تقارير استراتيجية

قضايا التحول والانتقال في “الديمقراطية العربية”

Arab and Democracy in Transformation Politics
الدكتور ميلاد مفتاح الحراثي
Dr Milad ELHARATHI
إن التطلع إلي مسألة الديمقراطية “العربية” ، أصبح من القضايا المشتركة لكل العرب ، صحيح إن كل قبيلة دولاتية عربية، أو شريحة نخبوية تفهم بطريقة قد تتميز عن فهم الآخرين من الساكنة العرب ، ويظل الجميع علي استعداد للتطلع، ومن مواقع متعددة ، إلي الديمقراطية، ذلك المصطلح والمفهوم المستورد والغير متواجد في لغتنا وثقافتنا العربية! ولكن نقبله لأننا في عصر لا نملك التأثير فيه.
التعبيرات عن الديمقراطية في الأقطار العربية متفاوتة عن هذا التطلع المستحدث في ساحة التداول الديمقراطي، لكنها تعبيرات تهدف إلي قيام الإصلاحات السياسية والاقتصادية ودستوريتها.
بالطبيعة، فان هذه الضرورة ليست بدون إثمان وبدون خسائر، وإنما التغيير يقتضى دفع الثمن الوطني القطري للوصول إلي ذلك. بمعني أخر استمرار الأوضاع علي حالها في الحالة العربية سيكلف الجميع خسائر فادحة، وإثمان باهضة الثمن. بينما الانخراط في مشروع وطني جماعي فأنه لن يكلف العرب خسائر فادحة، وهو الثمن الذي ينبغي إن يدفع في اى ثورة تجديدية.
العرب هم جزء من الموجة الديمقراطية الثالثة والتي يعيشها الوطن العربي، الأمر الذي يتطلب بلورة خيارات التحولي والانتقال الديمقراطي، من أجل الوجود علي خارطة التغيير في المشهد العالمي والعربي، وهو حديث له شجون:
الوعي بالفعل الديمقراطي:
إحداث الإقليم العربي المتأزم ديمقراطيا ومجتمعيا، ، مرهونة إلي حد كبير علي مدي انتشار الوعي الديمقراطي المتحضر، والمتزن، والغير منحاز إلي ثقافة العقل السبيعيني والثمانيني والتسعيني من القرن الماضي. انه العمق والوعي بما العرب فيه من ضرورتها، ودورها في إخراجهم من المآزق ألكبري، التي نعانيها الأمة علي مختلف الُصُعد والمجالات.
الوعي الديمقراطي يبدأ بالاهتمام بكثافة واليات، وطرق، ومنهجية إدارة أمور وشئون وقضايا العرب، بمعني مدي انسجام السلوك ألمواطني العربي، العام والخاص، مع متطلبات المشهد الديمقراطي العام. وتظل مهمة النخب ” الوطنية ” في الوطن العربي، والمؤمنة بنتائج الديمقراطية، وإفرازاتها هو العمل علي تعميم هذا الوعي، وتعميقه بمختلف الوسائل والأدوات المجتمعية.
ثقافية الديمقراطية:
إذا الواقع الوطني يحتاج إلي تخليق معمار لثقافية الديمقراطية في الوطن العربي، تؤكد علي القيم الكبيرة، والحاضنة للشأن والوعاء الديمقراطي المنشود، من خلال استزراع قيم وثقافة عملية تحترم الأخر بكل تجلياته وعناوينه، وتسعي إلي تأكيد قيم التنوع والاختلاف والتعدد ألمواطني ، حقوقا وواجبات.
للديمقراطية بوابة ، يعرفها الجميع، وهي تجذير الخيار وثقافية الديمقراطية في الواقع المجتمعي العربي، وذلك لان الديمقراطية أسلوب للحياة وتلاقي المختلف مع غير المختلف، والخلاف مع المختلف، وهي ليست شكلا سياسيا، أو إجراء قانوني، أو تغيير إفراد واستجلاب، إفراد فحسب، وإنما هي ، قبل كل شىئ ، ثقافية تقبل المغاير وتحترمهُ، وتؤمن به بأن الحقيقة الإنسانية للسياسة نسبية ، ولا يمكن احتكارها من أي طرف ، طال الزمن أو قصر.
وثقافية الديمقراطية المنشودة عربيا، هي ثقافة تُشجع، وتدفع الكل للمشاركة في المجال الوطني والسياسي، باعتباره مجالا عاما وليس خاصا، ومن حق المواطنة إن تشارك فيه وتتبوأ مواقع الإفراز والتقدم الديمقراطي. الوضع العربي الحالي لا يزال يحتاج إلي ثقافية عملية للتحول والانتقال الديمقراطي، وبشكل مستمر, من اجل البحث عن المزيد من الروافد للواقع المتأزم وتصورات ناضجة تعمل علي احتضان الخيار الديمقراطي، وتدافع عنه ضد الأنانية والجهوية، والنزاعات الشوفينية، والقبلية التي تحول دون تطوير المشهد الديمقراطي الوطني في مجتمعنا الصاعد.
الإرادة و ثقافية الديمقراطية:
التحول الديمقراطي، في أي كيان مجتمعي قائم، لا يمكن انجازه صدفة، أو بعيداَ عن الإرادة الوطنية ، بل هو وليد مخاض مواطني، وللجهد نحو الانجاز لهذا التحول. انه وليد لإرادة الإنسان الباحث عن التغيير والرافض، والمقاوم لكل الاحباطات والمؤامرات، ضد إرادة التغيير، والتي منها تتم ولادة عملية التحول الديمقراطي. إرادة التغيير ليست حكرا علي فئة نخبوية، أو جمعوية أو طائفية أو قبلية، أو حتي طبقة المحاربين، فهي الدور المركزي بذاته، في كل المجتمعات التي مرت بالتحولات ألكبري.
الإيمان بتفضيل الأنظمة الديمقراطية علي أنظمة الاستبداد والقمع والديكتاتورية لا يكفي، وإنما ثقافية الديمقراطية لا تزال بحاجة إلي إرادة التغيير والفعل الحقيقي، إرادة تمتلك الاستعدادات الوطنية المُخلصة لترجمة التضحيات، ومجابهة ثقافية الخنوع والاستبداد والفر دانية السياسية.
أنها الإرادة الاجتماعيةSocial Will) ) تعمل مخلصة لصالح التحول الديمقراطي وإدراك أهميته. التحول الديمقراطي لا يتحقق بالخطب الرنانة، وتعطيل المصالح والمظاهرات والاعتصام، والشعارات المُستلفة من القرن الماضي، بل من خلال التواصلية، والمصالحة مع الوطن، يتجه نحو المأسسة للبُني التحتية للمشهد الديمقراطي وواقعه المجتمعي.
وفي غياب السالف الذكر من المنطق، فالتحول الديمقراطي سوف لن يتم بعيدا عن الإرادة الاجتماعية والشعبية للمواطنة، لأنها سوف تفتقد إلي العمق السياسي والوطني، والذي يجذر قواعدها، لا يمكن بعدها والتراجع عن خياراتها. ألديمقراطية كما أسلفنا مشروع اجتماعي بواجهات سياسية،(Social Enterprise) تستبعد في مشهديتها مظاهر الانقلاب السياسي ،أو الاستيلاء علي السلطة بقوة السلاح، الأمر الذي يعرقل استمرار دولة القانون وتأمين الحريات الافتراضية، وقيام أحزاب متنافسة، وبناء توافقية اجتماعية-سياسية كحد مقبول لفكرة التداول السلمي للسلطة.
العرب في أمس الحاجة إلي الامتزاج العاقل الرشيد بين هذه المنظومة من قيم التحول والتغير الاجتماعي، الأمر الذي يوفر إمكانيات الصعود في خطوات عملية في مشروع وطني عربي ديمقراطي. ممارسة التغيير المجتمعي ليس الكل يمتلك مقوماتها، لأنها تتطلب وعيها وعمقها وقبول نتائجها، ثقافية تعمل علي ترجمة الوعي بالتحول والتغيير إلي برامج مُشرعنة سلوكا وعقيدة.
والأمر ليس كذلك وبهذه البساطة ، فالأمر يتطلب إلي المزيد من التراكم من العمل المضني الصادق السياسي والاجتماعي والحضري والحضاري، لكي تتحول ثقافية الديمقراطية إلي كثافة وسلوك إلي جزء لا يتجزأ من النسيج المجتمعي بكل عناوينه ومشاربه. إذا الوعي والإرادة وثقافية الديمقراطية دروب لابد من الوعي بها.
كلمات لابد منها لا تحتاج إلي تثنية:
الذين قادوا التغيير ثورات الإقليم، لم يتم تأطيرهم في أيديولوجيات نافقه ومغلقة، ولم يتربوا في خلايا للممارسة التخريب المجتمعي، وإنما حركهم الوعي الوطني ‘ ورفعوا، شعارات ” الحر ية، والمشاركة في صنع همهم العربي، والكرامة، ورفضهم للفر دانية السياسية والفكرية لقيادة مجتمعهم، ورفض إيوائهم في ألسجون بعيدا عن السجال العقائدي المتعلق بمفاهيم السابقة الذكر، فعبروا عن ذاتهم والذات الوطنية ، وما يختلج في صدر أوطانهم ، فكانت تلك اللحظة التاريخية الاستثنائية للتاريخ السياسي العربي، التي أدخلته إلي حركة التاريخ. فالساكنة العربية التي حملت لواء التغيير الاجتماعي، وخرجت إلي الشوارع، والميادين وفي الفري والأرياف والمدن، وبلورة مطالبها في التغيير، هي التي قادت مشعل التحول والتغيير، وهي التي فكت ارتباطها مع كل مؤسسات الأبحاث والدراسات لمقولات الإصلاح والثورة.
فالتغيير لم يتحقق بعد، ولكن دون سيطرة احد علي احد، فقامت انتفاضة ليس لها من يقودها أو يدعي ملكيتها، لأنها طفرة مجتمعية لا احد يمتلك تبني انجازها، ولا يمتلك صكوك ولادتها قيامها، ولا نها تعمل علي رفع الظلم والاستبداد وتفكيك مخزن الاستئثار والاحتكار السياسي. لذلك التاريخ سوف يحتضنها كمحاولة في سُلم الصفر الحقيقة .

Dr. Professor Milad M. ELHARATHI
Dr. Professor Milad M. ELHARATHI
Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى