الدراسات البحثيةالعلاقات الدوليةالنظم السياسي

إستراتيجيات التفاوض مع التطبيق العملي من الخبرة المصرية

إعداد الباحث والمحلل السياسي:حسين خلف موسى
باحث فى المركز الديمقراطى العربى
عناصر الدراسة :
1- مقدمة عن التفاوض
2- ماهية التفاوض
3- خصائص عملية التفاوض
4- محددات النجاح في عملية التفاوض
الاستراتجيات العامة للتفاوض :
1 إستراتيجية تعظيم الفائدة المتبادلة
2 إستراتيجية الهيمنة
3 إستراتيجية الخنوع
4 إستراتيجية التسويف
5- إستراتيجية التفاوض غير المباشر
5- أهم استراتجيات التفاوض الرئيسية في التسوق التجاري والاقتصادي
6- أهم استراتجيات التفاوض الرئيسية في المجال السياسي
تكتيكات التفاوض:
1 التسويف أو الصمت المؤقت
2 – المفاجأة
3 – الأمر الواقع
4 – الانسحاب الهادي
5 – الانسحاب الظاهري
6 – الكر والفر
7 – التقيد
8 – ادعاء العجز
9 – مفترق الطريق
10 – التدرج
7- أهم التكتيكات والسياسات التفاوضية السياسية
8- الإستراتيجية المصرية في إدارة أزمة حوض النيل
9- الخاتمة
10- المراجع
أولا :مقدمة عن التفاوض واستراتجياته:
تعد المفاوضات من أولى وسائل حل المنازعات الدولية والداخلية وهى وسيلة تقتصر في اغلب الأحوال على أطراف النزاع أنفسهم وان كان يمكن التفاوض بواسطة طرف ثالث .. وهى وسيلة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ باعتبارها وسيلة لتقليل أو لإزالة حد التوتر أو الأزمات والحقيقة نحن نعيش اليوم في عصر التفاوض ، فاغلب أنشطة حياتنا وما ينجم عنها من خلافات قد أصبح في حاجة للتفاوض لكي نتمكن من تحقيق أهدافنا ومصالحنا المتناقضة دائما وأبدا ..
وتظهر ضرورة علم التفاوض ومدى الأهمية التي يستمدها من العلاقة التفاوضية القائمة بين أطرافه أي ما يتعلق بالقضية التفاوضية التي يتم التفاوض بشأنها وتلك هي الزاوية الأولى. أما إذا نظرنا إلى الزاوية الثانية وهي زاوية الحتمية. نجد أن علم التفاوض يستمد حتميته من كونه المخرج أو المنفذ الوحيد الممكن استخدامه لمعالجة القضية التفاوضية والوصول إلى حل للمشكلة المتنازع بشأنها. فالتفاوض في جوهرة ليس إلا تبادل وجهات النظر حول مسالة أو موضوع معين فهو إذن نوع من الاتصال أو الترابط أو التبادل أو الاجتماع الذي يفترض بطبيعة الأشياء وجود أكثر من طرف ….
فكل طرف من أطراف القضية التفاوضية لديه درجة معينة من السلطة والقوة والنفوذ لكنه في الوقت نفسه ليس لديه كل السلطة أو النفوذ أو القوة الكاملة لإملاء إرادته وفرضها إجباريا على الطرف الآخر ومن ثم يصبح التفاوض هو الأسلوب الوحيد المتاح إمام الأطراف التي لها علاقة بالقضية وتريد الوصول إلى حل لها. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن التفاوض يمثل مرحلة من مراحل حل القضية محل نزاع إذ يستخدم في أكثر من مرحلة وغالبا ما يكون تتويجا كاملا لهذه المراحل. فالتفاوض كأداة للحوار يكون اشد تأثيرا من الوسائل الأخرى لحل المشاكل. فالعمل العسكري أو الحرب وإن كانت أسرع في فرض الإرادة إلا أنها لا تمثل نهاية المطاف فالحرب لا تؤثر في قهر الخصم وتدمير عزيمته.
لذا يعد التفاوض مخرجا نهائيا نحو الاستقرار وإن كان يجب التحفظ قليلا للتأكد من صدق النوايا والتأكد من القدرات والقوى التوازنية التي تملكها الأطراف المتفاوضة. وهو كذلك انتصار للعقلانية المدركة لكافة الأمور والأبعاد تستخدم فيها أسلحة الحوار ومقارعة الرأي والحجة بالحجة والدليل بالدليل ومن ثم يكون الوصول إلى نتائج نهائية يقنع بها الأطراف
وللتفاوض عديد من الاستراتجيات والتكتيكات والمفاوض الماهر يوظف العديد من الوسائل معا ليستفيد منها في تحقيق أهدافه وإشباع حاجاته المنظمةاو الدولة التي يمثلها في موضوع التفاوض ، وهذه الوسائل تشمل مجموعة من الاستراتجيات والأساليب يقسمها Nierenberg الى استراتيجيات مت ؟ واستراتيجيات كيف وأين ؟ وسوف نتعرض لكل منها داخل هذه الدراسة بتوضيح بعض جوانبهما وبالإضافة الى هذه الاستراتجيات توجد تقسيمات أخرى منها استراتجيات خاصة بالتفاوض السياسي وأخرى للاجتماعي … الخ .
ثانيا :ماهية التفاوض :
تنوعت وتعددت تعريفات التفاوض لكن أكثرها شيوعا هو الذي عرفه دكتور D. HOWVER ” على انه عملية المباحثات التي تتم بين طرفين أو أكثر ، ينظر كل منهما للآخر على انه متحكم في مصادر اشباعات الآخر ،ويهدفان منها الى بلوغ حد الاتفاق على تغير الأوضاع .
بينما نظر إليه الدكتور احمد أبو الوفا أستاذ التفاوض القانوني على انه ” تبادل وجهات النظر حول مسالة أو موضوع معين وهو يفترض طرفين على الأقل أو أكثر وهو نوع من الاتصال أو الترابط أو التبادل أو الاجتماع الذي يفترض بطبيعة الأشياء وجود أكثر من طرف .”
ثالثا: خصائص عملية التفاوض :
للعملية التفاوضية العديد من الخصائص نذكر منها :
أ‌- أن عملية التفاوض تعتبر أداة لفض النزاع ولكن استمرارها مرهون باستمرار المصالح المشتركة
بين المتفاوضين
أ‌- أن التفاوض هو علم وفن في نفس الوقت
ب‌- أن عملية التفاوض عملية اجتماعية معقدة تتأثر بهيكل العلاقات الاجتماعية وتؤثر فيها وتتأثر باتجاهات المفاوضين وتؤثر فيها
ت‌- التفاوض يتأثر بشخصية المتفاوضين ، وتوقعات الخصم وتقديرات المفاوض
لسلوك الخصم .
رابعا : محددات النجاح في عملية التفاوض :
هناك عدة محددات للنجاح في عملية التفاوض نذكر منها :
ث‌- الإعداد الجيد للتفاوض
ج‌- الإستراتجية المستخدمة والتكتيك المصاحب لها
ح‌- الاستخدام الجيد والذكي للوقت
خ‌- خصائص المفاوض ومهاراته
د‌- العلاقة بين الأطراف المتفاوضة
ذ‌- مركز القوة النسبية للمتفاوضين
” خامسا : الاستراتيجيات العامة للتفاوض ”
لا تفاوض ناجح بدون إستراتجية عملية علمية تقوم عليه وفى الوقت نفسه ليست كل إستراتجية تفاوضية تعد مناسبة لكل قضية من القضايا التي يتم التفاوض عليها ..بل أن طبيعة العلاقة بين أطراف القضية التفاوضية تلعب دورا مهما في اختيار هذه الإستراتجية
وهناك العديد من الاستراتجيات المستخدمة في التفاوض نذكر منها :
1- إستراتيجية تعظيم الفائدة المتبادلة :
هذه الإستراتيجية تسعي الى إيجاد بدائل وحلول مقبولة لكافة أطراف العملية التفاوضية وتطوير التعاون وتعميق العلاقة القائمة وتوسيع نطاق التفاوض ومده الى مجالات جديدة سواء عن طريق :
• إيجاد وسيلة لزيادة الموارد موضوع الخلاف أو التفاوض
• أن يتحقق احد الإطراف أهدافها ولكن بتكلفة اقل للطرف الآخر
• أن يقدم طرف تعويض للطرف الآخر مقابل التنازلات التي يقدمها
• أن يقدم كل طرف تنازلات بالنسبة للقضايا ذات الأولوية الدنيا لكل طرف
• تطوير اختيار أو بديل جديد تماما يلبي أهداف الأطراف
وتتضمن هذه الإستراتيجية استخدام تكتيكات مثل :
• المبادرة بتقديم تنازلات علي اعتبار أن الطرف الآخر سيقدم تنازلات مقابلها
• الكشف عن أهدافك ومصالحك
• التلميح عن طريق وسطاء أو قنوات خلفية بإمكانية الوصول إلي حل وسط .
2- إستراتيجية الهيمنة :
هذه الإستراتيجية تتضمن محاولة طرف إقناع الطرف الآخر بقبول حلول بدائل تحقق مصلحته بالدرجة الأولي تتضمن هذه الإستراتيجية استخدام تكتيكات للضغط والإنهاك والاستنزاف في محاولة للسيطرة وإخضاع الطرف الآخر مثل :
• تقديم مطالب تفوق بكثير الحد الأدنى المطلوب
• التمسك بموقف ” غير قابلة للتغيير
• الجدل لإقناع الطرف الآخر أن التنازلات في مصلحته .
• استخدام التهديدات ( مثلا بالانسحاب من المفاوضات او فرض عقوبات علي الطرف الآخر لرفضه تقديم تنازلات )
• التلميح بان عنصر الوقت يشكل عامل ضغط اكبر على الطرف الآخر
• محاولة الحصول على اكبر قدر من المعلومات حول أهداف الطرف الآخر وحدوده الادني مع إخفاء أي معلومات عن أهدافك أو مواقفك
3- إستراتيجية الخنوع :
هذه الإستراتيجية تتضمن تقليص الأهداف والمطالب المطروحة على مائدة المفاوضات والمبادرة بتقديم التنازلات بهدف سرعة حسم المشكلة أو القضية وإنهاء المفاوضات سريعا .
4- إستراتيجية التسويف :
هذه الإستراتيجية تعمل علي المماطلة وكسب الوقت وتفويت الفرصة بهدف تعطيل المفاوضات أو أطالة أمدها على اعتبار أن الزمن سيكون هو العامل الأكثر تأثيرا في القضية أو المشكلة موضوع التفاوض وكذلك في سير العملية التفاوضية وإداراتها .
5- إستراتيجية التفاوض غير المباشر :
ج _تتضمن التفاوض مع طرف بشكل مباشر بهدف التأثير علي طرف ثالث بشكل غير مباشر السلوك التفاوضي – سواء من ناحية التشدد أو اللين أو نوعية المقترحات أو التنازلات أو الاتفاقات – تستهدف التأثير علي طرف ثالث وليس على الطرف المباشر للعملية التفاوضية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سادسا : أهم استراتجيات التفاوض الرئيسية في التسوق التجاري والاقتصادي :
وتركز هذه الاستراتيجيات بصفة عامة على الجوانب التسويقية الخاصة بالترويج والإعلان عن المنتج
ومن هذه الاستراتيجيات ما يلي :
أ‌- الإستراتجية الابتكارية Innovation strategy :
وهى تستخدم من قبل شركة أو طرف ما يسعى الى إيجاد وبناء علاقة طيبة بين الشركة والجمهور في محاولة لاستقطاب أو تكوين جمهور لمنتجاتها وذلك من خلال الابتكارية في ذات الإعلان الذي أصبحت مفرداته متبادلة في الحوار اليومي من اجل إشاعة روح الدعابة . مثال : قيام شركة لأحذية الأطفال بإنتاج احذية تضئ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عند السير بها ، وطرح كميات هائلة في شهر رمضان المبارك مع حملة ذكية ..أدى هذا الأمر الى بيع ملايين الأحذية في وقت قياسي
ب‌- إستراتجية التحصين Fortification strategy :
وهذه الإستراتيجية توظف من خلال العمل على تحسين الأوضاع التنافسية للمنشأة بتسهيل أمر البيع كتوصيل المنتج لمنازل العملاء والبيع بكاتالوجات وأحيانا تهتم المؤسسة بعمل نشاط أو رحلات تجتذب
بها عملاءها
ت‌- إستراتيجية المواجهة Confrontation strategy :
وهذه الإستراتيجية توظفها الشركة أو المؤسسة الاقتصادية للتصدي لمؤسسات أو شركات منافسة أخرى تقوم بالاعتداء على الشركة من خلال إشاعات أو ما شابه ذلك .. ومن ثم فان على الشركة أن تقوم بنفي الشائعة من خلال توضيح الموقف لجمهورها من خلال وسائل ترويجية للسلع أو الخدمات للحفاظ على سوق منتجاتها
ث‌- إستراتيجية النوعية المتميزة :QUALITY STRATEGY
وتهدف هذه الإستراتيجية للحفاظ على حصة الشركة التسويقية من خلال الاحتفاظ بمستوى معين من جودة المنتج أو الخدمة بما يجعلها دائما في مستوى أفضل لدى المستهلك
ج‌- إستراتيجية العمل على زيادة الطلب على منتجات الشركة
Primary Demand strategy
وتهدف هذه الإستراتيجية الى زيادة مستوى الطلب الكلى على منتجات الصناعة أو الخدمات مع حصول المؤسسة أو الشركة على النصيب الأكبر من هذه الزيادة ، وذلك من خلال زيادة عدد مستخدمي المنتجات أو من خلال زيادة الرغبة في الشراء
سابعا : أهم استراتجيات التفاوض الرئيسية في
المجال السياسي
تقوم معظم الاستراتجيات التفاوضية في المجال السياسي على منهجان هما
(1) منهج المصلحة المشتركة
(2) منهج الصراع
وكل منهج له عدة استراتيجيات نذكر منها :
أولا: منهج المصلحة المشتركة :
ويضم هذا المنهج مجموعة من الاستراتيجيات النوعية التي أهمها
1) إستراتيجية التكامل
2) إستراتيجية التعاون الحالي
3) إستراتيجية تعميق العلاقة القائمة
4) إستراتيجية توسيع التعاون بمده الى مجالات جديدة
وفيما يلي التفصيل
أولا : إستراتيجية التكامل :
ويعنى تطوير العلاقة بين طرفي التفاوض الى درجة أن يصبح كل منهما مكملا للأخر في كل شي باندماج المصالح والفوائد والكيان القانوني أحيانا ويتم تناول إستراتيجية التكامل في ضؤء بدائل ثلاثة هي
1- التكامل الخلفي : ويعنى قيام احد أطراف التفاوض بإيجاد علاقة يمكن من خلالها الاستفادة من قوة الأخر
2- التكامل الامامى : ويتم من مبادرة احد الأطراف المتفاوضة بالكشف عن ما يحوزه الآخر من مزايا يمكن الاستفادة منها
3 – التكامل الافقى :ويعنى توسيع نطاق المصلحة المشتركة بين الطرفين المتفاوضين بإضافة طرف ثالث إليهما أو أطراف جديدة
ثانيا : إستراتيجية التعاون الحالي :
وهي تقوم بتحقيق مجموعة من الأهداف العليا التي تعمل على تطوير المصلحة المشتركة بين طرفي التفاوض وتوثيق أوجه التعاون بينهما، وذلك إما عن طريق توسيع مجالات التعاون، أو الارتقاء بدرجة التعاون بينهما، وهذا بالطبع يرجع لدرجة التوافق بينهما في الاتجاهات والميول والتناسب في الظروف والأوضاع، ويرجع أيضًا إلى مدى الرغبة المتوفرة لدى الأطراف المتفاوضة نحو تحقيق الارتقاء المطلوب.
ثالثا : إستراتيجية تعميق العلاقة القائمة :
وتقوم هذه الإستراتيجية على الوصول لمدى أكبر من التعاون بين طرفي أو أكثر تجمعهم مصلحة ما، حيث يقوم كل منهما بإحداث عمق في علاقته بالآخر، فعلاقات التصاهر بين العائلات وعلاقات الإنتاج المشترك بين الشركات هي خير نموذج لإستراتيجية تقوية الروابط، وصولا إلى مرحلة الاندماج الكامل بينهما.
رابعا : إستراتيجية توسيع التعاون بمده الى مجالات جديدة :
وهنا نعتمد على الواقع التاريخي الممتد بين طرفي التفاوض، من حيث التعاون القائم بينهما وتعدد وسائله وتعدد مراحله، ومن خلال الإحساس بأهمية وحتمية التعاون مع الآخر، وضرورة مد هذا التعاون مكانًا وزمانًا.
ثانيا : منهج الصراع :
على الرغم من أن جميع من يمارسون استراتيجيات الصراع في مفاوضاتهم سواء على المستوى الفردي للأشخاص أو على المستوى الجماعي وتباينهم واعتمادهم عليها إلا أنهم يمارسونها سرا دائما وفى الخفاء وشمل هذا المنهج العديد من الاستراتيجيات منها :
1- – إستراتيجية الإنهاك (الاستنزاف)
2- – إستراتيجية التشتيت (التفتيت):
3- إستراتيجية إحكام السيطرة
4- إستراتيجية الدحر (الغزو المنظم):
5- – إستراتيجية التدمير الذاتي
وفيما يلي التفصيل :
أولا : – إستراتيجية الإنهاك (الاستنزاف) :
وهي تقوم على محاولة استنزاف وقت وجهد ومال الطرف الآخر في التفاوض، وذلك بالتفاوض حول فكرة التفاوض نفسه، أو التفاوض حول زمان ومكان التفاوض، و وضع برنامج استقبال حافل ووضع برنامج لزيارة المناطق التاريخية أولا
ثانيا : – إستراتيجية التشتيت (التفتيت):
وهذه الإستراتيجية تقوم على فحص الفريق التفاوضي الآخر ومعرفة ميوله وانتماءاته وعقائده، والوصول لمستواهم العلمي والاجتماعي والفني وكل ما من شأنه أن يقسمهم إلى شرائح ثم ترسم سياسة ماكرة لتفتيت وحدة وتكامل هذا الفريق
ثالثا : إستراتيجية إحكام السيطرة :
تعد العملية التفاوضية وفقًا لمنهج الصراع، معركة شرسة، أو مباراة ذهنية ذكية بين طرفين، ومن ثم تقوم هذه الإستراتيجية على حشد كافة الإمكانيات التي تكفل السيطرة الكاملة على جلسات التفاوض سواء من حيث القدرة على التنويع والتبديل للمبادرات التفاوضية التي يتم طرحها على مائدة المفاوضات، القدرة على الحركة السريعة والاستجابة التلقائية والفورية، والاستعداد الدائم للتفاوض فور إبداء الطرف الآخر رغبته في التفاوض لتفويت الفرصة عليه في أخذ زمام المبادرة، الحرص على إبقاء الطرف الآخر في مركز التابع.
رابعا : إستراتيجية الدحر (الغزو المنظم):
وفقًا لهذه الإستراتيجية يتم استخدام التفاوض التدريجي خطوة خطوة، ليصبح عملية غزو منظم للطرف الآخر، حيث تبدأ العملية باختراق حاجز الصمت، أو حاجز ندرة المعلومات بتجميع كافة البيانات والمعلومات الممكنة من خلال التفاوض التمهيدي مع هذا الطرف
خامسا : إستراتيجية التدمير الذاتي :
لكل طرف من أطراف التفاوض أهداف، آمال، أحلام؛ وهي جميعها تواجه محددات، عقبات، صعاب، وكلما كانت هذه العقبات شديدة كلما ازداد يأس هذا الطرف وإحساسه باستحالة الوصول إليها، وأنه مهما بذل من جهد فإنه لن يصل إليها، وهنا عليه أن يختار بين بديلين:
– صرف النظر عن هذه الطموحات.
– البحث عن وسائل أخرى جديدة تمكِّنه من تحقيق هذه الأهداف في المستقبل
ووفقًا لهذين البديلين يتم معرفة ومتابعة سلوك الآخر، فإذا اختار البديل الأول فقد انسحب مبكرًا وترك لك المجال، وإذا اتجه للبديل الثاني فعليك محاولة تدمير كافة جهوده ومخططاته وتحطيم روحه المعنوية وفى النهاية نجد إن كلا من المنهجان له استخدماته في أوقات محدده طبقا لظروف ونوعية التفاوض والعلاقة القائمة بين أطرافه
والمفاوض الجيد هو الذي يعرف الإستراتجية المناسبة للموقف التفاوضي ومن خلال تبنى إستراتيجية معينة يقوم باجرء العملية التفاوضية من خلاله ومن القدرة على التنوع بين الاستراتيجيات المختلفة إذا تطلب الأمر هذا .
تكتيكات أخرى للتفاوض:
وهي إجراءات تنفيذ الإستراتيجية ومن بينها :
1) التسويف أو الصمت المؤقت Forbearance
وهي تتضمن الامتناع عن الرد الفوري أو تأجيل الاجابه عن سؤال معين بتغيير مجري الحديث أو الرد بسؤال آخر بغرض الاستفادة من الوقت للتفكير ودراسة مغزى السؤال وأهدافه وتقرير ما يجب عملة المفاوض الذي يبادر بالاستجابة إلي طلبات خصمه وتقديم التنازلات فان الأخير لا يتوقف عن طلب المزيد
2) المفاجأة Surprise
تتضمن التغيير المفاجئ في الأسلوب أو طريقة الحديث أو التفاوض على الرغم من أن التغيير لم يكن متوقعا في ذلك الوقت وعادة يعكس ذلك هدفا ما أو الحصول علي تنازلات من الخصم .
3) الأمر الواقع : Fait accompli
وتتضمن دفه الطرف الأخر لقبول تصرفك بوضعه أمام الأمر الواقع ولنجاح هذا التكتيك عمليا يجب توفر عدة شروط من اهمها :
– أن يكون احتمال قبول الطرف المعارض للنتيجة في النهاية احتمالا كبيرا
– أن تكون خسارة الطرف المعارض من استمرار معارضته اكبر ماديا ومعنويا من الخسارة التي تحدث نتيجة عدم تقبله الأمر الواقع
4) الانسحاب الهادئ : Bland withfrawal
وهي استعداد المفاوض علي الانسحاب والتنازل عن رأيه للطرف الآخر بعد أن يكون قد حصل علي بعض المميزات مهما كانت فهو هنا يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه ويحل المشكلة من خلال كلمة اعتذار عما فات مبديا استعداده لموافقة الطرف الآخر فيما يذهب إليه
5)الانسحاب الظاهري :Apparent :
وهنا يعلن احد الأطراف انسحابه في اللحظة الحاسمة فيحصل بذلك على مزيد من التنازلات من خصمه ..والانسحاب الظاهري هو مزيج من التسويف والخداع
6) الكر والفر أو التحول :Reversal:
تعني استعداد المفاوض لتحويل موقفة من الأمام إلي الخلف أو العكس طبقا لظروف التفاوض وملابساته .
7) التقييد :limits :
وهي وضع قيد على الاتصال وذلك لإجبار الطرف الآخر على الوصول إلي قرار سريع أو للنزول على رغبة معينة في التفاوض وعادة بالنسبة للطرف الآخر في المفاوضات تكون هذه القيود غير ملزمة له ويمكنه الاستمرار في التفاوض حتى لو تجاوز القيد المسموح به أو الوقت المسموح به من قبل الخصم وتستخدم هذه الإستراتيجية لإجبار الخصم على الوصول الى قرار سريع أو النزول على رغبة معينة في التفاوض . وقد تستخدم في التمويه والخداع
8) تحويل النظر عن القضايا الرئيسية لقضايا فرعية ( التفتيت ) :
تستخدم للتشدد في القضايا الرئيسة الهامة وتقديم تنازلات في القضايا الفرعية الأقل أهمية فإذا كان الموضوع غير قابل ككل للتفاوض من جانب أحد الأطراف فيمكن تجزئته او تقسيمه الى عدة موضوعات فرعية والتفاوض بشان كلا منها
9) ادعاء العجز :
أي تبرير موقف المفاوض المتشدد وعدم تقديم تنازلات بسبب الضغوط التي يتعرض لها من الجماعات أو الفئات التي يمثلها أو محدودية الصلاحية .
10) مفترق الطرق :
أي أن يتبع المفاوض أسلوب التنازل في بعض القضايا ليحصل على أقصى ما يمكن الحصول علية من تنازلات في القضايا الأكثر أهمية مدعيا انه مادام تماشي مع الطرف الأخر فيجب أن يقابله في منتصف الطريق .
11) التدرج أو الخطوة خطوة :
حيث تؤخذ القضية جزءا جزءا إلي أن تصل الأطراف المتفاوضة الى الهدف النهائي وهي تفيد في حالة عدم معرفة الأطراف لبعضهم البعض أو خبراتهم في التعامل محدودة او لا يوجد ثقة بينهم .
أهم التكتيكات والسياسات التفاوضية السياسية:
ويمكن أجملها فيما يلي :
1- أبدا بطلب الأكثر لتحصل على الأقل الذي تريده
2- من التكتيكات المستخدمة لجعل الاقتراح مقبولا للطرف الآخر أن يتم طرحه مع بديل آخر لا يقبله حتى يتنازل ويقبل الاقتراح الأول
3- عند رفض اقتراح فيمكن أما سحبه أو تقديم اقتراح معدل أو التفاوض من جديد
4- يجب تقسم الأدوار بين أعضاء الوفد الواحد بحيث يكون احدهما متشددا والآخر معتدلا والرابع متغطرسا والخامس متواضعا (1)
5- يصاحب المفاوضات ضغوط نفسية أو سياسية أو اقتصادية
6- تلعب إستراتجية الإقناع دورا هاما في عملية التفاوض
7- يمكن اللجوء الى التهديدات أو التحذيرات
مثال تطبيقي
الإستراتيجية المصرية في إدارة أزمة حوض النيل
أبعاد الأزمة :
أزمة النيل هي أزمة بين مصر ودول الحوض على تقاسم مياه النيل. طالبت بعض دول حوض النيل بإعادة النظر في اتفاقيتي 1929 التي وقعت إبان الاستعمار البريطاني للمنطقة، واتفاقية 1959التي وقعت بين مصر والسودان لتنظيم الاستفادة من موارد النهر، حيث ترى هذه الدول أنها غير ملزمة بهذه الاتفاقيات لأنها تمت في الحقبة الاستعمارية. تعطي اتفاقيات عام 1929 مصر حق النقض على أي مشروعات مائية من شأنها التأثير على منسوب مياه النيل التي تصل إليها، واستكملت اتفاقيات عام 1929م باتفاقية مصرية سودانية عام 1959م تعطي لمصر حق استغلال 55 مليار متر مكعب من مياه النيل من أصل 83 مليار متر مكعب تصل إلى السودان، لتكون بذلك حصة هذا البلد 18 مليار متر مكعب من مياه النيل. ويبلغ عدد الدول المشاركة في حوض نهر النيل عشرا، وهي من المنبع إلى المصب كما يلي: بوروندي، رواندا، تنزانيا، كينيا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، أوغندا، إثيوبيا، إريتريا، السودان، ومصر.
الإستراتجية المصرية في إدارة ملف أزمة حوض النيل:
من الواضح أن أبعاد الأزمة السياسية والاقتصادية في تداخل مستمر خاصة في ظل عدم وجود إطار قانوني واضح يتيح للأطراف المتنازعة فرصة للاحتكام لمبادئ القانون الدولي ومن ثم ترتب على ذلك أن ازدادت خطورة هذه الأزمة
ومن ثم فان التعرض لكيفية مواجهتها لابد أن يأخذ في الاعتبار عاملين أساسين هما : (
 أن إستراتيجية المواجهة تتوقف على طبيعة الموقف المحتمل لازمة
 أن لهذه الإستراتيجية عناصر وركائز أساسية سواء على المستوى المؤسسي أو على مستوى التعامل
ويمكن أن نلخص الإستراتيجية المصرية في إدارة ملف أزمة حوض النيل فيما يلي :
1) الموازنة بين أساليب العمل والتفاوض الجماعي متعدد الأطراف من ناحية والتركيز على العمل الثنائي مع كل دولة على حدي من ناحية أخرى
2) من الناحية السياسية والدبلوماسية قامت بتطوير مجموعة من السياسات تتناسب وظروف كل دولة ومواقفها فعملت مصر على تشجيع ول حوض النيل المعتدلة على مواصلة تمسكها بمواقفها (1)
3) تحديد الأهمية النسبية للمصالح المائية لكل دولة من دول حوض النيل بين مجمل المصالح الوطنية الإستراتيجية لهذه الدولة .. فبنما تمثل المصالح المائية لمصر والسودان مصلحة حيوية قصوى فان الأمر ليس كذلك لباقي دول الحوض الأقل اعتمادا على مياه النيل .. لذا فان مصر اتخذت من السياسات ما يسمح لها بمبادلة المصالح الأكثر حيوية لكل دولة مع مصالحها الأقل أهمية في مياه النيل
4) كذلك تقوم الإستراتجية المصرية على بناء التحالفات الإقليمية وتوثيق التحالف مع السودان والعمل معا كجبهة واحدة بحكم المصلحة المشتركة بين البلدين باعتبارهما بلدي المصب الرئيسيين وهو المكون الأهم لتحالفات مصر الإقليمية في حوض النيل
5) تستند مصر في إستراتجيتها تجاه حوض النيل على مكون دولي فالموقف المصري من النواحي القانونية والسياسية والتنموية يحظى بدعم الأطراف الدولية
6) كذلك تقوم الإستراتجية المصرية على تحقيق التعاون المائي فهناك أطروحات لمشروعات مشتركة بين مصر وأثيوبيا والسودان حيث تمثل السودان جانبا مهما في هذه المشروعات وهناك احتمالات كبيرة لتوليد الكهرباء بين هذه الدول
الخاتمة:
مما سبق نجد انه تعددت الحيل والاستراتيجيات والتكتيكات التي يوصى بها خبراء التفاوض بمراعاتها أثناء عملية التفاوض وان كان يجب أن نذكر أن اللجوء الى هذه الإستراتيجية أو ذاك واو هذا التكتيك أو هذه الحيلة يتوقف على ظروف كل حالة وملابساتها . فليست هناك قاعدة عامة يمكن التوصية بها كأمر حاسم لحل نزاع معين وبطريقة تلقائية ألا وقع المفاوض في غياهب المجهول أو متاهات الواقع إنما عليه في استخدامها أن يكون حذرا وواعيا بآثارها
المراجع
1- أ. حسان خضر ،خطوات ومناهج واستراتيجيات التفاوض 🙁 القاهرة : المعهد العربي للتخطيط ـ من 2:6 ابريل 2005 )
2- د . احمد أبو الوفا ، المفاوضات الدولية : ( القاهرة : دار النهضة العربية – الأولى – 2005 )
3- أ.د . أحمد فهمي جلال ،مهارات التفاوض ( القاهرة : مركز تطوير الدراسات العليا والبحوث كلية الهندسة جامعة القاهرة – الأولى -2007)
4- الهيئة العامة للاستعلامات المصرية
5- د.حسن محمد وجيه ، مقدمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي 🙁 الكويت : عالم المعرفة – الأولى – 1994)
6- د . عادل عبد الرازق ، بور التوتر والنزاع حول المياه في حوض النيل والعالم العربي والإستراتجية المصرية للسياسة المائية في حوض النيل : ( القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب – الأولى – 2004 )

 حسين خلف موسى عبد العال
حسين خلف موسى عبد العال
Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى