الشرق الأوسطعاجل

لحظة مواجهة .. هل يعتبر المواطن العربي جاني أم ضحية لأزماته المتتالية؟

متى يخرج بعض المواطنين العرب من دائرة المطالبة بالتغيير للبدء بتغيير أنفسهم أولاً؟!

إعداد – عمرو سليم – مدير عام المستقبل للدراسات الإعلامية والسياسية- عضو التحالف العالمي لمنع الجريمة والعدالة الجنائية

  • المركز الديمقراطي العربي

أموال وفيرة .. وظائف كثيرة … عيشة رغدة.. نساء جميلة تنتظر رؤيتك بمجرد نزولك من الطائرة… حرية بلا حدود .. رفاهية في العيش بلا مجهود .. تفعل ما تريد وقتما تريد ” ذلك بإختصار بعض من أحلام اليقظة أو نقول أمال وأفكار تراود العديد من الشباب العربي الذين يعيش يعضهم في سخط وضيق مستمر من حياته، ويتمني أن يهاجر إلى أوروبا ليرى الأحلام تتحقق بضربة واحدة بل بإشارة من أصبعه، وهو لا يعرف أي شىء عن الحياة في الدول الغربية، ولا حتى فكر في الإطلاع على قوانينها الغاية فى الصرامة وفرص العمل والظروف المعيشة هناك، بل بعد ان يلعن الظروف التى حوله ويشتكي ويهاجم الحظ السىء يفتح الإنترنت ليعيش حياة الوهم في الفيديوهات والأفلام الأجنبية المثيرة، البعيدة كل البعد عن واقع الحياة، في نفس الوقت لن أنكر ان هناك صعوبات وأزمات تواجه العديد من الدول العربية ولكن …إذا دققنا النظر كثيرًا سنرى ان معظم تلك الظروف صنعناها كمواطنين بأيدينا ثم نعود لنبكي ونشتكي منها كالشخص الذي يخطىء ويلوم غيره أو يفعل الخطأ ويشتكي من النتيجة.

حياة عملية صارمة

تتميز الحياة في أوروبا بالصرامة الشديدة والجانب العملي الغير طبيعي فكل شخص هناك عندما يستيقظ من نومه مبكرًا يفكر بكيفة الحصول على المال وفي أي الضروريات سوف ينفقه، فلا مجال للتباهي أو إنفاق الأموال على الرفاهيات أو حتى شراء مستلزمات غير ضرورية، فمعظم المحال لا تبيع الفاكهة مثلاً بالكيلو بل بالواحدة لأنك تأخذ على قدر حاجتك، ولا مجال للفصال في السعر، فلا ترى شخص مرتبه ضعيف يحمل تليفون سعره مرتفع أو يقوم بالتحدث يوميًا في الهاتف بلا أي داعي أو سبب وجيه، لأنه يوازن بين دخله والظروف المعيشية المرتفعة، فيمكن ان ترى شخص من أكثر رجال الأعمال ثراء ويحمل هاتف بسيط أو يتناول الطعام في مطعم غير مُكلف، وذلك طبيعي هناك فكما أكدنا لا شىء يسمي المظاهر الفارغة، فأنت تحدد ظروفك بحسب رؤيتك وإمكانياتك،على عكس حال بعض المواطنين في عالمنا العربي تمامًا، فهل تعلم ان هناك أكثر من 400 سوري انتحروا في ألمانيا بعد وصولهم هناك لأنهم لم يتحملوا قسوة الحياة وعمليتها!! .. كانوا يعتقون ان الحياة هناك نزهة جميلة وخفيفة، كانوا يحلمون مثلك تمامًا ولكن لم يوقظهم أحد قبل فوات الآوان.

القانون لا يعرف “معلش”

“معلش .. خلاص المرة دي .. مش هتتكرر تاني.. مفيش رحمة .. سيبه ده غلبان” هذه الكلمات ليست لها مرادفات في القاموس الأوروبي خاصة في القوانين والتعامل الشرطي مع المواطنين، ففي دولة مثل ألمانيا ينظر البعض لرجل الشرطة هناك كأنه إنسان مُبرمج لتنفيذ القانون فقط، لأنه مدرب على تنفيذ القانون تحت أي ظرف وعلى أي شخص وبلا أي رحمة أو “معلش”، فأتذكر أنه في أحد المرات كان هناك شاب عربي يمشي في أحد شوارع ألمانيا وقام بالبصق في الشارع فشاهده شرطي وقام بتوجيه أوامره له للعودة لمكان البصق ومسحه بمنديل، فعلًا قام الشاب بتنفيذ الأمر على الفور، ثم حرر له مخالفة حتى لا يكررها، قبل ان تتعجب.. ماذا سوف يحدث إذا قام بذلك الأمر أحد رجال الشرطة في بعض الطرق العربية؟!!، أعتقد ان الناس ستتجمع حول الشاب لمساندته وتسمع كلمات مثل “معلش” “وهو عمل ايه يعني”، وربما في النهاية يُتهم الشرطي بأنه يريد مضايقة الشاب نظير أمر بسيط لا يُعتبر مخالفة في نظر البعض.

اما عن قوانين المرور والسير في ألمانيا كنموذج لدولة أوروبية على سبيل المثال تقارب نظيرتها في الدول الغربية في التشريعات الصارمة التي لا تعرف التهاون مع المخالفين، فإذا تركت شىء ثمين في سيارتك وتعرض للتلف أو السرقة ثم توجهت للشرطة فستكون أنت المتهم هنا، لأنك خالفت القانون الذي يمنعك من ترك الأشياء داخل السيارة وليس لك حق الشكوى أو طلب إسترجاع ما ضاع منك، بالعكس ستتحول لمتهم وستُغرم ولن يغطي التأمين قيمة خسائرك، إذا زادت سرعتك عن الحد المسموح به ستعامل بنظام الغرامات المتصاعدة أي كلما زادت نقاط مخالفاتك أرتفعت قيمة المبلغ المفروض عليك حتى تُسحب منك الرخصة، ويتم تحويلك لمستشفي التأهيل والصحة النفسية لبيان مدى سلامة قواك العقلية، ودرجة خطورتك على المجتمع، وقد يصل الأمر لمنعك من القيادة لسنوات عديدة. أتذكر أن أحد الأصدقاء في ألمانيا كان يقود دراجته الهوائية في الشارع مسرعًا فإذا به يسقط على الأرض، توجهت إليه سيدة ظن أنها ستسأله عن حالته وتطمئن عليه، فإذا بها تتهمه بالسرعة الزائدة وتعريض حياة المشاة للخطر.

أما إذا لم تفسح الطريق لسيارات المطافىء أو الشرطة أو الأسعاف أو الخدمات الطارئة خلال سيرك في الطريق فسيتم تغريمك، وايضا توجيه إتهام إليك بالمشاركة في إرتكاب جريمة ضد الغير، على عكس الحال في بعض الشوارع العربية فالمواطن يقود كأن الطريق ملكه بل هناك من يسابق سيارات الطوارىء ويتباهي بذلك جهارًا نهارًا، أتذكر ان حد سائقي المواصلات خالف قواعد السير، ليتوجه إليه شرطي المرور ليسأله عن رخصة القيادة، فإذا بركاب السيارة من المواطنين يطالبون الشرطي بمسامحته بل البعض اتهموه بالقسوة، لأنه كان ينفذ القانون الذي يحيمه ويحمي السائق ايضًا.

أعرف الحقيقة

شاهدت فيديو تم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي لشاب عربي في أحدى الدول الأوروبية يقارن بين الأوضاع هناك وفي دولته، ويقول ان الشرطة هناك قامت بتوصيله وقطر سيارته لأنها هناك في خدمة المواطين، تعالوا نعرف حقيقة ما يحدث في دولة مثل ألمانيا إذا خرجت بسيارتك للشارع فيجب ان تتأكد أن بها وقود يكفي الذهاب للمكان الذي ستتوجه إليه، وإذا حدث ونسيت أو نفذ منك الوقود ستأتي الشرطة إليك، لتقطر سيارتك وتساعدك ولكنك مطالب بدفع مقابل ساعة عمل الشرطي الذي قمت بتعطيله لمصلحتك الشخصية، كما ستُطالب بدفع فاتورة ثمن قطر سيارتك ومساعدتك من قبل الشرطة، كما انك ستدفع غرامة لأنك لم تضع وقود كافي في سيارتك وقمت بتعطيل الشرطة بتصرفك الخاطىء، وإذا طلبت منك الشرطة إيقاف السيارة ولم تستجب أو حاولت الخروج منها لأي سبب فمن حقه التعامل الفوري معك وربما يصل الأمر لأقصى ما تتصور من تعامل أمني حاسم.

القانون هناك لا يعرف الرحمة أو التسامح وما يسمعه البعض أو يشاهده على مواقع التواصل الاجتماعي يخفي بداخله العديد من الحقائق الغير ظاهرة، بالفعل تعود الكثير منا في عالمنا العربي الشكوى والضيق والحسرة وتمني الهجرة وعندما يهاجر يتفاجأ بالحقيقة التي لم تخطر على باله ولكن هناك من يكابر خوفًا من الاتهام بالفشل، سافرت لأحدى الدول الأوروبية لأرى بنفسي شباب عرب يفترشون الرصيف بأحد الشوارع باحثين عن عمل، لن أنسى رجل مسن في العقد الساس من عمره وهو مصري الجنسية من محافظة الإسكندرية عندما سمعني أتحدث العربية مع بعض الأصدقاء أتى نحوي مبتسمًا وهو يقول لى “مصر وحشتني”، فقلت له لماذا لا تعود؟! فرد بقول أدهشني وقتهاً: “لما جيت هنا من سنين طويلة كنت فاكر أنى هعمل المعجزات ولغاية دلوفتي وأنا في عمرى ده ماسك الحاجات دي اقف أبيعها في أحد المحلات على أمل الحصول على بعض الرزق، ضيعت عمرى في وهم وخلاص، عمري راح وولادي نسيوني لانى سافرت بلا هدف ومكنتش عارف حاجات كتير وقتها عن الحياة هنا”، ثم ابتسم لي ومر في طريقه وهو يحمل على كتفه جوال من الملابس التي  يبيعها.

كل شخص في ألمانيا له مهنته المُدرب عليها ويؤديها مثل الحاسب الآلي لا مجال للخطأ أو النسيان أو التأخير، فالتقصير معناه فصلك من عملك على الفور لانك تعتبر مهمل وغيرك يستحق راتبك، بالتالي ربما تجد نفسك في الشارع خلال وقت قصيرة فالحياة هنا لا تعرف الإهمال، دعونى أذكر لكم مثال على ذلك الأمر حدث حريق في العمارة التي أسكن بها ولم يبلغ حارس العقار السكان بل أخذ أولاده وخرج من العمارة وترك من لا يعرف على حالته والنار تلتهم جزء من العمارة، وعندما شعر السكان بالحريق وإنبعاث الدخان، اتصلوا بالشرطة والمطافي والأسعاف، الذين جاءوا خلال أقل من 10 دقائق، وتواصلت الشرطة مع السكان أكثر من مرة للإطمئان عليهم، أي لم يقصر الأداء الرسمي هنا بل كانت المفاجأة عندما تم التحدث مع حارس العقار وزوجته لأنهم مقصرين ولم يبلغوا السكان بالحريق، والذي كان يمكن ان يهدد حياتهم على غفله منهم، إلا أن العجيب في الأمر أنهم نادوا على أقربائهم وحاولوا الاشتباك مع السكان بدعوى أنهم غير مخطئين في تصرفهم الكارثي، في ألمانيا لا شىء يسمي خطأ مثل ذلك لانه يمكن ان يتسبب في كارثة بل يدمر منطقة بأكملها، ويهدد حياة المواطنين، بل يلقي أعباء إضافية على الأجهزة الأمنية لأن البعض لا يؤدي عمله بالصورة المهنية الصحيحة، فعلى حارس العقار هناك أن يخضع لبرنامج تدريبي مدته عام كامل، ويُحاسب على كل خطأ يقترفه بغرامة فورية من جانب مسؤول العقار، وليست هناك كلمة “معلش” أو “بلاش المرة دي”، فالحياة الأوروبية لا تعرف تلك المصطلحات نهائيً،ن تخيل معي إذا طالبت بتدريب حراس العقارات أو تقنين وضعهم، ماذا سوف تستمع من بعض المواطنين في عالمنا العربي؟!!

أعزائي أعلم أن هناك أزمات مختلفة ولكن قبل أن نبادر بالشكوى أرجو أن ننظر لحالنا وتعاملاتنا اليومية لنعرف من المخطىء، وهل الحل ان تطالب بتغيير من حولك في نفس الوقت الذى تحتاج لإصلاح وتغيير لأفكارك وثقافة الفوضى التي يعشقها البعض؟!

تذكروا أن من يدور في دائرة مفرغة لن يصل لوجهته مهما حاول .. بل سيصل لنهاية عمره بدون أن يحقق خطوة واحدة نحو الطريق الصحيح.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى