الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

الاندماج المجتمعي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة : نحو تكافؤ الفرص

بقلم : محمد رزق – باحث إقتصادي – كلية الدراسات الإقتصادية والعلوم السياسية – جامعة الإسكندرية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

من أهم القضايا التي تتمحور حولها أهداف المجتمع في العصر الحديث هي قضية الإندماج المجتمعي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ،وهي القضية التي ظلت لعقود كثيرة من الزمن تؤثر بشكل سلبي علي المجتمع ،حيث كانت تلك الفئة تُعامل علي أنها فئة مهملة في المجتمع ليس لها قيمة وغير مؤثرة بالنسبة للمجتمع ،وليس لديهم أي دور يُذكر في دفع عجلة التنمية داخل الدولة لذلك كان يُنظر إلي تلك الفئة علي أنها أقل من الأطفال العاديين ،كل تلك المعتقدات حول هذه الفئة جعلتهم يعيشون فترة من الحرمان والإهمال والعزلة سواء كان من جانب الأسرة أو أفراد المجتمع ،لذلك كانت من أبرز المعوقات التي واجهت تلك الفئة هو نقص الوعي المجتمعي بقضايا الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة واحيتاجاتهم مما أدي إلي صعوبة دمجهم في المجتمع وتحقيق التكافؤ والمساواة في الفرص بينهم وبين الأطفال العاديين ، ولكن في أوائل القرن العشرين بدات تتغير تلك النظر المجتمعية السلبية عن الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة والنظر إليهم كطائفة لهم دورهم الإجتماعي وأهميتهم في بناء الوطن ودفع عجلة التنمية داخل الجتمع .

من أبرز المفاهيم والأسس التربوية الحديثة في السياسة التعليمية داخل المجتمعات هو دمج الاطفال ذوي الإحتياجات الخاصة في الفصول المدرسية مع الاطفال العاديين ،تمثل تلك الظاهرة تحقيق العدالة الإجتماعية بين الأطفال العاديين وذوي الإحتياجات الخاصة في التدريس داخل فصول مشتركة ،كما أن نظام الدمج المجتمعي لذوي الاحتياجات الخاصة يحمل في طياته فلسفة إنسانية تعبر عن التربية المناسبة للأطفال المعاقين ضمن البيئة المناسبة التي يعيشون فيها مما يؤدي الي تحسين نظرة المجتمع لهم وكسر حاجز العزلة الإجتماعية لتلك الفئة مما يعمل علي تنمية الثقة والتفاهم بين الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة والأطفال العاديين وتحسين الصحة النفسية للأطفال ذوي الإعاقة وتكوين صداقات مع الأخرين والعمل معهم ومساعدة بعضهم العض مما يققل من الفجوة بين ذوي الإحتياجات الخاصة وباقي فئات المجتمع، وتبنت مجموعة من الدول سياسة الدمج في ميدان التربية الخاصة لما له من تداعيات إيجابية علي المجتمع حيث يحقق المساواة في الفرص التعليمية وتكافؤ الفرص في سوق العمل وزيادة التفاعل المجتمعي بين جميع أفراد المجتمع مما يحقق التنمية الشاملة للمجتمع ، لأن العمود الفقري لتحقيق التنمية الشاملة هو مساهمة جميع أبناءه وطوائفه دون أي فوارق أو إمكانيات ، لأن سياسية تجاهل تلك الفئة تسبب مشكلات إقتصادية وإجتماعية وسياسية ونفسية وصحية تواجه المجتمع .

مفهوم الدمج المجتمعي

يعد من المفاهيم الحديثة التي تعمل علي توفير سبل الرعاية التعليمية والمهنية لذوي الإحتياجات الخاصة نظرآ لما يتضمنه من مفاهيم تربوية ونفسية و إجتماعية وفنية مختلفة وتعددت المفاهيم العلمية له وكان أبرزها هو دمج الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة مع ذويهم من الأطفال العاديين دمجآ زمنيا وتعليميا ومهنيآ وإجتماعيآ حسب خطة وبرنامج محدد يتناسب مع حاجة كل طفل علي حدة،مما يعمل علي تطوير مهاراته المهنية وتأهيله في ضوء إمكانياته وقدراته بحيث يكون قادرآ علي العمل مهنيآ والإستقلال المهني والمعيشي.

وبشكل عام يُمثل الدمج تكامل للأنشطة الإجتماعية التعليمية للأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة مما يعني إتاحة الفرصة أمام هؤلاء الأطفال في كافة المجالات بعيدآ عن مستوي الذكاء أو الموهبة أو الإعاقة أو الحالة الإقتصادية والإجتماعية . بينما يشتمل الهدف الإنساني والإجتماعي لسياسة الدمج علي إتاحة الفرص المتكافئة لكل فرد لكي ينمو ويتعلم وفقا لقدراته واستعداداته وإمكانياته  وميوله و احتياجاته الخاصة ، بدون حدوث أي تمييز أو تهميش أو استبعاد ، مما يؤدي إلي تحقيق تكافؤ الفرص و العدالة االجتماعية في تعليم جميع الأطفال ،كل ذلك يعمل علي التقليل من الضغط النفسي والإجتماعي على أسر الأطفال ذوى الإحتياجات الخاصة ، و يزيد من التقبل الإجتماعي بين الأطفال ذوى الإحتياجات الخاصة والعاديين .

أنواع الإعاقات لذوي الإحتياجات الخاصة تأخذ أشكال متعددة منها الإعاقة البصرية والسمعية والحركية والذهنية من خلال تعدد أنواع الإعاقات يجب علينا ضرورة تهيئة فصول الدمج بالمدارس الحكومية العادية، بما يتناسب مع متطلبات الأطفال ذوي الإعاقة ، و تشمل هذه التهيئة الجوانب المادية و البشرية ، كذلك المناهج الدراسية بما يتوافق مع قدرات هذه الفئات وإمكانياتهم حتي يسهل عليهم الإندماج مع باقي أفراد المجتمع.

هناك العديد من المتطلبات التي يجب توافرها في المدارس الحكومية لدمج الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة من أجل تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في المجتمع وتتمثل كالآتي :

1-إتاحة الإمكانيات المادية والبيئية المناسبة لذوي الإحتياجات الخاصة من خلال

  • العمل علي اختيار مواقع المدارس المخصصة للدمج بدقة طبقا للأعداد الفعلية ونوع الإعاقة ومراعاة المعايير الفنية العالمية في بناء المباني والفصول الدراسية لكي تتناسب مع متطلبات كل نوع من الإعاقة .
  • تخصيص جزء من ميزانية الدولة لتجهيز تلك المدارس بأحداث الوسائل التعليمية حتي تؤتي العملية التعليمية ثمارها وحث رجال الأعمال والجمعيات الأهلية علي المشاركة في بناء تلك المدارس وتزويدها بأحدث الوسائل التعليمية .

2-إتاحة الإمكانيات البشرية في مجال التربية الخاصة للتعامل مع الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة:

  • توفير معلمين لذوي الإحتياجات الخاصة بالكم والكيف المناسبين لإعداد تلك الفئة وتلبية احتياجاتهم وفقآ لقدرات كل فئة،و إتاحة أخصائيين إعاقة للتعامل مع تلك الفئات وفهم متطلباتهم .
  • قيام الدول بإرسال بعثات للخارج وعمل منح دراسية لفترة زمنية قصيرة للدول الخارجية للإطلاع علي تجارب الدول الأخري والإستفادة من تجاربها في مجال رعاية وتربية ذوي الإحتياجات الخاصة وكيفية دمجهم مع بقية أفراد المجتمع .
  • قيام الدولة بإعداد دورات تدريبية لأولياء الأمور والمعلمين والمتعاملين مع ذوي الإحتياجات الخاصة لمعرفة التعامل معهم وفهم احتياجاتهم .

3-تطوير مناهج التعليم وتطويعها بما يتناسب مع إمكانياتهم وقدراتهم

  • إعداد مناهج تعليمية خاصة بذوي الإحتياجات الخاصة وتنويع أساليب الإمتحانات حتي تتناسب مع إمكانياتهم وتساعدهم علي التطوير والإستمرار في التعلم مما يعمل علي التخفيف من الضغوطات النفسية عليهم ويشجعهم علي الإنخراط في المجتمع .
  • وضع أساليب تعليمية محددة لكل فئة علي حدا حتي تتناسب مع إمكانياتها وقدراتها لذلك يجب مراعاة نوع الإعاقة التي تعاني منها كل فئة.

4-توعية المجتمع بأهمية قضية الدمج المجتمعي للأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة

  • العمل علي تكثيف الحملات الإعلانية المرئية والمسموعة التي تهتم بتلك الفئة وتقديم نماذج واقعية لأبطال التحدي في الحياة حتي تختفي النظرة السلبية في المجتمع تجاهم .
  • نشر الوعي بين الطلاب والمعلمين والمشاركين في العملية التعليمية بحسن التعامل مع هؤلاء الأطفال .

5-لمواجهة حل المشكلات التي تواجه الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة يجب علي الدولة إنشاء منظمة أو هيئة متخصصة في  رعاية شئون الأطفال المعاقين والعمل علي توفير احتياجاتهم ومتطلباتهم مثل هيئة محو الأمية وتعليم الكبار لدي رئاسة الجمهورية .

6-العمل علي إعداد قاعدة بيانات عن تلك الفئة من أجل رصد احتياجاتهم  والعمل علي سرعة الإستجابة للمشكلات والتحديات التي تواجهم مستقبلآ ومن خلال تلك القاعدة نستطيع إعداد الخطط المستقبلية التي تحافظ علي تلك الفئة وعلي إندماجها في المجتمع مما يضمن تحقيق التنمية الشاملة للمجتمع .

الدمج المجتمعي وآثاره علي ذوي الإحتياجات الخاصة

  • يعمل الدمج علي إلغاء النظرة السلبية ناحية الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة والتعامل معهم كأنهم إحدي الفئات المهمة داخل المجتمع والقضاء علي المعتقدات الخاطئة حول تلك الفئة ومحو أفكار العصور القديمة التي كانت تنظر إليهم كأنهم فئة غير مهمة ومن تلك الأفكار السلبية عندما نادي أفلاطون بالتخلص من المعوقين عن طريق النفي او النبذ أو نفيهم خارج البلاد ومنعهم من كافة حقوقهم وكما كان يفعل الإسبرطيون في وأد الأطفال الذين يولدون بعجز أو مرض وفي نهاية الأمر ترتب علي ذلك الفعل ضعفهم وانهيارهم .
  • يساهم الدمج المجتمعي للمعاقين علي تقليل شعور هؤلاء الأطفال وأسرهم بالخذي من قبل البيئة المحيطة بهم ،كما أنه يساهم في إكتشاف المواهب المختلفة لدي الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة .الدليل علي ذلك أنجبت مصر الكثير من المبدعين والرياضيين الذين تحدوا إعاقتهم وبرعوا في مجالاتهم مثل طه حسين عميد الأدب العربي والسباح مصطفي ابراهيم خليل .
  • الدمج المجتمعي يضمن لتلك الفئة تلبية متطلباتهم والحصول علي الإحترام والتقدير المجتمعي لهم وضمان حياة كريمة لهم وتحقيق العدالة الإجتماعية والمساواة بين جميع أفراد المجتمع .
  • يعمل علي علاج المشكلات النفسية والإجتماعية والسلوكية للأطفال المعاقين نتيجة اندماجهم مع فئات المجتمع . تعمل عملية الدمج علي توفيرالمناخ المناسب لذوي الاحتياجات الخاصة لينمو نمواً أكاديمياً واجتماعياً ونفسياً سليماً إلى جانب تحقيق الذات عندهم وزيادة دافعيتهم نحو التعليم وتكوين علاقات اجتماعية سليمة مع الغير وتعديل اتجاهات الأسرة وأفراد المجتمع .
  • يعود الدمج المجتمعي للأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة علي المجتمع بأكمله بالنفع حيث يعمل علي تحقيق التنمية الشاملة وتحقيق مبدأ التكامل بين الأطفال العاديين والأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة مما يساهم في بناء مجتمع أكثر شمولآ وتفاهمآ .

التحديات التي تواجه عملية الدمج المجتمعي للأطفال

  • أن عملية دمج الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة بالمدارس تحتاج إلي معلمين ذو مهارة فائقة وقدرة عالية علي التعامل مع تلك الفئة ،ولديهم قدرة علي تعديل المناهج الدراسية لكي تتناسب مع هؤلاء الفئة وإتباع أساليب تدريس خاصة بهم ،واستخدام أساليب تعليمية خاصة بهم لكي تتماشي مع قدراتهم وإمكانياتهم لذلك من أبرز المشكلات هي ضعف المستوي المهني والثقافي لمعلمي التربية الخاصة .
  • الضغوطات التي يُمارسها أولياء الأمور في المدرسة من قيامهم بحث الأطفال العاديين علي عدم التعامل مع الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة مما يخلق روح من العداء بينهم وقيام الأطفال العاديين بالإعتداء بالضرب علي الأطفال المعاقين .
  • لا تتناسب بعض المدارس والمباني والتجهيزات المدرسية مع متطلبات ذوي الإحتياجات الخاصة وتفتقد إلي وسائل السلامة اللازمة للحفاظ علي هؤلاء الأطفال وقلة البرامج التدريبية لإدارة عمليات الدمج المجتمعي لهؤلاء الأطفال ،و ضعف الموارد المالية المخصصة لهذه المدارس .

في نهاية الأمر يمكن القول أن قضية الدمج المجتمعي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة قد تطورت تطورآ خلال الآونة الأخيرة في كافة المجتمعات فهي مشكلة اقتصادية وإجتماعية قبل أن تكون مشكلة إنسانية فهي تؤثر علي الأسرة وعلي المجتمع ،عند إحداث التكيف الإجتماعي والنفسي لهم في المجتمع يؤدي ذلك إلي مشاركتهم في عمليات الإنتاج والمشاركة مما يؤدي إلي بناء الإقتصاد الوطني للدولة .

المراجع

  1. د.حسام إبراهيم مراد ،متطلبات تطوير نظام دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العادية الحكومية ، مجلة كلية التربية جامعة دمياط ، العدد 73 عدد خاص.
  2. د.هويدا محمد الأتربي ، فلسفة دمج ذوي الاحتياجات الخاصة بمدارس العاديين
  3. أ.د.رفاه عبدالحسين مهدي الفتلاوي ، الدمج الاجتماعي وآثاره على ذوي الاحتياجات الخاصة
5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى