سيكولوجية القيادة السياسية وأثرها علي صنع القرار الخارجي قرار الرئيس فلاديمير بوتين بالحرب على أوكرانيا 2022 “نموذجًا”
Psychology of political leadership & its impact on foreign decision-making President Vladimir Putin's decision of war on Ukraine in 2022 case study
إعداد الباحثين : ندي شوقي عبد اللطيف , أسامة محمود عبد الرحيم , أميرة عبد العاطي – إشراف : د. لبني غريب مكروم -كلية السياسة والاقتصاد – جامعة السويس – مصر
- المركز الديمقراطي العربي
ملخص :
هدفت الدراسة لبيان تأثير البيئة النفسية للقادة السياسيين، والتأكيد علي أهمية الدوافع الذاتية والسمات الشخصية للقادة وكيفية تأثيرها علي اتخاذهم للقرارات، ومن هنا اتجهت الدراسة لتحليل البيئة النفسية لبوتين لاعتباره من أهم القادة المؤثرين في الحياة السياسية، وإن فهم البيئة النفسية للرئيس بوتين يلعب دورًا حيويًا في تحليل السياسة الخارجية الروسية وتوقع تحركاتها. حيث تعتبر البيئة النفسية لبوتين عاملًا مؤثرًا بشكل كبير علي السياسة الخارجية لروسيا فالجمع بين خلفيته الاستخباراتية وتوجهاته القومية وصلابة شخصيته تؤثر بشكل مباشر علي طريقة تعامله مع القضايا الدولية.
واعتمدت الدراسة على التكامل المنهجي فى البحث والتحليل، حيث استندت إلي المنظور متعدد التخصصات وهو “علم النفس السياسي“، بجانب منهج صنع واتخاذ القرار وتحليل الخطاب السياسي كأداة منهجية.
وقد خلصت الدراسة أن الرئيس بوتين يلعب دورًا حيويًا في صنع السياسة الخارجية لروسيا من خلال السلطات المتركزة في يده حيث توجهه إدراكاته وتصوراته وعقائده في اتخاذ العديد من القرارات المؤثرة، وبرزت الدراسة أيضا مدي تأثير الدوافع الشخصية في اتخاذ بوتين قرار الحرب علي أوكرانيا.
Abstract
The study aimed to elucidate the impact of the psychological environment of political leaders, emphasizing the importance of their intrinsic motivations and personal traits and how these influence their decision-making. Thus, the study turned to analyzing the psychological environment of Putin, considering him one of the most influential leaders in political life. Understanding President Putin’s psychological environment plays a vital role in analyzing Russian foreign policy and predicting its movements.
Putin’s psychological environment is considered a significant factor affecting Russia’s foreign policy. The combination of his intelligence background, nationalist tendencies, and strong personality directly influences his approach to international issues. The study concluded that President Putin plays a crucial role in shaping Russia’s foreign policy through the concentrated powers he holds, where his perceptions, beliefs, and ideologies guide many impactful decisions. The study also highlighted the influence of personal motivations on Putin’s decision to go to war with Ukraine.
In the first chapter of the study, we addressed the theoretical framework and concepts of political leadership, roles, and national interests. In the second chapter, we discussed the role of political leadership in the process of making foreign policy and the determinants of this policy-making. As for the third chapter, it delved into the psychology of President Vladimir Putin and its impact on shaping Russia’s foreign policy. Regarding the fourth chapter, it addressed President Putin’s role in the war on Ukraine and the influence of his personal motives in making this decision. Finally, we discussed a future vision for the Russo-Ukrainian war.
قائمة المحتويات
قائمة المحتويات
List of Contents
الموضوع | الصفحة |
الآية القرآنية | ب |
الإهداء | ت |
الشكر والتقدير | ث |
قائمة المحتويات | ج |
ملخص الرسالة | خ |
الإطار العام للدراسة | 1 |
مقدمة | 1 |
أولاً: إشكالية الدراسة | 1 |
ثانياً: حدود الدراسة | 3 |
ثالثًا: أهمية الدراسة | 3 |
رابعاً: أهداف الدراسة | 4 |
خامساً: مراجعة الدراسات السابقة | 4 |
سادساً: الإطار النظري والمفاهيمي للدراسة | 10 |
سابعًا: منهج الدراسة | 11 |
ثامنًا: تقسيم الدراسة | 12
|
الفصل الأول التأصيل النظري والمفاهيمي للدراسة |
13 |
المبحث الأول: النظريات المفسرة لأثر العامل السيكولوجي على السلوك السياسي | 14 |
المبحث الثاني: التأصيل المفاهيمي للدراسة | 19 |
الفصل الثاني دور القيادة السياسة فى عملية صنع السياسة الخارجية |
26 |
المبحث الأول: محددات صنع السياسة الخارجية | 27 |
المبحث الثاني: البيئة النفسية للقائد السياسي | 32 |
المبحث الثالث: الدوافع الذاتية والسمات الشخصية للقائد السياسي | 39 |
الفصل الثالث سيكولوجية فلاديمير بوتين وتأثيرها على السياسة الخارجية الروسية |
47 |
المبحث الأول: البيئة النفسية للرئيس بوتين | 48 |
المبحث الثاني: البوتينية كعقيدة سياسية | 59 |
المبحث الثالث: التطورات اللاحقة على السياسة الخارجية الروسية فى عهد بوتين | 66 |
الفصل الرابع دور الرئيس بوتين فى الحرب الروسية على أوكرانيا |
81 |
المبحث الأول: محددات الأزمة الروسية الأوكرانية | 82 |
المبحث الثاني: قرار بوتين بالتدخل العسكري فى أوكرانيا | 101 |
المبحث الثالث: تداعيات الحرب الروسية علي أوكرانيا | 131 |
خاتمة الدراسة | 139 |
قائمة المراجع | 144 |
Abstract | A |
إن السلوك فى شكله المبسط هو ما يفعله الإنسان بشكل عام، ولكن الصعوبة تكمن فى كيفية تحديد السلوك السياسي، حيث أنه ما زال من الإشكاليات المعلقة فى دراسة العلوم السياسية. حيث فتح هذه الموضوع أفاقًا جديدًة فى دراستها التي أصبحت لا تعتمد فقط على دراسة الدولة كمؤسسات، ولكن دراستها من خلال أشخاص معينين وهم صانعي قراراتها من الرسميين، الذين تمثل قرارتهم الناجمة عن موقعهم السلطوي، لذا فسلوك الدولة هو سلوك الذين يعملون باسمها”.
على مر التاريخ، لعب العديد من القادة السياسيين دورًا بارزًا في حياة شعوبهم وتأثيرهم القوي على السياسة الخارجية. فقد كان لهم دور واضح في توجيه الدولة وفهم الواقع والتغيرات المحيطة بها.
القرارات الخارجية هي جوانب مهمة في عمل القادة السياسيين، حيث تتأثر بالعديد من العوامل المختلفة، بما في ذلك الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية. ومن المثير للاهتمام أيضًا دراسة تأثير العوامل النفسية والسيكولوجية على هذه القرارات. وتتعدد الأبعاد النفسية لصنع القرار بين تصورات صانع القرار حول الموقف القرارى، شخصيته، إدراكه للواقع والمشكلة القرارية وأخيرًا عقائده التي تحدد وجهة نظره حول العالم المحيط به. فهذا هولستى Holsty يرى أن “الصورة التي يشكلها صانعوا القرار حول الحقيقة “الواقع” تحتل أهمية أكبر من الحقيقة أو الواقع الموضوعي”. وأكثر من ذلك يذهب سنايدر (Snyder) إلى اختبار أن الواقع الذي يجب أن يعنى بالدراسة هو الواقع كما يراه صانعو القرار “World of the decision maker as they view it” ([1]).
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي جاءت روسيا الاتحادية وريثًا له، حملت إرثًا مزيجًا من القوة والضعف. لديها قوة عسكرية ونووية، ومقعد دائم في مجلس الأمن، لكنها كانت تعاني من اقتصاد هش، فساد، تهديدات خارجية، عدم استقرار، وتدهور على مستويات عدة. وكان على القائد الروسي التعامل بحذر وحنكة سياسية مع هذه المتغيرات، وإثبات قدرته على إدارة شئون البلاد داخلًيا وتحقيق نجاح فى السياسة الخارجية.
انتابت روسيا الاتحادية مع تولى فلاديمير بوتين رئاستها بالوكالة فى 31 ديسمبر 1999، ثم بالأصالة بعد الانتخابات الرئاسية فى 26 مارس 2000″صحوة” للعمل على التحول من دولة مهددة بأن تصبح دولة من الدرجة الثانية وربما الدرجة الثالثة فى العالم، بحسب تعبير بوتين لتعود قوة عظمى، عبر عنها فى رسالته التي وجهها فى أواخر عام 1999، وحملت عنوان “روسيا على عتبة الألفية الجديدة”، وأصبحت تُعرف لدى المتخصصين بالشئون الروسية “رسالة الألفية”.
جاء التدخل فى جورجيا فى عام 2008 خطوة عملية أولى لترجمة “الفكرة الروسية” فى سياق رسالة الألفية للتحول إلى دولة عظمي، ثم جاء التدخل فى عام 2015 بضم شبه جزيرة القرم ودعم الانفصاليين فى شرق أوكرانيا. وتبع ذلك تدخل روسي عسكري فى سوريا فى سبتمبر 2015، وصولًا إلى قرار الحرب الفعلية على أوكرانيا فى فبراير 2022.
عكست هذه القرارات فى جزء منها العقيدة الروسية المعاصرة والتي عُرفت بـ “البوتينية”. والتى جاءت لتملأ الفراغ الذي خلفه انهيار الأيديولوجية الشيوعية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي. فقد وضع فلاديسلاف سوركوف أحد منظري العهد البوتينى الرئيس بوتين فى مصاف القادة الروس العظام.
تركز هذه الدراسة على دور القادة السياسيين في السياسة الخارجية، وتعتبر شخصية فلاديمير بوتين أحد الأمثلة المهمة لذلك، حيث يعتبر بوتين واحداً من الشخصيات السياسية البارزة على الساحة الدولية، ويتميز بأسلوب قيادي وحكيم في اتخاذ القرارات الخارجية التي تؤثر في سياسة روسيا وعلاقاتها الدولية، وبالأخص تدخلاتها الخارجية.
وتسعى الدراسة للإجابة على تساؤل رئيسي هو كيف أثرت العوامل السيكولوجية علي التحولات والتغيرات التي حققها الرئيس بوتين في السياسة الخارجية الروسية؟، تطبيقًا على قرار بوتين بالحرب على أوكرانيا؟.
يتفرع عن ذلك التساؤل البحثي الرئيسي عدد من الأسئلة الفرعية في الإجابة عليها مساهمة في الإجابة علي التساؤل الرئيسي، وأهم هذه الأسئلة ما يلي:
- ما هى محددات صنع القرار فى السياسة الخارجية؟
- كيف تؤثر القيادة السياسية على القرارات الخارجية للدولة؟
- ماهى الدوافع الذاتية والخصائص الشخصية للرئيس فلاديمير بوتين؟
- ماهى العلاقة بين البيئة النفسية للرئيس بوتين وسياستها الخارجية؟
- ما هى أسباب النزاع الروسى الأوكرانى؟ وكيف تطور؟.
- إلى أى مدى انعكست الخصائص السيكولوجية للرئيس بوتين على توجهاته السياسية نحو أوكرانيا؟.
- ما هى العلاقة بين النسق العقيدى للرئيس بوتين وشن الحرب على أوكرانيا فى فبراير 2022؟.
- كيف يمكن تصور مجريات الحرب الروسية الأوكرانية فى ضوء فوز الرئيس بوتين بفترة رئاسة جديدة منذ مارس 2024؟.
الإطار الزمني: يبدأ الإطار الزمني للدراسة من فبراير 2022 عقب إعلان روسيا الحرب الفعلية على أوكرانيا، وينتهي مع إتمام الدراسة عام 2024، يحدد الباحثون قرار الرئيس فلاديمير بوتين بالحرب على أوكرانيا، حيث كان لهذه الحرب العديد من التداعيات على كافة الأصعدة وتحديدًا تحولات القوى فى النظام الدولى العالمى، وقد لعبت عقيدة الرئيس بوتين فى جعل روسيا قوى عظمى دورًا بارزًا فى هذه الحرب، وهو ما دفع الباحثين لدراسة وتحليل دور القيادة السياسية فى صنع القرارات الخارجية، تطبيقًا على شخصية الرئيس فلاديمير بوتين.
- الأهمية العلمية: حيث تأتي هذه الدراسة في إطار الدراسات النظرية لعلم النفس السياسى، وتُسلط الضوء تحديدًا علي أهمية البيئة النفسية للقائد السياسي و مدي تأثيرها علي اتخاذ قرارات السياسة الخارجية، حيث يلاحظ الاهتمام الأكاديمى بتصاعد العوامل السيكولوجية فى دراسة العلوم السياسية “المداخل المتعددة التخصصات” بكل عامل، وعدم الاقتصار على دراسة الدولة ومؤسساتها الرسمية فقط.
- الأهمية العملية: مع ازدياد الدور الروسي علي الساحة الدولية، سياسات الاستقطابات الدولية، والتأثيرات عابرة الحدود لكافة القضايا وعلى رأسها “الحرب الروسية الأوكرانية”، وتداعيات ذلك كله على منطقة الشرق الأوسط سياسًا واقتصاديًا وأمنيًا، ومن هذا المنطق تنبع أهمية دراسة وتحليل كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية الروسية؛ وكيفية صنع القرار ومحدداته، وفى مقدمتها دور القيادة السياسية الروسية ممثلة فى الرئيس “فلاديمير بوتين” أحد أهم النماذج للشخصيات القيادية على مدار تاريخ الدولة الروسية قديمًا وحديثًا.
في ضوء ما سبق، تسعي الدراسة إلي تحقيق عدة أهداف، هي:
- معرفة كيفية صنع القرار فى السياسة الخارجية، وأهم محدداته.
- فهم تأثيرات/ دور العوامل السيكولوجية والشخصية على صنع واتخاذ القرار السياسى.
- الوقوف على أهم التغيرات اللاحقة على السياسة الخارجية الروسية فى ظل قيادة الرئيس فلاديمير بوتين.
- تحديد دور الدوافع الشخصية فى اتخاذ قرار بوتين بالحرب على أوكرانيا فى فبراير 2022.
خامسًا: مراجعة الدراسات السابقة:
تعددت الدراسات التى تناولت موضوع الدراسة بالبحث والتحليل فى بعض أبعادها، وندرت فى البعض الآخر، ولحسن العرض سوف يقسم الباحثون مراجعة هذه الدراسات لاتجاهين رئيسيين، هما:
الاتجاه الأول: الدراسات التى تناولت التأصيل النظرى لتأثير العوامل السيكولوجية على تحليل السياسة الخارجية:
- دراسة Elizabeth N. Saunders والتى جاء بعنوان (Elites in the Making and Breaking of Foreign Policy ) ([2]):
تُعد هذه الدراسة هى مراجعة أدبية “Literature Review” لمسألة النخب والسياسة الخارجية، وتري أن البحث العلمي حول النخب والسياسة الخارجية قد قدم تقدمًا هامًا في تحديد من هم النخب، وماذا يرغبون فيه، وكيف يؤثرون في السياسة الخارجية. يقوم هذا الاستعراض بتقييم هذه التقدمات، مركزًا على التوتر بين خبرة النخب من جهة، والاستياء من النخب بوصفها ذات مصالح ذاتية أو غير ممثلة لمصالح الشعب من جهة أخرى. ما يبقى مفقودًا في الأدب حول النخب والسياسة الخارجية هو ديناميات سياسة النخب. يمكن لنفس النخب أن تتصرف بشكل مختلف جدًا في سياقات مختلفة، وغالبًا ما لا تحصل النخب على ما يريدونه في السياسة الخارجية على الرغم من وجود تفضيلات قوية. لفهم هذا التباين، نحتاج إلى مزيد من البحث حول ثلاثة أنواع من سياسة النخب: كيفية تحقيق النخب مواقعهم؛ الحوافز التي يواجهونها عند وصولهم إلى تلك المواقع؛ وكيفية علاقة النخب ببعضها البعض ومع الجماهير الشعبية. بدون الانتباه إلى سياسة النخب، نفتقد مصادر هامة لسلوك الدول.
- دراسة Marijke Breuning والتى جاءت بعنوان (Investigating Leaders: Integrating the Study of Individuals in Foreign Policy Analysis and International Relations) ([3]):
أكدت الدراسة على أن تحليل السياسة الخارجية قد ارتكز طويلاً على دراسة القادة وصانعي القرار الأفراد. فى مقابل، كان حقل العلاقات الدولية (IR) لفترات طويلة يعتمد بالأساس على المستوى النظامي للتحليل، معاملة الدولة كوحدة مجردة متكاملة. ومع ذلك، بدأت العلاقات الدولية في إعادة اكتشاف المستوى الفردي للتحليل، مما يجعل هذا الوقت مناسبًا للنظر في مساهمات كل من السياسة الخارجية و العلاقات الدولية في دراسة القادة وصانعي القرار. وقد استعرضت الدراسة كيف يتم دراسة صانعى القرار والقادة بواسطة مدارس السياسة الخارجية و والعلاقات الدولية ، مسلطة الضوء على النهج البارزة في كل حقل، ومقارنة هذه النهج، مبرزة الشبه والاختلافات والارتباطات، وكما ناقشت التطبيقات المناسبة لكل منها في البحوث التجريبية. وانتهت المساهمة بمقترحات لدمج النهجين السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، مشيرة إلى كيفية استفادة هذا الدمج من قدرة كل منهما على معالجة أسئلة البحث المثارة بشأن دور القادة وصانعي القرار الأفراد في السياسة الدولية.
- دراسة باسم على خريسان والتى جاءت بعنوان “علم النفس السياسى: دراسة فى المفهوم والنشأة التاريخية”([4]):
هدف هذا البحث الى التعريف بعلم النفس السياسي من حيث المفهوم والنشأة التاريخية، حيث لايزال البحث فيه في بدايته في العراق ، وهو بحاجة الى الاهتمام بالتأصيل النظري الواسع والمعمق له، بالشكل الذي يسهم في تمكين الباحثين وطلبة المعرفة من الاستفاده منه في فهم اثر البعد السايكولوجي في الظاهرة السياسية للوصول الى فهم اعمق واكثر وضوحاً لها ،لاسيما وما تتميز به الظاهرة السياسية من كونها ظاهرة مركبة لايمكن فهما بالاعتماد على تحليل او تفسير لجانب واحد من جوانبها ،فمثلما تؤثر الجوانب المادية والاجتماعية والثقافية في تشكيلها وتحديد سلوكها ، فان للجوانب النفسية حضور لايقل تأثيراً فيها ، فالجانب النفسي جزءاً لا يتجزء من الظاهرة السياسية ، فكل سلوك انساني سياسي يحمل في طياته بعداً نفسياً واضحاً يؤثر في الظاهرة السياسية ، فالحرب والسلم والارهاب والعنف السياسي والسلوك السياسي والانتخابي وغيرها من الظواهر السياسية يسهم العامل النفسي في تشكيلها والتأثير فيها ،لذلك تصبح مسألة دراسته ضرورة ملحة لفهم وتفسير والتنبوء والتحكم في سلوك الظاهرة السياسية.
- دراسة وليد الصديق ميلودي والتى جاءت بعنوان” أثر البعد النفسي لصانع القرار في اتخاذ القرار الخارجي “دراسة في اسهامات المقاربة السايكولوجية )النفسية ( لهارولد وسبراوت في اتخاذ القرار الخارجي””([5]):
إهتم دارسو السياسة الخارجية بمجموعة العقائد والإدراكات والقيم والتصورات كأدوات لفهم طبيعة القرار الخارجي وأسباب اتخاذه ، هذه المجموعة هي ما يسمى بـ” البيئة النفسية ” ، التي تمثل المتغير الوسيط الذي تؤثر من خلاله البيئة الموضوعية على السياسة الخارجية .فمتغيرات البيئة الموضوعية –النسق الدولي ، والنظام الدولي ، والنظام السياسي ، والخصائص القومية وغيرها – لا تؤثر في السياسة الخارجية الا اذا ادركها القائد السياسي ادراكا معينا .ومن ثم ، فطالما ان القائد السياسي لم يدرك او يستوعب متغيرا موضوعيا معينا . ،فان ذلك المتغير لن ينتج آثارا في السياسة الخارجية.
الاتجاه الثانى: الدراسات التى تناولت القيادة السياسية وأثرها على السياسة الخارجية الروسية “الرئيس فلاديمير بوتين”:
- دراسة رشيد محمد والتى جاءت بعنوان (تأثير العامل السيكولوجى على صانع القرار السياسى: الرئيس الروسى فلاديمير بوتين نموذجًا)([6]):
أشارت الدراسة إلى أن التنشئة الاجتماعية والسياسية ركيزة هامة فى توجيه الشعوب والذين منهم القادة السياسيين، ولأهمية الدور الذي يقوم به هؤلاء القادة حاولت الدراسة الإجابة على عدة تساؤلات بحثية حول أثر العوامل السيكولوجية على إدارة وقرارات القادة السياسيين، تبيان السمات الشخصية والدوافع الذاتية للقائد السياسى، وقد اتخذت الدراسة من شخصية الرئيس الروسي بوتين نموذجًا تطبيقًا لها، وتوصلت إلى تحديد سياسته وانعكاسها على القرار الروسى، أهم أهداف ونقاط العقيدة الروسية الجديدة، وأخيرًا معرفة أثر العامل السيكولوجي على قرارات الرئيس بوتين.
- دراسة آلاء محمد محسن التى جاءت بعنوان دور القائد السياسى فى صنع السياسة الخارجية (الرئيس فلاديمير بوتين أنموذجًا) ([7]):
حاولت الدراسة الإجابة على تساؤل رئيسي هو “ما مدى دور القائد السياسى فى صنع السياسة الخارجية لبلاده، وكيف ومتى يظهر هذا الدور، ومتى يتزايد؟ وأثبتت صحة فرضية الدراسة القائلة بأنه “لايمكن إغفال دور الفرد صانع القرار فى السياسة الخارجية لدولته، فهذا الدور هوالمفتاح الرئيس لفهم تلك السياسة، أى أن صانع القرار هو متغير مستقل والسياسة الخارجية متغير تابع”.
عند دراسة دور الرئيس بوتين فى السياسة الخارجية الروسية، لم تُنكر الدراسة أن خصائص بيئة القرار فى روسيا عند استلام الرئيس بوتين الرئاسة كانت من عوامل بروزه دوره فى السياسة الخارجية، لكن خصائص الرئيس بوتين وصفاته الشخصية والخبرة المكتسبة نتيجة عمله الاستخباراتى والسياسي، هى التي طبعت قراراته فى السياسة الخارجية بطابعها، أى طابع البراجماتية والعملية، إذ ظهرت سياسته مزدوجة أحيانًا (كسياسته تجاه الشرق الأوسط)، ومتقلبة لتغيرات الموقف (كسياسته تجاه المغرب)، وحازمة (كسياسته تجاه الدول السوفيتية سابقًا)، ومبدئية (كسياسته تجاه سوريا).
وأخيرًا، توصلت الدراسة إلى أنه بشكل عام تجسد هدف سياسة الرئيس بوتين الخارجية الأساسى فى استعادة مكانة بلاده الدولية بشكل فاعل ومؤثر، بحيث لا تبقى الولايات المتحدة الأمريكية متفردة بالهيمنة على الساحة الدولية، وإن بوصلة هذه السياسة الخارجية هى مصلحة روسيا.
- دراسة مروة خليل محمد مصطفي التى جاءت بعنوان (دور القيادة السياسية فى تحديد مضمون المصلحة القومية: جورباتشوف وبوتين كدراسة حالة) ([8]):
هدفت الدراسة إلى تحليل دور القيادة السياسية فى تحديد مضمون المصلحة القومية، ووجدت أن حالة روسيا تُظهر العديد من الأمور التى تستحق التحليل، وقد توصلت الدراسة إلى أنه فى الوقت الذي انسحب فيه جورباتشوف من جميع دوائر السياسة الخارجية، انخرط بوتين فى الشؤون العالمية بشكل مكثف. وإذا كان دور جورباتشوف فى تحديد مضمون المصلحة القومية السوفيية كان يعنى إنهاء الحرب الباردة والتحول عن النسق الدولى الثنائي، أن بوتين قد حدد مصلحة قومية روسية قوامها العودة إلى قطبية النسق الدولي لاستعادة مكانة دولية مفقودة. وعندما حللت سياسات جورباتشوف الخارجية وجدت أنها تأتى فى سياق مبادئ الليبرالية السياسية، متمثلة فى سياسات داخلية قوامها البيروسترويكا والجلاسنوست، وأرى خارجية قوامها إنهاء الصراع مع الغرب. فى حين وجدت أن سياسات بوتين تندرج تحت الواقعية السياسية والبعد عن الليبرالية وعودة الصراع مع الغرب ومحاولة الهيمنة، الأمر الذى يُظهر بما لا يدع مجالًا للشك الدور الجوهرى للقيادة السياسية فى تحديد مضمون المصلحة القومية، تلك المصلحة ذات الجوهر الثابت والمضمون المتغير بغير العديد من العوامل، لاسيما القائد السياسى للدولة.
- دراسة هيلة حمد المكيمى التى جاءت بعنوان “أثر البوتينية فى الصراع الروسي- الأوكرانى: قراءة تحليلية فى مضامين خطابات الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لمسببات الحرب الروسية على أوكرانيا فى العام 2022”([9]):
يسعى هذا البحث إلى تسليط الضوء على دراسة أثر البوتينية في الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت مطلع العام 2022 م وذلك من خلال دراسة مضامين خطابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل بدء وقوع الحرب. يقوم هذا البحث على تبني المنهج البنيوي في تحليل مكونات النظام السياسي الروسي. وتشمل الأدوات البحثية المستعملة في هذا البحث دراسة الحالة وتحليل مضمون الخطابات الروسية ودراسة ميدانية في المؤسسات الأكاديمية الروسية في موسكو في نوفمبر 2022 . وتمكن البحث من الوصول إلى عدد من الاستنتاجات المهمة أبرزها: إن البوتينية هي منظومة شمولية تشمل النظام والعقيدة السياسية خلال حقبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تطورت البوتينية في ثلاث مراحل رئيسة، شملت المرحلة الأولى ترتيب البيت الروسي من الداخل، والمرحلة الثانية التوازن والشراكة الدولية، والمرحلة الثالثة هي السعي من أجل إنهاء الأحادية القطبية وإقامة عالم متعدد الأقطاب من خلال الضربة الاستباقية التي مثلتها الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير 2022 وهي مرحلة لا تزال في طور التشكل، وأخيرًا أدت البوتينية دورًا رئيسًا في اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا على الصعيد الأيديولوجي وصناعة القرار السياسي داخل النخبة الروسية.
- دراسة Aubrey Immelman والتى جاءت بعنوان:The Political Personality of Russian Federation President Vladimir Putin([10]):
الأثر العلمي الرئيسي للدراسة هو أنها تقدم أساسًا تجريبيًا الإطار الشخصي لتصور وتوقع السلوك السياسي لفلاديمير بوتين و سلوكه كرئيس للاتحاد الروسي. في هي باختصار مزيج من شخصية بوتين الخاصة و تشير الأنماط إلى أسلوب قيادة قائم على الشخصية، ويمكن وصفه على نحو مناسب بأنه أسلوب القيادة عدائي توسعي، مع توجيه دوره في السياسة الخارجية أفضل ما يصف به هو دور انطوائي ذو سيطرة عالية .
أوجه الاستفادة من مراجعة الدراسات السابقة وما يميز الدراسة الآنية:
حاول الباحثون من خلال استعراضهم للدراسات السابقة فى ضوء الموضوع محل الدراسة الوقوف على الفجوات البحثية التى لم يتطرق لها الآخرون أو قد تطرقوا لها من زوايا وأبعاد مختلف، فى محاولة لسد هذه الثغرات البحثية، وفى مقدمتها أن دراسة تأثير الأفراد وعلى الأخص “القيادة السياسية” يتطلب المزيد من الأبحاث التراكمية بشأن مواقف وقرارات مختلفة فى فترات زمنية متباينة تساهم فى فهم المقاربة السيكولوجية لهؤلاء القادة، ومن ثم تمثل الدراسة الآنية تراكمًا بحثيًا فى تحليل “قرار بوتين بالحرب على أوكرانيا فبراير 2022” وكيفية تأثير العقيدة السياسية لبوتين على مجريات الحرب والسياسة الخارجية لدولته، تركز الدراسة بشكل أساس على البيئة النفسية والسمات الشخصية للرئيس بوتين كمتغير مستقل ومؤثر فى إدارته لشئون البلاد، مع تحييد غيرها المحددات الأخرى سواء الداخلية أو الخارجية.
سادسًا: الإطار النظرى والمفاهيمى للدراسة:
تُعد هذه الدراسة ضمن الدراسات متعددة التخصصات “الدراسات البينية”، حيث تركز بالأساس على المقاربة السيكولوجية فى دراسة وتحليل السلوك السياسى للقادة وخاصة فى السياسة الخارجية، فكل سلوك سياسى يحمل فى طياته بعدًا نفسيًا واضحًا يؤثر فى الظاهرة السياسية، فالحرب والسلم والإرهاب والعنف والسلوك الانتخابي كلها سلوكيات يسهم العامل النفسى فى تشكيلها والتأثير فيها. كما تركز على تحليل الأنساق العقیدیة للقادة السیاسیین (العقيدة البوتينية نموذجًا)، حيث تحتل هذه الأنساق موقعا مهما ضمن العوامل المؤثرة في عملیة صنع القرارات السیاسیة في الدولة،حيث أن النسق العقیدي يساعد القائد السیاسي على تبسیط الواقع انطلاقًا من خارطته المعرفیة حول العالم السیاسي حیث و في إطار موقف قراري معین یمیل صانع القرار إلى اختیار البدیل الذي یتوافق و عقائده السیاسیة و بذلك یمكن اعتبار النسق العقیدي للفرد المصفاة التي عن طریقها یتقبل أو یلغي صانع القرار المدخلات (معلومات، مواقف…) التي تأتیه من البیئة الموضوعیة.
أما فيما يتعلق بالتأصيل المفاهيمى للدراسة فسوف ترتكز الدراسة على عدة مفاهيم رئيسية هى (القيادة السياسية، الأنساق العقائدية، المصلحة القومية)، سوف يقوم الباحثون بسرد التعريفات اللغوية والاصطلاحية لهذه المفاهيم والتمييز بينها وبين غيرها المفاهيم التى قد تداخل معها سواء ترادفًا أو تضادًا.
سوف يؤصل الباحثون لهذه الأبعاد النظرية والمفاهيمية من خلال الفصل الأول من الدراسة، حيث سيساهم هذه التأصيل فى فهم أعمق وأدق للظاهرة محل الدراسة، والوقوف على مدى قربها أو بعدها من التحليلات النظرية المفسرة لها.
نظراً إلي طبيعة موضوع الدراسة، يرى الباحثون ضرورة الاعتماد علي التكامل المنهاجي، بدايةً من اقتراب صنع القرار وكيفية تطبيقه على “قرار الرئيس بوتين بالحرب على أوكرانيا” حيث تشتمل عملية صنع واتخاذ القرار على عدة مراحل، أولها إدراك صانع القرار للمشكلة، كيفية تعريفه للموقف بأبعاده ومدى تأثيره على المصلحة القومية لدولته، مرحلة تحديد البدائل واتخاذ القرار، وصولًا لتنفيذ القرار وعوامل نجاح هذه التنفيذ، وأخيرًا التغذية العكسية حول نتائج القرار ومدى تحقيقه لأهداف الدولة.
اقتراب/ نظرية الدور للقائد السياسى، والتى تقدم إطارًا يمكن من خلاله فهم طبيعة تأثير القائد على السياسة الخارجية بناءًا على اعتقاداته وتوجهاته، وأيضًا التغيرات التى قد تطرأ على السياسة الخارجية نتيجة تغير القائد، وتستند هذه النظرية على مجموعة من العوامل تشكل فى مجملها الإطار العام الذى يحدد مدى قوة تأثير القائد السياسى فى صنع السياسة الخارجية، وهذه العوامل هى، مدى اهتمام القائد بالسياسة الخارجية، آلية وصوله للسلطة، كاريزميته، طبيعة النظام السياسى وصلاحيات القائد، الخبرة بالشئون الخارجية وأخيرًا مرونة القائد السياسى.
منهج دراسة الحالة، حيث نجد جدوي هذا المنهج فى بعدين هما (دراسة الرئيس الروسي بوتين كأحد النماذج البارزة على القيادة السياسية المؤثرة على الساحة الدولية)، وكذا تحليل قرار الحرب الروسية على أوكرانيا كدراسة حالة لقرارات التى لعب فيها الرئيس بوتين دورًأ بارزًا فى اتخاذها والمضى قدمًا فى تنفيذه.
وأخيرًا، اعتمدت الدراسة على أداة منهجية (تحليل الخطاب والمضمون)، حيث استندت الدراسة على عينة من (خطابات الرئيس بوتين، والتصريحات المتنوعة بشأن الحرب على أوكرانيا)، وأداة تحليل الخطاب والمضمون لا تقف عند حد البنية السطحية للنصوص، إنما تتجاوزها فى محاولة القراءة التأويلية للنص من خلال الدلالات التى يحملها السياق، أو يعبر عنها المسكوت عنه فى النص، فلا يكتفى تحليل الخطاب بتحليل بنية النص الداخلية، ولكنه يرصد أيضًا الإطار التاريخي والوضع الراهن من خلال دراسته لعلاقات القوى الداخلية فى النص والممارسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. إلخ والتى تشكل البنى الأيديولوجية للخطاب، وتتمثل أداة التحليل هذه فى ثلاثة أبعاد هى: النص، الممارسة الخطابية “التركيز على الطريقة أو المنهجية التى تمت بها عملية إنتاج النص، بما يتضمن علاقة النص بغيره من النصوص المشابهة ووسيلته فى الانتشار والطريقة التى تلقاه بها الجمهور، وأخيرًا الممارسة الاجتماعية وتمثل التركيز على الأشياء من قبيل الموقف الحالى الذى أدى إلى إنتاجها، أى إنتاج هذه الممارسات الاجتماعية والثقافية والسياسية على المستويين الموقفى والاجتماعى والتى توفر وثاقة صلة موضوعية سياقية أوسع.
أدوات ومصادر جمع المادة العلمية:
اعتمد الباحثون في جمع المادة العلمية علي المصادر المكتبية، الكتب، الرسائل العلمية، المقالات الأكاديمية في الدوريات العلمية، والصحف العالمية والمحلية “، كما اعتمدوا علي المصادر المستحدثة مثل المواقع الإلكترونية ومحركات البحث العلمية، فضًلًا عن مواقع التواصل الاجتماعى وخاصة اليوتيوب “خطابات الرئيس بوتين”.
تنقسم الدراسة إلي أربعة فصول رئيسية، فضلاً عن إطارها العام وخاتمتها، وذلك علي النحو التالي: الفصل الأول، يتناول بالدراسة التأصيل النظري والمفاهيمي للدراسة، وينقسم إلي مبحثين، هما المبحث الأول، النظريات المفسرة لأثر العامل السيكولوجي على السلوك السياسي ، المبحث الثاني، التأصيل المفاهيمي للدراسة، يعرض الفصل الثاني من الدراسة لـ دور القيادة السياسية فى عملية صنع السياسة الخارجية، وينقسم بدوره إلي ثلاثة مباحث، هي المبحث الأول، محددات صنع السياسة الخارجية، المبحث الثاني، البيئة النفسية للقائد السياسى، والمبحث الثالث، الدوافع الذاتية والسمات الشخصية للقائد السياسي، ويتناول الفصل الثالث بالدراسة والتحليل سيكولوجية فلاديمير بوتين وتأثيرها على السياسة الخارجية الروسية، وينقسم إلي ثلاثة مباحث، المبحث الأول، البيئة النفسية للرئيس بوتين، المبحث الثاني، البوتينية كعقيدة سياسية، المبحث الثالث، التطورات اللاحقة على السياسة الخارجية الروسية فى عهد فلاديمير بوتين، يبحث الفصل الرابع دور الرئيس بوتين فى الحرب الروسية على أوكرانيا، من خلال أربعة مباحث هي، المبحث الأول، محددات الأزمة الروسية الأوكرانية، المبحث الثاني، دور الدوافع الشخصية فى اتخاذ قرار الحرب على أوكرانيا، المبحث الثالث، تحليل قرار بوتين بالتدخل العسكري فى أوكرانيا فبراير 2022، المبحث الرابع، تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. وتُختتم الدراسة بمحاولة صياغة رؤية استشرافية لمسارات الحرب الروسية الأوكرانية فى ضوء ولاية بوتين الجديدة.
الفصل الأول
التأصيل النظري والمفاهيمي للدراسة
تمهيد:
تعتبر عملية التأصيل النظري والمفاهيمي للدراسة من الأركان الأساسية التي تضمن للبحث العلمي قوة وصلابة أكاديمية. يساعد التأصيل النظري في وضع الأسس العلمية والمنهجية التي ينطلق منها الباحث، مما يمكنه من تفسير الظواهر المدروسة بشكل متكامل وشامل. من خلال التأصيل المفاهيمي، يتم توضيح المصطلحات والمفاهيم الأساسية المستخدمة في الدراسة، مما يضمن وضوح الرؤية والاتساق الفكري. كما يسهم التأصيل في الربط بين الدراسة الحالية والأبحاث السابقة، مما يساعد في تقديم إضافة معرفية جديدة وتجنب التكرار غير الضروري، ولذلك فأن التأصيل النظري والمفاهيمي يضمن للدراسة الدقة العلمية والمصداقية، ويعزز من فهم الموضوع ويزيد من قيمة النتائج المستخلصة.
وسوف يتم تقسيم هذا الفصل إلي مبحثين، هما:
المبحث الأول: النظريات المفسرة لأثر العامل السيكولوجي علي السلوك السياسي
المبحث الثاني: التأصيل المفاهيمي للدراسة.
المبحث الأول
النظريات المفسرة لأثر العامل السيكولوجي علي السلوك السياسي
مقدمة:
للقيادة السياسية بوصفها أحد متغيرات النظام السياسي دور كبير وفعال في تنفيذ كل من السياسات العامة سواء علي الصعيد الداخلي أو الخارجي، وهي بذلك تقوم بعملية متشابكة تتداخل فيها العديد من العناصر منها التخطيط والتنفيذ والرقابة، تلعب القيادة السياسية دورًا هامًا في صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية لأي دولة. وتختلف نظريات القيادة في تفسير كيفية تأثير القائد على السياسة الخارجية، لكن جميعها تؤكد على أهمية دور القائد في صنع القرارات وتحديد اتجاه الدولة على الساحة الدولية.
أولًا: منظورات دراسة القيادة:
هناك عدة طرق دراسة للقيادة وذلك لتعدد العلوم التي اهتمت بها ، ويمكن القول أنه يوجد أربعة منظورات للاقتراب من القيادة، وهناك تداخل بينها، هي:
أ_ المنظور النفسي: يرتبط هذا المنظور بعلم النفس. ويركز علي التفاعل والعلاقة بين الشخصية والبيئة، وأهمية الموقف في العلاقة القيادية، وتعتبر القيادة هنا مجرد وظيفة، فهي نوع من أنواع التخصص ضمن الجماعة، وهي بذلك تعتبر شكل من أشكال التمييز الوظيفي، يري لاسويل أن القائد السياسي هو إنسان يحول مشاكله الشخصية إلي قضايا عامة ، بينما يري اريكسون أن القائد السياسي كشخص يجد الحل لمشكلاته الشخصية عن طريق تغيير أو تحويل وضع اجتماعي كبير.
ب_ المنظور الاجتماعي : يهتم أصحاب هذا المنظور بالقيادة من منظور القوة (القدرة) أو التأثير (النفوذ) في المجتمع، وتشمل ممارسة القدرة ثلاث وظائف هي :تحديد اهداف المجتمع وغاياته، إيجاد الهياكل اللازمة لتحقيق الأهداف، والمحافظة علي تلك الهياكل.
ج_ المنظور التنظيمي: يهتم أصحاب هذا المنظور بمفاهيم القيادة وانماطها وطرق تطويرها وتنميتها في نسق منظم وفي جميع انواع التنظيمات. د_ المنظور السياسي : يهتم هذا المنظور بالسلطة التنفيذية في نظم الحكم من حيث تشكيلها الداخلي وعلاقاتها مع السلطات الأخرى والأحزاب السياسية، ويهتم بمصادر القوة، والقدرة، والشرعية. مع الإيمان بالضرورة القصوى للقيادة السياسية في اي مجتمع بغض النظر عن فكره السياسي [11]
ثانياً: نظريات تحليل سلوك القيادة:
كما تعددت طرق دراسة القيادة، تعددت كذلك النظريات التي تحاول تفسير ظاهرة القيادية، فعلي سبيل المثال نجد: نظرية صنع واتخاذ القرار، نظريات الشخصية، نظرية العبقرية (الرجل العظيم)، نظرية السمات، النظرية السلوكية، نظرية التحليل النفسي وغيرها، وفيما يلي توضيح لأهم هذه النظريات:
أ_ نظرية صنع واتخاذ القرار:
تقوم نظرية صنع القرار علي افتراض رئيسي وهو أن الناس هم صناع عقلانيون لقرار رشيد، وأنهم يختارون ما يتفق مع معظم أهدافهم ويحقق غايتهم، وقد أدي السير علي منهج الافتراض بالرشد والتسليم بالأسس الفلسفية النفعية والاقتصاد السياسي الحديث، إلي كم من الأدب السياسي يتعامل مع التحليل العلمي لمشاكل صنع القرار، لذلك لعب علم النفس دور تكميليا في تطوير نظرية صنع القرار.
تعني فكرة الرشد استخدام احسن الأساليب والوسائل لتحقيق الأهداف المنشودة، واذا كان ذلك يعني ضمنا أن الوسائل إما أن تكون رشيدة أو غير رشيدة، فإنه لا يعني تقييم بشأن الأهداف. أي أننا لا نصف الأهداف مطلقاً بالرشد وإنما نصف الوسائل فقط. ويعرف ريتشارد سنايدر عملية صنع القرار بأنها: العملية الاجتماعية التي يتم من خلالها اختبار مشكلة لتكون موضعاً لقرار ما، وينتج عن ذلك الاختبار ظهور عدد محدود من البدائل يتم اختبار إحداها لوضعه موضع التنفيذ والتطبيق.
أما مفهوم اتخاذ القرار : فهو الاختيار بين عدد من البدائل المتاحة التي تتسم بعدم اليقينية في نتائجها. يركز أصحاب نظرية صنع واتخاذ القرار في دراسة العلاقات الدولية ليس علي أساس الدول، وإنما علي اساس تشخيص الدولة، ويركز أصحاب هذه النظرية أيضا علي الدوافع لأنها تعتبر جزء من عملية صنع واتخاذ القرار، لذلك ميز سنايدر بين نوعين من الدوافع : الدوافع من أجل ، والدوافع بسبب.
حيث أن الدوافع من أجل تسمي (بالدوافع الشكلية) وتعني ان صاخب القرار اختار بشكل واعي ليحقق اهداف معينة، لكن في كثير من الاوقات تستخدم هذه الدوافع كتبريرات لتضفي نوعاً من الشرعية علي سلوك معين، مثل القرار الأمريكي للدخول إلي العراق سنة ٢٠٠٣. أما الدوافع بسبب، والتي تعرف (بالدوافع الحقيقية) يصعب إدراكها لارتباطها بمتغيرات شخصية (الوعي والخبرة والخلفية التاريخية لصانع القرار) لذلك لابد من دراسة وتحليل القرارات التي اتخذها صانع القرار في فترات معينة وليس تحليل نفسيته فقط، إذا يري سنايدر أن القرار هو تحصيل حاصل للتفاعل الموجود بين البيئة الداخلية والخارجية والسيكولوجية. كما أقترح أصحاب نظرية صنع واتخاذ القرار نماذج لتحليل العوامل التي يأخذها صناع القرار بعين الاعتبار، علي سبيل المثال:
أ_ نموذج سنايدر والتحليل العقلاني.
ب_ نموذج برويت الذي ينطلق من أن القرارات التي يتم التوصل إليها تتوقف علي رؤية صناع القرار للموقف الخارجي والقرار يكون محصلة التصورات التي يحتفظ بها واضعو السياسة الخارجية عن الدول الأخرى.
ج_ نموذج هوايتي الذي ينطلق من أن الموقف الذي تتخذ في إطاره القرارات يتضمن النظر إلي المتغيرات الداخلية والخارجية والسياق التاريخي القديم والمعاصر.
-تميز نظرية صنع القرار السياسي بين مستويين هما:
المستوي الأول: النموذج التحليلي لعملية صنع القرار السياسي، وهو الأمر الذي يعني مجموعة الخطوات الواجب إتباعها من أجل صنع وإصدار قرار سياسي رشيد تتوفر فيه مقومات النجاح بقدر أكبر من مقومات الفشل.
المستوي الثاني: النموذج التحليلي لتقييم القرارات السياسية التي تم صنعها واتخاذها ودخلت دائرة التنفيذ الفعلي. وهو الأمر الذي يحتاج لإطار نظري مختلف عن النموذج التحليلي لعملية صنع القرار.[12]
نظرية العبقرية:
تعتبر أحد النظريات التي تؤكد على دور القادة اصحاب القدرة العقلية الفائقة في إحداث تغييرات ثقافية وسياسية. يعتقد أن القادة الذين يتمتعون بالقوة الخارقة والكاريزما هم من يمكنهم تحفيز المجتمع وإلهامه للتغيير. يشير مؤيدو هذه النظرية إلى أهمية وجود قائد عبقري قادر على حل الصراعات والخلافات بطريقة ملهمة. وفي حال اختفاء هذا القائد، يصبح من الضروري البحث عن قائد جديد قادر على تولي هذا المنصب. يُطلق أحيانًا على هذه النظرية اسم “نظرية الرجل العظيم”، ولكنها لم تحظى بشعبية كبيرة بسبب صعوبة إثباتها بشكل علمي .[13]
نظرية السمات:
تعتبر أن القيادة تعود إلى صفات شخصية معينة تجعل الآخرين يقبلون بأن يقودهم شخص ما. تفترض هذه النظرية أن القائد يولد قائداً ولا يمكن لشخص بدون صفات القيادة أن يصبح قائداً. تشمل خمسة أنواع سمات القيادة: الجسمية، العقلية المعرفية، الاجتماعية، الانفعالية، والعامة وبالرغم من أهمية هذه السمات للقيادة، إلا أنها ليست كافية لتحقيق كفاءة قيادية. فالسمات تتأثر بالظروف والتفاعلات المجتمعية.
نظرية التحليل النفسي:
تستخدم هذه النظرية مفهوم “الشخص المركزي” بدلاً من لفظ “القائد”، حيث يكون دور هذا الشخص في إثارة علاقات اجتماعية إيجابية في المجتمع ، وتتم الأدوار التي يقوم بها الشخص المركزي بثلاث خصائص: وهي إما اعتباره موضوعيا لإشباع دوافع أعضاء الجماعة، أو اعتباره موضوعي لتوحيد أساسه حبهم له أو خوفهم منه، أو باعتباره اخيرا سندا لأفراد الجماعة في اي وقت خاصة الشدة. لتكون في النهاية مزيج من مشاعر الود والحب، ومشاعر الخوف والرهبة من غضب القائد وعدم رضاه عن الجماهير، وعليه تكون العلاقة بين القائد والجماهير علاقة شخصية، بالإضافة إلي الشكل الرسمي الذي يحكمها [14]
نظريات الشخصية:
مفهوم الشخصية :هي نظام متكامل من مجموعة الخصائص الجسمية والوجدانية والادراكية والنزوعية التي تساعد هوية الفرد وتميزه عن غيره من الأفراد تمييزا واضحاً، ومن أهم نظريات الشخصية:
–نظرية العلاقات الشخصية: تبحث هذا النظرية في كيفية معاملة الفرد السياسي لمن حوله وبالتالي فإنه يرغب أن تكون علاقة دولته علي نفس الطريقة. وفي هذا الزمن الذي تزايد فيه تفاعل واتصال زعماء الدولة ببعضهم البعض من خلال اللقاءات والاجتماعات والاتصالات الشخصية، فإن توافق العلاقات بين هذه الشخصيات يؤدي إلى تحسين العلاقات بين الدول.
-نظرية الشخصية الفردية كمرجع: يمثل كل انسان نموذج فريد ويستخدم سماته الشخصية في تقييم الاخرين، وتفسير قراراتهم وتحليلها.
هناك فرضيات مستنتجة من هذا النظرية:
أولا: كلما رغب الشخص أن يكون نشيطاً في المجال السياسي للوصول لمراكز النفوذ، زاد شعوره وتأكيده علي طموحات العدو الخارجية التوسعية، ويدعو لمواجهتها بكل الطرق.
ثانياً: كلما زاد عداء الفرد لمن حوله، زاد ميله لأن يري السياسات المعادية لدولته علي أنها تهديدا شخصياً له ويفسر ذلك السلوك بأنه تعلق شديد بالقومية، وهكذا بعد الفرد حكومته امتداداً لشخصيته، ويري في ممارسات دولته تحقيقا لرغباته الشخصية.
–نظرية القومية: يعرف الشعور الوطني بأنه تركيز الانتباه والشعور الإيجابي نحو رموز الأمة، وكلما زادت درجة الانتماء للأمة ، زاد التعلق بها، والدفاع عنها وعند تعظيم الأمة يعمد الفرد إلي رفض الأشياء التي لا تتلاءم مع صورة بلاده وهو الشيء الروحي الذي يعلقون عليه الأفراد طموحاتهم وهكذا فإن علاقة الفرد بأمته تتمثل في الحفاظ علي مجدها وصورتها وشهرتها، ويربط الفرد مصالحه الشخصية بمصالحها الاقتصادية والعسكرية، وتبرير سياساتها القومية، فإن ذلك يعد انتصار شخصي له.[15]
المبحث الثاني
التأصيل المفاهيمي للدراسة
أولًا: مفهوم القيادة السياسة:
لا يوجد تعريف محدد لمفهوم القيادة بشكل عام، اذ تعدد وتختلف طبقا لوجه النظر التي ينظر من خلالها الباحث الي هذا المفهوم، وتتجه العديد من التعريفات لوصف القيادة إما كعملة او نشاط او من خلال الاعتماد علي تميز شخصية القائد في المواقف التفاعلية، وذلك بتميز الافعال التي تصدر عنه في تلك المواقف او السمات الفردية لشخصيتة لان الشخصية القيادية لابد وان تتوافر فيها سمات تؤهل الفرد لكي يقود.
ومن التعريفات تعريف القيادة لعبد الوهاب الكيالي ” صفة تدل علي اهلية وقدرة وموهبة لتسير عمل جماعي واستقطاب مجموعة من الناس في سبيل السر نحو تحقيق غاية مشتركة. ويتحقق الاستقطاب عادة من خلال الثقة و الاقناع العملي او النظري بشخصية القائد او اشخاص القيادة و الاعجاب بسرتهم وسلوكهم وقدرتهم علي انجاز المهام والإستجابة للتحديات المطروحة ولابد من توافر التعاطف والاتصال بين القيادة واتباعها. ويرتبط مفهوم القيادة في التحليل السياسي ارتباطا قويا بمفاهيم السلطة، والقوة و النفوذ”.[16]
ويلاحظ ان هذا التعريف ركز علي السمات الشخصية للقائد وجعل منها العامل الحاسم لتميز القائد عن غيرة، ويعتبر مفهوم القيادة من المفاهيم المعقدة ويرجع ذلك لانه يمس العديد من الجوانب سياسة واجتماعية ونفسية، ونتيجة لذلك تتعد التعريفات لهذا المفهوم وتتنوع، ولذلك يمكن تعريف القايدة بأنها عبارة عن قيام الشخص بعملية إقناع لأشخاص آخرين في مجموعة معينة، ويلعب دور القدوة للتأثير عليهم.
وعند دراسة مفهوم القيادة السياسة يجب التميز بين مستويين التحليلي والاجرائي، حيث يركز المستوي التحليلي علي القيادة السياسية بأعتبارها عملية متعددة الاقطاب يتشارك افرادها في صنع القرار مع الاخذ في الاعتبار الظروف التي تواجه المجتمع، ومن الباحثين الذين عرفوا القيادة السياسة الباحث جلال معوض الذي عرفها علي أنها ” مدى قدرة وبراعة القائد السياسي بالتعاون مع النخبة السياسية في القيام بتحديد أهداف المجتمع وأن يقوموا بترتيب هذه الأهداف ترتيبا تصاعديا حسب الأولويات وعليه ان يختار الوسيلة المناسبة التي تحقق هذه الأهداف بالتوافق مع قدرات المجتمع، وعليه أن يعى جيدا أبعاد المواقف التي تواجه المجتمع ويتخذ قرارات لحل هذه المشكلات في ضوء قيم ومبادئ المجتمع”[17] وذلك طبقا للمستوى التحليلي وقد تعددت تعاريف القيادة السياسية، ويرجع هذا التعدد إلى اختلاف زوايا النظر إلى ظاهرة القيادة؛ فهناك من يوليها اهتماماً كبيراً حتى أنه لا يرى عملية سياسية داخل النظام السياسي، أو الجماعة السياسية والتنظميات المختلفة لا تتأثر بالمتغير القيادي؛ وهناك من ينظر إلى القيادة ضمن شبكة من التفاعلات والعلاقات المتبادلة، كعلاقة القيادة بالنخبة وعلاقتها بالجماهير وعلاقتها بالمؤسسات المختلفة. ومن ثم لا يمكن تناول القيادة بمعزل عن تلك الأطراف، فدراسة القيادة في هذا الإطار ينبغي النظر إليها كمركب أو تفاعل ثلاثي بين قائد، وأتباع، وموقف، أو تفاعل رباعي بإضافة عنصر المهمة أو المنظمة أو تباين المسئوليات[18].
أما المستوي الاجرائي فأنه ينظر للقيادة السياسية علي انها ظاهرة فردية تنبع من السمات الشخصية للقائد وليست نتجة لعمليات مؤسسية او جهد جماعي من نخبة حاكمة، ومن التعريفات التي اعتمدت علي المستوي الاجرائي تعريف سلوي شعراوي التي عرفت القيادة السياسية بأنها
“الشخص الذي يشغل قمة الهرم السياسي ويتمثل في رئيس الجمهورية الذي يرأس السلطة التنفيذية “[19]
ويلاحظ من هذا التعريف ان الباحثة قد حصرت القيادة السياسية في السلطة التنفيذية فقت مع عدم الاخذ في الاعتبار انه من الممكن ان يكون هناك قيادات من خارج السلطة التنفيذية، لانه في بعض الانظمة يلعب اعضاء البرلمان دور في صنع القرار ومن الممكن ان يمثلو بلادهم في الخارج، كذلك اعضاء السلطة التنفيذية الادني من رئيس الدولة قد خرجو من مفهوم القيادة السياسة وفقا لهذا التعريف، وهذا يتنافى مع الدور الذي يقوم به وزراء الخارجية والدفاع في صنع القرار السياس في الدول.
عرف Baily ” أن القيادة هي قدرة القائد على اتخاذ القرارات فى مواجهة الموقف وإقناع الآخرين من أعضاء النخبة السياسية والجماهير بهذه القرارات”[20]
ومن خلال هذه التعريفات يمكن ملاحظة ان القيادة السياسة هي عملية تفاعلية بين شبكات متداخلة من العلاقات تسهم جميعا في تشكيل نمط القيادة السياسية، ولكن السمات الشخصية هي التي تميز القائالسياسي عن غيره من القادة ولايمكن تحليل ظاهرة القيادة السياسة بمعزل عن دراسة السمات الشخصية للقائد.
ثانيًا: المصلحة القومية:
تكمن اهمية مفهوم المصلحة القومية ليس فقت في انه يستخدم كأداة تحليل، لاكن في للمرونة التي يتمتع بها، حيث انه من الممكن ان يتمدد ليشمل العديد من الموضوعات وفي نفس الوقت من الممكن ان يضيق علي موضوعات اخري، اعتماداً علي الطريقة التي يبني بها المفهوم داخل الدولة و وجه نظر القيادة السياسية تجاه اولويات المصلحة الوطنية؛ و بتالي تؤثر البيئة النفسية للقائد السياسي علي اختياره وتحديده لمفهوم واولويات المصلحة الوطنية.
وبذلك تعد المصلحة القومية أحد أهم المفاهيم الأساسية في علم العلاقات الدولية، وبسبب هذه الأهمية تنوعت تعريفات المصلحة القومية. فبوجه عام يمكن القول أن المصلحة القومية ما هي إلا: “محصلة أهداف الدولة في المجال الخارجي، والتي تتضمن المحافظة على قدر مقبول من الاستقلال السياسي وحماية السيادة الوطنية وسالمة الكيان الإقليمي للدولة وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والعمل على زيادة الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية ، وكذلك العمل على حماية الشخصية القومية والثقافة الوطنية من أخطار الغزو الخارجي، والدفاع عن أيديولوجية الدولة والعمل على نشرها في الخارج، وكل ما من شأنه الحفاظ على المكانة الدولية للدولة وزيادة قدرتها[21].
من هنا فإن المصلحة القومية تتمثل في: “ما تسعى الدول من تحقيقه من أهداف، وما تعمل على حمايته في مواجهة الدول الأخرى”. : “العمليات التي تسعى الدول المختلفة من خلالها إلى مواءمة مصالحها الوطنية وهي أيضا المصالح الوطنية للدول الأخرى”. وهي “كل قيمة ذات أهمية ألي من اللاعبين الدوليين يسعى إلى تحقيقها أو الحفاظ عليها أو العمل على زيادتها[22]
ويمكن تحليل سلوك الدول من خلال دراسة المصلحة القومية، فكل دولة تتصرف في النظام الدولي وفق مصالحها الخاصة، كذلك تعد المصلحة الوطنية الاساس الذي يبني علية السياسة الخارجية للدول .
عادة ما تستخدم مفهوم المصلحة الوطنية عند القادة السياسيين للتبرير، وذلك استنادا لأنه ليس بشيء يبدو اكثر اهمية لرجال الدولة من حماية المصالح الوطنية لبلادهم، وتأخذ هذه التبريرات بعدا امنية من اجل حماية مصلحة البلاد، “و قد اشار لذلك الفيلسوف لإنجليزي توماس هوبز، فلقد انتهى في تحليله للدولة إلى أن هدف كل وحدة سياسية يتمثل بصفة أصلية في استمرارها أي في أمنها”.
ولذلك فأن هدف الاستمرار والبقاء هو الاهم والاكثر الحاحاً عند القادة السياسيين، ويستخدم مفهوم المصلحة القومية والاستقرار وبقاء كيان الدولة، لتفسير العديد من السياسات الي تتخذ لأغراض وقائية اكثر من كونها دفاعية، ومن الممكن ان تمتد هذه السياسات الي ان تتحول الي حروب او منازعات بين الدول لأنه من المنطقي ان تتقاطع مصالح الدول في نقط بعينها كل منهم يسميها كمصلحة قومية له .
وربط هدف كل جماعة سياسية باستمرارها ومن ثم بأمنها يوحي بالقول بأن الحرب لا يمكن أن تكون مقصودة بذاتها، وإنما هي مجرد وسيلة إلى الأمن مما يوحي بوجود ارتباط بين فكرة الأمن وفكرة القوة. إن أمن الوحدة السياسية يكمن في قوتها الذاتية. ومن هنا لا حرج في ربط فكرة المصلحة القومية بسياسة القوة، باعتبارهما متلازمين، وعلى أساس أن المصلحة القومية تتمثل في المثابرة على إنماء القوة الذاتية. وفي هذا يرى مورجانثو في القوة روح الدولة، فبقوة الدول يتحقق لها الاستقلال والاستمرار[23].
يختلف تحديد مفهوم المصلحة الوطنية من بيئة الي اخري ومن مجتمع الي اخر، في النظم الاكثر ديمقراطية يكون تحديد اولويات المصلحة الوطنية معتمد علي المؤسسات الرسمية في الدول، ويكون خاضع لقواعد مؤسسية في التحليل والبناء، علي عكس ما هو متبع في النظم التسلطية حيث تحديد اولويات المصلحة الوطنية لا يعتمد كثيرا علي الابنية و المؤسسات الرسمية في الدولة و إنما يركز بشكل اساسي علي النخب الحاكمة و معتقداتها تجاه الاولويات القومية .
ثالثًا: مفهوم الدور:
فهم مفهوم الدور يلعب دورًا حاسمًا في دراسة العلوم السياسية وفهم التفاعلات الاجتماعية والسياسية. يساعد مفهوم الدور على تحليل كيفية توزيع السلطة والمسؤوليات في الأنظمة السياسية، حيث يعكس دور الفرد دوره المتوقع في تلك الأنظمة. بالإضافة إلى ذلك، يساهم فهم الأدوار في فهم ديناميكيات النظم السياسية وتحديد المسؤوليات والصلاحيات لكل فاعل فيها، مما يساعد على تفسير تفاعلات السلطة واتخاذ القرارات السياسية. يوضح مفهوم الدور أيضًا كيفية تكوين الهويات الجماعية والانتماءات السياسية، ويعزز فهمنا للعلاقات بين الفرد والحكومة والمجتمع، مما يسهم في تطوير سياسات أكثر فعالية ومواطنة مشاركة أفضل.
وقد ظهرت مع بداية القرن العشرين فكرة أن السلوك الفردي لاحد الأشخاص قد يكون صمم لملائمة توقعات الأخرين، وتميز جون ديوي بفكرة أن الدور الاجتماعي يأتي نتاجا للتفاعل بين الحاجات النفسية وتوقعات الأخرين وطبيعة الوضع الاجتماعي، بينما بّلور جورج هربرت George Herbert فكرة أن سلوك الأخرين يؤثر على تعريف الشخص لدوره الفردي، ما أسس لفكرة الذات the Self والأخر the Alter ، ومنذ ذلك التوقيت تنتشر الأبحاث والدراسات العلمية التي تتناول تأثير توقعات الأخرين على سلوك أحد الأفراد، وتمتلئ حقول علم الاجتماع بهذه الدراسات وتطبيقاتها، لاسيما في حقول مثل الأنثروبولوجيا وعلم النفس والاجتماع وغيرها من العلوم.[24]
صعوبة تحديد تعريف واضح لمفهوم الدور في العلوم السياسية تعود إلى تعقيد العوامل والعلاقات التي يتداخل فيها هذا المفهوم. فالدور السياسي للفرد أو المجموعة يعتمد على عدة عوامل متشعبة مثل السياق التاريخي والثقافي والاجتماعي، ويختلف تعريفه من نظرية إلى أخرى. علاوة على ذلك، يتأثر تعريف الدور بتحولات النظم السياسية والتطورات الاجتماعية، مما يجعل من التحديد المطلق أمرًا صعبًا.
وعلى الرغم من تعدد الحقول العلمية التي استخدمت نظرية الدور كإطار تحليلي، إلا إنه لم يظهر تعريفا محددا لمفهوم الدور بشكل متفق عليه، ويمكن الإشارة إلى محاولة ويهلك Wahlke في وضع تعريف للدور على أساس إنه “النسق المعياري للسلوك بناء على اعتقادات الأشخاص المتفاعلة داخل نفس الوسط الاجتماعي”[25]، ويوجد بعض النظريات السياسية تعتبر الدور كجزء أساسي من هوية الفرد أو المجتمع، حيث يرتبط بالسلطة والمسؤولية والتفاعلات الاجتماعية. ومع تعدد الأطروحات والمقاربات النظرية، يصعب تقديم تعريف نهائي وثابت للدور ينطبق على جميع السياقات والمواقف السياسية.
ومن الجدير بالذكر ان نظرية الدور ليست نظرية واحدة وقد تطورت مع مرور الزمن، حيث ركز الباحثون المختلفون على أجزاء مختلف من تعريف الدور كل حسب تخصصه ومجاله، وقد اهتم العديد من نظراء نظرية الدور المعرفية أيضًا بطرق تصور الشخص لتوقعات الآخرين. وقد فسر العديد من العلماء بداية ظهور الدور علي أساس انه يظهر بشكل تلقائي عندما يحاول الفرد تقليد أدوار الاخرين[26]
وما سبق و linton Ralph من خلال القول بأن الدور هو “الجانب الديناميكي للحالة أو للوضعية، فالفرد في الحياة الاجتماعية يقوم بالتواصل من خلال حالة معينة ويتفاعل مع الحالات الأخرى، وعندما يتبع الفرد واجبات وحقوق معينة في سلوكه فهو هنا يقوم بأداء دور Role Performance”[27].
وبالتالي فإن مصطلح الدور في علم الاجتماع يشير بشكل أساسي إلى السلوك والقرارات التي يتخذها الفرد في سياق دوره الاجتماعي أو المهني. يتمثل الدور في السلوك المتوقع والمقبول من الفرد بناءً على المكانة أو الموقف الذي يحتله في المجتمع أو المؤسسة.
تعتمد القرارات والأفعال في الدور على التوقعات والمسؤوليات المرتبطة بتلك الدور. ويعكس الفرد دوره من خلال مجموعة من القرارات والسلوكيات المحددة التي تعكس المسؤوليات والتوقعات المرتبطة بتلك الدور. تشمل هذه القرارات توجيهاته، وتفاعلاته مع الآخرين، والخطوات التي يتخذها لتحقيق أهداف الدور.
باختصار، يُمثل مصطلح الدور في علم الاجتماع إطارًا مفيدًا لفهم كيفية تأثير البيئة والظروف الاجتماعية على سلوك الفرد، وكيفية تحديد المعايير والتوقعات لأداء تلك الأدوار بشكل فعّال وملائم.
الفصل الثاني
دور القيادة السياسية في عملية صنع السياسة الخارجية
تمهيد:
تلعب القيادة السياسية دوراً محورياً في عملية صنع السياسة الخارجية للدولة. يتجلى هذا الدور في تحديد الأهداف الاستراتيجية للدولة وتوجيه السياسات التي تحقق هذه الأهداف. تستند القيادة السياسية إلى رؤيتها الخاصة ومصالحها الوطنية، وتقوم بتحليل التحديات والفرص الدولية للتوصل إلى قرارات تؤثر على علاقات الدولة مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية. تساهم القيادة أيضاً في تشكيل صورة الدولة على الساحة الدولية من خلال خطاباتها وتصريحاتها وسياساتها الخارجية، مما يؤثر بشكل كبير على كيفية تعامل الدول الأخرى معها. بالإضافة إلى ذلك، تتعاون القيادة السياسية مع المؤسسات المختلفة مثل وزارة الخارجية والبرلمان وأجهزة الأمن القومي لضمان تنفيذ السياسة الخارجية بشكل متكامل ومتناسق.
وسوف يتم تقسيم هذا الفصل إلي ثلاثة مباحث، وهي:
المبحث الأول: محددات صنع السياسة الخارجية
المبحث الثاني: البيئة النفسية للقائد السياسي
المبحث الثالث: الدوافع الذاتية والسمات الشخصية للقائد السياسي
المبحث الأول
محددات صنع السياسة الخارجية
مقدمة:
إن عملية صناعة القرار السياسي الخارجي لم تعد قاصرة علي القرارات الداخلية في الدولة فقط بل تتعداه الي قرارات يتم اتخاذها في المجال الخارجي ، حيث أن عملية صنع السياسة الخارجية تشيل الي التفاعل بين صانعي القرار ومتخذيه وبيئتهم الداخلية علي كافة المستويات سواء كانت الرسمية أو غير الرسمية فعملية صنع السياسة الخارجية عملية معقدة تمر بكثير من المراحل وتؤثر فيها الكثير من المؤثرات الاقتصادية والسياسية والنفسية والعقائدية ،حيث تحتوي السياسة علي عدة عمليات لتحديد ماهية القواعد التي توضح التعامل مع المتغيرات الدولية ووضع برنامج للعمل في المجالات الدولية
فصنع السياسة الخارجية يتطلب فهما دقيقا وواضحا لمختلف المحددات والعوامل بشكل مباشر أو غير مباشر في صنع السياسة وأهم ما يجب توافره في عملية صنع السياسة الخارجية وهو الادراك الجيد للمواقف التي يجب اتخاذ قرار بشأنها واقتراح بدائل الذي يحقق أعلي منفعة
ويجب علينا الاخذ في الاعتبار أن الدول تختلف من حيث تنوع المؤسسات التي تؤثر في عملية صنع السياسة الخارجية سواء المؤسسات الرسمية والتي تتجسد في السلطة التنفيذية أو التشريعية والمؤسسات الغير رسمية أيضا والتي تتجسد في الأحزاب السياسية وجماعات الضغط والرأي العام والاعلام
ويقصد بمحددات السياسة الخارجية أنها العوامل التي تؤثر بشكل أو بأخر في بلورة وتوجيهه السياسة الخارجية لأي دولة ويعني ذلك أن دراسة السياسة الخارجية متغير تابع أمام المتغيرات المستقلة التي تفرضها البيئتين الخارجية والداخلية بمعني أن المحددات التي تؤثر علي صنع السياسة الخارجية محددات داخلية وخارجية .
أولًا .المحددات الداخلية: هي المحددات التي تتواجد داخل إقليم الدولة والمرتبطة بتكوينها البنيوي والذاتي والتي يمكن من خلالها للدولة أن تحدد أهدافها وتوجهات سياستها الخارجية وتشمل المحددات الداخلية علي المحددات البشرية ، والمحددات الجغرافية ، والمحددات الشخصية لصانع القرار ، والمحددات السياسية ، والمحددات المجتمعية ، والمحددات العسكرية ، والاستقرار السياسي
فكلما تنوعت المحددات الداخلية للدولة وتكاملت أدوارها يصبح للدولة حضور قوي ومؤثر علي مستوي العلاقات الدولية
1.المحددات الجغرافية: تشمل المساحة والتضاريس والمناخ والموقع الجغرافي ومساحة الدولة فكل هذا العناصر تؤثر بشكل مباشر علي السياسة الخارجية لأي دول وتحديد مدي أهمية مركزها الدولي ، حيث تتمثل أهمية المحددات الجغرافية للدولة من خلال موقعا الاستراتيجي فالدولة التي تتمتع بموقع استراتيجي مهم او مميز مثل الدول التي تتوسط دوائر إقليمية يمكن أن تلعب دورا مهما سواء علي المستوي الإقليمي او الدولي بينما لا يكن لأي دوله مغلقة او لا يملك محدد جغرافي مهم أن تلعب أي دور إقليمي فعال
- الموارد الطبيعة: حيث الموارد الطبيعة تتمثل جميع مصادر الطاقة من مواد غذائية أو معادن وغير ذلك من موارد فامتلاك الدولة لموارد طبيعية يساهم في استقلال الدولة وذلك من الناحية الاقتصادية مما يؤثر علي سياستها الخارجية ومقدرتها علي اتخاذ قرارات مستقلة وجعلها غير تابعة لأي دولة أخري وذلك لقوة الدولة اقتصاديا وقدرتها علي التأثير علي السياسات الخارجية للدول الأخرى
- المحددات البشرية: فالعامل البشري يؤثر بشكل كبير في تحديد السياسة الخارجية باعتباره أهم عنصر لبناء القوة العسكرية التي لها القدرة علي تحقيق أهداف سياستها الخارجية سواء في أوقات الحرب أو السلم ،حيث يؤثر العامل البشري أيضا في توفير الايدي العاملة داخل الدولة أو العمالة الوافدة من الخارج ، ولكن علينا الإشارة الي أن العامل البشري لا يمثل مقياسا لقوة الدولة فهناك دول ذات تعداد سكاني كبير ولكنها علي الصعيد الخارجي لا تمتلك أي قوة بل تعاني من مشاكل داخلية مثل الزيادة السكانية أو البطالة أو الفقر، الامر الذي يجعل الدولة تلجأ الي الاقتراض للتحد من تلك المشاكل مما يؤثر سلبا علي سياستها الخارجية
- المحددات الشخصية لصانع القرار: حيث أن العامل القيادي يلعب دور من أهم أدوار عملية صنع السياسة الخارجية ،فالرئيس يمثل في بعض الدول التي تمتلك نظم تسلطية وحدة اتخاذ القرار فالخصائص والسمات المرتبطة بالتكوين السلوكي والمعرفي لدي صانع القرار تمثل محددا داخليا مهما في صنع السياسة الخارجية
- المحددات المجتمعية: تتضمن المحددات الاجتماعية عدة عناصر منها :
-خصائص الشخصية القومية : هي الصفات والمقومات العامة التي يشترك بها جميع السكان في الدولة والتي تميز الشعوب عن بعضها وعن دورها كمحدد داخلي للسياسة الخارجية ويأتي ذلك من أن صانع القرار أنفسهم يحملون القيم والمقومات والصفات ،فالأشخاص يتأثرون بالبيئة التي يعيشون فيها وكل ذلك ينعكس علي خيارتهم في السياسة الخارجية
– مؤسسات المجتمع المدني: يشمل ذلك المفهوم كافة المؤسسات المستقلة وغير الحكومية والتي تعمل لنصرة قضية معينة في المجتمع ، حيث يكون لها دور في السياسة الخارجية في الأنظمة الديمقراطية ولكن ليس لها أي دور في الأنظمة التسلطية
الأحزاب السياسية: فالأحزاب السياسية هم جماعة من الناس تحكمهم أيدولوجيات معينة يهدفون بها الي الوصول الي السلطة ، فالأحزاب السياسية يبرز دورها كمحدد يؤثر علي السياسة الخارجية في الأنظمة الديمقراطية فقط[28]
- الرأي العام : فالرأي العام يعرف بأنه موقف الجماهير تجاه قضية أو موقف معين فالرأي العام يكون محدد للسياسة الخارجية في المجتمعات الديمقراطية التي يكون الرأي العام فيها فعال في توجيه سياستها الخارجية ولكن في الأنظمة التسلطية فلا [29]يوجد أي أثر للرأي العام في توجيه السياسة الخارجية ويأتي ذلك بسبب انفراد الجماعة الحاكمة بالسلطة ، وغياب الحريات كحرية المظاهرات وحرية التعبير
- المحددات السياسية: تتمثل المحددات السياسية في طبيعة النظام السياسي للدولة ، حيث النظام الديمقراطي السياسي يعكس سياسات خارجية سليمة وذلك لأنه يتمتع بارتفاع نسب المشاركة السياسة ، اما النظم التسلطية فتعكس سياسات توسعية عدوانية ، وبالرغم من أنه في الواقع تسعي الانظمة الديمقراطية الي التنافس علي المجالات الحيوية و تحقيق القوة وتلجأ أحيانا الي الحروب لتحقيق ذلك بحجة الديمقراطية وحماية الأقليات وحقوق الانسان الا أنها تبقي أفضل من الأنظمة التسلطية وذلك بسبب ما تتمتع به من خصائص ديمقراطية ومميزات
- الاستقرار السياسي: فالاستقرار السياسي يعتبر من أهم المحددات الداخلية المؤثرة علي السياسة الخارجية وذلك لان إعطاء صورة حسنه عن الدول في الخارج يساعد الانفتاح علي الدول الأخرى وذلك يساعد بشكل كبير علي توسع سياستها الخارجية ، وأيضا الاستقرار السياسي يساعد صانعي القرار علي التركيز والتفرغ لأخذ السياسة الخارجية وتحقيق المصلحة الوطنية للدولة
- المحددات العسكرية: حيث يعتبر العامل العسكري من أهم المؤشرات التي تقيس قوة الدولة ومدي فعالية تحقيق الأهداف الخارجية ، فعندما تتواجد في الدولة قيادات عسكرية قوية وترسانات عسكرية ضخمة وعقيدة سياسية فعالة وتكنولوجيا متطورة عسكرية ، كل ذلك يعطي الدولة هيبة في الساحة الدولية يساعد من فعاليتها في السياسة الخارجية ومقدرتها علي تحقيق أهدافها الخارجية وذلك بشكل أساسي عن طريق الترهيب أو اعلان الحروب
ثانيا المحددات الخارجية: برغم أن السياسة الخارجية هي انعكاس للسياسة الداخلية ، الا أنها لا تكون منعزلة عن البيئة الخارجية ويأتي ذلك بسبب تعقد المصالح في النظام الدولي وتشبكها ، وتتمثل محددات السياسة الخارجية في طبيعة النظام الدولي ،والعمليات السياسية الدولية ، والمؤسسات الدولية ،والبنيان الدولي .
- طبيعة النظام الدولي: حيث يوجد حالتي للنظام الدولي اما أحادي القطبية أو متعدد القطبية ، ففي حالة كون النظام أحادي القطبية (مثل حالة النظام الدولي في وقتنا الحاضر ) يكون نمط توزيع القوي باستقطاب حاد حيث يكون من الصعب علي أي دولة أن تتبع سياسة العزلة حيث يلجأ صانع القرار في الدولة الصغيرة أن تتحالف من الدول القوية وذلك بغرض حماية أمنها القومي بغض النظر عن إذا ما كان ذلك التحالف يتعارض أو يتوافق مع سياستها الخارجية ،وذلك ما تكون دائما الدولة الصغيرة تابعة لتوجهات الدولة المنشئة للتحالف
- العمليات السياسية الدولية: حيث أن الجانب التفاعلي والحركي في النظام الدولي وفقا لمبدأ العاملة بالمثل ومبدأ الفعل ورد الفعل ، وذلك ينشئ أما طابع تعاوني أو طابع صراعي بين الدول
- المؤسسات الدولية: حيث تأخذ المؤسسات شكلا تنظيما بين الدول وتنظم العلاقات الخارجية فيما بين الدول ، حيث أن المؤسسات القانونية الدولية علي السياسات الخارجية للدول وذلك لأنها تخلق قيودا علي التصرفات الخارجية للدول ومن جهة أخري تعمل المؤسسات الدولية علي خلق التعاون الدولي والتنسيق فيما بين الدول وحل النزاعات التي تنشأ بين الدول وذلك وفقا لقواعد القانون الدولي ، ويجب علينا الإشارة هنا الي أن المؤسسات الدولية تتميز بازدواجية المعايير حيث أن الجول الكبرى تستعملها في تحقيق مصالحها حتي وإن جاء ذلك معارضا لمبادئ المؤسسات الدولية نفسها .
- البنيان الدولي: بعني أن الدول يتم ترتيبها حسب دورها الإقليمي وقوتها ومدي تأثيرها الخارجي علي السياسة الخارجية ، حيث أنه كلما كان البنيان الدولي متعدد الأقطاب زاد ذلك من فرصة الدول من خلال انضمامها الي أي من الأقطاب مما يجعل دائما دول الأقطاب في تنافس مستمر لاستقطاب أكبر عدد من الدول الأخرى[30] .
المبحث الثاني
البيئة النفسية للقائد السياسي
مقدمة:
عندما ننظر إلي القادة السياسيين في العالم اليوم وكيف يتعامل رجال السياسة في العالم مع المتغيرات الدولية والسياسة الخارجية للدولة نجد أنه لا ثوابت في مفهوم الحكومة وأن التحالفات الدولية قائمة علي نفسية القائد السياسي في التعبير عن توجه الدولة التي يحكمها وحماية مصالحها مع الاخذ في الاعتبار المتغيرات الدولية التي لا يمكن أن يتجاهلها السياسيين والدبلوماسيين في ظل قضايا دولية متشعبة ومصالح تجارية واقتصادية مشتركة.
أن القيادة السياسية بمفهومها الجديد في قدرة القائد علي مواجهه المواقف واتخاذ القرارات يعتبر من اهم أساليب الحكم في التأثير علي النخة والجماهير وبذلك تمثل البيئة النفسية هنا سمات القائد النفسية وقدرته علي الاقناع والقدرة علي استخدام ادواته الفكرية ودوافعه الذاتية في أساليب الحكم وتشمل هذه السمات معتقداته وخبراته وصفاته وإدراكه وتكوينه الاجتماعي.
إن فهم واستيعاب وادراك صناع القرار بما يحاط بهم داخليا وخارجيا تجعل منهم رؤساء في صنع تلك السياسة وهذا ينقلنا الي مفهوم السلوك الدولي للدولة وبالنظر في نظريات وأنماط القيادة السياسية نجد ان نظريات القيادة تشترك جميعا في ابراز قدرات ومواهب وخصائص عبقرية تجعل من القادة رجال عظماء يبرزهم المجتمع ويحدد وسائل تنبأ العملية السياسية والمشاركة الحقيقية من جانب المجتمع المحكوم. ان عملية احتكار السلطة قد تكون نوع من القيادة هدفها الاحتفاظ بالسلطة والاستمرار في الحكم ولكنها عملية غير مبدعه وغير خلاقة تجعل من القائد شخص أناني لا يبالي بدوافع المحكومين واذا انتهينا من نظريات القيادة المختلفة فأننا نأتي الي تصنيفات أخري نظمت السياسة والحكومات المقارنة والتنمية السياسية وقد تعمق الباحثون في هذا الشأن وتعددت أنماط القيادة السياسية بل وتطورت من القيادات التحديثية الليبرالية الي القيادات الشعيبية والتقليدية الي النمط الاشتراكي والعسكري والتسلطي.
أن الجانب النفسي جزء لا يتجزأ من الظاهرة السياسية وأن دراسة حقيقة الظواهر الحياتية لمعالجة القوانين الحاكمة بهدف توظيفها في المسيرة الإنسانية وفهم طبيعة السلوك الإنساني الذي يبرز جانب نفسي ومعرفي من الجوانب النفسية للإنسان.
وبالنظر الي المفهوم الجديد وهو علم النفس السياسي وفروعه النفسية كعلم النفس الاجتماعي والعسكري والزراعي والصناعي والتجاري والمعرفي والطبي واللغوي والديني وغيرها من العلوم كونه يركز علي دراسة جانب مهم من الظاهرة السياسية والقيم والعواطف الشخصية ونخرج بان البيئة النفسية للقائد تشكلت طبقا لأنماط علوم النفس في مفهوما الجديد كما سبق لفهم سلوكيات القائد وبيئة النفسية لابد أن نتبع قوانين عامة لسلوك الفرد من خلال تفسير سلوكه وتوقعاته للأحداث السياسية وأن العواطف التي تسيطر علي القائد السياسي لها دور في تشكيل الآراء السياسية وتعبئة القرار السياسي وعلي الخطاب السياسي للرئيس حيث أشارت العلوم السياسية والاسس النفسية في تكوين الاتجاهات المعرفية والخصائص السيكولوجية للقائد.[31]
أن نظرية المواقف والتغير التي يتبعها القادة حين حدوث انفصال بينهم وبين المعتقدات والمتغيرات السياسية جعلت من دراسة الشخصية السياسية بداية جديدة في التركيز علي التطور الاجتماعي والسياسي .حيث يوجد الكثير من التطبيقات في محاولة ربط الظاهرة السياسية بالمستوي الفردي والاجتماعي للقائد وتحليل ووصف المستويات الأخرى من الإدارة والاقتصاد والمؤسسات المحلية والدولية في عملية التحليل وفحص العلاقات بين الفرد والجماعات ولفهم وأدراك الأساس الاجتماعي ونتائج السلوك البشري في تقديم الظاهرة السياسية وفق المنظور السياسي في أطار البحث عن كيفية التفاعل الاجتماعي والثقافي وعلاقتهم بالعلوم الأخرى.
أولًا: تحليل الشخصيات السياسية:
وبحكم سلوكه الظاهر للباحثين وهي السيطرة والطموح ويقظة الضمير فاذا دقننا في هذا النوع من الشخصية التي تميل الي البقاء والتي لا تبالي برفاهية الاخرين مهما كانت مواقعهم الاجتماعية ولقد لخص ذلك الرئيس بوتين في مقولته (غلف أفعالك بالمصداقية ولا تتراجع حتي تصبح لك الغلبة وبعد أن يستسلم خصمك وتؤسس مجالك وشروطك يمكنك حين اذا تصحيح الأمور والمضي قدوما استعدادا للمواجهة التالية).
ومن هذه المقولة يمكننا أن نستخرج مفهوم استراتيجية الهيمنة حول كون معظم الناس يتعرضون للترهيب في مواجهه العداء والسخرية والتهديدات لهذا يبرع في إرهاب واذلال واكراه الاخرين علي احترام والخضوع فان اظهار حالة القلق والخوف تبرز غالبا حالة من الثقة والسلطة وتثير الاعجاب والامتثال من الاخرين حيث تمتاز بعض الشخصيات بالجرأة والوقاحة متخفيا تحت ستار المسؤولية الاجتماعية
وفي تلك الأحوال فإن السلوك القيادي هو سلوك قوي وموثوق وتوجيهي ومقنع وغالبا ما يسعي أن يكونوا مستعدون للضغط عليه من أجل الامتثال لأؤامره وقرارته مهما كان السبب، وفي تلك الأحوال فان دراسة نفسية القائد قائمة علي تطوير المنهج النفسي والسياسي لكل جانب من جوانب الأداء، وبذلك فان الاضطرابات الشخصية مثل النرجسية والحدية تؤدي الي تراجع نفسية القائد من الناحية التي تؤدي الي الهيمنة الخاصة علي مفاصل الدولة وبالتالي فان بروز شخصية القائد السياسي هي بروز لتطور سياسي داخلي وخارجي ودبلوماسي علي مستوي الدولة وعلي مستوي المتغيرات الخارجية للدولة علي كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية [32]
ثانيًا: سيكولوجية البيئة النفسية للقائد:
يوضح مفهوم وأبعاد السيكولوجية والبيئة النفسية للقائد حيث يقصد بالسيكولوجية العمليات الذهنية المتعلقة بالتفكير والادراك والتصورات والعقائد الذي من خلالها القائد يحدد كيف يتعامل من العالم المحيط بمعني أخر أنها التصور الذاتي الذي يتعامل به القائد في البيئة الواقعية فعبر هولستي عن البيئة النفسية بأنها : النسق العقيدي الذي يتشكل حسب اعتقاده بعدد من الصور حول الماضي والحاضر والمستقبل .وتحوي هذه الصور كل المعارف المتراكمة التي تحدد رؤية الفرد لنفسة ورؤيته للعالم الخارجي فالبيئة النفسية للقائد تتلخص في المكونات الاجتماعية والمعرفية والثقافية والفكرية وتجارب الحياة التي تحدد مواقفة من الاحداث التي تدور حولة ووجهه نظرة في المعطيات البيئة حولة وتعتبر الدوافع الذاتية العوامل المرتبطة بالحاجات الأساسية سواء كانت المادية أو المعنوية للإنسان والتي تدفعه للتصرف بشكل معين كالدافع نحو الانتماء ,احترام الذات ,القوة , ونزعة الوصول الي السلطة أو الخضوع لها حيث تتمحور الخصائص الشخصية والسيكولوجية حول مجموعة الخصائص المرتبطة بالتكوين المعرفي والسلوكي والعاطفي للإنسان فأما يكون الانسان ذا شخصية تسلطية أو يكون ميالا للانفتاح فقد أوضح هارولد ثلاثة أنماط من الشخصيات :
- الشخصية التسلطية: دائما لديها النزعة في السيطرة علي المرؤوسين والنزعة الي استعمال المفاهيم النمطية حيث أن الشخصية التسلطية تكون شديدة التعصب للقومية لذا تكون أكثر ميلا للحرب والعدوان.
- العقل المنفتح والمنغلق: حيث أن الشخصية ذات العقل المنغلق تتميز بزيادة درجة القلق النفسي وتهتم بمصدر المعلومات أكثر من الاهتمام بالمعلومات نفسها ولا تستوعب المعلومات التي تخالف عقائدها بسهولة
- تحقيق الذات: تتسم الشخصية المحققة للذات بعدة أبعاد أهممها إشباع الحاجات الطبيعية والاحساس بالأمن والانتماء والاحساس باحترام الذات فكل هذا هو الذي يولد لدي الشخص الإحساس بالثقة في العالم الخارجي حيث أن ضعف احترام الذات لدي الفرد يجعل لدية تعصب وطني والميل الي النجاح الخارجي لتعويض الإحساس بعدم احترام الذات
ثالثًا: مكونات البيئة النفسية:
تتألف البيئة النفسية من عدة مكونات أساسية ومن أهمها العقائد والإدراكات والتصورات:
_العقيدة : هي حكم ذاتي احتمالي نص علية ضمنا أو صراحة في شكل تأكيد أو مقولة هذا الحكم يصف أو يوصي أو يقوم اسوبا أو ظاهرة للعمل حيث يربط بين هذه الظاهرة والأسلوب وبين صفة محددة، فالعقيدة تأتي في شكل مقولة صريحة أو ضمنية فبذلك هي تختلف عن الاتجاهات التي تقوم في الأساس لظاهرة معينة في شكل استعداد باطن الذي يعبر عن المسافة العاطفية بين الشخص والظاهرة.
_الإدراك: تعبير عن وعي الفرد بالقضايا الموضوعية المرتبطة بموقف معين حيث أن الفرد يوميا يتلقى أعداد كبيرة من المعلومات عن موضوعات مختلفة هذه المعلومات تخلق عند الفرد وعي معين في تلك الموضوعات وعندما يطرأ حافز خارجي يدفع الفرد الي التذكر وأثارة هذه الموضوعات في ذهنه [33]
_التصور: هو أول انطباع عام يأخذه الفرد عن موضوع أو شخص معين كانطباع الشخص عن دولة معينة بأنها شريرة [34]
رابعًا: المتغيرات الذاتية للقائد (الايدولوجية):
1: الخصائص الشخصية: هي مجموعة الصفات التي تتعلق بشخصية القائد والتي تؤثر في أسلوب صياغته لقرارات السياسة الخارجية وتعامله حيث يكتسب القائد السياسي صفاته عبر مراحل حياته المختلفة ومن هذه الصفات القدرة علي الابتكار والتسلط وروح المغامرة وتحقيق الذات وغيرها من الصفات التي تلعب دورا مهما وواضحا في عملية اتخاذ القرار وبظهر ذلك في طريقة تعامل القائد مع من يترأسهم وردود أفعاله مع تصرفات الأشخاص الأخرى يري جاك تايلور ان الخصائص الرئيسية القيادية الذي استخلصها من دراسته التجريبية تتمثل في:
– الاهتمام بالعمل
– القدرة العقلية
– القدرة علي حفز المرؤوسين الي انجاز العمل بدقة
– مهارات الاتصالات
ولكن بعض المحللين لا يعطوا أهمية كبيرة للخصائص الشخصية علي أن اعتبار أنه أكثر من شخص هم الذين يتخذون القرار وكل منهم له خصائصه الشخصية المختلفة عن الاخر وبالرغم من ذلك اثبت الدراسات الامبريقية سواء في السياسة أو علم النفس أن للفرد دور كبير قد يفوق القوي الهيكلية الكبرى في القدرة علي اتخاذ القرار.
2– النظام العقيدي والقيمي لصانع القرار:
يقصد بالنظام العقائدي لصانع القرار بأنها مجموعه العقائد والقيم التي تتكون لدي صانع القرار بشأن البيئة الخارجية وهذه العقائد تتميز بالترابط وعدم التناقص بينها حسب ما يراه صاحب الشأن حيث يتشكل لدية نظاما يساعده على ضبط المعلومات فصانع القرار يتلقى كثير من المعلومات من مصادر متنوعة فنظامه العقائدي هو الذي يدفعه نحو الاهتمام بمعلومات معينة ورفض وتجاهل معلومات أخري ويتم تفسير واختيار البديل الذي يتناسب مع نظامه العقائدي، حيث أن صانع القرار يقوم بالربط بين عقائده وبين المعلومات التي تتعلق بظاهره معينه، ومن خلال هذا الربط يتم تحديد مجموعة البدائل ومن بينهم يتم اختيار البديل المناسب ,ويري البعض أن العقيدة تكون في ظروف معينة وعندما لا تستطيع العقائد مسايرة الواقع المستجد تحدد مسار جديد. ولكن صاحب القرار يواجه مشكلة كبيرة بسبب نظامه العقيدي حيث أن في بعض المواقف التي تحتاج لاتخاذ القرارات تنطوي علي قيمتين متعارضين بين نظامه العقائدي ويفضل قيمه منهما علي حساب الاخر حيث يظن صانع القرار أنه لا يوجد لدية تعارض في عقيدته ولكن هذا التناقض يكون موجود ولكن صانع القرار يرفض أن يختار بديل ويرفض بديل يتفق مع عقيدته.
خامسًا: السمات النفسية والسلوكية للقائد:
يوجد العديد من التصنيفات للقيادة السياسية طبقا للخصائص النفسية والسلوكية للقائد السياسي في تفاعله مع الجماهير والنخبة السياسية ومن أهم هذه التصنيفات تصنيف “ف .ج بيلي حيث أكد أن القيادة السياسية تتمحور حول قدرة القائد علي اتخاذ القرار والقدرة علي اقناع الاخرين من الجماهير والنخب السياسية ,حيث أن القيادة في جوهرها عملية إقناع وسمات القائد النفسية والصورة التي يكونها لنفسة وتنتقل إلي الآخرين.
حيث قسم بيلي القيادة الي ثلاثة أنواع :
1- القائد الكاريزما: هو الذي يعبر عن روح واراء الامة ويعتمد علي اقناع الاخرين (الجماهير)حيث يعتمد علي كسب مشاعرهم وعواطفهم .
2- القائد البراغماتي : هو الذي يعتمد علي العقل في تحديد وحل المشاكل ويقدر البدائل المتاحة ويتخذ القرار المناسب ويقوم بأقناع الاخرين به .
3- القائد الوسيط : يحاول دائما هذا النمط من الشخصية القيادية الموائمة بين مصالح الأطراف المختلفة في المجتمع فهو دائما يقوم بدور الوسيط ودائما يفضل العمل علي الخطط الجزئية المرحلية ويبتعد عن الخطط الكلية.[35]
المبحث الثالث
الدوافع الذاتية والسمات الشخصية للقائد السياسي
مقدمة:
السياسة الخارجية لا تقتصر على تأثير العوامل الموضوعية فحسب، بل تتشكل بفعل قرارات الأفراد والجماعات، وتتأثر بدوافعهم الشخصية والمكتسبة، وخصائص شخصياتهم، وتصوراتهم الذهنية للظروف الموضوعية وأثرها. على سبيل المثال، في دراسة السياسة الخارجية الروسية، نجد أنها في الحقيقة تدرس قرارات أفراد محددين، وهؤلاء الأفراد يتأثرون بدوافعهم الشخصية وتصوراتهم للعوامل المحيطة بهم. لذا، يصعب فهم السياسة الخارجية دون فهم الأفراد الذين يتخذون تلك القرارات، وهذا يتطلب دراسة دوافعهم وخصائصهم الشخصية وإدراكهم للوضع.
أ-أثر الدوافع الذاتية للقائد السياسي في صنع القرار السياسي:
تحديد دوافع صانعي القرار وفهمها يُعد مهمة صعبة للغاية، حيث غالبًا ما يفتقر القادة إلى وعي كامل بتلك الدوافع. ونظرًا لصعوبة الوصول إلى بيانات نفسية عنهم، يجب الاعتماد على وسائل غير مباشرة مثل تحليل خطابهم وسلوكهم، والتحدث مع مساعديهم. وعلى الرغم من صعوبة الملاحظة المباشرة، فإن معظم الأبحاث النفسية تسمح بالتوصل إلى بعض النتائج حول تأثير الدوافع النفسية على سلوك الأفراد عندما يصبحون في مواقع السلطة.
من بين الدوافع الرئيسية للزعماء السياسيين، تأتي الحاجة إلى القوة في المقدمة. فالدراسات تشير إلى أن الأفراد الذين يتطلعون إلى القوة يظهرون تفانٍ أكبر في الوصول إلى المراكز القيادية والسيطرة على الآخرين، ويكونون أقل اهتمامًا بالجوانب الإنسانية وأكثر ميلًا إلى الشك في الآخرين. وبالرغم من ذلك، قد يواجهون صعوبة في التخلص من مستشاريهم ويظلون ملتزمين بهم حتى لو أظهروا عدم جدوى ولائهم. كما قد يقلل هذا الانتماء المتقدم من رغبتهم في السيطرة نظرًا لاهتمامهم بالآخرين أكثر من اهتمامهم بالقضايا الكبرى. وفي بعض الحالات، قد يجدون صعوبة في اتخاذ القرارات بمفردهم أو وفقًا لرؤيتهم الشخصية.[36]
يتأثر القادة السياسيون بدوافعهم الشخصية ورغبتهم في النفوذ والسيطرة. يسعى الكثيرون منهم إلى تحقيق أهدافهم الشخصية وتعزيز مكانتهم في المجتمع والتاريخ من خلال استخدام السلطة السياسية التي يتمتعون بها. وبعض القادة السياسيين يتحلى بدوافع تتمثل في الاهتمام الحقيقي بالمصلحة العامة ورغبتهم في خدمة المجتمع وتحقيق التقدم والازدهار لشعبهم. يركزون على تنفيذ سياسات تعمل على تحسين جودة الحياة للمواطنين وتعزيز العدالة الاجتماعية. القادة السياسيون ذو الدوافع الذاتية قد يكونون متحمسين لتحقيق التحديات الكبيرة والتغييرات الجذرية في السياسة والمجتمع. يسعون لتحقيق النجاحات البارزة وترك بصمة قوية في التاريخ من خلال اتخاذ قرارات مصيرية والتصدي للمشاكل الكبرى.
يمكن للقادة السياسيين الذين يتمتعوا بدوافع ذاتية مرتبطة بالتحكم والسيطرة أن يكونوا عرضة لاستخدام السلطة بطرق غير ملائمة أو لمصلحتهم الشخصية. يمكن أن تؤدي هذه الدوافع إلى الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان إذا لم يتم توجيهها بشكل صحيح. وأن يسعوا إلى بناء إرث دائم وترك بصمة في التاريخ. يعملون على تحقيق تغييرات جذرية وتحسينات مستدامة في المجتمع والدولة تستمر لعقود بعد رحيلهم.
ب-أثر السمات الشخصية للقائد السياسي في صنع السياسة الخارجية:
إلى جانب محاولة استنتاج الدوافع التي تحرك الأفراد للتصرف بشكل معين، يُسعى أيضًا إلى تحديد السمات الشخصية التي تؤثر في سلوك صانعي القرار في السياسة الخارجية. على الرغم من ندرة خضوعهم لاختبارات نفسية مباشرة، فإن الأبحاث المتاحة تسمح بفهم كيفية تصرف النماذج الشخصية المعينة لهم.
تشمل السمات الشخصية مجموعة من الخصائص المرتبطة بالتكوين العاطفي والسلوكي للفرد، مثل الشخصية التسلطية والانفتاح على الأفكار الجديدة. يُعد نموذج الشخصية التسلطية، كما وصفه أدورنو، من بين السمات الشخصية المرتبطة بالقادة السياسيين، حيث يظهر الانحياز للسيطرة واستخدام المفاهيم النمطية والتعصب القومي أنها لا تستطيع أن تحلل كل البدائل المتاحة، مما يغلق أمامها بعض البدائل. كذلك فهذه الشخصية تنظر إلى العالم بعقلية تأمريه ومن خلال قوالب جاهزة سلفاً مما يجعلهم أكثر انجذابًا للاستخدام العسكري للقوة. ويُعبر نموذج الشخصية المنغلقة عقليًا، كما وصفه ميلتون روكيتش، ذو أهمية أيضًا، حيث يتميز بالقلق النفسي وعدم الاستعداد لاستيعاب المعلومات الجديدة التي تتعارض مع العقائد السائدة. وقد يؤدي هذا التوجه إلى استخدام القوة في التعامل مع الآخرين والميل إلى اتخاذ القرارات بسرعة دون النظر إلى البدائل. بالإضافة إلى ذلك، يشير نموذج تحقيق الذات لأبراهام ماسلو إلى أن الشخصية المحققة للذات تشمل عدة ابعاد أهمها إشباع الحاجات الطبيعية، والإحساس بالأمن والعاطفة والانتماء، والإحساس باحترام الذات (Self-esteem) منذ الصغر، فهذه الأبعاد هي التي تولد لدى الشخص الإحساس بالثقة في العالم الخارجي، والميل إلى الانفتاح على العالم، أما ضعف الإحساس باحترام الذات لدى الفرد، فينزع به إلى التعصب القومي، والميل إلى تحقيق النجاح الخارجي كأداة لتعويض الإحساس بعدم احترام الذات ومن ثم قد يصبح من الصعب التأثير على مثل هذا الفرد إذا كان في موقع صنع السياسة الخارجية. فتقديم الدول الأخرى تنازلات لهذا الفرد قد يزيد من سلوكه العدائي، لأنه يميل إلى تفسير التنازلات التي تقدم له على أنها علامة ضعف. وبصفة عامة، أحياناً يحمل صانعو القرار بعض السمات الشخصية التي تؤثر على سلوك السياسة الخارجية وخياراتها. ليس هذا فقط فأحياناً يتولى المراكز القيادية شخصيات عاجزة عن ضبط عواطفها مما يسبب مشكلات حقيقية بالنسبة لاستقرار النسق الدولي.[37]
تعتبر السمات الشخصية للقادة السياسيين عنصرًا أساسيًا في تحديد أسلوبهم في القيادة وتأثيرهم على المجتمع والدولة. يمكن تقسيم تأثير السمات الشخصية على القادة السياسيين إلى عدة جوانب مهمة: السمات الشخصية مثل الشجاعة، الحنكة، والرؤية الاستراتيجية. تساعد هذه السمات القادة السياسيين على اتخاذ القرارات الصعبة وتوجيه البلاد نحو أهداف طويلة الأمد. القدرة على التواصل الفعال وإلقاء الخطابات المقنعة تعتبر سمة شخصية مهمة للقادة السياسيين. يساعدهم هذا على نقل رؤيتهم وإقناع الجماهير بأهمية خططهم وسياساتهم. في عالم السياسة المعقد، يتعرض القادة السياسيون لمواقف صعبة وضغوطات شديدة. القدرة على التحمل والصبر تمكنهم من الاستمرار في مواجهة التحديات دون الانهيار. القادة السياسيون الذين يتحلون بالتعاطف والتفاهم لاحتياجات شعوبهم يمكن أن يبنوا علاقات قوية مع الشعب ويكسبوا دعمهم وثقتهم. يمكن للقادة السياسيين الذين يعتمدون على العدالة والمساواة في اتخاذ قراراتهم أن يحققوا التوازن بين مختلف فئات المجتمع ويحققوا التقدم الشامل للبلاد.
بشكل عام، تلعب السمات الشخصية دورًا حاسمًا في تشكيل شخصية القادة السياسيين وأسلوبهم في القيادة وتؤثر السمات الشخصية للقادة السياسيين على سلوك السياسة الخارجية وخياراتها، وقد يعاني بعض القادة من صعوبة في ضبط عواطفهم، مما يمكن أن يؤدي إلى مشكلات في استقرار النظام الدولي.
ج- أثر إدراك القائد السياسي للموقف في صنع السياسة الخارجية:
إدراك القائد السياسي للموقف يعبر عن وعيه بالقضايا المرتبطة بمواقف محددة، حيث يستلم مجموعة واسعة من المعلومات اليومية، مما يشكل وعيًا لديه بتلك القضايا. وعندما يظهر حافز خارجي يتعلق بتلك القضايا، ينشط هذا الوعي لديه، مما يمكنه من إعطاء معنى لهذا الحافز. يتجه الإدراك نحو القضايا التي يتذكرها الفرد عندما يثار الحافز الخارجي الذي يدفعه إلى ذلك. ليس تحديد خيارات السياسة الخارجية فقط بناءً على قوة الدولة وأوضاعها السياسية والاقتصادية، بل يتعلق ذلك أيضًا بتصورات صانعي القرار لتلك العوامل وأثرها في تحديد تلك الخيارات. يؤثر إدراك صانعي القرار للأحداث الدولية بتصوراتهم عن العالم الخارجي، وتتطور هذه التصورات عبر فترة طويلة متأثرة بخبراتهم وعقائدهم وتقاليدهم في المجتمع. وتحدد أهداف السياسة الخارجية التي يرسمها ويضعها نصب عينيه صانع القرار استنادًا إلى هذه التصورات. عندما تتعدد التفسيرات المحتملة للأحداث الدولية، يختار صانع القرار التفسير الذي يتوافق مع تصوراته، وقد يغير هذا التصور بشكل كبير عندما تظهر أحداث غير متوقعة. يؤثر إدراك المرء للأحداث الخارجية على تصوره للواقع بشكل كبير، وتؤثر توقعاته على إدراكه لتلك الأحداث أيضًا. يمكن للقادة السياسيين تقليل التضارب الذهني عندما يتلقون معلومات متناقضة بواسطة استخدام الإدراك الانتقائي، وتجزئة تلك المعلومات، وإعادة صياغتها. ومع ذلك، يجب أن يتم توخي الحذر لتجنب الإصرار على الاتساق الذهني بطرق قد تؤدي إلى سوء فهم الأحداث الدولية وزيادة فرص حدوث الصراعات والحروب.[38]
من خلال العرض السابق نجد انه تختلف القيادة السياسية بشكل واضح من حالة إلى أخرى، وذلك بسبب تأثير مجموعة من العناصر التي تميز بين نموذج قيادي وآخر. أحد أبرز هذه العناصر هو عنصر النشأة، حيث تعبر القيادة السياسية في نشأتها عن تفاعل عدة عوامل شخصية واجتماعية وتاريخية وثقافية، والتي تؤثر بشكل حاسم في سلوك القائد وتميزه عن غيره من القادة. تتمثل العوامل الشخصية في السمات النفسية والسلوكية للقائد، حيث تشمل العقائد والإدراكات والتصورات الخاصة به، وتتأثر هذه السمات بعوامل التنشئة الاجتماعية والثقافية والتعليمية. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد السمات السلوكية على الخصائص الشخصية للقائد مثل التكوين المعرفي والعاطفي والسلوكي، وتأثير الظروف الاجتماعية والتاريخية على السياق الذي نشأ فيه القائد يعد عنصرًا مهمًا آخر.
بالإضافة إلى ذلك، يؤثر أسلوب الوصول إلى السلطة بشكل كبير في ممارسة السلطة وقدرتها على التعامل مع القضايا الداخلية والخارجية. وتتنوع النظريات في دراسة تأثير السمات الشخصية للقائد والسياق المحيط به، حيث يمكن تصنيف هذه النظريات إلى نموذج آلي يركز على السمات ونموذج عضوي يركز على البيئة. بالتالي، يمكن تصور التفاوت بين نماذج القيادة على مستوى متنوع، حيث تتراوح من تأثير العوامل النفسية للقائد على سلوكه بالمقارنة مع تأثير السياق المحيط به، إلى تأثير الظروف البيئية المحيطة على سلوك القيادة بالمقارنة مع العوامل النفسية والسلوكية.
إدراك القائد السياسي للوضع الدولي وعواقب القرارات الخارجية يعد عاملًا حاسمًا في تشكيل السياسة الخارجية للدولة. يمكن تحليل تأثير هذا الإدراك على صنع السياسة الخارجية من خلال النقاط التالية: يؤثر إدراك القائد السياسي على تحديد الأولويات والمصالح الوطنية للدولة في الساحة الدولية. يمكن أن يؤدي فهم دقيق لهذه الأولويات إلى وضع سياسات خارجية تعكس مصالح الدولة بشكل فعال. تقييم المخاطر والفرص يعتمد صنع السياسة الخارجية على تقييم دقيق للمخاطر والفرص في البيئة الدولية. إدراك القائد السياسي للتحديات والفرص المحتملة يؤثر على اتخاذ القرارات المناسبة بشأن العلاقات الخارجية والتحالفات الدولية. يسهم إدراك القائد السياسي في تحديد استراتيجيات العلاقات الدولية للدولة، بما في ذلك السياسات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية. يمكن أن يؤدي فهم دقيق للتغيرات الدولية إلى تحديد سياسات تعزز مكانة الدولة وتحقق مصالحها. تقديم القيادة والرؤية، يؤثر إدراك القائد السياسي على قدرته على تقديم القيادة والرؤية في الشؤون الخارجية. يمكن أن يكون القائد السياسي الذي يتمتع بفهم عميق للقضايا الدولية قادرًا على توجيه الدولة بثقة وفعالية في المحافل الدولية.[39]
وقد حدد علماء النفس الاجتماعي العديد من الأساليب التي يمكن للفرد من خلالها أن يقلل من التضارب الذهني الذي يظهر حين يتلقى الفرد معلومات تتضارب مع تصوره وربما يصبح الإدراك الانتقائي هو الأداة الرئيسية التي يستخدمها الفرد للإقلال من حجم التناقض بين المعلومات الجديدة وتصوراته، ويستطيع القائد الفرد أن يحقق الاتساق الذهني عن طريق إنكار المعلومات المستقبلة، وأما الأداة الثالثة للتغلب على مشكلة استقبال معلومات متناقضة فهي تجزئة تلك المعلومات، فمثلاً يفصل القائد بين الأعمال الداخلية السلبية لقائد حليف وبين السلوك الإيجابي لهذا القائد الحليف في مجال السياسة الخارجية، وأما الوسيلة الرابعة فهي إعادة صياغة المعلومات المتضاربة بعد وصولها ، أخيراً يمكن لصانع القرار تعزيز عملية الاتساق الذهني بالميل إلى تأييد آرائه وخياراته، وتؤدي محاولة الإبقاء على الاتساق الذهني إلى سوء فهم الأحداث الدولية، فحين تستبعد المعلومات أو يُعاد تأويلها من أجل المحافظة على الاتساق الذهني يزداد احتمال الوقوع في الخطأ بشكل كبير، وهناك وسائل دفاع نفسية أخرى تؤدي إلى تشويه تصور الشخص للواقع ومن هذه الوسائل ميل الفرد إلى فرض إحساسه الشخصي على الموضوع محل التعامل، وأيضاً تسعى الحكومات الأخرى غالباً إلى تضليل صانعي القرار، إن هذا الإخفاء المتعمد للنوايا يتطلب من صانع القرار أن يبذل جهداً للتوصل إلى النوايا الحقيقية لتلك الدول، وكثيراً ما يؤدي تفسير و سوء إدراك القائد السياسي للأحداث الدولية إلى نشوب حرب وإلى تصعيد الصراعات الدولية.[40]
د- خصائص القيادات السياسية يلغي بعضها البعض:
يضيف عدد آخر من الباحثين أن السياسة الخارجية لا يصنعها قائد سياسي واحد، وإنما يصنعها مجموعة من القادة السياسيين لكل منهم خصائصه المستقلة. ومن شأن تفاعل تلك الخصائص في عملية صنع السياسة الخارجية أن يلغي الأثر المحتمل لقائد واحد. ومن ثم تصبح عملية السياسة الخارجية محصلة لتفاعل مفاهيم وعقائد مجموعات من الأفراد .
يمكن الرد على تلك الحجج بأن القائد السياسي ليس مجرد ممثل المصالح وتصورات وعقائد مؤسسة اجتماعية، صحيح أن هناك مصالح قومية عامة يؤمن بها كل من يشغل منصب القائد السياسي المركزي لكن تلك المصالح تكتسب أبعاداً محددة من خلال رؤية القائد السياسي لتلك المصالح، ووسائل تحقيقها، وإن الموقف السياسي لا يشكل بمفرده مرشداً لتوجهات السياسة الخارجية. ولكن القائد السياسي يتصرف في الموقف المحدد طبقاً لعقائده وتصوراته عن الأسلوب الأمثل للتعامل مع الموقف، وإن خصائص القيادات السياسية لا يلغي بعضها البعض وإنما العكس هو الصحيح، فالقائد السياسي المركزي يختار مستشاريه ومساعديه من بين من يتفقون معه في العقائد والتصورات. فإذا اختلف أحدهم معه في تلك العقائد والتصورات، يتم إعفاؤه من منصبه. فالقائد السياسي المركزي يستطيع إلى حد بعيد أن يفسر الدور الذي يضطلع به تفسيراً يتفق مع أرائه، وينطبق ذلك بالذات على ميدان السياسة الخارجية حيث تقل القيود المفروضة على القائد السياسي خاصة تلك القيود المفروضة من الرأي العام الداخلي، وتصدق تلك الملاحظة بشكل أكبر على النظم التسلطية وخاصة تلك النظم التي تتميز بضعف المستوى المؤسسي، وعند تأمل السياسات التي تخلى عنها القائد السياسي بعد دخوله السلطة، ربما يتبين أن بعض تلك السياسات لم يكن يعكس عقائد وتصورات القائد السياسي، ولكنه كان محصلة لعملية المزايدات السياسية الانتخابية التي تعود عليها القادة السياسيون في النظم الغربية الديمقراطية. أن تلك الانتقادات الموجهة لمدرسة تحليل دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية هي عبارة عن عوامل مؤثرة في دور القائد السياسي زيادة وإعاقة في صنع السياسة الخارجية، وليست حجج مقنعة بضرورة عدم دراسة ذلك الدور.[41]
وبالنتيجة فإن العوامل أو المتغيرات الموضوعية المؤثرة على السياسة الخارجية تشترك في صفة جوهرية الدولي، أما العوامل الشخصية القيادية المتغيرات ذات الطبيعة الفردية تؤثر بشكل حاسم في السياسة الخارجية ، لأن تلك السياسة يضعها في التحليل الأخير فرد أو مجموعة أفراد، وهي ليست محصلة للمجموع الآلي للمتغيرات الموضوعية البنيوية. ومن أهم الدوافع التي تدفع بصانعي القرار إلى الأخذ ببعض الخيارات دون غيرها الحاجة إلى القوة و الحاجة الشديدة إلى الانتماء، ومن أهم نماذج السمات الشخصية للقائد السياسي التي ثبت علاقتها بالسياسة الخارجية هي: نموذج الشخصية التسلطية، ونموذج الشخصية المنغلقة عقلياً، ونموذج تحقيق الذات.
الفصل الثالث
سيكولوجية فلاديمير بوتين وتأثيرها علي السياسة الخارجية الروسية
تمهيد:
تحليل سيكولوجية فلاديمير بوتين يعد أمراً بالغ الأهمية لفهم سلوكياته وقراراته السياسية، والتي تؤثر بشكل مباشر على السياسة الدولية والأمن العالمي. يكشف هذا التحليل عن العوامل النفسية التي تحفزه، مثل تجاربه الشخصية وخلفياته التاريخية والثقافية، والتي قد تؤثر على رؤيته للعالم واستراتيجياته السياسية. من خلال فهم كيفية تفكير بوتين، يمكن للمحللين السياسيين توقع تحركاته وتطوير استراتيجيات فعّالة للتعامل مع روسيا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذا التحليل أن يساعد في كشف دوافعه وطرق تفكيره، مما يسهم في تحسين العلاقات الدولية وتجنب الأزمات المحتملة.
وسوف يتم تقسيم هذا الفصل إلي ثلاثة مباحث، هي:
المبحث الأول: البيئة النفسية للرئيس بوتين
المبحث الثاني: البوتينية كعقيدة سياسية
المبحث الثالث: التطورات اللاحقة علي السياسة الخارجية الروسية في عهد بوتين
البيئة النفسية للرئيس بوتين
مقدمة:
في بلد مثل روسيا تمتلك الأفراد فيها تأثيرا كبيرا علي سياسات الدولة، فإن رؤية الرئيس الروسي لبلاده وفهمه لتاريخها وقيمها، علاوة علي تجاربه الشخصية السابقة تصبح عاملاً محددا في الحياة السياسية، وتختلف الآراء حتي اليوم حول ما يمثله الرئيس فلاديمير بوتين، ونظرا لتصاعد التوتر في العلاقات بين روسيا والغرب في السنوات الأخيرة، ازداد الاهتمام بالنظام الذي بناه فلاديمير بوتين تدريجيا. وأصبحت افكار بوتين وسيرته موضوعا له أهمية بالغة. ولم يعد بوتين رئيسا للدولة فقط، بل أصبح في نظر الكثيرين روسيا نفسها، “إذا كان هناك بوتين، هناك روسيا. واذا لم يوجد بوتين، لا توجد روسيا”. من هنا يصبح فهم هذا الرجل وشخصيته وسيرته الذاتية ضرورة لفهم السياسة الروسية في عهده.
“تتشكل شخصية كل فرد من خلال مجموعة من السمات القابلة للقياس، والتي تلعب دورًا حاسمًا في كفاءة اتخاذ القرارات، خاصة في مجال السياسة الخارجية. تتأثر هذه السمات بشكل كبير بالتجارب التي يمر بها الفرد خلال مراحل نموه الاجتماعي والثقافي، وكذلك بالبيئة التي يعيش فيها. العوامل الاقتصادية، السياسية، التاريخية، والاجتماعية التي يتعرض لها الطفل تسهم في تحديد ملامح شخصيته المستقبلية. مكانة الأسرة الاجتماعية، وطبيعة العلاقات الشخصية سواء كانت متمثلة في الاندماج أو الانعزال، الهيمنة أو الخضوع، كلها عوامل تساهم في تشكيل الشخصية. سنقوم بتطبيق هذه المفاهيم على الرئيس بوتين لفهم السمات التي تشكلت لديه وتأثيرها على قيادته.
أولًا: النشأة والخصائص الشخصية للرئيس بوتين:
ولد فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين في 7 أكتوبر عام 1952 في لينينغراد، جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفييتية، الاتحاد السوفييتي (حاليًا سانت بطرسبرغ، روسيا)، وهو الابن الأصغر بين ثلاثة أطفال لفلاديمير، سبيريدون بوتين، جد فلاديمير بوتين، الطباخ الشخصي لفلاديمير لينين وجوزيف ستالين. سبق ولادة بوتين وفاة أخويه، فيكتور وألبيرت، الذين ولدا في منتصف ثلاثينيات القرن العشرين. توفي ألبرت في طفولته وتوفي فيكتور متأثرًا بمرض الخناق خلال حصار القوات الألمانية النازية لينينغراد في الحرب العالمية الثانية.
كانت والدة بوتين عاملة في مصنع وكان والده مجندًا في البحرية السوفييتية، وخدم في أسطول الغواصات في بداية ثلاثينيات القرن العشرين. كان والد بوتين يدعي فلاديمير سبيريدونوفيتش بوتين الذي ولد عام ١٩١١، وتوفي عام ١٩٩٨ لقد كان ملحدا متشددا شيوعيا، خدم والده في وقت مبكر من الحرب العالمية الثانية في كتيبة التدمير التابعة للمفوضية الشعبية للشؤون الداخلية. نُقل لاحقًا إلى الجيش النظامي وأصيب بجروح بليغة في عام 1942. قُتلت جدة بوتين من جهة أمه على يد المحتلين الألمان لمنطقة تفير في عام 1941، واختفى أعمامه من جهة أمه على الجبهة الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية.[42]
رغم أن بوتين قد اعترف بأن صحوته الدينية قد حدثت في وقت مبكر في التسعينيات، قامت والدته بتعميده عندما كان لا يزال رضيعاً، وكانت تحتضنه بانتظام إلي الخدمات الكنسية، صليب العمودية الذي استلمه بوتين من والدته معلقا علي رقبته حتي يومنا هذا، علاوة علي ذلك عندما بلغ بوتين الثالثة من عمره، انتقلت عائلته إلي شقة مشتركة وكانت مليئة بالفئران والجرذان، وقضي بوتين معظم وقته بعيدا عن والديه، ويؤكد بيلكوفسكي هذا الادعاء قائلا “الصغير بوتين ولد بعيدا عن حب والده ورعايته”، وكان بوتين طفل متهجم، ويقضي معظم وقته مع المتنمرين في الخارج، ومن هنا تحول بوتين إلي العنف بنفسه، وكان بوتين يهجم علي الأشخاص ويخدشهم وبعضهم حتي لا يسمح لأحد بإذلاله باي شكل من الأشكال.
ويقول بوتين عن عائلته “لقد جئت من عائلة عادية ذاقت الجوع والتشرد خلال الحرب العالمية الأولي والثانية، هذه هي الحياة التي كنت أعيشها لفترة طويلة “.لقد كان للظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي نشأ فيها بوتين، والتي كانت نتيجة للفقر والوضع السياسي الذي كان يعيشه الاتحاد السوفيتي، تأثير عميق على تطور شخصيته. تلك الأوضاع التي عاش فيها الرئيس بوتين جعلت منه شخصية حازمة، وظهر هذا الحزم بشكل واضح خلال النزاع في الشيشان. وقد رأى الشعب الروسي فيه الصورة المثالية للزعيم القوي والمُصمم، حيث أتاحت له الحرب الشيشانية فرصة لتأكيد دوره كقائد صلب، وهو ما كان يُعتبر إيجابيًا بالمقارنة مع الصورة الهشة لسلفه يلتسن. من خلال تجاربه الشخصية، أدرك بوتين أهمية الاعتماد على الذات، مما دفعه للعمل بجد وإظهار قدرته على التحكم في صنع القرارات، وتعلم فنون القيادة.
علاوة علي ذلك. خلال فترة الدراسة الابتدائية في لينينغراد، كان بوتين طفلا يصنع المشاكل حتي الصف السادس، ولم يكون متفوقا في دراسته، ومنذ الصف السادس فصاعدا، تغير موقفه وبدأ بوتين بممارسة الرياضة، حيث انخرط أولاً في رياضة السامبو وحصل فيها علي درجة الماجستير ثم تحول إلى الجودو، وفي ٢٠٠٦ أصبح الرئيس الفخري لاتحاد الجودو الاوروبي، وفي عام ٢٠١٠ حصل علي الدكتوراه الفخرية في الجودو من كوريا الجنوبية، كان الرئيس بوتين لديه إيمان بأن تعليم فنون الدفاع عن النفس هي اساس المعرفة والقدرات والمهارات التي يحتاج اليها كل سياسي. وقد كان لهذا تأثير كبير في تعزيز شخصيته وتشكيلها بمزايا القوة. يعتبر بوتين الجودو ليس فقط كرياضة، بل كفلسفة تقوم على الاحترام للأساتذة والخصوم، ولا تتسع للضعفاء. كما يُشير اهتمامه بالجودو إلى أنه كان يحمل قوة داخلية وطموحًا لم يكن واضحًا للعيان.
ومن الجدير بالذكر أن بوتين قد بدأ يُظهر إمكانياته القيادية منذ صغره، حيث كشف أنه كان يتعرض للضرب من قبل الأطفال الأكبر والأقوى في حي لينينغراد الذي كان يعيش فيه، وهو حي كان يتميز بالعنف والقسوة.” لكنه بعد ذلك كان قادرا علي الرد بدون تأخير علي اي هجوم، إذ أتقن الجودو ونال الحزام الاسود وبطولة المدينة. إن تدرب الرئيس بوتين الجودو علمه السيطرة علي مشاعره وعواطفه، إن المهارات والقدرة التي أبداها في السنين المبكرة من حياته ساعدته في سن رشده ليكون منظماً وأكثر استراتيجية بجانب اهتمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهذه الرياضات، يعرف بشغفه بالمغامرات والأنشطة المتنوعة. فهو لا يكتفي بممارسة الرياضات المختلفة، بل يُظهر اهتمامًا كبيرًا بالمغامرات التي تتطلب شجاعة ومهارة، مثل قيادة الطائرات المقاتلة والمشاركة في عمليات إطفاء الحرائق والغوص بحثًا عن الآثار الإغريقية. يُعتبر التزلج وهوكي الجليد والتجديف وصيد السمك وركوب الخيل وقيادة السيارات الروسية من بين هواياته المفضلة. ويُعلق بوتين على تعدد هواياته بأن العطلات نادرة ويجب استغلالها بأكبر قدر من الكفاءة، معتبرًا تغيير النشاط أفضل وسيلة للراحة.[43]
بالإضافة إلى ذلك، يُظهر بوتين اهتمامًا بالبيئة وحماية الحيوانات، حيث يشغل منصب رئيس مجلس أمناء الجمعية الجغرافية الروسية ويشارك بنشاط في المشاريع العلمية وحماية الأنواع الحيوانية المهددة بالانقراض مثل النمر السيبيري والحوت الأبيض والدب القطبي والفهد الأبيض. ويُعبر عن إعجابه بمهمة الجمعية في تحفيز حب الناس لروسيا وتشجيعهم على استكشاف جمالها وتنوعها وأصالتها.
ينبغي لنا أن نأخذ بوتين علي محمل الجد، وأنه سيفي بكل وعد أو تهديد، إذا قال بوتين أنه سيفعل شيئا ما، فهو علي استعداد للقيام بذلك، وباستخدام كل الطرق المتاحة له، أراد بوتين في ان يظهر للجمهور أنه مقاتل شوارع مشاكس، جميع القصص الواردة عنه تؤكد أن بوتين إذا دخل في قتال، فإنه مستعد للقتال حتي النهاية، حتي لو تعرض للضرب ( عندما كان طفلا)، أو خاطر بفقدان منصبه (كزعيم رسمي لروسيا)، أو الشروع في مهمة انتحارية محتملة ( كما فعل والده خلال الحرب العالمية الثانية)، قد يكون فلاديمير بوتين مستضعفا، فهو قصير القامة ويبدوا أضعف من خصومه، ولكنه كان يستغل هذه الصفات وغيرها لصالحه.
تؤكد الأحداث التي حدثت منذ تولي بوتين الرئاسة العديد من النقاط المشار إليها. تركز تكتيكاته في الداخل والخارج على تحقيق مكاسب ضد خصومه، سواء كانوا من الأوليجارشية والمعارضة في روسيا أو الزعماء الغربيين والمنظمات الدولية. يعمل بوتين والكرملين بجدية على جعله غامضًا وغير قابل للتنبؤ بقدر الإمكان، ويحافظون على وحدة شبه كاملة من الصمت والرسالة. تظهر صورته وتصريحاته العامة منسقة ومعدة بشكل جيد لتحقيق أقصى تأثير ممكن.
يعتبر بوتين أحد القادة الأكثر تأثيراً في القرن الحادي والعشرين، حيث قام بتشكيل المشهد السياسي في بلاده لعدة عقود من الزمن من خلال مختلف من الخطوات الاستراتيجية والعدوان العسكري ضد جيران روسيا، والسياسات المثيرة للجدل.[44]
ثانيًا: الصفات والخبرة المكتسبة من العمل في الاستخبارات :
فقد درس بوتين القانون بجامعة لينينغراد ،حيث كان معلمه أناتولي سوبتشاك الذي فيما بعد أصبح أبرز السياسيين ي فترة البيريستيويكا فقد خدم بوتين لمدة 15 عامًا.
وعمل كضابط مخابرات في لجنة أمن الدولة ،في خلال ست سنوات بمدينة دريسدن بألمانيا الشرقية وذلك في عام 1990 وقد تقاعد من خدمة (الي جي بي )وهو مقدم وبعد ذلك عاد الي روسيا ليصبح عميد جامعة لينينغراد مع مسؤوليته للعلاقات الخارجية في المؤسسة وبعد ذلك فقد أصبح بوتين مستشارا لسوبتشاك فهو أول عمدة منتخب في سانت بطرسبورغ فقد حاز بسرعة هائلة وفي وقت قصير علي ثقة سوبتشاك وأصبح معروفا عنه أنه قادر ع انجاز الامور وفي عام ١٩٩٤ أرتقي الي منصب النائب الأول لرئيس البلدية وبعد ذلك انتقل بوتين الي موسكو في عام ١٩٩٦ لينضم الي طاقم الرئاسة كنائب( لبافيل بورودين ) المدير الإدراي للكرملين، فأصبح بوتين قريبا من زميلة في لينينغراد أناتولي وأصبح يتقدم في المناصب الادارية . وبحلول ديسمبر ١٩٩٩ فقد أعلن يلتسين بشكل غير متوقع استقالته وقد عين بوتين رئيسا بالنيابة ووعودا بأنه سيعيد بناء روسيا الضعيفة.
عاد إلى جامعة لينينغراد الحكومية كنائب لنائب الرئيس. أصبح مستشارًا لأحد أساتذته السابقين في القانون، أناتولي سوبتشاك، الذي غادر الجامعة ليصبح رئيس مجلس مدينة لينينغراد. عمل بوتين مع سوبتشاك خلال حملته الانتخابية الناجحة ليصبح أول عمدة منتخب بشكل ديمقراطي في مدينة سانت بطرسبرغ. في يونيو ١٩٩١، أصبح بوتين نائب عمدة سانت بطرسبرغ وتم تكليفه بإدارة لجنة العلاقات الخارجية للمدينة. استقال رسميًا من الكي جي بي في أغسطس ١٩٩١. في عام ١٩٩٦، بعد خسارة عمدة سوبتشاك في محاولته للإعادة انتخابه، انتقل فلاديمير بوتين إلى موسكو للعمل في الكرملين في القسم المسؤول عن إدارة الممتلكات الرئاسية. في مارس ١٩٩٧، تم ترقية بوتين إلى نائب رئيس السلطة الرئاسية. تولى عددًا من المسؤوليات الأخرى داخل الكرملين قبل أن يتم تعيينه رئيساً لجهاز الأمن الفدرالي الروسي (الإف إس بي، الخليفة للكي جي بي) وبعد ذلك عين بوتين مديرا لجهاز الأمن الفيدرالي في يوليو ١٩٩٨ وبعد ذلك بفترة قصيرة أصبح بوتين أمينا لمجلس الأمن فقد كان يلتسين يبحث عن وريث يتولى منصبه فعين بوتين رئيسا للوزراء وذلك في عام ١٩٩٩.
وبالرغم من أن بوتين لم يكن معروف فعليا ألا ان معدلات التأييد الشعبي له ارتفعت حد السماء عندما أطلق عملية عسكرية للتنظيم ضد المتمردين الانفصاليين في الشيشان وبعد سنوات من سلوك يلتسين الغريب ،فقد أعرب الشعب الروسي عن تقديره لحزم بوتين في مواجهة التحديات
في يوليو ١٩٩٨. بعام واحد فقط بعد ذلك، في أغسطس١٩٩٩، تم تعيين فلاديمير بوتين، بتسلسل سريع، نائباً لرئيس الوزراء الروسي الأول، ثم رئيس الوزراء من قبل الرئيس بوريس يلتسين، الذي أشار أيضًا إلى بوتين كخليفة مفضلة له كرئيس. وأخيرًا، في ٣١ ديسمبر ١٩٩٩ أصبح بوتين رئيسًا مؤقتًا لروسيا بعد استقالة يلتسين. تم انتخابه رسميًا لمنصب الرئيس في مارس ٢٠٠٠.
شغل بوتين منصب الرئيس الروسي لفترتين من٢٠٠٠ إلى ٢٠٠٤ و إلى ٢٠٠٨ قبل أن يتنحى – وفقًا للمنع الدستوري الروسي ضد ثلاث فترات رئاسية متتالية ليتولى منصب رئيس الوزراء. في مارس ٢٠١٢ تم انتخاب بوتين ليخدم فترة أخرى كرئيس لروسيا حتى عام ٢٠١٨، بفضل تعديل دستوري قاده حينها الرئيس دميتري ميدفيديف في ديسمبر ٢٠٠٨ يمدد فترة الرئاسة من أربع سنوات إلى ست سنوات. تم تغطية هذه الحقائق الأساسية في الكتب والمقالات الصحفية. ومع ذلك، هناك بعض عدم اليقين في المصادر بشأن التواريخ الدقيقة وتسلسل مسار العمل المهني لفلاديمير بوتين. وهذا ينطبق بشكل خاص على خدمته في الكي جي بي، ولكن أيضًا على بعض الفترة التي قضاها في مكتب عمدة سانت بطرسبرغ، بما في ذلك مدى مدة تواجده الفعلي في “الاحتياط النشط” للكي جي بي. المعلومات الشخصية، بما في ذلك الأحداث الطفولية الرئيسية، وزواجه في عام 1١٩٨٣ من زوجته لودميلا (التي طلقها في عام ٢٠١٤)، وولادة ابنتيهما في عامي ١٩٨٥ و ١٩٨٦ (ماريا ويكاتيرينا)، وصداقاته مع سياسيين ورجال أعمال من لينينغراد / سانت بطرسبرغ قليلة بشكل ملحوظ. في أغسطس 1996، انتقل إلى موسكو كنائب لرئيس الأمانة الخاصة للرئيس يلتسين. من مارس 1997، عمل كنائب لرئيس إدارة الرئاسة ورئيس مديرية مراقبة الرئيس الرئيسية. في مايو 1998، تم تعيينه نائبًا أولا لرئيس إدارة الرئاسة. بعد شهرين، أصبح مديرًا لجهاز الأمن الاتحادي (FSB). من مارس 1999، كان يشغل أيضًا منصب أمين مجلس الأمن.
في أغسطس 1999، تم تعيينه نائبًا أولا للرئيس، ثم رئيسًا للحكومة. في 31 ديسمبر 1999، بعد استقالة يلتسين، أصبح رئيسًا مؤقتًا. انتخب رئيسًا للاتحاد الروسي في 26 مارس 2000؛ وافتتح في 7 مايو 2000.
كما قلنا، هناك نقاط مفقودة كثيرة في هذه القصة. أولاً، نجد أن ثلاثة من أصل أربعة فقرات مخصصة لمسيرة بوتين منذ عام 1990، بينما يُصف خمسة عشر عامًا في KGB في جملتين فقط. وعلاوة على ذلك، لا يُعطى أي تفسير لاهتمام KGB بتجنيده، ولا لسببه في مغادرة المنظمة لمسيرة سياسية غير مؤكدة عندما كان في الثلاثينيات من عمره. سنتناول كل من هذه النقاط في القسم التالي.
أول مصدر يمكن التوجه إليه لمحاولة تحليل مشروع بوتين هو، بالطبع، مسيرته المهنية، من حيث يمكن الحصول على دلائل مهمة حول كيفية تشكيل فكره الإيديولوجي وشخصيته. لذلك، كما فعل العديد من العلماء الغربيين منذ أن أصبح خليفة يلتسين، ينبغي علينا الرجوع في المقام الأول إلى سيرته الذاتية الرسمية المعروفة على نطاق واسع. ومع ذلك، يجب مقارنة هذا النوع من المعلومات بعناية قبل التوصل إلى أي استنتاج، مميزين الحقائق عن الدعاية السياسية البسيطة. في روسيا، منذ حملة الانتخابات عام ٢٠٠٠، تم تقديم الرئيس من قبل وسائل الإعلام التابعة للدولة على أنه مسؤول شاب، نشيط، وموثوق به (على عكس نمط القيادة الفوضوي ليلتسين)، وتم استخدام قصة حياته لتعزيز تلك الصورة في الجمهور. مثل هذه الظاهرة، التي أصبحت تدريجياً “بوتينمانيا” حقيقية، تذكرنا بـ “عبادة الشخصية” السوفيتية وربما شعبية يلتسين في عام ١٩٩٠ ،١٩٩١
لهذا السبب، نعتبر هذه السير الذاتية ليست فقط غير كافية لتقييم أداء بوتين قبل أن يصبح رئيس روسيا، ولكنها أيضًا متحيزة بوضوح عندما تغفل عن الحقائق المحرجة المحتملة كما هو الحال في مسيرته في KGB. كل ما نتعلمه عن خمسة عشر عاماً في الهيئة، ثلثها في جمهورية ألمانيا الديمقراطية (جمهورية ألمانيا الشرقية)، هو دوره في المخابرات الخارجية، دون تفاصيل حول واجباته الفعلية أو علاقته المحتملة بأنشطة KGB الأخرى. لذلك، محاولة الالتزام بالبيانات الرسمية يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على موضوعية استنتاجاتنا.
يتضح هذا من خلال فحص الأسطر القليلة جدًا، التي تكون في الغالب تعداداً لمناصبه السياسية منذ عام ١٩٩٠ والتي يمكن تلخيص هذه السير الذاتية فيها: فلاديمير بوتين قد حصل على درجة في القانون في جامعة لينينغراد الحكومية في عام ١٩٧٥(ثم أصبح مرشحًا لدرجة الدكتور في العلوم الاقتصادية). بعد التخرج، تم اختياره من قبل KGB، حيث عمل من عام ١٩٧٥ إلى عام ١٩٩٠ كضابط في المخابرات الخارجية. من عام ١٩٨٥ إلى عام ١٩٩٠، خدم في جمهورية ألمانيا الديمقراطية (جمهورية ألمانيا الشرقية).
ثالثا: الخبرة السياسية:
في عام ١٩٩٠عاد إلى لينينغراد وأصبح مساعدًا للشؤون الدولية لرئيس جامعة لينينغراد الحكومية. لاحقًا، تم تعيينه مستشارًا لرئيس مجلس مدينة لينينغراد. في يونيو ١٩٩١ تم ترقيته إلى رئيس لجنة العلاقات الخارجية لمجلس مدينة لينينغراد. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، منذ عام ١٩٩٤ عمل أيضًا نائبًا أول لعمدة سانت بطرسبرغ.
أول استنتاج يمكننا الوصول إليه هو أنه لم يكن الإيديولوجية، بل بشكل أكبر الرمزية أو الرومانسية، ما دفع بوتين أولاً للتقديم في KGB. كطالب في المدرسة، ذهب حتى إلى مقرها في لينينغراد للاستفسار عن متطلبات الانضمام إلى المنظمة لذا كل شيء بدأ كقرار لمراهق وليس قراراً لشخص متعصب للشيوعية. بالنسبة لجيل بوتين، الذي نشأ بالفعل في عهد خروشوف، كانت KGB بمساعدة قليلة منقاتل الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات. كل هذه المجالات تمت في أراضي الاتحاد السوفياتي، لذلك ستكون هذه تناقضًا مع فترة خدمة بوتين في جمهورية ألمانيا الديمقراطية. ومع ذلك، يقول بينيت، في تلك الفترة قد يكون قد عمل في إدارة المخابرات الأولى الرئيسية التابعة للمخابرات العسكرية الألمانية الشرقية، أو ربما عمل كضابط اتصال مع الخدمات الأمنية المحلية.
حيث أنه بعد الانضمام إلى KGB تم تعيينه في مديرية لينينغراد المحلية للمنظمة. كانت مهمته الأولى إدارية، في أمانة المديرية السرية، ثم في وحدة المخابرات العسكرية: عمل بيروقراطي غير مثير، كما يقول. ومع ذلك، ربما بسبب دراسة رؤسائه لملفه النفسي بعناية، بعد خمسة أشهر فقط بدأ في دورة تدريبية مكثفة لـ “الموظفين التشغيليين” في لينينغراد، استمرت لمدة نصف عام. يبدو أن أدائه جذب انتباه إدارة المخابرات الخارجية، التي اتصلت به عند عودته إلى مكتبه السابق. كان العمل كـ “جاسوس” كل ما كان يرغب فيه بوتين منذ طفولته؛ كما كان الانضمام إلى المديرية الأولى ترقية أيضًا، حيث كان أعضاؤها يُنظَر إليهم على أنهم “ذوو الياقات البيضاء” داخل المنظمة لأنهم كانوا يمكنهم السفر والعيش في الغرب، امتياز لا يمكن الوصول إليه بالنسبة لمعظم المواطنين السوفيات لذا في نهاية السبعينيات ذهب إلى موسكو لحضور دورة تدريبية خاصة أخرى، حيث قضى عامًا.
وفي خلال الشهور التالية عمل بوتين مرة أخرى في لينينغراد، ولكن الآن في القسم الأول وهو فرع من الإدارة الرئيسية الأولى للمخابرات العسكرية بمكاتب في المدن الرئيسية للاتحاد السوفياتي. هناك عمل لمدة أربع سنوات ونصف، ثم عاد إلى موسكو لحضور معهد العلم الأحمر بسبب معرفته باللغة الألمانية، تلقى تدريبًا للعمل إما في ألمانيا الغربية أو الشرقية. ولكن قبل الذهاب إلى الغرب كان من الضروري قضاء بضع سنوات في مقر المديرية العامة ،لذا ورغبة في البدء بسرعة اختار جمهورية ألمانيا الديمقراطية. في دريسدن وجهته الوحيدة في الخارج، عاش هو وعائلته لمدة خمس سنوات. كونها بلدًا اشتراكيًا، فإن KGB عملت بشكل علني في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، والتي يمكن اعتبارها لأغراضهم “مقاطعة” من الاتحاد السوفياتي. ووفقًا للسرد الخاص ببوتين، عمل في “خط الاستخبارات السياسية”، الذي كان يجند المخبرين ويجمع بيانات حول الأحداث العامة.
حيث كانت مجالات اهتماماته تشمل الأحزاب السياسية الغربية وقادتها والاتجاهات والحكومة وخاصة وزارة الخارجية وسياستها وعلاقاتها مع الدول الأخرى وما إلى ذلك.
ومع ذلك، تستمر بعض النقاط المظلمة في هذه القصة. على الرغم من أن من الواضح جدًا أن بوتين نُقل إلى المديرية العامة الأولى من منصبه السابق فما هو بالضبط هذا المنصب؟ يبدو أن مديرية KGB المحلية في لينينغراد قد تم تقسيمها إلى عدة أقسام: المقسمة إلى الجزء الأول، على سبيل المثال، كانت تعتمد على المديرية العامة الأولى. لذا، في أي قسم عمل بوتين في البداية؟ في وحدة المخابرات العسكرية، التي ربما كانت تخضع أيضًا للمديرية العامة الثانية. هنا تكمن المشكلة: حتى لو لم تعمل الثانية في قمع السياسي في حد ذاته والذي كان في ذلك الوقت مسؤولية القسم الخامس – كان من المؤكد أن الشبكة من المخبرين التي كانت تسيطر عليها تستخدم بالتأكيد لكشف ومراقبة المعارضين. قد لا يكون بوتين شارك في ذلك، وعمل فقط ضد العملاء الأجانب؛ لكن كلتا المهام كانتا ممارسة من قبل نفس القسم. والأهم من ذلك، يقترح البعض أن معرفته باللغات الأجنبية لم تكن كافية في ذلك الوقت لأداء مهام المخابرات العسكرية، لذلك كان من المرجح أن يكون مسؤولاً عن مراقبة المواطنين السوفييت.
من هذا المنظور، يمكننا فهم أيضًا لماذا لم يُرسل على ما يبدو إلى أي أكاديمية KGB بعد انضمامه إلى المنظمة، وهو أمر غير محتمل جدًا. قد يرغب في الحفاظ على سرية التدريب الأساسي الذي تلقاه، لأنه يمكن أن يكون مرتبطًا مباشرة بوظائف سياسية مضرة. هذا يفسر لماذا قدم معلومات قليلة جدًا حول مهامه الأولى كعميل KGB في المقابلات الانتخابية السابقة التي أشرنا إليها، ويترك مفتوحة السؤال حول مشاركته في مجال أقل بطولة من المخابرات الخارجية.
وعندما سُئل عن دور KGB كشرطة سياسية، يقول بوتين إنه لم يفكر في القمع على الإطلاق وحتى لم يكن يعرف عنه. يُجادل بأنه، عندما دخل المنظمة كان لا يزال مغرمًا بهذا الشعور الرومانسي من شبابه حول عمل الجاسوس، مختلطًا بالتأثير الوطني الذي مر به كل مواطن سوفيتي. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن هذا التفسير قد يكون كافيًا لمهنته المبكرة، إلا أنه لا يمكن أن يُصدق أنه في السنوات التالية لم يولي أي اهتمام للمشكلة الأخلاقية المنطوية عليها. أي أنه حتى لو قام فقط بمهام المخابرات الداخلية ثم المخابرات الخارجية، كان جزءًا من منظمة أوسع مسؤولة مباشرة عن أسوأ جرائم الاتحاد السوفيتي.
فقد انتهت مسيرة بوتين كضابط استخبارات بسقوط جدار برلين: فقد خشي أن ينهار النظام الشيوعي في بلاده أيضًا، والجلوس داخل النظام وانتظار تفككه هو أمر صعب للغاية في عام ١٩٩٠ عندما عاد إلى الاتحاد السوفيتي، وجد نفسه في بلد تغيرت فيه الأحوال وحيث لم يعد الخدمة في جهاز الأمن السوفيتي تثير الحسد لذا طلب نقله إلى الاحتياط النشط لجهاز الأمن السوفيتي، وقرر البحث عن فرص جديدة خارج المنظمة وبدأ بكتابة أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في جامعة لينينغراد الحكومية (LGU)، بينما كان في نفس الوقت يبحث عن وظيفة هناك. نجح قريبًا جدًا، حيث أصبح مساعدًا للشؤون الدولية لرئيس LGU.
هناك، وفقًا لروايته الخاصة دائمًا، التقى بعض الأصدقاء القدامى من كلية القانون الذين أصبحوا أساتذة، وقدم له أحدهم الانضمام إلى فريق أناتولي سوبتشاك – محامي سبق له أن علم في LGU، وكان قد عين مؤخرًا عمدةً للينينغراد. على الرغم من أن بوتين لم يكن يعرفه شخصيًا، بصرف النظر عن الدورات التي حضرها كطالب، يبدو أن أحد زملاء سوبتشاك السابقين اعتقد أن تجربة بوتين قد تكون مفيدة في مجلس المدينة.
كان سوبتشاك مبدع بوتين في السياسة، لذلك ربما كان له تأثير مهم على الرئيس الروسي. كان مثالًا على كيف قرر العديد من أعضاء الحزب الذكيين دعم البيريسترويكا، وفيما بعد الديمقراطية، عندما كان الاتحاد السوفيتي يعيش لحظاته الأخيرة وفي عام ١٩٩٠ بعد عامين فقط من انضمامه إلى الحزب الشيوعي السوفيتي (CPSU) – أعلن سوبتشاك بالفعل أن “الماركسية مدانة من قبل التاريخ، وأعلن عن مستقبل الشيوعية في روسيا الحزب الشيوعي يختفي من الساحة السياسية حيث كان واحدًا من أكثر أعضاء الكونغرس لشعب المتحدة نشاطًا، فقد شارك لصالح غورباتشوف ضد القطاعات الأكثر تحفظًا بقيادة ييغور ليغاتشوف: على سبيل المثال، اتهم الأخير بأمر القوات بإطلاق النار على المتظاهرين الوطنيين الجورجيين في تبليسي، حيث قتل 19 منهم.
مع ذلك، أدرك سوبتشاك أن أيام غورباتشوف أيضًا كانت تنتهي منذ ذلك الحين، ستكون مسيرته مرتبطة بليتسن. في يونيو ١٩٩١ غير لقبه القديم “رئيس مجلس لينينغراد” إلى اللقب الذي حصل عليه بالانتخابات المحلية التي جرت بجانب تلك التي أصبح فيها يلتسن رئيسًا للجمهورية الروسية نحن نشهد أنيقوم النظام الشيوعي، قال ثلاثة أشهر لاحقًا، في مؤتمر صحفي في الليلة الأولى لمحاولة الانقلاب الفاشلة. [45]
المبحث الثاني
البوتينية كعقيدة سياسية
بعد عشرين عامًا من حكم الرئيس بوتين في عام 2000، كان من الضروري تعريف النظام السياسي الروسي تحت حكم هذا الرئيس الاستثنائي. فظهر مصطلح البوتينية لمحاولة فهم شكل ونوع النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في روسيا خلال تلك الفترة، كما يمكن ان يشير المفهوم للتحولات الاستراتيجية التي مرت بها العقيدة الروسية منذ مطلع الألفية الي اليوم، ولاكن قبل تعريف مصطلح البوتينية يجب أولا تعريف مصطلح اخر يسهم بشكل أساسي في فهم البوتينية وهو مفهوم البريتوريانية.
أولًا: البريتوريانية
تعتبر “البريتوريانية” ظاهرة سياسية تُمثل تطورًا مهمًا في السياسة الروسية منذ عام 2000. يتميز هذا التطور بتركيز السلطة والموارد (الإدارية والمالية ووسائل الإعلام) حول مؤسسة رئيس الدولة، الذي يعد أيضًا السلطة التنفيذية الفعلية للبلاد. ولا يشير هذا المفهوم فقط إلى موقع الرئيس الروسي في أعلى الهرم المؤسساتي، بل إلى ديناميكية مركزية تعيد دائمًا إلى الكرملين، المقر الجغرافي والرمزي للسلطة الروسية، الذي يسيطر على الرافعات الأساسية للسلطة والتأثير. وقد لوحظ هذا الاتجاه على مدى السنوات الماضية من بوتينية.
وقد ظهر من جديد مفهوم البريتوريانية في علم الاجتماع السياسي في بداية الستينيات من القرن الماضي، في كتابات موريس دوفيرجيه حول فرنسا في مراحلها المبكرة من الجمهورية الخامسة. استخدم صامويل هنتنغتون هذا المصطلح في عمل نُشر في عام 1968، حيث أصبحت “البريتوريانية” أو، بدقة أكبر، مفهوم دولة بريتورية، منتشرة في دراسة الأنظمة السياسية التي تجمع بين عناصر شكلية للديمقراطية الليبرالية مع ممارسات استبدادية، أو لوصف – لنقل كلمات أحمد إنسل بالاستشهاد بتركيا – “العملية التي يتخذها الجيش، بدعم من البيروقراطية المدنية العليا، لتعزيز نفسه كقوة سياسية مستقلة، سواءً من خلال استخدام القوة فعليًا أو عن طريق التهديد بذلك”[46].
ويمكن اعتبار النظام البريتوري بمثابة شكل من أشكال الديمقراطية الاستبدادية أو الاستبدادية الديمقراطية.
لكي تتبلور البريتوريانية كأيديولوجية، يجب أولاً أن يكون هناك مجموعة من الحراس البريتوريين -هم المدافعين عن هذه الإيديولوجية – التي تتكون داخل النخبة الحاكمة وتصبح المحور الرئيسي لما يسميه عالم الاجتماع (تشارلز رايت ميلز) بمثلث السلطة – النخبة السياسية والإدارية، والنخبة الاقتصادية والمالية، والنخبة العسكرية والاستراتيجية بذلك تكون قد تجمعت العناصر التي تتمكن من السيطرة على المجتمع.
ووفقًا لميلز، يتألف مثلث السلطة من مجموعة غير رسمية تربطها روابط قوية من خلال أصولها الاجتماعية ونظرتها للعالم، والتي تحكم من قلب النظام السياسي، ممحيًا مبادئ الحكومة الدستورية والديمقراطية.[47]
عندما تولى بوتين الرئاسة في عام 2000، قاد حملة ضد الأوليجارشية التي ظهرت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 بعد أن كانت تمثل تهديداً لسيادة الدولة. استخدم بوتين سلطاته لتقويض سلطة هؤلاء الأثرياء الذين كانوا يملكون مصالح في القطاعات الرئيسية للاقتصاد الروسي مثل النفط والغاز.
وبنفس الطريقة، أعطى بوتين الأولوية لدعم شركات وأفراد موالين له، مما سمح لشبكة جديدة من الأثرياء بالظهور والازدهار. تحت حكم بوتين، تغيرت ديناميات الأوليجارشية حيث أصبحت مرتبطة بشكل أكبر بالدولة وسلطاتها. وبهذا يكون قد تكون الضلع الأول من الحرس البريتوري.
الضلع الثاني من المثلث الذي حدثنا عنه السيد ميلز هو التحكم في النخبة السياسة والإدارية، على مدي حكم الرئيس بوتين حاول الرئيس تصفية كل النخب السياسية المعارضة لحكمة مما جعله ينفرد بالساحة السياسية بشكل حصري وبدون أي قيود، الوضع الذي لم تكون عليه روسيا عندما استلم هو السلطة.
لم يرث بوتين وضعه كحاكم مطلق؛ بل خلقه بنفسه. ينص دستور روسيا لعام 1993 على الفدرالية، وفي عهد الرئيس السابق بوريس يلتسين، اكتسبت السلطات المحلية سلطة كبيرة فيما يتعلق بالميزانية وإنفاذ القانون ووظائف أخرى. على المستوى المركزي، يعتبر الدستور، على الرغم من تفضيله القوي للرئاسة، أيضًا بعض التقسيم في السلطة بين الفروع التنفيذية والتشريعية. كان يسمح للبرلمان الروسي، الجمعية الفيدرالية ثنائية الغرف، بكسب قوة كافية لتصبح مهدًا للمعارضة العامة ليلتسين.[48]
ولكي يكتمل مثلث السيد ميلز كان يجب السيطرة علي النخبة العسكرية في البلاد، وقد لعبت النخبة العسكرية في عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دوراً حاسماً في تحديد السياسات الداخلية والخارجية لروسيا. تمتلك هذه النخبة من العسكريين والأمنيين والمسؤولين الحكوميين قدرات كبيرة وتأثيراً هاماً في صنع القرارات.
ويمثل بوتين نفسه جزءاً من هذه النخبة، حيث نشأ في جهاز المخابرات السوفيتي (الكي جي بي) وترسخ فيه علاقات قوية مع الجنرالات والقادة العسكريين مما سهل في عملية سيطرته على هذه النخبة. وهكذا يكون قد اكتمل عناصر الحرس البريتوري واكتملت معه ظاهرة البريتوريانية التي شكلت الكثير من ملامح روسيا المعاصرة وبني عليها مفهوم البوتينية.
البوتينية كعقيدة سياسية
البوتينية تشير إلى النظام السياسي والاجتماعي الذي تم بناؤه في روسيا تحت حكم الرئيس فلاديمير بوتين. يتميز هذا النظام بالقوة المركزية القوية حول الشخصية القيادية لبوتين وبتركيز السلطة والموارد الاقتصادية والسياسية في الكرملين. تتميز البوتينية أيضًا بالاعتماد على الوطنية الروسية والتأكيد على السيادة الوطنية والاستقلالية، بالإضافة إلى التركيز على الاستقرار الداخلي والأمن القومي.
بإيجاز يمكن توصيف البوتينية بأنها استعادة روسيا الإمبراطورية بالرغم من الضعف الشديد لروسيا، التي وصفها البعض بالحضيض. وهي الفكرة التي أسست لها الوثيقة التي أعدتها نخبة من المثقفين عام 1999 تحت رعاية جيرمان جريف الذي أصبح وزيرا للتطوير الاقتصادي وأصبحت الدليل الحاكم لبوتين في حملته الانتخابية آنذاك.[49] ولذلك فأن البوتينية كأيديولوجيا بنيت بشكل رئيسي علي أساسيين، الأساس الأول هو الرئيس بوتين نفسة الذي اجتزئ من اسمه المصطلح ثانيا البريتوريانية التي اشتقت البوتينية معانيها الأساسية.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، شهدت روسيا تحولات سياسية هامة تمهدت لتشكيل النظام السياسي الحالي. بدأت فترة الانتقال برئاسة بوريس يلتسن، ومن ثم فلاديمير بوتين الذي تولى الرئاسة في عام 2000.
اتسمت الفترة قبل مجيء بوتين الي السلطة بأنها نوع من الفوضوية وعدم الوضوح علي كل الأصعدة السياسية منها والاقتصادية وعلي صعيد السياسية الخارجية، لاكن لم يكن النظام ديكتاتوريا يل كان نظام الرئيس يلتسن من افضل الأنظمة علي صعيد الحريات السياسية، ولكي نفهم الفرق بين النظاميين يجب أولا التفرقة بين الأنظمة الشمولية والأنظمة الأكثر ديمقراطية. ويحاول هنتنغتون توضيح الفرق بين النظاميين على أساس سليم فقد اعتمد في التفرقة علي شكل وطريقة تسيير النظام الانتخابي.
وفي صورة أكثر تفصيلاً، يصف هنتنغتون الديمقراطيات بأنها تسمح باختيار صناع القرار الوطنيين “الأقوى” في انتخابات “نزيهة وصادقة ومنتظمة، حيث يتنافس المرشحون بحرية على الأصوات.” وعلى النقيض، في “الأنظمة غير الديمقراطية”، لا يُسمح للمعارضة بالمشاركة في الانتخابات، أو يتم “تقييدها ومضايقتها”، ويتم “رقابة أو إغلاق” صحفها، وتكون الأصوات معرضة لـ “التلاعب أو الفساد.” [50]
ومن وجه نظر الرئيس الروسي فأن الديمقراطية هي سلاح يستخدمه الغرب في وجه الدول الأخرى التي تشكل تهديدا لها ولذلك كان من الضروري ان يقوم ببعض التغيرات، فقد وجه بوتين جهوده في تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي علي حساب العمل السياسي وقد أدت هذه السياسات إلى تحقيق بعض النجاحات الاقتصادية، لكنها جاءت على حساب حرية الصحافة وحقوق الإنسان. انتقل النظام السياسي تدريجياً إلى نمط يمثله التوازن بين سلطة الدولة وسلطة الرئيس، مع تقييدات على المعارضة السياسية والنشاط الحزبي المستقل.
ومع مرور الوقت تحول الكرملين تحت إدارة الرئيس بوتين من رمز دستوري لرأس السلطة السياسية الي خالق كل شيء في المجتمع والدولة الروسية من الأحزاب السياسية الي التنظيمات الشبابية لكي يصبح المجتمع تجسيدا لطموحات وتفكير الرئيس بوتين، ومن هنا تظهر بزور البوتينية في المجتمع حيث حول النظام ديناميكية المجتمع من ديناميكية فعالة وتلقائية الي تنظيمات اجتماعية تهدف بالأساس لخدمة العقيدة البوتينية- عقيدة الرئيس بوتين- عن طريق احتواء كافة أطياف المجتمع داخل تنظيمات هدفها الأساسي تحقيق هذه الأيديولوجيا .
وكتب دميتري ترينين، نائب مدير مركز كارنيغي في موسكو وأحد أكثر المراقبين الموضوعيين والذين يفهمون بعمق سياسات روسيا الداخلية والخارجية، في العام الماضي أن “الكرملين تولى دور خالق كل شيء في الحياة العامة. لقد بنى الأحزاب، وأدار الانتخابات، وزرع بذور مجتمع مدني ‘صحي’، ونظم شبابًا، ووضع بنى فكرية.” وفي سياق أطول، وصف آخر معلق روسي النظام بأنه نظام يرى الرئيس فيه كفاعل سياسي مستقل الوحيد، في حين يمكن إقالة حكام المقاطعات دون أدنى تفسير؛ وجميع البرلمانات الإقليمية (دوما) تملأ بشكل كبير بنواب من “حزب السلطة”، الحزب المتحد.[51]
اذا بشكل عام قد صمم النظام السياسي الروسي لكي يخدم العقيدة السياسية للرئيس نفسه الذي يري ان النظام الدولي الحالي هو نظام غير عادل وانه صمم لكي يخدم مصالح الغرب فقط مع عدم مراعة لمصالح الاخرين في المجتمع الدولي، وان روسيا يجب ان تعود لدورها الإقليمي والدولي لكي تتوازن الساحة الدولية.
و نجد كثير من القرارات التي اتخذها الرئيس بوتين كانت تنبع من هذه الفكرة -إعادة التوازن الدولي- مثل قرار الحرب الروسية الأوكرانية التي اتخذت لمنع تقدم حلف الناتو تجاه الحدود الروسية واستمرار الحرب حتي العام 2024 دليل واضح علي ان روسيا لن تتراجع حتي تحقق أهدافها.
وقد نجح بوتين في تفعيل مشروعه. ما كرسه، في كثير من الأدبيات، قيصرا جديدا على الإمبراطورية الروسية القومية البازغة والتي تحاول أن تستعير من الماضي أفضل ما في الامبراطوريتين القيصرية والشيوعية، خاصة التي تصب في اتجاه تقوية دعائم الدولة وأجهزتها من جهة، وتعظيم تقدمها في شتى المجالات من جهة أخرى.[52]
ولذلك فأن البوتينية كعقيدة سياسية تعكس بشكل كبير نمط تفكير الرئيس فلاديمير بوتين ومعتقداته السياسية والقيم التي يرى أنها تخدم مصالح روسيا وتعزز مكانتها في الساحة الدولية. يمثل البوتينية جذورها في الأيديولوجية البريتورية ، حيث تعكس فكرة القيادة القوية والاستقرار والتفاني في حماية مصالح الدولة الروسية، و يعتمد تفكير البوتينية على الرغبة في استعادة مكانة روسيا كقوة عالمية، مع التركيز على السيادة الوطنية والاستقلالية السياسية. تروج البوتينية لفكرة الاستقرار والأمان الداخليين من خلال التمسك بالقيم التقليدية والاستمرارية الروسية. كما تؤكد على دور روسيا كلاعب كبير في الشؤون الدولية، حيث يؤمن بوتين بضرورة تعزيز دور بلاده في العالم والدفاع عن مصالحها بكل السبل المتاحة.
من الناحية الخارجية، تتمثل البوتينية في التفضيل للعلاقات القوية مع الدول المجاورة وتعزيز التعاون مع القوى العالمية الكبرى، ولكن بمراعاة المصالح الروسية الأولى. و بشكل عام، تجسد البوتينية تفكير بوتين القومي والواقعي، حيث تسعى إلى تعزيز مكانة روسيا على المستوى العالمي من خلال الاستفادة من الموارد والقوى الروسية لصالح تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة.
ثالثًا: ماذا بعد بوتين؟:
حين يتحدث الناس عن الرئيس فلاديمير بوتين في الوقت الحاضر، يتبادر إلى الذهن صورة رجل ذو مسار حافل وتاريخ طويل من الخدمة السياسية. إلا أنه مع مرور الزمن، يبدو أن بوتين قد بدأ فعلاً في العمر، وهذا يثير بعض التساؤلات حول قدرته على تمرير العصا لجيل جديد من القادة يمكنهم قيادة إيديولوجية التي بناها على مدار العقود الماضية.
لقد بنى بوتين نفسه كقائد وطني راسخ في وعي الروس، وهذا ما جعله يحظى بشعبية واسعة. ومع ذلك، فإن الشخصية الشاملة لبوتين قد تكون نقطة ضعف بالنسبة للاستمرارية المستقبلية لسياساته وإرثه. فبوتين ليس فقط زعيماً سياسياً بارزاً بل شخصية رمزية تجسد بوتينية بالكامل، وهو ما يجعل من الصعب على أي شخص آخر تقديم استمرارية لهذه الرؤية السياسية بنفس الطريقة والنجاح.
إضافة إلى ذلك، تثير تساؤلات عديدة حول ما يمكن أن يحدث عندما يرحل بوتين أو يتنازل عن السلطة. فالروس أنفسهم لا يعرفون بالضبط من سيرث الرئاسة وما إذا كان هناك من يمكنه تقديم استمرارية لنهج بوتين في السياسة الداخلية والخارجية، إجراء انتخابات جديدة خلال تسعين يوماً، فإن القليل من الروس يتوقعون أن يكونوا هم من يتخذون القرار في مكان الاقتراع. هل سيثير رحيل بوتين صراعاً على السلطة – ربما حتى العنف؟ من سيكون أطراف ذلك الصراع؟ على الرغم من اهتمام بوتين الدؤوب بالاستقرار والاستمرارية، فإن الروس ليس لديهم أدنى فكرة عن من سيحكمهم غداً إذا مات زعيمهم الليلة. قد لا يعرف بوتين نفسه أيضاً.[53]
على الرغم من الاستقرار النسبي الذي شهدته روسيا خلال فترة حكم بوتين، إلا أنه يبدو أن البنية السياسية التي أسسها تعتمد بشكل كبير على وجوده الشخصي وتفرده. فبوتين هو القلب والنخبة المحيطة به هم الشخصيات المؤثرة في السياسة الروسية، بدون وجود هياكل سياسية قوية تتجاوز الشخصية الفردية لبوتين نفسه.
لذا، يمكن القول بأن العيب الرئيسي للبوتينية هو هذه الشخصية الشاملة التي لا تترك فرصة لأي شخص آخر لاستكمال أو تمثيل أو تطوير الرؤية التي قادت روسيا على مدار السنوات الماضية.
المبحث الثالث
التطورات اللاحقة على السياسة الخارجية الروسية في عهد بوتين
تعد السياسة الخارجية الجديدة لروسيا الاتحادية واحدة من انشط السياسات في العلاقات الدولية المعاصرة فروسيا تمتلك العديد من المقومات والمحددات الجغرافية والعسكرية بالإضافة إلى عنصر القيادة السياسية القوية التي تؤهلها لكي تلعب أدواراً سياسية وعسكرية ودبلوماسية قوياً واحياناً مؤثرة وحاسمة في قضايا وملفات العلاقات الدولية ، وخاصة في المعادلة السياسية والأمنية والدبلوماسية في الشرق الأوسط ، ومنذ مجي الرئيس بوتين إلى سدة الحكم في عام 2000 والسياسة الخارجية بدأت تبرز إلى الواجهة في العلاقات الدولية تارة منتجها اسلوباً دبلوماسياً ، واسلوباً عسكرياً تارة اخرى ، وفي هذا الاطار كانت حضور روسيا قوياً وحاسماً في الكثير من المناطق وحيال العديد من الأزمات سواء حضورها العسكري خلال حرب جورجيا 2008 أو ضمها شبه جزيرة القرم خلال الأزمة الأوكرانية أو تدخلها العسكري في سوريا عام 2015 ، وعلى مستوى السياسي والدبلوماسي فكانت حضورها في مناسبات دولية مهمة سواء في اطار دبلوماسية معالجة الملف النووي الايراني أو قيادتها ومشاركتها في مؤتمرات واجتماعات التي تتعلق بالأزمة السورية ، هذا ما يجسد تعددية توجهاتها الدولية من ناحية ، ومن ناحية ثانية تجسد استراتيجيتها في اعادة دور القطب في السياسة الدولية .
تسعى عقيدة السياسة الخارجية الروسية الجديدة لإعادة إحياء مفهوم «العالم الروسي» أو «روسكي مير» ، وهو مصطلح ليس بجديد؛ إذ صِيغَ لأول مرة في الأوساط السياسية الروسية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، في محاولة لأصباغه بالهوية الوطنية التاريخية لروسيا. ويتمحور المفهوم المذكور حول فكرة مفادها أن على موسكو واجبًا مقدسًا بالدفاع عن الناطقين باللغة الروسية في أرجاء العالم كافة، فضلًا عن تأكيد تفرُّد الحضارة الروسية، كما يتلاءم مفهوم «العالم الروسي» مع الاتجاه الأوسع للمفكرين وصناع السياسات الروس الذين يتطلَّعون لرسم دور مستقبلي للاتحاد الروسي الجديد.
وقد ظلَّ الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» على مدى سنوات يسلط الضوء على ما رأى أنه يمثل مصيرًا مأساويًّا لنحو 25 مليون فرد من أصول روسية وجدوا أنفسهم يعيشون خارج أراضي روسيا في دول مستقلة حديثًا في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، وهو الحدث الذي وصفه بالكارثة الجيوسياسية. هذا وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس «بوتين» سبق أن كشف عن رؤية مماثلة فيما مضى، وتُرجِمَت هذه الرؤية عمليًّا بتوقيعه لمرسوم بإنشاء «مؤسسة روسكي مير» (Russkiy Mir Foundation) في يونيو 2007؛ بهدف تعزيز اللغة والثقافة الروسية إقليميًّا ودوليًّا. ويُذكَر أن مقاربة هذه المؤسسة اليوم بشأن مفهوم «العالم الروسي» تشمل أي شخص يتحدث اللغة الروسية في العالم.
بعد ذلك كيَّف الكرملين مفهوم «العالم الروسي» ک «فكرة إرشادية»، والتي استهدفت تأصيل الأفكار القومية وربطها بعقيدة السياسة الخارجية الروسية الجديدة، من خلال تعظيم الدور التاريخي لروسيا في محيطها الجغرافي بهدف إعادة توحيد المجتمعات الروسية. بالإضافة إلى ذلك، يُغذي هذا المفهوم اعتقاد القيادة السياسية الروسية بأنها تمتلك مناطق نفوذ شرعية في دول الاتحاد السوفيتي السابق؛ مما يفرض على موسكو مسؤولية الاستمرار في الحفاظ على ما تَعُده مجالها الحيوي من البلطيق إلى آسيا الوسطى، من خلال تعزيز الروابط الثقافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية مع الدول الواقعة في هذا النطاق الجغرافي. [54]
أولًا: مفهوم السياسة الخارجية الروسية:
ورثت روسيا الاتحادية الشق الأعظم من القوة الشاملة للاتحاد السوفييتي السابق، كما ورثت جل طموحاته وقدراته الإقليمية والعالمية ، مما جعل التردي في نفوذها الدولي مؤقتا ، ولا يعدو كونه نوعا من المواءمة مع معطيات أوضاع ما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق وانهيار المنظومة الاشتراكية في أوربا الشرقية . ولكون تلك التحولات على أهميتها الكبرى قد حدثت بفعل معطيات الداخل السوفيتي ، وليس نتيجة هزيمة عسكرية في مواجهة الكتلة الليبرالية الغربية ، و تعثر مسعى الولايات المتحدة لإقامة نظام أحادي القطب ، صبا معا على نحو بالغ السرعة في تعافي روسيا الاتحادية وحصولها علي مكانة دولية عظمى لها شبكة مصالح إقليمية وعالمية واسعة تسعى عبر سياستها الخارجية إلى إثرائها بمختلف الوسائل السياسية والاقتصادية و الثقافية والإعلامية والعسكرية، وانعكس ذلك بصورة مباشرة وغير مباشرة على مسار علاقاتها على الصعيدين الإقليمي والعالمي ، واتسعت مجالات النفوذ الروسي في شتى الملفات الإقليمية والدولية الحيوية، من شمال البلطيق إلى سوريا وليبيا والشرق الأوسط بوجه عام وفي أسيا الوسطى بوجه خاص . واتسمت الدبلوماسية الروسية بالتحدي في المحافل الدولية وبتحقيق اختراقات مهمة في كثير من الملفات الإقليمية الحيوية، وفي التدخل غير المباشر حتى في الشؤون الأمريكية الداخلية.
ومن المهم في بناء مفهوم السياسة الخارجية الروسية التنبه إلى أن ثوابت البيئة الروسية ، و الإرث التاريخي للعلاقة بينها وبين الغرب الليبرالي الرأسمالي تجعل أي تقارب بين الجانبين سواء في العلاقة المباشرة بينهما أو في موقف كل منهما من قضايا الواقع العالمي المعاصر مجرد تقارب مؤقت ومحكوم بضرورات ملحة، ومصحوبا بسعي جيوسياسي وجيواستراتيجي واضح من جانب الطرف الذي تهدد نفوذه لاستعادة ذلك النفوذ . ومن الطبيعي في ضوء ذلك أن تكون نواة السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية هي : الحيلولة دون قيام نظام عالمي أحادي القطب، وإعادة ترتيب الأوضاع الداخلية والإقليمية في الفناء الخلفي للاتحاد السوفيتي السابق بما يكفل حفظ المصلحة القومية الروسية على صعيد بقاء روسيا الاتحادية حفظ بقاء وحفظ نماء وحفظ ارتقاء ، بمعالجة أوجه الضعف الموروثة عن الحقبة الاشتراكية ، وضمان بقاء الغلبة للنفوذ الروسي في محيط روسيا الاتحادية الإقليمي ، وإعادة بناء قواعد النظام الدولي باتجاه نظام متعدد الأقطاب . ومن هنا كان التقارب السوفيتي الأمريكي في عهد ما قبل بوتين بمثابة سحابة صيف عابرة ، ولم يكن للتحول الروسي إلى نظام السوق الحر إلا أثرا سطحيا على خريطة السياسة الخارجية الروسية سواء من حيث محدداتها أو توجهاتها ، أو أولوياتها ، التي ظل رائدها هو السعي إلى استعادة الندية في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية. ومن البديهي أن لاستعادة النفوذ الروسي في الشرق الأوسط أهمية بالغة بالنسبة للمسعى الروسي لاستعادة التوازن الاستراتيجي في مواجهة القوى الغربية ، وكان لمصر موقع الصدارة بالتالي في السياسة الخارجية الروسية في عصر ما بعد ثورات الربيع العربي لما لمصر من أهمية محورية في العالم العربي.
و تحدد مضمون هذا المفهوم في وثيقة رسمية تحمل هذا العنوان صدق عليها رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين في 30 نوفمبر 2016، بمنظومة من المبادئ والأولويات والأهداف والغايات الأساسية للسياسة الخارجية للاتحاد الروسي منبثقة من كل من : الدستور والقوانين الاتحادية، ومبادئ وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة والمعاهدات الدولية للاتحاد الروسي والأطر القانونية للاتحاد الروسي التي تنظم أنشطة الهيئات الاتحادية لسلطة الدولة في مجال السياسة الخارجية، ووثائق أخرى مماثلة. [55]
ثانيًا: أولويات السياسة الخارجية الروسية ما بين الدبلوماسية والنزعة العسكرية:
–الأولويات الاستراتيجية للسياسة الخارجية الروسية في عهد بوتين:
تعكس الاوضاع الداخلية في روسيا على علاقاتها بالخارج، حيث انحصرت أهداف السياسة الخارجية الروسية في محاولة استعادة المكانة التي كان يتبناها الاتحاد السوفيتي السابق في مرحلة الحرب الباردة مع أحداث بعض التغييرات الجوهرية في هذا التطلع بحيث يتفق مع الوضع الجديد ليمكنها من تحقيق طموحاتها في عصر العولمة وحرية الأسواق، فقد اعتمدت روسيا في سياستها الخارجية عدة دوائر تعتمد على مراحل نموها ومدى استقرارها السياسي والاقتصادي وفي كل هذه الدوائر كان الهدف الأساسي هو تحقيق الاستراتيجية الأمنية على المدى البعيد.
من الواضح أن الرئيس بوتين قد كرس قدرا ملحوظاً من اهتمامه لصياغة اتجاه جديد وقوي للسياسة الخارجية الروسية، يحاول استعادة مكانة الاتحاد السوفييتي السابق في مرحلة الحرب الباردة، مع إحداث بعض التغييرات الجوهرية بحيث تتفق مع الوضع الجديد، ليمكنها من تحقيق طموحاتها ولهذا فقد اعتمدت روسيا الاتحادية في سياستها الخارجية على عدة دوائر، تعتمد على مراحل نموها ومدى استقرارها السياسي والاقتصادي وفي كل هذه الدوائر كان الهدف الأسمى هو تحقيق الاستراتيجية الأمنية على المدى البعيد .
ويمكن القول بأن أهم أهداف السياسة الروسية في المرحلة الراهنة تتمثل في:
-1 تقوية القدرات الروسية، والحفاظ على الأمن القومي الروسي ووحدة الأراضي الروسية:
إن الخوف من النزاعات التي قد تنشأ مع جيرانها بسبب الحدود، وملكية الأرض، فرض على روسيا إيجاد الوسائل اللازمة لفرض الردع، وذلك من خلال تعزيز القدرات الروسية من خلال لتركيز على دور السلاح النووي لمستقبل الأمن القومي الروسي وتحسين القدرات القتالية للجيش الروسي من أجل حماية الأمن القومي، ومنع أي اقتراب من الحدود الروسية أو إقامة قواعد عسكرية في الدول التي كانت خاضعة للنفوذ السوفيتي فذلك يمثل تهديد مباشر للأمن القومي ، يستلزم التصدي له بكل الوسائل المتاحة ووفقا لذلك الاعتبار، عمدت روسيا إلى المشاركة في إنشاء منظمة شنغهاي لإبعاد الوجود العسكري الأمريكي في بعض جمهوريات آسيا الوسطى، ومما ساعد على هذا الأمر اتفاق الرؤيتين الروسية والصينية فيما يتعلق بالوجود العسكري الأمريكي بالقرب من حدودهما في آسيا الوسطى.
-2 تأمين الظروف المناسبة للتطور الاقتصادي:
لقد قامت روسيا علي بقايا الاقتصاد السوفيتي المنهار، الذي جلب لروسيا مكانة اقتصادية ودولية ضعيفة جدا، لذلك حاولت أن تستعيد توازنها الاقتصادي من جديد، عن طريق جذب الاستثمارات و رؤوس الأموال، وتنشيط تجارة السلاح، وزيادة الصادرات الروسية، وإقامة علاقات اقتصادية مع الدول لذلك اندمجت روسيا في العديد من نشاطات السياسة الخارجية مثل مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى ومنتدى آسيا – باسيفيك للتعاون الاقتصادي، ورابطة الأمم لجنوب شرق آسيا، ومؤتمرات القمة الروسية مع الاتحاد الأوروبي…وغيرها. خطوات تقوم على إقامة علاقات طيبة ووثيقة مع الدول هدفت من خلالها إلى:
– تنشيط علاقات روسيا الاقتصادية والتجارية، والسعي إلى الحصول على المعاملة التفضيلية وزيادة الصادرات الروسية من السلع والخدمات.
-جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال، والحصول على المساعدات الاقتصادية.
– تنشيط تجارة السلاح، وزيادة الصادرات الروسية من الأسلحة وبدون أية ديون أو تأجيل الدفع. فتسعى روسيا إلى توسيع نطاق الاستثمارات الأسيوية في روسيا، والدخول في علاقات قوية مع التجمعات الاقتصادية في القارة، والحصول على دعم الدول الآسيوية لاندماجها في النظام الاقتصادي الدولي بمؤسساته التجارية والمالية والنقدية، وفي اتجاه آخر، تسعى لزيادة صادراتها إلى آسيا، بما في ذلك صادرات السلاح وقد نجحت بالفعل في عقد صفقات مع عدة دول مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية واندونيسيا، إلى جانب الصين والهند، وكما تحاول فتح الأسواق الأسيوية أمام منتجاتها.[56]
-3 رفض قواعد المباراة الصفرية والالتزام بصيغة توازن المصالح:
من خلال الإصرار على تخفيض درجة التوتر الدولي، وتراجع المواجهات العسكرية، وتعزيز التقسيم الدولي للعمل والتجارة الدولية في المنطقة، والمشاركة الواسعة في التجمعات الدولية، والانفتاح على دول المنطقة
4-إقامة نظام دولي متعدد الأقطاب :
إن رفض روسيا لعالم أحادي القطبية جعلها تتطلع إلي إقامة نظام متعدد الأقطاب لتقليص الدور الأمريكي في النظام الدولي ، حيث يري الرئيس الروسي (بوتين) أن السياسة الخارجية الروسية تسعي من خلال المحافظة علي مصالحها القومية إلي تقليص الهيمنة الأمريكية التي تسيطر عسكريا و اقتصاديا من خلال استخدام القوة بقيام نظام متعدد الأقطاب. وذلك من خلال التأكيد علي استقلاليه وتوازن السياسة الخارجية الروسية ومراعاتها في الوقت نفسه مصالح الدول الأخرى ، مع الرفض الحازم العالم يحكمه قطب واحد . حيث ذكر الرئيس بوتين ” إن تحديات وتهديدات جديدة للمصالح القومية لروسيا قد بدأت تظهر علي الصعيد العالمي ، فهناك سعي متزايد نحو تأسيس هيكلية عالمية أحادية القطبية تسيطر بموجبها الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً واقتصاديا علي العالم باستخدام القوة ” ، فالسياسة الخارجية الروسية تسعي لتحقيق نظام عالمي متعدد الأقطاب يمكنه أن يعكس فعلا التنوع الموجود في العالم الحديث بمصالحه الكبيرة وعلي العموم تقوم السياسة الخارجية الروسية علي ضرورة عولمة الاقتصاد وتعزيز دور المؤسسات المالية والدولية والتنافس السياسي والعسكري بين القوي الإقليمية للتقليل من الهيمنة القطبية الوحيدة علي النظام العالمي.
5-التمسك بسياسة مكافحة الإرهاب الدولي :
إن الاعتبار الأساسي الذي جعل مكافحة الإرهاب أحد أهداف السياسية الخارجية الروسية ينبع بالدرجة الأولى من مصالح أمنية روسية، فشعور روسيا بانتشار موجة الفوضى على حدودها الجنوبية في القوقاز وآسيا الوسطى، التي من شأنها أن تقود إلى أعمال إرهابية، وقد دفع دعمها للحرب على الإرهاب إلى امتناع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الغربية عن انتقاد انتهاكاتها لحقوق الإنسان في تلك المناطق ومنطقة الشيشان، وأيضا جورجيا التي تأوي مقاتلين من الشيشان
6– حفظ الهيبة والمكانة الدولية لروسيا :
لقد برزت الدعوة إلى ضرورة حفظ هيبة ومكانة روسيا، بالذات بعد انتخابات عام 1993، م عند بروز التيارات القومية الشيوعية، واحتلالها مكانة متميزة في البرلمان الروسي، ومحاولتها الضغط على الحكومة من أجل أن تستعيد روسيا قوتها وهيبتها وأمجادها التاريخية وضرورة إثبات دورها على الصعيد الدولي، شأنها شأن الدول الكبرى الأخرى. [57]
ثالثًا: عقيدة بوتين في الادارات الثلاثة لتوجيه السياسة الخارجية:
فيما يتعلق بعقيدة بوتين في توجيه السياسة الخارجية الروسية، ينطوي على عدة توجهات رئيسية متمثلة فيما يلي:
1-التوجه المحافظ:
صحيح أن “بوتين” سعى في بادئ الأمر إلى تقديم نفسه على أنه مصلح وليبرالي يطمح إلى التعاون مع الدول الغربية، بيد أنه بمرور الوقت تحول بصورة متزايدة نحو الأفكار المحافظة، وسرعان ما بدأ يتحدث عن فكرة روسيا التي تعتمد على التقاليد والقيم الأساسية، وخصوصاً القيم المسيحية. وتبلورت هذه الفلسفة بشكل كبير خلال فترته الرئاسية الثانية 2004-2008 ، ومع تزايد الهجمات الإرهابية، التي تتعرض لها روسيا تنامى استدعاء “بوتين” للمفردات الدينية كآلية لمواجهة التطرف. وفي هذا السياق باتت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية حليفة للرئيس الروسي في سياسته المجتمعية المحافظة، كما أن جزءاً من الطابع المحافظ ل “بوتين” ارتبط بتعامله الحذر مع التكنولوجيا الحديثة، حيث إنه ذكر أنه لا يستخدم البريد الإلكتروني، وكثيراً ما انتقد الإنترنت والمشكلات التي يطرحها، وفي عام 2013، أعرب عن أسفه لتراجع مستوى المعرفة العامة بسبب التطور السريع في التكنولوجيا. ولم يكتف بذلك، لكنه اعتمد بصورة متزايدة على أسلوب هجومي على المعارضين والرافضين لإعادة انتخابه، ووصفهم بارتكاب “الخيانة القومية”.
2– طموحات القيادة:
إذ إن بوتين لم يخف من استعادة المكانة الروسية في النظام الدولي، واستحضر أدوات عديدة لتحقيق ذلك الأمر، البعض منها عسكري عبر ضمان السيطرة على مناطق النفوذ الحيوي لموسكو، والبعض الآخر وثيق الصلة بما يعرف بالنموذج الروسي، والذي ينطوي على قيم الوطنية والمسيحية الأرثوذكسية، ليعطي بذلك بوتين أهمية للمواقع المقدسة الأرثوذكسية الروسية، وعدها من أدوات تأكيد الدور الروسي بموازاة ذلك، صاغ بوتين شكلاً مختلفاً للديمقراطية، حيث باتت الديمقراطية الروسية في عهده تعني قوة الشعب الروسي بتقاليده الخاصة للحكم الذاتي، وليس الوفاء والمعايير المفروضة على روسيا من الخارج، في هذا الصدد تكتسب فكرة العالم الروسي أهمية متزايدة وتستهدف بناء شبكة عالمية داعمة لموسكو ونفوذها، وتنطوي هذه الفكرة على ضرورة الاستفادة من المواطنين الروس في الشتات، وقد عبر بوتين) عن هذا في عام 2000 حينما أكد أهمية حماية المواطنين الروس داخل البلاد وخارجها .
3-المجال الأوراسيوي:
وهو المجال الذي يحظى باهتمام واضح لدى بوتين لاعتبارات عديدة أهمها الرفض الأوروبي لدمج روسيا في المنظومة الأوروبية، علاوة على ذلك، يعتقد بوتين أن بلاده هي الدولة المحورية في أوراسيا خصوصا وأنها دولة واسعة متعددة الأعراق، وبالتالي فإنها تمثل صورة مصغرة لأوراسيا، من هذا المنطلق شرع بوتين في بناء اتحاد اقتصادي أوراسي يهدف إلى التنافس مع القوى الاقتصادي الكبرى، ويعزز من النفوذ الروسي في الوقت ذاته، ويخدم مصالح روسيا ومساعيها نحو المشاركة في قيادة النظام الدولي.[58]
رابعًا: خصائص ومميزات الاستراتيجية الروسية الجديدة في عهد بوتين:
يمكن تحديد أهم سمات لتوجه السياسة الخارجية الروسية :
-1 الواقعية:
تتجسد هذه السمة في سعي القيادة السياسية الروسية إلى بناء سياسة براغماتية، عن طريق الابتعاد الحجج الإيديولوجية التي كانت تميز التحرك الدبلوماسي والسياسي السوفيتي في الماضي القريب وتحل محلها مبررات سياسية واقتصادية أكثر وضوحاً وتعبيراً عن تطلعات روسيا المستقبلية.
-2 الديناميكية:
وتظهر الديناميكية أو فاعلية الاستراتيجية الروسية من خلال ما يضمن بصورة جدية عدم العودة إلى الوراء منذ تواري عصر الأيدولوجيات المتصارعة على الساحة الدولية أو غياب الأيدولوجية الشيوعية حيث ظهر فلاديمير بوتين في نظر الغرب كحامَ للخط الاستراتيجي الجديد الذي انتهجته روسيا في عصر العولمة وحرية الأسواق، مع الإصرار على وحدة تراب الاتحاد الروسي وعدم التفريط بها، واتباع مختلف الوسائل، بما فيها القوة العسكرية لتأكيد هذه الوحدة كما في الموقف من تمرد الشيشان .
3– حرية الحركة الدولية :
يمكن تلخيص سياسات الرئيس الروسي بوتين منذ توليه مقاليد الحكم في روسيا بمسألتين أساسيتين الأولى داخلية ومفادها تأمين السيادة الكاملة لروسيا على أمورها الداخلية، عبر تحييد التأثير الخارجي على سياسة روسيا الداخلية وحشد الشعب الروسي وراء الفكرة الوطنية، أما المسألة الثانية فهي الحفاظ على حرية حركة على المسرح الدولي تسمح لروسيا بالحفاظ على مصالحها وراء البحار عموما، وفي جوارها الجغرافي المباشر خصوصاً.
5 – المنافسة المرنة :
وهي هدف جديد على السياسة الروسية، ولأجله أجاز الدستور الروسي الجديد هدف المنافسة على الأسواق العالمية محل المواجهة الأيدولوجية، لكن تحقيق هذا الهدف لا يخلو من الصعوبات التي سرعان ما انعكست على الاستراتيجية الروسية من خلال إعادة ترتيب الأولويات، الذي انعكس في خطط الإصلاحات البنيوية الجديدة، وحركة الانفتاح المالي والاقتصادي على الخارج، وهذا يظهر الفارق بين الاستراتيجية الروسية الحالية وما كان متبعا في الحقبة السوفيتية، إذ خلافا للاتحاد السوفيتي تفضل روسيا الاتحادية، ولأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى إرسال المزيد من الأسلحة إلى الدول التي تستطيع دفع ثمنها.
6– المرونة والتناغم الدبلوماسي العالمي:
وتظهر من الملاحظة الاختلاف في المفاهيم بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية بخصوص مسألة الأمن العالمي و موقع المصالح الروسية منها، ففي حين ترى الولايات المتحدة مناطق العالم الحساسة على أنها جزء من النفوذ الغربي، وعلى الغرب تأمين الحماية اللازمة للمحافظة على الوضع السياسي القائم فيها، تؤيد روسيا الجهود الجماعة، والاقتراح الداعي إلى إشراك جميع أعضاء المجلس الأمن والأطراف المعينة لحل أي أزمة تنشب في العالم .[59]
فلقد انتهجت روسيا في سياستها الخارجية في العقدين الأخيرين توجهات قائمة على محاولة استعادة التوازن فهيكل النظام الدولي، وإرساء لبنات لنظام دولي متوازن متعدد الأقطاب خاصة في ظل التراجع النسبي لولايات المتحدة الأمريكية على مجريات الأوضاع في السياسة الدولة، وصعود قوى أخرى دولية وإقليمية كالصين والهند والبرازيل وغيرها والتي باتت تشكل قوى صاعدة تسعى إلى تقاسم النفوذ مع الولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى تسعى روسيا في التأثير ضمن إطار النظام الدولي الحالي بمحاولة إقامة تحالفات إقليمية ودولية وتطوير علاقاتها مع دول العالم المختلفة بهدف إعادة رسم خريطة النظام الدولي في إطار من العمل الجماعي الذي افتقده النظام الدولي بعد انهيار الكتلة السوفيتية وسعي الولايات المتحدة إلى السيطرة على مجريات السياسة الدولية دون أي اعتبار لمصالح باقي الدول وإجمالا يمكن القول أن استراتيجية السياسة الخارجية الروسية تركز على ستة مبادئ جيواستراتيجية عامة، أولها : ضمان أمن البلاد، وحماية وتعزيز سيادتها وسلامة أراضيها، وتأمين مكانتها الرفيعة في المجتمع الدولي كأحد الأقطاب البالغة التأثير والقدرة التنافسية في العالم الحديث. وثانيها : تهيئة ظروف خارجية مواتية لنمو مستمر ودينامي للاقتصاد الروسي وتحديثه تكنولوجيا بهدف وضعه على مسار التنمية الشاملة المستدامة القائمة على اقتصاد المعرفة والابتكار، بغية تحسين نوعية الحياة، وتعزيز سيادة القانون والمؤسسات الديمقراطية، وضمان حقوق الإنسان والحريات. ثالثها : المساهمة الفعالة في تحقيق السلم والأمن الدولي والاستقرار العالمي ، الدعوة إلى إقامة نظام عادل وديمقراطي للعلاقات الدولية يقوم على صنع القرار الجماعي في معالجة القضايا العالمية، وعلى أولوية القانون الدولي، بما في ذلك أولا وقبل كل شيء – ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك على علاقات الشراكة المتساوية بين الدول مع الدور التنسيقي المركزي للأمم المتحدة باعتبارها المنظمة الرئيسة التي تنظم العلاقات الدولية. ورابعها : تعزيز علاقات حسن الجوار مع الدول المجاورة والمساعدة في التغلب على التوترات والنزاعات المحتملة في المناطق المتاخمة للاتحاد الروسي. وخامسها : إقامة علاقات شراكة ثنائية ومتعددة الأطراف مفيدة ومتبادلة المنفعة مع الدول الأخرى، ومع المنظمات والمنتديات الدولية على أساس احترام الاستقلالية والسيادة، والبراغماتية والشفافية، وتعزيز التعاون الدولي الواسع وتيسير تشكيل تحالفات مرنة مع مشاركة نشطة لروسيا فيها . وسادسها تقوية مواقف روسيا في النظام التجاري والاقتصادي الدولي، وتقديم الدعم الدبلوماسي لرجال الأعمال الوطنيين في الخارج، ومنع التمييز ضد السلع والخدمات أو الاستثمارات الروسية، والاستفادة من إمكانات المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية والإقليمية لتحقيق هذه الغاية. وفيما يتعلق بمحددات السياسة الخارجية الروسية فإن روسيا شأنها شأن الدول العظمى فيما يتعلق بالتوازن بين المحددات الداخلية والخارجية، وبين الاعتبارات الداخلية والخارجية، وتسعى روسيا إلى استثمار السياسة الخارجية بما يحقق مصالحها القومية.[60]
خامسًا: وسائل تنفيذ السياسة الخارجية الروسية و توجهاتها في عهد الرئيس بوتين:
كل دولة لديها أهداف اقتصادية وسياسية وعسكرية تحاول تحقيقها باعتمادها علي مجموعة من الوسائل الأكثر فاعلية، والسياسة الروسية لديها العديد من الأهداف التي تحاول تحقيقها باستخدام الوسائل الأتية:
أولاً: وسائل تنفيذ السياسة الخارجية الروسية.
1 – اللجوء إلى الأمم المتحدة لحل الأزمات الدولية.
سعت روسيا إلي تفعيل دور الأمم المتحدة في حل أي أزمة في العالم ، فسعيها إلي تفعيل دور الأمم المتحدة ما هو إلا وسيلة لتجاوز تراجع دورها الدولي ، ومحاولة الاستفادة من عضويتها الدائمة في مجلس الأمن بهدف حماية مصالحها وقد اكدت روسيا أن هناك متطلبات لتفعيل دور الأمم المتحدة في العالم وهي :
– التنفيذ الحازم للمبادئ الأساسية الواردة في ميثاق الأمم المتحدة ومنها حماية موقع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن .
– إصلاح عقلاني لمنظمة الأمم المتحدة يهدف إلى تطوير آليات الفعل السريع للأحداث الدولية ويضمن ذلك تعزيز إمكاناتها لتسوية الأزمات والنزاعات.
– العمل علي تفعيل كفاءة مجلس الأمن ، الذي يتحمل المسئولية الرئيسية لإدامة السلم والأمن في العالم وإعطائه تمثيلا أوسع ، وذلك بضم أعضائه دائمين جدد إلى تشكيلته. د إصلاح الأمم المتحدة ينبغي أن يرتكز علي حق النقض غير القابل للخرق من قبل الأعضاء الدائمين في مجس الأمن الدولي.
2– التوسط في حل الأزمات الدولية.
من خلال حل الأزمات بالطرق السلمية بين الدول المختلفة دون نشوب أي صراعات في مناطق العالم، حيث اتبع الرئيس فلاديمير بوتين مجموعة من الوسائل عمل علي تحقيها وهي كالآتي: – عمل الرئيس الروسي بوتين علي رفع المستوي المعنوي لأفراد القوات المسلحة من خلال تحسين وضعهم المادي.
– الاهتمام بتطوير القدرات البرية والبحرية والجوية الروسية.
-عمل علي زيادة التسلح العسكري الروسي من خلال الاهتمام بمصانع السلاح الروسية.
-تصدير السلاح للخارج (مصر، الهند، إيران) مما أدى لزيادة عوائد الدخل القومي الروسي ، كذلك نجحت روسيا في استعادة مكانتها بوصولها إلي ثاني أكبر مصدر للسلاح في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية ، مما جعلها القوة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية .
-3المساومات السياسية:
إن الكثير من التحركات والتوجهات الروسية تعد نوعا من المناورات والمساومات السياسية الرامية إلى الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية عموما للحصول علي أكبر قدر من التجاوب مع المطالب السياسية والاقتصادية والتجارية الروسية، ومن خلال السعي إلى فتح مجالات جديدة للعلاقات مع الدول المناهضة والرافضة لسياسة الولايات المتحدة أكبر قدر من المساعدات الاقتصادية والمالية لذلك فإن التقارب بين روسيا والدول ذات السياسات المضادة لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية ليس بهدف التقارب ذاته، إنما هو سياسة الضغط والمساومات الانتزاع ثمن أكبر للمواقف والممارسات التي ترغب فيها روسيا الاتحادية.[61]
4- الوسائل العسكرية:
تتعدد الوسائل العسكرية التي تستخدمها روسيا لتنفيذ الاستراتيجية الروسية ومن أهم هذه الوسائل التي تتبناها السياسة الروسية ما يلي:
– تطوير الصناعات العسكرية:
لقد شكلت الصناعات العسكرية في الاتحاد السوفيتي السابق مصدراً للعملة الصعبة عبر تصدير السلاح بصورة كبيرة إلى الخارج ، وتعد هذه المسألة أكثر أهمية بالنسبة إلى روسيا لزيادة وارداتها ، كما أن مسألة تطوير الأسلحة الروسية تدخل ضمن السعي الروسي لتحقيق الارتقاء بالقدرات العسكرية الروسية ، وزيادة قدرتها التنافسية في سوق السلاح ، كما أن تطوير الأسلحة الروسية يصب في المصلحة الروسية ، وذلك من خلال الدخل المتأني من الصادرات والنتائج المترتبة على التطوير الممول من الخارج أو تحديث المعدات القائمة الذي يوفر لروسيا والسيولة المالية والتكنولوجيا اللازمة لتطوير أسلحتها القديمة.
-نشر القوات الروسية خارج الحدود:
أقر مجلس الدوما في ۲۳ أكتوبر عام ۲۰۰۹ تعديلات علي قانون ” الدفاع ” والتي علي ضوئها يمكن لتشكيلات من القوات المسلحة الروسية أن تستخدم عملياً خارج حدود روسيا بهدف ردع أي هجوم علي التشكيلات العسكرية لروسيا الاتحادي، وغيرها من القوات المرابطة خارج روسيا، وكذلك بهدف تقديم أي هجوم عسكري علي دولة أخري قدمت طلبا بذلك إلي روسيا أو بناء علي قرار صادر من مجلس الأمن الدولي وغيره من منظمات الأمن الجماعي ، ولحماية مواطني روسيا الاتحادية خارج روسيا من اعتداء مسلح ،ويصدر قرار استخدام القوات المسلحة خارج روسيا من قبل رئيس روسيا بموجب القانون.
– استخدام السلاح النووي:
يعد من أبرز الوسائل العسكرية التي تملكها روسيا وتستخدمها من أجل تحقيق القوة والسيطرة ضمن الميزان الدولي وامتلاكها للسلاح النووي ، وتهديد روسيا بأنها ستلجأ الاستخدام القوة المسلحة بما في ذلك اتخاذ تدابير وقائية واستخدام الأسلحة النووية عند الضرورة لحماية نفسها وحلفائها، وأن العقيدة الروسية تجبر القوات الروسية استخدام السلاح النووي في حالة وجود تهديد مباشر لروسيا بالإضافة إلى ذلك ثمة احتمال استخدام السلاح النووي وفقا لظروف الموقف ونوايا العدو المحتمل.
– تحديث القوة العسكرية:
إزاء الخطط الدفاعية الأمريكية في أوروبا الشرقية وتوسيع نفوذ حلف شمال الأطلسي ، وتسود أجواء من القلق لذلك وتشهد روسيا خطوات جادة في إطار تجديد أسلحة جيشها ، فقد بدأت بزيادة ميزانيات تحديث وتطوير القوات الروسية ، حيث أمر الرئيس الروسي ” ديمتري ميدفيديف المؤسسة العسكرية في بلاده بإطلاق عملية واسعة لإعادة تسليح الجيش والأسطول الروسي والتركيز علي تعزيز القوات النووية الروسية في مواجهة الأخطار ، وأعلن أن هذه العملية ستبدأ عام ۲۰۱۱ ، مشيرا أن موسكو نجحت في عام ۲۰۰۸ في التزود بتشكيلات أسلحة وتقنيات عسكرية جديدة ،وشدد علي أن مهمة تجهيز الجيش بأحدث الأسلحة يمثل أولوية روسية.[62]
في النهاية يمكن القول أن السياسة الخارجية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين تميزت بالتركيز على تعزيز النفوذ الروسي على الساحة الدولية، وإعادة تأسيس روسيا كقوة عظمى بعد فترة من التراجع عقب انهيار الاتحاد السوفيتي. بوتين والاعتماد على مزيج من الأدوات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية لتحقيق أهدافه، بدءًا من ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، إلى التدخل العسكري في سوريا لدعم نظام الأسد، وحتى التأثير في الانتخابات والسياسات الداخلية للدول الأخرى عبر وسائل سيبرانية وإعلامية.
استراتيجية بوتين تمحورت حول معارضة توسع الناتو والاتحاد الأوروبي، والسعي لبناء تحالفات جديدة مع قوى صاعدة مثل الصين والهند، وتعزيز العلاقات مع دول الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. هذه السياسة ساعدت على تعزيز مكانة روسيا كفاعل رئيسي في النظام الدولي، لكنها أيضًا جلبت لها عقوبات اقتصادية وعزلة من قبل الغرب.
فلسياسة الخارجية لبوتين تسعى إلى حماية المصالح الروسية وتعزيز دورها العالمي، مع التركيز على استعادة النفوذ الإقليمي ومواجهة الضغوط الغربية. على الرغم من النجاحات التي حققتها هذه السياسة، إلا أنها وضعت روسيا في مسار تصادمي مع العديد من الدول الغربية، ما أدى إلى توترات دولية مستمرة.
“الفصل الرابع
دور الرئيس بوتين في الحرب الروسية على أوكرانيا
تمهيد:
تحليل الدور الذي لعبه الرئيس فلاديمير بوتين في الحرب الروسية على أوكرانيا يعد أمرًا بالغ الأهمية لفهم السياق السياسي والجيوسياسي لهذه الأزمة. بوتين، كرئيس لروسيا، هو القوة الدافعة الرئيسية وراء قرارات بلاده الاستراتيجية والعسكرية. من خلال توجيهاته، تم تنفيذ العديد من التحركات العسكرية والاستراتيجية التي أدت إلى تفاقم الصراع. سياسته الخارجية، التي تعتمد على استعادة النفوذ الروسي في المنطقة ورفض توسع حلف الناتو، كانت دوافع رئيسية لغزو أوكرانيا. فهم دور بوتين يساعد في تقييم أهداف روسيا طويلة المدى، والتنبؤ بالتحركات المستقبلية، وكذلك صياغة استجابات دولية فعالة تهدف إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة.
وسوف يتم تقسيم هذا الفصل إلي ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: محددات الأزمة الروسية الأوكرانية
المبحث الثاني: قرار بوتين بالتدخل العسكري فى أوكرانيا
المبحث الثالث: تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية
المبحث الأول
محددات الأزمة الروسية الأوكرانية
مقدمة:
تعود محددات الأزمة الروسية الأوكرانية إلى دراسة العلاقات الثنائية المتشابكة بين البلدين، حيث يتداخل التاريخ والسياسة والجغرافيا في تشكيل هذه العلاقات. منذ استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي عام 1991، ظلت هناك توترات كامنة مرتبطة بالقضايا الحدودية والهوية القومية والخيارات السياسية والاقتصادية لكلا البلدين. تعمقت هذه التوترات مع تغير مسار أوكرانيا نحو الغرب، مما أثار مخاوف روسيا من فقدان نفوذها في منطقة تعتبرها جزءاً من مجالها الحيوي. كما لعبت الطاقة، خاصة إمدادات الغاز الروسي لأوروبا عبر أوكرانيا، دوراً مهماً في تعقيد العلاقات الثنائية. الأزمة الحالية ليست سوى تجلٍ لهذه العوامل المتراكمة، حيث تتداخل المصالح الجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية، مما يجعل الحل معقداً ويستوجب فهماً عميقاً لهذه العلاقات المتشابكة، لذلك سوف ندرس تطور العلاقات بين البلدين على مرحلتين الاولي منذ العام 1991 وحتي العام 2013، والثانية من العام 2014 إلي العام 2022
أولًا: تطور العلاقات بين روسيا وأوكرانيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي من العام 1991 حتى العام 2022:
علاقات روسيا وأوكرانيا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 وحتى الوقت الحالي، شهدت تحولات وتطورات استراتيجية معقدة، خاصة فيما يتعلق بالوضع الجيوسياسي لأوكرانيا، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تحولت أوكرانيا إلى دولة مستقلة تبحث عن هويتها ودورها في المنطقة، وسط تحديات اقتصادية وسياسية هائلة. كان الوضع الاستراتيجي لأوكرانيا معقدًا بسبب موقعها الجغرافي وتاريخها العميق مع روسيا.
أوكرانيا تقع في قلب أوروبا الشرقية، مع حدود طويلة تمتد على طول الحدود الروسية، مما يجعلها نقطة تلاقٍ للتأثيرات الجيوسياسية بين الشرق والغرب. تعتبر أوكرانيا جزءًا من ما يعرف بـ “المنطقة الرمادية”، حيث تتنافس القوى الكبرى على تأثيراتها وتوجهاتها السياسية والاقتصادية، ومنذ الاستقلال عانت أوكرانيا من توترات سياسية مع روسيا، خاصة فيما يتعلق بقضايا السيادة والانتماء السياسي وقد تفاقمت هذه التوترات خلال الأعوام الأخيرة، خاصة بعد أحداث عام 2014 وضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا بعد استفتاء غير معترف به دوليًا.
تتمتع أوكرانيا بأهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لروسيا والقوى الغربية على حد سواء، نظرًا لموقعها الجغرافي ومواردها الاقتصادية، بما في ذلك الطاقة والزراعة. تلعب أوكرانيا دورًا حيويًا في الأمن الطاقوي لأوروبا، خاصة فيما يتعلق بتوجيه وتوزيع الغاز الطبيعي الروسي.
من الجدير بالذكر أن أوكرانيا تسعى إلى التكامل الأوروبي والانفتاح على الغرب، مما يجعلها محط توتر بين رغباتها في التقارب مع الاتحاد الأوروبي ومساعي روسيا للحفاظ على نفوذها في المنطقة، على الرغم من التحديات والتوترات، فإن أوكرانيا تظل دولة تحاول تعزيز هويتها المستقلة وتعزيز علاقاتها الدولية، مع التركيز على تعزيز الأمن والاقتصاد وتحقيق التكامل الإقليمي. تبقى العلاقات الروسية الأوكرانية مرتبطة بشكل وثيق بتحولات المشهد الدولي والمحلي، مما يجعلها موضوعًا للمتابعة والتفاوض المستمر.
- في الفترة بين عامي 1991 و2013 ” توازن القواي المتبادل”:
علي مدي الثلاثين عاما الماضية لطالما كافحت موسكو لأعادة كسب مكانة افضل ضمن النظام الدولي، حيث تعرض الفكر الاستراتيجي الروسي لهذات عنيفة ادت به في النهاية للاعترف بالهذيمة امام الولايات المتحدة الامريكية، ومن ثم محاولة ازالة عار الهزيمة.
حاول الاستراتيجيين الروس تطوير مفاهيم وادوات تمكن لموسكو العمل ضمن النظام الدولي الجديد دون الدخول في صراعات اقليمية او دولية، ولاكن الواقع ينزر بغير ذالك حيث ان الاعوام من 1991 الي عام 2024 اندمجت روسيا فيها في صراعات مباشرة او بطرق اخري غير مباشرة.
خلال الـ 30 عامًا الماضية، خضع التفكير الاستراتيجي الروسي لتطورات هامة. لأسباب مختلفة – مثل الاعتراف بالضعف السياسي والاقتصادي، ومراقبة استراتيجيات أمريكا، وتحليل الحرب الباردة، ومراعاة سياق التفاعل الدولي – كانت نظرية تجنب الصراع المسلح من أجل تحقيق أهداف سياسية حاسمة هي القوة الدافعة وراء هذه التغييرات. قدم الخبراء الروس مفاهيم وأفكار وأدوات جديدة أو تم إعادة التفكير فيها، بحيث يمكن لموسكو العمل على الساحة الدولية وتوسيع تأثيرها دون اللجوء إلى الصراع المسلح بين الدول، باستخدام وسائل غير عسكرية (معلوماتية، اقتصادية، دبلوماسية، سياسية، سيبرنايتية، وثقافية، إلخ) ووسائل عسكرية غير مباشرة (قوات خاصة ومتعددة الأغراض، عروض القوة والردع الهجومي بشكل خاص)[63]
ولطالما كانت أوكرانيا في مصب اهتمام القادة والاستراتيجيين الروس حتي قبل انهيار الاتحاد السوفيتي و ذلك لموقعها الجغرفي المتاخم لروسيا علي حدودها الشرقية في اوروبا، فهي تشكل جزء مهم من المجال الحيوي الروسي، و تمتلك اوكرانيا أهمية استراتيجية كبيرة في الساحة الدولية نظرًا لعدة عوامل تشكل تأثيرها على الصعيدين الإقليمي والدولي:
أولًا وأهمهما، تقع أوكرانيا في قلب أوروبا الشرقية مما يجعلها جسرًا حيويًا بين الشرق والغرب. تمتاز أوكرانيا بحدودها الطويلة مع روسيا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا والمجر، مما يجعلها نقطة تلاقٍ للتأثيرات الجيوسياسية في المنطقة.
ثانيًا، تمتلك أوكرانيا موارد استراتيجية هامة، بما في ذلك الموارد الطبيعية مثل الغاز الطبيعي والفحم والحبوب والتنجستن والمعادن الأخرى، مما يجعلها محط أساسية للاهتمام الاقتصادي والطاقوي.
ثالثًا، تمثل أوكرانيا ممرًا رئيسيًا لنقل الطاقة بين روسيا وأوروبا، خاصة فيما يتعلق بالغاز الطبيعي، وهذا يجعلها عنصرًا حيويًا في شبكات الطاقة الأوروبية.
رابعًا، تشكل أوكرانيا جزءًا هامًا من التوازن الجيوسياسي في المنطقة، حيث تعمل على تحقيق التوازن بين النفوذ الروسي والتأثير الغربي، وهذا يجعلها محورًا للعديد من الجهود الدولية لتعزيز الأمن والاستقرار.
أخيرًا، تمتلك أوكرانيا قدرات صناعية وتكنولوجية مهمة، وتمتلك قاعدة صناعية قوية، مما يساهم في تعزيز دورها الاقتصادي والصناعي على المستوى الإقليمي.
بشكل عام، تعتبر أوكرانيا عنصرًا رئيسيًا في السياق الجيوسياسي لأوروبا الشرقية، وتمتلك أهمية استراتيجية كبيرة كونها جسرًا بين الشرق والغرب ومركزًا للاهتمام الاقتصادي والطاقوي والسياسي في المنطقة، وبعد انضمام دول البلطيق و بولندا و المجر لحلف الناتو؛ هذا ما يراه الروس خرقا للضمانات التي اعطيت لهم عند انهيار الاتحاد السوفيتي ،لذلك يجاهد الروس لمنع وصول حلف الناتو لمناطق بعينها لطالما كانت مناطق نفوذ روسيا منذ الامبراطورية الروسية ومن ضمن هذه المناطق اوكرانيا.
جاءت الحرب الروسية الأوكرانية- ممثل في الغزو الروسي لألراضي الأوكرانية في 24 فبراير 2022م – بسبب ما أعلنته روسيا من أن التقارب الأوكراني مع الغرب الذي أخذ عدة أشكال؛ مثل الحديث عن انضمام أوكرانيا إلى عضوية حلف الناتو، وإعالنها نيتها امتالك سالح نووي، وعدم استجابة الغرب لمخاوف روسيا الأمنية إزء تازيد النفوذ السياسي والعسكري الأمريكي الغربي في أوكرانيا، و هي أمور تهدد المصالح الروسية الحيوية وأمنها القومي[64]
مرت العلاقات الروسية الأوكرانية بمراحل مهمة للغاية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، تميزت هذه الفترة بقلق الجانب الروسي من احتمالات التقارب الأوكراني مع الغرب وخاصاً مع انضمام دول- المجر و بولندا و التشيك- لطالما كانت تعتبر من الكتلة الشيوعية الي حلف الناتو في مطلع عام 1999، تميز الموقف الروسي ايضاً بالأرتباك تجاه الخمسة عشر دولة المنبسقة عن الاتحاد السوفيتي، حيث انه مع انهيار الاتحاد السوفيتي في العام 1991 لم تعترف روسيا بحدود أوكرانيا سوي العام 1997.
في العام 1994 تم التوقيع علي اتفاقية بودابيست للضمانت الامنية بين روسيا واوكرانيا والولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة البريطانية والتي كانت تنص علي تنازل اوكرانيا عن ترسانتها النووية -التي ورثتها من الاتحاد السوفيتي المنهار- الي روسيا علي ان تحرم روسيا استقلال اوكرانيا وسيادتها علي اراضيها، وفي هذا الصدد فأن أوكرانيا قامت بتخفيض كبير في قدراتها العسكرية بين العاميين 1991-2014، حيث خفضت من عدد الجنود العاملة في الجيش وحجم ونوعية المعدات في مختلف افرع القوات المسلحة .
تخلي كييف عن ترسانتها النووية، جاء متزامناً مع تراجع قدرات جيشها الذي كان قوامه حين استقلت أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي في العام 1991 يقدر بـ455 ألف جندي، ليصل هذا الرقم إلى 120 ألف مع حلول العام 2013 وحينها كانت الميزانية المخصصة للقوات المسلحة في البلاد لا تتجاوز الـ1 بالمائة ،وكانت أوكرانيا تملك نحو 1500 طائرة في 1991 إضافة إلى نحو 7000 مدرعة بينها نحو 6000 دبابة ولكن تلك الأعداد تقلصت كثيراً بفعل الأزمة الاقتصادية ومعاهدات الحد من انتشار الأسلحة التي وقعت عليها أوكرانيا[65].
بشكل عام في التسعينيات، شهدت العلاقات بين روسيا وأوكرانيا تطورات معقدة نتيجة لتحولات سياسية واقتصادية كبيرة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991. كانت هذه الفترة تمثل بداية مرحلة جديدة بالنسبة لكلا البلدين، مع تشكل دولة أوكرانيا المستقلة وسعيها لتحديد علاقتها بروسيا.
خلال التسعينيات، تأثرت العلاقات الروسية الأوكرانية بعدة عوامل، بما في ذلك الخلافات السياسية حول الحدود والسيادة، والصراعات الاقتصادية والطاقوية، والتأثيرات الثقافية واللغوية. كانت هناك محاولات من جانب البلدين للتعاون في مجالات مختلفة مثل الأمن والاقتصاد، ولكن كانت هناك أيضًا توترات وصراعات بينهما.
تشكلت العديد من القضايا الملحة خلال التسعينيات، مما جعل العلاقات بين البلدين متقلبة ومعقدة. كانت هذه الفترة تمثل فترة انتقالية هامة في تاريخ العلاقات الروسية الأوكرانية، حيث كانت كل من البلدين تحاول تحديد مسارها الجديد بعد انهيار النظام السابق.
وعلي صعيد اخر في عام 2003 بدأروسيا في بناء سد علي مضيق كريتش هذا ما اعتبرته اوكرانيا تهديداً لها و محاولة من روسيا لأعادة تسريم الحدود بينهما، في عام 2003، بدأت روسيا بشكل مفاجئ بناء سد في مضيق كريتش باتجاه جزيرة “كوسا توسلا” الأوكرانية، وهو ما اعتبرته كييف محاولة لإعادة ترسيم الحدود[66]
في مطلع العام 2003 حدث تغيرات سياسية نتيجة ثورة – ثورة الورود- الامر الذي سوف يتكرر مع اوكرانيا بعد عشر اعوام تقريبا، هذه التغيرات السياسية دفعت بقادة جدد لجورجيا اكثر ميلا الي لمعسكر الغربي واعلنت جورجيا رغبتها للأنضمام لحلف الناتو الامر الذي استدعي تدخل روسي خاطف وكانت اول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي ان تشتبك روسيا في حرب بشكل مباشر.
نوفمبر (تشرين الثاني) 2003، حمل إلى جورجيا رياح التغيير مع “ثورة الورود”، التي أطاحت نظام الرئيس إدوارد شيفردنادزه المدعوم من موسكو، بعد 20 يوماً من الاحتجاجات السلمية في ميدان الحرية في العاصمة تبليسي، انتهت بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية فاز فيها زعيم المعارضة ميخائيل ساكاشفيلي المدعوم غربياً، لتبدأ منذ ذلك الحين حقبة التوترات مع روسيا [67]
وكانت هناك منطقتين هما ابخاذيا و اوسيتيا الجنوبيا مناطق انفصالية مدعومة من روسية، اشعلو الصراع وتدخلت روسيا لدعهم، وكانت روسيا بحاجة ماسة لهذه الحرب لكي تبدي غضبها من السياسات الغربية تجاه الدول المنبثقة عن الاتحاد السوفيتي ومحاولة ضمها للمعسكر الغربي وتتويق روسيا، ايضا لأرسال رسالة الي الدول السوفيتية القديمة-الخمسة عشر دولة المستقلة عن الاتحاد السوفيتيي- انها لن تتهاون في رد العدوان عنها .
طلبت سلطات أوسيتيا الجنوبية الانفصالية مساعدة روسيا لمنع “إبادة جماعية”، قائلةً إن تسخينفالي تتعرض لـ”النيران الأكثر ترويعاً”. فما كان من موسكو إلا أن شنّت هجوماً برياً وجوياً وبحرياً على جورجيا في 8 أغسطس، تحت شعار “تنفيذ السلام”[68].
هذه الحرب الخاطفة كان لها عظيم الاثر علي العلاقات الروسية مع دول الجوار- دول الاتحاد السوفيتي السابق- بشكل عام و اوكرانيا بشكل خاص، هذا ما تجسد في خطاب الرئيس بوتين في منتدي الامن العالمي لعام 2007 الذي يعقد في ميونخ في المانيا، انتقد بوتين بشكل واضح الاحادية القطبية وانها تنتج مركز واحد للسلطة، مركز واحد للقوة، مركز واحد لتخاذ القرار، وان هذا النظام -الاحادية القطبية- سوف يصبح مدمر ليس فقط للدول التي توجد في اطار هذا النظام ولاكن لسيد هذا النظام ايضا، وانتقض ايضا سياسات الولايات المتحدة الامريكية تجاه الدول المستقلة حديثة عن الاتحاد السوفيتي ومحاولة ضمها لحلف الناتو.
وجه الرئيس بوتين في خطابه أمام مؤتمر ميونيخ في العاشر من فبراير 2007 انتقادات شديدة إلى الغرب وأكد أن نموذج أحادي القطب لم يعد ممكنا في العالم المعاصر. وحمل بوتين في خطابه الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة المسؤولية عن محاولة فرض معايير خاصة بها على دول أخرى، مشددا على ضرورة أن يكون ميثاق الأمم المتحدة الآلية الوحيدة لتبني قرارات بشأن تفويض استخدام قوة عسكرية. وحذر الرئيس من استمرار تمدد حلف الناتو صوب حدود روسيا، على الرغم من الوعود التي قدمها الحلف سابقا إلى موسكو في أوائل التسعينيات[69]
واصل الغرب في التصعيد مع روسيا وجاء ذلك جلياً مع قمة بوخارست للعام 2008 حيث تعهد دول حلف الناتو بضم اوكرانيا وجورجيا عند اتمامهم لمعاير الحلف،واستدعى هذا الإعلان انتقادات شديدة من قبل روسيا، حيث حذر رئيس هيئة الأركان الروسي حينئذ يوري بالويفسكي من أن موسكو في حال تطبيق هذه الوعود ستضطر إلى اتخاذ “إجراءات عسكرية وأخرى” لضمان مصالحها قرب حدودها[70].
كانت الأعوام 2011 و 2012 بمثابة عودة روسيا رسميا للعمل علي قدم وساق في الساحة وتحول الصراع من اوكرانيا والمجال الحيوي الروسي الي الصراع مع الغرب علي الهيمنة في الساحة الدولية، في العام 2011 قامت مجموعة من دول حلف الناتو بالتدخل عسكرياً في ليبيا، الامر الذي اذعج الرئيس بوتين وشبهه بالحملات الصليبية، كما رأي ان روسيا ليست ببعيدة عما يحدث في الشرق الاوسط وراء وجوب التدخل.
انتقد بوتين الذي كان يتولى منصب رئيس الوزراء الروسي في هذه الفترة بشدة في مارس 2011 قرار مجلس الأمن الدولي الذي فوض تدخل دول الغرب في ليبيا، واصفا إياه بأنه “بمثابة دعوة إلى حرب صليبية”[71]
وفي العام 2012 جاء الرد الروسي حيث تدخلت روسيا في سوريا لمساندة نظام الاسد الذي لم يكون مرغوب فيه من قبل الغرب،وفي فبراير 2012، استخدمت روسيا حق الفيديو في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار قاض بتفويض حملة عسكرية غربية في سوريا مماثلة لتلك التي جرت في ليبيا .
في عام 2013، شهدت أوكرانيا سلسلة من الاحتجاجات الشعبية الكبيرة التي أصبحت تعرف باسم “انتفاضة الخردل” أو “الميدان الأوروبي”، والتي كانت تستهدف إحداث تغييرات سياسية واجتماعية في البلاد.
تجمع اليوم في كييف مئات الآلاف من المحتجين في مستهل مظاهرة دعت إليها المعارضة، التي تحظى بدعم الولايات المتحدة والأوروبيين، في ساحة الاستقلال التي تشكل موقعا رمزيا يستعيد أيام وأجواء الثورة البرتقالية. ويسعى المعارضون الأوكرانيون، المؤيدون لانضمام بلدهم الى الاتحاد الأوروبي، إلى حشد مليون شخص اليوم للاحتجاج على تراجع سلطات بلدهم عن توقيع اتفاق شراكة مع الأوروبيين، وتوجه سلطات البلاد نحو التقرب من روسيا[72] .
بدأت الاحتجاجات في نوفمبر 2013 بعد قرار للحكومة الأوكرانية بالتراجع عن اتفاقية التجارة مع الاتحاد الأوروبي والاستمرار في التوجه نحو العلاقات مع روسيا. اعتبر الكثيرون هذا القرار انحيازًا لروسيا وعدم تحقيق الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية المطلوبة.
شهدت الاحتجاجات تجمعات ضخمة في العاصمة كييف وفي مدن أخرى في أوكرانيا، حيث خرج المحتجون إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم ومطالبهم بتغييرات جذرية في النظام السياسي ومكافحة الفساد.
وقعت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن، مما أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا وإصابة المئات. تصاعدت حدة الاحتجاجات مع تصاعد التوترات والمواجهات بين الطرفين.
في فبراير 2014، تصاعدت الأحداث إلى أعلى مستوياتها عندما تم استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا. هذه الأحداث أثارت ردود فعل دولية قوية وأدت إلى تصاعد الضغوط على الحكومة الأوكرانية.
في النهاية، أدت الاحتجاجات إلى إطاحة الرئيس الأوكراني السابق، فيكتور يانوكوفيتش، وتشكيل حكومة انتقالية جديدة. كما أدت هذه الأحداث إلى تصاعد التوترات مع روسيا والأزمة التي تلاها في شبه جزيرة القرم والمناطق الشرقية من أوكرانيا.
- الفترة من 2014 الي العام 2022 ” المواجهة المباشرة”:
قبل اتخاذ قرار الحرب في عام 2014، شهدت التوترات بين روسيا وأوكرانيا تصاعدًا بشكل ملحوظ. بعد التغيرات السياسية في أوكرانيا في فبراير 2014، حيث اندلعت احتجاجات في العاصمة الاوكرانية منددة بالرئيس الاوكراني وسياسته تجاه الانضمام للأتحاد الاوروبي، وامام ضغط الشارع تم تنحية الرئيس فيكتور ايفانوفيتش من قبل البرلمان الاوكراني في 22 فبراير من العام 2014.
الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي بدأت في فبراير 2014 مع الغزو السري لجمهورية القرم الأوكرانية المستقلة من قبل قوات روسية متنكرة. توسع الصراع في أبريل 2014 عندما استولت القوات الروسية والميليشيات المحلية على أراضٍ في منطقة دونباس الأوكرانية؛ وعلى مدى السبع سنوات اللاحقة، قُتل أكثر من 14,000 شخص في المعارك في شرق أوكرانيا.[73]
كرد فعل سريع علي اقالة الرئيس الاوكراني قامت روسيا بغزو شبه جزيرة القرم في 28فبراير من نفس العام اي بعد اقل من اسبوع علي اقالة الرئيس، سيطرت قوات روسية خاصة على جزيرة القرم، التي كان الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف قد ألحقها سنة 1954 بأوكرانيا، وجرى استفتاء في 16 مارس 2014 أظهرت نتائجه أن أغلبية واسعة من سكان القرم، وهم من الناطقين بالروسية، يؤيدون الانضمام إلى روسيا[74]
لم يتم الاعتراف دوليا بهذا الاستفتاء الامر الذي استتبعه الغاء التعاون المدني والعسكري بين روسيا والغرب العديد من العقوبات الاقتصادية علي روسيا، في عاصمة بيلاروسيا مينسك وقع ممثلون عن كل من روسيا و اوكرانيا والانفصاليون في اوكرانيا علي اتفاقية مينسك 1 في سبتمبر من عام 2014ا لتي تنص علي انهاء الحرب وايجاد حل سلمي للنزاع في شرق اوكرانيا، ولم يتطل الامر حتي تلغي الاتفاقية حيث اعلن رئيس جمهورية دونتسك انه غير معني بالاتفاقية، ليقوم اطراف النزاع مره اخرة بالتوقيع علي اتفاقية مينسك 2 ( فبراير 2015) والتي تنص بإقامة حكم ذاتي في الاراضي الانفصالية.
الذي استتبع التوقيع على اتفاقية مينسك 2 في 12 فبراير 2015 التي أوصت بقيام نظام المركزي في دونتسك ولوغانسك، وهو ما رفضته، في الواقع الحكومة المركزية في كييف. وهكذا، تم التمهيد لاندلاع حرب أهلية طويلة أسفرت عن وقوع نحو 14000 قتيل، واستئناف الحرب الباردة، وخصوصا بعد أن أظهر الغرب أنه غير معني بمراعاة المصالح الاستراتيجية الروسية، بعد أن أبدى الرئيس الأوكراني الجديد فولوديمير زيلينسكي، الذي انتخب في مايو ،2019 عزمه على الاستمرار في تعزيز توجه بلاده نحو الغرب.[75]
يعد الغزو الروسي لأوكرانية نقطة تحول في العلاقات بين الطرفيين حيث تحول الوضع من خلافات حدودية و ايدولوجيا وتعارض في المصالح الوطنية الي صراع علي فرض الهيمنة، ولم يبقي طرفي الصراع هم الروس والأوكرانيين بل دخل الغرب بكل قوته علي خط الازمة لكي يسهم في الحد من قدرات روسيا العسكرية والاقتصادية عن طريق العقوبات وقطع العلاقات.
ان اتخاذ قرار التدخل العسكري في هذه المرحلة يدل علي رغبة روسيا في ارسال رسائل لكل من الغرب والدول المحيطة كل علي حد سواء، مضمونها انها مازالت فاعلة في محيطها الاقليمي وهي التي تضع قواعد اللعبة في الاقليم، في نفس الوقت الذي تصر فيه اوكرانيا علي التمسك بكل اراضيها وانها لن تتنازل عن اي قطع ارض لحل النزاع .
بالنسبة للدوافع الأساسية، فمن الواضح أن إرادة أوكرانيا لطرد روسيا من أراضيها لم تتبخر حتى بعد مرور أكثر من 500 يوم من القتال. من جانب الكرملين، يعلم بوتين أن مكانته السياسية وسلامته الشخصية تعتمد على نتيجة حربه في أوكرانيا. إيقاف الحرب أو إجباره على التوصل إلى تسوية مع أوكرانيا أو دولة أخرى يمكن أن يؤدي إلى فقدانه “المكانة الإمبراطورية”، مما يجعله عرضة للضغوط من قبل الطبقة الاقتصادية والأمنية الروسية. لذلك، في الوضع الحالي، لا يوجد مجال لوقف إطلاق النار قابل للتفاوض يمكن أن يجمِّد الوضع الراهن، حيث يسعى كل من أوكرانيا وروسيا إلى تحقيق أهدافهم الحربية [76]
إصرار أوكرانيا على إنهاء الحرب في شرق البلاد يعكس تضحياتها وتصميمها على استعادة السلام والاستقرار. منذ بداية النزاع، أكدت الحكومة الأوكرانية على رغبتها في حل الأزمة بالطرق السلمية والدبلوماسية، وبذلت جهودًا مستمرة للتوصل إلى اتفاقات وقف لإطلاق النار ومفاوضات سلام مع الأطراف المتحاربة. بالإضافة إلى ذلك، استمرت أوكرانيا في العمل مع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لدعم جهود السلام وتعزيز الحوار والتفاهم بين الأطراف المتنازعة. تعكس هذه الجهود الإرادة الصلبة لأوكرانيا في إنهاء الصراع واستعادة الاستقرار والسلام في البلاد.
يعتبر الصراع الروسي في أوكرانيا جزءًا من استراتيجية روسيا لاستعادة هيمنتها على النظام العالمي حيث يرى القادة الروس أن عودة أوكرانيا إلى نفوذهم السياسي والاقتصادي يمكن أن تعزز مكانة روسيا في النظام العالمي، وتحقق أهدافها الاستراتيجية. تستخدم روسيا مجموعة متنوعة من الأدوات لتحقيق هذا الهدف، بما في ذلك الدعم المالي والعسكري للمجموعات الموالية لها في أوكرانيا، وتوجيه الضغوط السياسية والاقتصادية على الحكومة الأوكرانية لتحقيق مصالحها وأخيرا الحرب المباشرة التي من الممكن ان تتوسع وتشمل اطراف اخرى .
في 9 يوليو 2016، وقعت حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا اتفاقية مساعدة شاملة[77]، تعد اتفاقية المساعدات الشاملة (Comprehensive Assistance Package) التي وقعت بين حلف شمال الأطلسي (NATO) وأوكرانيا في عام 2016 نقطة تحول كبيرة في الصراع و تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري والأمني بين الجانبين. تم توقيع هذه الاتفاقية في العاصمة البولندية وارسو خلال قمة ناتو في يوليو 2016.
تشمل هذه الاتفاقية مجموعة من الإجراءات والتدابير التي تهدف إلى تقديم الدعم الاستراتيجي والتكتيكي لأوكرانيا في مجالات مختلفة، بما في ذلك الدفاع والأمن، وتعزيز القدرات العسكرية والدفاعية للبلاد. يشمل ذلك التعاون في مجالات التدريب العسكري، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتعاون الفني والتقني، بالإضافة إلى دعم الإصلاحات العسكرية والأمنية في أوكرانيا.
يهدف هذا الاتفاق إلى تعزيز قدرات أوكرانيا على التصدي للتحديات الأمنية والعسكرية في المنطقة، وخاصةً بالنظر إلى الوضع الأمني المعقد في شرق البلاد والصراع المستمر في المنطقة ، كان الحلفاء الغربيون على جانبي المحيط الأطلسي في البداية حذرين من تسليح أوكرانيا بسبب توقعات بالنصر الروسي السريع. عندما ثبت أن المقاومة الأوكرانية أقوى بكثير مما كان متوقعًا، بدأت الحكومات الأمريكية والأوروبية، خاصة في وسط أوروبا، في إفراغ مخزوناتها لتزويد كييف بالأسلحة. ومع ذلك، كان الحلفاء الأوروبيون الغربيون بطيئين في تقديم أنظمة أسلحة هجومية تغيّر الموازين. لا يزال القادة في واشنطن وباريس وبرلين، يعانون من الحذر لتجنب الانخراط المباشر في مواجهة مع موسكو، يميلون لعدم تزويد القدرات طويلة المدى التي يمكن أن تضرب الأراضي الروسية السيادية. هذا يظل عقبة أمام جهود الرئيس فولوديمير زيلينسكي لتوجيه ضربة حاسمة ضد قوات الاحتلال الروسية[78]
وقد أثارت تفاعلات وتداعيات على المستوى الإقليمي والدولي، من بينها:
- استفزاز روسيا: تسببت هذه الاتفاقية في استفزاز العلاقات بين أوكرانيا وروسيا، حيث يرى الروس أن وجود التعاون العسكري بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي يشكل تهديدًا مباشرًا لمصالحهم الأمنية.
- زيادة التوترات الإقليمية: أدت هذه الاتفاقية إلى زيادة التوترات الإقليمية في شرق أوروبا، خاصةً في ظل التوترات الدائرة في منطقة القرم وشرق أوكرانيا.
- استمرار الصراع في شرق أوكرانيا: رغم التعاون العسكري، استمرت الصراعات والاشتباكات في شرق أوكرانيا بين القوات الأوكرانية والمتمردين الموالين لروسيا.
8 يونيو 2017: يصوت البرلمان الأوكراني لاستعادة عضوية حلف شمال الأطلسي (NATO) كهدف سياسي أجنبي استراتيجي للبلاد[79]، كان لهذا القرار اثر كبير لإيضاح عزم اوكرانيا علي المضي قدما في الانضمام الي حلف الناتو الامر للذي طالما ما كان يستفز الروس ويهدد مصالحهم الوطنية.
من جهة أوكرانيا، تعتبر الانضمام إلى الناتو خطوة ضرورية لتحقيق الأمن والاستقرار، خاصة بعد التوترات المستمرة مع روسيا والصراع في مناطق شرق البلاد. ترى أوكرانيا أن الانضمام إلى الناتو سيوفر لها حماية ضد التدخلات الخارجية ويقوي من قدراتها الدفاعية. لكن من منظور روسيا، يُنظر إلى طلب الانضمام الأوكراني للناتو على أنه تحرك عدواني يهدد مصالحها الاستراتيجية. تعتبر روسيا أوكرانيا جزءًا من منطقتها التقليدية للنفوذ والأمن الاستراتيجي، وترى أي توسيع للناتو نحو الشرق كتهديد مباشر لأمنها. تتسم هذه التوترات بمخاطر التصعيد إلى صراع مسلح بين البلدين، خاصة إذا ما استمرت التصعيدات العسكرية والاحتكاكات على الحدود. يجب أن يتخذ المجتمع الدولي والمعنيون بالأمن العالمي خطوات فعالة لتهدئة التوترات والبحث عن حلول دبلوماسية سلمية لتجنب الانزلاق إلى الصراع المسلح الذي قد يكون مدمرًا للجميع. بالنظر إلى هذا السيناريو المعقد، يجب أن تتبنى الدول الكبرى والمنظمات الدولية دورًا فعّالًا في التوسط وتعزيز الحوار الدبلوماسي بين الأطراف المعنية، بهدف تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة، وتجنب التصعيدات غير المحسوبة التي قد تؤدي في النهاية إلى حرب لا يمكن التنبؤ بعواقبها.
15 مايو 2018: يفتتح الرئيس بوتين جسرًا بطول 12 ميلاً بين البر الروسي الرئيسي وشبه جزيرة القرم المُضمة، مما يعزز سيطرة روسيا على هذه الشبه جزيرة.
20 نوفمبر 2018: تنضم حكومة المملكة المتحدة إلى الدعوات لروسيا بوقف تأخير أو منع وصول السفن إلى بحر آزوف. يرافق قيود حرية المرور زيادة في الوجود العسكري الروسي في البحر[80].
يعتبر جسر القرم من أكبر الجسور المعلقة في العالم ويمثل تطورًا هامًا في البنية التحتية بين روسيا وشبه جزيرة القرم، و من الجدير بالذكر أن هذا الجسر أثار جدلاً دوليًا لأن بناءه وافتتاحه جاء في سياق النزاع المستمر بين أوكرانيا وروسيا حول شبه جزيرة القرم. تعتبر أوكرانيا القرم جزءًا لا ينتزع من أراضيها، بينما أعلنت روسيا ضم القرم إليها بعد استفتاء عام 2014 يُعتبر غير شرعي بواسطة العديد من الدول والمنظمات الدولية.
هذا الجسر له أهمية استراتيجية كبيرة لروسيا، حيث يربط بين الأراضي الروسية وشبه جزيرة القرم ويعزز الروابط الاقتصادية والعسكرية بينهما.
ومنذ غزو روسيا لشبه جزيرة القرم اصبحت هي المتحكمة الأولى في بحر ازوف الامر الذي استدعي القوة الدولية للتدخل لحل هذه الإشكالية ومن بين هذه الدول بريطانية التي دعت روسيا رسميا في نوفمبر من العام 2018 لعدم التحرش بالسفن المارة في البحر. ولذلك فأن هذه المرحلة هي نقطة هامة في العلاقات بين روسيا و اوكرانيا، لأن اقدام روسيا علي بناء جسر معلق يربط بين البر الرئيسي وشبه جزيرة القرم دليل علي رغبة روسية المستميتة لضم هذه المنطقة وانها ماضية في طريقها بلا رجعة، ايضا التدخل الدولي من اجل حرية الملاحة في بحر ازوف الذي كان من قبل بحر معظمة في اوكرانيا دليل علي الضعف الأوكراني امام روسيا و تباعتيها التامة للغرب .
عام 2019 شهد تحولًا مهمًا في العلاقات بين روسيا وأوكرانيا، حيث بدأت البلدين في التعاون بشكل أكبر مما كان متوقعًا. بعد سنوات من الصراع والتوتر، أصبح التعاون الروسي الأوكراني في عام 2019 نقطة تحول محتملة لإنهاء النزاع بطرق سلمية. من خلال عملية تبادل الاسرى، التي فُتحت الأبواب لمزيد من الحوار والتفاهم بين البلدين. كان من الممكن أن يكون عام 2019 بداية جديدة لعلاقات أوكرانيا وروسيا، وربما كان يمكن أن يكون نواهًا لإنهاء الصراع الطويل بطرق سلمية والعمل نحو السلام والاستقرار في المنطقة. تلك التطورات الإيجابية كانت فرصة للبلدين لتحقيق نوع من التقارب والتعاون في ملف تبادل الاسري.
موسكو – بعد خمس سنوات من الصراع المستمر الذي زادته روسيا في شرق أوكرانيا، قام الجاران العدائيان بتبادل العشرات من السجناء يوم السبت في تبادل متوقع منذ فترة طويلة والذي وصفه الرئيس الجديد لأوكرانيا بأنه “الخطوة الأولى لإنهاء الحرب”[81].
ولاكن لم تستمر هذه الامال طويلا حيث اصتدمت بواقع جديد وهو الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي المنتخب حديثا في 21 ابريل 2019، لطالما عرف عن الرئيس الجديد معارضته الشديدة للتدخلات الروسية في بلدة وانه يريد استعادة جميع الاراضي الاوكرانية بما فيها شبه جزيرة القرم، ولطالما عرف بانتقادته العلنية والصريحة بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والقادة الروس.
21أبريل 2019: يتم انتخاب فلاديمير زيلينسكي رئيسًا لأوكرانيا بفوز ساحق[82].
وقد اتي الرئيس الاوكراني الجديد مدعوم بقاعدة شعبية واسعة وهي التي دفعته ومثلت له القوة والحماس التي ارتكذ عليها في مواجه الظروف التي وصل للسلطة من خلالها
في بيانه المسائي يوم السبت، كان الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي غاضبًا بوضوح من أن بلاده كانت تتعرض لاتهامات.وصف الرئيس الروسي وغيره من المسؤولين في موسكو بأنهم “قذارة” لربطهم الهجوم هناك بكييف،واقترح أن الزعيم الروسي “المثقل بالهموم” كان أكثر قلقًا بشأن توجيه الاتهام لكييف من تطمين مواطنيه الخاصين.ثم عكس زيلينسكي الطاولة على موسكو، قائلاً إنها أرسلت “مئات الآلاف من إرهابييها الخاصين” إلى أوكرانيا منذ بدء الغزو الكامل في فبراير 2022[83]
في عام 2020، شهدت أوكرانيا تحولًا استراتيجيًا هامًا في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها. بعد سنوات من الصراع والتوتر مع روسيا والتي انتهجت فيها سياسات تهدف إلى استعادة السيطرة على أراضيها المحتلة وتعزيز الديمقراطية والاقتصاد، قامت أوكرانيا في عام 2020 بتبني استراتيجية جديدة تهدف إلى تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.
تتمثل الاستراتيجية الجديدة لأوكرانيا لعام 2020 في تحديد أولويات جديدة وتعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية. من بين هذه الأولويات تعزيز العلاقات مع الشركاء الدوليين وتعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري مع الدول الغربية. كما تتضمن الاستراتيجية الجديدة لعام 2020 تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد.
من بين التحديات التي تواجه الاستراتيجية الأوكرانية الجديدة لعام 2020 هو استمرار النزاع في شرق البلاد وتدخل روسيا في الشؤون الداخلية الأوكرانية. ومع ذلك، فإن أوكرانيا تسعى جاهدة لتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد من خلال تعزيز العلاقات الدولية وتعزيز الحوار مع الشركاء الدوليين.
علاوة على ذلك، تسعى أوكرانيا في العام 2020 إلى تحسين الظروف الاقتصادية وتعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة من خلال تنفيذ إصلاحات هيكلية وتعزيز القطاعات الرئيسية للاقتصاد مثل الزراعة والصناعة والتكنولوجيا.تعتبر الاستراتيجية الأوكرانية الجديدة لعام 2020 خطوة هامة نحو تعزيز الاستقرار والتنمية في البلاد، وتعكس إرادة أوكرانيا في تحقيق التقدم والنمو الشامل رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها.
عام 2021 شهد تصاعد التوترات في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أعلنت روسيا بدء تدريبات عسكرية جماعية، مما زاد من القلق بين الجانبين. تقارير أوكرانية أفادت بتمركز 110,000 جندي روسي على الحدود، مما أثار مخاوف من تصعيد الصراع. تبقى أهمية العام 2021 في تلك الحرب تحت المراقبة، حيث قد يكون محورًا لتطورات جديدة وتأثيرات على المنطقة.
وتقام مناورات “درع الاتحاد” مرة كل عامين، بالتناوب على أراضي روسيا وبيلاروس.
وتمت صياغة مفهوم هذه التدريبات مع الأخذ بالاعتبار تحليل الخيارات المحتملة لظهور تهديد للأمن العسكري للدولة الاتحادية، واحتمال اندلاع نزاع عسكري.
في فبراير الماضي، أعلنت وزارة الدفاع البيلاروسية عن هذه التدريبات. وأكدت أنه تبدو “كحقيقة واضحة عملية تعميق التعاون بشكل كبير مع روسيا لصالح ضمان القدرة الدفاعية للدولة الاتحادية في مواجهة التحديات والتهديدات الحالية”[84].
وعلي الرخم من رتابة هذه المناورات الا انها امتازت في هذا العام بضخامتها، وكانت بمسابة مصرح لعرض العضلات العسكرية الروسية في مواجهة الغرب و اوكرانيا. الامر الذي كان ينزر بوقوع حدث اكبر في القريب العاجل وهوا ما تنبئة المحللين و الاستراتيجيين الغربيون.
13نوفمبر 2021: الرئيس زيلينسكي يقول إن ما يقرب من 100،000 جندي روسي تمركزوا على الحدود مع أوكرانيا
17ديسمبر 2021: تقدم روسيا قائمة بمطالب أمنية لتهدئة الأزمة حول أوكرانيا، بما في ذلك ضمان ملزم قانونيًا بأن أوكرانيا لن تكون عضوًا في حلف شمال الأطلسي أبدًا وأن يتخلى حلف الناتو عن أي نشاط عسكري في شرق أوروبا وأوكرانيا[85].
وقد صرح الرئيس الأوكراني زيلينسكي بتراكم قوات روسية بلغ عددها ما يقرب من 100 ألف جندي على الحدود الشرقية مع أوكرانيا. تزايدت التوترات والمخاوف من تصاعد الأزمة الحدودية، خاصةً بعدما قدمت روسيا في 17 ديسمبر 2021 مجموعة من المطالب الأمنية لحل الأزمة، من بينها الضغط للحصول على ضمانات بأن أوكرانيا لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي وتخلي حلف الناتو عن أي نشاط عسكري في شرق أوروبا وأوكرانيا، الامر الذي اعتبرته اوكرانيا غير مقبول وانه لا يتماشا مع استراتيجيتها المستقبلية. هذه التطورات تجسد تصاعد الصراع الجيوسياسي بين القوى الكبرى وتعقيدات الوضع الإقليمي .
وقد تسارعت الاحداث في شهر فبراير من العام 2022،حيث كانت تستعد اوكرانيا لاحتمال وقوع حرب مدمرة، حيث صوت البرلمان للموافقة على مرسوم حالة الطوارئ، مما يسمح للسلطات بـ “فرض حظر تجول وقيود على الحركة، ومنع التجمعات وحظر الأحزاب السياسية والمنظمات”. سيبدأ المرسوم في 24 فبراير ويستمر لمدة 30 يومًا.
تغلق المطارات في مدن شرق أوكرانيا، مثل خاركيف ودينيبرو وزابوريجيا، أجواؤها، ويُطلب من القرابة 3 ملايين أوكراني ما زالوا في روسيا مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن.
يقول الرئيس بوتين إن روسيا مستعدة للبحث عن “حلول دبلوماسية” حول أوكرانيا، ولكنه يؤكد أن مصالح بلاده ليست قابلة للتفاوض. في خطاب بمناسبة يوم الدفاع عن وطن الأب، يقال إن بوتين قال: “بلدنا مفتوح دائمًا للحوار المباشر والصريح، للبحث عن حلول دبلوماسية لأصعب المواقف[86]
وفي يوم 24 فبراير من العام 2022 اقدمت روسيا علي التدخل عسكريا في أراضي أوكرانيا، لمساندة الانفصاليين الموالين لروسيا، وهكذا تكون العلاقات الروسيا الاوكرانية قد دخلت في اطار جديد يكون محدداته الاساسية هي من يملك القدرة علي حسم الصراع لصالحه.
المبحث الثاني
قرار بوتين بالتدخل العسكري في أوكرانيا
مقدمة:
من المتعارف عليه في أبجديات العلوم السياسية أن يؤدي الجانب الشخصي دوراً كبيراً في صناعة القرار على الصعيد الداخلي وعلى الصعيد الدولي ، والذي قد يسهم بدرجة أو بأخرى في توقع ذلك القرار وتحليل نتائجه أكثر من أي عامل أو متغير آخر. فالسمة الشخصية والأيديولوجية التي يؤمن بها متخذ القرار من الممكن أن تؤثر وتترك بصماتها على القرارات السياسية الخارجية باعتبار أن الدولة هيكل قانوني يقوم عليه مجموعة اشخاص يتخذون القرارات باسمها أو ما يسمى بظاهرة تشخيص الدول، فالدور الرسمي والكاريزما الذي قد يتمتع به متخذ القرار من الممكن أن يسهم في خلق جاذبية شعبية لقراراته على صعيد البيئة الدولية. ومن هنا ينطلق هذا المبحث من فكرة اساسية مفادها أن التنوع والاختلاف في صناعة القرار الدولي والمحلي يكمن في الاختلاف الموجود بين صناع القرار في المعتقدات والقيم التي يؤمنون بها والتي تؤثر على توجهاتهم وسياساتهم .
لم يعد في الإمكان تجاهل سيكولوجية القيادة عند تحليل أسباب اندلاع الأزمات والحروب ولذلك يتم تطبيق علم النفس السياسي، والذي يعنى بتطبيق المعرفة النفسية على الظاهرة السياسية. فعلم النفس السياسي هو مجال أكاديمي متعدد الاختصاصات، يقوم على فهم السياسة والسياسيين والسلوك السياسي من منظور نفسي. وتعد العلاقة بين السياسة وعلم النفس ثنائية الاتجاه، فيستخدم علماء النفس علم النفس كمرآة لفهم السياسة، وكذلك السياسة مرآة لفهم علم النفس. وقد سعى العلماء لتحليل ظاهرة القيادة وذلك للوصول إلى أهم السمات التي يجب توافرها في كل فرد يتحمل مسؤولية القيادة وذلك لأن الخصائص النفسية والسيكولوجية للقادة السياسيين التي تتشكل معالمها منذ مرحلة الطفولة، يمكن أن تلعب دورًا في التأثير على قراراتهم وسياساتهم، فضلا عن دور معتقداتهم الفكرية والأيديولوجية التي يعتنقونها، في تحديد سلوكهم بشكل أساسي. وقد بات تفسير الأحداث والظواهر السياسية، بما فيها الأزمات يؤدي إلى فهم تعدد وتداخل العوامل وأوزانها النسبية، بما فيها العامل السيكولوجي. فمثلا، ينطوي تحليل أسباب التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا على مزج بين السمات النفسية والشخصية والقيمية للقيادة السياسية (بوتين) ودوافعها المتعلقة بامتلاك القوة والنفوذ والحاجة للتقدير والسعي إلى المكانة ورفض الإهانة التاريخية، إضافة إلى طبيعة الشخصية القومية والاحتياجات الأمنية والاقتصادية الروسية، وتوازنات القوة بين روسيا والغرب في النظام الدولي. لقد صار تأثير شخصية القائد على سير الأحداث محل اهتمام الباحثين وبالتأكيد فإنه بمراجعة التاريخ واستعراض الأحداث الجسام في القرن العشرين كنتيجة لعوامل تاريخية وسياسية. لا يمكن تجاهل تأثير الشخصيات والقيادات العملاقة التي أثرت في مجرى تلك الأحداث. ولذلك اهتم الباحثون والمتخصصون بتقييم القادة.
ويمكن رصد أبرز تلك الملامح فيما يلي، ومن المعروف أن القائد السياسي يلعب دورًا كبيرا في توجيه السياسة الخارجية، ويزداد هذا الدور وقت الأزمات، إذ قد يسهم في ضبط التصعيد في الأزمة، والتوصل إلى حلول سلمية لها، أو نقلها إلى مستوى الحرب. هنا يلعب العديد من العوامل النفسية والإدراكية، وكذلك النخبة المحيطة بصانع القرار دورًا في تحديد النهج الذي يتبناه. وقد تؤثر مدركات القادة في طريقة إدارتهم للسياسة الخارجية، إذ يؤمن كل قائد بمجموعة معتقدات رئيسة تساعده على فهم المعلومات الواردة من البيئة الخارجية، وتوجهه في اتخاذ القرارات. وكانت إعادة تأسيس سلطة الدولة من أولويات الرئيس بوتين”، وهو ما يفسر تدخلاته العسكرية في الشيشان وأوكرانيا وسوريا، التي هدفت لتقوية سلطة الدولة.
سعى فلاديمير بوتين منذ أن تولى السلطة على القضاء على الأزمات الداخلية التي تعاني منها روسيا ومكافحة الفساد ومواجهة المافيات المسلحة ، وتشجيع الاستثمار وتطوير الصناعات العسكرية وإصلاح النظام المصرفي كمقدمات حاسمة للسياسة الخارجية الروسية . وعلى الصعيد الدولي عمل جاهداً على إعادة إدماج روسيا بالساحة الدولية للخروج من العزلة التي كان يتبناها الاتحاد السوفيتي سابقاً والذي ساهم بدرجة كبيرة في تأخير روسيا .[87]
أولًا: قراءة فى الدوافع الشخصية لقرارات الرئيس الروسي:
عملت وسائل الإعلام الغربية، خاصة الأمريكية منها، على الربط الكبير بين الطبيعة الشخصية والخلفيات النفسية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقرار الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث أصبحت شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هي جوهر تغطية حرب أوكرانيا، خاصة في ضوء الخطاب المطول الذي ألقاه الرئيس الروسي فجر اليوم الأول للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، والذي أسس فيه لقراره للتدخل في أوكرانيا، لكنه أيضاً من وجهة نظر الإعلام الأمريكي قد أفصح بوضوح عن طموحه الشخصي لإعادة القيصرية الروسية، وأن أوكرانيا هي جزء من تلك القيصرية مؤكداً على ذلك بقوله: “أوكرانيا جزء من روسيا ثقافيًا ولغويًا وسياسيًا. ويشعر بعض السكان الناطقين بالروسية شرقي أوكرانيا بالشيء نفسه”. كذلك، في مقال مطول كتبه الرئيس الروسي في يوليو 2021، أشار بوتين إلى أن الروس والأوكرانيين هم “شعب واحد”، وأشار إلى أن الغرب أفسد أوكرانيا وأخرجها من فلك روسيا من خلال “تغيير قسري للهوية”. يري بوتين أن “صناع السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا هم من أثاروا الأزمة في أوكرانيا وعلى عاتقهم تقع مسئولية حدوثها”. وأن صانعي القرار في واشنطن وأوروبا يتحملون مسئولية حدوث الأزمة في أوكرانيا من خلال محاولتهم دمج هذا البلد في الغرب وتجاهلهم المستمر لمخاوف روسيا الأمنية.
وتعتبر الأزمة في أوكرانيا واحدة من أخطر الصراعات الدولية، حيث يعمل الغرب على زيادة مساعداته المالية والعسكرية لسلطات كييف من جهة، وتشديد العقوبات الاقتصادية على روسيا من جهة أخرى في تصعيد واضح يمكن أن يؤدي بحسب رأيه إلى كارثة متمثلة باندلاع حرب بين حلف شمال الأطلسي وروسيا. كون بوتين “مسيحيًا مولودًا من جديد”. وأن ذلك عكس حياته السابقة، خاصة وظائفه في مجالات التجسس، والاستخبارات. ركز إجناتيوس على أن بوتين صار يكرر أهمية العودة إلى الأخلاق المسيحية، ليس فقط في روسيا، ولكن، أيضا، في بقية الغرب. من دوافع بوتين الأولي هو السير على خطى الإمبراطورة كاترين العظيمة (توفيت عام 1796) التي وسعت روسيا، وجعلتها واحدة من أقوى دول أوروبا.
في المقابل، تبنت التقديرات الروسية نهجاً مخالفاً للتحليلات الغربية والأمريكية لقرار التدخل في أوكرانيا قائم على تعظيم مصفوفة المصالح الروسية، وإعادة صياغة حدود الدور الروسي بعد توغل حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقاً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث انضمت إليه معظم دول أوروبا الشرقية التي كانت ضمن النطاق الشيوعي للاتحاد السوفيتي. وفي عام 2004، أضاف الناتو جمهوريات البلطيق السوفيتية السابقة إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا. وبعد 4 سنوات، أعلن الحلف عن نيته عرض عضويته على أوكرانيا في يوم من الأيام في المستقبل البعيد، وهو ما اعتبره بوتين تهديدًا وجوديًا لروسيا، وعملا عدائيًا”، في ديسمبر/كانون الأول عام 2015، نشر نائب رئيس الوزراء الروسي “دميتري روغوزين” على تويتر صورة لكلٍّ من فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي باراك أوباما جنبا إلى جنب، في جانبها يحمل بوتين نمرا، وفي الجانب الآخر يظهر أوباما وهو يحمل كلبا صغيرا ورقيقا، وكتب على الصورة: “لدينا قيم مختلفة، وحلفاء مختلفون”. يؤدي ذلك إلى سلوك يُعتقد أنه جزء رئيسي من شخصية فلاديمير بوتين، إذا مسَّ شيء ما ميوله ناحية القوة فسيكون صريحا ومفاجئا وغير صبور، مع نوبات من السلوكيات المتهورة أو العدوانية. أصحاب هذه السمات كذلك حساسون، خاصة نحو التوبيخ أو الإهمال أو التقليل من شأنهم، وعند الضغط عليهم (خاصة في الأمور الشخصية) يمكن أن يصبحوا غاضبين ومن المرجَّح أن يستجيبوا استجابة انعكاسية انتقامية، ومن ثم يسهل استفزازهم للهجوم.
على الجانب الآخر، فإن ملمح “الطموح” من شخصية بوتين يدفعه للظهور واثقا من نفسه دائما، ومؤهَّلا وعلى استعداد دائم للفعل، ويحاول خلال ذلك أن يفرض جوا من الهدوء، لكنه يميل (في الصورة المتطرفة منه) إلى التصرف بطريقة مغرورة، أو قد يُظهِر الغطرسة أو اللامبالاة أو الوقاحة أو الفوقية أو الافتقار إلى النزاهة أثناء التنافس. جميع أشكال هذا النمط تتمحور حول الذات إلى حدٍّ ما، وتفتقر إلى الكرم والمعاملة بالمثل اجتماعيا.[88]
بالإضافة إلى ذلك فإن أمثال بوتين عادة ما يبذلون قصارى جهدهم لدعم القواعد والمعايير التقليدية، ويتبعون اللوائح بدقة، وعادة ما يكونون مسؤولين حقا، وموثوقين وحذرين ودقيقين ومنضبطين ومنظمين إلى درجات عليا، لكن ذلك يميل في درجاته العليا إلى الجمود، حيث تتحكَّم بهم تلك السمات الجادة إلى درجة من العناد، فالعواطف مُقيَّدة بأسلوب حياة منظم للغاية، والملابس رسمية أو مُقيَّدة في اللون والأسلوب. والسلطة وتُثير الإعجاب والامتثال من الآخرين، خاصة أن سلوكهم -على الرغم من جرأته- يمكن أن يتسم باللباقة، لأنهم يلتزمون بشدة بالأعراف والقوانين الاجتماعية، كونهم ذوي “ضمير حي” يجعلهم مخلصين لعائلاتهم وقضاياهم ورؤسائهم، ويعاملون مَن فوقهم باحترام ويُكرِّسون أنفسهم لإقناع السلطات بولائهم وكفاءتهم وعقلهم الجاد.
هناك دائما يقين لدى هذه الشخصيات حول الكفاءة الذاتية، ينظرون إلى أنفسهم على أنهم جديرون بالتقدير بشكل غير عادي، على الرغم من أن الآخرين قد يرونهم على أنهم أنانيون أو متعجرفون. في الصورة المتطرفة من هذه الشخصية يوجد إحساس مُتفوِّق بالذات، حيث يعتبرون أنفسهم يتمتعون بصفات فريدة ومميزة، ويستحقون إعجابا كبيرا، ويحق لهم التمتع بحقوق وامتيازات غير عادية. كذلك قد يبالغ أصحاب هذه الشخصية في تقدير جوانب أنفسهم التي تُظهِر الفضيلة والاستقامة الأخلاقية والانضباط، ويخافون من الخطأ أو سوء التقدير. إنهم مكرسون بإفراط للعمل، مع وجود اتجاه مماثل لتقليل أهمية الأنشطة الترفيهية، ولديهم حذر زائد تجاه الخطأ أو سوء تقدير الأمور، وحساسية مفرطة للمخالفة أو النقد، الذي ربما يكون مدمرا لإحساسهم المفرط بذواتهم بدرجات مختلفة، وأننا جميعا تقريبا نمتلك آليات خاصة للتبرير وتناقضات كامنة في ذواتنا، وقد نضغط على أحبائنا بعض الشيء لتحقيق أهداف نظنها أخلاقية، ولكن هذه السمات قد تصبح لدى البعض، خاصة القادة السياسيين ذوي التأثير، مُحدِّدة للقرار السياسي في السِّلم والحرب، خاصة حال كانت متطرفة قليلا، أو كثيرا، وفي سياق أجواء متطرفة بطبعها مثل الحرب.
كان مجيء بوتين الى السلطة عام ( 2000م ) بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقت على أسوء عقود الضعف التي مرت بها روسيا في التاريخ الحديث ، إذ كان الاعتقاد السائد أن روسيا في عهد فلاديمير لن تكون بأفضل حال من سلفه ( يلتسن ) ، لكن الأمر تغير عندما سعى بوتين الى وضع عدد من المبادئ التي ساهمت في تطوير روسيا في النظام الدولي ، وعدم السماح للولايات المتحدة بتهميش الدور الروسي على صعيد العلاقات الدولية . إذ رأى أن روسيا لا يمكن أن تستعيد مكانتها الدولية كقوى كبرى ما لم تتجاوز حالة المساعدات الخارجية وأزماتها الاقتصادية بالاعتماد على مواردها الذاتية ، ومن هنا بدأ بوتين جاهداً بترتيب أوراق الاستقرار الروسي والاقتصادي الداخلي كمنطلق لتوظيفها في السياسة الخارجية مما ساهم في زيادة فاعلية الدور الروسي على الصعيد الدولي. هذه الإجراءات جعلت الكثير من السياسيين الامريكيين يسترجعون ذكريات الحرب الباردة وأن روسيا ولدت من جديد عندما تولي بوتين مقاليد حكمها .
أثارت الحرب الروسية-الأوكرانية العديد من الإشكاليات الجدلية المتعلقة بمقاربات تحليل السياسة الخارجية للدول. كثير من التحليلات ذهبت إلى أن العلاقات الدولية وقرارات السياسة الخارجية الآن محكومة بواقع نظرية الواقعية الكلاسيكية القائمة على المبادئ الستة التي أوردها هانز مورجنثاو في كتابه “السياسة بين الأمم”، باعتبارها الدعامات الرئيسية في التحليل الواقعي للسياسة الدولية، والتي من أبرزها مبدأي المصلحة والقوة، والقوة السياسية اللتان يعتبران بمثابة الدعامات الرئيسية في التحليل الواقعي للسياسة الدولية، والتي من أبرزها مبدأي المصلحة والقوة، والقوة السياسية اللتان يعتبران بمثابة دعامتا التحليل في النظرية الواقعية لمورجنثاو، يبرز الجانب الأهم لتأثير النظرية الواقعية في مدى الدور الذي يلعبه القائد السياسي على عملية صنع قرارات السياسة الخارجية؛ حيث يشير مورجنثاو في كتابه إلى الاتصال بين مفهوم القوة، ودورها في تحريك سلوك الإنسان. وكيف أن الطبيعة البشرية هي صلب رؤيته النظرية في السياسة الدولية، أو على حد قوله: “في الطبيعة البشرية تجد القوانين الحاكمة للسياسة الدولية جذورها”، وأن “العالم هو نتاج للقوى الكامنة في الطبيعة البشرية”. وتتبلور الطبيعة البشرية لديه بالرغبة الجامحة في القوة إلى حد الشهوة، كما أن جوانب الفجور المتأصلة في النفس الإنسانية تهيمن على كل أعمال الإنسان، أو على حد قول مورجنثاو: “إن الرغبة الخالدة في القوة تجعل من الشر مسيطراً على كل السلوك الإنساني”.
استناداً إلى ذلك؛ ترفض النظرية الواقعية السياسية فكرة التزام الدول في علاقاتها بالقواعد الأخلاقية التي أقرها العالم عبر حضاراته المختلفة، ذلك بأنها قد تعلم ما هو خير وما هو شر في السياسة الدولية، لكنها تظل دائمة ملتزمة بتحقيق مصلحتها المتمثلة في بلوغ القوة بمنأى عن أي تزيد أخلاقي أو حماقة سياسية. يمتلئ تاريخ العلاقات الدولية بالعديد من النماذج والحالات التي كان لصانع السياسة الخارجية فيها التأثير والدور الأبرز في صياغة وصنع قرارات وتوجهات السياسة الخارجية؛ والآن كما تحاول أن تروج العديد من التحليلات الغربية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.[89]
ثانيًا: قرار بوتين بإعلان الحرب على أوكرانيا:
يعتبر الرئيس “بوتين” أن حلف “الناتو” يمثل أداة للسياسة الخارجية الأمريكية، ويرى أن انضمام أوكرانيا للحلف يعني تهديدًا مباشرا لأمن روسيا. وإنشاء كيان معاد لروسيا يتم تزويده بأحدث الأسلحة، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أن تكون روسيا دولة كبرى، وتحاول إضعافها بفرض العقوبات عليها. وتنبع مخاوف روسيا من عدم تنفيذ اتفاق منسك”، ومن توسع الحلف شرقا بعد انضمام كل دول أوروبا الشرقية إليه، إلا أن محاولات روسيا لمنع توسع الحلف باءت بالفشل. وأصبح الحلف يحيط بحدودها. وبسبب توسع حلف الناتو شرقا، ورفض “زيلينسكي” الاستجابة لطلب “بوتين” بعدم الانضمام لحلف “الناتو”، بالإضافة لعوامل دولية وأخرى داخلية تحركت مخاوف الرئيس “بوتين” بقوة، مما جعله يقدم على تنفيذ العملية العسكرية الروسية الثانية في أوكرانيا في ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، والتي نتج عنها تدمير البنية التحتية لأوكرانيا وإحداث ماس لشعبها، أخذا في الاعتبار أهمية أوكرانيا بالنسبة لروسيا لأسباب استراتيجية وتجارية وأمنية، والتي تعد بمثابة منطقة عازلة لها. وترجع المخاوف الروسية إلى كونها تعد أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، مما يجعل حدودها عرضة للتعدي وهذا دفعها إلى تبني سياسات دفاعية استباقية والتركيز على التمدد عسكريا وسياسيا خارج حدودها، وحماية لأمنها القومي، مما جعلها تضخ استثمارات ضخمة في الصناعات العسكرية وهذا جعلها ثاني دولة مصدرة للسلاح في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية. وفي منتصف أغسطس ٢٠٢٣ أعلن الرئيس “بوتين” أن الشعب الروسي يفتخر بجيشه وأسطوله، وموسكو مستعدة لتوسيع تزويد الحلفاء والشركاء بمختلف طرازات الأسلحة والمعدات الحربية. وقد كرر “بوتين” في جميع خطاباته السياسية منذ بدء العملية العسكرية بأوكرانيا، أنها تمثل نهاية للنظام الدولي الحالي القائم على القطبية الأحادية بقيادة أمريكية، وأن هناك نظامًا جديدًا متعدد الأقطاب في طور التشكيل. كذلك تتمتع روسيا والمعلوماتية والسيبرانية والاستخباراتية. بامتلاكها أحد أكثر الجيوش السيبرانية في العالم تطورًا حيث يتميز بقدرات استخباراتية متقدمة. إلى جانب إمكاناته الهائلة في الحرب الإلكترونية والمعلوماتية والسيبرانية والاستخباراتية.[90]
وبسبب التخوف من تفوقها العسكري، ووفقًا الحوار مع نائب وزير خارجية روسيا مع وكالة تاس في ٢٨ يناير ٢٠٢٢، قال: إن روسيا واجهت هجمات سيبرانية غير مسبوقة، وأصبحت هدفًا لوكالات الاستخبارات وشركات (AI) وعملائهم من دول غربية مختلفة. ومعظم هذه الهجمات كانت من الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف “الناتو” وأيضًا من أوكرانيا. وزادت هذه الهجمات ليس في عددها فقط، وإنما في تعقيداتها أيضًا. كما ضخت الدول الغربية مبالغ طائلة لتدريب الكوادر الفنية في كييف، لزيادة مهاراتهم في التعامل مع وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات.
قرار بوتين بإعلان الحرب على أوكرانيا في ٢٤ فبراير ٢٠٢٢ قوبل بإدانة دولية كبيرة، ظهرت في التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، حيث وبالإضافة للتأثيرات السابقة، كان لهذه الأزمة صوتت ١٤١ دولة لصالح القرار، مقابل رفض خمس دول، وامتناع ٣٥ دولة عن التصويت. والجدير بالذكر أن هذه الأزمة لها خصوصيتها؛ لأنها حدثت بين دولتين جمعهما تاريخ مشترك، وهذا له مردوده حول وجود خصائص مشتركة لكل منهما من قيم لتخطيط الاستراتيجي للقيادة الروسية، كانت آثار تلك الحرب الاقتصادية أكثر تدميرًا على اقتصادات أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وبدأت المجتمعات الأوروبية تعرف معنى اقتصاد الحرب. تداعيات أخرى كثيرة فقد أدى الصراع إلى نتائج عكسية، حيث وحد الجبهة الغربية ضد روسيا، إذ عمل “بوتين” بشكل لا إرادي على توحيد الغرب ضد روسيا بشكل أكثر تنسيقًا مقارنة بما حدث منذ عقود. وبالمقابل أدت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي إلى تقارب روسيا والصين بشكل كبير. وعلى الرغم من أنها ليست حربًا عالمية وإنما حرب بين دولتين، فإنها شغلت الرأي العام العالمي، وأثرت الأزمة كذلك على توازن القوى في الساحة الآسيوية، وعلى مسار علاقات بعض القوى في القارة الآسيوية مثل الصين وروسيا واليابان والهند وشكلت تحديا كبيرا للسياسة الخارجية للصين لمواكبتها تعمق شراكة الصين مع روسيا من جهة، وتصاعد حدة التوتر بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى. كذلك جمعت هذه الحرب مزيجًا من الأنماط المختلفة للحروب، سواء كانت تقليدية، أو سيبرانية حيث كان لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات دور كبير المواجهات بين طرفي الصراع. ولأول مرة يتم الإعلان رسميا عن الاستعانة بمرتزقة في الحرب النظامية. كما أظهرت الحرب بشكل كبير هيمنة الإعلام الغربي لصالح أوكرانيا على حساب روسيا. فضلا عن استخدام المسيرات الجوية والبحرية.[91]
وتمثل الأزمة الروسية الأوكرانية لحظة فارقة في تاريخ العلاقات الدولية، سوف تمتد تداعياتها لسنوات قادمة. كما أنها تجسد لحظة تجرى خلالها مراجعة عدد من الافتراضات والمعطيات التي قامت عليها التفاعلات الدولية في السنوات الأخيرة، أهمها: أنها أعادت الاهتمام بالبعد التاريخي في فهم وتحليل دوافع وأبعاد تلك الأزمة. وأنه لا غنى عنه في تحليل العلاقات الدولية. علاوة على أهمية الجغرافيا السياسية فمطالب روسيا بشأن عدم ضم أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي ترتبط بجوارها الجغرافي. كذلك أعادت تأكيد أهمية الأدوات العسكرية التقليدية في تحقيق الأهداف الاستراتيجية، وأدت إلى تعزيز التحالف الأوروبي في حيث تبنت دول حلف “الناتو” موقفا موحدا من الأزمة. ومن ناحية أخرى شكلت العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وحلفاؤهما على روسيا تراجعا كبيرًا في ظاهرة العولمة”.
ولا شك أن هذه الحرب تمثل مواجهة عسكرية حقيقية بين أضخم القوى العسكرية في العالم وكان السلاح الأقوى الذي تم توظيفه هو السلاح الاقتصادي، حيث اشتعلت الحرب الاقتصادية بصورة غير مسبوقة في التاريخ. وفي ظل الحرب الروسية – الأوكرانية تحققت المواجهة المباشرة بين الغرب ممثلا في حلف الناتو” وروسيا، وكان الهدف منها تدمير الاقتصاد الروسي.
تعكس القرارات التي يتخذها القادة السياسيون، سواء كانت تلك القرارات معنية بالشأن الداخلي أو الخارجي، تأثيرات جوهرية على الساحة الدولية وعلى الوضع الداخلي. وعلى صعيد إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد أثارت الأزمة جدلًا عالميا واسعًا حول تغير النظام الدولي بين فريقين الأول يرى أن تحول النظام الدولي قد بدأ بالفعل، والآخر يرى أنه من المبكر الحديث عن تحول كبير في هذا النظام. وتعد حرب روسيا على أوكرانيا حدثا تاريخيا أثر بشكل مباشر ليس على حياة الأوكرانيين فقط، وإنما السياسية لأوروبا، بل على الساحة الدولية حيث أثرت الأزمة بشكل كبير على الأمن الغذائي لكثير من الدول التي تعتمد على المحاصيل الزراعية اللمسية والأوكرانية، وعرضته لضغوط كبيرة، في الوقت الذي كان قد بدأ فيه العالم يتعافى من تداعيات أزمة كورونا. كما برزت ظاهرة القوميات على السطح مرة أخرى، حيث ساعدت روسيا الأقليات الروسية التي تدعو للانفصال، وفي المقابل اتخذت أوكرانيا سياسات عدائية بشأن الأقليات الروسية. ومن جهة اخري، أيضًا تزامن مع الحرب ظهور التحالفات الدولية. فعلى المستوى الغربي ركزت الولايات المتحدة على تحالفها مع دول الاتحاد الأوروبي، وزيادة عدد أعضاء حلف “الناتو” الذي وصل عدد دوله إلى ٣١ دولة، فضلا عن حلفائها في آسيا. وعلى الجانب الآخر ركزت روسيا على نوعين من التحالفات على المستوى الثنائي وعلى المستوى الجماعي الاقتصادي والأمني.[92]
ثالثًا: استمرار الحرب الروسية الأوكرانية:
الرئيس فلاديمير بوتين يمثل شخصية ذات تأثير مباشر وحاسم في عملية اتخاذ القرار في روسيا الاتحادية. تتأثر عملية اتخاذ القرار في الحكومة الروسية بشكل كبير بالشخصية والبيئة النفسية للرئيس. يعتبر بوتين شخصية قيادية وذات شخصية قوية وقدرة على اتخاذ القرارات بحزم وثقة، مما يعكس نمط تفكيره وتوجهاته السياسية.
تتسم شخصية بوتين بالحزم والتصميم، حيث يُعتبر مؤثراً بشكل كبير في وضع سياسات روسيا واتجاهاتها الخارجية. يؤكد خطاباته المتكررة على أهمية الاستقلالية الروسية والتعامل بمساواة مع الغرب والعالم الخارجي، مما يعكس نمطه الفكري في بناء السياسة الخارجية للبلاد.
استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا يمثل جزءاً كبيراً من السياسة الخارجية الروسية، ويرجع ذلك جزئياً إلى رؤية بوتين الحازمة بشأن تعزيز مكانة روسيا في الساحة العالمية وتصحيح الوضع الدولي الذي يراه متأثراً بتفاهمات سابقة لصالح الغرب. يُصر بوتين في خطاباته على ضرورة أن يُعامل الغرب روسيا بكرامة واحترام، وأن يُنظر إليها كقوة مؤثرة وشريك استراتيجي، لا كطرف ضعيف أو ضال، بوتين يستند في اتخاذ القرارات إلى تحليلاته الشخصية والاستراتيجية للوضع الدولي، ويعتبر نمط تفكيره الفكري محوراً هاماً يتم بناء السياسة الخارجية الروسية عليه. يسعى بوتين إلى تعزيز مكانة روسيا ودورها العالمي، ويعتمد على نهج قوي وحاسم في التفاعل مع العالم الخارجي وفي التعامل مع التحديات والأزمات الدولية بحكمة وحزم.
رابعًا: قراءة تحليلية في خطابات الرئيس بوتين أثناء الحرب الروسية علي أوكرانيا:
في عالم السياسة الدولية المعاصرة، تمثل الحروب والنزاعات المسلحة تحديات كبيرة تشكل تأثيرًا عميقًا على الأمن العالمي والسياسات الدولية. واحدة من هذه النزاعات هي الحرب الروسية في أوكرانيا، والتي شهدت تدخلاً عسكريًا من قبل روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين. يعد فهم تأثير الرئيس بوتين على مجريات هذه الحرب أمرًا ضروريًا لتحليل الديناميات السياسية والايديولوجية التي تعمل وراء هذا الصراع.
من أجل تحقيق هذا الفهم، نعتمد على دراسة خطابات الرئيس بوتين خلال فترة الحرب الروسية في أوكرانيا. يعتبر الخطاب السياسي أداة فعالة للتعبير عن الرؤية الايديولوجية والأهداف السياسية، ولذلك سنركز في هذا التحليل على العناصر الرئيسية التالية في خطابات الرئيس بوتين:
- الإيديولوجيا البارزة في الخطابات: سنحلل الأفكار والقيم التي يبرزها بوتين في خطاباته خلال الحرب، مثل السيادة الوطنية، والتأكيد على دور روسيا كقوة عالمية، والدفاع عن المصالح الروسية في المنطقة.
- 2. النبرة الخطابية: سندرس الطريقة التي يتحدث بها الرئيس بوتين، سواء كانت متحفزة للعمل أو محفزة للدفاع عن النفس، وكيفية تأثير هذه النبرة على الجمهور المستهدف وعلى السياسات الخارجية لروسيا.
- 3. المرجعية الفكرية: سنحدد المفاهيم والمراجع التي يستند إليها بوتين في خطاباته، سواء كانت تقاليد تاريخية روسية، أو نظريات سياسية معاصرة، أو قيم دينية، أو سياسيين وصحفيين بارزين. سيتيح لنا فهم هذه المرجعية الفكرية استنتاج أسباب سياساته وتصرفاته خلال الحرب.
وسوف يتم تقسم هذا الجزء إلي ثلاث فترات:
- الأولى من فبراير إلي أكتوبر من العام 2022
- الثانية من نوفمبر2022 إلي يوليو من العام 2023
- الثالثة من أغسطس2023 إلي إبريل من العام 2024
أولا: الفترة من فبراير إلي أكتوبر من العام2022 (التمويه الاستراتيجي):
منذ بدأ العملية الروسية الخاصة- كما يسميها الروس- في أوكرانيا اتسمت خطابات الرئيس بوتين بالعديد من الخصائص، التي اضافت بعد اخر للخطابات يستدعي التحليل والوقوف عنده لفهم حجم ومدي التأثير الذي يحدثه الرئيس بوتين في مجريات الحرب الروسية الأوكرانية.
عند اعلان الرئيس الروسي بدأ العملية الروسية الخاصة كان هناك ملامح أساسية في خطابه ركز عليها بشكل واضح، وقد وضح الرئيس ان روسيا لم تكن ترغب ان تسير الأمور علي هذا النحو وانها قدمت جميع الحلول السلمية علي مدار ثلاثون عاما لكي تصل الي اتفاق بشأن مبادىْ الامن المتساوي بينهم الى ان الغرب لم يكون يولي اهتمام الاقتراحات الروسية وانه تعامل مع الازمة بعدم مهنية او احترام للمصالح الروسية.
“I am referring to the expansion of the NATO to the east, moving its military infrastructure closer to Russian borders. It is well known that for 30 years we have persistently and patiently tried to reach an agreement with the leading NATO countries on the principles of equal and inviolable security in Europe. In response to our proposals, we constantly faced either cynical deception and lies, or attempts to pressure and blackmail, while NATO, despite all our protests and concerns, continued to steadily expand. The war machine is moving and, I repeat, it is coming close to our borders.”[93]
ونلاحظ من خطاب الرئيس الأول أنه يولي أهمية لتوضيح سبب قيام روسيا بالعملية العسكرية وان روسيا غير مذنبة وان الغرب هو المخطئ الوحيد في النزاع، لأنه تجاهل المصالح الروسية علي مدي ثلاثين عاما هي عمر روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وبدأ العملية العسكرية.
كما ذكر الرئيس العمليات العسكرية في صربيا وسوريا وليبيا وان الغرب يكيل بمكيالين وانه يبيح لنفسه التدخل في شؤون الدول علي عكس روسيا التي تدافع عن نفسها امام أطماع
الغرب في بلاده، كما ذكر الرئيس بوتين الروابط التاريخية التي تجمع بين كل من روسيا واكرانيا ودعاهم ان يقفو مع روسيا ضد الغرب الذي يحاول التفرقة بينهم وهم في الأصل شعب واحد.
“You don’t have to look far for examples. First, without any approval from the UN Security Council, they carried out a bloody military operation against Belgrade, using aircraft and missiles right in the very centre of Europe. [They carried out] several weeks of continuous bombing of cities and critical infrastructure. We have to remind of these facts, as some Western colleagues do not like to remember those events, and when we talk about it, they prefer to point not to the norms of international law, but to the circumstances that they interpret as they see fit. ”[94]
بشكل عام اتسمت خطابات الرئيس في هذه الفترة بأنها دفاعية محاولة إبراز موقف روسيا انها تدافع عن حقوق مشروعة لها كما يفعل الغرب، وان روسيا لن تقبل الهزيمة بأي شكل من الاشكل لأن العقوبات ما هي الا ادا سخيفة ساهمت في اضعاف الغرب اكثر من الحاق الضرر بروسيا.
كما وضح الرئيس ان روسيا مستعدة للتفاوض لحل النزاع لكنها لن تتخلي عن القرم او الأراضي التي اكتسبتها خلال الأشهر الاولي من المعركة، كانت خطابات الرئيس أيضا تعطي الأسباب لاستمرار العملية العسكرية، وذلك بسبب الأسلحة الغربية التي يدعم الغرب بها أوكرانيا لكي تطيل من امد الصراع.
يمكن النظر لخطابات الرئيس الروسي علي انها انعكاس للنسق الفكري والعقائدي للرئيس بوتين، ولطالما ندد الرئيس بوتين بسياسات الغرب وصفا أيها بالأحادية والغير مهنية وهذا يلقي بظلاله علي المرارة التي تشعر بها القيادة الروسية من تعامل الغرب معهم اثناء وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي. أيضا اصرار الرئيس الروسي علي التأكيد ان روسيا ماضية في العملية العسكرية حتي تحقق اهدفها، هو انعكاس لشخصية الرئيس العنيدة المصرة علي محو عار الهزيمة في الحرب الباردة.
تأكيد الرئيس بوتين في تصريحاته الاولي علي ان روسيا مستعدة للتفاوض جاء نتيجة سيطرة روسيا علي مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية وكان من الممكن التفاوض عليها من اجل تعطيل الانضمام لحلف الناتو
“Russia is open to dialogue on ensuring strategic stability, preserving non-proliferation regimes for weapons of mass destruction and improving the situation in the field of arms control[95],”
الأيدولوجيات الأكثر بروزًا في الخطابات:
أ- أيديولوجية التشكيك والتخوين:
والتي انعكست في الممارسة الاجتماعية لمنتج الخطاب، حيث اعتمد عليها الخطاب محل
التحليل كأحد وسائل صناعة الصورة المغايرة عن النظام قائل “لقد أقسمتم على الولاء للشعب
الأوكراني، وليس للمجلس العسكري المناهض للشعب الذي يسرق أوكرانيا ويسخر من هؤلاء
الأشخاص أنفسهم” لكى يشير إلى أن النظام الأوكراني خان الشعب فيما أقسم عليه[96]
ب- أيديولوجية تشويه الآخر:
يتبنى بوتين استراتيجية تشويه الآخر كجزء من سياسته الخارجية، حيث يُستخدم هذا الأسلوب لتبرير تصرفاته وسياساته المحلية والدولية. تُظهر خطابات بوتين أنماطًا ملموسة لهذه الإستراتيجية، سواء في تقديم الغرب على أنه معاد لروسيا أو في تشويه المعارضين المحتملين داخل البلاد.
في السياق الدولي، تستند استراتيجية بوتين على تشويه الآخر إلى إطار واسع من الأفكار والمفاهيم السياسية، مثل الاستعارات الثقافية والأخلاقية. يُفضل الرئيس الروسي إبراز فكرة عدم الثقة في الغرب، مع تشجيع الأفكار القومية والوطنية. يتسم النمط الذي يتبعه بوتين بتسليط الضوء على النقائص المزعومة للأعداء السياسيين، سواء داخل البلاد أو على المستوى الدولي .وبالإضافة إلى ذلك، يُعزز بوتين هذه الاستراتيجية من خلال استخدام وسائل الإعلام الموالية له، حيث يتم ترويج هذه الأفكار والمفاهيم بشكل دوري ومتكرر. وبالتالي، يعتمد تشويه الآخر كجزء أساسي من الدعاية السياسية لنظامه.
ج- أيديولوجية الحشد:
بشكل عام الإيديولوجية التي تتبعها الإدارة الروسية في خطاباتها تعكس مزيجًا معقدًا من العناصر التقليدية والقيم الحديثة، التي تشكل في مجموعها اطارا عامة تستطيع الإدارة الروسية من خلاله حشد الشعب تجاهها، و يميل النظام الروسي تحت قيادة فلاديمير بوتين نحو الوطنية، والاستقلالية، والقوة الدولية، مع تركيز خاص على الحفاظ على الهوية الثقافية والتقاليد الروسية. تشمل العناصر الرئيسية لهذه الإيديولوجية عدة جوانب:
أولاً، وقبل كل شيء، يبرز النظام الروسي الحاجة إلى الاستقلالية الوطنية ومكافحة التدخل الخارجي. يعتبرون أنفسهم دائمًا كمعاونين في المجتمع الدولي، لكنهم يشددون على حقهم في اتخاذ القرارات السياسية الخاصة بهم بدون تدخل خارجي.
ثانيًا، تؤكد الإدارة الروسية على القيم التقليدية والأخلاقية، وتعزيز الهوية الثقافية الروسية. تروج الحكومة للقيم المحافظة مثل الأسرة والدين، وتبرز أهمية الاستمرار في تعزيز التقاليد الثقافية الروسية التي تمثل ركيزة لوحدة البلاد.
ثالثًا، تركز الإدارة على الاقتصاد والتنمية، وتسعى إلى تعزيز التقدم الاقتصادي لروسيا. تستخدم الحكومة الخطاب الوطني والقومي لتعزيز الاستثمار الداخلي وجذب رؤوس الأموال والتكنولوجيا الحديثة.
رابعًا، تسعى الإدارة إلى استعادة مكانة روسيا كقوة عالمية. تتحدث الحكومة بإيجابية عن تاريخ روسيا العظيم وتقديمها كلاعب دولي رئيسي في الشؤون الدولية.
د- أيديولوجية التهوين:
قررت إطلاق عملية عسكرية خاصة. هدفها هو حماية السكان الذين تعرضوا للتنمر والإبادة الجماعية من قبل نظام كييف لمدة ثماني سنوات” وكأن القيام بعملية عسكرية أمر هين فيه غض للطرف عن الخسائر البشرية والاقتصادية والعسكرية لكال الطرفين خاصة في استخدامه لكلمة التنمر وكأن أحد الأسباب الأساسية تعرض السكان للتنمر.[97]
النبرة الخطابية:
النبرة الخطابية هي الطريقة التي يستخدمها المتحدث لنقل مشاعره ومعانيه من خلال صوته أثناء التحدث. تعتبر النبرة جزءًا أساسيًا من الاتصال اللفظي، حيث تلعب دورًا هامًا في تعزيز فهم الرسالة وإثارة استجابات عاطفية لدى الجمهور. تشمل العناصر الأساسية للنبرة الخطابية: اللهجة، والإيقاع، والنبرة، والصوت. عن طريق تغيير هذه العناصر بشكل ملائم، يمكن للمتحدث تعزيز قوة الرسالة وجذب انتباه الجمهور بشكل أكبر، وقد تميز الرئيس بوتين بشكل كبير في النبرة الخطابية بل وصف الي حد المهارة في التنقل بين اكثر من نبرة في نفس الخطاب.
وقد تميزت خطابات الفترة الأولي من الحرب بالعديد من النبرات التي شكلت انعكاس لرؤية الرئيس بوتين للحرب وللعملية العسكرية بشكل عام واولي هذه النبرات هي نبرة السخرية والاستهزاء.
استعمل الرئيس بوتين هذه النبرة لكي يضفي نوعا من السخرية من الغرب وتصرفاته التي تميزت بالازدواجية والعجرفة وعدم احترام الاخر، أيضا السخرية من العقوبات الامريكية والغربية علي روسيا ومن مدي فعاليتها في التأثير علي القرار الروسي .
“[98]That blitzkrieg on which our foes were counting on did not work,”
ثانيا: نبرة التحدي:
كثيرا ما كان يظهر الرئيس الروسي في خطابته العبارات التي يظهر فيها تحدي واضح وصريح للغرب، الذي يهيمن علي المشهد السياسي والاقتصادي في العالم وذلك من خلال الأدوات الاقتصادية والسياسية والثقافية، تحدي بوتين هذه الأدوات واصر علي ان روسيا ماضيا في تحقيق جميع أهدافها العسكرية ووصفها بنبيلة وهذا بحد ذاته يعطي تصورا علي كيف يرى الرئيس العملية العسكرية في اوكرانية.
“Its goals are absolutely clear and noble……. There is no doubt that the goals will be achieved.”[99]
“I want the Kyiv authorities and their real masters in the West to hear me, so that they remember this. People living in Luhansk and Donetsk, Kherson and Zaporizhzhia are becoming our citizens. Forever.”[100]
ثالثًا: النبرة التحذيرية:
من خلال دراسة خطابات الرئيس بوتين في هذه الفترة تمت ملاحظة ان الرئيس دائما ما حزر أعداء روسيا من المساس بأمنها وسلامة مواطنيها، وان روسيا قادرة علي الرد علي التهديدات المحيطة بها، كما انه حزر في مراحل معينة من الحرب بعدم ارسال أسلحة تكتيكية الي أوكرانيا وبالفعل التزم الغرب بتحذيراته، كما تم التهديد بأكثر من طريقة ان روسيا لن تتواني علي استخدام أسلحتها النووية اذا لزم الامر.
“we will strike at those targets which we have not yet been hitting,” .[101]
المرجعية الفكرية:
تعتبر المرجعية الفكرية أساسا سليما من الممكن ان يبني عليه تحليل خطاب الرئيس الروسي، لذلك فأن مرجعية الفكر السياسي والخطابات للرئيس بوتين تتمحور بشكل كبير حول الروابط التاريخية بين الدول السلافية، بما في ذلك أوكرانيا، وتاريخها المشترك. يعتبر بوتين أن هذه الروابط تشكل أساساً هاماً للتفاهم والعلاقات الدولية في المنطقة. يشدد بوتين في خطاباته على الأبعاد التاريخية المشتركة بين روسيا وأوكرانيا، مثل الحضارة الروسية القديمة والتاريخ المشترك في الحروب والأحداث الثقافية. يعزز بوتين هذه الروابط كنقطة انطلاق لتعزيز الحوار مع الدول المحيطة. كما يعتبر بوتين أن الاحترام المتبادل للتاريخ والثقافة المشتركة بين السكان السلافيين يعزز الوحدة والاستقرار في المنطقة.
وقد ظهر هذا جليا في مقال للرئيس الروس بعنوان التاريخ المتحد بين روسيا وأوكرانيا حيث قال لفهم الوضع الحالي بشكل أفضل والنظر إلى المستقبل، يجب أن نلجأ إلى التاريخ. بالطبع، من المستحيل تغطية جميع التطورات التي حدثت على مدى أكثر من ألف عام في هذه المقالة. ولكن سأركز على اللحظات المحورية الرئيسية التي تعتبر مهمة لنا أن نتذكرها، سواء في روسيا أو أوكرانيا.[102]
خلال فترة الحرب الأولى، كانت خطابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تتميز بطابع مناوري تكتيكي، حيث استخدم فيها مزيجًا متناغمًا من التهديد بالقوة ودعوات للمفاوضات على أساس الندية. يمكن النظر إلى هذا النوع من الخطابات كجزء من استراتيجية تكتيكية لبوتين لتحقيق أهدافه في النزاع الذي كان يعيشه البلد.
في السياق العسكري، كان بوتين ينتقد بشدة سياسات الدول الغربية ويحذر من تبعات محتملة لأي عدوان أو تدخل أجنبي في المنطقة، مشددًا على استعداد روسيا للرد بقوة في حال تعرضت لأي تهديد. ترتبط هذه الرسائل بالدبلوماسية الروسية التقليدية التي تضع التأكيد على القوة كجزء من المفاوضات والعلاقات الدولية.
مع ذلك، لم يكن بوتين يعتمد فقط على لغة القوة والتحذير، بل كان يلمح أيضًا إلى إمكانية المفاوضات والحوارات المستقبلية. فعلى الرغم من التصعيد العسكري والتوترات، كانت هناك دعوات مستمرة للتفاوض والبحث عن حلول دبلوماسية. يمكن أن تُفسر هذه الخطابات على أنها محاولة من بوتين لتحقيق توازن بين عرض القوة وفتح الأبواب أمام الحوار الدبلوماسي.
بوتين كان يعمل على تحقيق الغايات الروسية في النزاع من خلال إبراز القوة والتزامه بالحوار المستمر. هذا النوع من الخطابات كان يسعى لتحقيق تأثير استراتيجي يعزز الموقف الروسي دوليًا، بما في ذلك التفاوض على أسس الندية والمصالح المشتركة.
ثانيًا: الفترة من نوفمبر2022 إلي يوليو2023 (الثبات التكتيكي):
في هذه المرحلة، شهدت خطابات الرئيس بوتين تركيزًا كبيرًا على مستقبل روسيا والرغبة في تصحيح أخطاء الماضي. أصبح من الملحوظ أن بوتين يعتبر أن روسيا تستحق مكانًا أفضل على المستوى الدولي، وأنها كانت تعاني بسبب دورها المفترض الذي لم يعكس حجمها الفعلي. تشير خطاباته إلى أن العملية العسكرية في أوكرانيا تُنظر إليها باعتبارها خطوة نحو تحقيق استقلال مستدام وحقيقي للبلاد.
من الجوانب الملحوظة في هذه المرحلة هو الخروج المتزايد من الاتفاقيات الدولية والتقارب مع دول تحظى بتأييد روسيا، مثل بيلاروسيا. يعكس هذا انتقالًا استراتيجيًا في التعامل الدولي، حيث يُعزز التحالف مع دول تشارك نفس الرؤى الاستراتيجية. على الرغم من التحديات الدولية والضغوط، تُعتبر هذه الخطوات جزءًا من رؤية بوتين لمستقبل روسيا كدولة ذات تأثير عالمي يليق بها، مصححة للمسار السابق وطامحة لتحقيق استقلال حقيقي يعكس قدراتها ومكانتها الفعلية في الساحة العالمية.
بشكل عام عكست هذه المرحلة من الخطابات، نمط تفكير الرئيس بوتين للمستقبل حيث نجد انه في بعض الخطابات يذكر ان روسية تقوم بالعملية العسكرية في اوكرانية كخطوة علي الطريق نحو روسيا جديدة ومستقلة- من وجه نظره- ومن هنا يأتي في الأفق خطابة في منتدي الامن العالمي في ميونخ من العام 2007، وكانت اول مره ينتقد الغرب بشكل واضح وعلني انتقد سياسات الغرب تجاه روسيا ووصفها بأنها غير مهنية وانها تكيل بمكيالين، كما انتقد وبشكل اخطر الأحادية القطبية وهيمنة الغرب علي المشهد . قد ظهر في خطابه هذا عزمة المطلق علي تغير الوضع لصالح روسيا.
“If the international community does not find a reasonable solution for resolving this conflict of interests, the world will continue to suffer similar, destabilizing crises… We are going to constantly fight against the threat of the proliferation of weapons of mass destruction.”[103]
وفي هذه المرحل ذكر الرئيس ان العملية العسكرية الروسية الخاصة خطوة لتحقيق الاستقلال ليأتي هذا الخطاب متكامل مع وجه نظر الرئيس التي طرحها في ميونخ.
“It was a year of truly pivotal, even fateful events. They became the frontier where we lay the foundation for our common future, our true independence.”[104]
كما كنت هذه المرحة تأتي وكأنها تمثل رد فعل بوتين الشخصي علي الغرب وتصرفاته، حيث انه خرج من معاهدة الأسلحة الاستراتيجية الهجومية وكأنه يقول للمجتمع الدولي والنظام الدولي انه لا يحترم من لا يحترم روسيا وبالتالي لا يحترمه.
“I am forced to announce today that Russia is suspending its participation in the strategic offensive arms treaty.”[105]
ومن خلال دراسة البيئة النفسية للرئيس فلاديمير بوتين نجده دائما ما يُظهر عزمًا لا يلين وقرارات حازمة في التعامل مع الأمور الدولية والتحديات التي تواجه روسيا. يتميز بوتين بصفات قيادية قوية تظهر في سياق اتخاذ القرارات والتصرفات السياسية، حيث تتميز قراراته دائمًا بالحزم والجاهزية لمواجهة الأعداء والتحديات.
تتجلى عزم بوتين في مواقفه المتصلبة والمتوازنة على المستوى الدولي، حيث يُظهر استعدادًا لحماية مصالح بلاده بكل الوسائل المتاحة. إن عزمه الثابت يعكس إيمانه بأهمية تعزيز الأمن القومي لروسيا وضمان سيادتها على الساحة الدولية.
بالإضافة إلى ذلك، تعكس قرارات بوتين الحازمة والمدفعة بالرغبة في الرد تصميمه على تحقيق الاستقلالية الوطنية وتعزيز القدرة الدفاعية لروسيا. وهو ما انعكس بشكل واضح ففي خطاباته خلال فترة الحرب.
الأيديولوجيات الأكثر بروزًا في الخطابات:
أيديولوجيا التهوين:
اعتمد الرئيس بوتين علي هذه الأيديولوجيا في خطابته لهذه المرحلة، لكي يبرر العديد من القرارات التي اتخذها. ومن ضمن هذه القرارات هو نشر أسلحة روسية في روسيا البيضاء الامر الذي برره بأن الغرب دأما ما كان يفعل ذلك وان روسيا لم تفعل شيء غريب.
“We’re basically doing the same thing they’ve been doing for a decade. They have allies in certain countries and they train their carriers, they train their crews. We are going to do the same thing. This is exactly what Alexander Grigoryevich (Lukashenko) has asked for.”[106]
أيديولوجيا الحشد:
الرئيس فلاديمير بوتين يُعتبر من القادة الذين يستخدمون بشكل متكرر إيديولوجيا الحشد في خطاباته ومواقفه السياسية. يسعى بوتين دائمًا إلى توحيد الشعب الروسي وتعزيز الوحدة الوطنية من خلال الإشارة إلى القيم والمبادئ التقليدية.
عندما يستخدم بوتين إيديولوجيا الحشد في خطاباته، يعمل على تعزيز الانتماء الوطني والفخر بالهوية الروسية. يستخدم ألفاظًا ومفاهيم تعزز الوحدة الوطنية وتجمع الناس حول أهداف مشتركة.
بوتين يُظهر استخدام إيديولوجيا الحشد في تأكيد التفاهم المشترك للقيم والمبادئ التي يراها مهمة لتحقيق التقدم والازدهار لروسيا.
“It was a year that put many things in their place, and drew a clear line between courage and heroism, on the one hand, and betrayal and cowardice on the other, showed us that there is nothing stronger than love for our near and dear, loyalty to our friends and comrades-in-arms, and devotion to our Fatherland.”[107]
أيديولوجيا تشويه الآخر:
في هذه المرحة وفي مفارقة غريبة قام الرئيس الروسي في احد خطاباته بزكر ان روسيا كانت تعيش وفق لقواعد رجل اخر ولم يسمي هذا الرجل ولاكن من الممكن ان يكون اخر رئيس للاتحاد السوفيتي ميخائيل جوربتشوف، الذي عرف ميله نحو الغرب اكثر من الازم. ومن الممكن ان يكون الرئيس الروسي بوتين مناهض لسياسات هذا الرجل هذا ما ظهر جليا في مراسم دفن جوربتشوف في( 30 أغسطس 2022) التي وصفت بالمتواضعة .
“And in the end, those who tried to control us, by and large, thanks to their efforts, we ended up in this situation, including in the zone of a special military operation. After all, they pushed the situation to this,”[108]
النبرة الخطابية
أولًا: النبرة التصعيدية:
اتسمت هذه المرحلة من خطابات الرئيس بوتين بكثير من التصعيد، فحاول الرئيس في كثير من الأوقات ابراز الندية والتساوي في التعامل. وإشكالية الندية هذه في حد ذاتها نمط واضح من أنماط تفكير الرئيس بوتين، فهو يري الغرب يتعامل مع روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بشيء من الدونية ودائما ما صرح بوتين بهذا أكثر من مرة.
ظهرت النبرة التصعيدية بشكل واضح في حديث الرئيس بوتين عن بيلاروسيا حيث قال ان أي عدوان عليها يعد عدوان علي روسيا نفسها، ومن هنا نلاحظ انتقال من ان الخطوط الحمراء في الفترة السابقة كان الاتحاد الروسي او المناطق المنضمة حديثا – شبه جزيرة القرم، الأقاليم الانفصالية في شرق أوكرانيا- ولاكن الان انتقلت الي الدول الصديقة وهذا بحد ذاته تحول كبير.
“Aggression against Belarus will mean aggression against the Russian Federation….. We will respond to it with all means at our disposal”[109]
ثانيًا: نبرة شعبوية:
يهدف هذا النوع من الخطابات إلى التأثير على المشاعر والعواطف لدى الجمهور، ويعتمد على استخدام الأساليب التقليدية والتلقائية للتواصل بدلاً من اللغة المعقدة أو المصطلحات الفنية.
وقد ظهر هذا بشكل واضح في احد خطابات بوتين التي كان يحاول مواسه الناس والاطقم الطبية، لمواصلة دعمه في قضيته النبيلة- من وجهة نظرة إعادة روسيا قوية ومحترمة من جديد- وقد لوحظ انه في هذا الخطاب اعتمد علي العواطف لستمالة الناس .
I cannot but acknowledge the help provided by ordinary citizens who, in the immediate aftermath of the tragedy, did not remain indifferent or apathetic and provided first aid and transported the victims to hospitals, working alongside doctors and special agencies’ personnel.[110]
المرجعية الفكرية
في خطابات الرئيس بوتين، يتميز نهج المرجعية الفكرية بتأكيد القيم والمبادئ التي يروج لها ويعتبرها جوهرية للهوية الروسية الحديثة. يعتمد بوتين في خطاباته على استعراض التاريخ الروسي والتراث الثقافي كمرجع لبناء الوعي الوطني وتعزيز الشعور بالانتماء للوطن.
يركز بوتين في هذه المرحلة على أهمية الاستقلالية والقوة الوطنية، مع التأكيد على دور روسيا كلاعب عالمي، تعتبر خطابات بوتين تعبيرًا عن المرجعية الفكرية الموجودة في الثقافة الروسية، حيث يُبرز قيم التضحية والوفاء والشجاعة والتفاني كأساس للنهوض بالوطن. كما يعكس خطابه التزامًا بالتقاليد والقيم الروسية التي تجسد تاريخًا طويلًا من المقاومة والتحدي.
تستخدم بوتين الخطاب الفكري لتعزيز الوحدة الوطنية وتعزيز الاستقلالية السياسية والاقتصادية لروسيا، مع تأكيد على أهمية الدفاع عن السيادة الوطنية والمصالح الروسية في المنطقة والعالم.
وفي هذه المرحلة ذاد تأثير بوتين بشكل واضح وقد ظهر ذلك من خلال خطابته التي عكست التوجهات الفكرية والانماط العقائدية للرئيس بشكل مباشر.
ثالثًا: الفترة من أغسطس2023 إلي إبريل 2024 (جني المكاسب):
خلال هذه المرحلة من خطابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، برزت روسيا بندية كاملة تجاه الغرب، حيث ركز بوتين على تعزيز الهوية الروسية والتراث الثقافي الفريد للبلاد. وقدَّم بوتين أفكاراً قوية حول الحضارة الروسية، مشيراً إلى مساهمتها الكبيرة في تاريخ العالم وأهميتها في تعزيز التوازن العالمي.
تناول بوتين في خطاباته خلال هذه الفترة القدرات الفريدة لروسيا في تطوير التكنولوجيا والأسلحة النووية، حيث شدد على أهمية استمرار التطور العلمي والتكنولوجي للبلاد. تحدث بوتين عن الإنجازات الروسية في مجال الطاقة النووية والصناعات العسكرية المتقدمة، مبرزاً دور روسيا كدولة رائدة في هذه القطاعات.
بالإضافة إلى ذلك، أبرز بوتين أهمية التعاون الاستراتيجي مع بيلاروسيا، مشدداً على علاقات الشراكة القوية بين البلدين وضرورة تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات، بما في ذلك الأمن والدفاع والاقتصاد. وأشاد بوتين بالتقارب السياسي والاقتصادي بين روسيا وبيلاروسيا، مع التأكيد على الأهمية الاستراتيجية لهذه العلاقات في ضوء التحديات الإقليمية والدولية الراهنة.
اتسمت هذه المرحلة بشكل خاص بأنها أعطت انعكاس واضح لنمط تفكير الرئيس بوتين، حيث كانت العقيدة الفكرية للرئيس تتمحور حول انه لا مجال للتراجع وان أي محاولة للتراجع او اظهار ذلك سوف يترجمها الغرب علي انها ضعف ولن يتردد في المهاجمة . وانهم يجب ان يقضو علي الهيمنة التي تحدث من قبل دول معينة لم يسمها، واستمرارهم في الحرب الروسية الأوكرانية هو الطريق للتحرر الوطني.
“Friends, our fight for sovereignty and justice is, without exaggeration, one of national liberation, because we are upholding the security and well-being of our people, and our supreme historical right to be Russia – a strong independent power, a civilisation state. It is our country, it is the Russian world that has blocked the way of those who aspired to world domination and exceptionalism, as it has happened many times in history”[111].
الأيديولوجيات الأكثر بروزًا في الخطابات:
- أيديولوجيا تشويه الآخر:
دائما ما عرف الرئيس الروسي بحديثة الساخر تجاه الغرب وقراراته فقد شاهدنا ردود فعلة علي العقوبات الغربية تجاه روسيا في الشهور الاولي من الحرب، وان هذه العقوبات سوف تنقلب علي الغرب في النهاية وبالفعل شاهدنا الغرب يعاني من ازمة حقيقة في الطاقة بسبب العقوبات التي فرضت علي روسيا.
ولاكن هنا وفي هذه المرحلة نبرة الرئيس كانت موجه تجاه القادة الأوكران، حيث قال انهم يدفعون شعبهم للموت المحقق- أي الحرب مع روسيا- وانهم لا يعون مدي المسئولية التي هم فيها، وبتوسلهم للغرب للمساعدة بالأسلحة او حتي التدريب هم يقدمون الأزا لشعبهم.
“I don’t know why they are doing it, they are pushing their people to get killed, it’s a one-way trip for Ukrainian forces. The reasons for this are political, because Ukrainian leaders are begging foreign countries for aid.”[112]
- أيديولوجيا التصعيد:
يعزز بوتين في خطاباته التصعيدية أيضاً أفكاراً تتعلق بالعودة إلى فترة القوى الكبرى وتوازنات القوى في العالم، مشيراً إلى أن روسيا يجب أن تكون شريكاً أساسياً في صياغة مستقبل النظام الدولي، خطابات بوتين تعكس إيديولوجية تصعيدية تهدف إلى إبراز دور روسيا كلاعب أساسي على الساحة العالمية، وإلى تعزيز موقعها بمواجهة ما ينظر إليها على أنه تهديدات وتحديات من الغرب الذي يبرر لنفسه ما يحرمه علي الدول الأخرى.
وقد وضح ذلك من خلال رد الرئيس بوتين علي سؤال وجه له بشأن الذخائر الأمريكية التي تقدم لأوكرانيا.
“is that this situation, like a drop of water, reflects what is happening in the world as a whole. What I mean by that is that there is one country that thinks it is exceptional, and that country is the United States. That country even thinks it is allowed to do what it considers a crime – it is the United States that uses cluster munitions, using the Ukrainian army in this case”.[113]
النبرات الخطابية
أولًا: نبرة التحدي
استمر التحدي هنا ايضا، ليبين انه نابع من الشخصية العنيدة التي يتمتع بها الرئيس بوتين.
ويظهر التحدي عند الرئيس فلاديمير بوتين يتجلى في سلوكه السياسي المستمر والقرارات الجريئة التي يتخذها. يُظهر بوتين إصرارًا على حماية مصالح روسيا وزيادة تأثيرها على الساحة الدولية، حتى لو تسبب ذلك في توترات مع دول أخرى. ولذلك يُعتبر بوتين شخصية حازمة ولا يتردد في مواجهة التحديات، سواء كانت داخلية أو خارجية، ويعتمد على استخدام القوة والتكتيكات السياسية الحاسمة لتحقيق أهدافه وإظهار القوة الروسية.
وفي هذه المرحلة ازدادت نبرة التحدي وظهرت في اكثر من موضع وبأكثر من طريقة، كما قال في احد خطاباته عبر الفيديو كون فرنس انه لن يتوانى في الرد علي أي تهديد تواجه روسيا حتي وان كان الغرب هو المحرك له وانه شوف يتعامل بالمثل.
نلاحظ دائما في خطابات الرئيس الروسي انه يركز علي نقطة التماثل التي بين الغرب وروسيا، فدائما ما يصرح ان روسيا ليست الا لندا للغرب علي كل المستويات وان الغرب دائما ما يدعي ما ليس له
“I would like to emphasise that we view any outside interference or provocations to incite ethnic or religious conflict as acts of aggression against our country, and an attempt to once again wield terrorism and extremism as a weapon against us, and we will respond accordingly.” [114]
بطريقة اخري ظهر أسلوب تحدي الرئيس بوتين للسياسات الغرب عندما سئل عن رأيه في تطوير الغرب للأسلحة النووية ورد انه علي علم بكل ما يحدث وفي نفس الوقت روسيا أيضا تطور أسلحتها النووية.
“They are now setting tasks to increase this modernity, innovation, they have a corresponding plan. We know about it too. They are developing all their components. So are we”[115]
النبرة التحذيرية:
عندما اجتمع الرئيس بوتين مع رئيس بيلاروسيا تحدث على انه لا يعارض المحادثات مع الأطراف المعنيين بالصراع في أوكرانيا، ولاكن علي شروطه هوا وانه لن يقبل أي مخطط لمحاولة فرض أمر واقع علي روسيا. وفي نفس الخطاب هدد بوتين بشكل غير مباشر انه سوف يلجأ للرئيس لوكاشنكو.
ونلاحظ هنا ان الرئيس بوتين يستعمل دولة بيلاروسا كفزاعة امام الدول الغربية لأنها وبسبب موقعها الجغرافي المميز والاستراتيجي -بالنسبة لدول البلطيق ولحلف الناتو- تعد نقطة قوة لصالح روسيا في مواجهة الغرب اذ تم استخدام أراضيها او اجوائها لأي عمليات عسكرية مستقبلية.
“It would be funny if it were not so sad. Once again, I would like to emphasise that we are in favour of talks. But not in the format of being imposed any schemes that have nothing to do with reality. Why do I say that? Because if the need arises, I will allow myself to turn to you, and maybe we will continue consultations with you in this area.”[116]
المرجعية الفكرية:
من المهم فهم المرجعية الفكرية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاباته لهذه المرحة، حيث تبرز رؤية روسيا كأمة فريدة ومتنوعة، ويعتبر هذا التنوع أساسًا لقوتها وتفردها. تؤكد خطاباته على الدور التاريخي الكبير لروسيا، ولكنها تركز بشكل خاص على فترة الاتحاد السوفياتي القوي في عهدي لينين وستالين، حيث يُعتبر ذلك الفترة فترة تألق وقوة لروسيا.
“Russia is a separate civilization, a ‘family of families’ for which traditional values are important; enemies are attacking, but they will not achieve anything thanks to the consolidation of society,”[117]
علاوة على ذلك، تظهر خطاباته التحدي الكامل للغرب وهيمنته على العالم، حيث ينتقد بشدة السياسات الغربية ويسعى إلى إعادة إحياء دور روسيا على الساحة الدولية. يركز بوتين في خطاباته على ضرورة تعزيز القدرات الروسية والحفاظ على استقلالية البلاد على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري. و من الجدير بالذكر أن تحليل المرجعية الفكرية لبوتين يتطلب فهمًا عميقًا للسياق التاريخي والسياسي لروسيا الذي اثر في تكون البيئة النفسية له.
المبحث الثالث
تداعيات الحرب الروسية علي أوكرانيا
مقدمة:
أن التداعيات الحرب الروسية الاوكراني خلقت حالة من التفاعل علي الساحة الدولية نتيجة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وأن فكرة المطالب التي طرحتها روسيا تسببت في ارباك الحسابات وتأجيل الإعلان عن نجاح المفاوضات مما أدي الي تراجع نبرة التفائل لدي المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية (أنكلير) وقالت أن الامال تتضاءل في التوصل الي صفقة لأحياء الاتفاق النووي لعام 2015 الا أن الضمانات الروسية تتمثل في ضمانات مكتوبة من قبل الولايات المتحدة بعدم تأثر العلاقات بين روسيا وايران بالعقوبات الغربية التي تتعرض لها روسيا بسبب تدخلها العسكري في أوكرانيا
أن من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية تتمثل في تنوع المقاتلين الأجانب علي الأراضي الأوكرانية للقتال ضد روسي بحسب جنسياتهم وتوجتهم السياسية وخبرتهم العسكرية والفئة الأكبر من مزدوجي الجنسية من حاملي الجنسيات الغربية ولكنهم من أصول أوكرانية وهذه الفئة تبلغ حوالي سته وستين ألف لذلك فالدافع شخص ويعود لأسباب عائلية فضلا عن رغبة في الاستقلال الوطني ضد روسيا ،لأنه علي الرغم من ذلك لا يتمتعون بقدرات قتالية لكنهم يتمتعون بالحماس تجاه القضية الوطنية وهناك نوع أخر من المقاتلين يمثلون القوة الغربية ولكن علي أساس فردي بعد قرار حلف الناتو بعدم التدخل في الحرب الجارية وهناك متطوعين في أوكرانيا من جنسيات أخري لا يحملون الجنسية الأوكرانية وليس لهم أصول أوكرانية ولكنهم يشاركون الشعب الاوكراني الرغبة في التحرير اذا يعتبرون هؤلاء الفئة أن نجاح روسيا لتحقيق أهدافها سينعكس علي سيادة بلادهم وتهديد أمنهم أذا أستمرت موسكو في التقدم الجغرافي وابتلاع هذه الدول ضمن سيادتهم وتكوين حكومات موالية لروسيا في هذه الدول وبحسب تصريحات الرئيس الاوكراني أن عدد المتطوعين في القتال تجاوز 16 الف مقاتل ثم أعلن وزير خارجية أوكرانيا أن العدد تجاوز 20 الف من 52 دولة وعلي الجاني الاخر أعلن الرئيس الروسي بوتين أن كتيبة بقوام 16 مقاتل من الشرق الأوسط التحقت بقوات بلادة لمحاربة أوكرانيا وأرجعت التكهنات بأن المقاتلين الأجانب سيكونون من سوريا وذلك أن موسكو لابد أن تستعين بجهود مقاتلين في سوريا خاصة في المعارك داخل المدن لخبراتهم في حرب طويلة الاجل لان معركة السيطرة علي العاصمة ستكون شرسة للغاية الا أنه من تداعيات هذه الحرب أيضا أن توافد المقاتلين الأجانب خلق حالة من المخاطر والمفارقات لأنه من غير المؤكد أن هؤلاء المقاتلين لديهم القدرة علي حسم الحرب بل يزيد من التعقيدات والصراعات الأخرى وأن حدورهم علي الساحة الأوكرانية سيخلق حالة من الثوابت التاريخية التي شارك فيها أجانب
ومن تداعيات الحرب أيضا موافقة الكونجرس الأمريكي في مايو 2022 علي تمويل ثفقة عسكرية لصالح أوكرانيا قيمتها أربعين مليون دولار فضلا عن حجم الأسلحة الهائلة التي تمدها بها القوة الغربية وهو ما يفسر طلب الرئيس الروسي فلادمير بوتين من مجلس الامن القومي لايجاد بدائل عبر التصنيع الوطني للرقائق الالكترونية ولهذا يمكن القول أن معادلة التصنيع والتسليح ما بين روسيا والغرب تشهد اختلالا لصالح الأخير ، ولا يعتقد أن الاولي قادرة علي تقليص الفجوة للوصول الي نقطة التعادل في عملية التصنيع وستراهن موسكو علي إيجاد بدائل خلال العامين القادمين قد لا يكفي ما لديها من مخزون للاستمرار في تلك الحرب وذلك لعدة أسباب منها – معادلة التكنولوجيا
– رهانات صعبة لروسيا لاستخدام مخزونها العسكري
– مرحلة التحول في النظام العالمي لقوة السلاح
– مرحلة التحول في النظام العالمي بقوة النموذج
– مستقبل النظام العالمي بين قوة السلاح وقوة النموذج
إلا أنه من تداعيات الحرب أيضا الاختلاف في المعطيات الحالية والمتوقعة في الفترة القادمة حيث ستتغير خريطة النظام العالمي وسيكون هناك تحدي كبير في العمل علي تدعيم قيم التنمية المستدامة والتعاون والسلام وتعزيز الثقة وحل النزاعات بالحوار والحرص علي الانفتاح للسلام العالمي بدون مواجهات.
من التداعيات الحرب الروسية الأوكرانية انها خلقت حالة من زيادة الالتباس من الحرب النظامية وحرب شوارع لن تشهده أوربا منذ الحرب العالمية الاولي فان تداعيات الحرب تخلق تأثير واسع في العالم كما أنها تمثل تهديد في حالة توسع الحرب النووية فأن تزايد جرعة الانحياز السياسي من بعض الجهات البحثية والاكاديمية الا أن التفكير الموضوعي وتجلياته يقفز بنا فوق أحداث لازالت يحمل كثيرا من الاحتمالات بمقدار غير معقول وأن التفكير في طريقة منهجية تتسم بمقدار معقول من الموضوعية يعتبرا أمرا ملحا ولكن هذه التداعيات خلقت أهداف سياسية استراتيجية لروسيا فأن الحرب هي السياسة بعينها وامتداد طبيعي للسياسة فأن روسيا صارت تعتمد علي الأدوات العسكرية أكثر منها دبلوماسيا فأنها تسعي فرض إرادة المنتصر سياسيا فقد سعت روسيا من اللحظة الاولي من 2022 لاستخدام الأدوات الدبلوماسية ثم شنت حربا عندما تصورت قيادات الكرملين أن السياسة لن تجدي بشيء فقد تحدثت روسيا كثيرا عن الضمانات الأمنية وصارت في حديثها موجهه الي حلف الناتو في الولايات المتحدة ولكي يكون هذا التقدير الاستراتيجي لروسيا خلق وضعا جديدا بفرض قيودا جديدة علي حركة حلف الناتو في شرق أوربا فأن الرئيس بوتين كانت معركته ليست شن حرب علي أوكرانيا ولكنة أراد أن يترك أثرا من تداعيات هذه الحرب ويبدو فيها أن الهدف السياسي والاستراتيجي وهو تحقيق المطالب المتعلقة بالضمانات الأمنية وليس ضم أجزاء من أراضي أوكرانيا لذلك فأن خلق حالة من القلق الروسي تجاه الغرب جعلت من موسكا خصما خصوصا وأنه قد سبق له التدخل في عدد من الدول
ويجب علينا أن نتساءل الي أي مدي تستطيع روسيا تحقيق أهدافها وإلي أي مدي تستطيع دفع حلف الناتو في مراجعه نظام الامن المرتبط به في شرق أوربا كما طلبته بوضوح.
وهل يجوز تقدير نتائج الحرب بناء علي الهدف السياسي بتغير نظام الامن في شرق أوربا وتقدير نتائج الحرب الاقتصادية علي عقوبات وإجراءات اقتصادية عدائية متبادلة؟
ولذلك فإن المرجع والمعيار الذي يحدد نتائج الحرب هو تغير نظام الامن في شرق أوروبا التي حددته روسيا في صياغه هدفها السياسي الاستراتيجي سعيا لبلوغ جواب موضوعي ويبدو أن الوضع الذي حدث في الخطة العسكرية الروسية عن طريق أن تواصل موسكو اندفعتها في حال نجاح تلك الخطة باتجاه دول أخري في شرق أوروبا.
حيث أنه لم يكن انضمام أوكرانيا الي الناتو ممكنا قبل الحرب ولم يكن بعدها كذلك سواء التزمت بعدم السعي اليه او لم تلتزم ولذا سيواصل الناتو تزويد أوكرانيا بالأسلحة والتوسع في ذلك ،لذلك فأن الخطر التي اعتبرته روسيا محتمل أصبح تهديدا فعاليا وأمر واقع الا أن احتلال موسكو للمناطق الشرقية تقتل هذا التهديد ووفق ما يحدث خلال هذه التطورات سيصير الهدف السياسي الاستراتيجي لروسيا يعد المرجع والمعيار الجوهري لتقدير نتائج الحرب اعتمادا واسترشادا لتاريخ ملئ بدروس مفاداه أن هناك فارقا بين تحقيق مساحة من الأرض أو تحقيق نصر الاستراتيجي .
- مدي استجابة بوتين لردود الأفعال الدولية:
حاولت الولايات المتحدة والدول الغربية في أوروبا احتواء الأزمة بالاتصال المباشر مع القيادات الروسية أو بفرض عقوبات بالغة القسوة حال الاعتداء علي أوكرانيا ولكن هذه الاتصالات لم تنجح وزادت الازمة تعقيدا مما جعل القارة الاوربية تعيش حالة من القلق بسبب الغزو الروسي المحتمل لذلك ستظل هذه الازمة غير مسبوقة لأنها أنهت الحرب الباردة وتطورت الي حرب ساخنه لا يمكن توقعها
فلا يمكم لأحد توقع تأثير الحرب علي دول الاتحاد الأوربي وحلف الناتو الشرقي مثل تركيا وتوازن القوي في القارة الاوربية لذلك فأن بوتين كانت استجابته مبنيه علي أن الدول الغربية لم تقدم له التعهدات الأمنية التي يطلبها لذلك أدرك بوتين أهميته الموقف الخاص التي تحتله أوكرانيا في ذاكرة الشعب الروسي لذلك فأن أوكرانيا هي بوابة روسيا الي الغرب وحزام الأمان الضروري بين روسيا والقوي الاوربية ،لذلك فأن موقع أوكرانيا لا يقارن بدول القوقاز ووسط أسيا وفي حالة التحقت أوكرانيا بحلف الناتو فأن روسيا تكون علي بعد خطوة من إقامة حرب تحقق فيها كل أهدافها في المنطقة ،لذلك أن لم تكن أوكرانيا امنه لا يمكن للدولة الروسية أن تشعر بالأمان مطلقا لذلك فأن موقف بوتين في نهاية الحرب أصبح واضحا لدي الولايات المتحدة وأن بوتين قد أدرك أن الغرب يعمل علي محاصرة روسيا واسقاط النظام لذلك فوجهت موسكو في شخص بوتين أصابع الاتهام للولايات المتحدة ومنظمات العمل المدني الممولة من واشنطن لذلك فأن خلال تولي بوتين رئاسة البلاد استطاع إيقاف التدهور ورفع كفاءة مقدرات روسيا العسكرية وبناء الجيش والاسطول لذلك فقد قاد بوتين عملية عسكرية خاطفة كي تعود روسيا الي الساحة الدولية ولن تتسامح مع تهديد يهددها من خارجها القريب فلقد استجاب بوتين الي توجهه الاتحاد السوفيتي وسعية الي مصالحه تاريخيه ووضع نهاية للعزلة والتفرد الروسي وعودة الي المصالحة تسمح للاتحاد السوفيتي بالاحتفاظ بثاني أكبر ترسانة نووية في العالم
أن الغرب والولايات المتحدة قد وعدوا وعدا قاطعا بعدم توسع الناتو في أوربا وتعتبر هذا الوعد ضمانه رئيسة وسياسة ملزمة للحكومة الامريكية في جملة من التحركات الغربية واستمرار محاولات التمدد في دول اسيا الوسطي فقد بدا موقف بوتين واضح عندما حشد عشرات الالف من الجنود في ثلاث محاور حدودية مع أوكرانيا وأصبحت روسيا مدعومة بطائرات مقاتلة لحجه اجراء مناورات مشتركة . [118]
فمدي أستجابه بوتين للمتغيرات الدولية جعلته يري أن حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) أخفق في معالجه مخاوف روسيا بشأن الامن إلا أن الرئيس بوتين أدي استعادته لمواصلة المفاوضات بشأن أوكرانيا وقال أن مسالة السماح لأوكرانيا الي الناتو في المستقبل يجب حلها الان ويري وبوتين أن موسكو لا تزال مستعدة لمناقشة بعض القضايا مثل الامن الأوربي والصواريخ وعندما سئل بوتين عن توسع الناتو قال :خلال الثلاثين عام الماضية قيل لنا لن نتوسع الناتو لكننا اليوم نري البينة التحتية علي اعتابنا وتساءل بوتين عن موعد قبول أوكرانيا في الناتو وكان المطلب الأساسي لروسيا أن يضمن الغرب الا تنضم أوكرانيا الي الناتو لأنه تحالف دفاعي يضمن ثلاثين دولة إلا أن التصعيد الذي قام بوتين عندما حشد قواته علي حدود أوكرانيا يعد عدم استجابة للرئيس الروسي للمفاوضات وشكل تهديدا غير مفهوم للغرب حيث أجريت [119]اتصالات هاتفية مع وزير الخارجية الروسي بشأن هذه التصعيدات وجاءت الاجتماعات مع اعلان روسيا أنها تسحب قوتها المنتشرة بالقرب من أوكرانيا ،حيث طلب الرئيس بوتين الاعتراف بالإقليمين الموالين لروسيا شرق أوكرانيا إلا أن الرئيس بوتين وباسم وزارة الخارجية الروسية بأنه سيدخل التاريخ باعتباره أفشل كل الدعاية الحربية الغربية فقد تعرضوا للعار والتدمير دون اطلاق رصاصة واحدة
أن رد فعل الرئيس الروسي دائما يتفق مع المسار الدبلوماسي لروسيا فأنه مصر علي عدم وجود خطط للتدخل الغربي في المسار الروسي في حربها مع أوكرانيا إلا أن وزارات الخارجية البريطانية يرون أن أصرار روسيا علي عدم غزو أوكرانيا كلام لا يصدق حتي تسحب كل قوتها إلا أن الحل الدبلوماسي التي تقوم به الولايات المتحدة وبريطانيا قائم علي الحذر لأن الوضع لا يزال غير واضح والحل لا يزال ممكنا رغم تحذيرات الروس .فكيف لرجل يحشد أكثر من ميت ألف جندي علي الحدود وينفي وجود خطة لغزو أوكرانيا ؟
إلا أن المجتمع الغربي لا يزال لا يثق في بوتين حيث حس أكثر من أثنا عشر دولة مواطنيها علي مغادرة أوكرانيا حيث أن المسؤليين الأمريكيين يعتبرون أن هناك يوما محتمل يمكن لروسيا أن تهاجم فيه
أن الولايات المتحدة وجميع الامريكيين يرون فرصة للاتفاق مع الخارجية الروسية وأن المفوضات تجاه هذه القضية الشائكة في احتمال انضمام أوكرانيا للناتو ويقول الكرملين أنه لا يمكنه قبول انضمام أوكرانيا (الجمهورية السوفيتية السابقة )الي الناتو وطالبو باستبعاد ذلك ولكن الناتو رفض[120]
حيث بعد أكثر من عامين من اندلاع الحرب في أوكرانيا كان لا بد علي الرئيس بوتين من قراءة دوليه للأحداث من متابعه الموقف الدولي ومتابعه تصريحات الامن الأوربي والحلف الأطلسي إن الرئيس بوتين كانت استجابته للاراء والمقترحات الدولية ليست نظرة هواه ولكنها كانت نظرة احترافية قائمة علي موضوعية وكانت نظرة معمقة فرضت نفسها منذ اليوم الأول من الحرب ، لم نستطيع أن نقول أن الرئيس بوتين استجاب لهذه الدول والتصريحات من المجتمع الدولي والمجتمع الغربي حيث أن المجتمع الاوكراني نجح في تحدي أحد أقوي الجيوش في العالم مجسدا انتصار الضعيف علي القوي ومن وجهه النظر تلك كان التأثير كبير علي روسيا حيث تمت تقويد صورتها العسكرية
لقد تطور الأمر سريعا وأن لم تتحول هذه المشكلة الي حرب عالمية الا انها بشكل مباشر او غير مباشر من خلال العواقب الاقتصادية والاجتماعية والغذائية قد فرضت نفسها بشكل كبير الا أن بوتين تتجسد فيه مقولة الهزيمة العسكرية لنجاح الدبلوماسية لقد استطاع في الرحلة الثانية التي أعقبت فشل الغزو أن يتخذ قرارات سريعة مكنت روسيا في النهاية من بسط سيطرتها علي الأراضي التي كانت تسيطر عليها جزئيا من خلال المليشيات الموالية لها ، أن الجيش الاوكراني رغم الدعم الغربي لم ينجح في استرداد ما تم الهجوم والسيطرة فالشعب الاوكراني الذي راهن عليه الغربيون لم يكن علي قدر من المسؤلية ولم يكن علي القدر من تطلعات الغرب في افشال القوات الروسية . لقد نجحت القوات الروسية في المنازلة ولا تزال ، لقد سيطرت علي مدن بأكملها ومن الملفت للنظر أن بوتين أثبت فاعليته السياسية بعد الانتكاسة العسكرية بتحوليها الي انتصارات دبلوماسية عن طريق التوجه نحو الجنوب الشامل والقول أن روسيا مثلها مثل دول الجنوب ضحية الهيمنة الغربية والمثير للاهتمام أن الهزيمة والضعف اليوم يوفران مكاسب يمكن ترجمتها سريعا الي انتصارات سياسية بوتين هزم بسبب تدخل الغرب وحلف شمال الأطلسي علي وجهه التحديد ولكن نجح في الاستدارة نحو الجنوب الشامل ليقول أنا مثلكم أتعرض لتهديد عالم خاضع للهيمنة الغربية هذا هو الخطاب الذي تبناه لذلك ارتكبت القوة الغربية خطأ فادح في هذا الصراع ليس بالانفتاح علي العالم بل انغلقت علي نفسها وأصبحت تشعر أنها محاصرة لقد كان الرئيس بوتين اكثر ذكاء واسرع في رد الفعل خصوصا أن عجرفة الغربيون المقتنعين بأن الاخرين يتبون القراءة الغربية نفسها هي التي اوصلت الاحداث الي ذلك
أن الآراء والسياسات والضغوط الإعلامية التي فرضت عليه لم تكن ليستجيب لها الا عندما تبني وجهه نظر جعلت العالم ينظر الية بنظرة المنتصر القوي ولكن هناك سؤال الي أين ذاهبة هذه الحرب ؟
يعترف الخبراء في السياسة الدولية بصعوبة الإجابة المباشرة عنه والسبب هو أنه فقدنا منذ فترة طويلة القدرة علي نهاية الحروب لان النزاعات التي حدثت منذ عام 1945 لم يتم انهائها بالفعل من خلال مفاوضات دولية حقيقية فنحن نعيش في عالم لم تعد فيه المفاوضات هي الطريق لوقف الحروب كما كانت في الماضي بل أصبح شائعا هو ان النزاعات تدوم ثم تجمد ولا تفضي الي حلول ، اذا كان الرهان اليوم علي الميدان فأن أحد مكوناته مدي قدرة الغرب واستعداده لتوفير الداعمين العسكري والمالي لأوكرانيا فاذا اصبح الراي العام مرة أخري انعزاليا وحمائي فالسبب في ذلك أن الطبقة الوسطة تشعر بخيبة أمل من العولمة وانها لم تكن في صالحها بقدر ما تكون دائما في صالح الاخرين واليوم يتساءل الاوربيين حول الجهة التي ستضمن امنهم في حال خروج واشنطن لذا فقد كان نقاش حاد حول كيفية توفير الدفاع عن أوربا وان الجدل لا يفضي حتي اليوم لان الاوربيين ليسوا مستعدين وجاهزين للاستغناء عن المظلة الامريكية ليس فقط النووية ولكن أيضا الحماية الامريكية بالكامل فان الدفاع الأوربي المشترك غير موجود ومستحيل وجودة لان الدفاع ادي للسياسة الخارجية ولا يوجد سياسة خارجية اوربية موحدة كذلك الاوربيون يعانون من ضعفهم الاقتصادي وعجزهم في التحول الي اقتصاد الحرب .
البيئة النفسية للقائد السياسي تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل سياساته وقراراته. تتأثر هذه البيئة بعوامل متعددة تشمل الشخصية والتجارب الحياتية والمعتقدات والقيم الفردية، بالإضافة إلى الضغط الخارجي من الجمهور ووسائل الإعلام والمستشارين السياسيين. قائد يتمتع ببيئة نفسية مستقرة ومرنة يمكنه التعامل مع التحديات بشكل أكثر فعالية، مما يعزز قدرته على اتخاذ قرارات استراتيجية مستنيرة تخدم المصلحة العامة. على النقيض، يمكن للبيئة النفسية المضطربة أن تؤدي إلى قرارات متهورة أو غير مدروسة. لذا، فهم البيئة النفسية للقائد السياسي يعد جزءًا أساسياً من فهم ديناميات السلطة والسياسة في أي مجتمع. حيث يلعب القائد السياسي دورا أساسيا ومهما في صنع السياسة الخارجية لبلاده، وذلك حسب تفسيره للمواقف وإدراكه لها ويأتي ذلك حسب سماته الشخصية ودوافعه وهناك عدة عوامل تؤثر علي هذا الدور اهمها ما يلي:
– كلما زادت كاريزما القائد زادت قدرته علي التأثير في صنع السياسة الخارجية وتنفيذها.
– إن القرارات المتخذة أثناء الأزمات تعكس إلي حد كبير شخصية القائد السياسي بعكس القرارات المتخذة في المواقف العادية والتي تمارس فيها المؤسسات السياسية دورا واضحا.
– كلما كان الموقف يتطلب تخطيطا طويل الأمد ازداد اثر العوامل الشخصية في صنع السياسة الخارجية.
– كلما زاد اهتمام صانع القرار بشؤون السياسة الخارجية ازاد أثر العوامل الشخصية في عملية صنع السياسة الخارجية.
– كلما كان الموقف متأزما أكثر زاد دور القائد السياسي وأصبح هو من يتحمل المسؤولية بشكل رئيسي.
– كلما زادت خبرات القائد بالعمل السياسي والشؤون الدولية زاد أثره الفردي في صنع القرارات.
– أسلوب الوصول إلي السلطة يؤثر في دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية .
– كلما قويت سلطة اتخاذ القرار التي يتمتع بها صانع القرار ازداد اثر المتغيرات الشخصية في عملية صنع السياسة الخارجية.
إن مستوي تطوير واستقرار الدولة (اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا) بشكل عام ومؤسسات صنع وتنفيذ السياسة الخارجية بشكل خاص، يتناسب عكسيا مع تأثير القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية، وبذلك أجابت الدراسة علي تساؤل ما مدي تأثير البيئة النفسية للقائد السياسي في صنع السياسة الخارجية لبلاده، وأثبتت صحة فرضية الدراسة أن البيئة النفسية لبوتين لا يمكن إغفال دورها في صنع القرارات في السياسة الخارجية لدولته أي ان البيئة النفسية هي متغير مستقل والسياسة الخارجية هي متغير تابع، عند دراسة دور الرئيس بوتين في السياسة الخارجية أوضحت الدراسة أن خصائص بيئة القرار في روسيا عند استلام بوتين الرئاسة، كانت من عوامل بروز دوره في السياسة الخارجية، لكن خصائص الرئيس بوتين وصفاته الشخصية والخبرة المكتسبة نتيجة عمله الاستخباراتي السياسي هي التي طبعت قراراته في السياسة الخارجية بطابعها، اي طابع البراغماتية والعملية.
في الختام، يمكن القول إن دور فلاديمير بوتين في الحرب الروسية الأوكرانية كان حاسمًا في تحديد مسار الصراع وتوجيه الأحداث حيث قاد بوتين العمليات العسكرية بقرارات حاسمة أثرت بشكل مباشر علي مجريات الاحداث وعلي الوضع الداخلي في روسيا أوكرانيا علي حد السواء . ومن خلال استراتيجياته السياسية والعسكرية، سعى بوتين إلى تحقيق أهداف روسيا الجيوسياسية، والتي تشمل توسيع نفوذ روسيا الإقليمي وتعزيز مكانتها على الساحة الدولية. محاولة منه الي إعادة تشكيل النظام العالمي وتعزيز مكانة روسيا كقوة عظمي ومع استمرار النزاع، يبقى السؤال حول مستقبل هذه الحرب وتأثيراتها على الساحة الدولية. فقد أسفرت التحركات الروسية عن إعادة رسم خرائط التحالفات الدولية وإثارة مخاوف بشأن الأمن والاستقرار في أوروبا والعالم. كما أن تأثير هذه الحرب يمتد ليشمل الاقتصاد العالمي والسياسات الداخلية في العديد من الدول.
- السيناريوهات المتوقعة للأزمة الروسية الأوكرانية:
التنبؤ بمستقبل التوجهات السياسية والاحداث عموما يعتبر أمرا في غاية الصعوبة وذلك بسبب تشعب وتعدد المتغيرات المؤثرة في الاحداث ومن هذا المنطلق تأتي السياسة الخارجية الروسية نتيجة لكثير من المتغيرات الخارجية والداخلية التي تتقاطع مع بعضها مما يمنعنا من الوصول الي رؤية واضحة لتطورها في المستقبل واذا ضفنا اليها بعض المحددات الديناميكية المؤثرة فيها مثل الحرب يزداد ذلك من درجة التعقيد لمسار السياسة الخارجية الروسية
فقد بدأت الحرب في الرابع والعشرين من فبراير في عام 2022 وكانت وسيلة لتحقيق أهداف سياسية لروسيا ولكن بعد عده أسابيع أصبحت الحرب محددا جديدا لا يمكننا معرفة أثرة النهائي مادامت الحرب مستمرة.
حيث يمثل الاجتياح التي أحدثته القوات الروسية علي الأراضي الأوكرانية وما نتج عنه من أثار يعد من أبرز الاحداث التي واجهه السياسة الخارجية الروسية منذ تفكك الاتحاد السوفيتي ويأتي ذلك في مقدمة الاثار المباشرة للاجتياح علي السياسة الخارجية حيث انشغلت الدبلوماسية الروسية بدعم قرار الاجتياح وتبريره وذلك علي مستوي العلاقات الثنائية لروسيا وفي الأطر الدولية المتعددة أيضا وكذلك التعامل مع تداعيات العقوبات الغربية ومحاولة التخفيف من اثرها علي الاقتصاد الروسي[121]
فلهذه اللحظة لا أحد يعرف كيف ستنتهي الحرب الذي شنتها روسيا علي أوكرانيا حيث أن حسابات موسكو أنها حرب خاطفة لتنال بها ما تود وتكون بها انهيار سريع للحكومة الأوكرانية لم تكن حسابات صحيحة ولعل ما زاد من صعوبة المشهد وتعقيده هو المقاومة التي يبديها الاوكرانيون وقدرتهم من الحد من الهجوم الروسي وأيضا المساندة التي تتلقاها أوكرانيا من دول الغرب بمختلف أنواع الأسلحة القادرة علي مواجهه وبقوة الأسلحة الروسية العسكرية وكل ذلك يأتي بالتوازي مع العقوبات التي فرضها الغرب علي روسيا بسبب شن الهجوم الروسي ، فضلا عن جملة المعطيات والتي توحي بأن الغرب وضعوا خططا مستقبلة والتي ترسم عده سيناريوهات تحدد مالات هذه الحرب ومن أهم هذه السيناريوهات.
- انتصار الجانب الأوكراني: هذا السيناريو يتوقع الهزيمة الكاملة لروسيا ورحيلها من جميع الأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها وإلغاء قرار ضمها الاعتراف بسيادتها علي جميع أراضي كييف واستقلالها في قرارتها التي تمس السيادة حيث أن هذا السيناريو يعتمد علي أن هزيمة أوكرانيا لم تعد مرجحة بعد أن نجحت أوكرانيا في استيعاب المرحلة الاولي من الحرب والتي كانت المقاومة فيها علي أسس شعبية وطنية وحصولها علي كميات هائلة من الأسلحة التي لها القدرة علي تدمير الدبابات الروسية التي كانت تتواجد علي المدن الكبرى وخاصة في كييف ، ومدي مقياس انتصار أوكرانيا هنا له علاقة بمنع روسيا من هدفها التي[122][123]تريد الوصول اليه (السيطرة الكاملة علي أوكرانيا ) حيث أن هذا السيناريو يجعل من روسيا غريق في المستنقع الاوكراني مما يعمل ذلك علي خلق تداعيات كبيرة داخل روسيا ومحاولة التحرك ضد بوتين ومحاولة زحزحته من السلطة سواء من خلال تعديلات دستورية أو من خلال انقلاب عسكري أو تحت وقع الشارع الذي لن ينتظر كثيرا عن الخروج اذا طالت الحرب أو تمت الهزيمة .
ومن الجدير بالذكر أن هذا السيناريو مستبعد وذلك لأنه بالرغم من الصعوبة التي تلقاها روسيا في المعارك إلا أنها لا تزال متفوقة وبشكل كبير وتحافظ علي مواقعا، كما أن الكرملين أعلنت عدة مرات أنها علي استعداد أي أسلحة لمنع تعرض قواتها للهزيمة.
- انتصار روسيا: انتصار روسيا وتحقيق منالها وذلك بقبول الحكومات الغربية وكييف بالأمر الواقع والسماح لروسيا بالاحتفاظ بالأراضي التي حصلت عليها في شرق أوكرانيا والتخلي عن انضمام أوكرانيا الي الاتحاد الأوربي أو حلف الناتو وينطلق ذلك السيناريو من عامليين الأول هو الفارق الكبير في القدرات العسكرية بين أوكرانيا وروسيا والثاني أن شخصيه بوتين تتجاوز أوكرانيا نفسها ولن يوقف الحرب من جانبه الا اذا حقق أهدافة وهذا أكدة أكثر من مرة من خلال تصريحاته أو من خلال اتصالاته مع زعماء الدول الذين حاولوا التدخل لحل هذا النزاع ولكن يبدوا هذا السيناريو بعيد المنال فأنه يظهر العقيدة الجديدة لحلف الناتو وأيضا يظهر الاستراتيجية الخاصة بإدارة بادين للأمن القومي وإصراره علي مواجهه روسيا وجعله من إضعاف روسيا عسكريا هدفا من أهدافة الاستراتيجية وذلك باعتبار روسيا أكبر تهديد لأمن أوربا .
- التسوية: حيث يري الكثيرون أن هذه الحرب محكومة بالتسوية فالتسوية تقوم علي الحفاظ علي الحكومة الأوكرانية الحالية وفي نفس الوقت تحديد خيارتها المستقبلية السياسية دون التعارض مع الهواجس الروسية وهو ما يطلق علية أن تكون أوكرانيا (المحايدة )وبمعني أدق التخلي عن انضمام أوكرانيا الي حلف الأطلسي علي اعتبار أن هذا الخيار لا نقاش فيه بالنسبة للجانب الروسي ودونه استمرار الحرب ومن هنا نتوجه بأنظارنا الي الصين والتي تملك ثقلا كبيرا في التأثير علي روسيا وذلك لأسباب سياسية وأمنية واقتصادية وخاصة أنها القطب الأقرب الي موسكو في الصراعات الدولية وذلك يفسر لنا النداءات الغربية للصين من أجل التدخل لحل هذا النزاع ، وهو ما قد تجده الصين مكسبا سياسيا ودبلوماسيا خاصة أن القضية تعنيها بشكل مباشر.
- الانفتاح علي المجهول: فهذا السيناريو يؤكد أن لا أحد يعرف كيف ستنتهي الحرب وهو ما يظهر في المؤشرات الحالية فلا يبدو أن روسيا قادرة علي أنهاء الحرب ومن ناحية أخري يستمر الغرب في تزويد الجيش الاوكراني بالأسلحة المتنوعة ولهذا السيناريو تبعات اجتماعية واقتصادية وعسكرية شديدة الخطورة ولاسيما في ظل إشهار بوتين الردع النووي ومن ناحيه أخري انتقال الحرب الي الدول المجاورة لأوكرانيا وخصوصا (مولدوفا )التي تشكل الرخوة الخاصرة في هذه الحرب والحديث عن استخدام الطيارين الاوكرانيين للمطارات في بعض الدول في أوربا الشرقية وهو ما جعلة مشاركة فعالة في الحرب وذلك بالتزامن مع توجهه دول الحلف الأطلسي الي دعم أوكرانيا بالطائرات الحربية في حين حدد الحلف بوصلته بعدم التورط المباشر في هذه الحرب الا اذا اعتدت روسيا علي دولة عضو حيث ذلك يعني تلقائيا دخول الحلف حربا وذلك وفق المادة الرابعة والخامسة من ميثاقه ويعني الوصول الي هذه النقطة يعني الانفتاح علي المجهول ويعني ذلك اعتبار أن الحرب ستتحول الي حرب عالمية ثالثة .
5.الأفغنة: ويأتي هذا السيناريو مع إطالة عمر الحرب وتحولها الي حرب استنزاف وعجز كلا الطرفين عن الانتصار فيأتي سيناريو الافغنة في المشهد الاوكراني حيث أن قوافل المسلحين والتطوعين بدأت تدفق من أنحاء العالم الي الأراضي الأوكرانية للقتال ضد هذا الطرف أو ذلك ومن المثير الي الانتباه أن هذا المشهد يتدفق معه عوامل داخلية وذلك في وجود عشرات الجماعات المسلحة متمثلة في غرب أوكرانيا تنشد القتال ضد الروس وعلي راسها جماعه ازوف التي تفرغت لقتال الجماعات المتطلبة باستقلال دونتسك ولوغانس في شرق أوكرانيا وما يشي بهذا السيناريو هو وجود الكثير من الفروق العرقية والجغرافية والهوياتية بين شرق أوكرانيا وغربها ، فالشرق يري أنه أقرب لروسيا ويدعو الي الارتباط بها وبين الغرب ويتطلع الي الارتباط بالغرب وحلف الأطلسي.[124]
أولًا: المراجع بالغة العربية:
الكتب:
- ) دحمان ، قاسم (2016) ، كتاب السياسة الخارجية الروسية في أسيا الوسطي والقوقاز ، الناشر E_kUTUb LTd https://acrobat.adobe.com/id/urn:aaid:sc:EU:54d9c3a2-e954-4913-b3fe-60f7177c259b
- عبد الحميد أحمد، حسين. (٢٠١٠). القيادة (دراسة في علم الاجتماع النفسي والإداري والتنظيمي). جامعة أسيوط: كلية آداب.
الدوريات والتقارير:
- ،عبدالعزيز ، عبير فاروق ،السمات والمهارات الشخصية ودورها في إدارة السياسة الخارجية _ الرئيس الروسي بوتين نموذجا ، المجلة العلمية للدراسات التجارية والبيئة متاح علي https://jces.journals.ekb.eg/article_51904.html
https://acrobat.adobe.com/id/urn:aaid:sc:EU:23285d69-636b-49f5-bbde-b7b748ec6f48
https://acrobat.adobe.com/id/urn:aaid:sc:EU:35e03c8f-b570-487c-8924-3c03a6385db8
https://acrobat.adobe.com/id/urn:aaid:sc:EU:7c6ca6c6-515a-4a53-b3ab-cf89b7c36cd3
https://acrobat.adobe.com/id/urn:aaid:sc:EU:813cd92b-6473-4ddb-a0d8-d759ba9a7c4a
- أبو نجم ، ميشال (2021) استراتيجية حافة الهوية ….مغامرة بوتين الخطيرة في أوكرانيا ، مركز الجزيرة للدراسات متاح علي https://www.ajnet.me/midan/reality/politics/2022/2/10/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%A7%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86
- الخثلان ( 2023) ، صالح بن محمد ، مستقبل السياسة الروسية في الشرق الأوسط في ظل الازمة الأوكرانية ، مجلة افاق المستقبل ، العدد 3 متاح علي https://acrobat.adobe.com/id/urn:aaid:sc:EU:c3d3c895-a7cc-4316-9e4b-32e49b7e7ba1
- خريسان ، باسم علي علم النفس السياسي : دراسة في المفهوم والنشأة ،مجلة دراسات دولية ، العدد 67 متاح علي https://jcis.uobaghdad.edu.iq/index.php/politics/article/view/109
- خليل، مروة. (يناير ٢٠٢٤). دور القيادة السياسية في تحديد مضمون المصلحة القومية: جورباتشوف وبوتين كدراسة حالة. مجلة كلية السياسة والاقتصاد. العدد ٢١. الإسكندرية.
- داعوس، طلال عبد الرحمن. (١٩٩٥). دراسة في تحليل السلوك لصانع القرار السياسي. مجلة الدبلوماسي، مسترجع من https://search.mandumah.com/Record/33566 ’
- سليم. رجاء (٢٨ سبتمبر ٢٠٢٣). الدور المحوري للقادة السياسيين في الحرب الروسية الأوكرانية. مركز المعلومات واتخاذ القرار. العدد ٥٩. مصر.
- سميع ، حسين حسين صالح (2022) عملية صنع السياسة الخارجية ، مجلة جامعة اليمين ، العدد 8 ، متاح علي https://acrobat.adobe.com/id/urn:aaid:sc:EU:279857ea-0df5-49d0-8767-624715cbd1a1
- عبد الرحمن، غادة. احمد.(يوليو2023). التحليل النقدي لخطاب إعلان الحرب الروسية الأوكرانية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. المجلة العلمية لبحوث الإذاعة والتليفزيون. (26)
- عبدالمجيد ، وحيد ، منهجية تقدير نتائج الحرب الروسية _الاوكرانية ، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية متاح علي https://acpss.ahram.org.eg/News/17566.aspx
- عودة، جهاد. عبد الملك .رمزي، سمير. (2017). نظرية الدور وتحليل السياسة الخارجية. مجلة البحوث والدراسات التجارية. (31)، 3.
- العياصرة ، إسلام أحمد سليم (2019) محددات السياسة الخارجية ، المجلة العربية للنشر العلمي ، العدد 9 ، متاح علي
- الكفارنة ، أحمد عارف ، العوامل المؤثرة في عملية اتخاذ القرار في السياسة الخارجية ،مجلة دراسات دولية ، العدد الثاني والاربعون ، متاح علي
- الكيالي، عبد الوهاب واخرون(1979) . موسوعة السياسية. المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1. بيروت
- محمد السيد، السيد وآخرون. (٢٠٢٤). السياسة الخارجية الروسية في عهد بوتين مفهومها واستراتيجيتها. المجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية. المجلد ٣٨، العدد الأول. القاهرة.
- محمد، مروه خليل(2024). دور القيادة السياسية في تحديد مضمون المصلحة القومية: جورباتشوف وبوتين كدراسة حالة. مجلة كلية السياسة والاقتصاد جامعة الاسكندرية. العدد رقم21. الاسكندرية: جامعة الاسكندرية
- محمود، أحمد . جلال.(2022).السياسة الأمريكية تجاه التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وانعكاساتها على حلف الناتو . مجلة كلية السياسة والاقتصاد جامعة بني سويف، )16(
- مخيمر، أسامة. فاروق. (2023). تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن الأوروبي. مجلة كلية السياسة والاقتصاد جامعة بني سويف. (17)
- مديرية الدراسات الاستراتيجية.(٢٠٢٢)، تفكيك الشفيرة البوتينية عرابو فكر فلاديمير بوتين. المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق. العدد ٥٦.
- ميلود ، ولد الصديق (2013) ،اثر البعد النفسي لصانع القرار في اتخاذ القرار الخارجي ، مجلة البحوث القانونية والسياسية ، العدد الأول ، متاح علي
- ناجي ، محمد عباس ، (2023) ، تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ، مركز الدراسات السياسية الاستراتيجية
الرسائل العلمية:
١. محسن، الاء. محمد. (2014). دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية (الرئيس فلاديمير بوتين نموذجا). رسالة ماجستير، جامعة دمشق، كلية العلوم السياسية.
٢. حسين أحمد السيد.(٢٠١٥). دور القيادة السياسية في إعادة بناء الدولة (روسيا في عهد بوتين)، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
٣. دلشاد حسن، زانا. (٢٠٢١). محددات الأمن القومي الروسي في ظل المتغيرات الدولية الجديدة. رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأدنى، كلية العلوم الاقتصادية والإدارية.
٤. إسماعيل ملا، جيا. (٢٠٢١). السياسة الخارجية الروسية ما بين الدبلوماسية والنزعة العسكرية دراسة تحليلية لعهد بوتين. رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأدنى، كلية الاقتصاد والعلوم الاداري.
٥. فيصل، مراد. (٢٠١٥). السياسة الإقليمية الجديدة لروسيا دراسة حالة اوكرانيا. رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، كلية العلوم السياسية والعلامات الدولية.
المواقع الإلكترونية:
- Bbc (2022) ، روسيا وأوكرانيا : بوتين يقول إن بلادة لا تريد الحرب والناتو ينفي وجود دليل علي سحب القوات متاح علي الرابط الاتي https://www.bbc.com/arabic/world-60332539
- Bbc 2022) ، روسيا وأوكرانيا 5 سيناريوهات محتملة للحرب خلال 2023 ، متاح علي الرابط الاتي https://www.bbc.com/arabic/world-64104061
- https://acrobat.adobe.com/id/urn:aaid:sc:EU:04cab7f9-2335-4606-9360-cce202548037
https://arabic.rt.com/world/132460: -تاريخ الدخول 15 مارس 2024
- RT(22.سبتمبر 2023). انطلاق مناورات “درع الاتحاد” الروسية البيلاروسية.RT تاريخ الدخول: 12 ابريل 2024. .متاح علي الرابط التالي : https://arabic.rt.com/world/1497123-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%A8%D8%AF%D8%A3%D8%AA-%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%AF%D8%B1%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF/
- (2022.فبراير.15). منذ خطاب بوتين في مؤتمرميونخ اهم مراحل و تطورات المواجه بين روسيا والغربن. RT.
- إدريس ، أحمد محمد عثمان (2023) الحرب الروسية الأوكرانية …والمالات المستقبلية.
- داغر، إيلينا. (2022). سلسة حروب الألفية. اندبندنت عربي. تاريخ الدخول: 13 مارس 2024. متاح الرابط التالي: https://www.independentarabia.com/almejhar/russianwars
- الدبار، محمد. (19 ابريل 2019). القيادة السياسية وتغير السياسة الخارجية، المعهد المصري للدراسات. متاح علي الرابط التالي: https://www.bing.com/ck/a?!&&p . تريخ الدخول:17 مارس 2024
- سكاي نيوزعربي. (2023، يناير20). الصراع الروسي-الاوكراني ماذا يقول التاريخ. سكاي نيوز عربي. تاريخ الدخول: 13 مارس2024. متاح الرابط التالي : https://www.skynewsarabia.com/world/1587378
- شادي عبد الحافظ، (٢٧/٢/٢٠٢٢). ملامح نفسية تحدد لك شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. الجزيرة. مسترجع من: https://www.ajnet.me/midan/miscellaneous/2022/2/27/5-%D9%85%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%AD-%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%AF-%D9%84%D9%83-%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%’9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3
- عبد الله، فيصل.(٩فبراير٢٠٢٣).العالم الروسي.. أيديولوجيا جديدة للسياسة الخارجية الروسية. مسترجع من: https://www.idsc.gov.eg/Article/details/8064
- عبدالمجيد ، وحيد ، منهجية تقدير نتائج الحرب الروسية _الاوكرانية ، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية متاح علي https://acpss.ahram.org.eg/News/17566.aspx
- فرانس24، (9/12/2013) . مئات آلاف الأوكرانيين يتظاهرون في كييف للضغط على رئيس البلاد. فرانس24.تاريخ الدخول: 15 مارس 2024. متاح علي الرابط التالي : https://www.france24.com/ar/20131208-%D8%A3%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D9%85%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%83%D9%8A%D9%8A%D9%81-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%B6%D8%A9
- فرح عماد شلقامي، (٢٠ سبتمبر ٢٠٢٣). تحليل السياسة الخارجية الروسية تجاه أوكرانيا في ضوء بدء العمليات العسكرية فبراير 2022. المركز الديمقراطي العربي. مسترجع من: https://democraticac.de/?p=92403 .
- فهيم الصوراني.(١٦/٣/٢٠٢٤). كيف تغيرت روسيا خلال عهد بوتين الممتد لربع قرن. الجزيرة. مسترجع من: https://www.ajnet.me/politics/2024/3/16/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D8%B1%D8%AA-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%B9%D9%87%D8%AF-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%AA%D8%AF
- مرقس، سمير. (12 يناير2019). البوتينية (1): مشروع روسيا بوتين. الاهرام. تاريخ الدخول: 14 ابريل 2024
- مركز الشرق الاوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية. (١٨/٤/٢٠١٩). شخصية فلاديمير وبوتين وتأثيرها على صنع القرار الروسي. مسترجع من: https://www.menaccenter.com/2019/04/18/%D8%B4%D8%AE%D8%B5%’9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%84%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%B1-%D9%88%D8%A8%’9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%AA%D8%A3%D8%AB%D9%8A%D8%B1%D9%87%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B5%D9%86 /
- وليد عتلم، (٢١/٤/٢٠٢٢). دور الدوافع الشخصية في قرارات السياسة الخارجية .. الحرب الروسية –الأوكرانية نموذجا. السياسة الدولية. مسترجع من: https://www.siyassa.org.eg/News/18284.a’px
ثانيًا: المراجع باللغة الإنجليزية:
- Research papers:
- Aron, Leon. (2008). Putinism. AEI. Retrieved from: file:///C:/Users/al_ahly_net/AppData/Local/Microsoft/Windows/INetCache/IE/YN1HC8AV/20080508_Putinism_g[1].pdf
- Biddle, Bruce J. )1986(. Recent development in role theory. Center for Research in Social Behavior, University of Missouri-Columbia. Retrieved from: https://www2.ece.ohio-state.edu/~passino/RoleTheory-Biddle-1986.pdf
- Fish, M. Steven. (October 2017). What Is Putinism. Journal of Democracy. Volume 28, Number 4. Retrieved from: https://www.journalofdemocracy.com/wp-content/uploads/2017/10/Fish-28-4.pdf
- Lyubakova, Hanna. et al. (2024). Revenge, internal explosion or reform – three Russia. Friend of Europe . Retrieved from:
- Minic, D. (2022). Russia’s Invasion of Ukraine. Ifri. (126) .8, Retrieved from: https://www.ifri.org
- Pagen, Joseph.(2020).A New Russian Realpolitik: Putin’s Operationalization of Psychology And Propagand. Global Security and Intelligence Studies. Volume 5 P.58 . Retrieved from: https://acrobat.adobe.com/id/urn:aaid:sc:EU:b1bcd4be-a5b9-4b64-8ef7-fa366874531f
- Raviot, jean-Robert. (march 2018). Putinism: A Praetorian System. Ifri. (106). Retrieved from: https://www.ifri.org/sites/default/files/atoms/files/rnv_106_raviot_putinism_praetorian_system_2018.pdf
- SAKWA, RICHARD. (August 2008).Putin’s Leadership: Character and Consequences. EUROPE-ASIA STUDIES. 60, No. P 881. Retrieved from: https://www.jstor.org/stable/20451564
- Walker, Nigel. (2022). The conflict in Ukraine: a timeline (2014 – on the eve of the 2022 invasion ). Library House of common.15. Retrieved from https://commonslibrary.parliament.uk/the-conflict-in-ukraine/
- WHO RULES RUSSIA TODAY? AN ANALYSIS OF VLADIMIR PUTIN AND HIS POLITICAL PROJECTUNISCI .javier morales . (2003) . UNISCI DISCUSSION PAPERS
- Websites:
- Putin, VLADIMIR. ”ON THE HISTORICAL UNITY OF RUSSIANS AND UKRAINIANS“ .The Russian president. Accessed 24 April 2024. Retrieved from: https://www.prlib.ru/en/article-vladimir-putin-historical-unity-russians-and-ukrainians
- Ray .mighael (2024) Vladimir Putin president of russia . Britannice https://www.britannica.com/biography/Vladimir-Putin
- Nechepurenko, Ivan.( Sept. 7, 2019). Russia and Ukraine Swap Dozens of Prisoners, in a ‘First Step to Stop the War’. NEW YOURK TIME. Accessed 23march 2024.Retrieved from: https://www.nytimes.com/2019/09/07/world/europe/russia-ukraine-prisoner-swap.html
- Metzel, Mikhail. (10 Feb2022). Putin’s Munich Speech 15 years later: What prophecies have come true. Tass. Accessed 24 April2024. Retrieved from: https://tass.com/politics/1401215
- Al Jazeera Staff ,(24 Feb 2022). No other option’: Excerpts of Putin’s speech declaring war. Al Jazeera. Accessed 15 April 2024. Retrieved from: https://www.aljazeera.com/news/2022/2/24/putins-speech-declaring-war-on-ukraine-translated-excerpts
- Al Jazeera Staff ,(24 Feb 2022). No other option’: Excerpts of Putin’s speech declaring war. Al Jazeera. Accessed 15 April2024. Retrieved from: https://www.aljazeera.com/news/2022/2/24/putins-speech-declaring-war-on-ukraine-translated-excerpts
- Aljazeera staff, (12 Apr 2022). Putin says Russia will achieve ‘noble’ aims in Ukraine war. Aljazeera. Accessed 21 Arail 2024. Retrieved from: https://www.aljazeera.com/news/2022/4/12/after-week-of-silence-putin-vows-triumph-in-noble-ukraine-war
- Reuters, (30 june2022). Russia open to dialogue on nuclear non-proliferation, Putin says. Reuters. Accessed 19 April 2024. Retrieved from: https://www.reuters.com/world/europe/russia-open-dialogue-nuclear-non-proliferation-putin-says-2022-06-30/
- Reuters staff,(30 September 2022). Extracts from Putin’s speech at annexation ceremony. Accessed 22 April2024. Retrieved from: https://www.reuters.com/world/extracts-putins-speech-annexation-ceremony-2022-09-30/
- Gigova, Radina. (25 November 2022). Putin says Russia used to live by someone else’s rules, but is now on the path toward reinvention. CNN. Accessed 25 April 2024. Retrieved from: https://edition.cnn.com/europe/live-news/russia-ukraine-war-news-11-25-22/h_e42cb60bc1dd8debc809c3ec750a842e
- President of Russia, (31 dec2022). New year address to the nation. 10. President of Russia. Accessed 24 April2024. Retrieved from: http://www.en.kremlin.ru/events/president/transcripts/70315
- Aljazeera staff,(21 February 2023). Putin’s state of the nation speech: What exactly did he say . Aljazeera. Accessed 25 April2024. Retrieved from: https://www.aljazeera.com/news/2023/2/21/putins-speech-on-the-state-of-war-what-exactly-did-he-say
- President of Russia, (23 march2023). Address to citizens of Russia. President of Russia. Accessed 26 April 2024. Retrieved from: http://en.kremlin.ru/events/president/transcripts/statements/73703
- ICAN, (27 march 2023). Putin announces deployment of tactical nuclear weapons to Belarus . ICAN. Accessed 25 April 2024. Retrieved from: https://www.icanw.org/putin_announces_plans_to_deploy_nuclear_weapons_in_belarus
- Collis, Helen. (22 July2023). Putin warns Poland an attack on Belarus would be an attack on Russia. Politico. Accessed 26 April 2024. Retrieved from: https://www.politico.eu/article/vladimir-putin-warns-poland-attack-belarus-russia/
- President of Russia, (15 September2023). Vladimir Putin and Alexander Lukashenko answered media questions. President of Russia. Accessed 29 April 2024. Retrieved from: http://en.kremlin.ru/events/president/news/72277
- President of Russia, (28nov2023). Plenary session of the World Russian People’s Council. President of Russia. Accessed 27 April. Retrieved from: http://en.kremlin.ru/events/president/news/72863
- Wright, George and others. (12 dec2023). Russia-Ukraine war: Putin tells Russia his war objectives are unchanged. BBC news. Accessed 27 April 2024. Retrieved from: https://www.bbc.com/news/world-europe-67711802
- Gvindadze, Sandro. (27 February2024). Analysis: How Vladimir Putin defends ‘family values’ to mobilise voters. BBC MONITORING. Accessed 2 may 2024 Retrieved from: https://monitoring.bbc.co.uk/product/c20515fv
- Pennington, Josh. Regan, Helen. (13 march2024) Putin says he’s ready to use nuclear weapons if Russian state at stake, but ‘there has never been such a need’. CNN. Accessed 1 may 2024. Retrieved from: https://edition.cnn.com/2024/03/13/europe/russia-putin-nuclear-weapons-ukraine-intl-hnk/index.html
- Rainsford, Sarah. (24 March2024). Zelensky hits back after Russia links Ukraine. BBC news. Accessed 25 march 2024. Retrieved from https://www.bbc.com/news/world-europe-68649229
- Rai, Micheal. (2024April). Russo-Ukrainian War. Britannica. Accessed 20march2024. Retrieved from: https://www.britannica.com/event/2022-Russian-invasion-of-Ukraine
([1]) منى، زنودة.(2017) تحليل صنع القرار من منظور العقائد السياسية، مجلة المفكر، العدد 14، (جامعة محمد خيضر بسكرة: كلية القوق والعلوم السياسية)، ص ص477-492، متاح على الرابط التالى: https://0810gg1lg-1106-y-https-search-mandumah-com.mplbci.ekb.eg/Record/821554
([2])Saunders, Elizabeth N.(2021) Elites in the Making and Breaking of Foreign Policy. Annual Review Of Political Science, Available at: https://www.annualreviews.org/docserver/fulltext/polisci/25/1/annurev-polisci-041719103330.pdf?expires=1715482457&id=id&accname=guest&checksum=717799F9C76C9C9158DE73936F1473AF
([3]) Breuning, Marijke.(2022) Investigating Leaders: Integrating the Study of Individuals in Foreign Policy Analysis and International Relations. University of North Texas, Available at: file:///C:/Users/MAKKAH/Downloads/4_Breuning_Teoria-Polityki_6_2022.pdf
([4]) خريسان، باسم علي.(2016) علم النفس السياسي: دراسة فى المفهوم والنشأة التاريخية، مجلة دراسات دولية، العدد 67، ص ص 135- 163، متاح على الرابط التالى: https://jcis.uobaghdad.edu.iq/index.php/politics/article/view/109
([5]) ميلودي، وليد الصديق.(2016) أثر البعد النفسي لصانع القرار في اتخاذ القرار الخارجي “دراسة في اسهامات المقاربة السايكولوجية )النفسية ( لهارولد وسبراوت في اتخاذ القرار الخارجي”، مجلة البحوث القانونية والسياسية، العدد 1، ص ص 130- 138، متاح على الرابط التالى: https://www.asjp.cerist.dz/en/article/75929
([6]) محمد، رشيد.(2022) تأثير العامل السيكولوجى على صانع القرار السياسى: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نموذجًا، مجلة ريحان للنشر العلمي، العدد 25، مركز فكر للدراسات والتطوير، ص ص128- 154، متاح على الرابط التالى: file:///C:/Users/MAKKAH/Downloads/2189-000-025-007.pdf
([7]) محسن، آلاء محمد.(2015) دور القائد السياسى فى صنع السياسة الخارجية (لرئيس فلاديمير بوتين أنموذجًا)، رسالة ماجستير، (جامعة دمشق: كلية العلوم السياسية)، متاح على الرابط التالى: http://mohe.gov.sy/master/Message/Mc/alaa%20mohsen.pdf
([8]) مصطفى، مروة خليل.(يناير 2024) دور القيادة السياسية فى تحديد مضمون المصلحة القومية: جورباتشوف وبوتين كدراسة حالة، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، العدد 21، متاح على الرابط التالى: https://jocu.journals.ekb.eg/article_336021.html
([9]) المكيمى، هيلة حمد.(2023) أثر البوتينية فى الصراع الروسي- الأوكراني: قراءة تحليلية فى مضامين خطابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمسببات الحرب الروسية على أوكرانيا فى العام 2022، مجلة العلوم السياسية، العدد 65، متاح على الرابط التالى: https://jcopolicy.uobaghdad.edu.iq/index.php/jcopolicy/article/view/636
([10]) Immenlman, Aubrey.(2017) The Political Personality of Russian Federation President Vladimir Putin. Saint John’s University: Saint Benedict College,Available at: https://digitalcommons.csbsju.edu/psychology_pubs/104/
[11] حسين، أحمد السيد.(٢٠١٥) دور القيادة السياسية في إعادة بناء الدولة (روسيا في عهد بوتين)، (رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية)، ص ٥٨
[12] محمد محسن، الاء. (٢٠١٤). دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية (الرئيس فلاديمير بوتين نموذجا)، ( رسالة ماجستير، جامعة دمشق، كلية العلوم السياسية)،، ص٣٧
[13] حسين، احمد السيد. (٢٠١٥). ص ٥٩
[14] المرجع السابق، ص ٦٠، ٦٣
[15] آلاء ، محمد محسن.(٢٠١٤)، ص٦٠
[16] الكيالي، عبد الوهاب واخرون(1979) . موسوعة السياسية. المؤسسة العربية للدراسات والنشر الجزء الرابع. بيروت ،ط1. ص 833
[17] محسن، الاء. محمد. (2014). دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية (الرئيس فلاديمير بوتين نموذجا)، ( رسالة ماجستير، جامعة دمشق، كلية العلوم السياسية. ص 17
[18] الدبار، محمد. (19 ابريل 2019). القيادة السياسية وتغير السياسة الخارجية، المعهد المصري للدراسات. تريخ الدخول:17 مارس 2024. متاح علي الرابط التالي:https://www.bing.com/ck/a?!&&p .
[19]محسن، الاء محمد. (2014). مرجع سابق. ص 20
[20] الدبار، محمد. (19 ابريل 2019). مرجع سابق تاريخ الدخول :17 مارس 2024
[21] محمد، مروه خليل(2024). دور القيادة السياسية في تحديد مضمون المصلحة القومية: جورباتشوف وبوتين كدراسة حالة. مجلة كلية السياسة والاقتصاد جامعة الاسكندرية. العدد رقم21. الاسكندرية: جامعة الاسكندرية، ص272
[22] نفس المرجع، ص273
[23] محمد، مروه خليل. (2024). مرجع سابق ص274
[24] عودة، جهاد. عبد الملك .رمزي، سمير. (2017). نظرية الدور وتحليل السياسة الخارجية. مجلة البحوث والدراسات التجارية. (31)، 3. رقم الصفحة 7
[25] نفس المرجع. ص8
[26] Biddle, Bruce J. )1986(. Recent development in role theory. Center for Research in Social Behavior, University of Missouri-Columbia. Retrieved from: https://www2.ece.ohio-state.edu/~passino/RoleTheory-Biddle-1986.pdf . p 71
[27] عودة، جهاد. عبد الملك .رمزي، سمير. (2017). مرجع سابق . ص 9
[28] العياصرة ، إسلام أحمد سليم (2019) محددات السياسة الخارجية ، المجلة العربية للنشر العلمي ، العدد 9 ، ص 8
[29] المرجع السابق ذكرة ، ص 10
[30] المرجع السابق ذكرة ، ص 11
[31][31]1 دحمان ، قاسم (2016) ، السياسة الخارجية الروسية في أسيا الوسطي والقوقاز ، الناشر E_kUTUb LTd
ص 45 ، ص 46
2 خريسان ، باسم علي علم النفس السياسي : دراسة في المفهوم والنشأة ، مجلة دراسات دولية ، العدد 67 ، ص137
(4) ميلود ، ولد الصديق (2013) ،اثر البعد النفسي لصانع القرار في اتخاذ القرار الخارجي ، مجلة البحوث القانونية والسياسية، العدد الأول ، ص 243
[33] ميلود ، ولد الصديق ، المرجع السابق ذكرة ، ص 237
[34] الكفارنة ، أحمد عارف ، العوامل المؤثرة في عملية اتخاذ القرار في السياسة الخارجية ،مجلة دراسات دولية ، العدد الثاني والاربعون ، ص 35 ،36
[35] الكفارنة ، أحمد عارف المرجع السابق ذكرة ، ص 36
7 محسن ، الاء محمد دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية ، رسالة ماجستير ، كلية العلوم السياسية ، جامعة دمشق ، ص 24
[36] آلاء ، محمد محسن.(٢٠١٤)، ص٦٠
[37] المرجع السابق ، ص ٦٣
[38] داعوس، طلال عبدالرحمن. (1995). دراسة في تحليل السلوك لصانع القرار السياسي . مجلة الدبلوماسي، مسترجع من https://search.mandumah.com/Record/335661
[39]عبد الحميد أحمد، حسين. القيادة(دراسة في علم الاجتماع النفسي والإداري والتنظيمي). كلية آداب: جامعة اسيوط، ٢٠١٠، ص٨٥
[40] الاء، محمد محسن. (٢٠١٤). ص٦٤
[41] حسين، عبد الحميد احمد.(٢٠١٠) ص ٤٠
[42] Pagen,Joseph.(2020).A New Russian Realpolitik: Putin’s Operationalization of Psychology
And Propagand. Global Security and Intelligence Studies. Volume 5, Number1. p.58 . Retrieved from: https://acrobat.adobe.com/id/urn:aaid:sc:EU:b1bcd4be-a5b9-4b64-8ef7-fa366874531f
[43] SAKWA, RICHARD. (August 2008).Putin’s Leadership: Character and Consequences.EUROPE-ASIA STUDIES. Vol. 60, No. P 881. Retrieved from: https://www.jstor.org/stable/20451564
[44] مديرية الدراسات الاستراتيجية (٢٠٢٢) تفكيك الشيفرة البوتينية عرابو فكر فلاديمير بوتين. المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق. العدد ٥٦.
[45] المرجع السابق ذكرة
[46] Raviot, jean-Robert. (march 2018). Putinism: A Praetorian System. Ifri. (106). p 8. Retrieved from: https://www.ifri.org/sites/default/files/atoms/files/rnv_106_raviot_putinism_praetorian_system_2018.pdf
[47] Ibid. p 9
[48] Fish, M. Steven. (October 2017). What Is Putinism. Journal of Democracy. Volume 28, Number 4. P9. Retrieved from: https://www.journalofdemocracy.com/wp-content/uploads/2017/10/Fish-28-4.pdf
[49] مرقس، سمير. (12 يناير2019). البوتينية (1): مشروع روسيا بوتين. الاهرام. متاح علي الرابط التالي: https://gate.ahram.org.eg/daily/News/202890/4/690890/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9–%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86.aspx
[50] Aron, Leon. (2008). Putinism. AEI. p1. Retrieved from: file:///C:/Users/al_ahly_net/AppData/Local/Microsoft/Windows/INetCache/IE/YN1HC8AV/20080508_Putinism_g[1].pdf
[51] Ibid, p1
[52] مرقس، سمير. (12 يناير2019). مرجع سابق
[53] Fish, M. Steven. (October 2017). Previous reference. P 14
[54] الاء محمد محسن،(٢٠١٤) دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية (الرئيس فلاديمير بوتين نموذجا)، ( رسالة ماجستير، جامعة دمشق، كلية العلوم السياسية).ص ٦٩.
[55] محمد السيد، السيد وآخرون. (٢٠٢٤) السياسة الخارجية الروسية في عهد بوتين مفهومها واستراتيجيتها. المجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية. المجلد ٣٨، العدد الأول. القاهرة
[56] دلشاد حسن، زانا. (٢٠٢١). محددات الأمن القومي الروسي في ظل المتغيرات الدولية الجديدة. رسالة ماجستير. جامعة الشرق الأدنى: كلية العلوم الاقتصادية والإدارية.
[57] عبد الله، فيصل.(٩فبراير٢٠٢٣).العالم الروسي.. أيديولوجيا جديدة للسياسة الخارجية الروسية. مسترجع من: https://www.idsc.gov.eg/Article/details/8064
[58] المرجع السابق ذكره.
[59] إسماعيل ملا، جيا. (٢٠٢١). السياسة الخارجية الروسية ما بين الدبلوماسية والنزعة العسكرية دراسة تحليلية لعهد بوتين. رسالة ماجستير. جامعة الشرق الأدنى: كلية العلوم الاقتصادية والإدارية.
[60] فهيم الصوراني.(١٦/٣/٢٠٢٤). كيف تغيرت روسيا خلال عهد بوتين الممتد لربع قرن. الجزيرة. مسترجع من: https://www.ajnet.me/politics/2024/3/16/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D8%B1%D8%AA-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%B9%D9%87%D8%AF-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%AA%D8%AF
[61] وليد عتلم، (٢١/٤/٢٠٢٢). دور الدوافع الشخصية في قرارات السياسة الخارجية .. الحرب الروسية –الأوكرانية نموذجا. السياسة الدولية. مسترجع من: https://www.siyassa.org.eg/News/18284.aspx
[62] فيصل، مراد. (٢٠١٥). السياسة الإقليمية الجديدة لروسيا دراسة حالة اوكرانيا. رسالة ماجستير. جامعة الجزائر. كلية العلوم السياسية والعلامات الدولية.
[63] Minic, D. (2022). Russia’s Invasion of Ukraine. Ifri, No. (126) .8, Retrieved from: https://www.ifri.org
[64] مخيمر، أسامة. فاروق. (2023). تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن الأوروبي. مجلة كلية السياسة واالقتصاد جامعة بني سويف، (17)، 6 .
[65] سكاي نيوزعربي. (2023، يناير20). الصراع الروسي-الاوكراني ماذا يقول التاريخ. سكاي نيوز عربي. تاريخ الدخول: 13 مارس2024. متاح الرابط التالي :
https://www.skynewsarabia.com/world/1587378
[66] سكاي نيوزعربي. (2023، يناير20). الصراع الروسي-الاوكراني ماذا يقول التاريخ. مرجع سابق
[67] داغر، إيليانا. (2022). سسلة حروب الألفية. اندبندنت عربي. تاريخ الدخول: 13 مارس 2024. متاح الرابط التالي:
https://www.independentarabia.com/almejhar/russianwars
[68] المرجع السابق
[69] RT. (2022.فبراير.15). منذ خطاب بوتين في مؤتمرميونخ اهم مراحل و تطورات المواجه بين روسيا والغرب. RT. تاريخ الدخول. متاح علي الرابط التالي:
https://arabic.rt.com/world/1324601-
[70] المرجع السابق
[71] المرجع السابق
[72] فرانس24، (9/12/2013) . مئات آلاف الأوكرانيين يتظاهرون في كييف للضغط على رئيس البلاد. فرانس24. تاريخ الدخول:15 مارس2024. متاح علي الرابط التالي :
Rai, Micheal. (2024April).Russo-Ukrainian War. Britannica. .Accessed 20 march2024. Retrieved from[73]: https://www.britannica.com/event/2022-Russian-invasion-of-Ukraine .
[74] محمود، أحمد . جلال.(2022).السياسة الأمريكية تجاه التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وانعكاساتها على حلف الناتو . مجلة كلية السياسة والاقتصاد جامعة بني سويف، 16، 418
[75] نفس المرجع، 418
[76]Lyubakova, Hanna. et al. (2024). Revenge, internal explosion or reform – three Russia. Friend of Europe .p7. Retrieved from:
Walker, Nigel. (2022). The conflict in Ukraine: a timeline (2014 – on the eve of the 2022 invasion ). Library House of common.p15. Retrieved from
https://commonslibrary.parliament.uk/the-conflict-in-ukraine/ [77]
Lyubakova, H. et al. (2024). Ibid [78]
Walker, Nigel . (2023) . The conflict in Ukraine: a timeline (2014 – on the eve of the 2022 invasion ). Previous reference.15 [79]
Walker, Nigel . (2023) . The conflict in Ukraine: a timeline (2014 – on the eve of the 2022 invasion ) . Previous reference.16 [80]
Nechepurenko, Ivan .( Sept. 7, 2019). Russia and Ukraine Swap Dozens of Prisoners, in a ‘First Step to Stop the War’. NEW YOURK TIME. Accessed 23march 2024.Retrieved from:
https://www.nytimes.com/2019/09/07/world/europe/russia-ukraine-prisoner-swap.html [81]
[82] Walker, Nigel. (2023(. The conflict in Ukraine: a timeline (2014 – on the eve of the 2022 invasion ). Previous reference.16
[83]Rainsford, Sarah. ) 24 March2024). Zelensky hits back after Russia links Ukraine . bbc news . Accessed 25 march 2024. Retrieved from https://www.bbc.com/news/world-europe-68649229 .
[84] .RT(22.سبتمبر 2023). انطلاق مناورات “درع الاتحاد” الروسية البيلاروسية.RT تاريخ الدخول: 12 ابريل 2024. .متاح علي الرابط التالي : https://arabic.rt.com/world/1497123-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%A8%D8%AF%D8%A3%D8%AA-%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%AF%D8%B1%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF/
[85]Walker, Nigel . (2022) . The conflict in Ukraine: a timeline (2014 – on the eve of the 2022 invasion) Previous reference .27
[86] Walker, Nigel. (2022) . The conflict in Ukraine: a timeline (2014 – on the) . Previous reference .p38
[87] خليل، مروة. (يناير ٢٠٢٤). دور القيادة السياسية في تحديد مضمون المصلحة القومية: جورباتشوف وبوتين كدراسة حالة. مجلة كلية السياسة والاقتصاد. العدد ٢١. الإسكندرية.
[88] وليد عتلم، (٢١/٤/٢٠٢٢). دور الدوافع الشخصية في قرارات السياسة الخارجية .. الحرب الروسية –الأوكرانية نموذجا. السياسة الدولية. مسترجع من: https://www.siyassa.org.eg/News/18284.aspx
[89] سليم. رجاء (٢٨ سبتمبر ٢٠٢٣). الدور المحوري للقادة السياسيين في الحرب الروسية الأوكرانية. مركز المعلومات واتخاذ القرار. العدد ٥٩. مصر
[90] خليل، مروة. (يناير ٢٠٢٤). دور القيادة السياسية في تحديد مضمون المصلحة القومية: جورباتشوف وبوتين كدراسة حالة. مجلة كلية السياسة والاقتصاد. العدد ٢١. جامعة الإسكندرية.
[91] دلشاد حسن، زانا. (٢٠٢١)محددات الأمن القومي الروسي في ظل المتغيرات الدولية الجديدة. رسالة ماجستير. جامعة الشرق الأدنى: كلية العلوم الاقتصادية والإدارية.
[92] فرح عماد شلقامي، (٢٠ سبتمبر ٢٠٢٣). تحليل السياسة الخارجية الروسية تجاه أوكرانيا في ضوء بدء العمليات العسكرية فبراير 2022. المركز الديمقراطي العربي. مسترجع من: https://democraticac.de/?p=92403
[93] Al Jazeera Staff ,(24 Feb 2022). No other option’: Excerpts of Putin’s speech declaring war. Al Jazeera. Accessed 15 April2024. Retrieved from: https://www.aljazeera.com/news/2022/2/24/putins-speech-declaring-war-on-ukraine-translated-excerpts
“أشير إلى توسيع حلف شمال الأطلسي (NATO) نحو الشرق، مع تقدم بنية تحتية عسكرية أقرب إلى الحدود الروسية. من المعروف جيدًا أننا لقد حاولنا بصبر وإصرار لمدة 30 عامًا الوصول إلى اتفاق مع الدول الرائدة في حلف شمال الأطلسي بشأن مبادئ الأمان المتساوي وغير المنقوص في أوروبا. وفي رد على اقتراحاتنا، واجهنا باستمرار إما خداعًا سافرًا وأكاذيبًا، أو محاولات للضغط والابتزاز، في حين استمرت NATO، برغم كل احتجاجاتنا ومخاوفنا، في التوسع بشكل مستمر. آلة الحرب تتحرك وأكرر، إنها تقترب من حدودنا.”
[94] Ibid
“لا حاجة للبحث بعيدًا عن الأمثلة. أولاً، دون أي موافقة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قاموا بعملية عسكرية دموية ضد بلغراد، باستخدام الطائرات والصواريخ في وسط أوروبا بالضبط. لقد قاموا بأسابيع من القصف المستمر للمدن والبنية التحتية الحيوية. يجب علينا تذكير الجميع بهذه الحقائق، لأن بعض الزملاء الغربيين لا يحبون تذكر تلك الأحداث، وعندما نتحدث عنها، يفضلون الإشارة ليس إلى معايير القانون الدولي، ولكن إلى الظروف التي يفسرونها على ما يرونه مناسبًا.”
[95] Reuters,(30 june2022). Russia open to dialogue on nuclear non-proliferation, Putin says .Reuters. Accessed 19 April 2024. Retrieved from: https://www.reuters.com/world/europe/russia-open-dialogue-nuclear-non-proliferation-putin-says-2022-06-30/
“روسيا مستعدة للحوار من أجل ضمان الاستقرار الاستراتيجي، والحفاظ على أنظمة عدم انتشار الأسلحة الدمار الشامل، وتحسين الوضع في مجال مراقبة الأسلحة.”
[96] عبد الرحمن، غادة. احمد.(يوليو2023). التحليل النقدي لخطاب إعلان الحرب الروسية الأوكرانية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. المجلة العلمية لبحوث الإذاعة والتليفزيون. (26) رقم الصفحة 90
[97] المرجع السابق. رقم الصفحة 91
[98] Aljazeera staff, (12 Apr 2022). Putin says Russia will achieve ‘noble’ aims in Ukraine war. Aljazeera. Accessed 21 Arail 2024. Retrieved from: https://www.aljazeera.com/news/2022/4/12/after-week-of-silence-putin-vows-triumph-in-noble-ukraine-war
“تلك الهجمة المفاجئة التي كان أعداؤنا يعولون عليها لم تنجح.”
[99] Ibid
“أهدافها واضحة تمامًا ونبيلة…… لا شك أنه سيتم تحقيق الأهداف.”
[100] Reuters staff,(30 September 2022). Extracts from Putin’s speech at annexation ceremony. Accessed 22 April2024. Retrieved from: https://www.reuters.com/world/extracts-putins-speech-annexation-ceremony-2022-09-30/
“أريد من السلطات في كييف وسادتهم الحقيقيين في الغرب أن يسمعوا صوتي، لكي يتذكروا هذا. الأشخاص الذين يعيشون في لوهانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجزيا يصبحون مواطنينا. إلى الأبد.”
[101] Reuters,(30 june2022). Russia open to dialogue on nuclear non-proliferation, Putin says. Previous Reference
“سنقوم بضرب الأهداف التي لم نستهدفها بعد.”
[102] Putin, VLADIMIR. ”ON THE HISTORICAL UNITY OF RUSSIANS AND UKRAINIANS“ .The Russian president. Accessed 24 April 2024. Retrieved from: https://www.prlib.ru/en/article-vladimir-putin-historical-unity-russians-and-ukrainians
[103] Metzel, Mikhail. (10 Feb2022). Putin’s Munich Speech 15 years later: What prophecies have come true. Tass. Accessed 24 April2024. Retrieved from: https://tass.com/politics/1401215
“إذا لم تجد المجتمع الدولي حلاً معقولًا لحل هذا الصراع بين المصالح، فسيستمر العالم في تعرضه لأزمات مماثلة مستقرة… سنواصل مكافحة تهديد انتشار أسلحة الدمار الشامل.”
[104] President of Russia, (31 dec2022). New year address to the nation. President of Russia . Accessed 24 April2024. Retrieved from: http://www.en.kremlin.ru/events/president/transcripts/70315
كانت هذه السنة عامًا حاسمًا حقًا، حتى أنها كانت مصيرية. أصبحت هذه الأحداث الحدود التي نضع عليها أسس مستقبلنا المشترك، استقلالنا الحقيقي.
[105] Aljazeera staff,(21 February 2023). Putin’s state of the nation speech: What exactly did he say . Aljazeera. Accessed 25 April2024. Retrieved from: https://www.aljazeera.com/news/2023/2/21/putins-speech-on-the-state-of-war-what-exactly-did-he-say
“أضطررت اليوم للإعلان عن أن روسيا تعلق مشاركتها في معاهدة الأسلحة الاستراتيجية الهجومية الاستراتيجية.”
[106] ICAN, (27 march 2023). Putin announces deployment of tactical nuclear weapons to Belarus . ICAN. Accessed 25 April 2024. Retrieved from: https://www.icanw.org/putin_announces_plans_to_deploy_nuclear_weapons_in_belarus
نحن في الأساس نقوم بنفس الشيء الذي كانوا يفعلونه منذ عقد. لديهم حلفاء في بعض البلدان ويقومون بتدريب حاملاتهم وطواقمهم. نحن سنقوم بنفس الشيء. هذا بالضبط ما طلبه ألكساندر جريغورييفيتش (لوكاشينكو)”.
[107] [107] President of Russia, (31 dec2022). New year address to the nation .previous references
كان عامًا وضع فيه الكثير من الأمور في محلها، ورسم خطًا واضحًا بين الشجاعة والبطولة من جهة، وبين الخيانة والجبن من جهة أخرى، وأظهر لنا أنه لا يوجد شيء أقوى من حبنا لأقربائنا وأحبائنا، ومن ولائنا لأصدقائنا ورفاقنا في السلاح، ومن تفانينا في وطننا.
[108]Gigova, Radina. (25 November 2022). Putin says Russia used to live by someone else’s rules, but is now on the path toward reinvention. CNN. Accessed 25 April 2024 Retrieved from: https://edition.cnn.com/europe/live-news/russia-ukraine-war-news-11-25-22/h_e42cb60bc1dd8debc809c3ec750a842e
ما حدث في السنوات السابقة كان بشكل كبير لأننا كنا نعيش ونلعب وفقًا لقواعد شخص آخر. أحداث اليوم هي طريق إلى تطهير داخلي وإعادة ابتكار.”
[109] Collis, Helen. (22 July2023). Putin warns Poland an attack on Belarus would be an attack on Russia. Politico. Accessed 26 April 2024. Retrieved from: https://www.politico.eu/article/vladimir-putin-warns-poland-attack-belarus-russia/
“العدوان على بيلاروس يعني عدوانًا على الاتحاد الروسي… ..سنرد عليه بجميع الوسائل المتاحة لدينا.”
[110] President of Russia, (23 march2023). Address to citizens of Russia. President of Russia. Accessed 26 April 2024. Retrieved from: http://en.kremlin.ru/events/president/transcripts/statements/73703
لا يمكنني إلا أن أعترف بالمساعدة التي قدمها المواطنون العاديون الذين، في أعقاب الكارثة، لم يظلوا متفرجين أو لا مبالين وقدموا الإسعافات الأولية ونقلوا الضحايا إلى المستشفيات، عملوا جنبًا إلى جنب مع الأطباء وموظفي الجهات الخاصة.
[111] President of Russia, (28nov2023). Plenary session of the World Russian People’s Council. President of Russia. Accessed 27 April. Retrieved from: http://en.kremlin.ru/events/president/news/72863
اصدقائي، معركتنا من أجل السيادة والعدالة هي، بدون مبالغة، واحدة من معارك التحرير الوطني، لأننا نحمي أمن ورفاهية شعبنا، وحقنا التاريخي الأعلى في أن نكون روسيا – دولة قوية مستقلة، دولة حضارية. إنها بلدنا، إنها العالم الروسي الذي حجب طريق أولئك الذين طمحوا إلى الهيمنة العالمية والاستثنائية، كما حدث في العديد من المرات في التاريخ.
[112]Wright, George and others. (12 dec2023). Russia-Ukraine war: Putin tells Russia his war objectives are unchanged. BBC news. Accessed 27 April 2024. Retrieved from: https://www.bbc.com/news/world-europe-67711802
“لا أعرف لماذا يفعلون ذلك، إنهم يدفعون شعبهم للموت، إنه رحلة في اتجاه واحد لقوات أوكرانيا. الأسباب وراء ذلك هي سياسية، لأن قادة أوكرانيا يتوسلون للدول الأجنبية بالمساعدة.”
[113] President of Russia, (15 September2023). Vladimir Putin and Alexander Lukashenko answered media questions. President of Russia. Accessed 29 April 2024. Retrieved from: http://en.kremlin.ru/events/president/news/72277
هو أن هذا الموقف، كقطرة ماء، يعكس ما يحدث في العالم ككل. ما أعنيه بذلك هو أن هناك دولة واحدة تعتقد أنها استثنائية، وتلك الدولة هي الولايات المتحدة. حتى تعتقد تلك الدولة أنها مسموح لها بفعل ما تعتبره جريمة – إنها الولايات المتحدة التي تستخدم الذخائر المتفجرة التجميعية، باستخدام الجيش الأوكراني في هذه الحالة
[114]President of Russia, (28nov2023). Plenary session of the World Russian People’s Council. Previous references
أود أن أؤكد أننا نعتبر أي تدخل خارجي أو تحريض على الصراعات العرقية أو الدينية كأفعال عدوانية ضد بلادنا، ومحاولة جديدة لاستخدام الإرهاب والتطرف كسلاح ضدنا، وسنرد عليها بالمثل.
[115] Pennington, Josh. Regan, Helen. (13 march2024) Putin says he’s ready to use nuclear weapons if Russian state at stake, but ‘there has never been such a need’. CNN. Accessed 1 may 2024. Retrieved from: https://edition.cnn.com/2024/03/13/europe/russia-putin-nuclear-weapons-ukraine-intl-hnk/index.html
“هم الآن يضعون مهامًا لزيادة هذه الحداثة والابتكار، لديهم خطة مقابلة. نحن نعلم عن ذلك أيضًا. هم يعملون على تطوير جميع مكوناتهم. ونحن أيضًا”
[116]President of Russia, (21 April 2024) Meeting with President of Belarus Alexander Lukashenko. President of Russia. Accessed 1 may 2024.Retrieved from: http://www.en.kremlin.ru/events/president/transcripts/73852
[117] Gvindadze, Sandro. (27 February2024). Analysis: How Vladimir Putin defends ‘family values’ to mobilise voters. BBC MONITORING. Accessed 2 may 2024 Retrieved from: https://monitoring.bbc.co.uk/product/c20515fv
“روسيا هي حضارة منفصلة، ‘أسرة من الأسر’ حيث تعتبر القيم التقليدية أمرًا مهمًا؛ يهاجمها الأعداء، لكنهم لن يحققوا أي شيء بفضل توحيد المجتمع”
[118] أبو نجم ، ميشال (2021) استراتيجية حافة الهوية ….مغامرة بوتين الخطيرة في أوكرانيا ، مركز الجزيرة للدراسات متاح علي https://www.ajnet.me/midan/reality/politics/2022/2/10/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%A7%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%BA%D8%A7%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86
[119] Bbc (2022) ، روسيا وأوكرانيا : بوتين يقول إن بلادة لا تريد الحرب والناتو ينفي وجود دليل علي سحب القوات متاح علي الرابط الاتي https://www.bbc.com/arabic/world-60332539
[120] )Bbc 2022) ، روسيا وأوكرانيا 5 سيناريوهات محتملة للحرب خلال 2023 ، متاح علي الرابط الاتي https://www.bbc.com/arabic/world-64104061
[121] الخثلان ، صالح بن محمد (2023) مستقبل السياسة الروسية في الشرق الأوسط في ظل الازمة الأوكرانية ، مجلة افاق مستقبلة ، العدد 3 ، متاح علي https://acrobat.adobe.com/id/urn:aaid:sc:EU:c3d3c895-a7cc-4316-9e4b-32e49b7e7ba1
[122] إدريس ، أحمد محمد عثمان (2023) الحروب الروسية الأوكرانية … والمالات المستقبلية ، ص 72 ، متاح علي https://acrobat.adobe.com/id/urn:aaid:sc:EU:04cab7f9-2335-4606-9360-cce202548037
[124] المرجع السابق ذكرة ، ص 84