفا بالجناح المحافظ والجناح التجديدى، وكان من نتيجة هذا الحراك تأسيس الجناح التقليدى (حزب السعادة) بزعامة (رجائي قوطان) .
كما أسس الجناح التجديدى (حزب العدالة والتنمية) بزعامة رجب طيب أردوغان، واستغل أروغان وحزبه فشل حكومة اليسار الديمقراطى نتيجة للتردى الاقتصادى والكوارث التى تعرّضت لها تركيا من الزلازل ومن ثم الكارثة الاقتصادية التى عصفت بالقطاع الصناعى وأثّرت حتى على مستوى المعيشة، فحسم الانتخابات العامة عام 2002م لصالحه -بعد مرور أقل من عام على تأسيس حزبه- وحصل على 34,28 % من جملة الأصوات التى تمكّن من خلالها من تشكيل الحكومة منفردًا.
- انقلاب 2009.
بعد 5 سنوات من الانقلاب الأبيض، حقق حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان، فوزًا ساحقًا فى انتخابات 2002م، ويرى محللون أن نجاح هذا الحزب الوليد جاء نتيجة رد فعل على الانقلاب.
ثم تحدثت الأوساط التركية اعتبارًا من نهايات العقد الماضى، عن وجود تنظيم سري، انتشر في صفوف الجيش والقضاء ومختلف مفاصل الدولة، يسعى للوصول إلى الحكم وإبعاد العدالة والتنمية، أطلق على التنظيم اسم ‹أرغنكون›، وقام الجيش بتشجيع منه على محاولة الانقلاب عام 2009م، فيما عرف حينها بـ ‹خطة القفص›، والتى زعم أنها خطة انقلاب من قبل عناصر الجيش التركى، خاصة من داخل قيادة القوات البحرية. إلاّ أن الحديث عن الخطة تلاشى فجأة، كما ظهر فجأة، وبشكل غامض.
وهي خطة انقلاب مزعومة من قبل عناصر الجيش التركي (خاصة، من داخل قيادة القوات البحرية)، والتي اشتهرت عام 2009م. تشكل الخطة جزءًا من قضية بورايزكوي من محاكمات إرغينكون، حيث يُزعم أن الذخائر التي تم العثور عليها في بورايزكوى عام 2009م كانت موارد خاصة بالمجموعة نفسها.وتذكر لائحة الاتهام أن الأدميرال المتقاعد أحمد فياز أوتجو إلى جانب اثنين مالأدميرالات الآخرين هم المنظمون الرئيسيون لهذه الخطة.
ويزعم ممثلو الادعاء أن أحد المساهمين في الخطة هي لجنة الدراسات الغربية (BÇG) – وهي مجموعة يقال إنها تشكلت كجزء من انقلاب “ما بعد الحداثة” الذى وقع عام 1997م .ووفقًا لتقرير شرطة إسطنبول، كان إبراهيم شاهين هو العقل المدبر للخطة وقامت بوضعها منظمة إرغينكون، وترتبط بمجزرة دار زيرف للنشر. وقد ادعت جريدة الفجر الجديد فى عام 2010م أنه وفقًا للوثائق التى استردتها الشرطة، كان اللواء شينير اريوجور يحضر اجتماعات خطة عملية القفص.
تكشفت الخطة لأول مرة عندما تم إخبار ممثلى الادعاء بشكل مجهول عن العثور على متفجرات في قاع غواصة عرض في متحف رحمي إم كوش فى ديسمبر عام 2008م .تم العثور على الخطة نفسها على قرص مضغوط وُجد فى مكتب الرائد المتقاعد ليفينت بيكتاش. قام الصحفي محمد بارانسو بنشر الوثيقة في صحيفة طرف في 19 نوفمبر 2009م. وتوجد ترجمة لهذه الوثيقة باللغة الإنجليزية. وتدعو الخطة المزعومة إلى ممارسة الإرهاب السياسى والقيام بعمليات اغتيال ضد مختلف الجماعات من الأرثوذكس الشرقيين والأرمن والأكراد واليهود والعلويين. ويبدو أن التنظيمات السرية داخل القوات المسلحة التركية هى من وضعت الخطة.
تم العثور على وثائق أخرى يقال إنها تتعلق بخطة عملية القفص فى القيادة البحرية فى جولشوك عام 2010م. ويشار إلى أن الخطة قد دخلت بالفعل حيز التنفيذ عندما تم كشفها: فى منتصف عام 2009م ظهرت الملصقات الملونة (ومثلما ظهرت فجأة، اختفت فجأة) على أبواب مئات الأسر من غير المسلمين في كورتولوس، وهو الحادث الذي لا تزال أسبابه غير معروفة.
وقد ربط ماجريديش مارجوسيان خطة عملية القفص بالمؤامرات السابقة، بما في ذلك التحريض على أعمال الشغب فى إسطنبول عام 1955م.
- انقلاب 2016.
الانقلاب رقم خمسة في تاريخ الانقلابات التي شهدتها تركيا منذ 1960، حاول إسقاط نظام حكم الرئيس رجب طيب أردوغان مساء 15 يوليو/تموز 2016، لكن خروج الشعب إلى الساحات والمطارات والشوارع، ورفض القيادات العسكرية له، والتفاف المعارضة حول الحكومة التي بقيت تمارس عملها، كل ذلك سارع بطي صفحة الانقلاب وإعلان فشله، والشروع في اعتقال من يقف خلفه.
البداية..
حكاية المحاولة الانقلابية بتركيا خرجت إلى العلن تقريبًا مع الساعة الـ11 ليلا من مساء يوم 15 يوليو/تموز 2016 بتوقيت مكة المكرمة، عندما أغلقت عناصر من الجيش التركي الخط المتجه من الشق الآسيوي إلى الأوروبي على جسر البوسفور، بينما سارع رئيس الوزراء بن علي يلدرم إلى وصف ما جرى بأنه محاولة انقلابية.
بعدها تناقلت وكالات الأنباء أخبارا عن وجود مروحيات عسكرية تحلق في سماء أنقرة، ونقلت عن شهود سماعهم أصوات إطلاق نار بالعاصمة، تلاها تحذير أطلقه رئيس الوزراء من أن المحاولة الانقلابية فاشلة لا محالة، وأنه تم استدعاء كافة عناصر الشرطة، معلنا في تصريحات لمحطة (إن.تي.في) التلفزيونية الخاصة “بعض الأشخاص نفذوا أفعالا غير قانونية خارج إطار تسلسل القيادة.. الحكومة المنتخبة من الشعب لا تزال في موقع السلطة. هذه الحكومة لن ترحل إلا حين يقول الشعب ذلك”.
إثر ذلك بدقائق، نقلت وسائل إعلامية تركية أن جماعة فتح الله غولن هي من تقف وراء المحاولة الانقلابية، بينما سيطر انقلابيون على القناة التركية الرسمية “تي.آر.تي” وأجبروا العاملين فيه على بث بيان تحدث عن تولي السلطة “للحفاظ على الديمقراطية” وأن جميع العلاقات الخارجية للدولة ستستمر وأن “السلطة الجديدة” ملتزمة بجميع المواثيق والالتزامات الرسمية. كما تعهد بإخراج دستور جديد في أٌقرب وقت. بعد ذلك أعلن مصدر بالرئاسة أن البيان الذي صدر باسم القوات المسلحة لم يكن مصرحا به من قيادة الجيش.
نداء أردوغان
بتزامن مع بث بيان الحركة الانقلابية، وقع حدث مفصلي تمثل في خروج الرئيس على إحدى الفضائيات عبر تطبيق بالتواصل الاجتماعي دعا أبناء شعبه للنزول إلى الشوارع والميادين والمطارات رفضا للانقلاب العسكري ومؤكدا “لن نسمح لأحد أن يُثني عزمنا”. وطالب أردوغان القوات المسلحة والجنرالات الشرفاء إلى الوقوف بصلابة وشرف أمام من باع ضميره من الضباط الآخرين الذين ستتم معاقبتهم في أقرب وقت.
وفي الوقت الذي كان الانقلابيون يعلنون نجاحهم في السيطرة على مفاصل الدولة، تناقلت وسائل الإعلام الدولية تصريحات لمسؤولين أتراك يؤكدون فيها أن الرئيس والحكومة المنتخبين ديمقراطيا لا يزالان على رأس السلطة.
بعدها خرج الرئيس السابق عبد الله غل -في تصريح لقناة فضائية تركية عبر تطبيق للتواصل الاجتماعي وُصف بالقوي- أكد فيه بلهجة صارمة أنه لا يمكن القبول بأي محاولة انقلابية، مشيرا إلى أن الحركة الانقلابية لم تحدث ضمن التسلسل الهرمي للجيش، ودعا للعودة سريعا إلى الديمقراطية.
وتابع غل أن تركيا ليست بلدا في أفريقيا، وليس من السهل تنفيذ انقلاب عسكري فيها، ويجب على من قام بهذه المحاولة العودة فورا، وطالب الشعب باتخاذ موقف سريع ضد التحرك الانقلابي، وأضاف أن على الجميع أن يكون واعيا إزاء هذا الخطر الذي يحدق بالبلاد.
الشعب يستجيب:
جماهير الشعب التركي لم تتأخر في الخروج إلى الشوارع والمطارات استجابة لنداء أردوغان لحماية الديمقراطية وإفشال الانقلاب، فانطلقت مظاهرات حاشدة في ميادين إسطنبول وأنقرة ومدن عدة رافضة لمحاولة الانقلاب العسكري.
وطالب المتظاهرون في ميدان تقسيم بإسطنبول بعودة الجيش إلى ثكناته، مؤكدين أن زمن الانقلابات قد ولى. ورفع المتظاهرون صور أردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدرم، وخرجت مظاهرة ضخمة في الساحة الرئيسية بالعاصمة أنقرة رفضا لمحاولة الانقلاب ودعما للرئيس. كما خرجت مظاهرة حاشدة في منطقة سلطان غازي وشارع وطن بإسطنبول رفضا للمحاولة الانقلابية.
وخرجت مظاهرات رافضة لمحاولة الانقلاب في مدينتي غازي عنتاب وأنطاكيا جنوب تركيا. وصدرت تكبيرات ودعوات من مآذن المساجد في إسطنبول، كما صدرت دعوات من مساجد منطقة مجيدي كوي للمواطنين بالخروج إلى الشوارع رفضا لمحاولة الانقلاب.
ومع بدء خروج الناس إلى الميادين والمطارات، بدأت تتوارد أنباء عن استخدام الانقلابيين قنابل يدوية وإطلاق رصاص ضد المدنيين ورجال القوات الخاصة، وسمعت انفجارات بالعاصمة، كما سمع صوت إطلاق نار في المجمع الرئاسي بأنقرة.
وتأكد أن مروحيات فتحت النار على فندق كان يقيم فيه الرئيس أردوغان في قضاء مرمريس بولاية موغلا غربي البلاد بعد فترة من مغادرته له فجر السبت، اليوم الموالي لبدء محاولة الانقلاب الفاشلة. وبقيت المروحيات لفترة تحلق فوق المكان ثم نزل منها ما بين عشرة و15 ملثمًا مدججين بالأسلحة، وفرضوا طوقًا على الفندق.
كما ألقت طائرة قنبلة قرب القصر الرئاسي، وأظهرت مشاهد بثتها قنوات التلفزة السبت سحابة من الدخان تتصاعد فوق المكان. ووقع الحادث فوق حى بيستيبي فى ضاحية أنقرة حيث يقع المجمع الرئاسي لأردوغان الذي كان موجودًا بإسطنبول لحظة وقوع الانفجار وقبل الإعلان عن فشل الانقلاب.
إجماع سياسي
وكان لافتا التفاف القوى السياسية التركية المعارضة حول الحكومة فى رفضها للانقلاب. وعلى سبيل المثال، ذكر زعيم حزب الشعب الجمهورى المعارض كليجدار أوغلو أن تركيا عانت من الانقلابات “وسندافع عن الديمقراطية”.
كما دعا رئيس البرلمان التركي الجميع الوقوف صفا واحدا للدفاع عن الديمقراطية، وقال “إن كثيرا من النواب معي الآن وهم يدافعون عن الديمقراطية”.
إجماع التيارات السياسية المعارضة والحكومة والقيادات العسكرية على ضرورة احترام الشرعية، ورفض الانقلاب، وخروج الآلاف من المواطنين إلى الشوارع والساحات والمطارات، عجل بإفشال المحاولة الانقلابية، حيث خرج يلدرم من جديد ليؤكد أن الانقلاب فشل، وأن الاعتقالات جارية في صفوف العناصر الانقلابيين جنودا وضباطا، بينهم ذوو رتب عالية.
كما أعلن رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو أن السلطة عادت إلى قبضة قوات الأمن الشرعية، واتهم جماعة غولن بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية.
وعاودت قناة “تي.آر.تي” الرسمية التركية بثها بعد انقطاع دام ساعات أثناء محاولة الانقلاب، وظهرت مذيعة القناة الصحفية تيجين كاراش أمام كاميرات الصحفيين لتعلن أنها اضطرت لقراءة البيان العسكرى الانقلابى لأنها كانت تحت تهديد السلاح.
وشكل وصول الرئيس أردوغان إلى إسطنبول فجر يوم 16 يوليو/تموز 2016 م طيًا لصفحة الانقلاب، حيث تجمع حوله الآلاف فى المطار، وقال فى مؤتمر صحفي بمطار أتاتورك إن منفذى المحاولة الانقلابية مجموعة ممن يكرهون تركيا ويتلقون أوامرهم من بنسلفانيا، فى إشارة إلى زعيم الجماعة فتح الله غولن المقيم هنالك.
وأكد أن المحاولة الانقلابية جاءت قبيل اجتماع لمجلس الشورى العسكرى الذى كان مقرَّرًا أن يتخذ عددا من القرارات الحاسمة.
وينعقد اجتماع مجلس الشورى العسكرى مرتين سنويًا، ويختص فى الفصل بالترقيات والعزل فى الجيش، وكانت تسريبات أشارت إلى أن الاجتماع سيعمل على عزل نحو أربعمئة ضابط متوسط الرتبة وإحالتهم إلى التقاعد.
كما أُعلن عن تحرير رئيس الأركان خلوصى آكار من قبضة الانقلابيين الذين اعتقلوه مع بداية الانقلاب.
استسلام واعتقالات.
وتتالت الأنباء التى تؤكد استسلام عشرات الجنود المشاركين بالانقلاب للأجهزة الأمنية، وظهرت صور ومقاطع فيديو تبرز ذلك بوضوح. وظهر يلدرم في مؤتمر صحفي أكد فيه أن الوضع بات تحت السيطرة، وتوعد بمحاسبة الانقلابيين، ودعا الشعب إلى البقاء بالشوارع حتى الانتهاء من إفشال الانقلاب بشكل كامل.
بينما أكد رئيس أركان الجيش بالوكالة الجنرال أوميت دوندار -الذي عين بهذا المنصب بعد فقدان الاتصال برئيس الأركان خلوصى الذى اعتقله الانقلابيون، صباح اليوم الموالي للانقلاب، في مؤتمر صحفى بإسطنبول- أن المحاولة الانقلابية التى استهدفت الإطاحة بالنظام السياسي في البلاد أحبِطت, وأكد أن صفحة الانقلابات العسكرية بتركيا طُويت إلى الأبد, مشيرًا إلى أن المحاولة نفذتها قوات من سلاح الجو وبعض قوات الأمن و”عناصر مدرعة”.
وأضاف أن من بين من شاركوا في المحاولة عسكريين من الجيش الأول -الذى يقوده دوندار- وأكد أن الانقلابيين اختطفوا عددًا من الضباط ووضعوهم فى مكان غير معلوم.
وما لبثت أن بدأت حملة اعتقالات بحق المشاركين فى الانقلاب، حيث تم اعتقال حوالى ثلاثة آلاف عسكرى بينهم ذوو رتب رفيعة، وذلك حتى ظهر السبت الموالى للانقلاب. كما تم إصدار مذكرة توقيف بحق قائد اللواء 55 مشاة الجنرال بكر كوجاك، وأقيل خمس جنرالات و34 ضابطًا رفيعا من وزارة الداخلية بأمر من الوزير أفكان على. كما أعلنت وسائل إعلام تركية أن أجهزة القضاء عزلت 2745 قاضيًا، بينما تم اعتقال نحو مئة عسكرى بقاعدة جوية بديار بكر على خلفية المحاولة الانقلابية.
وأعلن محافظ ملاطيا غداة المحاولة الانقلابية إلقاء القبض على 39 طيارًا عسكريًا كانوا على متن سبع طائرات عسكرية.
وحتى ظهر السبت 16 يوليو/تموز 2016، كانت المحاولة الانقلابية قد أسفرت عن مقتل 161 شخصًا، وإصابة حوالى 1440، مقابل نحو عشرين قتيلًا وثلاثين مصابًا من الانقلابيين.
فمحاولة الانقلاب الأخيرة جاءت في ظل ظروف استثنائية تمر بها المنطقة، فداخلياً تصاعدت وتيرة المعارك ضد معاقل حزب العمال الكردستاني، وإقليميا تشهد المنطقة حربا دولية ضد تنظيم ‹داعش›، اضافة إلى الجدل الذي أثير حول إدارة أردوغان للحكم، وإبعاد رفاقه عن الحزب والسلطة.
المحامي الكردي، والمتابع للشأن التركي، خليل أصلان، يرى أن «أردوغان بتوجهاته الدينية، تعتبره مؤسسة الجيش تهديداً لعلمانية البلاد التي يعد الجيش من أهم حماتها، إضافة إلى أدائه السياسي بشان الأحداث في المنطقة، وخاصة موقفه من الوضع السوري، والشكوك المثارة حول علاقته بداعش وجديته في محاربته»، واصفاً سياسة أردوغان بأنها «وضعت البلاد في حالة عدم استقرار، والمتمثلة بالتفجيرات التي شهدتها تركيا مؤخراً».
محاولة حقيقية
أصلان شكك في الرواية التي تقول أنها ‹مسرحية›، معتبراً أنها «لم تكن مسرحية لكنه (أردوغان) سيستغل الحدث للقضاء على الخصوم والمنافسين، وأي شخص يقف في وجه تحويل نظام الحكم إلى الرئاسي، كما يخطط له منذ زمن»، مؤكداً على أن «المحاولة كانت حقيقية شارك بها كبار قادة الجيش التركي ومن مختلف التشكيلات، باستثناء الجيش الأول الذي مقره أسطنبول، فضلاً عن عدد كبير من تشكيل الجندرمة أو الدرك التركي، وقادة كبار من سلاح الجو من الصف الثاني والثالث».
مضيفاً أن «الصف الأول منهم كان يحضر حفلة زفاف لأبناء أحد الضباط في إحدى الفنادق في إسطنبول، حيث تم التحفظ عليهم بتوجه ثلاث مروحيات سكورسكي واقتادوهم إلى جهة مجهولة في إسطنبول. بالإضافة إلى عدد من الجنرالات من سلاح البحرية».
أصلان أكد أيضاً، أن «المحاولة كانت منظمة للغاية، والدليل مشاركة هذه المجموعات الكبيرة من ضباط الجيش».
لماذا فشل الانقلاب؟
يرى أصلان أن «أسباب فشل الانقلاب كان عدم اعتقال أردوغان»، معتبراً أن «اعتقاله كان سيشكل نقطة حاسمة لمصلحة الانقلابيين. إضافة إلى عدم وجود منابر إعلامية متعاونة مع الانقلابيين، واستمرار المؤسسات الإعلامية في عملها بشكل معتاد، الأمر الذي مكن أردوغان من مخاطبة الشارع وبالتالي تعبئتهم للخروج للتظاهر ضد الانقلابيين»، مشيراً إلى سيطرة أردوغان على بعض الأجهزة ذات الأدوار المهمة في مثل هذه المواقف، مثل الأجهزة الأمنية وخاصة جهاز الاستخبارات ‹ميت› وبعض التشكيلات المدربة للتعامل مع حالات طارئة أو ما يسمى بقوات المهام الخاصة وجهاز مكافحة الإرهاب، إضافة إلى ولاء رئيس هيئة أركان الجيش خلوصي آكار.
المدقق لتاريخ وأحداث الانقلابات التركية، يلاحظ أن منبتها هو الشرخ الواضح بين الساسة والجيش، واستقلالية المؤسسة العسكرية التركية في العديد من النواحي، ناهيك عن طغيان الفكر الأتاتوركي عليها، وبقائها بعيداً – من ناحية البنية الفكرية – عن التطورات الهائلة التي مر بها المجتمع التركي خلال العقود الطويلة التي مرت منذ تأسيس الجمهورية، الأمر الذي جعل الأصوات تتعالى بعد المحاولة الأخيرة، لضرورة إحداث تغيير فكري في بنية المؤسسة العسكرية التركية.
- الاقتصاد في تركيا.
- الملامج الأساسية لتطور الاقتصاد التركى منذ عام 1923م حتى صعود حزب العدالة والتنمية في عام 2002م.
منذ قيام الجمهورية وطيلة الفترة التي حكم بها مصطفى كمال وخليفته عصمت اينونو تركيا من عام 1923م وحتى عام 1950م، كان هناك وحدة في الهدف بين الدولة الجديدة وبين الطبقتين الاقتصاديتين الرئيسيتين: البرجوازية وكبارالملاك، صحيح أن الدولة كانت مستقلة في قرارها السياسى، ولكنها كانت أيضًا بفعل توجهها العلمانى الذى فرضته على الدولة تم تغير النظام الاقتصادى والاجتماعى ليتوافق مع النظام السياسى.
وطوال الفترة السابقة كان الكماليون ينفون إمكانية الصراع الطبقى في تركيا؛ لم تكن في البلاد طبقات متطورة، إلا انهم كانوا يدركون أن جماعة المصالح قادرة تمامًا على تنظيم أحزاب سياسية، فكان النظام يشعر بالاستقلال عن الطبقات أولًا وكان يمارس دورًا أبويًا، يفكر عن الشعب ويختار له ما ينفعه، على أساس أنه المرشد المحايد للشعب، والذى يعرف ما هو الأفضل للشعب، ولكن دون أن تتحكم الدولة في الاقتصاد، وإنما تتركه اقتصادًا حرًا يشكل بنفسه البرجوازيات المتوسطة التي تحرك الاقتصاد.
فبعد إنشاء المصرف المركزى التركى عام 1930م لاعادة العمل بنمط الاقتصاد الموجه بدلًا من نمط الاقتصاد الليبرالى الحر لزيادة تدخل الدولة في العملية الاقتصادية في تركيا، فعندما تعرض الاقتصاد التركى إلى التراجع إبان الحرب العالمية الثانية(1939م – 1945م)، طالب الفلاحون وأصحاب المهن من الأتراك الذين تضرروا من الحرب، برفع سيطرة الدولة عن الاقتصاد وحملوا سياسة الحزب الواحد مسئولية التراجع الاقتصادى، كما أن البرجوازيات التي تشكلت في المرحلة السابقة ساهمت في فوز الحزب الديموقراطى في أول انتخابات تالية عام 1950م، بزعامة عندنان مندريس.
لقد كان عدنان مندريس من كبار ملاكى الأراضى، ولذا فإن شريحة ملاك الأراضى هي الجماعة الأساسية التي استفادت كثيرًا من سياساته الداخلية، ومنذ انتخابه، أوضح أن الاقتصاد السياسى أصبح عاملًا كبيرًا في مسارات الانتخابات وتشكيل الحكومة التركية، ولذا فقد كان الغالب هو فوز الأحزاب اليمينية؛ لأنها كانت تمثل أصحاب طبقات اقتصادية معينة أو شركات أو قطاعات اقتصادية متنفذة والتي كانت دائمًا ما تدعو إلى الاقتصاد الرأسمالى الحر، بينما كانت تدعو الأحزاب اليسارية إلى نوع من إشراف الدولة على العملية الاقتصادية.
لقد كان على حزب العدالة( حزب سليمان ديميريل) الذى حل الديموقراطيين بعد الانقلاب الأول، يتحدث عن إجراء تغيرات كبرى، وحاول حزب الشعب الجمهورى طرح المنظور المستقبلي بأكمله فقط فقط لينتهى في نهاية المطاف بعدم تقديم أي منظور، في حين كانت الأحزاب الصغيرة حاجات التاجر والمثقف والفنان والطلبة، وكانت تلك الأحزاب تتصرف بلسان حال أعضائها ضد الرأسمالية والبرجوازية العليا.
وعلى صعيد الحركة الإسلامية، فقد كان الاقتصاد السياسى أحد مداخلها الأولى للمجتمع التركى والذفاع عن حقوق الفقراء وأصحاب التجارات الصغيرة. وكان من أبرز الوجوه الإسلامية في الاقتصاد التركى في تلك المرحلة المهندس الدكتور نجم الدين أربكان. فقد كان لدى أربكان وعى مبكر بأهمية بناء اقتصاد وطنى مستقل، وأهتم مبكرًا بالأنشطة التجارية الاقتصادية، حتى نظر إليه في عقد التسعينات، وقبل أن يدخل المعترك السياسى بأعتبارة أحد أعمدة الاقتصاد التركى. وكان من أول من تبنوا مبدأ ضرورة تواجد الإسلاميين في النشاط الاقتصادى. وقد برز نجم الدين أربكان، بوصفه منافسًا أو معارضًا قويًا للسياسات الاقتصادية لرئيس الوزراء التركى سليمان ديمريل في عقد الستينات.
لقد وصل هذا الصراع الاقتصادى السياسى إلى الصحافة التركية، فقد ذكرت صحيفة ” أنت ” في عددها 127 والصادرة في 3/6/1969م مقالًا جاء فيه: هناك صراع واضح في هذه الأيام في علالم التجارة والصناعة بين فئتين، فئة الرفاق الماسونيين الذين يعملون لحماية رئيس الوزراء سليمان ديميريل، وفئة الإخوان المسلمين الذين يعملون برئاسة نجم الدين أربكان.
كان أربكان يمتلك فلسفة اقتصادية تقوم على التصنيع فكان يقول ” لا يمكن التقدم من خلال السياحة والزراعة. من يقول ذلك غافلًا عن الحقيقة، أن ما يلزمنا هو ثورة صناعية لتطوير الصناعات الثقيلة. فإن لم نصنع نحن محركاتنا ولم نصنع مصانعنا فلن نتمكن من مقارعة الغرب”.
وفى فترة الثمانينيات وبداية التسعينات، تحرك الاقتصاد التركى نحو القوة في حكومة ( توروت أوزال 1983م – 1989م )، فقد كان أوزال رجل اقتصاد حر، فظل يروج لأفكاره الاقتصادية والسياسية قبل وصوله السلطة وقبل انقلاب 1980م وبعد تسلمه رئاسة الجمهورية 1989م، شرع أوزال في تطبيق برنامج إصلاحى شامل استطاع أن يحول تركيا من دولة قليلة النمو في الستينات والسبعينات إلى قوة إقليمية كبرى في التسعينيات عن سائر دول المنطقة، وبعدما كانت متخلفة أواخر السبعينيات عن سائر دول المنطقة، أصبحت تركيا أقوى دول المنطقة وتحولت من رجل مريض إلى دولة نموذج، بل كان طموح أوزال البعيد أن يكون القرن الواحد والعشرين قرن الأتراك، فعمل على تحرير الواردات وأطلق حرية تبادل العملات وربط سعر صرف الييرة التركية بشروط السوق على الرغم من أن ذلك أدى إلى سحث الليرة، إلا أن قيمة الصادرات قد تضاعفت، لكن الإرث الاقتصادى الثقيل الذى ورثه أوزال كان عقبة لا يمكن تجاوزها بسهولة.
وفى التشخيص الذى قدمة أردوغان للاقتصاد التركى في نهاية القرن الماضى وبالتحديد عام 1997م في ندوة الديموقراطية التي عقدتها بلدية أسطنبول جاء فيها: ” أننا نرى أن نظام الهيمنة الأحادى المفروض على حياتنا الاقتصادية يعمل من أجل تحقيق مصالحه هو، وأنه قد مهد الطريق للتدخلات المناهضة للديموقراطية السياسية ولهذا السبب ينبغي العمل على دعم التعددية الاقتصادية، حتى تكون السيادة للشعب وبذلك تكون في مسارها الصحيحمتى ظهرت القوة الاقتصادية في الأناضول، إننا سنفهم هذه النقطة جيدًا إذا ما وضعنا نصب أعيننا الجهود التي قامت بها تلك القوى حتى تحتكر وحدها السلطة الاقتصادية من أجل تعطيل الديموقراطية.
- التجربة النهضوية التركية في عهد حزب العدالة والتنمية.
لقد بنيت رؤية حزب العدالة والتنمية للنهضة التركية المعاصرة على تفعيل دور الإنسان التركى بكامل طاقته الكامنة، وتفجير كافة مكنوناته المبدعة، وتوفير كافة عوامل نهضته اللغوية والثقافية والقيمية والتاريخية، على أساس أن الحقوق الأساسية والحريات هي مكتسبات حازتها كافة شعوب العالم المتقدم، وأصبحت تعد مؤشرًا على تقدم تلك الدول والمجتمعات ولذا كان لابد من أن يأخذ الإنسان التركى دوره الكامل في بناء ذاته أولًا وبناء مجتمعه بحرية كاملة، بحيث تكون رسالة النهضة هى رسالة المواطن والمجتمع معًا، وهذا لا يتوفر حتى يشعر المواطن التركى بأنه حاضر بالقوة والفعل في ميادين النهض، وبأنه محل عناية واحترام وتقدير من مجتمعه، وأن مجتمعه ينظر له بعين الجدارة والرضا والتقدير.
لقد كانت قناعات حزب العدالة والتنمية الذى قاد النهضة التركية في العقد الأخير بأن الشعب التركى يتمتع برجاحة فى العقل وقدرة على اختيار الأصوب.
هذه القيم وضعت في تفكير مؤسسى حزب العدالة والتنمية قبل تأسيس الحزب وبعد فوزه بالانتخابات البرلمانية وطبقها الحزب والحكومة التركية طوال العقد الماضى، وأكد عليها رئيس الحزب رجب طيب أردوغان في المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية في عام 2012م، فقال فيه: نحن نسير على خطى أجدادنا الفاتحين من أمثال السلطان ألي أرسلان والسلطان محمد الفاتح وعلى خطى قادتنا العظماء أمثال مصطفى كمال أتاتورك وعندنان مندريس وتورغت أوزال ونجم الدين أربكان.
- الإمكانات الاقتصادية.
تختلف النظرة إلى الإمكانيات الاقتصادية في أي دولة بناء على النظرة الأيديولوجية، أو وجهة النظر الفكرية أو السياسية وهذا ما ينطبق أيضًا على تركيا، فإن النظرة إلى تحديد افمكانيات، تأثرت بالنظرة السياسية والأيديولوجية التي تبنتها الأنظمة السياسية المتعاقبة. فاعتمدت الجمهورية في مرحلتلها الأولى، على الصناعة المتوسطة والحرفية وقليلًا من الصناعات الثقيلة، وجاءت المرحلة الاقتصادية الأخيرة لتنفتح على كل الإمكانيات الاقتصادية المتوفرة في البلاد، وتمثلت الإمكانيات في وجهة نظر حزب العدالة والتنمية في:
1- موارد طبيعية غنية تحت الأرض وفوقها.
2- كتلة سكانية شابة ومفعمة بالحيوية.
3- زخم من التراث التاريخى والثقافى.
4- ثقافة ثرية وعريقة في بناء الدولة.
5- طاقات كامنة للمبادرة ذات المقدرة العالية على المنافسة الدولية وقدرات ضخمة على الاستثمار تؤهلها للمنافسة الدولية.
6- موقع جيواستراتيجى يؤهلها للاضطلاع بدور مؤثر في المنطقة.
7- مركز جذب سياسى بمناظرها الخلابة وبنسيجها التاريخى إذ بلغ حجم السياحة ما يزيد عن 31 مليون سائح في عام 2011م، وقد بلغت تركيا مستوى الدرجة الثانية في نمو جذب السياحة بعد الصين.
8- قدرة على تحقيق النجاح في أصعب الظروف كما هو ثابت في التاريخ التركى القريب والبعيد.
- الرؤية الاقتصادية التي نهضت بتركيا.
تقوم الرؤية الاقتصادية التي اعتمدتها تركيا في نهضتها على تفعيل كافة العلاقات الاقتصادية داخل الدولة، بحيث يتم تفعيل كافة العلاقات الاقتصادية داخل الدولة، بحيث يتم تفعيل كل الإمكانيات على أكمل قدرة، وأفضل إنتاج، وأوسع تسويق، وأكبر ربح مالى ونجاح معنوى. وقد توجهت الرؤية بالأساس إلى تصويب علاقة الفاعلية والإنتاج، ومعيارها وفرة العائد المالى، وتحقيق السمعة المعنوية الحسنة للدولة وشعبها وشركاتها، وعدالة معدلات الاستثمار والضريبة والتسهيلات والقدرة الشرائية، وتخفيض نسبة البطالة والتضخم ومعالجة قضية الفقر والحد منها لأقل مستوى ممكن، وتوفير بيئة محفزة على العمل والإنتاج لرجال الأعمال والعمال على حد سواء.
لقد استهدفت هذه الرؤية تحقيق التوازن الاقتصادى للدولة ومواطنيها، وبناء ذلك على قواعد واضحة ومريحة وربحية معًا.
وقد نجحت حكومات العدالة والتنمية منذ فوزها عام 2002م بالسير على هذا النهج. وباستقرار عناصر هذه الرؤية يمكن أن نختصرها في النقاط الآتية:
1- إتاحة الإمكانيات اللازمة لتطوير كافة أنواع ومعاملات الوساطة المالية المناسبة للاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وزيادة معدل الادخار، والاستفاد منه في الاقتصاد، والاهتمام بتنوع القطاع من حيث المؤسسات والوسائل المالية، مع الاهتمام بزيادة عمق السوق.
2- دعم التنسيق بين الهيئات التي تقوم بتوزيع القطاع، والإشراف عليه، وضمان قيام هذه الهيئات بإشراف فعلى مؤثر.
3- اتخاذ التدابير اللازمة لزيادة القوة التنافسية الدولية للقطاع.
4- تشجيع نظام التأمين الخاص، لحماية الإمكانيات والموارد التي تمتلكها الوحدات الاقتصادية في تركيا، لتوفير الموارد المالية التي يحتاجها الاقتصاد، بالإضافة إلى تطوير زنشر ثقافة التامين في مجال إنتاج السلع والخدمات والنشطة المهنية/ من اجل رفع مستوى جودة الإنتاج والخدمات وتطوير حقوق المسئولية في تركيا.
5- تعديل نظام تأمين ودائع الادخار بما يتلائم مع معايير الاتحاد الوربى.
6- التزام الشفافية والواقعية فيما يتعلق بالبيانات المالية التي تقدمها المؤسسات المالية، وتوسيع دائرة عرضها على الرأي العام.
7- تأميين تقييم المؤسسات المالية من قبل وكلات التصنيف الائتمانى.
وحيث أن الأسواق تلعب دورًا فعالًا في توسيع قاعدة رأس المال وتمويل الاستثمارت بتكلفة مناسبة، كما أن لها مكانة بارزة في تحقيق هدف النمو الاقتصادى المستمر، والقابل للاستدامة وفى زيادة القوة التنافسية الدولية، فإن حزب العدالة والتنمية عمل تحقيق الهداف التالية:
1- تشجيع المؤسسات الاستثمارية على دخول السوق بهدف تعميق وتفعيل أسواق المال.
2- تطوير هياكل أسواق المال وأساليب عملها.
3- الارتقاء ببورصة أسطنبول للأوراق المالية إلى مصاف البورصات العالمية.
4- تشجيع وتطوير أشكال التمويل مثل الشراكة الاستثمارية والعقارية وشركات رأس المال الاستثمارى.
5- تطبيق العقوبات اللازمة التي من شأنها منع كل أنواع المعاملات القائمة على معلومات مسربة من الداخل في أسواق الأوراق المالية.
6- حماية حقوق صغار المساهمين في أسواق الأوراق المالية.
7- دعم أسواق البيع الآجل من أجل زيادة القدرة على التبوء والحد من تأثير التذبذبات في أسواق المال على الاقتصاد.
وقد أنجزت حكومة العدالة والتنمية في مدتها ما يلى:
1- تضاعف كبير في احتياطي البنك المركزى: كان احتياطي البنك المركزى التركى من العملات الصعبة في حدود 26.8 مليار دولار ومع حلول عام 2011م بلغ الاحتياطي 82.6 مليار دولار أي أن الفرق في هذا المجال 4 اضعاف، وما زال الاحتياطي النقدى التركى في تزايد مستمر.
2- عجلات الاقتصاد لم تتوقف أبدًا ففي الفترة بين (1993 – 2002) كان معدل النمو الاقتصادى التركى هو 3.1% ، أما في الفترة من (2003 – 2010) فقد حققت الحكومة التركية متمثلة في حزب العدالة والتنمية نموًا اقتصاديًا بمعدل 4.9%.
3- الاستقرار الاقتصادى وخلال هذه الفترة كسب الاقتصاد استقرارًا كبيرًا مع حملات التنمية التي زادت من رفاه الجماهير في تركيا وضمنت مستقبلًا زاهرًا لهم.
4- في عهد حكومة العدالة والتنمية علت الابتسامة حقوق المتقاعدين فقد كان أدنى مرتب تقاعدى لصنف الضمان الاجتماعى في عام 2002م يبلغ 376 ليرة تركية، فأصبح 872 ليرة مع حلول عام 2011م، ورفعت الحكومة راتب المتقاعد من صنف أرباب العمل إلى 554 ليرة، بينما كان لا يعدو 148 ليرة سابقًا، وارتفع مرتب المتقاعد من صنف الموظف الحكومى من 275 ألى 632 ليرة.
5- تخفيض الفوائد المصرفية إذ كان معدل ال 44% للفوائد المصرفية لليوم الواحد المحدد من قبل البنك المركزى في عام 2002م فخفضتها الحكومة حتى عام 2010م إلى 1.5%، كما تم تعديل معدل الفائدة المصرفية للقروض الرسمية 62.7% فى 2002م فخفضت الحكومة هذا المعدل إلى 7.1% في عام 2002م سدادًا لفوائد القروض التي استدانتها الدولة، وأصبحت بحلول عام 2011م تدفع 20 ليرة فقط لسداد الديون فأصبح المواطن هو الرابح من هذا التطور.
6- أضخم عملية خصخصة وحصلت الدولة على 8 مليار دولار من خصخصة المنشئات العامة غير المجدية اقتصاديًا والتي قامت بها في الأعوام بين (1986 –20029، فيما حققت حكومات العدالة والتنمية من 2003م عمليات خصخصة أضافت إلى الخزانة العامة 34 مليار دولار حتى عام 2011م.
7- تقليص كبير في الديون العامة فقد كان حجم الديون العامة في عام 2002م يمثل نسبة 61.4% من الدخل القومى غير الصافى، فتراجعت هذه النسبة إلى 28.7% خلال عهد إدارة حزب العدالة والتنمية وقد حدث هذا لأول مرة في تاريخ الخزانة التركية.
8- المصارف الحكومية تتحول من الخسارة إلى الربح فقد تمكنت حكومة العدالة والتنمية بفضل إجراءات حازمة انتشال المصارف الحكومية من مستنقع الخسائر المتواصلة إلى الربح وبذلك تخففت الحكومة العبء الذى كان على أكتاف الدولة.
9- مواجهة الأزمات المالية إذ نجحت حكومة العدالة والتنميةفى مواجهة أزمة 2001م إذ بلغت خسائر المصرف الزراعى وحده 12.1مليار ليرة، أما خلال السنين السبعة الأخيرة فقد ساهمت السنين السبع الأخيرة فقد ساهمت خزانة الدولة ب 18.3 مليار ليرة، كما أعلنت الحكومة تحقيق ربحًا إجماليًا في عام 2010م بلغ 3 مليار و 713 مليون ليرة تركية.
10- خطوات لإراحة رجال الأعمال، لأجل إتاحة المجال وفسح فرص الشغل لأوسع تشغيل عدد من العمال، ولتشجيع رجال الأعمال على ذلك قامت حكومة العدالة والتنمية بإجراء تخفيضات بنسبة 25% على مستحقات الضمان، وكان رجال الأعمال لا يستطيعون الحصول على مستحقاتهم من الدولة جراء ديون الضمان الاجتماعى فقامت حكومة العدالة والتنمية بدفع المستحقات ليستمر في عمله ودفع ديون الضمان.
11- تشغيل لبمعاقين بعمر الشباب حيث تقوم حكومة العدالة والتنمية بدفع مستحقات الضمان الاجتماعى عن المعاقين بين السن 18 – 29، العاملين في الشركات لمدة 5 سنوات وذلك لأجل تشجيع الشركات والمؤسسات على تشجيع المعاقين.
- أسس النهضة الاقتصادية التركية.
إن الأساس الأول في الاقتصاد أن تكون المعادلة الاقتصادية للواردات والمصروفات صحيحية وناجحة، وتؤمن وفرة مالية للمواطن وللدولة والخزينة العامة، ولا تلحق الضرر ولا تضطرها إلى الديون الداخلية ولا الخارجية. وبهذه المعادلة تصبح الدولة قوية في ذاتها وقوية في اقتصادها وقوية في معاملاتها الاقتصادية مع السوق العالمى.
والأساس الثانى توفير مناخ سليم للإنتاج والاستثمار؛ لأن القدرات الإنتاجية القادرة على المنافسة الدولية لها أهمية كبيرة في تحقيق الاستقرار الاقتصادى وتطبيق السياسات الاقتصادية الناجحة. فالنمو الاقتصادى لا يتحقق إلا بزيادة الإنتاج، لذلك فإن زيادة الإنتاج والتوظيف والتصدير تمثل أسس السياسات الاقتصادية الناجحة ولذا تقوم الدول بتوفير البنية التحتية اللازمة من أجل الإنتاج والحث عليه.
وبشكل عام فقد كان مستثمروا القطاع الخاص في تركيا هم القوة المحركة للإنتاج، فكانوا يستثمرون في مناخ اقتصادى وسياسى مستقر، إذ كان المناخ الاستثمارى التركى يمتاز بمبادئ واضحة وثقة وشفافية في التعامل ووجود مؤيدات قوية تدعم العقود والقدرات على التنبؤ بالمؤشرات الاقتصادية العامة بما فيها التضخم وأسعار الصرف ونسبة الفائدة، كما يتيح القيام بالحسابات الاقتصادية.
لقد عمل حزب العدالة والتنمية على توفير هذا المناخ لأن مناخ الثقة يسرع من عملية دخول الأموال الأجنبية إلى البلاد، ويدفع قوة الاستثمار الموجودة فعلًا بها، ويؤدى ذلك في نهاية المطاف إلى زيادة الإنتاج.
وقد قام حزب العدالة والتنمية في العشر سنوات الماضية بالتالى:
1- البدء بتعبئة عامة حقيقية للإنتاج والاستثمار في تركيا.
2- دعم إنشاء المناطق الاقتصادية أو مراكز الجذب في مجال الزراعة والصناعة، مع الأخذ في الاعتبارات وفرة الموارد الخام والطاقة والقوة العاملة وإمكانيات النقل وقوة السوق.
3- الاهتمام بتقديم محفزات من شأنها أن تقلل من تكلفة الإنتاج وتزيد من الجودة والإنتاجية وفرص العمل.
4- دعم الخدمات الهندسية والمقاولات خارج البلاد، والتي توفر عملة صعبة للبلاد وبكميات كبيرة، كما توفر فرص عمل للمواطنين الأتراك، وسن تشريعات جديدة لا تعرقل العمل في الخارج وتوسع خدمات الائتمن وتطبيق التأمين ضد الخطار.
5- إعطاء الأولوية لتشجيع الصناعات الدفاعية الوطنية.
6- دعم أنشطة البحث والتطوير.
7- تشجيع الشركات التركية على الإنتاج طبقًا لمعايير الجودة العالمية.
8- نشر نظام البناء والتشغيل والنقل من أجل تحقيق الاستثمارات الضخمة التي تتطلب تكنولوجيا جديدة.
9- توسيع مجالات التعاون بين القطاع الصناعى والجامعات في نطاق ما يسمى التكنوبارك ( مراكز الأبحاث).
10- تخفيض تكاليف التوظيف من أجل زيادة قدرة القطاع الخاص على الإنتاج والمنافسة.
11- تشجيع استخدام أدوات الاقتصاد الجديد وتكنولوجيا المعلومات في القطاعين الخاص والعام.
12- تشجيع الحصول على براءات الاختراع الأصلية والتصميمات الصناعية التي تلعب دورًا مهمًا في زيادة القوة التنافسية للمنتجات.
13- إطلاق حملة كبيرة لزيادة الصادرات بإزالة كل العقبات المادية والبيروقراطية التي تعوقها.
14- اتخاذ كل التدابير اللازمة من أجل زيادة الصادرات البينية مع دول الجوار انطلاقًا من مبدأ ان أسرع وأسهل الصادرات هي التي يمكن أن تتم مع تلك الدول.
15- زيادة موارد بنك الصادرات والواردات وتشجيع استخدام إمكانيات القطاع المصرفي في زيادة الصادرات وزيادة الإنتاج الموجه للتصدير.
16- تكثيف أنشطة وجهود البعثات الدبلوماسية في الخارج الموجهة لزيادة الصادرات.
17- تحقيق تعاون وثيق مع المؤسسات المهنية العاملة في مجال التصدير بهدف تطوير وتطبيق سياسات التصدير.
18- تشجيع الشركات لنشر صور المنتج التركى خارج البلاد.
19- التشجيع على تصنيع المنتجات ذات القيمة المضافة العالية القابلة للتصدير والمنتجات التي تتطلب تكنولوجيا وتقنية عالية وكذلك تشجيع الإنتاج في مجالات الكهرباء والالمترونيات والأنظمة الدفاعية وأنظمة الفضاء وصناعة السيارات وبعض المجالات المشابهة.
20- الاعتماد على التجارة الإقليمية بصفتها وسيلة مساعدة مهمة للنمو الاقتصادى المستمر والقابل للاستدامة.
مما أدى إلى العديد من النتائج أهمها:
1- زيادة الصادرات الدفاعية إلى ما يفوق المليار دولار عام 2010.
2- تمديد السكك الحيدية إذ تم زيادتها إلى 80 كلم.
3- دعم كبير للأبحاث والتطوير فقامت الحكومة بزيادتها إلى حوالى 500 مليون دولار.
4- تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال التسليح بمقدار 24 مليار دولار.
5- أصبحت تركيا ثالث دولة في العالم تنتج طائرات بدون طيار بعد الولايات المتحدة وإسرائيل.والخامسة على العالم في إنتاج السفن.
6- تصنيع القمر الصناعى الدفاعى التركى، وصنعت أول قمر اصطناعى تركى الكترو- عدسى استخبارى.
7- لقد حقق القطاع الزراعى نجاحًا كبيرًا في العقد الأخير وذلك من خلال:
- تأمين التحول إلى منطق إدارة العمال في قطاع الزراعة.
- تأسيس بورصات للسلع في المناطق التي يكثر فيها الإنتاج الزراعى وتأمين القيام بمعاملات آجلة في هذه البورصة.
- تشجيع استخدام التكنولوجيا التي من شأنها زيادة الإنتاجية وتقليل التكاليف في المناطق الريفية.
- حماية المزارعين ضد الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية وذلك عن طريق تطوير التأمين الزراعى.
- دعم شركات التصدير من أجل عرض المنتجات الزراعية في الأسواق العالمية.
- المراجع.
1-on mustafa kemel’s revelution see bernaed lewis, the emergence of modern turkey, 2d ed(oxforduniversity press,1968),pp323-487.
2- binnas toprak,”civil society in turkey”, in augustus Richard Norton,ed, civil society in the middle east,vol.2(e.j.brill.1996),p.107. in this sence populism is a reflection of Islamic idea of umma, but it also shares some commonality with the organic ideas of society developed by the fascist ideologies of the time. It does, however, carry ademocratic connotation by alluding to the will of the people as the basic of the republican regime.
3- turhan feyzioglu, ” ataturk’s rational, scientific and realistic approach to the modernization of turkey,” in turhan feyzioglu, ed., ataturk’s way( Istanbul: otomar-san,1982), pp. 1- 74.
4- ayse kadioglu, “the paradox of Turkish nationalism and construction of official identity,” middle eastern studies. Vol.32 (april 1996), pp. 93- 177.
5- Christian rumpf, das turkische verfassungs system( Wiesbaden: harrassowitz ver- lag, 1996),p.10.
6- eric j.zucher, turkey: amodern history(new York: i.b.tauris.1994),pp.83- 173: and feroz ahmad, the making of modern turkey (routledge, 1993),pp.57- 59.
7- metin heper, the state tradition in turkey (Beverley: eothen press,1985)
8- هاينتس كرامر، تركيا المتغيرة تبحث عن ثوب جديد، ترجمة فاضل جتكر، مكتبة العبيكان، الرياض، 2001، ص ص 22-29.
– حنان عزو بهنان، موقع رئيس الجمهورية في صنع القرار في تركيا، مركز الدراسات الإقليمية، جامعة الموصل، ص 15.
2- تحدى الصلاحيات: خيارات أردوغان في معركة الرئاسة، مركز الجزيرة للدراسات، 3 أيار 2014، على الموقع: http://studies.aljazeera.net/ar/
3- https://en.wikipedia.org/wiki/National_Security_Council_(Turkey)
4- https://en.wikipedia.org/wiki/National_Intelligence_Organization_(Turkey)
5- Carol Migdalovitz, Turkey: Politics of Identity and Power, Congressional Research Service, R41368 2,2010,p21.
6- http://t24.com.tr/haber/mitin-personel-sayisi-ilk-kez-aciklandi,251793
9- http://www.turkpress.co/node/31944
10- http://elaph.com/Web/News/2017/1/1130197.html
2- يوسف إبراهيم الجهمانى، حزب الرفاه – أربكان (الإسلام السياسى الجديد) الرهان على السلطة، الطبعة الأولى، دار حوران للطباعة والنشر والتوزيع، سوريا، دمشق، 1997م، ص 30-59.
3- رضا هلال، السيف والهلال، الصراع بين المؤسسة العسكرية والإسلام السياسي، تركيا من أتاتورك إلى أربكان، الطبعة الأولى، دار الشروق، 1999م، ص 147.
4- المواد 13 ، 14 قبل تعديلها عام 2001، الدستور التركى
5- حسين بسلى وعمر أوزباى، رجب طيب أردوغان، قصة زعيم، ترجمة طارق عبدالجليل، الدار العربية للعلوم، بيروت 2011، ص 123.
المراجع:
1- منال الصالح، نجم الدين اربكان ودورة فى السياسة التركية,(1969-1997), بيروت, الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الأولى, 2012, ص 27.
2- سيار الجميل, العرب والأتراك، الانبعاث والتحديث من العثمنة إلى العلمنة, مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت، الطبعة الأولى, أكتوبر 1997, ص 184.
3- فيروز أحمد, الاقتصاد السياسى للكمالية, فى : نوبار هوفسبيان, محرر, تركيا بين الصفوة البيروقراطية والحكم العسكرى. ساهم فى إعداده وراجعه غانم بيبى وسلمى الرزاز, بيروت، مؤسسة الأبحاث العربية, 1985, ص ص 105- 128.
4- محمد زاهد جول, التجربة النهضوية التركية, كيف قاد حزب العدالة والتنمية تركيا إلى التقدم؟, مركز نماء للبحوث والدراسات, الطبعة الأولى, بيروت, 2013, ص 64.
5- يوسف الشريف, نجم الدين أربكان مسيرة ناجحة محتواها محطات فشل, مجلة المعرفة، السعودية، العدد 90 , ص 73.
6- محمد نورالدين، تركيا فى الزمن المتحول” قلق الهوية وصراع الحضارات”, لندن وبيروت, رياض الريس للكتب والنشر, الطبعة الأولى, يناير 1997, ص 44.
7- حسين أوزباى بسيلى, رجب طيب أردوغان “قصة زعيم”, بيروت، الدار العربية للعلوم, الطبعة الأولى، 2011، ص 230.
8- إيمان دنى، الدور الإقليمى لتركيا فى منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة, الأسكندرية، مكتبة الوفاء القانونية، الطبعة الأولى, 2014، ص75.
- تحريرا في 6-9-2-2017