مقالات

اليمن ضحية من…؟

بقلم : الدكتور معتز عبدالقادر محمد النجم

يعاني اليمن منذ استقلاله وتوحده العديد من الأزمات والصراعات الداخلية وتصاعدت مؤشرات الخطر التي تهدد وحدة هذا البلد واستقراره، مع دخول الأزمة السياسية مرحلة حاسمة على خلفية تنامي حدة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح، حيث شهدت اليمن منذ عام 2004م مواجهات مسلحة بين الحكومة والحوثيين المتمركزين في المحافظات الشمالية، خاصة محافظة صعدة، وقد تأرجحت وتيرة الحرب بين التهدئة والتصعيد منذ عام 2004م وحتى عام 2010، شهدت خلالها جولات من الحروب والمواجهات المسلحة الدامية بين الجيش اليمني والجماعة الحوثية، قتل جرائها مئات القتلى من المدنيين والعسكريين، حيث كانت هذه الأحداث تدور في بيئة إقليمية ودولية شديدة التعقيد والتوتر أيضًا جعلت من هذه الحرب والصراعات من اليمن ساحة للتدخلات السياسية والأمنية والعسكرية، فعلى الصعيد الإقليمي كانت العلاقات بين الطرفين المتهمين بالتدخل المباشر وغير المباشر في هذه الحرب أي السعودية وإيران شديدة التوتر حتى قبل الحرب، ومما دفع البعض إلى اعتبار الحرب في اليمن هو حرب بالوساطة بين هاتين الدولتين الإقليميتين.

اذ يعتبر اليمن الدولة الاضعف بين الدول التي مرت عليها نسايم الربيع العربي فيما يتعلق بتصديها للتدخل كما اسفلنا، ففي هذه المقالة سوف نركز على الدور السعودي والايراني في اليمن. فمن دون الحاجة للنظر في التاريخ القديم نلاحظ أن خلال العقود الأربعة الماضية وإلى اليوم كانت المملكة العربية السعودية جزءًا من المشهد الداخلي اليمني في كثير من الأحيان بما فيه من تفاعلات وأحداث، حيث أبدت المملكة العربية السعودية اهتمامًا بالغًا في اليمن، والذي كان مبنيًّا على عدة أسباب:

أولها: الروابط التاريخية والسكانية بين الشعبين اليمني والسعودي، وذلك على ضوء ارتباط اليمن مع دول الخليج عمومًا، وكل من عمان والسعودية على وجه الخصوص لحدود برية وبحرية يبلغ طولها أكثر من 2500كم.

والسبب الثاني: أمني، والذي يتمثل باهتمام قادة المملكة العربية السعودية بالوضع الأمني في اليمن ومدى تأثيره على أمن المملكة، ولاسيما بعد أن دخلت اليمن في حسابات وعمليات تنظيم القاعدة. أمَّا السبب الثالث فهو: سياسي، حيث ترى المملكة العربية السعودية أهمية اليمن بالنسبة لشبه الجزيرة العربية ككل.

عملت المملكة العربية السعودية على التدخل في الأزمة اليمنية والثورة التي حدثت فيها منذ اليوم الأول، وذلك بحكم الرابطة التاريخية والسياسية والجغرافية، وبحكم كون اليمن وعلى ما هو متعارف عليه يعتبر خاصرة الجزيرة العربية، ومن شأن أي اضطرابات أو قلق فيه أن ينتقل إلى المملكة العربية السعودية بصورة خاصة ودول الخليج بصورة عامة، وعلى الأقل يترك تداعياته عليها. من خلال التمحيص في طبيعة الدور السعودي في احتواء أو حل الأزمة اليمنية ترى أنه كان يمثل أحد مظاهر قوة المملكة العربية السعودية ومكانتها ونفوذها في الساحة الدولية، وتفاعلها النشط مع أحداث المنطقة وتطوراتها، ولاسيما حالة التنافس التي شهدتها اليمن بين المملكة العربية السعودية وإيران، والذي بدأ عندما شنت إيران هجومًا غير مسبوق على المملكة العربية السعودية، حيث اعتبر رئيس أركان القوات الإيرانية المسلحة حسن فيروزي أبادي، قتل الشيعة في اليمن بداية لإرهاب الدولة الوهابية الذي يشكل خطورة بالغة على الإسلام والمنطقة، في حين أتهم علماء سعوديون إيران بالعمل مع المتمردين الحوثيين لنشر التشيع في منطقة تمثل قلب العالم السُّنِّي. من هنا بدأ التنافس والصراع داخل الأراضي اليمنية.

لقد أضحى الدور السعودي في الأزمة اليمنية أكثر تأثيرًا وحضوراً على المشهد العام للأزمة اليمنية بشقيها السياسي والاقتصادي، ففي الشأن السياسي كانت المبادرة الخليجية بالأصل مبادرة سعودية محضة، تحولت إلى مبادرة خليجية، حتى يسهل استمرارها وقبولها وذلك لوجود قوة عديدة في اليمن لا تشعر بارتياح من الدور السعودي في الشأن اليمني. وتم التوقيع في المملكة العربية السعودية بتاريخ 23 نوفمبر 2011م على المبادرة، والتي تضمنت حلاًّ سياسيًّا يشمل تنحي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وتولي نائبه السلطة، إلى حين تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات، وإعداد دستور للبلاد. نجحت الدبلوماسية السعودية في أن تؤدي دورًا محوريًّا في تأمين انتقال سلمي وسلس للسلطة، من خلال طرح المبادرات؛ ومن ثم استثمار وجود الرئيس علي عبد الله صالح في الرياض وعندما كان يتلقى العلاج على إثر إصابته، وهذا ما فتح المجال أمام الوصول إلى تسوية سلمية للأزمة اليمنية، كذلك فتحت هذه الدبلوماسية السعودية بمبادرتها فرصة نادرة لم يكن لها مثيل في المنطقة في ظل الثورات العربية الراهنة للخروج الآمن والمشرف للرئيس علي عبد الله صالح، ووقف نزيف الدماء على الأراضي اليمنية. ,هذا النجاح السعودي في الاتفاق على الانتقال السلمي للسلطة وتحجيب دور الحوثيين في اليمن،استفز ايران وجعل اليمن يكون ساحة تنافس بين هذين الدولتين،اذا عملت ايران على تعزيزنفوذها في اليمن وتكثف المساعي وقنوات الاتصال لجعل لجعل نفوذها حقيقة وواقع حال وذلك باستثمار لظاهرة الحوثية ونسخ تجربة حزب الله في لبنان،وبالفعل ساهمت لظروف التي يمر بها اليمن في تثبيت هذا الامر الواقع،من هنا بدأت ادوات التدخل الايراني تزايد وتعددت القوة التي تتعامل معها بعد ان كانت مقتصرة في المرحلة السابقة على الحثوثين وبعض فصائل الحراك،وكتثفت ايران من انشطتها السياسية،ودعمت عدد من المسيرات والمظاهرات التي استهدفت المبادرة الخليجية، وتمخضت هذه التحركات الايرانية بعفد مؤتمر كبير في بيروت تحت عنوان(مستقبل اليمن ومتطلبات بناء الدولة المدنية الحديثة) وشارك به جماعة الحوثين والحراك الجنوبي,كما استغلت ايران الفراغ الامني الذي تعيشة البلاد ودعمت الحوثيين لتحقيق انتصارات عسكرية على الارض بتوسيع تواجدهمفي اماكن جديدة، بالاضافة الى الدعم الاعلامي الذي اصبح اداة فعالة تتجاوز احياناً الدعم العسكري،هكذا بدأت حيثية  الصراع والتنافس مابين المملكة العربية السعودية من جهة وايران من جهة اخرى على كاهل الشعب اليميني، اذ مايدعم الوجود الايراني في اليمن، هو وجود ثلاثة قوى سياسية يمينة تربط تحقيق اهدافها ومشاريعها بأستمرار وتوسع النفوذ الايراني في اليمن، فالحوثين على وعي كبير بأن نجاحهم في الاستيلاء على السلطة،واعادة الحكم الائمة من جديد يرتبط بتقديم الدعم الذي تقدمة طهران، ونفس الامر لما يتعلق بجماعة الحراك الجنوبي الذي قودها (سالم الابض) فهي تربط تحقيق اهدافها بفك عرى الوحدة وفرض الانفصال،باستمرار تحالفها مع ايران وحصولها على دعمها السياسي والمالي،كذلك الرئيس السابق (علي عبداله صالح) وانصارة يربط تحقيق هدافهم في اعاقة التغير السياسي،وربما العودة الى السلطة بمد صلاتهم مع ايران وحلفائها بالداخل.ويمكن اعتبار هدف ايران من ذلك هو ايجاد حالة من الفوضى والعنف،واحداث تنفلات امني وسياسي في اليمن لكي تستفيد من الاوضاع المضطربة لتمرير اهدافها واجندتها في المنطقة،وتسعى لجعل اليمن نقطة انطلاق رئيسية لممارسة دورها الاقليمي،واستهداف دول الخليج العربي،وان لدى ايران اطماع لتوسيع نفوذها في البحر الاحمر وخليج عدن والبحر العربي من اجل تعطيل خط الملاحة الدولية والمصالح الغربية في المنطقة ولاسيما بعد ان احكمت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكة طوق الحصار على ايران بسبب البرنامج النووي الايراني.وهذا ماافصح عنه الرئيس عبد ربه منصور في محاضره القاها في مركز(وودرو ويلسون الدولي للباحثين) في واشنطن اثناء زيارته للولايات المتحدة الامريكية,فقد اتهم ايران على فرض نفسها كقوة اقليمية في المنطقة وتسعى الى تعويض خسارتها الاستراتيجية مع تزايد مؤشرات انهيار النظام في سوريه ومحاولة تعويض تلك الخسارة في اليمن،…وأنها تحاول التدخل في شؤون اليمن ومحاولة نشر الفوضى والعنف فيها،موكداً الكشف عن (6)شبكات تجسس تعمل لصالح ايران في اليمن.برغمحجمالاختراقالذيأوجدهالتدخلالإيراني في اليمن والمكاسب التي حصل عليها في الارض الا أن مواجهة هذا التدخل والحد منه ليست بالامر الصعب فيمكن معالجة هذا التدخل الايراني بعدة سيناريوهات،

السيناريو الاول: يكمن في ان قوة التدخل الايراني تكمن في الفراغ الداخلي والاقليمي الذي تعاني منه اليمن والمنطقة،وتقوم ايران باستغلاله،واذا ماضيقت دائرة هذا الفراغ فأن سيحد دون شك من النفوذ الايراني وحلفائة في اليمن والمنطقة ايضاً،ولعل هذا مايحمل الاطراف العربية ولاسيما الخليجية،وخاصة السعودية مسئولية كبيرة في محاولط سد هذا الفراغ،ولهذا يقع في قلب استراتيجية التعامل مع النفوذ الايراني اعادة تفعيل سياسة الرياض تجاه اليمن،وتوثيق صلاتها مع القوة اليمينة الفاعلة التي يمكن ان تشكل حائط صد في وجه هذا التدخل.

السيناريو الثاني:يكمن هذا السيناريو في دور دول الخليج بصورة عامة والمملكة العربية السعودية بصورة خاصة لما لها من عمق اجتماعي وعلاقات وثيقة مع طبقات المجتمع اليمني ،وذلك لممارسة الضغوط على النظام لتوحيد المؤسسة العسكرية والامنية تحت قيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، لما يكون لهذه المؤسسة من دور حيوي في سد الفراغ الامني الذي ينشط فيه حلفاء ايران.

السيناريو الثالث:هو الدور المصري وذلك لما تملكة الحكومة المصرية من مؤهلات يمكن ان تلعب دور رئيسي في حل المشاكل السياسية، فالقبول التي تحضي به الدبلوماسية المصرية من مختلف فئات القوى اليمنية يمكنها من ادارة الحوار مع اطراف المعنية بهذه القضية.

السيناريو الرابع: دول مجلس التعاون الخليجي أن تعمل على ضم اليمن إلى المجلس بعد أن تقوم بحل مشاكله الداخلية؛ وذلك لأن اليمن له بعد إستراتيجي مهم في السياسة الدولية، حيث يملك اليمن كثافة سكانية كبيرة مقارنة بسكان دول مجلس التعاون، فإجمالي سكان دول المجلس بحدود 28 مليون نسمة، أمَّا بالنسبة لليمن فقد بلغ إجمالي سكانها 25 مليون نسمة، هذا إلى جانب أن مساحة اليمن البالغة أكثر من نصف مليون كيلومتر، قد تؤدي إلى تزايد احتمالات توفر أكثر من مورد طبيعي، وهذا ما هو موجود بالفعل، كما أن اليمن يتمتع بموقع إستراتيجي فريد، فهو يمسك بزمام مفاتيح الباب الجنوبي للبحر الأحمر، وهناك تداخل وثيق بين مضيق هرمز وباب المندب، فهذا الآخر يمثل طريقًا لناقلات النفط المحملة بنفط الخليج إلى أوروبا، كما يربط حزام أمن للجزيرة والخليج العربي ابتداء من قناة السويس وانتهاء بشط العرب؛ فلهذا السبب يجب استثمار هذا البلد وموقعة في مجلس التعاون الخليجي من أجل إضفاء صبغة القوة على هذا النظام الإقليمي العربي.

 

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى