دور الذكاء الاصطناعى فى حماية الأمن القومى للدول
بقلم : سهام سيد محمد، باحثة فى العلوم السياسية.
- المركز الديمقراطي العربي
مثلت التطورات التكنولوجية وسيلة هامة لظهور جيل جديد من الحروب وهى الحروب السيبرانية، وتُعتبر الحروب السيبرانية من أخطر أنواع الحروب فى العصر الحالى خاصة مع تطور استخدامها وتعاظم تأثيرها على حساب الحروب العسكرية التقليدية فلم تعد الدول فى حاجة للدخول فى صراع مسلح مباشر مع غيرها من الدول بل أصبح بإمكان الدولة التى تمتلك القوة الإلكترونية وأدوات تطويرها وتعزيزها، السيطرة على الدول الأخرى وإضعاف قوتها واستخدام الفضاء الإلكترونى لإجراء عمليات عدائية مجهولة المصدرة والطريقة، وقد أصبح الفضاء الإلكترونى من أهم العناصر المؤثرة بداية من الهجمات السيبرانية محدودة التأثير على مستوى الأفراد وصولاً إلى تأُثيرها على مستوى الدول وانعكاسها فى الحروب الدولية، وقد بات الفضاء السيبرانى أكثر تأُثيراً فى الحسابات الاستراتيجية للدول فالدولة التى لا تمتلك التكنولوجيا السيبرانية المحصنة أمنياً يمكن أن يتعرض فضائها السيبرانى إلى العديد الهجمات التى تسبب دماراً هائلاً، وتتعدد صور الحرب السيبرانية وتتنوع خصائها وتقسيماتها بداية من الحرب البسيطة ومتوسطة القوة، وصولاً للحرب السيبرانية شديدة القوة، وتختلف التأثيرات الناتجة عن الحروب والهجمات السيبرانية فى ظل عدم القدرة على تحديد نطاقها ومعرفة وتتبع مرتكبيها وهو ما ينعكس على إتساع رقعة تأثيرها سواء فى الجانب الأمنى والاقتصادى والصحى والبيئى، ونتيجة لتعدد هذه التأثيرات التى تتخذ أبعاداً مختلفة سياسياً واقتصادياً بل وعسكرياً ونفسياً أيضاً نجد أنه أصبح من الضرورى على الدول أن تعزز من حماية أمنها القومى من خلال استخدام هذه التطورات التكنولوجية (الذكاء الاصطناعى) بصورة تحد من انعكاسات الهجمات السيبرانية وإدارتها للصراعات الدولية.
وتعتبر عملية التطور التى تشهدها التحولات الدولية فى مجال استخدام الذكاء الاصطناعى من أهم الوسائل التى تستخدم من قبل الدول لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وعسكرية ومن ثم تنعكس على أمنها القومى بشكل عام، ولا شك أن امتلاك الدولة لتلك الوسائل يُعتبر وسيلة ردع ينعكس تأثيرها بصورة أكبر فى المستقبل القريب، وتظهر أهمية الذكاء الاصطناعى فى تحقيق الدول لأمنها القومى عبراستخدام العديد من تقنياته فى تحليل البيانات بصورة أسرع ومحاربة العمليات الإرهابية التى يمكن أن تتعرض لها الدولة وتهدد من أمنها بل ويستخدم أيضاً من قبل القوات العسكرية والدفاعية من خلال العمليات الاستخباراتية التى تقوم بها، حيث تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعى فى التنبؤ بالمخاطر التى يمكن أن تهدد الأمن القومى للدول ومن هنا يتضح الأهمية التى أصبح يمثلها الذكاء الاصطناعى فى الجانب الأمنى للدولة ومساعدة صناع القرار فى اتباع توجهات سياسية وأمنية معينة من خلال ليس فقط تحليل البيانات بل والتنبؤ بالتهديدات التى من الممكن أن تتعرض لها الدولة وحصر مسببات الخطر وطرق التصدى له، كما يُستخدم الذكاء الاصطناعى فى تحليل العمليات العسكرية فى ساحة المعركة بشكل مفصل ومجابهة العمليات السيبرانية التى تؤدى إلى نتائج أكثر تأُثيراً تصل فى كثير من الأحيان إلى حد تحمل الدولة العديد من الخسائر المالية والأمنية والسياسية.
وقد أظهرت العديد من الدول وعلى رأسها الصين أهمية كبيرة فى تطوير الذكاء الاصطناعى واستخدامه فى المجال الاستراتيجى والعسكرى وذلك فى إطار التنافس العسكرى بين القوى الكبرى على الساحة الدولية، وامتد اهتمام الدول بعملية استخدام الذكاء الاصطناعى فى الجانب الأمنى(العسكرى) ليشمل الولايات المتحدة الأمريكية التى تسعى بشكل مستمر لتطوير أساليب الدفاع لديها حيث أنشأت إدارة متخصصة تركز على التطوير لتقنيات الذكاء الاصطناعى واستخدامها فى عملية التسلح على اعتبار أنها وسيلة مؤثرة فى مواجهة التهديدات التى قد تتعرض لها، كذلك أظهرت بريطانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول الغربية الاهتمام بالذكاء الاصطناعى كوسيلة لحماية أمنها القومى، كما نجد أن الإمارات العربية المتحدة تعمل بشكل مستمر لتمويل وتطوير قدراتها فى مجال الذكاء الاصطناعى، وكذلك السعودية، فقوة الدعم المعلوماتى تعتبر الأداة الأكثر أهمية فى سباق التسلح بين الدول فى إطار المنافسة العسكرية، وتأتى القمة التى تُقام للعديد من قادة الأمن فى معرض “إنترسك” فى ينايربداية العام القادم 2025م، لتلقى الضوء على الأهمية التى أصبح يُمثلها الذكاء الاصطناعى فى مجال الأمن السيبرانى وتعزيز قوة الدولة سواء من ناحية الدفاع أو الهجوم.
وتنطلق الأهمية التى يمثلها الذكاء الاصطناعى اليوم من إطار أن الدول تعتبر أن حماية أمنها السيبرانى جزء لا يتجزء من أمنها القومى، وتعزز عملية امتلاك الدولة لقوة تكنولوجية متطورة فى الجانب الأمنى من قوتها على الساحة السياسية الدولية خاصة فى ظل امتداد تأثير الذكاء الاصطناعى ليس فقط فى الجانب الأمنى بل نجد أنه يُستخدم فى الجانب السياسى من خلال تسهيل الأنشطة الحكومية المختلفة بل ويستخدم أيضاً فى تحليل عملية صنع السياسة وتحديد اتجاهات الرأى العام تجاه قضايا سياسية معينة مما ينعكس على طريقة صنع القرار التى يقوم بها مُتخذ القرار السياسى بما يتناسب مع الواقع المجتمعى خاصة فى فترات الأزمات التى تتعرض لها الدول، وحتى لا يتعرض القادة السياسيين للغضب الشعبى، وكذلك مساعدة صُناع القرار السياسى فى نشر القيم السياسية المختلفة وإنشاء نُظم إتخاذ القرار التى تراقب نجاح الإجراءات الحكومية، كذلك يُستخدم الذكاء الاصطناعى فى العديد من الحملات الانتخابية فالأداة التكنولوجية أصبحت وسيلة يتم توظيفها فى معالجة البيانات فنجد أن الذكاء الاصطناعى أصبح أداة هامة من الأدوات المؤثرة فى استقرار النظم السياسية داخل الدول بطريقة غير مباشرة خاصة فى ظل تزايد الاعتماد عليه على إعتبار أنه قوة سيبرانية هامة، ويدعم كذلك الذكاء الاصطناعى عملية التنمية المستدامة والنمو الاقتصادى خاصة فى ظل التحول الرقمى الذى شهدته العديد من دول العالم حيث تقوم الدول بتعزيز بنيتها التحتية للاتصالات الرقمية وتطوير القطاع الاقتصادى بمختلف جوانبه الزراعى والصناعى والتجارى ورفع كفاءته بما يتناسب مع التطورات العالمية، مما يزيد من العملية الإنتاجية والكفاءة التصنيعية ويحسن من جودة المنتجات، وينعكس على حجم الاستثمارات التى تشمل مختلف القطاعات داخل الدولة وخلق فرص أكثر للمنتجات الوطنية فى السوق العالمى، وذلك فى ظل عصر يسود فيه الابتكار والتطور لتسريع عجلة التنمية بصورة أكبر.
وقد أوجبت التطورات الدولية والأهمية التى يمثلها الذكاء الاصطناعى كوسيلة هامة فى حماية الأمن القومى للدول من خلال استخدامه ليس فقط فى المجال الأمنى (العسكرى) بل وامتداد تأثيره ليشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الأفراد، أن تعززالدول من الدور الذى تقوم به تقنيات الذكاء الاصطناعى عن طريق مواكبة التغيرات العالمية، وتبنى استراتيجيات وسياسات تعزز من الأمن السيبرانى خاصة فى ظل تطور الإجراءات التى تتخذها الدول المتقدمة لحماية أمنها القومى واستخدام كافة الأدوات التكنولوجية الجديدة وعلى رأسها الذكاء الاصطناعى، يأتى هذا الدورالإيجابى للذكاء الاصطناعى لتعزيز وحماية الأمن القومى للدول فى إطار تحقيق مجتمعات أكثر تطوراً واستقراراً.