جريمة الاعتقال الإداري
بقلم: أحمد طه الغندور – المركز الديمقراطي العربي
في البداية، لا أملك إلا الدعاء بالرحمة للأسير الفلسطيني ” بسام السايح ” من مدينة نابلس “جبل النار” والبالغ (47) عاماً، حيث قضى نحبه في الأسر الاحتلالي عصر اليوم الأحد، داخل مستشفى “أساف هاروفيه” التابع للاحتلال.
وقد كان الأسير الشهيد، يعاني من مرض السرطان في الدم والعظم منذ بداية اعتقاله بتاريخ 8/10/2015 كما عانى من مشاكل مزمنة في عمل القلب وتجمع الماء على رئتيه وصدره، ولكن كل ذلك لم يشفع له لدى الاحتلال المجرم.
فللفقيد الرحمة، ولذويه الصبر والسلوان.
ولعل هذا الحادث المُؤلم يدفعنا لبذل مزيداً من الجهد والعمل الدؤوب حتى تحرير جميع أسرانا من معتقلات الاحتلال.
وبالرغم من أن جرائم الاحتلال في حق الأسرى عديدة إلا إنني اليوم، أرغب في التركيز على “جريمة الاعتقال الإداري”، كونها تعتبر من أكثر جرائم الاحتلال في حق الأسرى التي تتسم باللامبالاة بالقانون الدولي أو العدالة الدولية الأمر الذي يستدعي أن “ندق جدران الخزان” ليستيقظ الضمير العالمي سريعاً في مواجهة هذه الجريمة، التي يعاني منها قرابة 500 معتقل؛ وتشمل الرجال، والنساء، والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، كما بينت وزارة الأسرى والمحررين في تقرير حديث لها حول هذا الشأن.
ومنذ يوليو المنصرم يخوض حوالي (12) أسير إضراباً عن الطعام في مواجهة القرارات الإسرائيلية الظالمة بالاعتقال الإداري في حقهم، وقد قالت هيئة شؤون الأسرى ـ اليوم الأحد ـ إن الأسير ناصر زيدان محمد الجدع (31 عاماً) من بلدة برقين في جنين، يواجه أوضاعاً صحية صعبة، بعد 33 يوماً من إضرابه المفتوح عن الطعام، رفضاً لاعتقاله الاداري.
وكما أضاف البيان الصحفي، أن الأسير الجدع والقابع في عزل معتقل “نيتسان الرملة”، يشتكي من دوخة مستمرة وتعرض للإغماء عدة مرات، ويُصاب بحالة تقيؤ متواصلة للعصارات الصفراء الموجودة في المعدة.
وإلى جانب الأسير الجدع، يواصل خمسة أسرى أخرين معركة الأمعاء الخاوية احتجاجاً على اعتقالهم الاداري، وهم: أحمد غنام (42 عاماً) من مدينة دورا في محافظة الخليل ويخوض اضرابه منذ (57 يوماً)، وسلطان خلوف (38 عاماً) من بلدة برقين في محافظة جنين ومضرب منذ (53 يوماً)، وإسماعيل علي (30 عاماً) من بلدة أبو ديس في القدس ويخوض اضرابه منذ (47 يوماً)، وطارق قعدان (46 عاماً) من محافظة جنين، ومضرب منذ (40 يوماً)، وثائر حمدان (30 عاماً) من بلدة بيت سيرا ويواصل اضرابه لليوم 28 على التوالي.
في حين أن الأسير المضرب عن الطعام منذ 50 يومًا، عودة الحروب (32 عاماً) من مدينة دورا بمحافظة الخليل، علق يوم الأربعاء الماضي، إضرابه المفتوح، بعد التوصل لاتفاق مع “إدارة المعتقل” يقضي بالإفراج عنه بعد أربعة أشهر.
هكذا هو الحال مع أسرانا الأبطال في معتقلات الاحتلال يدافعون عن حقوقهم بأمعائهم الخالية، فكيف يمكن أن ندعم مواقفهم البطولية، ونعمل على تحريرهم من هذه المعتقلات “الفاشية”؟!
وإذا أردنا أن نُعرف “الاعتقال الإداري” لعله يكون من الأنسب أن نميل إلى التعريف الذي قدمته منظمة “بيتسليم” ـ مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة ـ حيث أوردت: ” الاعتقال الإداريّ بحُكم تعريفه هو حبس شخص دون محاكمة بدعوى أنّه يعتزم في المستقبل الإقدام على فعل مخالف للقانون، دون أن يكون قد ارتكب بعد أيّة مخالفة. ولأنّ الحديث يجري عمّا يبدو كخطوة وقائية فإنّه لا يوجد وقت محدّد لفترة الاعتقال. يجري الاعتقال الإداري دون محاكمة استنادًا إلى أمر يصدره قائد المنطقة وباعتماد أدلّة وبيّنات سرّية -لا يطّلع عليها حتّى المعتقل نفسه. هذا الإجراء يجعل المعتقل في وضع لا يُحتمَل إذ يقف عاجزًا في مواجهة ادّعاءات لا يعرفها وبالتالي لا يملك طريقة لتفنيدها ودحضها بلا لائحة اتّهام ولا محاكمة وبالتالي دون إدانة ودون أن يعرف متى سيتمّ إطلاق سراحه “.
ولعل من أهم الملاحظات التي أوردتها “المنظمة” المذكورة على هذه الجريمة النقاط التالية:
- في الضفة الغربية (باستثناء القدس الشرقية) ينظّم الاعتقال الإداري “بأمر “عسكري” بخصوص تعليمات الأمن”. هذا الأمر يخوّل قائد قوّات الجيش في الضفة الغربية أو من يخوّله من القادة العسكريّين لهذا الشأن، اعتقال شخص لفترة مدّتها حتى ستّة أشهر كلّ مرّة، إذا كان لديه “أساس معقول ليفترض أنّ دواعي أمن المنطقة أو أمن الجمهور تستوجب التحفّظ على فلان من الناس رهن الاعتقال، وله الحق في تجديد الاعتقال أو تمديده مرارًا وتكرارًا وحبس فلسطينيّين طيلة سنين دون أن يُدانوا بارتكاب أيّة مخالفة، ـ وهذا حدث ويحدث بالفعل ـ.
- في القدس المحتلة كثيراً ما يحول هذا الاعتقال إلى “الاعتقال المنزلي” كبديل مريح وسهل من وجهة نظرها لإجراء جنائي وليس لاتّقاء خطر مستقبليّ. إنّها تفعل ذلك غالبًا في الحالات التي لا تملك فيها إثباتات على التهمة أو عندما تكون معنيّة بعدم كشف الأدلّة والبيّنات التي تدّعي أنّها في حوزتها.
- أحكام القانون الدولي ذات الصّلة والتي تسمح لدولة الاحتلال بتنفيذ اعتقالات إدارية بحقّ سكّان المناطق المحتلّة فقط في ظروف استثنائية نادرة. ولكن “الاحتلال الإسرائيلي” يستخدم هذه الوسيلة في الأراضي المحتلّة على نحوٍ جارف دون أن تردعها أحكام القانون الدولي المذكورة، بحيث اعتقل على مرّ السنين آلاف الفلسطينيين لفترات طويلة تراوحت بين بضعة أشهر وبضعة سنين، دون تقديمهم للمحاكمة، أو مواجهتهم بالتّهم المنسوبة إليهم ودون السماح لهم أو لمحاميهم بالاطّلاع على الأدلّة، وضمن ذلك جرى اعتقال قاصرين لم يتجاوزوا سنّ الثامنة عشرة.
- إنّ الأمر العسكري يُلزم “السلطات” بجلب المعتقلين أمام قاضٍ ـ قاضٍ عسكري ـ ولكن هذا لا يكفي لمنع إساءة استخدام هذه الوسيلة والإجراءات القضائية الخاصّة بالاعتقال الإداري هي في الأساس زيف يوهم بإعمال النقد القضائي. في الغالبية الساحقة من الحالات يقبل القضاة موقف النيابة ويصادقون على أوامر الاعتقال الإداري.
- علاوة على ذلك: يوافق القضاة دائمًا على طلب النيابة فرض السرّية على الأدلّة والبيّنات التي تعرضها أمامهم “لاعتبارات تتعلّق بأمن الدولة”. بذلك يحوّل القضاة الاستثناء الوارد في أمر الاعتقالات الإدارية إلى قاعدة جارفة تحرم المعتقلين من أيّة إمكانية للدفاع عن أنفسهم أمام الادّعاءات الموجّهة ضدّهم. سرّية الأدلّة تمنع المعتقلين ووكلائهم المحامون من فحص جودة المعلومات وصحّتها.
ولم يحاول القضاة العسكريّون وقضاة المحكمة العليا أبدًا الاعتراض على فرض السرّية على هذا النحو الجارف وتقبّلوا وجودها كمعطى. عوضًا عن ذلك فقد قرّروا أنّه مع وجود السرّية، وينظرون إلى الادّعاءات المطروحة أمامهم على أنّها وقائع.
- وتختم المنظمة ملاحظاتها بأن هذه السياسة المتبعة في “المحاكم الإسرائيلية” تحرم المعتقلين الفلسطينيين من أيّة فرصة لدفاع معقول أمام المزاعم المطروحة ضدّهم. ورغم ذلك تقرّ “المحاكم” أوامر الاعتقال الإداري كأمر روتيني.
- وترى المنظمة أنه ” في نهاية الأمر الجيش والنيابة العسكرية والنيابة العامّة والقضاة العسكريّون وقضاة المحكمة العليا -جميعهم مسؤولون عن إنشاء هذا الواقع”.
هذا الكلام مفيد جداً ويجب نقله بحذافيره إلى العدالة الدولية، فما موقف القانون الدولي من الاعتقال الإداري؟!
من المعلوم أن ما تستند اليه “سلطات الاحتلال” في تبريرها لجريمة “الاعتقال الإداري” هو نص المادة (78) من اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 حيث أوردت: “إذا رأت دولة الاحتلال لأسباب أمنية قهرية أن تتخذ تدابير أمنية إزاء أشخاص محميين، فلها على الأكثر أن تفرض عليهم إقامة جبرية أو تعتقلهم”.
ولكن وفقاً للملاحظات التي أوردتها منظمة “بيتسليم” هل ما يقوم به الاحتلال يجري وفقاً لما نصت عليه المادة المشار إليها أعلاه؟!
بالقطع لا، وبالإضافة إلى ذلك فإن الشروحات القانونية للاتفاقية (Jean Pictet) تؤكد على أن الصلاحية في المادة (78) تقوم فقط إذا لم تكن هناك إمكانية لمحاكمة الشخص لأنه لم يرتكب مخالفة بموجب القانون الجنائي، وإنما الخطورة النابعة منه ترتكز على عمل قام به ولكنه غير معلن كمخالفة جنائية أو إذا صرح عن نيته بالقيام بعمل يعتبر مخالفة ولكن لم يرافق ذلك أي عمل فعلي، فأين ذلك من التبريرات الإسرائيلية؟!
- وهل هذا الاستثناء يمكن القبول في تطبيقه على الآلاف من الفلسطينيين؟
وأخيراً، ماذا مع غياب الرقابة القضائية، بل قل إن الجهات القضائية التابعة للاحتلال أصبحت شريكاً مؤكداً له في تنفيذ الجريمة في مخالفة صرحة للمادة (43) من اتفاقية جنيف المذكورة؟!
وليت ظلم الاحتلال توقف عند هذا الحد، بأن منحَ المتعلقين المعاملة الإنسانية واللائقة وفقاً للقواعد الدولية الواجبة التنفيذ، بل هذه ايضاً غابت ومع سبق الإصرار بحيث أصبحت “معتقلات الاحتلال” مقابر للشهداء الأحياء الذين كان أخرهم اليوم الشهيد ” بسام السايح “.
- إذاً، هل علينا الصمت أمام هذه الجريمة، وكيف يمكن العمل لمعاقبة الاحتلال عليها؟!
نعم يمكن محاكمة الاحتلال وعناصره المشاركة في هذه “الجريمة البشعة” أمام المحاكم الدولية، وخاصة “محكمة لاهاي” أو “المحكمة الجنائية الدولية” على هذه “الجريمة المركبة” و “السياسة الاحتلالية” كونها تندرج تحت صنفين من جرائم الاختصاص للمحكمة الدولية، وهي جرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب على التفصيل التالي:
أولا: الجرائم ضد الإنسانية:
كما وردت في المــادة (7) من ميثاق روما للعام 1998 التي نصت: “يشكل أي فعل من الأفعال التالية ” جريمة ضد الإنسانية ” متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم: ـ
هـ) السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي.
و) التعذيب.
ك) الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية.
ثانيا: جرائم الحرب:
كما بينتها المادة (8) من الميثاق المذكور حيث حددت هذه الجرائم ونصت على: ـ
” 1. يكون للمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب، ولاسيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم.
- لغرض هذا النظام الأساسي تعني ” جرائم الحرب “: ـ
أ) الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب / أغسطس 1949، أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص، أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة:
“2” التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية.
“6” تعمد حرمان أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية.
“7” الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع.
“8” قيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر، بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها، أو أبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها.
ومن هنا نختم بالقول؛ بأن من حق أسرانا البواسل الذين ينكر الاحتلال منحهم صفة ” محاربي الحرية ” وفقاً لقواعد القانوني الدولي، وينتهك حقوقهم ليل نهار، أن يحظوا بالحماية الواجبة خاصة وأن فلسطين دولة عضو في العديد من المنظمات والاتفاقيات الدولية وأهمها؛ اتفاقيات جينيف واتفاقية روما للمحكمة الجنائية، مما يتوجب على الجميع دولة، ومؤسسات، وأفراد من القيام بدرهم لمحاكمة الاحتلال وعناصره المشاركين في هذه الجريمة وخاصة ممن يمثلون دور “القضاء” لدى الاحتلال لأنهم من يمنح الاحتلال الغطاء لتنفيذ الجريمة.
فدولة فلسطين عليها دعوة الدول الأطراف على اتفاقيات جنيف للقيام بدورهم لمنع هذه الانتهاكات الخطيرة، ولها دورها في نقل الملف بحذافيره أمام المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية، وفضح هذه الممارسات أمام اللجان المختصة في المؤسسات الدولية.
مؤسسات حقوق الإنسان، لا يجب أن تقف عند نقد التقصير لدى الجهات الرسمية، بل لها أن تأخذ الدور كاملاً من توثيق الجرائم بشكل مهني، ورفعها للمحاكم الدولية، ولديها الإمكانيات اللازمة.
المحامون، هم خط الدفاع الأول، يعرفون متى يتقدمون، ومتى ينسحبون كي لا يكونوا “شماعة” يضع عليها الاحتلال مبرراته الفاشية، وهم الأقدر على تحديد وتعريف كل شخص من المجرمين الفاعلين في انتهاك حقوق أسرانا الأبطال.
الإعلام الحر، هو البوتقة التي يتفاعل فيها كل المخلصين لإعلاء صوت “محاربي الحرية ” كي يصطف العالم إلى جانبهم في معركة ” الانصاف ونيل الحقوق “.