دور المرأة في التنشئة المجتمعية والضبط الاجتماعي
كتب المستشار السياسي : حسين موسى – المركز الديمقراطي العربي
الأسرة هي الخلية والوحدة الاجتماعية التي يقوم عليها سلامة بنيان المجتمع.. ومن هذا المنطلق، حظيت باهتمام المفكرين من جميع الثقافات، فطالما كانت الأسرة صالحة ، صلحت شؤون المجتمع واستقامت أموره.. وما انحللت الحياة الاجتماعية في كثير من الدول إلا نتيجة لانحلال الروابط الأسرية وضعفها.، وأصبح ضعف الروابط الأسرية هو السمة السائدة.. فلا يمكننا على هذا النحو أن نقضي على مشاكل المجتمع ما لم نعمل أولاً على حل مشاكل الأسرة وحمايتها من التشرذم والتفكك، إذ لا صلاح للمجتمع الكبير إلا بإصلاح المجتمع الصغير، وهو الأسرة.
مفهوم التنشئة المجتمعية :
* عرفها الدكتور عبد الرحمن العسيوى بأنها ( العملية التي تتشكل من خلالها معايير الفرد ومهارته ودوافعه واتجاهاته وسلوكه لكي تتوافق وتتفق مع تلك التي يعتبرها المجتمع مرغوبة ومستحسنه لدوره الراهن أو المستقبل في المجتمع )
* ويعرفها فواد البهي بانها ( تعنى العمليات التي يصبح بها الفرد واعيا ومستجيبا للمؤثرات الاجتماعية وما تفرضه من واجبات على الفرد حتى يتعلم كيف يعيش مع الآخرين ويسلك معهم مسلكهم في الحياة
* ويعرفها جيمس دريفر بانها ( العملية التي يتكيف أو يتوافق الفرد من خلالها مع بيئته الاجتماعية ويصبح عضوا معترفا به ومتعاونا وكفئا )
أهمية دور المراه في عملية التنشية المجتمعية :
يرى البعض أن العنصر المؤثر في التربية داخل الاسرة هو الأم ، ويرى آخرون انه الاب ، بينما يتصور غيرهما أن البيت هو عنصر التربية الأوحد بكل تفاعلاته ولكن مع ذلك هنالك عوامل أخرى مؤثرة في التربية خارج إطار البيت فالمجتمع والمدرسة والإعلام ويؤكد الإمام الخامئنى في كتابه أن للام الدور الأبرز في التربية الأسرية ويوكد انه( عندما تقوم الاسرة فان الزوجة وألام هي العنصر الأساسي فيها وانه عندما يتزلزل أصل هذه الاسرة اى المرأة فلن يبقى أي شي في مكانه فيها )
- ويوكد الدكتور عبد الرحمن العيسوي أن عملية التنشئة الاجتماعية تبدأ منذ اللحظة الأولى التي يرى فيها الطفل الحياة على الأرض ويستقبل الحياة على طريق أم تهتم بإرضاعه واشاعبه أو أم تتركه يبكى ومودى هذا أن عملية التنشئة الاجتماعية تتضمن مهارات الفرد إلى جانب قيمه ومثله ومعاييره وأنماط سلوكه وهى تبدأ منذ أن يولد الطفل وتستمر مدى الحياة .
- ويرى سماحة الشيخ ابن عثميين ( أن النساء كالرجال عددا أن لم يكن أكثر ، ولكنها تختلف من بلد إلى بلد ومن زمن إلى زمن وبالتالي فان للمراه دورا كبير في إصلاح المجتمع ، كما أن نشاه الأجيال أول ما تنشا إنما تكون في أحضان النساء وبه يتبين أهمية ما يجب على المرأة في إصلاح المجتمع
- كما تقوم الاسرة ( الاب والأم ) بدور المصفاة التي تصفى وتنقى القيم التي يتلقها الطفل من البيئة المحيطة به أو من مؤسسات المجتمع الأخرى كالمدرسة والإعلام حيث تكون الأم بمثابة المعلم في عملية التنشئة الاجتماعية كما أنها تمثل نموذج أو مثل أعلا أمام طفلها التي يقتدون بها ويقلدونها .. ولقد دلت البحوث التي أجريت على أطفال المجتمع الأمريكى على أن هناك عدة أساليب يتبعها الآباء في التنشئة الاجتماعية منها الدفء أو العدوان أو الاعتداء آو اتجاه التسامح وقد تبين أن الاسرة التي تمتاز بالدفء والذين يستخدمون منهجا معتدلا فينشا أبنائهم على نفس نمط السلوك المرغوب به من حيث التكيف والملائمة واحترام الذات
وارى كباحث إن المرأة تلعب دورا هاما في عملية التنشئة الاجتماعية من خلال قيامها ببعض الوظائف منها:
- أنها تكسب الطفل المعايير الاجتماعية المناسبة لثقافة المجتمع
- أنها تعلمه مختلف ألوان السلوك السوي
- أنها تنمى الجوانب الدينية والإيمانية والأخلاقية
- تنمى الشعور بالولاء والانتماء
- تنمى لديه التصورات العقلية والابتكار ومهارات الإبداع
ويلاحظ أن معظم الدراسات والبحوث التي تمت في إطار فرض «الأسرة المنتجة للمرض» تمت على مرضى «الفصام»، وهو مرض عقلي رئيس.. وقد ركز «هندرسون» في أبحاثه، على العوامل البيئية، وفي مقدمتها الأسرة، واعتبر أن «باثولوجية» العصاب هي أساس «باثولوجية» العلاقات البيئية الشخصية.. وخصت معظم هذه الدراسات الأم بقدر أكبر من عامل اللاسواء، وبالتالي النصيب الأوفى من مسؤولية اضطراب الطفل.
ويوكد الباحث ( محمد بن عبد الله ) أن للمراه دور هام في التنشئة والاجتماعية من خلال مجموعة من الوظائف تشارك بها مع الاب أو تقوم بها مفردة منها :
* حفظ النسل من خلال التكاثر الطبيعي لبقاء النوع الإنساني
* حفظ الجنين و تكوين الشخصية من خلال سلوك واتجاهات الوالدين
* حث الأطفال على طلب العلم والمعرفة وتهيئة المناخ المناسب للتعليم
*الاهتمام بقدرات وميول الأطفال والعمل على تنميتها كالتفكير والاستدلال من خلال تعويد الأطفال على الاستعانة بالمعلومات والدلائل أثناء التفكير و توجيه تفكيرهم نحو الاستقلالية والاعتماد على النفس لمواجهة ظروف الحياة العملية
* حفظ العقل مما يفسده معنويا وحسيا كالبدع والخرفات خصوصا في هذا الزمان التي تشكلت بألوان مختلفة
المرأة وعملية الضبط الاجتماعي
مفهوم الضبط الاجتماعي :
* عرفته عفاف الحسيني بأنه ( مجموعة من القوانين تعمل على القضاء على أيه صراعات أو توترات يتوجد بين الأشخاص أو بين الجماعات وتهدف إلى إيجاد نوعا من التماسك والتواصل بين الجماعات )
* يرى ( جوزيف روسيك ) الضبط الاجتماعي بأنَّه مفهوم شامل يشير إلى العمليات المخططة وغير المخططة التي تعمل على تعليم الأفراد كيف يمتثلون لممارسات وقيم حياة الجماعات، أو على إقناعهم بالامتثال أو إجبارهم عليه.
* أمَّا( تيرنر ) فقد أكد على أنَّ الضبط الاجتماعي هو ذلك النشاط المعاكس لتلك العمليات التي تؤدي إلى الانحراف ومخالفة القواعد الاجتماعية والتي تدعم النظام القائم وتعيد المنحرفين إلى السلوك المنسجم مع القواعد الموضوعة وتعزلهم أو تقلل من حالات التمرد ضد المجتمع وتخفف من حالات الصراع الاجتماعي.
* وقد أشار كل من ( أوجبرن ونيمكوف ) إلى أنَّ الضبط الاجتماعي ما هـو إلاَّ تـلك العمليات والوسائـل التي تلجأ إليها الجماعة لضبط سلوك الأفراد في حالات الانحراف والخروج على المعايير الاجتماعية
وارى أن مفهوم الضبط الاجتماعي مرتبط بالنماذج الثقافية للفرد قبل عام 1940 في حقبة الستينات زاد الاهتمام بالمفهوم من خلل علاقته بالانحراف وفى العصر الحديث ازدهر هذا المفهوم من خلال ربطه بأهداف الدولة
أهداف الضبط الاجتماعي :
تهدف عملية الضبط الاجتماعي إلى تحقيق ما يلي :
*العمل على تحقيق الامتثال لمعايير وقيم الجماعة الاجتماعية ،وصناعة النظام الذي في إطاره يستطيع الفرد أن يقوم بدوره الاجتماعي في موقعه من خلال الوحدات الاجتماعية التي ينتمي إليها .
* كما بأساليبه المختلفة إلى تطبيع الإنسان ليصبح اجتماعيا ، بمعنى وضع أسس تكيف الشخصية بطريقة تكبح أنانية الفرد الغريزية ويوله النظرية ليحل محلها بعض الميول الاجتماعية التي تسمح له بالتجاوب مع ما تمليه الحياة من قواعد وقيود والتزامات .
* المحافظة على درجة عالية من التضامن الاجتماعي بين أفراد الجماعة الاجتماعية من اجل بقاء دوامها ومتانتها .
* العمل على دعم وتعزيز التماسك الاجتماعي داخل التنظيمات الاجتماعية من اجل استمرارها .
* تحقيق الأمن الاجتماعي في المجتمع ، حيث يتفرغ كل عضو من أعضائه لأداء دوره كاملا في المجتمع
* تحقيق الوحدة الاجتماعية عن طريق غرس الارتباط الدائم لدى إفراد مجتمعهم .
التنشئة الاجتماعية ودورها في الضبط الاجتماعي:
ترتكز التربية باعتبارها عملية تنشئة جماعية على العمليات التي تشكل حياة الفرد كما تركز على التفاعل بين الفرد ومحيطه الثقافي بمكوناته المختلفة من أفراد وجماعات وانظمه اجتماعية ويمكن رصد دور التنشئة الاجتماعية في عملية الضبط الاجتماعي فيما يلي :
- أن التنشئة الاجتماعية هي العملية الواعية التي تؤدى إلى تغير في سلوك الفرد الذي بدوره تغيرات في الجماعة التي ينتمي إليها وبما أن الحياة تتغير في المجتمعات الحديثة بشكل سريع مع تعدد مصادر هذا التغير وما تولد عنه من مشكلات حيث من المفترض أن يودى إلى أن تكون التنشئة الاجتماعية مسئولة التوجيه والضبط لسلوك الأفراد والجماعات
- أن التنشئة الاجتماعية هي عملية اجتماعية تعمل على تكيف سلوك الأفراد ومواقفهم لتساير القوالب والأنماط الثقافية والضوابط الاجتماعية التي ارتضتها الجماعة
- أن التنشئة الاجتماعية هي سلطة اجتماعية ضابطة وتتمثل صفتها الضابطة في أخذها بسنن وقواعد معينة ارتضاها المجتمع فهي من هذه الناحية تمثل انعكاس تنظيمي لمقتضيات الرأي الجماعي فلكل جماعة نظامها التربوي الذي يتأثر بتكوين جماعتها وبيئتها الطبيعية وبأحوالها السياسية وأنماطها الثقافية والحضارية
دور المراه في عملية الضبط الاجتماعي :
الاسرة هي أصل المجتمع وهى وحدة بناءه فالمجتمع ما هو إلا مجموعة كبيرة من الأسر ولا يمكن أن يقوم المجتمع قياما سليما إلا على عاتق الاسرة فالأسرة بالنسبة للفرد سلطة ضابطة تستطيع أن توجه سلوكه الوجهة الصحيحة وبما أن المراه هي العنصر الجوهري للأسرة وعليها يقع العبء الأكبر يمكن أن نستخلص دورها على النحو التالي :
- أن المراه باعتبارها الأم هي الموجه الأول للطف ومن الطفل تتكون الأمة ومن واقع الطفل وتربيته اليوم سيكون وضع الآمة في المستقبل ومن هنا ندرك انه سيمر عبر مدرسة الأم أفراد الأمة كلهم .حيث أن الأم هي التي تقضى معظم الوقت مع الطفل فالأب غير متواجد بصفة دائمة وبالتالي فان الأم هي المدرسة الأولى التي تكسب الطفل قيم المجتمع وعاداته
- أن عملية التنمية في المجتمع تستند أساسا إلى تنمية الاسرة بوصفها المنظمة الوحيدة التي تؤدى مختلف الوظائف الاجتماعية التي تتلخص فيها أهداف المجتمع الرئيسية فالأسرة تودي وظيفة الإنجاب والتي تحقق تعويض المجتمع عن نسبة الوفيات به والأسرة أيضا تقوم بحفظ التقاليد والأعراف الاجتماعية إلى جانب تكييف الأفراد لثقافة المجتمع المتوارثة وكذلك عمليات التكافل الاقتصادي وبالتالي فان الاسرة تمثل صورة مصغرة للمجتمع الكبير لذا فان عملية الضبط الاجتماعي والتنمية الاجتماعية لابد لها من تحفيز هذه الوظائف
- أن الاسرة هي أول وحدة اجتماعية تمارس الضبط الاجتماعي على الأفراد حيث أنها أول محيط اجتماعي يستقبل الطفل ويقوم بتهيئة وتربيته وتوجيهه اجتماعيا وذلك لإعداده لحياته الاجتماعية المستقبلية وتتوقف قدرة الاسرة على القيام بوظائف الضبط على مدى استقرار العلاقة بين الأبوين من ناحية ومدى قدرتهم على القيام بوظائفهم
وارى كباحث :
أن المرأة كائن اجتماعي يضطلع بوظيفة اجتماعية ودور اجتماعي فدورها كأم في الاسرة دور محوري حيث أن الضبط الأسرى وتوجهات وأساليب التربية الأسرية يقع عليها العب الأكبر في تحقيق الانضباط الاجتماعي حيث أن الاهتمام بالتنظيم والضبط داخل الاسرة يعتبر ركيزة من ركائز الضبط الاجتماعي حيث أن الاسرة تشكل الإطار الاجتماعي وطريقة محددات السلوك عند الأفراد لذلك فأنها تمثل الأساس الاجتماعي الأول في تشكيل وبناء المجتمع حيث تضفى على أبنائها خصائصها وطبيعتها
المراجع
- احمد الخشاب ، الضبط الاجتماعي : أسسه النظرية وتطبيقاته العملية ( القاهرة : مكتبة القاهرة الحديثة ، ط2 ، 1968 )
- خليفة إبراهيم عوده التميمي ، الاسرة والتنمية الاجتماعية ( بغداد : مجلة جامعة اليرموك ،العدد الثاني 2001 م)
- عفاف بنت حسن الحسيني ، دور الاسرة التربوي في استتباب امن الفرد والمجتمع من خلال التنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي ، رسالة دكتوراه
- معن خليل العمر ، الضبط الاجتماعي ،( الأردن : دار الشروق ، ط1 ، 2006)
- غنى ناصر حسين القريشى ، المفهوم العلمي للضبط الاجتماعي ،الموقع الرسمي لكلية الآداب قسم الاجتماع ـ جامعة بابل ( العراق )
- محمد بن عبد الله بن عبد الدائم القاضي ،دور الاسرة المسلمة في تربية أولادها على حفظ الضروريات من مقاصد الشريعة ، رسالة ماجستير ، كلية التربية ، جامعة أم القرى ، المملكة العربية السعودية ،1424 ه
- س . ه . باترسون ، نظريات الإرشاد والعلاج النفسي ، ترجمة حامد عبد العزيز الفقى ( دن ـ دار القلم ، الأولى ،1990)
- محمد الصالح العثيمين ، دور المرأة في إصلاح المجتمع ( الرياض :المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد ،دون ط )
- عبد الرحمن العسيوى ، سيكولوجية التنشية الاجتماعية ( الإسكندرية : دار الفكر الجامعي ،د. ظ . 1985)