حرب المصالح : بحر الصين الجنوبي بين الطموحات الصينية والتحالفات الأمريكية
اعداد : د.حمدي سيد محمد محمود – باحث أكاديمي– مدير المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر
المستخلص:
تسلط هذه المقالة الضوء على بحر الصين الجنوبي كساحة لتقاطع المصالح الاقتصادية والأمنية للقوتين العظميين، الصين والولايات المتحدة، و تركز على الدوافع الصينية لتعزيز أمنها وحماية مصالحها في هذه المنطقة الحيوية، كما تبرز الدوافع الأمريكية في منع الهيمنة والسيطرة على الممرات البحرية الاستراتيجية، كما تستعرض المقالة سيناريوهات التصعيد والردع في حالة حدوث صدام عسكري بينهما، كما تبرز المقالة أسباب التوتر في بحر الصين الجنوبي، بالإضافة لدور الولايات المتحدة في تصعيد هذا التوتر، وتسلط المقالة الضوء كذلك على العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الأسيان، و أيضا تصادم الصين مع تلك الدول، وتختتم المقالة بالتأكيد على أن هذا الصراع بين أمريكا والصين في بحر الصين الجنوبي، يتجاوز كونه نزاعًا إقليميًا ليصبح رمزًا لتوازن القوى في النظام الدولي المعاصر.
Abstract
This article highlights the South China Sea as an arena for the intersection of the economic and security interests of the two superpowers, China and the United States, and focuses on the Chinese motives to enhance its security and protect its interests in this vital region, as well as the American motives to prevent hegemony and control of strategic sea lanes. The article also reviews the scenarios of escalation and deterrence in the event of a military clash between them, and the article highlights the causes of tension in the South China Sea, in addition to the role of the United States in escalating this tension. The article also highlights the relations between the United States and the ASEAN countries, as well as China’s clash with those countries. The article concludes by emphasizing that this conflict between America and China in the South China Sea goes beyond being a regional dispute to become a symbol of the balance of power in the contemporary international system.
مقدمة:
يُشكّل بحر الصين الجنوبي ساحةً حيوية لتقاطع المصالح الاقتصادية والأمنية للقوتين العظميين، الصين والولايات المتحدة، اللتين تتصارعان على تعزيز النفوذ والسيطرة في منطقة تُعدّ بمثابة شريان للتجارة العالمية ومركزاً للموارد الاستراتيجية. إن هذا الصراع، الذي يتجاوز بُعدي الأمن والاقتصاد، يمثل اختباراً حقيقياً لقدرة كل من البلدين على فرض رؤيته واستراتيجياته في واحدة من أكثر المناطق حساسيةً في العالم. سلوك الصين في منطقة بحر الصين الجنوبي، تدفعه دوافع أمنية واقتصادية، تتمثل في تعزيز أمنها المطلق، وتحسين القدرة التشغيلية لبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني. كما يبين أن الدوافع الأمريكية أمنية بحتة، بالنظر إلى قيام الاستراتيجية العسكرية الأمريكية بمنع وصول أي منافس إلى وضع الهيمنة في المناطق المفتوحة على غرب المحيط الهادئ، وهو الأمر الذي يزيد من احتمال حدوث صدام عسكري بينهما. فبين مطالبات الصين المتزايدة بالسيادة المطلقة على البحر وسعي الولايات المتحدة لردع أي هيمنة أحادية، تتصاعد التوترات التي لا تقتصر تداعياتها على استقرار المنطقة فحسب، بل تتجاوزها لتهدد النظام الدولي ككل، مما يجعل بحر الصين الجنوبي رمزاً لصراعٍ استراتيجي قد يُعيد رسم خريطة التحالفات والخصومات العالمية.
- 1. الدوافع الصينية: الأمن المطلق والقدرات البحرية
– الأمن المطلق: الصين تسعى لتعزيز أمنها المطلق، أي قدرتها على حماية سيادتها ومصالحها في منطقة بحر الصين الجنوبي وما حولها دون الحاجة إلى الاعتماد على القوى الخارجية. تاريخياً، ترى الصين أن قدرتها على السيطرة على البحار المحيطة بها أمر حيوي لأمنها القومي، خصوصاً مع التطور في برامج الطاقة واستيراد النفط والغاز. إضافةً لذلك، تحرص الصين على تأمين طرق التجارة البحرية التي تمر عبر المنطقة، والتي تعتبر شرياناً حيوياً للاقتصاد الصيني.
– القدرات التشغيلية لبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني: تعمل الصين على تطوير قدراتها العسكرية، خاصة البحرية، من خلال بناء حاملات طائرات، وتوسيع أسطول الغواصات، وإنشاء قواعد بحرية متقدمة، سواء كانت جزر صناعية أو مواقع لوجستية. هذا التوسع في القدرة البحرية يعزز من استعدادات الصين لأي مواجهة محتملة، ويجعلها قادرة على التحكم والسيطرة في منطقة بحر الصين الجنوبي؛ مما يزيد من نفوذها الإقليمي ويضعها في موقع ردع استراتيجي ضد أي تدخل خارجي.
- 2. الدوافع الأمريكية: منع الهيمنة والسيطرة على ممرات بحرية استراتيجية
– مفهوم منع الهيمنة: تعتبر الولايات المتحدة أن وجود قوة عسكرية منافسة تتمتع بالسيطرة على بحر الصين الجنوبي يمثل تهديداً مباشراً لنفوذها في غرب المحيط الهادئ. بناءً على ذلك، تُعتمد الاستراتيجية العسكرية الأمريكية على ما يُعرف بـ “منع الهيمنة”، أي منع أي قوة منافسة من السيطرة الكاملة على المناطق الحيوية. هذا المفهوم يدفع الولايات المتحدة إلى تعزيز وجودها العسكري وإجراء مناورات مشتركة مع حلفائها في المنطقة مثل اليابان وأستراليا والفلبين، بهدف تعزيز شبكة ردع تضمن استمرارية سيطرتها الاستراتيجية.
– التواجد العسكري واستعراض القوة: تستند الاستراتيجية الأمريكية أيضاً على نشر القوات العسكرية في المنطقة كوسيلة للردع، حيث تقوم بإجراء دوريات بحرية وجوية منتظمة، فيما يعرف بعمليات “حرية الملاحة”. هذه العمليات تهدف إلى تحدي المطالبات الصينية وتأكيد حرية المرور في الممرات البحرية الدولية. إلا أن هذه الأنشطة تُعد استفزازية بالنسبة للصين، مما يزيد من التوترات واحتمال حدوث تصعيد عسكري.
- 3. إمكانية الصدام العسكري: سيناريوهات التصعيد والردع
– التصعيد التدريجي: بناءً على استراتيجيات الطرفين، فإن بحر الصين الجنوبي مهيأ ليصبح نقطة تصادم عسكري محتملة. ومع تكثيف الصين لوجودها في المنطقة وبناء قواعد عسكرية، يصبح احتمال المواجهة أكبر، خصوصاً أن كلا الدولتين ترفضان التنازل عن مصالحهما. أيضاً، استخدام الولايات المتحدة لعمليات “حرية الملاحة” قد يؤدي إلى حادث عسكري غير مقصود، كتصادم سفن أو إسقاط طائرة، قد يشعل الصراع.
– سيناريو الردع المتبادل: من جهة أخرى، تضع كل من الصين والولايات المتحدة في حساباتهما التكلفة الباهظة لأي مواجهة مباشرة، مما يعزز من احتمالية اتباعهما نهج “الردع المتبادل”. يمكن لهذا الردع أن يستند على توازن القوى وتقليل التوترات عبر تفاهمات غير رسمية حول الخطوط الحمراء. قد يُترجم ذلك إلى عمليات محدودة ومحددة النطاق في البحر، بهدف الحفاظ على توازن القوى دون الانزلاق إلى صراع شامل.
- 4. الآثار الاقتصادية على المنطقة
– التأثير على سلاسل الإمداد العالمية: يُعد بحر الصين الجنوبي من أهم الممرات البحرية في العالم، حيث تمر به نسبة كبيرة من التجارة العالمية. أي اضطراب أو تصعيد عسكري في المنطقة سيؤدي إلى تعطيل حركة السفن، وبالتالي التأثير على الاقتصاد العالمي، خاصةً في ظل التوترات الاقتصادية الحالية بين الصين والولايات المتحدة.
– التأثير على الدول المحيطة: يخلق الصراع بين الصين والولايات المتحدة حالة من عدم الاستقرار للدول المحيطة ببحر الصين الجنوبي، مثل فيتنام والفلبين. هذه الدول تجد نفسها مضطرة للتوازن بين قوة الصين الاقتصادية والعسكرية، ودعم الولايات المتحدة لحرية الملاحة والأمن في المنطقة.
- 5. الاستنتاج: الاستراتيجية المطلوبة
– التعاون بدل الصراع: قد يكون من الأفضل للطرفين العمل نحو صياغة تفاهمات حول حقوق الملاحة واستغلال الموارد في بحر الصين الجنوبي عبر منصات الحوار الدبلوماسي. كما أن تعزيز التعاون الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة في المنطقة قد يخفف من حدة التوترات ويخلق مصالح مشتركة تجنبهما الصدام.
– تعزيز قواعد الردع غير المباشر: من الناحية العسكرية، يمكن للطرفين العمل على وضع قواعد اشتباك غير رسمية لمنع التصعيد العرضي، وتحديد مناطق خالية من العمليات العسكرية كوسيلة للتخفيف من احتمالية حدوث اشتباكات.
بالمجمل، فإن الصراع على بحر الصين الجنوبي يعكس تنافساً استراتيجياً متعدد الأبعاد بين الولايات المتحدة والصين، ويستدعي تفكيراً استراتيجياً شاملاً لتجنب صراع قد يحمل عواقب دولية واسعة.
التوترات في بحر الصين الجنوبي
التوترات في بحر الصين الجنوبي ترجع إلى النزاعات الإقليمية المستمرة بين الصين وعدة دول في جنوب شرق آسيا مثل الفلبين وفيتنام. تتركز هذه التوترات حول مزاعم السيادة على جزر وشعاب مرجانية استراتيجية، بما فيها جزر سبراتلي وباراسيل الغنية بالموارد والتي تمثل ممرات بحرية رئيسية. الصين استخدمت تكتيكات متباينة، من تعزيز قواتها العسكرية في المنطقة إلى استخدام قوات خفر السواحل في الاشتباكات مع سفن الفلبين، مما أسفر عن احتكاكات متكررة. الولايات المتحدة من جانبها، تؤكد التزامها بحرية الملاحة في هذه المنطقة، وتقوم بتنفيذ تدريبات بحرية مشتركة مع الدول المجاورة لتعزيز استقرار المنطقة، ما يزيد من تعقيد الأوضاع ويثير قلق الصين من التواجد الأمريكي المتزايد.
فيما يتعلق بالسيطرة العسكرية على تايوان، تواجه الصين تحديات كبيرة. على الرغم من قيامها بتحديث قدراتها العسكرية والتركيز على استراتيجيات الحصار البحري والجوي كوسيلة ضغط، إلا أن فرض حصار على تايوان يتضمن مخاطر كبيرة. فقد تتجه الصين إلى فرض ما يسمى بـ “الحجر البحري”، وهو فرض قيود على التجارة والعبور الجوي والبحري لتايوان، بدلاً من شن غزو كامل. هذا التكتيك يهدف إلى فرض سيطرة سياسية على الجزيرة دون التسبب في مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة، التي أظهرت دعمها العسكري لتايوان بشكل واضح من خلال نشر السفن والطائرات في المنطقة.
ورغم أن الصين تمتلك القدرة العسكرية الكافية لتهديد تايوان، فإن تنفيذ مثل هذا الإجراء بشكل كامل ينطوي على مخاطر عسكرية واقتصادية، ويهدد بإشعال مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وحلفائها، مما يجعل خيار “الحجر” أو “الحصار الجزئي” خياراً أكثر واقعية في الوقت الراهن.
دور الولايات المتحدة في تصعيد التوتر
للولايات المتحدة دور ملحوظ في تأجيج التوترات في بحر الصين الجنوبي. تتبنى واشنطن سياسة دعم حرية الملاحة البحرية وتصرّ على ضمان وصول آمن للتجارة الدولية في هذه المياه، التي تمر من خلالها نسبة كبيرة من التجارة العالمية. ومع تزايد النفوذ الصيني في بحر الصين الجنوبي، ترى الولايات المتحدة أن هذه المنطقة قد تصبح نقطة قوة جيوسياسية للصين، مما قد يحد من نفوذ واشنطن ويؤثر على حلفائها في المنطقة.
تقوم الولايات المتحدة بانتظام بإجراء دوريات بحرية وجوية بالقرب من الجزر والمواقع المتنازع عليها، في إطار ما تسميه عمليات “حرية الملاحة”. وتتعاون مع دول في المنطقة مثل اليابان، أستراليا، والفلبين لإجراء تدريبات عسكرية مشتركة. هذا يعزز موقفها في مواجهة نفوذ الصين، ولكنه أيضاً يزيد من التوترات، حيث ترى بكين أن هذه التحركات تهدف إلى تطويقها واستفزازها.
من منظور آخر، يشير البعض إلى أن تدخل الولايات المتحدة يعد جزءاً من استراتيجيتها الأوسع لاحتواء الصين ومنعها من تحقيق تفوق في آسيا والمحيط الهادئ. فدعمها المستمر للفلبين وتايوان، وتقديمها لأنظمة دفاع متقدمة وشبكة من التحالفات، يرسل إشارات واضحة إلى الصين حول التزامها بدعم الدول المتأثرة بتصاعد النفوذ الصيني. وهذا يجعل المنطقة برمتها عرضة لمزيد من التعقيد السياسي والعسكري، مما يجعل الصراع محتدماً بشكل أكبر.
العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الأسيان
في خضم التحولات العالمية المتسارعة وتزايد التحديات الإقليمية، باتت منطقة جنوب شرق آسيا محط اهتمام القوى العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. إذ تسعى واشنطن إلى تعزيز علاقاتها مع دول رابطة آسيان، باعتبارها تكتلاً إقليميًا ذا ثقل استراتيجي على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. وتأتي هذه الشراكة في إطار مساعي الولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ومواجهة التحديات المشتركة مع شركائها الإقليميين. ومن خلال مجالات التعاون المختلفة، مثل الأمن، والتجارة، والصحة، والطاقة، تسعى الولايات المتحدة لتعزيز استقرار هذه المنطقة، ودعم التنمية المستدامة بها، وإيجاد توازن قوي في مواجهة المنافسة المتصاعدة في بحر الصين الجنوبي. ووفيما يلي أبرز أوجه التعاون بين الولايات المتحدة ودول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان)، والتي تشمل عدة مجالات استراتيجية تهدف لتعزيز الاستقرار والتنمية في المنطقة، ومنها:
- 1. التعاون الأمني والدفاعي: تعمل الولايات المتحدة مع دول آسيان على تعزيز الأمن الإقليمي من خلال المناورات العسكرية المشتركة، والتعاون في مجالات مكافحة الإرهاب، ومحاربة القرصنة، وتأمين الحدود البحرية. تهدف هذه الجهود إلى ضمان حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، الذي يُعتبر منطقة حيوية للتجارة الدولية.
- التجارة والاستثمار: تُعد الولايات المتحدة واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لآسيان، حيث يشمل التعاون تعزيز التبادل التجاري وتسهيل وصول المنتجات إلى الأسواق، بالإضافة إلى الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا. كما أطلقت الولايات المتحدة عدة مبادرات لتعزيز التجارة والاستثمار، مثل “الإطار الاقتصادي لدول المحيطين الهندي والهادئ” لدعم النمو الاقتصادي المتكامل.
- 3. التعاون في مجالات الصحة والتعليم: تعزز الولايات المتحدة برامج التدريب والتعليم في دول آسيان، وتوفر منحًا وبرامج تبادل أكاديمي مثل “مبادرة قادة جنوب شرق آسيا الشباب”. كما تعمل على دعم النظم الصحية لدول آسيان، خاصةً في مواجهة جائحة كوفيد-19، من خلال تقديم اللقاحات والمساعدات الطبية.
- 4. الطاقة والتنمية المستدامة: تقدم الولايات المتحدة دعمًا في مجال الطاقة، وخاصةً الطاقة النظيفة والمتجددة، لتقليل اعتماد دول آسيان على الوقود الأحفوري. كما تدعم مشروعات البنية التحتية الصديقة للبيئة، وتسهم في بناء قدرات دول آسيان لمواجهة التغير المناخي والكوارث الطبيعية.
- 5. التكنولوجيا والابتكار: تسعى الولايات المتحدة لتعزيز الابتكار وتطوير التكنولوجيا مع دول آسيان عبر دعم الشركات الناشئة، وتوفير برامج تدريب على التقنيات الحديثة، وتعزيز الأمن السيبراني.
- 6. الدبلوماسية وتعزيز الحكم الرشيد: تشارك الولايات المتحدة مع دول آسيان في قضايا تتعلق بالحكم الرشيد، وحقوق الإنسان، وسيادة القانون. وتهدف هذه الجهود إلى دعم الاستقرار السياسي وتعزيز الشفافية والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.
هذا التعاون المتعدد الأطراف يعكس حرص الولايات المتحدة على تعزيز علاقاتها مع دول آسيان، وتقديم الدعم في مجالات استراتيجية، لتحقيق مصالح مشتركة في منطقة ذات أهمية جيوسياسية كبيرة.
تصادم الصين مع منظمة اسيان
تصادم الصين مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في بحر الصين الجنوبي ينبع من التباين الكبير في المصالح والرؤى الاستراتيجية بين الجانبين حول سيادة المنطقة وحقوق استخدامها. تعد المنطقة ذات أهمية استراتيجية واقتصادية حيوية، لمرورها بطرق التجارة العالمية الكبرى واحتوائها على احتياطيات ضخمة من الموارد الطبيعية، لا سيما النفط والغاز. وبالتالي، فإن الهيمنة على بحر الصين الجنوبي تمنح الصين سيطرة إقليمية ونفوذاً اقتصادياً واستراتيجياً هائلاً.
- 1. الدوافع الصينية: الأمن المطلق والقدرات البحرية
الأمن المطلق: الصين تسعى لتعزيز أمنها المطلق، أي قدرتها على حماية سيادتها ومصالحها في منطقة بحر الصين الجنوبي وما حولها دون الحاجة إلى الاعتماد على القوى الخارجية. تاريخياً، ترى الصين أن قدرتها على السيطرة على البحار المحيطة بها أمر حيوي لأمنها القومي، خصوصاً مع التطور في برامج الطاقة واستيراد النفط والغاز. إضافةً لذلك، تحرص الصين على تأمين طرق التجارة البحرية التي تمر عبر المنطقة، والتي تعتبر شرياناً حيوياً لل…
- 1. مطالبات الصين الإقليمية وتوسيع النفوذ
خريطة الخطوط التسع: تعتمد الصين في مطالبتها بسيادة بحر الصين الجنوبي على ما يسمى بـ”خريطة الخطوط التسع”، التي توضح مطالب إقليمية واسعة تشمل حوالي 90% من البحر، بما في ذلك أجزاء من المياه التي تطالب بها دول أعضاء في الآسيان مثل فيتنام والفلبين وماليزيا وبروناي.
بناء الجزر الصناعية والقواعد العسكرية: لم تكتفِ الصين بالمطالبات التاريخية فقط، بل شرعت في بناء جزر صناعية في البحر، مما أثار قلق دول الآسيان حول توسيع النفوذ الصيني وتعزيز القدرات العسكرية. يُنظر إلى هذه الخطوات كوسيلة لفرض الأمر الواقع وإقامة نقاط مراقبة لفرض سيطرتها.
- 2. ردود فعل الآسيان وتحديات الوحدة
– تقسيم دول الآسيان: أحد التحديات التي تواجه الآسيان هو انقسام أعضائها فيما يتعلق بالتصدي للصين. فبينما تعبر دول مثل فيتنام والفلبين عن مواقف متشددة تجاه الصين وتطالب بالتحكيم الدولي، تتخذ دول أخرى مثل كمبوديا ولاوس مواقف أكثر ليونة تجاه الصين، بسبب المصالح الاقتصادية والدعم الاستثماري الصيني الكبير.
– التحكيم الدولي: في عام 2016، أصدرت محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي حكماً يؤيد الفلبين ويعارض المطالب الصينية، لكنه لم يُنفذ على أرض الواقع. أثار هذا الحكم توترات بين الصين وأعضاء الآسيان، حيث رفضت الصين الالتزام به واعتبرته تدخلاً في شؤونها الداخلية.
- 3. الآثار الاقتصادية والأمنية على الآسيان
– الضغط الاقتصادي: تتبع الصين سياسة العصا والجزرة مع دول الآسيان؛ حيث تستخدم الاقتصاد كوسيلة ضغط أو كحافز للتعاون. فعلى سبيل المثال، تقدم الصين استثمارات ضخمة ومساعدات لدول مثل كمبوديا ولاوس، مما يجعلها تميل إلى جانب الصين في هذا النزاع.
– التوترات الأمنية: تخلق التحركات العسكرية الصينية حالة من القلق لدى الدول المتنازعة. يُعزى ذلك إلى خوف دول الآسيان من توسع النفوذ العسكري الصيني وتهديده لأمنها القومي، مما يدفع بعض هذه الدول للتعاون عسكرياً مع الولايات المتحدة واليابان، كوسيلة لموازنة النفوذ الصيني.
- 4. التأثير على تماسك الآسيان وعلاقاتها الدولية
– التحدي أمام وحدة الآسيان: يعد الصراع حول بحر الصين الجنوبي اختباراً لوحدة الآسيان وقدرتها على اتخاذ موقف موحد ضد الصين. فقد ساهم الانقسام بين أعضائها في إضعاف فاعلية الرابطة، مما يجعلها عاجزة عن إصدار موقف حازم بشأن النزاع.
– التحالفات الخارجية: دفع التصادم بين الآسيان والصين العديد من الدول الأعضاء إلى تعزيز علاقاتها مع قوى خارجية مثل الولايات المتحدة واليابان والهند. توفر هذه التحالفات شبكة من الدعم الأمني والعسكري كوسيلة ردع، لكنها تزيد أيضاً من حدة التوترات، حيث تعتبر الصين التحالفات مع قوى أجنبية تهديداً مباشراً لها.
- 5. الاستراتيجية المحتملة للآسيان
– تعزيز الحوار الدبلوماسي: رغم أن الآسيان أضعف من أن تفرض تسوية على الصين، إلا أن الرابطة تستطيع اللجوء إلى الحوار الدبلوماسي لتقليل حدة التوترات، والتركيز على إيجاد صيغة تفاهم تضمن حقوق الدول الأعضاء دون إغضاب الصين.
– تحقيق توازن في العلاقات الدولية: يمكن للآسيان السعي لتحقيق توازن بين الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع الصين وحماية أمنها القومي عبر التعاون مع الولايات المتحدة وحلفائها، وذلك لضمان مصالحها دون التورط في صراع قد يؤثر على استقرار المنطقة.
وبشكل عام فإن الصدام بين الصين والآسيان في بحر الصين الجنوبي يعكس تحدياً مركباً له تداعيات استراتيجية، اقتصادية، وأمنية، يمتد تأثيره إلى تماسك الآسيان وإلى العلاقات الدولية في آسيا والمحيط الهادئ. ومع غياب حل واضح، من المرجح أن يستمر النزاع في تشكيل ديناميكيات جديدة بين القوى الكبرى، بينما تبقى الآسيان في اختبار لقدرتها على التعامل مع هذا التحدي.
وختامًا لا بد من التأكيد أن هذا عن الصراع بين أمريكا والصين في بحر الصين الجنوبي، يتجاوز كونه نزاعًا إقليميًا ليصبح رمزًا لتوازن القوى في النظام الدولي المعاصر، فالمواجهات الجيوسياسية والاقتصادية في هذه المنطقة ليست سوى انعكاس لصراع أوسع على السيادة والنفوذ، حيث يمثل بحر الصين الجنوبي محكًا حقيقيًا لمبادئ الحرية والسيادة في العلاقات الدولية، ومع أن التوتر قد يبدو أحيانًا مهيمنًا، إلا أن الحكمة والتفاوض المستمر قد تكونان السبيل الوحيد لتجنب المواجهة الشاملة، بما يحقق الاستقرار الإقليمي ويحفظ مصالح الدول المعنية.