قراءة فى الصراع الهندى الباكستانى

بقلم : سهام سيد محمد/ باحثة فى العلوم السياسية.
- المركز الديمقراطي العربي
يُعتبر الصراع الهندى الباكستاني من أخطر الصراعات السياسية العالمية التى يشهدها المجتمع الدولى خلال الفترة الأخيرة خاصة بعد التصعيد الذى جاء عقب الهجوم الذى وقع فى كشمير فى 22 أبريل الماضى ، وترجع أهمية وخطورة هذا الصراع إلى العديد من الأسباب تتمثل أهمها فيما يلى:
- امتلاك الجانبين القوة النووية ففى حين تمتلك الدولة الهندية حوالى 172 رأس نوووية نجد أن باكستان تمتلك حولى 170 رأس نووية وتُعتبر عملية امتلاك الرؤوس النووية من كلا الدولتين من أهم الأسباب فى زيادة حدة تأثير هذا الصراع ليس على الجانب المحلى أوالإقليمى فقط بل امتداد تأثيراته على المستوى الدولى، إلى جانب الأهمية التى تتمتع بها الهند من الجانب الاقتصادى على اعتبار أنها من أسرع الاقتصاديات نمواً فى العالم وكذلك الموقع الجوسياسى لباكستان.
- وسائل الضغط التى تمتلكها كلا الدولتين كأدوات مؤثرة فى إدارة الحرب منها حرب المياه التى تعتبرها الهند ورقة ضغط فى غاية القوة لتحكمها فى إدارة الصراع على امتداد السنوات الماضية وقد ظهر ذلك خلال خلال الأيام الأخيرة عندما قامت الهند بتعليق الاتفاقية المبرمة مع الدولة الباكستانية حول المياه المتدفقة من نهر السند إلى باكستان التى بدورها اعتبرت تعليق المعاهدة من الجانب الهندى بمثابة بداية لشرارة الحرب العسكرية خاصة وأن مياه نهر السند تعتبر مسألة رئيسة تمس الأمن القومى الباكستاني الذى يعتمد على مياه النهر فى الزراعة بنسبة تصل إلى 80%،إلى جانب أن حوالى ثلث إنتاجها من الطاقة الكهرومائية مصدره الأساسى الاعتماد على مياه نهر السند وهو ما يوضح حجم الأضرار الواقعة على الاقتصاد الباكستانى
- امتداد الصراع الهندى الباكستاني ودخوله مرحلة فاصلة تاريخياً وتزايد حدته يعتمد بصورة رئيسة على مدى تأثير الدولتين وثقلهم داخل المجتمع الدولى سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى فنجد أن الحليف الأول للدولة الهندية يتمثل فى الولايات المتحدة الأمريكية حيث يبلغ حجم التبادل التجارى بينهم حوالى 179 مليار دولار خلال عام 2024، كما تعتبر الصين الحليف الاستراتيجى الأول للدولة الباكستانية فقوفقاً للبيانات الصادرة عن هيئة الجمارك الصينية بلغ حجم التبادل التجارى بين الدولتين فى السلع عام 2024 حولى 23 مليار دولار هو ما يعكس بصورة واضخة خطورة تطور الصراع فى ظل التحالفات السياسية الممتدة داخل كل دولة.
- ولا يتوقف حجم التأثير بين القوتين سواء الولايات المتحدة الأمريكية كحليف للدولة الهندية أو الصين بإعتبارها حليفاً قوياً للدولة الباكستانية عند الحدود التجارية بل يمتد ليشتمل على تأثيرات متنوعة، فالهند وباكستان يعتمدان بصورة مباشرة على حجم التعاون سواء فى الجانب الاقتصادى أو السياسى الدولى أو العسكرى مع الدول الحلفاء، وهو ما يعكس بصورة واضحة أن الولايات المتحدة الأمريكية والصين يمثلان لاعبان رئيسيان للتأثيرعلى الاحتمالات المختلفة المترتبة على هذا الصراع حيث تمارس القوتان كافة أنواع التأثير مع حلفائهم لتعزيز قوة كلا من القطبين داخل القارة الأسيوية.
وتعكس حالة تفاقم الصراع ودخوله مرحلة المواجهة العسكرية تأثيرات متعددة على الأمن القومى ويظهر ذلك من خلال الجوانب التالية:
- الجانب السياسى: فقد انعكست تأثيرات الصراع الأخيرة على الجانب السياسى والعلاقات الدبلوماسية بين الدولتين خاصة بعد طرد الدبلوماسين وتعليق الطيران والتأشيرات الممنوحة للمواطنين سواء من الجانب الهندى أو الباكستاني، بالإضافة إلى أن استمرار هذا الصراع سيؤثر على حالة الاستقرار السياسى داخل الدولتين والتى من المرجح أن تستخدمها القيادة السياسة لزيادة الحشد الشعبى خلف قرارتها من خلال زيادة سيطرة حكومة باكستان ذات الطابع العسكرى فى مواجهة المعارضة فى الداخل، فى حين من الممكن أن تستخدم حكومة ناريندرا مودى الصراع لزيادة رصيدها الشعب مما ينعكس على خريطتها الانتخابية القادمة، وعلى الرغم من تصريحات الولايات المتحدة وبريطانيا التى دعت إلى ضرورة وقف الأعمال العسكرية وتوجه روسيا والصين إلى ابداء القلق إذاء هذا العمل العسكرى ووقف العمليات العسكرية إلا أن المشهد السياسى تجاه هذا الصراع سيترتب عليه زيادة النفوذ الدولى وظهور تحالفات القوى الكبرى بما يخدم مصالحها فى منطقة جنوب أسيا، لذلك تبرهن التأثيرات السياسية تزايد أهمية دور الوساطة الدولية فى احتواء الصراع فى إطار الحرب المحدودة وعدم تفاقمه ودخولها دائرة الحرب المفتوحة، حيث تفرض حجم الأضرارالتى تعكسها الحرب أهمية استخدام كافة الأدوات السياسية اللازمة للوصول إلى اتفاق لتهدئة حجم الصراع داخل الدولتين،
- الجانب العسكرى والأمنى :إن تفاقم حجم الصراع ودخوله دائرة الحرب العكسرية ينعكس بطبيعة الأمر على حجم التسليح لدى الدولتين وحجم الموارد المالية الموجهة لهذا القطاع الدفاعى ،إلى جانب حالة عدم الاستقرار الأمنى الداخلية خاصة مع عمليات القصف الصاروخى التى انطقت بين الدولتين بطريقة مباشرة،كما يفرض التأثير العسكرى حالة الاستنفار الدولى إذاء الحرب الدائرة بين قوتين تمتلكا حجم امكانيات نووية ضخمة، ففى حالة استخدام أو توجه ضربات نووية ستنعكس تأثيراتها على المستويين الإقليمى والدولى، كذلك فى حالة استمرار القصف الصاروخى والتصعيد العسكرى ربما ستشهد مواقع عسكرية خسائر كبيرة خلال عمليات التدمير المباشرة الموجهة من جانب الطرفين كإستهداف مواقع عسكرية حيوية أو مخازن أسلحة، وتفرض الحرب تزايد ما يسمى بسباق التسلح ففى حين تعتمد الهند بصورة مباشرة على التعاون العسكرى من الولايات المتحدة الأمريكية، نجد أن باكستان تعتمد على الصين بإعتبارها الشريك العسكرى، وهو ما يحمل داخله توجهات عسكرية محمولة برؤى سياسية خارجية ربما يؤثر على سير الصراع وتفاقم أو تبطأ حدته.
- الجانب الاجتماعى: تتعدد الانعكاسات على المجتمع الداخلى الهندى والباكستان حيث تفرض الحرب العديد من الأزمات الاجتماعية منها أزمة اللجوء خاصة إذا تفاقم حجم الصراع المسلح، فنجد أن المناطق الحدودية مثل “البنجاب وكشميرالهندية ” تلجأ إلى عمليات اللجوء كوسيلة للنجاة من الحرب العسكرية، كما تُفرض العديد من القيود الاجتماعية على الشعوب من أهمها خفض حجم الدعم الحكومى الداخلى المُقدم لشعوب الدولتين وارتفاع اسعار السلع وغيره من الأزمات الاقتصادية التى ينتج عنها العديد من التوابع الاجتماعية التى تتحملها شعوب الدولتين، بالإضافة إلى تفاقم حالة الكره الاجتماعى والعداوة بين شعوب البلدين وبين الطوائف الداخلية خاصة فى المناطق التى يتواجد بها عدد كبير من المسلمين أو الهندوس ومن هذه المناطق ” أواتار براديش وكشمير”.
- الجانب الاقتصادى: يُمثل القطاع الاقتصادى أكثر الجوانب تأثراً بالصراع القائم حيث تترتب بشكل مباشرالعديد من التوابع الاقتصادية منها انخفاض فى حجم الناتج المحلى الإجمالى وتراجع حجم قطاع الاستثمارات، وقطاعات التصديروالاستيراد، إلى جانب ارتفاع الأسعار وزيادة حدة التضخم وتراجع قطاع التصنيع، كما تمتد الآثار الاقتصادية على قطاع السياحة الذى يمثل عصب الاقتصاد الهندى والبورصة التى تشهد تراجعاُ ملحوظاً منذ بداية الصراع فى أبريل الماضى إلى جانب تراجع وتدهور العلاقات التجارية بين الدولتين خاصة بعد أن أعلن اتحاد تجار عموم الهند فى أبريل وقف كافة التعاملات التجارية مع باكستان وهو ما يكبد الاقتصاد الهندى أكثر من مليار دولار حيث تستخدم الهند الأراضى الباكستانية فى مرور تجارتها إلى عدد من دول العالم ، وبالنظر إلى حجم التبادلات التجارية بين البدين ووفقاً لبيانات منظمة التجارة الدولية بلغ حجم الصادرات الهندية إلى باكستان بلغ 1.18 مليار دولار خلال عام 2024م وهو ما يمثل 0.03% من الناتج المحلى الهندى.
كما تمتد التأثيرات الاقتصادية الضاغطة فنجد أن الهند تستخدم الصراع لفرض قيود اقتصادية أكثر حدة على باكستان حيث حثت الهند صندوق النقد الدولى ضرورة مراجعة قروضه المقدمة للدولة الباكستانية وهو ما يضع باكستان فى خطر الانهيار الاقتصادى خاصة أنها تعانى من أزمات اقتصادية بالإضافة إلى أن الفوارق الاقتصادية بين الهند وباكستان تعرض الجانب الباكستانى لمزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية.
ولا يتوقف التأثير الاقتصادى على الوضع الداخلى بطبيعة الحال بل يمتد تأثيره على المستوى الدولى فإستمرار الصراع وزيادة حدته يعنى تذبذب فى أسعار النفط والذهب وتراجع فى حجم التجارة الدولية العالمية خاصة فى ظل الأهمية الاقتصادية للهند التى تعتبر من أكبر الاقتصاديات الخمس فى العالم، كذلك الموقع الجيوسياسى المؤثر للدولة الباكستنانية،مما يزيد بصورة مباشرة من الصدمات الاقتصادية التى تنعكس على دول العالم.
وانطلاقاً من أهمية هذا الصراع ودخوله فصل جديد وتحوله إلى صراع عسكرى مسلح، يستوجب ذلك على المجتمع الدولى التكاتف واستخدام كافة الأدوات السياسية والدبلوماسية ويأتى على رأس هذه الأدوات الوساطة على اعتبار أنها الأداة الأكثر أهمية للحد من تفاقم الصراع وإجراء حوار شامل بناء يهدف فى المقام الأول للتوصل إلى حلول سياسية تحد من حالة الصراع وتحقق حالة من الاستقرار الدولى.