دور الإعلام التنموي في تحقيق التنمية المستدامة : دراسة جانب التنمية السياسية
اعداد الباحثة : ضحى هلال – المركز الديمقراطي العربي
اصبحت الأداة الإعلامية هي الوسيلة الاكثر تأثيرا وانتشاراً خلال القرن الحالي، وقد فتح النمو السريع في وسائل الاتصال والتوسع الكبير في استخدامه آفاقا جديدة وزاد من حرية الوصول الى المعرفة و خلق بيئة اجتماعية وثقافية جديدة.
وفي الوقت نفسه انعكس هذا النمو على الصحف والإذاعة والتلفزيون والسينما وتفرعت عنها وسائل الاتصال الصغيرة أو المحلية التي اندمجت مع قنوات الاتصال الشخصي التقليدية وأصبحت معاً أداة لمساعدة وسائل الاتصال الجماهيرية في مجال المستحدثات الجديدة والتطوير.
ويعد الإعلام التنموي الجهاز العصبي لعملية التنمية، وهدف الإعلام التنموي الأساسي هو تعظيم مشاركة المجتمع في كافة عمليات التنمية وتحويله إلى مجتمع مساند للعملية التنموية، وتحويل أفراد هذا المجتمع إلى وكلاء التنمية والتغيير، وذلك باستخدام أدوات المعرفة والوعي.لذا تستعرض هذه الورقة بشكل رئيس دور “الإعلام التنموي” في تحقيق التنمية المستدامة.
تعريف الإعلام التنموي:
يرجع ظهور مفهوم “الإعلام التنموي” لأول مرة على يد الباحث “ولبر شرام” الذي ألف كتاباً عن وسائل الإعلام والتنمية عام 1974، وقد تعددت التعريفات التي تناولت هذا المفهوم، ويمكن ذكر بعضهم على النحو التالي:
- المنظومة الإعلامية الرئيسية أو الفرعية المتخصصة في معالجة قضايا التنمية
- الاعلام التنموي فرع أساسي ومهم من فروع النشاط الإعلامي يعمل على إحداث التحول الاجتماعي بهدف التطوير والتحديث، أو بمعنى آخر هو العملية التي يمكن من خلالها توجيه أجهزة الإعلام ووسائل الاتصال الجماهيري داخل المجتمع بما يتفق مع أهداف الحركة التنموية ومصلحة المجتمع العليا
- الجهود الاتصالية المخطط لها والمقصودة التي تهدف إلى خلق مواقف واتجاهات ايجابيه وصديقه للتنمية، وبذلك فأن الأعلام التنموي غير معني بصناعة التنمية ولكنه يهيئ الظروف الاجتماعية والثقافية والنفسية للأفراد والجماعات من اجل أن يستجيبوا للخطط والبرامج التنموية بشكل فعال
- أحد الفروع الأساسية للنشاط الإعلامي الذي يهتم بقضايا التنمية. فهو إعلام هادف وشامل، ويفترض أن يكون إعلامًا واقعيًا. يهدف إلى تحقيق غايات اجتماعية تنموية. وهو مرتبط بالنواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، ويستند إلى الصدق والوضوح والصراحة في التعامل مع الجمهور.
مجمل القول، أن الإعلام التنموي هو احد فروع الاعلام المتخصص ويهدف إلى الإسراع في تحول مجتمع ما من حالة الفقر إلى حالة ديناميكية من النمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وذلك عن طريق وسائل الاتصال المختلفة عن طريق التخطيط والتنسيق الجيد، وكذلك عمليات التثقيف والتعليم واكتساب المهارات والرغبة في التحديث وايجاد الاستراتيجيات والموارد المتاحة من أجل تحقيق التنمية عبر الرسائل الإعلامية التي تدعو إلي ذلك.
والشرط الأساسي لتحقيق كل ذلك هو أن يكون لدينا إعلام واع ومطلع علي مختلف أفرع المعرفة, إعلام يعترف بأن المعرفة ليس لها حدود بشرط أن تتماشي مع التقاليد والدين. وهنا تظهر أهمية ايجاد مدخل إيجابي يعمل علي تفعيل دور الإعلام التنموي في عملية تحديث المجتمع العربي.
نظريات الإعلام التنموي:
تستند نظريات الاعلام التنموي على الاسس العلمية لنظريات الاعلام بالتزاوج مع نظريات التنمية المتنوعة، وهذا التزاوج في الأساس خلق العديد من نظريات الاعلام التنموي، من اهمها:
- نظرية ولبر شرام:
تناقش النظرية تركيز وسائل الإعلام والاتصال، وبالتالي الخدمات الإعلامية التي تقدمها في المدن الكبرى ويوجد نقص شديد في المدن الهامشية أو الأرياف والقرى، وحسب شرام فهذا الأمر موجود في المدن الكبرى والهامشية في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
ويدعو شرام إلى إجراء أبحاث إعلامية في الدول النامية من أجل زيادة المعلومات والدراسات المختلفة عنها ولمعرفة الإمكانيات الإعلامية المتوافرة فيها وهي تهدف إلى:
- توضيح الرؤيا في كل ما يتصل بعملية الاتصال وفعاليتها.
- لا تستطيع البلدان النامية إنفاق أموال على حملات غير ناضجة بسبب عدم وجود معلومات وأبحاث.
- جمهور وسائل الإعلام في الدول النامية متنوع الفئات والأحوال ويصعب التنبؤ بردود أفعاله.
- وسائل الإعلام الحديثة تحتاج إلى البقاء وعلى صلة بجماهيرها والجماهير في الدول النامية تتحول بسرعة.
وقد ربطت نظرية ولبر شرام بشكل معاصر بين الاعلام والعلاقات العامة وبين التنمية بهدف تعبئة الجماهيرية على تنفيذ الأساليب الجديدة من خلال الربط الثقافي الاجتماعي الشامل للعلاقات والمعتقدات والقيم مع عملية التغير المهارات وضرورة سيرها جنبا الى جنب مع التنمية.
حيث دمج بين الابعاد الاعلامية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، واعتبر الاعلام كوظيفة متجددة واساسية ملازمة للنمو الاقتصادي في مرتكزاته وآفاقه الشاملة، اذ لايمكن عزل الاعلام وانشطة وسائل الاتصال العامة عن حركة المجتمع وتطوره.
وهذا لا يمكن ان يتحق الا من خلال الاعلام وادواته المتجسدة في وسائل الاتصال التي تلعب دورا حيويا في تذليل العقبات التي تواجه التنمية، وتوسيع آفاق الفهم والتعاون وايجاد المرتكزات المعنوية وارادة التغيير واللحاق بركب المعاصرة والتقدم. والتأكيد على مسألة النقاش والحوارات الخاصة بالتنمية من قبل اوسع القطاعات الشعبية في اتجاه المشاركة الوطنية بعملية التنمية وبرامجها وخططها. أي من خلال انشاء قواعد سلوكية وذوقية رفيعة في اذهان الناس تحث نحو تفعيل التنمية، وتقف بالمرصاد ضد الانحرافات والتباطؤ.
- نظرية دانيل ليرنر:
ينطلق دانيل ليرنر في نظريته حول العلاقة بين التحضر ووسائل الإعلام من مقدرة الإنسان على التقمص الوجداني، هذه المقدرة التي يعتبرها إحدى الخصائص الأساسية اللازمة للانتقال من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث.
والتقمص الوجداني حسب ليرند هو: القدرة على تخيل حياة أفضل وهذه القدرة تمثل خبرة أساسية ينبغي توافرها في الإنسان الحديث الذي يعيش الحياة الحديثة. يؤكد ليرند على العلاقة بين التمدن ومعرفة القراءة والكتابة من جهة، وبين معرفة القراءة والكتابة والتعرض لوسائل الإعلام من جهة أخرى، ويعتبر أن التمدن هو الخطوة الأولى في هذا الاتجاه.
نظرية ليرند في الأصل تكونت اثر النتائج عن خلاصة أبحاث تحليلية أجريت في 73 دولة ومنطقة في الشرق الأوسط، وتتمثل خلاصة هذه الأبحاث كما يلي:
- أن الناس الأكثر اتصالا بالعالم الخارجي هم أكثر استعدادا لقبول التغيرات الاجتماعية.
- الاتصالات ومعرفة تجارب الآخرين تساعد على تسهيل التغيرات الاجتماعية.
- يوجد توافق بين انتشار التعليم وتطور وسائل الإعلام والاتصال والنمو الاقتصادي والحضري.
- كلما زاد معدل الدخل القومي للفرد ونمت المدن وزاد التصنيع زادت معه مطالعة الصحف وكثرت وتنوعت وسائل الإعلام. يعتبر ليرند أن التمدن يزيد الحاجة للإعلام وهو قاعدة الانطلاق لتطوير وسائل الإعلام، ويعترف أن وسائل الإعلام ودورها واستخداماتها بشكل عام فاق درجة التمدن نفسها.
خصائص الإعلام التنموي:
- إعلام هادف: حيث أنه يسعى الى تحقيق أهداف المجتمع الأساسية ومصالحه الجوهرية، فهو يقوم بتهيئة الاجواء المناسبة لغرض انجاح الخطط التنموية كما ويهدف بالدرجة الأساس إلى تعزيز قدرات الجمهور من أجل المشاركة الإيجابية في عملية التنمية والقضايا التي تهم المجتمع الذي يعيشون فيه.
- مبرمج ومخطط: يرتبط بخطط التنميه ومصالح المجتمع.
- شامل ومتكامل: فهو إعلام شامل يرتبط بنواحٍ اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية تربوية، ويسعى إلى اقناع الرأي العام بضرورة التغيير الإجتماعي لتحقيق أهداف التنمية.
- إعلام متعدد الأبعاد: حيث تتعدد ابعاده لتشمل الابعاد الصحيه والإقتصاديه والإجتماعيه والسياسية.
- إعلام واقعي: فهو إعلاماً واقعياً في أسلوب معالجته لمسائل المجتمع وطرحها ويعبر عن هموم الناس وتطلعاتها وقابلاً لمسايرة القضايا المستجدة، يستند إلى الوضوح في التعامل مع الجمهور والثقة المتبادلة.
- حديث ومتطور ومتفتح:حيث يستخدم أساليب مشوقه حديثه، ويستفيد من خبرات وتجارب الدول والمجتمعات الأخرى.
أنواع الإعلام التنموي:
هناك نوعين من الاعلام التنموي وهما:
- الإعلام الجماهيري: والذي يشمل وسائل صحافة مطبوعة، صحافة الالكترونية، تلفزيون، إذاعة.
- الإعلام المباشر: أي الاعلام الصادر من منظمات المجتمع المحلي والذي يشمل لقاءات مفتوحة مع أفراد المجتمع المحلي (المستهدف) وإصدارات مطبوعة أو مسجلة.
عوامل ظهور الإعلام التنموي:
أسهمت عوامل عديدة بشكل كبير في ظهور الأعلام التنموي ومن اهمها:
الفجوة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية: التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، حيث خلفت انعكاسات اقتصاديه ونفسيه وثقافيه على سكان أوروبا وقد التفت علماء الإتصال إلى مفهوم المسؤولية الاجتماعية والتي تعني مسؤولية الإعلام لترميم الدمار الذي خلفته الحروب.
استقلال العديد من الدول وخاصة في جنوب العالم: وهذه المجتمعات الجديدة كانت تعاني من فجوه اقتصاديه واجتماعية سياسية هائلة بالمقارنة مع دول الشمال ولهذا ظهر هناك ضرورة لقيام الأعلام بدور لتقليص هذه الفجوة.
ظهور نظرية التحديث الغربية Modernization :وهذه النظرية هي التي وقفت في وجه نموذج النمو الاشتراكي. في سياق الحرب الباردة بإبعادها الإيديولوجية والإعلامية والصراع أيضا بين النماذج التنموية التي كان يقترحها كل من المعسكرين ويدافع عن خياراته.
التراكم العلمي: في بحوث الإعلام والاتصال وظهور مراكز البحوث المتخصصة التي تدرس الإعلام والتجارب العلمية حيث اظهر التراكم العلمي إمكانيات واسعة يتمتع بها الإعلام في الإسهام نحو التغيير الاجتماعي والثقافي والاقتصادي الايجابي الذي ينعكس على نوعية حياة الإفراد والجماعات المعوقات الإعلامية للتنمية في المجتمعات المحلية.
ظهور تكنولوجيا المعلومات: التي تعد عنصرا أساسيا في الإعلام و صارت من صور التسريع التنموي بفائدة الإعلام الذي تسارع تأثيره بتسارع الابتكارات التكنولوجية والتطور السريع وتعقد المجتمعات المدنية البسيطة وظهور المدن الكبيرة وتشابك مصالح المجتمعات فضلاً عن المصالح الفردية، أدي ذلك إلى تغير نمط الاتصال بين أفراد المجتمع.
متطلبات نجاح الإعلام التنموي:
- توفير وسائل إعلام وإتصال متطورة ومختلفة، ومن خلالها يمكن تعريف الناس بحقيقة مشاكلهم ونقل أفكارهم لتحقيق التطوير المنشود.
- توزيع وسائل الإعلام المتعلقة بالتنمية بشكل جغرافي يتناسب مع مساحة البلد بحيث تشمل كل المناطق والنواحي والقرى ذات الكثافة السكانية العالية.
- الاعتماد علي خريجي كليات الإعلام والصحافة ووتوفير الكادر الإعلامي اللازم لإعداد البرامج الإعلامية.
- التنسيق ما بين توجهات الدولة التنموية ومؤسسات الإعلام، كوضع الخطط والبرامج المشتركة لتحقيق الأهداف المطلوبة.
- فسح المجال واسعا أمام مشاركة الجماهير وبشكل مباشر في طرح قضاياهم ومساءلة المسيئين عبر حوارات جادة وعقلانية وشفافة وديمقراطية.
- إبراز فلسفة التنمية وتوجهاتها، واستخدام أدوات البحث العلمي لزيادة المقدرات الإعلامية على التحليل والاستقراء، والمهنية والمصداقية واحترام الحرية الصحافية والاستقلالية في تحديد مشكلات وقضايا وتحديات التنمية، والاستفادة من العلم والتكنولوجيا الإعلامية والثورة التقنية، لبناء قاعدة معلومات وتحليلات يستفاد منها في وضع استراتيجيات وتحليل السياسات.
مستوياتالعمل في الإعلام التنموي:
- المستوى الرسمي: وذلك يكون بعرض الواقع الاقتصادي والتنموي، بإيجابياته وسلبياته، وطرح الحلول العلمية للمشكلات التنموية، وعرض معوقاتها وأهدافها.
- المستوى الشعبي: ويكون بخلق وعي جماهيري بالسياسات التنموية، والتوعية بأساليب النهوض باقتصاد الفرد والأسرة والجماعة، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال شرح السياسات التنموية بصورة مبسطة يفهمها المواطن العادي والمتخصص، وتوضيح مفاهيم الإنتاج الوطني وقيمته بالنسبة لتدعيم الإنتاج الاقتصادي، وترشيد الاستهلاك لدى المواطنين بكافة طبقاتهم، وتنمية الوعي والاستثمار لديهم.
تعريف التنمية المستدامة:
هي عملية مخطط لها ومقصودة لإحداث تغيير ايجابي في نوعية الحياة للأفراد والمجتمعات من خلال توفير خيارات وفرص أوسع تنعكس على نوعية الحياة واستدامة الموارد للأجيال القادمة والمحافظة على الموارد واستدامتها.وهو من المفاهيم التنموية المعاصرة الذي تبنته الأمم المتحدة ووكالاتها التنموية وأخذ ينتشر في العالم منذ عقدين.
- الاستدامة:تعني ضمان حق الأجيال القادمة من الموارد المتوفرة، وليست لجيل واحد ؛ بما يضمن التوازن والاستمرارية والحفاظ على الموارد من النفاذ والاستهلاك الجائر ، عبر مجموعة من المعايير. لذا، يجب إدراك أن الموارد الطبيعية ليست ملك لجيل واحد فقط وليست جهد هذا الجيل لربما ورثها، لذلك يجب أن يحافظ عليها للأجيال القادمة.
- التنمية المتوازنة: من المفاهيم الحديثة للتنمية ويقصد بها العمليةالمخطط لها والمقصودة والتي تهدف إلى نقل المجتمع التقليدي إلى الحداثة من خلال إحداث تغيير متوازن في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية بكفاءة وعدالة. ويجب أن يتم التوازن بين المرتكزات الأربعة للتنمية على اعتبار أن التنمية لن تتحقق إذا تم إهمال احد مرتكزاتها.
مما سبق يمكن استنتاج أنه لكي تتحقق التنمية بكفاءة وفاعلية في شتى الجوانب يجب أن تجتمع الاستدامة والتوازن في آن واحد، وسوف تركز هذه الورقة على التنمية السياسية وما يتعلق بها من جوانب وما نتج عنها من تأثير في واقع العلوم الاجتماعية.
التنمية السياسية Political Development:
شاب هذا المفهوم نوع من الغموض والالتباس لتداخله الواسع مع العلوم الاجتماعية الأخرى، إلى جانب العلوم السياسية ومباحث النظم السياسية المقارنة. فهو يتداخل مع علم اجتماع المعرفة وعلم الاجتماع السياسي والأنثربولوجيا السياسية وغيرها.
ويلاحظ أن البيئة التي ظهر بها هذا المفهوم ترتبط بنتائج مرحلـة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وما أفضت إليه من واقع جديد في العلوم الاجتماعية، حيث توجهت أنظار الباحثين في العلوم السياسية والعلوم الاجتماعية إلى دول الجنوب والتي كانت ساحة للصراع بين الأفكار والأيديولوجيات.
الاسهامات العلمية في التنمية السياسية:
- روبرت باكنهام:
قدم تصنيفاً يتضمن خمسة مداخل للتنمية السياسية ركزت على الجانب القانوني الذي يركز على أن التنمية السياسية تعرف بترسيخ الحياة الدستورية وتدعيم دولة القانون وفصل السلطات، والاقتراب الاقتصادي الذي يرى التنمية السياسية دالة على مستوى التنمية الاقتصادية لسد الحاجات الأساسية للأفراد، والاقتراب الإداري أي القدرة الإدارية على حفظ القانون وأداء وظائف المخرجات بطريقة رشيدة، بينما يرى الاقتراب الاجتماعي التنمية السياسية أداة لتسهيل المشاركة الشعبيـة في العمليات السياسية.
- لجنة الدراسات السياسية المقارنة في جامعة “بريستون”:
حددت التنميـة السياسيـة في ثلاثة أبعاد: أولها خلق روح المساواة والاتجاهات المدعمة لمبدأ المساواة التي تؤدي إلى المزيد من المشاركة في صنع القرار السياسي والى المزيد من الديمقراطية، والبعد الثاني يتلخص في الاقتدار السياسي الذي يعني خلق النظام السياسي القادر على أن يخرج بقرارات سياسية فاعلة في المجتمع والاقتصاد، أما البعد الأخير يبرز في تباين النظم السياسية بمعنى أن يكون للنظم السياسية وظائف واضحة ومحددة.
- صمويل هنتجتون:
ولاحظت المسوحات التي تقصت تعريفات التنمية السياسية خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضـي أنها تعكس خصائص النظام السياسي في المجتمعات الغربية الديمقراطية التي تحققت فيها التنمية السياسية في ظروف مختلفة عن ظروف العالم النامي. فيما شهد عقد السبعينيات مراجعات واسعة لمفهوم التنمية السياسية بعد ان عكست التطورات في الدول النامية عجز المفاهيم السابقة عن تفسير الوقائع، وقد عبر هنتجتون عن هذه التحولات واعتبرالتنمية السياسية هي:
- بناء مؤسسات سياسية من جهـة، والمشاركة السياسية من جهة أخرى، واصفا ثلاثة أبعاد للتنمية السياسية.
- ترشيد السلطة، أي تحقيق سيادة القانون.
- تباين الوظائف السياسية ويقصد بها عدم احتكار السلطة، والفصل بين السلطـات والمشاركـة السياسيـة.
وفي الخلاصة فإن الآراء التي تناولت مفهوم التنمية السياسية تشترك في أنها تشير إلى عمليات النمو التاريخي والتحول في بنيـة الدولـة والنظام السياسي نحو التعددية السياسية والمشاركة وترسيخ مفاهيم السيادة والولاء للدولة القومية، مما يعني ازدياد التخصص في الأبنية السياسية وترسيخ الإطار المؤسسي للحكـم وتزايـد علمانيـة الثقافـة السياسية وصولاً إلـى الديمقراطيـة السياسيـة.
دور الإعلام التنموي في تدعيم التنمية السياسية:
تساهم وسائل الإعلام بمختلف أنواعها:المسموعة والمرئية والمقروءة والإلكترونية وغير الإلكترونية، في تنمية القيم الديموقراطية من خلال تشجيع المشاركة والتعبير عن الرأي والرأي الآخر وتشكيل الرأي العام.
كذلك نشر الوعي بأهمية وجود الأحزاب السياسية في مجتمع من المجتمعات يعبر عن تجاوز هذا المجتمع للمراحل البدائية من تطوره السياسي، حيث اصبح هناك اتجاهاً فكرياً يربط بين وجود الأحزاب والنظام الديموقراطي بل أن البعض يعرف الديموقراطية بأنها حكومة تعدد الأحزاب، ويعتبر غياب التعدد الحزبي دليلا على عدم ديموقراطية النظام السياسي.
ويبرز دور وسائل الاعلام في العالم الثالث في تنمية الوعي السياسي لدي شعوب هذه الدول باعتبار أن نضج الوعي السياسي هو المدخل الصحيح لتحقيق ارادة الانسان وتحديدها ويعتبر من الدعائم الرئيسية التي ترتكز عليها عملية التنمية في اي مجتمع.
وتتحدد طبيعة هذا الوعي واهميته وفقا للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المجتمع و تؤكد نتائج الدراسة أن تنمية الوعي السياسي في العالم الثالث ترتبط ارتباطا جوهريا بثلاث قضايا اساسية: اهمها ممارسة الديمقراطية, وتنشئة سياسية سليمة, ودعم المشاركة السياسية الفعالة، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال جهاز اعلامي قوي قادر علي تنميتها وتعتبر الصحافة ذات اهمية في تنمية الوعي السياسي وتلعب دورا كبيرا لدي الجماهير شريط ان تتم ممارسة هذا الدور في جو يسوده الحرية في عمليات الاصدار والتحرير كما تمثل الاذاعة المسموعة والمرئية مركزا هاما بين وسائل الاتصال الجماهيري حيث تربط سكان العالم الثالث بالعالم الخارجي.
وفي ظل الظروف التي يعيشها مجتمعنا من تطورات وتحولات سياسية واجتماعية واسعة المجالات، حيث يمكن القول إن الإعلام – بوسائله المختلفة (المرئية والمسموعة والمقروءة )- يجب أن يلعب دورًا بارزًا في تعزيز الوعي السياسي، وفي تدعيم قيم المشاركة السياسية لدى الأفراد، من خلال المعلومات والأفكار والتوجهات السياسية المنقولة لهم عبر مختلف البرامج المعروضة، وهذا بلا شك يحدث تنمية سياسية شاملة تساعد في تشكيل قاعدة من العلم والمعرفة، تعمل على تغيير سلوك الأفراد الواعين للسير على النهج الصحيح، ورادعًا لهم في الوقت نفسه للابتعاد عن الصيغ والأساليب التي لا تتفق مع مصالح المجتمع وأهدافه.
مجمل القول أن التنمية السياسية يمكن تلخيصها في: رأي عام قوي، ثقافة سياسية حقيقية، مشاركة سياسية فعالة، والإعلام يقع على عاتقه الجزء الاكبر في تحقيق تلك الملامح. حيث يقدر الإعلام الصادق والموضوعي على اكتساب ثقة الشعب،وتشكيل الوعي السياسي لدى المواطنين وتعميق فهمه للقضايا التي تدور حوله والمساهمة الفعالة في الحياة السياسية، من خلال المحتوى الإعلامي الذي يقدمه.
وبالتطرق لهذا الشأن وقبل الختام، لا يمكن أن نغفل التأثير البالغ الذي يلعبه الإعلام في الحرب التي يواجهها العالم بصفة عامة والوطن العربي ومصر بصفة خاصة ضد الإرهاب والفكر المتطرف. حيث يعتبر أي فكر هدام ومتطرف من عوائق التنمية، فكيف إذا كان هذا التطرف يزعزع الأمن والاستقرار اللذان لابد وأن يتلازما مع التنمية.
لذا يجب استغلال كافة الإمكانات الإعلامية من اعلام مرئي ومكتوب ووسائل الاتصال الحديث من خلال الانترنت في مواجهة الإرهاب والاعلام المضاد التخريبي الذي يتم صرف ملايين الدولارات عليه من اجل التاثير علي المواطن المصري والعربي حيث استطاعت بعض القنوات الفضائية لعب دور في نشر الفوضى واثارة الراي العام من خلال قضايا ملفقة وتقارير كاذبة وبث بعض الأفكار الإرهابية والتي تمولها دول معادية لاستقرار المنطقة.
ويجب كذلك الاهتمام بالدور التنويري للإعلام العربي والمصريوما يمكن أن يقوم به في محاربة الفكر المتطرف والحفاظ على الفئات الشابة من الاستقطاب الذي يتم عن طريق الإعلام التخريبي للتنظيمات الإرهابية كداعش وغيرها. ويتلخص هذا الدور التنويري في أهمية تأسيس العقل النقدي العربي الذي يطرح كل ما في الطبيعة والمجتمع للتساؤل، بدلاً من سيادة العقل الاتباعي والذي يقوم على التسليم بما هو سائد من معتقدات وآراء وسياسات تجاوزها الزمن الذي نعيش فيه. حيث أن القضاء علي الإرهاب والتطرف في وسائل الاعلام المختلفة يحتاج لتضافر جهود الدولة والمجتمع المدني من خلال تحرك سريع وفعال في المجتمع الدولي.
إشكاليات ومعوقات الإعلام التنموي:
ينبغي الأخذ في الاعتبار المعوقات التي تواجه الإعلام التنموي أثناء قيامه بعملية التنمية والتي من أبرزها:
- غياب التخطيط، وندرة التدريب، وقلة الخبرة.
- عجز الإمكانيات المادية المتاحة أمامه وعدم التزامه بالموضوعية في الموضوعات المقدمة.
- نقص وعدم شفافية المعلومات المتوفرة لوسائل الإعلام التنموي.
- ضيق الوقت وعدم تحديد المساحة الزمنية المتاحة للمعالجة.
- يفسر حسب فهم الدولة للأسس التنموية، فمثلا اذا اعتبر بان التنمية في الأصل تنمية اقتصادية يصبح الاعلام التنموي عندئذ أقرب إلى مفهوم الإعلام الاقتصادي .
- التطور البطئ كمًا ونوعًا، مما يجعله عاجزًا عن مواكبة الحياة التنموية في المجتمع.
- سيطرة مشاعر القلق والتوتر لدى الجمهورونظرة الإعلامي لدوره على أنه غير مؤثر.
- عدم تحري الدقة في المعلومات المقدمة.
- لا يوجد اهتمام بالقدر الكافي بتنمية المفاهيم العلمية والعملية والارتقاء بالخصائص المهنية للإعلاميين.
- عدم توفير الموارد والإمكانات الإعلامية اللازمة للتغطية.
الخاتمة والتوصيات:
التنمية لكي تتحقق تتطلب التزاما وعملا وعلما ومعرفة من المواطنين وصناع القرار على حد سواء. وأهم دور يقوم به الإعلام هو نشر المعرفة التي تسهم في خلق المناخ الاجتماعي الذي يدعم التنمية ولا يقف عائقا أمام تحقيقها وحرىعلى الإعلام – من الناحية النظرية- أن يعمل بالتناغم مع عناصر النمو الأخرى لينقل الدول الفقيرة إلى التحديث أو على الأقل من المنطقة الهامشية إلى المنطقة شبه الهامشية، أما في التطبيق العملي فإن الدول الهامشية التي استثمرت مبالغ طائلة في البنية الإعلامية الأساسية تنبهت متأخرة جدًا أن هناك فجوة واسعة تفصل أنظمتها الإعلامية عن مثيلاتها في دول المركز.
ويمكن تبني استراتيجيات وبرامج التنمية المختلفة التي تعمل علي إدماج البعد الإعلامي كأحد مكونات نجاحها الأساسية. كذلك تعزيز القدرات الإعلامية، وبالذات القدرات الشابة التي لديها القدرة علي التأقلم والاستيعاب. فالإعلام الناضج المتطور الذي يعتمد علي التحليل العميق يستطيع أن يتعامل مع القضايا المعقدة, ويتمكن من توصيل رسالته علي المستوي المحلي والدولي.
وبذلك أصبح تنظيم الدورات التدريبية والمشاورات الإعلامية واستخدام الإعلام لوسائل تكنولوجيا المعلومات الحديثة مع التركيز علي الحوار كوسيلة للتعلم ونقل المعرفة أمرا ضروريا. بالإضافة إلي تكوين شبكات المعلومات التي تعمل علي نشر الوعي بقضايا المجتمع ورصد مدي اهتمام وتجاوب الرأي العام حيال هذه القضايا، كما تعمل علي عقد المؤتمرات والندوات علي المستوي الوطني والإقليمي والدولي، بهدف بناء مشاركات إعلامية إقليمية ودولية لتبادل الحوار والخبرات وإثراء التغطيات الإعلامية, الأمر الذي يسهل عملية التفاعل علي المستويات المختلفة وإثارة الجدل حول قضية الإصلاح, مع الوضع في الاعتبار أن الصراحة واجبة. والشفافية مطلوبة, والتناول الإعلامي لكل القضايا بأسلوب موضوعي ومحايد أمر لا غني عنه.
- خاص – المركز الديمقراطي العربي