الأفريقية وحوض النيلالدراسات البحثيةالمتخصصة

تصاعد الحرب في السودان 2023: الأسباب والتداعيات

The Escalation of War in Sudan 2023: Causes and Implications

اعداد :  د. شيماء فاروق – باحثة دكتوراه في فلسفة العلوم السياسية- كلية السياسة والاقتصاد- جامعة السويس – مصر 

  • المركز الديمقراطي العربي

 

ملخص :

لقد شهدت السودان صراعًا مسلحًا داميًا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بالرغم من التاريخ الطويل للتعاون بين القوتين للحفاظ على أمن وسلامة السودان, إلا أن التوافق لم يستطع الصمود طويلا أمام الاختلافات والتعارض في المصالح والتنازع على قيادة الجيش بالتزامن مع توجه السودان نحو تسليم مقاليد السلطة إلى القوى المدنية, على الجانب الأخر عززت القوى الدولية من قدرات قوات الدعم السريع واستغل حميدتي قائد قوات الدعم السريع قواته لنزع السلطة من قائد الجيش البرهان بالقوة العسكرية, مما أدى إلى تفاقم الوضع الداخلي للسودان وتدهور أوضاع اللاجئين السودانيين بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في دول الجوار المباشر, ركزت الدراسة أيضًا على تداعيات الأزمة داخليًا وخارجيًا, وردود الأفعال الاقليمية والدولية, والسيناريوهات المحتملة في ظل التطاحن العسكري بين الجيش وقوات الدعم السريع.

Abstract

Sudan has witnessed a bloody armed conflict between the Sudanese army and the Rapid Support Forces, despite the long history of cooperation between the two forces to maintain the security and safety of Sudan. The civil forces, on the other hand, the international forces strengthened the capabilities of the Rapid Support Forces, and Hamidti, the commander of the Rapid Support Forces, took advantage of his forces to remove power from the army commander, Al-Burhan, by military force, which led to the aggravation of the internal situation in Sudan and the deterioration of the conditions of Sudanese refugees due to the deterioration of the economic conditions in the immediate neighboring countries, The study also focused on the repercussions of the crisis internally and externally, regional and international reactions, and possible scenarios in light of the military rivalry between the army and the Rapid Support Forces.

المقدمة.

لقد شهدت المنطقة العربية في الآونة الاخيرة العديد من الاضطرابات الاقتصادية بسبب الأزمات العالمية التي حدثت منذ جائحة كورونا, وأزمة الطاقة العالمية, والحرب الروسية الأوكرانية, مما أدى إلى انهيار اقتصاديات أغلب الدول العربية, التي لم تفق بعد من مشكلات اللجوء بسبب الأزمة السورية واليمنية, حتي يستمر المشهد في تعقد باندلاع النزاع المسلح في السودان.

فقد شهدت السودان في منتصف إبريل 2023 هجوم من قوات الدعم السريع على قواعد ومواقع الجيش السوداني؛ بسبب رفض قائد قوات الدعم السريع حميدتي صيغة الاتفاقية التي تنص على عودة الجيش وقوات الدعم السريع إلى ثكناتهم, مما أحدث خلاف سياسي على مقعد السلطة العليا للقوات المسلحة العسكرية بين قائد قوات الدعم السريع وقائد الجيش السوداني.

كما أدى النزاع بين القوتين إلى تدمير الحياة في السودان وانهيار القطاع الطبي وانتشار الهلع والخوف في شوارع الخرطوم جراء النزاع الطاحن بين الطرفين, دون مراعاة القوانين الدولية التي تسمح بمرور الإغاثات وإجلاء الرعايا والاجانب.

إن ما تشهده السودان الآن هو حصيلة مجموعة من السياسات الداخلية وانعكاس لفشل السلطة المدنية في مسيرة التحول الديمقراطي, بالإضافة على تدخل القوي الاقليمية والدولية للاستفادة من ثروات الشعب السوداني سواء النفط أو الذهب في ظل شعب يقع  نصفه تحت خط الفقر والمرض.

الإشكالية البحثية.

لقد تفاقمت الأحداث في السودان بسبب الحرب بين الجيش السوداني من جانب وقوات الدعم السريع من جانب أخر, مما أدى إلى تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية وخيمة على المواطنين في السودان, وامتدت الأزمة إلى دول الجوار السوداني, حيثُ تشهد المنطقة أعنف موجات الحروب الداخلية في ظل اقتصاديات متهاوية لا تسمح بمزيد من المشكلات السياسية, لذا يدور التساؤل الرئيسي للدراسة حول النقاط التالية:

“ما هي الأسباب والتداعيات للحرب السودانية في 2023؟”

يندرج تحت هذا التساؤل عدد من الأسئلة الفرعية:

  • ماهي أسباب اندلاع الحرب في السودان؟
  • ماهي التداعيات الداخلية للحرب في السودان ؟
  • ماهي تداعيات الحرب في السودان على دول الجوار المباشر؟
  • ماهية ردود الأفعال الاقليمية والدولية على الأزمة في السودان؟
  • ماهية السيناريوهات المستقبلية المحتملة للحرب في السودان؟

أهمية الدراسة.

  • الأهمية العلمية: تعتبر هذا الدراسة من الدراسات الحيوية الهامة التي تتناول قضية الصراع الداخلي وتداعياته الاقليمية والدولية فهي من المصطلحات الهامة التي يهتم بها الباحثين والمتخصصين في مجال النظم السياسية, والعلاقات الدولية, مما يساهم في عملية التراكم العلمي والاكاديمي في حقل العلاقات العلوم السياسية.
  • الأهمية العملية: تعد الدراسة من القضايا الهامة بالنسبة لصانع القرار المصري خاصة وإن السودان دولة مجاورة أمنها يتصل مباشرة بالأمن القومي المصري, بالإضافة إلى رصد الدراسة عدد من الآثار السلبية التي تنعكس بصورة أساسية على الاقتصاد المصري.

أهداف الدراسة:

  • التعرف على أسباب اندلاع الحرب في السودان.
  • رصد التداعيات الداخلية للحرب في السودان.
  • رصد تداعيات الحرب في السودان على دول الجوار المباشر.
  • تحديد ردود الأفعال الاقليمية والدولية على الأزمة في السودان.
  • توقع بعض السيناريوهات المستقبلية المحتملة للحرب في السودان.

منهج الدراسة:

الدراسة سوف تعتمد بالأساس على “المنهج الوصفي التحليلي” من اجل تحديد أسباب الحرب في السودان وتحليل أبعادها وتداعياتها على دول الجوار المباشر, التي أدت بشكل أساسي إلى تدهور الوضع سواء في السوان أو عدد من الدول المعتمدة على الثروات السودانية, كما أن الأزمة لازالت في طورها الاول لذلك سوف نعتمد على الوصف والتحليل من أجل رصد القضية.

تقسيم الدراسة:

  • أسباب اندلاع الحرب في السودان.
  • التداعيات الداخلية للحرب في السودان.
  • تداعيات الحرب في السودان على دول الجوار المباشر.
  • ردود الأفعال الاقليمية والدولية على الأزمة في السودان.
  • السيناريوهات المستقبلية المحتملة للحرب في السودان.

أولاً: أسباب اندلاع الحرب في السودان.

يشهد السودان مواجهات عنيفة بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” منذ صباح يوم السبت 15إبريل 2023؛ بسبب هجوم قوات الدعم السريع على الجيش السوداني على خلفية الأزمات الداخلية الطاحنة التي تعيشها الخرطوم في الفترة الأخيرة وعدم الاستقرار الأمني والسياسي وتدهور الوضع الاقتصادي، وتعثر الوصول إلى اتفاق سياسي بين الأطراف المتنازعة لحل الأزمات الداخلية, حيثُ ترجع الأزمة في السودان إلى عدد من الاسباب هي كالتالي:

  • النزاع حول شخصية قيادة القوات المسلحة بين قائد قوات الدعم السريع وقائد الجيش السوداني.
  • تعثر المسار الديمقراطي في السودان.
  • الرغبة في الاستيلاء على موارد السودان.
  • وجود قوى إقليمية ودولية خلف الحرب في السودان.
  • النزاع حول شخصية قيادة القوات المسلحة بين قائد قوات الدعم السريع وقائد الجيش السوداني.

لقد جمعت الصداقة والتعاون بين قائد الجيش البرهان وقائد قوات الدعم السريع حميدتي لمدة عقدين كاملين, فقد تعارف الرجلان خلال أزمة دارفور في عام 2003, ساعد حميدتي الجيش للتغلب على الميليشيات في دارفور, عززت العلاقات بينهما في أبريل 2019، حين اتفقا على أن مصلحة السودان العليا تقتضي، إسقاط نظام البشير، وتشكيل مجلس عسكري لحكم البلاد، ترأسه البرهان وقتها, كما عين دقلو في منصب نائب رئيس المجلس العسكري, لكن بدأت الخلاف بين الجانبين نتيجة التنازع على رأس السلطة, فلم يستطاعا الرجلان الوصول إلى اتفاق يدمج قوات الدعم السريع البالغ عددها حوالي 100الف جندي في الجيش السوداني, بالإضافة إلى الخلاف علي الشخصية التي ستتقلد منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة.[1]

  • تعثر المسار الديمقراطي في السودان.

إن التوتر في العلاقة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع جاءت عقب الإطاحة بالحكومة المدنية في أكتوبر 2022, فقد كانت السودان تستعد للانتقال لمرحلة سياسية جديدة تدمج فيها قوات الدعم السريع مع الجيش تحت سلطة مدنية, لكن الخلاف حول السلطة العليا في الجيش أدى إلى تدهور الاوضاع الامنية والسياسية في ظل الحرب بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني.[2]

فقد كان السودان ينتظر استحقاقه الانتخابي، رأى البرهان أن الانتقال الديمقراطي في البلاد زاح عن مساره الصحيح, وقرر البرهان حل جميع مؤسسات الفترة الانتقالية في أكتوبر 2021, دعم دقلوا البرهان حينها في التحرك الغير ديمقراطية, لكنه عارض عودة بعض رموز نظام البشير إلى سلطة, من هنا بدأ الخلاف يتخذ مواقفًا واضحًا, ثم توالت الأزمات في البلاد حتي توصلت الأطراف المدنية والعسكرية في ديسمبر 2022 إلى حل تسليم السلطة للمدنيين وعودة العسكريين إلى ثكناتهم لكن الاتفاق تعثر؛ بسبب الخلاف حول كيفية توزيع السلطة داخل القوات المسلحة السودانية و شخصية القائد الاعلى للقوات المسلحة.[3]

  • الرغبة في الاستيلاء على موارد السودان.

لقد كان النفط هو احد الاسباب الرئيسية التي أدت إلى انقسام السودان إلى الشمال والجنوب, ولازالت الموارد الطبيعية مثل: خامات الحديد والنحاس والفضة والمايكا والمنغنيز والكروم والبلاتين والتالك والرمال السوداء والرخام وغيرها من الموارد, التي تزخر بها السودان هي أحد اسباب الصراع ربما تفتح الباب واسعاً لتغذية صراعات أهلية أخرى, خصوصاً مع تساهل الدولة في مسألة التعدين الأهلي والاستنزاف المستمر الناتج من الاستغلال المفرط, وفي ظل حكومات هشة لا تستطيع استثمار الموارد الطبيعية لصالح الشعب السوداني.

يعد الذهب في الحرب الحالية بين قوات الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الذي يضع يده على مواقع مهمة من مناجم الذهب فهو أحد الدوافع الرئيسية التي يسعى إليها حميدتي للحفاظ على سلطته ونفوذه, يحتل السودان المركز الـ13 عالمياً والثالث أفريقياً في إنتاج الذهب، حيث ينتج نحو 80 طناً سنوياً ويمثل المعدن الأصفر نصف صادرات السودان ويهرب حوالى 80 % من الإنتاج، بينما تقدر الاحتياطات غير المستغلة بنحو 1550 طناً.[4]

يعتبر ملف الذهب أحد الاعتراضات الرئيسية بين كل من البرهان وحميدتي, نتيجة العلاقة بين حميدتي وقوات فاغنر الروسية التي تسببت في الخلاف بينهما, حيثُ تقرب حميدتي من روسيا وقدم لها الدعم للتنقيب عن الذهب عبر شركة فاغنر الروسية واتفق حميدتي مع روسيا على صفقة لبناء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر, لكن لم يستطع تمريرها بسبب رفض البرهان نتيجة حسابات إقليمية ودولية أخرى.[5]

  • وجود قوى إقليمية ودولية خلف الحرب في السودان.

لقد جذبت الثروات الطبيعية خاصة الذهب الأطراف الإقليمية والدولية, التي تدعم مصالحها ومكاسبها الاقتصادية بعيدة عن استقرار وأمن السودان, إذ تستحوذ الإمارات على أكبر نسبة من الذهب السوداني، بل إن الفارق بين بيانات السودان الرسمية وبيانات الإمارات الرسمية -الكميات التي يتم تهريبها إلى الإمارات- يتراوح بين 25% (عام 2018) و60% (عام 2021) أو 80% (وفقاً لتقديرات خبراء سودانيين)، نسبة إلى حجم الصادرات السودانية الرسمية، بل تباع هذه الكميات -وكذلك معظم الكميات الرسمية- غالباً بأسعار أقل من متوسط السعر العالمي ويوضح تقرير مجلس الأمن الدولي عن السودان أن نحو 48 طناً من ذهب دارفور هُرب إلى الإمارات خلال الفترة الممتدة بين عامي 2010-2014. [6]

حيثُ تتعامل الامارات مع قائد قوات الدعم السريع حميدتي وذراعه الاستثماري شركة الجنيد فتعتبر تكتلاً واسعاً تتعدد مجالاته من التعدين والحديد والصلب إلى الاستثمار والنقل, كانت تبيع الذهب لشركة روسيلا الإماراتية، وأن المعاملات المالية كانت تجري عبر مصرف أبو ظبي الأول,, بالتالي سوف تسعى الامارات للاحتفاظ بعلاقاتها مع قائد قوات الدعم السريع.

كما تسعى الدول الغربية لإرساء الديمقراطية في السودان بالمساعدة في إقامة نظام حكم مدني يقصي قوات الدعم السريع من المشهد السياسي في السودان، هذه المحاولات من  الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بغاية الحد من دور روسيا في أفريقيا الذي تعيده معظم الأدبيات السياسية لعهد الحرب الباردة التي تحولت خلالها أفريقيا إلى ساحة معركة بين القوى العظمى، ومنها نشأ اعتبار بوتين الصراعات في أفريقيا طريقاً للاختراق الروسي لدول القارة.[7]

ثانيًا: التداعيات الداخلية للحرب في السودان.

على الرغم من أن أزمة الحرب في السودان اندلعت منذ أيام إلا أنها قضت على آمال التعافي والتحول نحو نظام حكم ديمقراطي مديني, بالإضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي وزيادة معدلات التضخم والبطالة, تراجع أسعار صرف العملات الوطنية, إذا لم ينتهِ الصراع المسلح بالسودان في أقرب وقت، فسيكون له نتائج شديدة السلبية على مستوى المؤشرات الاقتصادية الكلية، وكذلك على صعيد مستوى المعيشة للأفراد والأسر.[8]

كما أن السودان تعاني من نقص شديد في الغذاء على الرغم من أنها بلد زراعي, فقد تأثر قطاع الزراعة نتيجة الأوضاع الامنية السيئة حيث تحتاج الزراعة إلى الاستقرار الأمني, بالإضافة إلى ذلك تعتمد السودان على تصدير اللحوم والمواشي إلى الخارج لتوفير النقد الاجنبي, لكن في ظل النزاع المسلح تتعثر جميع صادرات وواردات السودان, مما يؤدي إلى مزيد من التدهور الأوضاع الاقتصادية.[9]

أثر النزاع المسلح على الخدمات الطبية انهيار نتيجة القطاع الطبي في السودان بسبب القذف المستمر للأبنية الطبية حيثُ تأثرت جراء الاشتباكات مؤخرا 125 مستشفى في الخرطوم، وتضررت أنظمة الكهرباء والماء فيها، بالإضافة نقص كبير في المعدات اللازمة لمستشفيات الأورام, كما أصدرت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء السودانيين بياناً عاجلاً دعت فيه إلى حماية المنشآت الصحية في السودان بعد تضرر مستشفيات عدة خلال الاشتباكات بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع, ودعت منظمة الصحة العالمية ابتعاد الاطراف المتحاربة عن المستشفيات وحذرت من انهيار المنظومة الطبية في السودان. [10]

ان الاوضاع الأمنية والعسكرية والاقتصادية المتدهورة أدت إلى زيادة أعداد الفارين من دوامة العنف إلى الدول المجاورة إلى حوالى أكثر من 100 ألف شخص, ونبهت المفوضية السامية للاجئين إمكانية فرار 800 ألف شخص في حال استمرار المعارك, بالإضافة إلى غموض في أعداد القتلى والجرحى بسبب انهيار النظام السياسي في السودان.

ثالثًا: تداعيات الحرب في السودان على دول الجوار المباشر.

لا يمكن حصر تداعيات الأزمة في السودان على المواطنين بالداخل فحسب, فقد بدأت بوادر الأزمة في الامتداد نحو دول الجوار السبع، مصر وليبيا وتشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا وإريتريا, ولكل منها أزمة داخلية مختلفة وتعاني عدم استقرار سياسي أو اقتصادي أو تشابك قضايا إقليمية مثل سد النهضة، حيثُ تختلف الآثار السلبية جراء الصراع في السودان, إضافة إلى الأثر الأهم الذي يمكن أن يطاول أمن البحر الأحمر وانعكاساته على التجارة الدولية عبر ممراته خاصة حركة الملاحة في قناة السويس.[11]

  • مصر

تنعكس الحرب في السودان على مصر بآثار سلبية حيثُ تعد السودان موردا رئيسيا للمواشي واللحوم الحية وهي إحدى السلع الاستراتيجية لمصر، حيث تمد السودان مصر بنحو 10% من احتياجاتها من هذه السلع، وهو ما يزيد الضغط على أسعار اللحوم محليا المرتفعة بالفعل كما تؤدي إلى مزيد من التضخم في الأسواق المصرية, تحتل السودان المرتبة الثانية بقائمة أكبر 5 أسواق مستقبلة للصادرات المصرية بقيمة 226 مليون دولار, كما تعد السودان بوابة لنفاذ الصادرات المصرية إلى أسواق دول حوض النيل وشرق إفريقيا، ومع استمرار الحرب وانعدام الأمن، سيتأثر حجم التبادل التجاري بين البلدين، كما تتخوف مصر بامتداد الحرب نحو البحر الأحمر والتأثير على حركة الملاحة في قناة السويس, وهو ما ينعكس سلبا على الاقتصاد المصري الذي يعاني بعض الأزمات في الوقت الراهن.[12]

كما تخشى مصر على تدفق مياه النيل والتأثير علي حصتها المائية في ظل أزمة نقص المياه بسبب سد النهضة, وزيادة عدد اللاجئين الفارين من ويلات الحرب مما يكبد الاقتصاد المصري مزيد من الضغوط الاقتصادية.

  • ليبيا

تعاني ليبيا من أزمات داخلية عديدة وتحاول توحيد المؤسسة العسكرية حيثُ تتخوف ليبيا من تأثير الحرب في السودان على ملف ترحيل المرتزقة إلى بلادهم, كما تتخوف من اللاجئين في ظل عدم الاستقرار الامني والسياسي والاقتصادي في ليبيا, وحذر وزير الدفاع الليبي السابق محمد محمود البرغثي “من أن ما يحدث بالسودان – بغض النظر عن نتائجه النهائية – سينعكس على الأوضاع في ليبيا، نظراً لوجود حدود مشتركة هشة أمنياً”، يشير بذلك أن عناصر الفريق الخاسر بهذا الصراع قد يجدون بها ملاذاً آمناً وينطلقون منها نحو الأراضي الليبية”.[13]

  • تشاد

صرحت الفرق التابعة لمفوضية الأمم المتّحدة السامية لشؤون اللاجئين موجودة على الحدود بأنه فرّ ما بين 10 آلاف و20 ألف شخص من المعارك الجارية في السودان بحثاً عن ملاذ في تشاد المجاورة، لكن تشاد تتخوف من تسلل فئات مسلحة إلى البلاد لذلك أغلقت تشاد الحدود بينها وبين السودان.[14]

  • وأفريقيا الوسطى.

تعاني افريقيا الوسطى من العديد من الأزمات الداخلية, وتأثرت بالصراع المسلح في السودان بسبب الاضطرابات الأمنية على طول الحدود بين البلدين، تضررت حركة المرور بينهما، مما أدى إلى زيادة كبيرة في أسعار السلع الأساسية, يزوّد السودان العديد من البلدات في إفريقيا الوسطى بالسلع الأساسية مثل مناطق في محافظتي فاكاجا وبامينغوي بانغوران, كما تضاعف سعر العديد من السلع بمقدار الضعفين مما أدى إلى مزيد من التضخم  بالنسبة إلى بعض السلع، فمثلا سعر كيس السكر الذي كان يزن 50 كيلوجراما كان يباع قبل اندلاع الحرب بالسودان مقابل 40 ألف فرنك محلي (70 دولارا) صار يباع مقابل 80 ألفا (140 دولارا) بعدها, مما يؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي والضغوط على معيشة المواطنين.[15]

  • جنوب السودان.

تعد دولة جنوب السودان أحدى الدول المتضررة من الصراع المسلح في السودان, حيثُ تعتمد خمس من أصل عشر ولايات بجنوب السودان على سلع وبضائع منتجة في السودان، وأي تداعيات أمنية ستؤثر مباشرة على مجمل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لمواطن بجنوب السودان, تشارك دولة جنوب السودان جمهورية السودان في أشياء كثيرة على رأسها الشريط الحدودي الطويل الذي يربط بين البلدين, كما يتواجد بطول هذا الشريط الحدودي نسبة مقدرة من سكان هذين البلدين، ويشكل هذا الشريط خط الامداد الاقتصادي للبلدين, حيث توجد فيه حقول البترول ومزارع الصمغ العربي، وأكبر مشاريع لإنتاج المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية خاصة الماشية, وسوف تتأثر في حال امتداد الحرب إليها, كما أغلقت المجال الجوي الأعلى لجنوب السودان، نتيجة لإغلاق الأجواء السودانية لأن السودان يدير المجال الجوي الأعلى لجنوب السودان، مما يسبب المعاناة لمواطني جنوب السودان الذين يعتمدون على الطيران لتسهيل حركتهم من والى البلاد. [16]

  • إثيوبيا.

أدت الحرب الحالية إلى فرار عشرات الآلاف من السودانيين إلى بلدان مجاورة مثل إثيوبيا، التي لا يزال مئات الآلاف من سكانها يعيشون في السودان هربا من الحروب هناك أيضا, وعلى الرغم من توقيع اتفاق سلام في نوفمبر 2022 لوقف الحرب في إقليم تيغراي الإثيوبي، إلا أن أكثر من مليون إثيوبي لا يزالون يعيشون في السودان، ويواجهون تداعيات القتال الحالي في الخرطوم وعدد من مدن البلاد الأخرى, مع تعسف السلطات الاثيوبية في استقبال اللاجئين تخوفًا من اشتعال الحرب مرة أخرى في اقليم تيغراي الأثيوبي.[17]

  • إريتريا.

تتخوف اريتريا كغيرها من البلدان المجاورة من استقبال مجموعات مسلحة وتوغلها داخل اريتريا.

رابعًا: ردود الافعال الدولية والإقليمية على الأزمة في السودان.

تباينت ردود الأفعال الاقليمية والدولية على حسب المصالح سواء كانت مكاسب اقتصادية أو تأثيرات سلبية للصراع في السودان كالتالي:

  • ردود الأفعال الإقليمي.

تعد دول الجوار المباشر الأكثر تضرر من الصراع المسلح في السودان, لذلك دعت مصر وليبيا وجنوب السودان إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق سلام يساهم في دعم عملية الاستقرار في السودان وتأمين أرواح المدنيين, فقد شاركت مصر بنشاط في الوساطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ومخاطبة الطرفين لاحتواء الأزمة والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار, الدافع الأساسي لمصر هو منع اندلاع حرب أهلية واسعة النطاق في السودان، مما قد يؤدي إلى تدفق اللاجئين ويؤثر سلبًا على الأمن المائي في مصر.

بينما لعبت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة دورًا مهمًا في الشأن السوداني، لا سيما في دعمهما لقوات الدعم السريع, وقد قدم كلا البلدين مساعدات مالية وعسكرية لهذه لقوات، لاسيما وأنهما ركنا التحالف الذي قادته السعودية في حرب اليمن حيث شارك جنود سودانيون كان معظمهم من الدعم السريع إلى جانب التحالف في القتال ضد حركة أنصار الله الحوثية، الأمر الذي عزز قدرات الدعم السريع مالياً وعسكرياً.[18]

  • ردود الافعال الدولية:

تتغلغل المصالح الروسية في السودان بسبب تواجد قوات فاغنر الروسية التي تؤمن مناجم الذهب, كما تمتد إلى شرق السودان المطل على البحر الأحمر؛ حيث تسعى روسيا منذ سنوات إلى تدشين قاعدة عسكرية في بورتسودان، بحيث ترسو السفن الروسية الحربية وتسيطر على واحد من أكثر الممرات البحرية كثافة وأهمية في العالم, حيثُ تدعم روسيا قائد قوات الدعم السريع حميدتي.[19]

بينما ترفض الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوروبي التواجد الروسي في السودان, كما أنها تدعم الجيش بقيادة البرهاني لمواجهة التوغل الروسي في السودان, بينما دعت الصين إلى ضرورة تغليب مصلحة الوطن فوق المصالح والاهواء الشخصية.

خامسًا: السيناريوهات المستقبلية المحتملة للحرب في السودان.

لقد وصلت الأزمة في السودان إلى منعطف خطير في ظل تباين المصالح الدولية والاقليمية في السودان, واختيار أطراف النزاع خيار القوة العسكرية, من هنا يتوقع سيناريوهات عديدة في ظل الصراع المسلح الدائر لكن حتما “السودان الخاسر الأول في كل الحالات” كالتالي:

السيناريو الأول: انتصار قوات الجيش السوداني بقيادة البرهان.

يتوقع زيادة الدعم لقوات الجيش السوداني خاصة من الولايات المتحدة والقوى الغربية التي ترغب في تحجيم التوغل الروسي, حيث ترغب العديد من الجهات سيطرة الجيش على مقاليد السلطة وإعادة الاستقرار للسودان.

السيناريو الثاني: انتصار قوات الدعم السريع.

على الرغم من أن الجيش السوداني يتفوق من ناحية الموارد ‏بما في ذلك القوة الجوية ولديه قوات يقدر قوامها بنحو 300 ‏ألف جندي، فقد تطورت قوات الدعم السريع في السنوات ‏الماضية, فقد شاركت في حرب دارفور واليمن لمقاتلة قوات الحوثي, وأصبحت قوة مجهزة جيدا قوامها 100 ألف تقريبا ‏منتشرة في البلاد منذ أن بدأ القتال تنتشر في أحياء في ‏أنحاء العاصمة, بالتالي من المرجح انتصار قوات الدعم السريع في حال تعزيز قدراتها العسكرية واللوجستية من قبل أطراف لها مصالح مع حميدتي.

السيناريو الثالث: حل تقاسم السلطة في السودان.

تدعو الصين ومصر وليبيا وبعض الدول الاخرى إلى ضرورة التفاوض وتقاسم السلطة من أجل نزع فتيلة الحرب في السودان حتى لا تتفاقم الأمور إلى حد يصعب السيطرة عليها.

السيناريو الرابع: تصاعد حدة النزاع المسلح بين قوات البرهان وحميدتي.

إن الأمور تشير إلى اتجاه السودان نحو نفق مظلم تحت وطأة الحرب بين الجيش بقيادة البرهان وحميدتي, فليس من المرجح الوصول إلى حل يرضي الطرفين فقد غابت مصلحة البلاد وأضحى كل طرف يفكر في انتصاره الشخصي, مع استمرار انهيار السودان اقتصاديا وصحيا وأصبح التعافي درب من دروب الخيال في المرحلة الحالية.

هناك احتمالية تحقق السيناريو الاول والثاني والرابع ويبقى السيناريو الثالث “الوساطة” بعيد المنال في ظل الاوضاع الحالية, نتيجة تشابك المصالح سواء على المستوى الداخلي أو الاقليمي أو الدولي.

الخاتمة.

إن النزاع المسلح في السودان يكمن في التنازع حول السلطة السياسية, نتيجة فشل القوى المدنية في إبعاد العسكريين عن السلطة السياسية في البلاد, كما يوضح النزاع مدى تهاوي العقيدة العسكرية في السودان, فتكون فرق ومليشيات غير مدمجة في الجيش السوداني كان أحد أسباب تنامي قوة وقدرات قوات الدعم السريع, إن ما يحدث في السودان انعكاس لحالة الفساد السياسي, والاقتصادي, حيثُ تذهب موارد الدولة لتعزيز قوة عسكرية وقوة عسكرية مضادة, في ظل معيشة الشعب السوداني تحت خط الفقر والمرض بالرغم من الثروات الاقتصادية المتعددة التي يمتلكها الشعب السوداني.

كما أن الحسابات الخارجية لعبت دورًا سلبيا في وصول السودان إلى حد النزاع المسلح, حيث تسعى روسيا, الامارات والسعودية إلى السيطرة على أكبر كميات من الذهب وتدعم قوات الدعم السريع من أجل الحفاظ على امتدادات الذهب التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع, على حساب الجيش السوداني.

في حين تدعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الجيش السوداني بغاية إقصاء روسيا عن المشهد السياسي في السودان حيثُ تسعى روسيا إلى إقامة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر, هو ما رفضه الجيش السوداني بقيادة البرهان, من هنا سيبقى السودان في نزاعه المسلح في ظل غياب قوة سياسية مدنية حكيمة تقود البلاد نحو الأمن والاستقرار, فلن تلتقي مصالح حميدتي والبرهان سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي, وسيظل السودان يعاني لفترات عواقب دخول البلاد في النزاع المسلح مرة أخرى, مع احتمالية تفاقم الوضع إلى حرب أهلية شاملة تجوب أرجاء البلاد, في ظل المعطيات الحالية.

الهوامش.

1 محمد جمال عبدالعال. أسباب الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.. تعرف عليها. القاهرة 24. 17/أبريل/2023. متاح على الرابط التالي: https://www.cairo24.com

[2] “هذه الأسباب” أشعلت شرارة العنف في السودان. سكاي نيوز بالعربية. 18 أبريل 2023. متاح على الرابط التالي: https://www.skynewsarabia.com

[3] البرهان وحميدتي.. نهاية “عدوانية” لصداقة قديمة. سكاي نيوز بالعربية. 16 أبريل 2023. متاح على الرابط التالي: https://www.skynewsarabia.com

[4] منى عبد الفتاح. بعد النفط… هل تهدد “لعنة الذهب” السودان؟. اندبندنت بالعربية. 8 مايو 2023. متاح على الرابط التالي: https://www.independentarabia.com

[5] الصراع في السودان.. الذهب وفاغنر ومجموعة متشابكة من المصالح. موقع الحرة. 18 أبريل 2023. متاح على الرابط التالي: https://www.alhurra.com

[6] إبراهيم يونس. ذهب السودان.. قراءة في عوامل غير ظاهرة من الصراع. شبكة الميادين. 2مايو 2023. متاح على الرابط التالي: https://www.almayadeen.net

[7] مرجع سبق ذكره.

[8] السودان.. كيف أجهضت الحرب الدائرة بدايات التعافي؟. سكاي نيوز بالعربية. 19 أبريل 2023. . متاح على الرابط التالي: https://www.skynewsarabia.com

[9] عبد الحافظ الصاوي. الصراع المسلح بالسودان وعواقبه الاقتصادية الوخيمة. الجزيرة. 15/4/2023. متاح على الرابط التالي: https://1-a1072.azureedge.net

[10] السودان: هل بات القطاع الصحي على وشك الانهيار؟. بي بي سي. 25ابريل 2023. متاح على الرابط التالي: https://www.bbc.com

[11] منى عبد الفتاح. ما تداعيات حرب السودان على دول الجوار؟. اندبندنت بالعربية. 4 مايو 2023. متاح على الرابط التالي: https://www.independentarabia.com

[12] كيف تؤثر الحرب في السودان على اقتصاد مصر؟, العربية. 26 أبريل ,2023. متاح على الرابط التالي: https://www.alarabiya.net

[13] جاكلين زاهر. تخوفات من تداعيات الصراع في السودان على جنوب ليبيا. الشرق الأوسط. 19 أبريل 2023. متاح على الرابط التالي: https://aawsat.com

[14] الحرب في السودان.. أكثر من 10 آلاف شخص فروا إلى تشاد. سكاي نيوز بالعربية. 20 أبريل 2023. متاح على الرابط التالي: https://www.skynewsarabia.com

[15] دولة جارة للسودان تشعر بتداعيات مدمرة للصراع. سكاي نيوز بالعربية. 29 أبريل 2023. متاح على الرابط التالي: https://www.skynewsarabia.com

[16] ضيو مطوك ديينق وول. وزير الاستثمار بدولة جنوب السودان يكتب لـ القاهرة 24 عن تداعيات الصراع المسلح في السودان. القاهرة 24. 19 إبريل 2023. متاح على الرابط التالي: https://www.cairo24.com

[17] سودانيون وإثيوبيون يتبادلون مآسي الحروب.. و”المرقد الأخير”. سكاي نيوز بالعربية. 1مايو 2023. متاح على الرابط التالي: https://www.skynewsarabia.com

[18] اشتباكات السودان: البعدان الإقليمي والدولي لما يجري في هذا البلد؟. بي بي سي. 23ابريل 2023. متاح على الرابط التالي: https://www.bbc.com

[19] أندرو هاردنغ. اشتباكات السودان: كيف يؤثر ما يحدث على دول أخرى حول العالم؟. بي بي سي. 20 إبريل 2023.  متاح على الرابط التالي: https://www.bbc.com

5/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى